منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    العامل و الفاعل والممثل:سيميائية الأدوار

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     العامل و الفاعل والممثل:سيميائية الأدوار Empty العامل و الفاعل والممثل:سيميائية الأدوار

    مُساهمة   الجمعة نوفمبر 25, 2011 4:59 am

    [center]إمدادات هذا الكاتب د. جميل حمداوي 03 سبتمبر 2010

    العامل و الفاعل والممثل:سيميائية الأدوار

    (نحو مشروع سيميائي جديد: السيميائية الذهنية أو الإدراكية)

    د. جميل حمداوي
    توطئـــــة:

    بعد أن كان هناك التباس كبير بين الشخص والشخصية في مقاربات النقد الأدبي الحديث ، إلا أنه مع ظهور البنيوية السردية فقد تبين الفرق بشكل واضح ودقيق بين الشخص والشخصية، وذلك حينما اعتبر الشخصpersonne إنسانا من دم ولحم، ينبض في الواقع بالحياة والحركة، ويحيل على عالم مرجعي مادي محسوس، بينما الشخصية personnage في المقابل ماهي إلا كائن ورقي تخييلي، وقد صنعه المبدع ليتواصل مع متقبل افتراضي وخيالي بدوره.
    بيد أن السيميائيات النظرية والتطبيقية ستتجاوز ثنائية الشخص والشخصية معا، لتعوضهما بالعامل والفاعل، وذلك استرشادا باللسانيات الوصفية (بنيوية دوسوسير، والوظيفية الفرنسية، والكلوسيمياتيكية، والتوزيعية…) ، واللسانيات التفسيرية(أبحاث نوام شومسكي، وشارل فيلمور، وكاتز، وفودور…)، فضلا عن دراسات الشكلانيين الروس كما عند فلاديمير بروب V.Proopمثلا.
    لكن السيميائيات في آخر المطاف حسب تجاربها النصية ومعطياتها العلمية، إن تنظيرا وإن تطبيقا، لم تعمق مفاهيم البطل والعامل والفاعل بشكل جيد وموسع، بل حصرتها في خطاطات صورية مجردة و كونية عامة؛ إذ يمكن تطبيقها على جميع السرود المخيالية والأشكال النصية والأنشطة البشرية؛ مما دفع بعض السيميائيين للرجوع توا إلى مفهوم الشخصية بشكل أعمق وأدق وأوسع كما عند فليب هامونP.Hamon في مقاله القيم:” من أجل قانون سيميولوجي للشخصية”.
    وسوف نحاول في هذه الدراسة ، وذلك قدر الإمكان، أن نحدد الفوارق الموجودة بين الفاعل والعامل والممثل. وبعد ذلك، سنحدد مجموعة من الأدوار السيميائية التي يؤديها كل من العامل والفاعل، ونبين الخلط الموجود بين الفاعل والعامل لدى كثير من الدارسين السيميائيين العرب. ويعد ذلك، نستعرض مشروعنا الجديد الذي سميناه بسيميائية الذهن أو السيميائية الإدراكية أو التفكيرية أو العقلية أو المنطقية.

     تحـــديد المفـــــاهيــــم العاملية في الحقل السيميائي الغربي:

    اعتمد كثير من النقاد العرب في مقاربة الإبداعات الأدبية منذ العقد الثالث من القرن العشرين على مفهوم الإحالة والمطابقة والانعكاس، فحاكموا المؤلفين والمبدعين اعتمادا على طبيعة الشخصية التي شغلوها في قصصهم ورواياتهم وأعمالهم المسرحية، فتم الخلط بين الشخص والشخصية. وإذا كان الشخص كما قلنا سابقا إنسانا حيا واقعيا من لحم ودم، فإن الشخصية بمثابة كائن ورقي إبداعي وتخييلي. وبتعبير آخر، الشخص إحالة مرجعية واقعية وسيكولوجية، بينما الشخصية علامة خيالية. ويعني هذا أن مفهوم الشخصية يلتقي:” بمفهوم العلامة اللغوية حيث ينظر إليها كمورفيم فارغ في الأصل سيمتلئ تدريجيا بالدلالة كلما تقدمنا في قراءة النص. فالظهور الأولي للشخصية في السرد الكلاسيكي سيشكل شيئا شبيها ببياض دلالي أو شكل فارغ تأتي المحمولات المختلفة لملئه وإعطائه مدلوله عن طريق إسناد الأوصاف والحديث عن الانشغالات الدالة للشخصية أو دورها الاجتماعي الخاص، على أن مدلول الشخصية ، أو قيمتها إذا أردنا استعمال المصطلح السوسوري ، لا ينشأ فقط من تواتر العلامات والنعوت والأوصاف المسندة للشخصية، ولا من التراكمات والتحولات التي تخضع لها قبل أن تستقر في وضع نهائي آخر النص، ولكن ذلك المدلول يتشكل أيضا من التعارضات والعلاقات التي تقيمها الشخصيات داخل الملفوظ الروائي الواحد. ويعني هذا الأمر من وجهة نظر بنيوية أن لا نسعى دائما إلى المطابقة بين الشخصية ومدلولها، فهي وإن كانت متوفرة على مدلول بارز لا نزاع فيه، فإنه من غير الطبيعي اختزالها إلى مجرد مدلول.
    وتتقاطع الشخصية هنا أيضا مع العلامة اللغوية عندما ترد في الخطاب عن طريق دال متقطع يعينها في النص، ويقدمها بواسطة مجموعة متفرقة من العلامات والسمات التي يختارها المؤلف طبقا لاتجاهه الجمالي، فقد يركز على الضمير الشخصي أو الاسم الخاص للبطل حتى يؤمن مقروئيته. ”
    لكن الدراسات الشكلانية والبنيوية والسيميائية قد تجاوزت مفهوم الشخص والشخصية إلى مفاهيم لسانية جديدة مأخوذة من النحو واللسانيات كالفاعل والعامل والممثل. وعوضت الأحداث بالوظائف، بينما استبدلت الشخصيات بالحوافز أو العوامل والفواعل كما عند فلاديمير بروب، وإتيان سوريو، ورولان بارت ، وكلود بريمون، وتوماشفسكي ، وتزتيفان تودوروف، وكريماص…
    وهكذا، ” ينسجم هذا التعريف مع المفهوم اللساني للشخصية الذي دافع عنه معظم النقاد البنيويين، فهذا تودوروف يجرد الشخصية من محتواها الدلالي، ويتوقف عند وظيفتها النحوية، فيجعلها بمثابة الفاعل في العبارة السردية لتسهل عليه، بعد ذلك، المطابقة بين الفاعل والاسم الشخصي للشخصية. بل إن فليب هامون يذهب إلى حد الإعلان عن أن مفهوم الشخصية ليس مفهوما أدبيا محضا، وإنما هو مرتبط أساسا بالوظيفة النحوية التي تقوم بها الشخصية داخل النص، أما وظيفتها الأدبية فتأتي حين يحتكم الناقد إلى المقاييس الثقافية والجمالية. ”
    وعليه، فإن” الشخص من وجهة نظر لسانية لا يحدد بميوله النفسية، واستعداداته البيئية، وخصاله الخلقية، وإنما بمكانته، أو بالأحرى بموقعه داخل القصة” .
    ومن هنا، يقول موريس أبو ناضر بأن:” الكلام عن موقع الشخص داخل القصة، يعني بكلمة أخرى الكلام عن شخص يعمل عملا ما ، عن شخص يلعب دورا ما. وبالتالي، يتم النظر إلى هذا الشخص أو ذاك كوظيفة نحوية ولا شيء آخر.
    إن تحديد الشخص بالعمل الذي يعمله، أو الفعل الذي يفعله، ينبع من مفهوم صرفي- نحوي، إذ ليس هناك من وجهة نظر نحوية: فعل من دون فاعل أو فاعل من دون فعل. إن الفاعل النحوي على مستوى الجملة هو الذي يقوم بالفعل. وهو ذاته الفاعل الفني على مستوى القصة.
    إن هذا المفهوم اللساني للفاعل، قابل للتطبيق في مجال القصة، ذلك أن القصة هي مجموعة أفعال، أو بكلمة أكثر تقنية مجموعة أعمال تقوم بها جماعة من العوامل… وهذه العوامل موجودة في كل فعل تواصل، أكان فنيا أم فلسفيا أم سياسيا.”
    وعلى العموم، فنظرة البنائية المعاصرة للشخصية :” مستمدة في مجموعها من مفهوم الوظائف في اللسانيات، ذلك أن الكلمة في الجملة لم ينظر إليها على أنها تحمل دلالة ما خارج سياقها، بل إنها لا تأخذ دلالتها إلا من خلال الدور الذي تقوم به وسط غيرها من الكلمات ضمن النظام العام للجملة، حتى لقد وصفت الكلمات بأنها بمثابة أعضاء- على غرار ماهو حاصل في جهاز عضوي أو في هيئة اجتماعية- يقدم كل منها مساهمته الخاصة من أجل تحقيق مهمة جماعية.
    ولقد نظر إلى النص الحكائي وفق هذا التصور؛ ذلك أن ماهو أساسي فيه، هو الأدوار التي تقوم بها الشخصيات، فعن هذه الأدوار ينشأ المعنى الكلي للنص. وهذا هو سبب تحول الشكلانيين والبنائيين معا إلى الاهتمام بالشخصية الحكائية من حيث الأعمال التي تقوم بها أكثر من الاهتمام بصفتها ومظاهرها الخارجية.”
    والآن سنحاول تحديد بعض المفاهيم المتعلقة بسيميائية الشخصية في الحقل الثقافي الغربي، وذلك بالتركيز على العامل والممثل والفاعل.

    1- مفهـــوم العامل:

    لم يظهر مفهوم العامل Actant إلا مع الشكلاني الروسي فلاديمير بروب V.Proppوإتيان سوريوEtienne Souriau ، فقد حاول فلاديمير بروب دراسة مائة حكاية روسية عجيبة بطريقة سيميائية قائمة على تحديد الوظائف الثابتة والعوامل الفاعلة المتكررة في تلك الحكايات، وذلك في كتابه:” :” مورفولوجيا الخرافة” ،فحصر كل تلك الحكايات الشعبية في إحدى وثلاثين وظيفة على النحو التالي:

    1- الابتعاد
    2- التحري مقابل الإخبار.
    3- الخداع مقابل الخضوع.
    4- النقص مقابل تعويض النقص.
    5- الإساءة مقابل تعويض الإساءة.
    6- التكليف مقابل تصميم البطل
    7- الذهاب مقابل العودة.
    8- الخضوع للتجربة مقابل مجابهة التجربة.
    9- الحصول على المساعدة مقابل نقص المساعدة.
    10- الانتقال مقابل الوصول المقنع.
    11- الصراع مقابل الانتصار.
    12- الاضطهاد مقابل العون.
    13- إدعاء المسيء مقابل التعرف على المسيء.
    14- تقنع البطل مقابل التعرف على البطل.
    15- الخضوع لمهمة صعبة مقابل النجاح في المهمة الصعبة.
    16- القصاص مقابل الزواج.
    ويمكن اختزال هذه الوظائف الثنائية إلى أزواج رباعية كما يرى ذلك الباحث الفرنسي الأنتروبولوجي كلود ليفي شتروسClaude levi Strauss:” إن هناك عددا من الوظائف يمكن اعتبارها ناشئة عن تحولات وظيفة واحدة، ويعطي مثلا الخرق، ويعتبره تحولا للمنع الذي هو بدوره تحول لوظيفة أخرى هي الأمر. ولكن الأمر كما أشرنا ترافقه وظيفة مقابلة هي تصميم البطل، أو بكلمة أخرى قبول الأمر.
    وهكذا، نجد أنفسنا تجاه تعارض مزدوج يتكون من أربع كلمات لها سمة معنوية مشتركة تسمح لنا بمعالجتها كعلاقة تماثل.
    إذا كان الأمر
    ــــــــــــــــــ : إبرام العقد
    قبول الأمر

    فإن المنع
    ـــــــــــــــــ: فسخ العقد
    خرق المنع

    إن نموذج التماثل يتشكل كما بينا من كلمات أربع. اثنتان تعكسان إقامة العقد الاجتماعي، واثنتان تعبران عن فسخ العقد.”
    ويرى موريس أبو ناضر كذلك أن هذه الثنائيات البنيوية الوظيفية تبين بأن هناك:” نوعا من الترابط بين بعض الوظائف داخل كل قصة. هذا الترابط يمكن اعتباره تماثلا Homologie، أي علاقة نسبية بين أربع كلمات(أ:ب:أ:ب). إن مفهوم التماثل يساعدنا على فهم بنيان الوظائف، ومجال تحولاتها كما يساعدنا على فهم العالم…”
    وهذه الوظائف الموجودة عند فلاديمير بروب تنجزها سبع شخصيات متواترة، وتتردد بكثرة في الحكايات الروسية العجيبة، وهي: المعتدي (الشرير)، والواهب(المانح)، والمساعد، والأميرة(الشخص موضع البحث)، والمرسل، والبطل، والبطل المزيف.
    وسيظهر بعد فلاديمير بروب إتيان سوريو E.Souriau ليدلي بدلوه ، وذلك بدراسة العوامل داخل المسرح والدراما ، وذلك من خلال منطق سيميائي فلكي في كتابه: ” مائتا ألف موقف درامي “. وتتمثل العوامل الدرامية عند سوريو في هذه المفاهيم الفلكية:
    1- الأسد: لتمثيل القوة الموضوعية الموجهة.
    2- الشمس: لتمثيل الخير المرغوب فيه والقيمة الموجهة.
    3- الأرض: لتمثيل ما يحصل على الخير الذي يعمل من أجله الأسد.
    4- المريخ: لتمثيل المعارض أو العائق.
    5- الميزان: لتمثيل الحكم الذي يهب الخير.
    6- القمر: لتمثيل المساعد الذي يعزز إحدى القوى السابقة.
    ويمكن ترجمة هذه المصطلحات الفلكية المتعلقة بالأفلاك والأبراج السماوية بالعناصر العاملية الستة على الشكل التالي:
    البطل ← الموضوع
    المرسل← المرسل إليه
    المساعد← البطل المضاد.
    بيد أن البنية العاملية لم تكتسب بعدها المنهجي والإجرائي إلا مع كريماص Greimas، والذي عمق مفاهيمها في العديد من كتبه السيميائية النظرية والتطبيقية، وذلك من خلال تطبيقها على مجموعة من الأنشطة البشرية سواء أكانت حكايات أم قصصا أم روايات أم مشاريع سيميائية مختلفة عامة وخاصة.
    هذا، وتتحدد البنية العاملية عند كريماص في ثلاثة محاور وست عوامل. وهذه المحاور هي: محور التواصل، ومحور الرغبة، ومحور الصراع. أما العوامل الستة فهي: المرسل والمرسل إليه، والذات والموضوع، والمساعد والمعاكس.

    محور التواصل: المرسل←المرسل إليه
    محور الرغبة: الذات← الموضوع
    محور الصراع: المساعد← المعاكس

    (خطاطة رقم 1 : محاور البنية العاملية)

    وتحضر البنية العاملية كذلك بشكل من الأشكال عند شارل فيلمور الذي تأثر به كريماص، ومن هنا يمكن:” أن يتحدد مفهوم العامل أيضا في علاقته بالتصور الذي أعطاه شارل فيلمور لنحو الحالات، وإذا لم تكن هناك إشارة واضحة عند كريماص في كتابه:” علم الدلالة البنيوي”(1966)، فإنه يشير في المعجم مع كورتيس إلى أن مفهوم العامل يمكن أن يؤول في إطار نحو الحالات. على أن جون بتيتو Jean Petitot في معرض حديثه عن الإبستمولوجيا الكريماصية، قد وقف عند نحو الحالات ، وبين تجلياته على مستوى النحو السردي عند كريماص.
    إن التصور الأساسي عند فيلمور يقوم على وجود لائحة متناهية من الكليات الحالية أو حالات عميقة، ويمكن تحديد محتواها المفهومي:
    1- الفاعل، حالة الفاعلL’agent: فاعل الفعل(+حي) الذي يصفه الفعل اللغوي.
    2- الهدف :Datifحالة الكائن المتميز بمقومSmile+ حي(، الخاضع لتأثير حالة أو الفعل الذي يصفه الفعل.
    3- الأداتية L’instrumental : حالة القوة أو الموضوع(- حي) والمتدخلين سببيا في الفعل أو الحالة.
    4- المحليLe local : الحالة التي تميز المكان أو التوجه المكاني للحالة أو الفعل.
    5- المحايد L’objectif: الحالة الأكثر حيادا دلاليا، حالة العوامل التي يحدد دورها الموصوف بواسطة الفعل انطلاقا من التأويل الدلالي للفعل نفسه.”
    ومن المعروف أن العامل مفهوم إجرائي مجرد وكوني وعام يمكن أن يوجد في كل السرود المخيالية العالمية. ومن ثم، فالعامل حسب الدكتور محمد مفتاح هو الذي:” ينجز فعلا أو يخضع له في استقلال عن كل تحديد آخر (دلالي أو إيديولوجي)، وقد يكون كائنات إنسانية أو حيوانات أو أشياء أو مفاهيم “.
    ويرى الدكتور محمد مفتاح أن العامل أنواع عديدة أهمها:
    1- عاملا التواصل( أو المقال) اللذان هما: السارد والمسرود له.
    2- عاملا السرد(أو القول): فاعل مفعول: أي مرسل/ متلق.
    3- عاملا الوظيفة وهما عامل آمر وعامل متلق للأمر. ويمكن أن يسمى العامل المتلقي للأمر بالفاعل Sujet، وهو حينئذ نوعان:
    1) عامل الفعل، وهو الذي يجعل الاتصال أو الانفصال واقعا. وتدعى عملية التحويل هذه بالبرنامج السردي.
    2) وفاعل الحالة الذي يتحدد بعلاقته مع الموضوع القيم المبحوث عنه إذ قد تكون علاقة اتصال. وقد تكون علاقة انفصال”.
    هذا، ويتموقع العامل في نظرية كريماص في البنية السطحية، وبالضبط في المستوى السردي التركيبي، حيث ينجز مجموعة من الأفعال والتحولات، ويرد في شكل حالات متنوعة في علاقة بموضوع الرغبة اتصالا وانفصالا. وهنا، يتم الحديث عن عامل الفعل sujet opérateur وعامل الحالة Sujet d’état . ويتضح لنا أن البنية العاملية مقترنة أيما اقتران بسيميائية الفعل والعمل. هذا، ويعتمد العامل لإنجاز برامجه السردية على اختبارات التحفيز والتأهيل والإنجاز والتمجيد. وهنا، إحالة أيضا على منطق الجهات الذي يتمثل في : الواجب والإرادة والمعرفة والقدرة، وإخراج الفعل من الافتراض والاحتمال إلى الإمكان والتحقق.
    ويعني كل هذا أن العامل مرتبط أشد الارتباط بالبنية العاملية، وهي مبنية على منطق الحالات والتحولات والجهات، وتتموقع في البنية البينية بين المحايثة والتجلي، في حين نجد أن البنية الخطابية بنية متجلية متمظهرة، وهي كذلك البنية الأخيرة في سلمية المسار السردي عينه. أما البنية الموغلة في التجريد والصورية والشكلية فهي البنية المنطقية الدلالية ، والتي تتشخص في المربع السيميائي .
    وللتوضيح أكثر، فالبنية الخطابية تتكون من المكون الخطابي الدلالي. وتمثل هذه البنية تمظهرا سطحيا وتجليا للبنية السردية العميقة المجردة، ويتم تحويل هذا المجرد(المربع السيميائي والبنيات الدلالية والأصولية العميقة) إلى ماهو محسوس ، وذلك عن طريق تحويل البنيات الموغلة في التجريد إلى بنيات خطابية ظاهرة عبر عملية التخطيب (التحول إلى خطاب ظاهر وسطحي) ، والتي تتمثل في صوغ الممثلين، وبنية التفضية(الفضاء)، وبنية التزمين(الزمان).
    فعلى مستوى صوغ الممثلين، يتم الحديث هنا عن أدوار العامل وأدوار الفاعل على حد سواء في علاقة بالفضاء الزمكاني، حيث ينتقي الفاعل أو العامل الأمكنة والأزمنة الخاصة بإنجاز البرامج السردية. ويمكن التعامل مع الأفضية من خلال ثنائية الاندماج واللاندماج Embrayage/débrayage أو التجذير واللاتجذير أو التحقق واللاتحقق. وعملية التفضية لها علاقة وطيدة بـ:” أنا- هنا- الآن”، أي دلالة الحضور في الزمان والمكان اندماجا ولا اندماجا. ويقول إميل بنفنست E.Benveniste في هذا الصدد:” نبرز علاقتها- الإشاريات- بأنا لتحديدها: هنا والآن، يحددان التحقيق المكاني والزماني المعايش والمعاصر للتحقق الخطابي المتضمن”.
    ونوضح كل هذا بالخطاطة التالية:
    ٭ الاندماج الشخوصي: أنا( شخصيات ضمير المتكلم/ الضمير الشخوصي)← اللااندماج الشخوصي: لا أنا( السارد يقدم الشخصية غيابيا من خلال رؤية كلية ومطلقة/ الضمير غير الشخوصي).
    ٭ الاندماج المكاني: أنا هنا( الوجود داخل مكان معين)← اللاندماج المكاني: لست هنا( الانحلال عن المكان وقت التلفظ)
    ٭ الاندماج الزمني: أنا الآن(الحضور في الزمان)←اللاندماج الزمني: لست الآن (الانحلال الزمني عن طريق التداعي والفلاش باك مثلا) .
    زد على ذلك، يمكن الحديث عن فضاءات دامجة وفضاءات مدمجة داخل النص الروائي مثلا ضمن شحنات دلالية سوسيوثقافية ، فالأهرام مثلا فضاء مدمج Englobé، بينما مصر فضاء دامجEnglobant . وهذا يعبر عن التجذير المكاني. أما التجذير الزمني في النص الروائي، فيتم عن طريق المعينات والمزمناتChrononymes والإشاريات والظروف والموجهات الزمنية والوحدات المعجمية الدالة على الزمن.
    ويمكن الحديث في إطار الفضاء عن التضمين والتوليد والمحلية Localisation… كما يمكن الحديث عن فضاءات الأصل أو المنبع Espace-temps source، والفضاءات الوسيطية espace-temps médiateur، والفضاءات النهائية أو فضاءات الهدفespace-temps cible، فضلا عن فضاءات مساعدة أو معاكسة سواء أكان هذا على المستوى المكاني أم الزماني.
    هذا، وإن الانتقال من بنية التجلي والتمظهر (البنية الخطابية) إلى بنية البين(البنية السردية التركيبية) يتم عن طريق البنية العاملية، وبالضبط عن طريق الفاعل الذي يقوم بدور عاملي تركيبي وبدور تماتيكي خطابي، أي يجمع بينهما داخل بوتقة خطابية منسجمة.
    وهكذا، يتم الحديث في إطار البنية العاملية بصفة عامة عن الحالات( أفعال الكينونة)، والتحولات( الفعل والظهورParaître)، والجهات (الإرادة/المعرفة/ الواجب/ القدرة/الإمكان/ التحقق)، والبرامج السردية( التحفيز/ الكفاءة/ الإنجاز/ التقويم). أما في البنية العميقة المجردة ، فيتم الحديث عن المربع السيميائي الذي يولد لنا علاقات منطقية ودلالية تتحول إلى السطح عن طريق عمليات تركيبية ودلالية.
    ويتشخص المسار التوليدي للنص السردي على الشكل التالي:

    البنية العميقـــــة←البنيـــــــة البينيــــــة ←البنيـــــة السطحية
    ↓ ↓ ↓
    بنية مجــــردة ← بين المحايثة والجلاء← بنية التمظهر والجلاء
    ↓ ↓ ↓
    المربع السيميائي←البنية العاملية← البنيــــــــة الخطابية

    (خطاطة رقم 2: بنيات المسار التوليدي للنص)

    2- مفهـــوم الفاعل/ الممثل:

    غالبا ما يترجم Acteur عند الدارسين السيميائيين العرب بالممثل، بدلا من استخدام مصطلح الفاعل الذي يحيل على العمل والفعل والإنجاز والقيام بوظيفة ما. وبالتالي، يتم الخلط بين المفهومين التباسا ودلالة وإحالة، على الرغم من أن مصطلح الفاعل أكثر دقة ووضوحا وإجرائية . أما كلمة الممثل ، فهي تحيلنا مباشرة على المسرح والدراما، ولا تحمل في طياتها حمولات سيميائية الفعل والعمل بشكل صحيح ومحدد. ومن هنا، ” فإذا كان مفهوم العامل يتميز بطبيعته التركيبية، فإن مفهوم الممثل/ الفاعل يبدو، منذ الوهلة الأولى، على الأقل، غير مرتبط بالتركيب، ولكن بالدلالة”.
    ويعني هذا أن الفاعل أو الممثل وحدة معجمية دلالية منتمية إلى الخطاب، كما يتضمن دلالات خاصة منها: كونه وحدة تصويرية مؤنسة أو غير مؤنسة(حيوان/جماد/نبات/ فكرة/…)، يحمل اسما علم يفرده عن باقي الفواعل الأخرى، ينجز دورا أو مجموعة من الأدوار التركيبية أو الخطابية الدلالية. بينما يبقى مفهوم العامل في المقابل مفهوما مجردا عاما وكونيا وغير مخصص وغير مفرد.
    فالفاعل – إذاً- يقترن أيما اقتران بالبنية الخطابية للنص السردي على مستوى البنية السطحية. ويقوم الفاعل بأداء مجموعة من الأدوار الموضوعاتية أو التيماتيكية أو المعجمية إلى جانب قيامه بمجموعة من الأدوار العاملية. وبالتالي، فالفاعل يمكن تسميته بالفاعل المعجمي في مقابل العامل الذي يمكن تسميته بالفاعل السردي أو التركيبي. زد على ذلك، إن الفاعل يتموقع بين المستويين السردي والخطابي، أي إنه حلقة وصل وسطى بين المكون الخطابي والمكون التركيبي. وهذا ما يؤكده كريماس أيضا:”إن الاعتراف بوجود مستويين- سردي وخطابي- مستقلين ومتمفصلين يحل مسألة الخطوة الغامضة لفاعل السرد الذي تكون على عاتقه المواكبة المتوازية لمسارين مركبيين يكون مجبرا عليهما: من جهة البرنامج السردي المحدد بتوزيع الأدوار العاملية، ومن جهة أخرى المسار المتميز الذي تؤسسه التصويرية الخطابية: ذلك أنه بمجرد أن تتحدد فيها وحدة معجمية، فإنها تعمل على اقتراح تسلسل تصويري قسري.”
    وهذا ما يثبته كذلك جوزيف كورتيس Josef Courtès في كتابه:”مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية” بقوله:” لا يتعلق الممثل باستثماره الدلالي ، ولا ننسى بالفعل بأن الممثل لا يختزل في المكون الخطابي فقط، فباعتباره داخلا في الحكاية، فإنه يأخذ وضعه في التنظيم التركيبي أيضا. في هذا الأفق، يظهر الممثل كمجال لالتقاء وارتباط البنيات السردية والبنيات الخطابية للمكون النحوي والمكون الدلالي، لأنه مكلف في نفس الوقت على الأقل بأداء دور عاملي، وعلى الأقل بدور غرضي يدققان كفاءته وحدود فعله أو كينونته.إنه في نفس الوقت مجال لاستثمار هذه الأدوار، ولكن أيضا لتحويلها، بما أن الفعل السيميائي الذي يشتغل داخل إطار الموضوعات السردية يتمثل أساسا في لعبة من الاكتسابات والخسارات، من تغييرات وتبادلات للقيم الكيفية والإيديولوجية. إن البنية الممثلية تظهر من هذا الحين كبنية فضائية: مع اعتبار تعالقها في نفس الوقت مع البنيات السردية والبنيات الخطابية، فإنها ليست إلا مجال تمظهرها، دون الانتماء في الواقع لا إلى هذه ولا إلى تلك”.
    وعليه، فالفاعل داخل النص السردي:” يحيل على معنى ممتلئ وثابت، ومحدد في ثقافة ما. كما يحيل إلى أدوار وبرامج واستعمالات مقولبة. إن مقروئيتها مرتبطة مباشرة بدرجة مشاركة القارئ في هذه الثقافة( يجب أن نتعلمها ونتعرف عليها). وباندماج هذه الفواعل داخل ملفوظ معين، فإنها ستشتغل أساسا كإرساء مرجعي يحيل على النص الكبير للإيديولوجيا أو للرواسم [ يقصد العبارات المسكوكة] وللثقافة.إنها تتضمن-إذاً- ما يسميه رولان بارت في إحدى كتاباته بأثر الواقع.”
    والمقصود من كل هذا أن الفاعل يتميز بأدوار خاصة متفردة تعبر عن هوية المنفذ، وترصد كينونته وتصرفاته وأعماله ضمن إطار سوسيوثقافي معين للمتلقي. وعلى العكس من ذلك، فالعامل عبارة عن بنية مجردة عامة كما خطط لها كريماص. ومن ثم، فقد يكون الفاعل مرتبطا بالنسق العائلي( الأب- الخال- العم- الحفيد- الجد- الزوجة- الأم…)، أو النسق المهني الاجتماعي( شرطي- أستاذ- صياد- محام- قاض…)، أو النسق الديني (الفقيه- الشيخ- المريد- الصوفي…)، أو السياسي والاقتصادي ( الرئيس- الوزير- مدير شركة..)….إلى جانب أدوار نفسية وذهنية وتلفظية ومعنوية…
    هذا، و” يتحدد الدور الموضوعاتي للفاعل باختزال مضاعف: أحدهما هو اختزال التمظهر الخطابي في مسار صوري محقق أو قابل للتحقق في الخطاب، وثانيهما هو اختزال هذا المسار في منفذ( (agent مؤهل لأن يقوم به افتراضا. وعليه، فموضوعة الصيد تستقطب صورا متعاقبة(الصنارة-الخيط – القصبة- مجمع مائي…)، يمكن أن تختزل في دور موضوعاتي؛ وهو الصياد. وحينما يستخدم هذا الدور الموضوعاتي في الخطاب، فهو يرتبط بمسارات صورية. فإضافة إلى كونه موضوعة، هو أيضا دور، ويمكن أن يكون في الوقت نفسه اسما( صورة اسمية) وعاملا( دور عبر- تركيبي). ويمثل كريماص بالصياد الذي ورد في قصة” الصديقين” لجي دي موباسان Guy De Maupassant . فمن البديهي أن يحمل هذا الدور في ذاته كل إمكانات فعله، وكل ما يمكن أن ننتظره منه كممارسة. إن إدراجه في تشكل خطابي يجعل منه دورا موضوعاتيا قابلا للاستعمال من طرف الحكي.”
    وعلى العموم، فالفاعل صورة معجمية مرتبطة بالبنية الخطابية الدلالية، ويتحدد بشكل دقيق بأدواره التيماتيكية والتصويرية داخل المسار التوليدي للنص الروائي مثلا.

     الخلـــط بين المفاهيــــم العاملية في الحقل السيميائي العربي:

    يلاحظ عند الكثير من الدارسين السيميائيين العرب نوعا من الخلط المنهجي بين شيئين، الخلط بين الفاعل / الممثل (Acteur)والعامل) (Actant من جهة، والخلط بين الممثل أو الفاعل في ترجمة مصطلح (Acteur) من جهة أخرى. وهذه إشكالية عويصة على المستوى المنهجي في التعامل مع النصوص السردية والأدبية ذات الطابع المخيالي والأنشطة السيميائية البشرية الأخرى.

    1- الخلط بين الفاعل والعامل:

    نجد هذا الخلط واضحا وجليا عند الباحث المغربي الدكتور محمد مفتاح في كتابه:”تحليل الخطاب الشعري” ، إذ لا يفرق بين العامل والفاعل كما في هذا الشاهد النصي:” وقد ينجز البرنامج السردي بواسطة الفاعل نفسه أو بواسطة مندوبه سواء أكان إنسانا أم حيوانا أم آلة”. والصواب في هذا السياق أن العامل هو الذي يتخذ هذه الخصائص المتنوعة من إنسان وحيوان وجماد وفكرة. كما أن العامل هو الذي ينجز البرنامج السردي على المستوى التركيبي من البنية السطحية.
    ونجد هذا الخلط كذلك عند موريس أبو ناضر في كتابه:” الألسنية والنقد الأدبي”، حيث يستعمل العامل Actant بمفهوم الفاعل والممثل Acteur ، بينما العامل في الحقيقة هو الذي ينجز أدوارا عاملية على مستوى التركيب السردي من البنية السطحية، في حين نجد الفاعل أو الممثل هو الذي يقوم بأدوار موضوعاتية معجمية (تيماتيكية) على مستوى الخطاب، وقد يقوم بأدوار عاملية على مستوى السرد، وبهذا يكون الفاعل حلقة وسطى بين المكون السردي والمكون الخطابي، وإن كان الأفضل في اعتقادنا استخدام مفهوم الفاعل بدلا من الممثل؛ لأن هذا المفهوم يحيلنا مباشرة على الإنجاز والفعل والعمل.
    وعليه، فموريس أبو ناضر كما قلنا سابقا يخلط منهجيا بين العامل والفاعل والممثل كما في هذه القولة:” إن الممثل acteur كما يتبين، نصوغه، انطلاقا من وصف الوظائف التي تشكل هيكل القصة، من دون الأخذ بالاعتبار طبيعة الممثل. فقد يكون حيوانا أو إنسانا أو جنيا أو يكون فكرة، أو شيئا ما. كما أن صياغة الممثل لا تتم بناء على العواطف أو الميول التي تدفعه إلى القيام بهذا العمل أو ذاك، وإنما على أساس الأعمال التي يقوم بها، وما يترتب على هذه الأعمال من نتائج داخل السياق العام للقصة.
    لكن تحديد الممثل في جزء من القصة قد يبدو سهلا، أما تحديده على صعيد القصة ككل فليس بالأمر السهل. ذلك أن الممثلين في القصة موضوع الدرس يشغلون دوائر أعمال متعددة. فالمعاكس في القصة كمثل على ما قدمناه يسيء للبطل، يعاركه، يلاحقه ، أي إن المعاكس كعامل بنيناه على أساس قراءتنا الكاملة للقصة، وهو يتجسد فيها من خلال عدة ممثلين تختلف هوياتهم، ولكن وظيفتهم واحدة، وهي الإساءة.
    إن تعدد الممثلين في القصة يربك التحليل، ويجعل عملية الإمساك ببنيتهم الأساسية أمرا عسيرا. لذلك، نلجأ إلى خفض عددهم، وتحويلهم إلى عوامل كي يتسنى لنا الكشف عن البنية المذكورة، الكشف عن عالم المعنى الذي يظللهم.”
    بيد أن هناك من الباحثين من كان واعيا بهذه الفوارق الدقيقة بين الفاعل والممثل كمحمد الداهي في كتابه:” سيميائية الكلام الروائي” حينما قال:” فالعوامل تتعلق بالتركيب الحكائي، أما الفواعل فتضطلع بوظائف دلالية، ونتعرف عليهما من خلال الخطاب الذي تجلى فيه.”
    وهكذا، فالفاعل صورة معجمية دلالية خاصة ومتفردة مرتبطة بالبنية الخطابية، في حين أن العامل بنية سردية تركيبية عامة ومجردة.

    2- الخلط بين الفاعل والممثل:

    نجد هذا الخلط لدى الكثير من السيميائيين والمترجمين العرب حيث يترجمون مصطلح Acteur بالفاعل تارة والممثل تارة أخرى ، فهذا السيميائي المغربي الدكتور عبد المجيد نوسي يترجم مصطلح Acteur بكلمة الممثل ، والذي يمثل عنده :” مفهوما إجرائيا على مستوى تحليل التركيب السردي، لأن الممثل يمكن أن يؤدي مجموعة أدوار تيماتيكية، وهي الأدوار ذات الطبيعة الدلالية والسوسيوثقافية مثل: المثقف، كما يمكن أن ينجز دورا تركيبيا عامليا مثل: العامل- الذات، وبهذا يعد حلقة الاتصال بين السردي الذي يقوم على الأدوار المجردة(العاملية) والخطابي الذي يقوم على الأدوار التيماتيكية. ويمكن مفهوم: الممثل بهذا التمفصل من إضاءة عناصر الدلالة في خطاب الرواية. لذلك، يمكن للتحليل أن يرتكز قبل تحليل العوامل على الممثلين أولا، وهم الذين يؤدون إلى البنية العاملية. وبما أن الممثل يعد في البناء النظري للسيميولوجيا السردية صورة خطابية تندرج داخل المستوى الخطابي، فإننا سنعمل على تحليل المستوى السردي القائم على العوامل في علاقته بالمستوى الخطابي الذي يعد فضاء للصور المؤسسة للممثلين وللأدوار التيماتيكية.”
    ونلفي هذا الخلط كذلك عند الدكتور سعيد بنكراد الذي يميز بين الممثل والعامل على غرار عبد المجيد نوسي:” إن الحديث عن الممثل هو الحديث عن السند المشخص الذي يشتغل كنقطة جذب تلتف حولها الأحداث، وتمنح الخطاب بعدا إنسانيا. وبعبارة أخرى، فإن الممثل هو نقطة إرساء نهائية في عملية التمثيل الخاصة بقيمة دلالية. فالتمثيل يقود من أشد العناصر تجريدا إلى أشدها محسوسية عبر محطات تملك قواعد تنظيمية خاصة بها. فإذا أخذنا كمثال على ذلك مقولة دلالية كالاستبداد، فإن هذه المقولة ستخضع لأنواع متعددة من التمثيل لتستقر في نهاية المسار داخل قالب مشخص.
    الاستبداد←مستبد←زيد يمارس أفعالا( أو تمارس ضده) تدل على الاستبداد.
    وأهم ما يميز هذا الإجراء هو قدرته على الجمع بين مختلف المكونات التي تقود في نهاية الأمر تأسيس الممثل. ويتم هذا الإجراء من خلال الربط بين دور تيمي(المستبد في المثال السابق) وبين دور عاملي( الذات الفاعلة) داخل محفل واحد(زيد في المثال السابق كوحدة معجمية ظاهرة من خلال اسم علم).
    وبناء عليه، إذا كان التركيب العاملي يتسم بالعمومية والكونية، فإن كل خطاب يتميز بتوزيعه الممثلي الخاص له كدليل على خصوصيته وتفرده…
    ويتميز المضمون الدلالي البسيط للممثل بوجود المعانم التالية: وحدة تصويرية، حية قابلة للفردنة(الفردنة تتم في غالب الأحيان، وخاصة في النصوص الأدبية من خلال إسناد اسم علم لهذا الممثل)” .
    وينطبق كل ما قلناه أيضا على الأستاذ عبد المجيد العابد الذي يترجم Acteur بالممثل، حيث يقول موضحا مفهوم الأدوار التيماتيكية:”يقوم تحليل جماع ما هو محقق نصيا من خلال المسارات التصويرية إلى أنواع من الأدوار الخطابية يمكن تسميتها بالأدوار التيماتية، فإذا كنا نرى أن الأدوار العاملية التي يقوم بها عامل في المستوى السردي السطحي، تختزل إلى دور عاملي محدد، فإن المسارت التصويرية التي يتفاعل معها الممثل يمكن أن تختزل ، وتستثمر دلاليا في أدوار تيماتيكية.”
    وهناك من الباحثين من يترجم مصطلح Acteur بالمؤدي كما عند الدكتور عزالدين بونيت، في حين يترجم Actant بالفاعل. ويرفض هذا الدارس أن يترجم Acteur بالممثل، لأنه أنسب لترجمة كلمة Comédien.

     أنــــواع الأدوار السيــــميائية :

    يمكن الحديث عن مجموعة من الأدوار الفاعلية ، وذلك حسب المشاريع السيمائية وتنوعها، وقد بدأ الحقل السيميائي مع كريماص بسيميائية الفعل والعمل، وذلك بالحديث عن دورين، وهما: الدور العاملي والدور الموضوعاتي. وأضيف إلى هذين الدورين: الدور الانفعالي الاستهوائي مع سيميائية الأهواء لكريماصGreimas وجاك فونتاني Jacques Fontanille، كما أضاف الدكتور محمد الداهي الدور التلفظي أو الكلامي إلى هذه الأدوار الثلاثة ضمن مشروعه السيمائي القيم المعروف بسيميائية الكلام الروائي، ويضيف الدكتور جميل حمداوي دورا خامسا وهو الدور الذهني أو العقلي أو الإدراكي أو التفكيري ضمن مشروع سيميائية الذهن أو السيميائية الذهنية أو العقلية داخل العمل الروائي بطبيعة الحال، بعيدا كل البعد عن أية سيميائية ذهنية في الخطابات الفلسفية واللسانية والإبستمولوجية .

    1- الـــدور العامـــلي:

    يرتبط الدور العاملي بما يقوم به العامل Actant سواء أكان إنسانا أم فكرة أم قيمة أم جمادا أم نباتا أم حيوانا أم فضاء أم مؤسسة… وقد يكون هذا العامل الذي ينجز وظيفة أو تحولا للاتصال بالموضوع أو الانفصال عنه عامل حالة Sujet d’état أو عاملا إجرائيا أو عامل فعل sujet opérateur.
    ومن المعلوم، أن البنية العاملية تتموقع على المستوى السردي التركيبي من البنية السطحية، حيث توجد البرامج السردية (أفعال وحالات ومواضيع وعوامل وتحولات)، وبنيات الجهة ( الإرادة والمعرفة والقدرة والواجب) ، والاختبارات الترشيحية والحاسمة والتمجيدية. وفي هذا الصدد يقول جوزيف كورتيس في كتابه:”مدخل إلى السيميائية السردية والخطابية”:” في المستوى النحوي، تظهر الحكاية من البداية كمتوالية(أقل أو أكثر أهمية) من الحالات تتموقع بينها تحويلات، وهذا ما يفسح المجال في مستوى الوصف لنمطين من الملفوظات: ملفوظات الفعل (وتكون متعدية أو انعكاسية)، وملفوظات الحالة ( ذات طبيعة وصفية أي وصلية أو فصلية). وتنجز الإجراءات المتتابعة التي تميز الحكاية من طرف أو حسب عوامل (وحدات تركيبية من نمط اسمي، تدخل في اللعبة في نوعي الملفوظ الذين أثرناهما)- مثل : ذات، موضوع، مرسل، مرسل إليه- قابلة كما لاحظنا للتكييف حسب الإرادة والمعرفة والقدرة، وتعطي بالتالي المجال لأدوار عاملية مختلفة. ونذكر بأن الفعل التركيبي الذي نقف عنده هنا يوافق، في تحليل أخير، عمليات منطقية (تقع في المستوى العميق)، ويكون هذا الفعل هو تمثيلها المؤنسن.
    يسمح التحليل النحوي، إذاً، بين أمور عدة، باستخلاص الأدوار العاملية التي بفضلها تنجز التحويلات حسب البرامج السردية الخاصة.”
    ولا يمكن الحديث عن الفاعل المعجمي إلا بالحديث عن العامل التركيبي، ويعني هذا ضرورة الانتقال من المستوى التركيبي إلى المستوى الخطابي، و يقول جوزيف كورتيس في هذا الصدد:” إنه التكفل بالأدوار الغرضية من قبل الأدوار العاملية هو الذي يشكل الهيئة الوسيطة التي تهيئ للانتقال من البنيات السردية إلى البنيات الخطابية” ، ويعترف كريماص بأن:” توليد التدليل لا يمر أولا من خلال إنتاج الملفوظات وتوليفها في خطاب، إنها معوضة في مسار هذا الخطاب بالبنيات السردية، وهي التي تنتج الخطاب ذي المعنى الممفصل إلى ملفوظات”.
    وهكذا، فالدور العاملي دور سردي وتركيبي متعلق بالعامل المجرد الكوني العام، والذي يرد كقاسم مشترك كوني بين نصوص المخيال الإبداعي البشري.

    2- الـــدور الموضوعاتي:

    يرى جوزيف كورتيس Josef Courtès بأن تحديد مفهوم الدور يتمظهر في مستوى الخطاب كتوصيف وكنعت للممثل أو الفاعل، ومن جهة أخرى هذا التوصيف ليس من منظور دلالي غير تسمية تشمل حقلا من الوظائف. أي من السلوكات المذكورة فعلا في الحكاية أو مضمنة فيها فقط… فالدور هو كيان تصويري حي، ولكنه مجهول واجتماعي. إن الممثل أو الفاعل هو في النهاية فرد جامع ومتحمل لدور أو أكثر. والمقصود من هذا أن الفاعل أو الممثل وحدة أو صورة معجمية للخطاب، وهو كيان تصويري مؤنسن أو حيواني أو جماد أو نبات أو غيره، وهو قابل للتفرد مادام يحمل اسم علم، و هو قادر على تحمل دور أو أكثر.
    وبناء على ماسبق، فالفاعل يتميز بدور مزدوج، يمكن أن:” ينجز دورا تيماتيكيا، وهو دور يتميز ببعده الدلالي؛ لأنه يصدر عن البنيات التركيبية للنحو السردي. فإذا كانت الأدوار العاملية، محددة في المقولات العاملية الثلاث، تمثل ، نظريا، كليات تنظم المتخيل البشري، فإن الأدوار التيماتيكية ترتبط بالمجموعات البشرية وبنياتها السوسيوثقافية، فهي مرتبطة بالبنية الرمزية التي تسنن الممارسات والإنجازات السوسيوثقافية داخل المجتمع:
    من هنا، يأتي مفهوم الدور التيماتيكي، كالأدوار المهنية( طبيب، فلاح، حداد، قس…إلخ)، والأدوار النفسية- المهنية ( الوصولي- ضعيف الإرادة- المخملي…)، أو الأدوار العائلية( الأب، العم، الحاضنة، الأخت الكبرى، اليتيم…) الذي يمكن إدماجه، ربما، بين المفهوم المجرد والعام: العامل، والمفهوم المخصص والخاضع للتفريد، مفهوم الممثل.”
    ومن ثم، فالمقصود بالأدوار التيماتيكية أو الموضوعاتية أو الخطابية les rôles thématiques تحديد مجمل صور النص les figures du texte والوظائف المعجمية التي يقوم بها الفاعل Acteur داخل السياق النصي أو الخطابي. وهنا، يتم تحديد كل السيمات أو المعانم أو الوحدات المعجمية والدلالية والسياقية، و التي تحيل على الفاعل، وكذلك على مختلف إنجازاته ووظائفه الدلالية والمعجمية. وبالتالي، يستنبط الموضوع المعجمي عبر المسار الخطابي للصور الدلالية التي تتعلق بالفاعل داخل النص السردي مثلا، ويعني هذا أن الدور الموضوعاتي يتم في المستوى الخطابي من البنية السطحية المقابل للمستوى السردي من نفس البنية.
    ويرتكز الدور الموضوعاتي على مجموعة من القواعد التطبيقية السيميائية كالوقوف عند الليكسيمات lexèmes المعجمية والوحدات الدلالية، والاعتماد على التعاريف القاموسية والحقول الدلالية ، والبحث عن المسارات التصويرية والموضوعات المعجمية، والاستعانة بالمقومات السيمية والسياقية، وتبيان الصور المعجمية من خلال رصد مختلف التشاكلات السيميائية، والاحتكام إلى المربع السيميائي لمعرفة طرائق توليد الدلالة المنطقية، وذلك عن طريق تشغيل قيم التضاد والتقابل والتناقض والتعارض والتضمن؛ لأن المعنى في السيميائيات لا يتولد في الحقيقة إلا عبر الاختلاف. ويعني هذا ربط المستوى الخطابي بالمستوى المنطقي الدلالي.
    وينبني الدور التيماتيكي أيضا على تكثيف ملخص موجز ومقتضب لكل مسار توليدي معجمي. فإذا أخذنا مثلا مسارا تصويريا مختصرا يحدد لنا تصرفات الطفل التالي: ” صدم” و” تعثر” و”يتحرك بتثاقل”…فصور هذا المسار يمكن تكثيفه في دور تيماتيكي هو: “الطفل المعاق”.
    ومن هنا، فالدور التيماتيكي يرتبط بالفاعل، ويختلف أيما اختلاف عن دور الشخصية ، ويختلف ذلك عن الدور العاملي ، والذي يحيلنا منهجيا على البنية العاملية ضمن المستوى السردي التركيبي. بيد أن الفاعل هو بمثابة حلقة وصل بين الدور العاملي والدور التيماتيكي. والمقصود من هذا أن الفاعل يمكن أن يكون فاعلا موضوعاتيا وعاملا للفعل أو الحالة.
    وعليه، فيمكن تعريف الفاعل Acteur حسب جماعة أنتروفيرن على النحو التالي:” الفاعل عبارة عن صورة تقوم بدور واحد أو مجموعة من الأدوار العاملية التي تحدد وضعية داخل البرنامج السردي، وتقوم في نفس الوقت بأداء مجموعة من الأدوار المعجمية التي تنتمي إلى مسار واحد أو مجموعة من المسارات التصويرية”.
    ومن هنا، فالفاعل يقوم بدورين في نفس الوقت، دور عاملي مرتبط بالبنية السردية التركيبية، ودور تيماتيكي يلخص لنا ويكثف مسارا تصويريا معجميا، ويعني هذا أن الفاعل هو نقطة ملتقى المحورين: السردي والخطابي :

    الفـــــاعل Acteur
    الدور العاملي الدور التيماتيكي
    المستوى السردي/التركيبي من البنية السطحية(البنيات السردية والبرامج السردية) المستوى الخطابي من البنية السطحية(البنيات الخطابية والمسارات التصويرية، والأدوار المعجمية)
    تموضع داخل البرنامج السردي تلخيص للمسار التصويري المعجمي، وتكثيف له في موضوعات دلالية.

    (خطاطة رقم 3: أدوار الفاعل)

    زد على ذلك، فإن السمات المعجمية والغرضية التي تتعلق بالفاعل لا يمكن تكوينها إلا بعد الانتهاء من الرواية أوالإحاطة بالشخصية من جميع جوانبها:” ولهذا، فإن الشخصية الروائية، على اعتبار أنها تدخل مثلا من خلال إعطائها اسما علما، تبنى بالتدريج بواسطة سمات صورية متوالية ومنتشرة طوال النص، ولا تظهر صورتها الكاملة إلا عند آخر صفحة، بفضل التخزين الذي يقوم به القارئ هذا التخزين كظاهرة نفسية، يمكن استبداله بوصف تحليل للنص (قراءته بمعنى الفعل السيميائي)، يجب أن يؤدي إلى استخلاص التشكيلات الخطابية التي يتكون منها الخطاب، واختزالها إلى أدوار غرضية التي تكلف بها هذه الشخصية.”
    هذا، وإذا كان العامل:” يتميز ببنيته التركيبية، فإن الممثل يتميز ببنيته الدلالية بالأساس، بوصفه وحدة معجمية منتمية إلى الخطاب، وهو قادر أن يقوم بدور أو مجموعة أدوار من خلال موقعه. إن الممثل على المستوى الخطابي هو بؤرة التحليل، إن في برنامجه الخطابي الذي يزين البرنامج السردي يؤثر في انتقاء الأفضية… والأزمنة… وعموما يقوم الممثلون بدورين هامين على المستوى الخطابي:
    ٭ دور تيماتي Thématique
    ٭دور تصويريFiguratif.
    وللتمييز يرى جوزيف كورتيس أن البعد التصويري يعود إلى الحواس، أي إلى كل ما يدرك مباشرة من خلال المدركات الخمس، وهو بذلك قابل للمعاينة في العالم الخارجي؛ ويتحدد البعد التيماتيكي بوصفه كونا مجردا. أي بصفته مضمونا لا رابط بينه وبين العالم الخارجي، وبعبارة أخرى لا وجود للشيء إلا من خلال النسخ المتولدة عنه. وينظر إلى البعد التيمي بوصفه وجودا معايشا لقيم تولد تيمات ، لتتحول هذه التيمات إلى سلوك، أي إلى معطى تصويري.”
    ويتحقق الدور التصويري للفاعل عن طريق تحديد الصور السيمية Figures، والانتقال بعد ذلك إلى تحديد الحقل المعجمي(الدلالات القاموسية/ قاموس الجمل) والحقل الدلالي (استعمال كلمة في نص معطى/ قاموس الخطاب).وبعد ذلك ، ننتقل من المعجم إلى التركيب للحديث عن المسار التصويري الذي يتمثل في ترابط الصور فيما بينها بشكل منسجم بشكل تشاكلي وحيوي. إننا هنا أمام برنامج منتظم ومنسجم، مما يخول لنا القول: إن المسارات التصويرية تلبس وتزين البرامج السردية على المستوى السطحي، وتبين كيف تتجلى البرامج السردية على مستوى الخطاب.”
    وبالتالي،تتحقق التشاكلات الخطابية عن طريق تواتر القواسم الدلالية المشتركة، وتكرار العناصر المتشابهة داخل النص. ويعني هذا أننا :” نجد بين هذه المسارات الواردة في النص نقط التقاء مشتركة، يمكن أن نجمعها في تشكلات خطابية، حيث تظهر التشكلات الخطابية(configurations discursives) بوصفها مجموع دلالات محتملة قابلة لأن تكون محققة عبر مسارات تصويرية .”
    وهكذا، فالدور التيماتيكي مرتبط بالفاعل الدلالي الذي ينجز أدوارا عاملية وأدوارا موضوعاتية وتصويرية داخل المسار التوليدي للنص الروائي.

    3- الـــدور الانفــعالي:

    يرتبط الدور الانفعالي أو الاستهوائي بسيميائية الأهواء أو الرغبات la sémiotique des passions . وتحيلنا سيميائية الأهواء على السيميائية الذاتية أو الانفعالية ، والتي يمثلها كل من كريماص وجاك فونتاني Jacques Fontanille في كتابهما القيم:” سيميائية الأهواء” . وتتعلق هذه السيميائية بعالم الذات والهوى والانفعال، وكل ما يتعلق بالرغبات والأهواء كالحب والكراهية والحزن والسرور والانفعال والكدر والهم والغم… وهنا، يقوم الفاعل داخل النص السردي بدور انفعالي أو استهوائي.
    ويعرف كل من كريماص وجاك فونتاني الدور الانفعالي بقولهما:”مقارنة مع الأدوار العاملية التي يخضع ترابطها لتتابع التجارب والموجهات، فإن الدور الانفعالي يظهر عموما بوصفه مقطعا من المسار العاملي، ويصبح ديناميا بواسطة التركيب البين- جهي. إن التلفظ – الذي يروم التخطيب- يعتمد على المقاطع الجاهزة والمقولبة للتعبير عن المناطق الحساسة في المسار العاملي”.
    وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين الفاعل الموضوعاتي والفاعل الانفعالي، فيمكن التمييز بينهما بشكل واضح ودقيق، فما يفصل بينهما أن:” تجلي الدور الموضوعاتي يخضع قطعا لانبثاث الموضوع في الخطاب، في حين أن تجلي الدور الانفعالي يخضع لمنطق الأشباه الاستهوائية، وللانبثاث الخيالي المستقل عن الموضوع.”
    ويضيف كريماص وجاك فونتاني إلى الدور الاستهوائي /الانفعالي ما يسمى بالدور الأخلاقي:” ففي الزهو يتحدد الدور الأخلاقي الأول على نحو مستقل عن التجلي الاستهوائي، وذلك انطلاقا من تقويم تحققي (رأي مبالغ فيه).أما الدور الأخلاقي الثاني، فيتحدد انطلاقا من التجلي الاستهوائي نفسه( المغالاة)” .
    وعليه، فالفاعل الاستهوائي هو الذي ينجز مجموعة من الوظائف الانفعالية في شكل أحاسيس وانطباعات ومشاعر وجدانية وعاطفية، كما يؤدي أدوارا أخلاقية تتمثل في التحلي بالصدق والحقيقة والنزتهة، والابتعاد عن الكذب والمبالغة والمغالاة.

    4- الــدور التلفـــظي أو التحدثي:

    يقول الباحث المغربي محمد الداهي:” تقر سيميائية العمل بوجود مسافة بين الذات والعالم، وتستلزم البعد المعرفي لبرمجة مشروع الذات من أجل تحقيق المبتغى. في حين أن سيميائية الهوى تهتم بالحالة النفسية وما يعتريها من مشاعر وانفعالات وأهواء. ولما يشعر المرء ويحس، تنعدم المسافة بين الذات والعالم. إن العالم بوصفه حالة للأشياء ينسخ في حالة الذات، أي إنه يدمج من جديد في فضائها الداخلي والمفرد. ويندرج مشروعنا في إطار افتراض وجود حالة كلامية تتدخل

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 12:06 pm