منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تأويلات التلقـّي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تأويلات التلقـّي Empty تأويلات التلقـّي

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 7:30 am

    ادب: تأويلات التلقـّي


    (أن النصوص لم تكتب ، وبالتالي لم تنته) بيرنادلو
    جبار النجدي
    يتوسع مفهوم النصوص المفتوحة بمؤازرة التأويل ومضاعفاته التي لا تعرف التوقف، تاركة إرادة التلقي تتحرك على نحو حر ومحولة بنيه القراءة الى حاضنة لاستجابات شتى يحركها فعل استجابة المتلقين وما يتولد عنه من ردود افعال تحيد عن الفهم ومعانيه لصالح الافتراض واحتمالاته اللذين ينتجان تقولات اللامعنى وتداعياته الجديرة بالاهتمام بوصفها نسقا مستمرا لا يذعن للتعيين ويماثل الزمن بخلوده الذي يتجدد بما ينقضي من ايامه وليس باستمراريته فحسب.


    ان نشاطات الحذف الملازمة لتأويلات التلقي تتجه نحو تصحيح قراءة خاطئة تتلوها قراءة اخرى قابلة للتصحيح، وعلى وفق ذلك يصار الى اعتبارها حقلا جاذبا لعمليات التوليد التي يمكن وصفها بانها خالقة لزمن قرائي آخر ونصوص جديدة وقراء متتالين، فأية معايير قرائية راهنة أو قادمة بوسعها ان تنفي معايير قرائية أخرى، فاذا سلمنا بان قراءة نص ما بامكان ردود افعالها ان تظهر معاني قرائية مختلفة فان عمليات التأويل وما يصاحبها من حذف تفضي الى تطورات كبيرة في معاني النصوص لدرجة ان اصولها تكاد ان تتلاشى تماما، فعمليتا الحذف والتأويل هما باختصار ممارستان انتاجيتان ينشدان تعددات قرائية مفتوحة لتحرير النصوص من طغيان مرجعياتها بدلالة ان انشطة التلقي تكشف عن مجال غني بالتجارب يدفع بالنصوص المؤوَلة والمستجيبة لاجراءات الحذف بالمثول خارج متونها، ونفهم من ذلك ان النصوص ليست امتدادا للشخصيات والمؤلفين وانما هي امتداد للحظات التلقي من قبل المتلقين ونتاج لاستجاباتهم والتي يمكن ان تتولد من نصوص لاحقة يجري افتراض معانيها على سبيل التخمين فمن يدري بما يولده نص ما من استجابات متباينة مادام المتلقون لا يقرؤون النصوص بالطريقة نفسها تلك الطريقة المجهولة والاكثر اهمية من أي معنى، فمجهوليتها تتجه باستمرار نحو افق الآخر ومختلفة باختلاف لحظة التلقي، مما يدفعنا الى القول ان النصوص بمظاهرها المختلفة ليست شأنا زمانيا انها شأن شخصي او مجتمعي يتصل بتنوع شخصية المتلقين وتعارضاتهم المستمرة مع النصوص والتي تخلق
    تحولاتها.
    ان النصوص المفتوحة تتصل بصفة مستديمة ببنيات قرائية متحركة يتبعها قراء غير مكوثيين من الصعب التقاط أثرهم في الزمان، فمنتجو النصوص غير مؤلفيها انهم يماثلون بالضبط منتجي السلع الذين لا تسمح لهم الفرصة مطلقا ليتحكموا بطريقة استعمال سلعهم من قبل مستهلكيها، ولنعترف بان القراء هم مالكو النصوص الحقيقيون الذين يسيرون بها فوق ارض بلا حدود عبر لحظات قرائية لا يمكن التنبؤ بها .انها منوطة بدرجة الاستجابة التي تستجليها القراءة ذاتها او تظهرها اجراءات الحذف والتأويل من خلف الوجوه المتحولة
    للمعنى.
    ان عمليات التلقي الهائمة في دوامة اللامتناهي تدنينا من فرض احالي ينزع الى التضارب قدم له الكاتب المسرحي (بيراندلو) جوابا متهربا حينما قال (ان النصوص لم تكتب، وبالتالي لم تنته) ونخلص من خلال هذا التصور ان الوهم في تلقي النصوص لا يشاطر الحقيقة فحسب بل يحل محلها وان عملية الكتابة تماثل الامحاء تماما لاسيما حينما تصبح النصوص غير خاضعة لسلطة احد ويتم انتهاك مسوغات الاختيار القصدي للمؤلف، إثر ذلك تنقلب عمليات الامحاء الى ضروب من التوالد الانتاجي وبكيفية تقارب عمل (المسحة) الملحقة بسبورة الصف المدرسي (أنها الشيء الذي له سلطة ان نكتب الى مالا نهاية).
    ان اجراءات الحذف تنفتح على ابعد مدياتها استجابة لعمليات التأويل وتطواف مفارقاتها اللامتناهي بين المتلقين، فحالة التلازم المتحققة بين العمليتين تستحضرها في احايين كثيرة حاجات المتلقين للكشف عن المستويات الفنية والدلالية لنص ما، فتداخل وجهات النظر وتعالقها في (البناء السردي المتعدد الإصوات) وما يتيحه (السرد التداخلي) من امكانية (حضور وجهات نظر متعددة) يسهم في اظهار مدى التلازم بين عمليتي الحذف والتأويل، وعلى سبيل المثال فان طريقة سقي حديقة المنزل بواسطة خرطوم الماء المطاطي في قصة (الحديقة) للقاص محمود عبد الوهاب يجري وصفها بانماط سردية متعددة ومتداخلة تتراوح بين الحلم واليقظة والتصور والحقيقة ويترتب عن استخدام هذه الطائفة من انماط القص ازاحات متتالية ناجمة عن اختلاف مستويات التلقي والتي تعكس حالات عدم التوافق في وجهات النظر وتسمح بظهور نشاط تأويلي يتواصل مع التجارب الشخصية المختلفة للمتلقين ويتضح من مثال كهذا ان المعاني ليست ماثلة في النصوص ابدا ويقابل ذلك فان المتلقين لا يجمعهم أي اتفاق حول نص بعينه ولا تدنيهم خواص مشتركة حول نصوص بذاتها فالنصوص في حقيقة الامر تعبر عن معان ملحقة بردود الافعال لاسيما(حينما تصبح مناسبة يمارس فيها المتلقي قدراته الشخصية) فلا وجود لأية سلطة بمقدورها التحكم باهواء المتلقين وسبل تلقيهم للنصوص، فلكل متلق تجربة مختلفة واستجابة مناسبة لعملية تلقي نص ما، لذا فان النصوص تعج بمعان عرضية لا تسمح باستقرار تحولاتها وتبعا لذلك فان المتلقي في حالة انتظار دائم لتلقي معان أخر لا تقدمها القراءات او عمليات التلقي باستمرار ووفقا لذلك فان عمر نص ما متروك لاستجابات القراء ومقيد بما لا يعلمونه في الاوان ذاته إذ ليس من مهام المتلقين (كشف الاسرار) او البحث عن لغز ومايعنيهم على الدوام هو تقديم مالم يتم تقديمه في النصوص وبالكيفية التي يكون فيها المتلقي عنصرا من عناصر النص وتلك اغرب مفارقات القراءات التأويلية المتحققة عبر النشاط الإنتاجي للحذف لكنها من اندر متع القراءات واكتشافاتها وفي سياق هذا التصور يرى (آيزر) (ان النص لا يمكن النظر اليه بانه يمثل شيئا معطى سلفا) ويواصل التأكيد على الافعال والمواقف التي تكيف استجابات القارئ ونتبين من ذلك ان الممارسة التأويلية التي تنتج حذفا تتطلب طائفة من الافتراضات التي لا تتعلق بفهم معنى ما بقدر تعلقها بدرجات الاستجابة الغنية بالمتغيرات والماثلة في ردود افعال المتلقين وينطوي الامر على نوع من الإقرار بان درجات الاستجابة هي شكل وسيط او طرف بين طرفين: النص - والمتلقي - لكن حدوثها يتحقق عادة بما يسمو على الاصل فالاستجابة يحركها المعنى المفترض من قبل المتلقي وليس معنى النص وقصديته، ومن جهتها فان عمليات التلقي مليئة بمستويات الاستجابة، التي بامكانها ان تحدث (بسيرورة التلقي) استنادا الى (تجربة المتلقي الخاصة) ودرجة الاستجابة في اية لحظة من لحظات التلقي تبعا لكفاءته وقدراته التي تحول اية درجة من درجات الاستجابة الى مستوى من مستويات المعنى يتم الحاقها بعمليات التلقي وظاهرها التداولية التي لا يعنيها الانشغال بمعاني النصوص وقصدية مؤلفيها سعياً لابقائها معاني استثنائية لها صفة الحدوث فكل استجابة تتصل بظروفها لذا فان درجات الاستجابة لا يمكن ان ننتهي من معرفتها ابدا لتغاير محمولاتها الشخصية والمجتمعية إذ بوسعها خلق مزاج جديد غير مرة للمتلقين الذين يتقبلون المتغيرات ولا يستسلمون للثوابت وهو إقرار بغياب المؤلفين والتعويل على طرق لامتناهية في تلقي النصوص.
    إحالات:
    1- باربرا أنشتاين سميث - مقال " أخلاق التأويل"- مجلة الثقافة الاجنبية
    2- الدكتور مالك المطلبي - كتاب مرآة السرد.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 4:22 am