منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التناص ذو الأساس الأناسي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التناص ذو الأساس الأناسي Empty التناص ذو الأساس الأناسي

    مُساهمة   الثلاثاء ديسمبر 13, 2011 12:15 pm

    [center]

    4 . التناص ذو الأساس الأناسي
    أبنتُ أعلاه أن كل نص واقعٌ في علاقات تناصية بالضرورة، وأن على الدراسة اللسانية، بالتالي، أن تخص التناص بجانب مناسب له في كل مستوى من مستويات قرائتها. وهو ما دعاني إلى نقد نظريتَي المقارنة والمقابلة التقليديتين، وإلى السعي إلى قراءة، تناصية، هي أكثر واقعية في تعرفها على أحوال التنصيص التي تسم في صور متزايدة النص الحديث، العربي وغيره. إلا أن هذا السعي لا يجنب القراءة اللسانية نفسها النقد، أو مراجعة حدود عملها، ذلك أن التناص لا يحصر القراءة اللسانية في حدود النص، «في ذاته» كما قلتُ، أو في عناصره المعدودة والمحسوبة في بنية مغلقة، وإنما يفتحها على التاريخ الأدبي، ومنه على تاريخ التبادلات في مجتمع ما، أي على «ظروفه الحوارية»، أي النص في منظور أناسي (أنتروبولوجي).
    إلا أنني أنتبه، من جهة ثانية، إلى أن «التناص» قابلٌ لأداء دور أوسع، إذا جاز القول، لا في التحليل اللساني للنصوص الشعرية وحسب، بل في جميع أصناف النصوص، من السردية حتى الفكرية المحضة، وما يقوله بنيس عن «موسوعية» العناصر النصية في الشعر العربي الحديث يصح في غير باب كتابي عربي، ومنذ «عصر النهضة» تحديداً. كنت قد تنبهت أعلاه، عند مناقشة تعريفات «التناص»، إلى أن بعض الدارسين يميلون إلى النظر إلى التناص علي أساس «إدراكي»، وإلى ربطه بأنظمة سيميائية أخرى واقعة في المجتمع، ما يعني أن النص متعالق مع غيره، وينسج تعييناته في سبل حوارية متعددة، منها مع نصوص سابقة أو مزامنة له، ومنها مع «مناخات» وجدالات وإلحاحات واقعة في تبادلات المجتمع.
    التناص واقعٌ في غير مجال من مجالات التبادل، ويستدعي طرقاً في المعالجة تتعدى النص الشعري. هكذا بدا لي مفيداً الجنوح بهذا المفهوم، أي التناص، صوب مجالات عمل جديدة، لا تقصره، كما بدا ذلك في دراسات الفرنسيين والإيطاليين، على الوقائع النصية ضمن اللغة نفسها، بل إلى غيرها من اللغات، وإلى غير لغة (إذا تطلب الأمر ذلك في النصوص نفسها) في النص الواحد أحياناً. والجنوح به أيضاً إلى مساعٍ لا تطاول النصوص الشعرية وحسب، بل غيرها أيضاً من النصوص، أي كل مدونة يقوم بناؤها على علاقات تصلها بغيرها. أشدد على ضرورة «توسعة» حمولات وتعيينات هذا المصطلح، لإنني أرى في الكتابة الحديثة حقلاً خصباً لحضور «التناص» كـ«فاعل نصي» (حسب تعبير كريستيفا) في عدد كبير منها. وهذا ما أتحقق منه في صورة مزيدة في عالم بات شديد التفاعل و... «التناص» بين أطرافه ونصوصه المتباعدة، حتى أنني أستطيع القول إننا ننتقل من المجال الكتابي المنغلق إلى المجال الكتابي المتفاعل.
    وحاجاتنا العربية واسعة في هذا المجال، لأن «التناص» قابل لأن يكون السبيل الأنسب في تناول أصناف الكتابة العربية، لا القديمة وحسب، بل الحديثة خصوصاً، منذ «عصر النهضة» تحديداً، ذلك انه عهد مثاقفة في المقام الأول، أي عهد الدخول في علاقات تناصية، لازمة ومطلوبة في آن. وهذا ما يدعو إلى طرح السؤال: ألا يمكن القيام باستعمال جديد للسبيل التناصي، وفي مجال الأناسة (الانتروبولوجيا) الثقافية تحديداً، أي سبيل دراسة وقوع الجماعات البشرية، والثقافات عموماً، والأنماط السلوكية، والقيم والتصورات، في علاقات تناصية، هي الأخرى، بعضها طبيعي أو واجب، وبعضها الآخر مفروض وربما قهري؟ وكيف يمكن فهم العمليات «النهضوية»، التي أدت الى الاتصال والتعرف، وإلى «التملك»، في كيفيات مختلفة من «التبيئة»، لمصادر ومنتجات وأجناس عديدة، من المطبعة والمسرح والجريدة حتى فكر الديمقراطية الأوروبية والرواية والقصيدة بالنثر، إلا بوصفها علاقات تناص مميزة؟
    والتوسعة التي تطاول هذا المفهوم لا تقصره وحسب على فهم عمليات «التملك»، وإنما تمكن أيضاً من فهم النوازع والمسالك التي تطلب التناص، على أنها نوازع تشوفية، طالبة الثقافة (والقيمة) في نص واقع خارج لغتها وثقافتها: التناص، إذن، سبيلاً إلى دراسة الثقافة في سياق أوسع، يدرجها، من جهة، في إطار العملية «النهضوية» المستمرة، على أنها فعلُ مثاقفة متماد، كما يتم فيها، من جهة ثانية، تناول النصوص (على أنواعها) انطلاقاً مما تقوم عليه من تحويرات وتملكات و«تبيئة». ومعها يمكن إثارة الأسئلة التالية: هل يعني هذا أن مؤدى هذا السبيل يجعلنا نتناول حاصل الحداثة، في نهاية المطاف، لا على انه فعل تأثر وتأثير وحسب (وهو ما يحصل في العلاقات الطبيعية، إذا جاز القول، بين الثقافات كما بين المؤلفين)، بل على أنه، أي هذا الاتصال في صيغته التشوفية في هذه الحالة، ناتجٌ عن علاقة تناصية، كان للثقافة الأوروبية (مع الأميركية حالياً) أن تؤدي الدور الأول والأصل والمبتكر، أي دور «الفاعل النصي» في النص المحلي؟ وهل يعني هذا أن مؤدى هذا السبيل التناصي يجعلنا نتبين الحالة التاريخية والنصية، التي تأسست في عهد المثاقفة ووفق شروطها، على أنها أدت إلى تغيير وضعية النص العربي في علاقته الواجبة واللازمة بتناصه الداخلي، وجعلته ينتظم بالتالي وفق مقتضيات علاقة «غيرية» باتت فيها للعناصر «الاختيارية» و«الاستنسابية» (أي «الخارجية»، باختصار وتسرع) إن تؤدي دورَ المثال وتحددَ مقاييس الاحتكام وتعينَ المآل؟
    أعلق الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، مكتفياً بالقول إن هناك مساراً للمثاقفة، لا يمكننا أن نجمله كله في معنى واحد وتعسفي بالتالي لحركته وأحواله، أي المعنى الواحد والمتشابه. فما كان يصح في شوقي لا يصح في أدونيس، أي أن فعلهما يقوم وفق علاقات تناصية مختلفة ومتفاوتة. وما يصح في استيراد «التوموبيل» (كما جرت تسمية «السيارة» لأول مرة في العربية)، لا يصح في تعلم عادات الذهاب إلى الأمكنة الثقافية العمومية (المسرح، المكتبة العامة...)، على أنها علاقات تَمَدُّن، منذ «عصر النهضة»، ولا في تقبل القصيدة بالنثر والطلبِ عليها في الكتابة العربية. إن هذه الأمثلة كلها تنتسب إلى أطوار في المثاقفة، بوصفها عهداً للتعرف على الغير، للأخذ منه، ولاعتماد و«تبيئة» ما يقترحه في مثاله الثقافي والتمديني والتحديثي، سواء في المنتجات أو في العادات والسلوكات أو في القيم والتمثلات والتصورات.
    هذا يدعو، إذن، إلى دراسة ميادين التناص ومقاصده وأشكاله المختلفة، كما يدعو إلى التنبه إلى أن التناص يمر في أطوار، هو الآخر: فما كان جلياً في علاقات التناص، أي في علاقات التأثر النافرة، يصبح، ولا سيما في أيامنا هذه، أشد خفاء وتعقيداً ومعاينة بالتالي، خاصة وأن الكاتب الحديث يعدِّد، في أعمال بعضهم، مصادر التناص في العمل الواحد، عدا أنه يتخفف من سبيل المحاكاة أو يُحْسِن إجراء عمليات تملك حاذقة في حال لجؤه إليها.
    (مجلة "فصول"، القاهرة، المجلد السادس عشر، العدد الأول، صيف 1997، صص 124-146).



    الهوامش
    1 : الطبعة الثانية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996: عليها تحيل الصفحات اللاحقة.
    2 : م. ن.، ص 7.
    3 : م. ن.، ص 10.
    4 : م. ن.، ص 12.
    5 : Oswald Ducrot et Jean-Marie Schaeffer : Nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, éd. du Seuil, Paris, 1995 .
    6 : Oswald Ducrot et Tzvetan Todorov: Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, éd. du Seuil, Paris, 1972 .
    7 : op. cit., P 446 .
    8 : Dictionnaire de linguistique : Larousse, Paris, 1973 .
    9 : Julia Kristeva : La révolution du langage poétique, éd. du Seuil, Paris, 1974 .
    10 : الذي يورد آراءه فرنسوا راستييه، في كتابه:
    François Rastier: Sens et textualité, Hachette, Paris, 1989
    11 : op. cit., P 29 .
    12 : Gérard Genette: Palimpestes, éd. du Seuil, Paris, 1982 .
    13 : François Rastier: op. cit., P 29 .
    14 : M. Arrivé : Langages, 31, P 61 .
    15 : الآمدي : «الموازنة»، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الباز للطباعة والنشر، د. ت.، صص 10-12.
    16 : أرى عينات كثيرة منها في كتاب «العمدة» لابن رشيق («العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده»، حققه وفصله وعلق حواشيه: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، طبعة رابعة، 1972)، ويقول في «باب السرقات وما شاكلها»: «هذا باب متسع جداً، لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه، وفيه أشياء غامضة، إلا عن البصير الحاذق بالصناعة، وأخر فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل» (ص 2/280)، ناقلاً عن غيره بعض أصنافها وتعريفاتها، مثل: السَّرَق والغصب والإغارة والاختلاس والاصطراف والاختلاب والاستلحاق والانتحال والاسترفاد والاهتدام والنسخ والنظر والملاحظة والمواردة وغيرها الكثير (صص 2/280-294).
    17 : إحسان عباس : «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، دار الثقافة، بيروت، طبعة خامسة، 1986، ص 162.
    18 : يمكن سرد عدد من الكتب والدراسات العربية، التي صدرت منذ ذلك الوقت، والتي تخصصت بدراسة أوجه المقارنة بين نصوص عربية ونصوص أوروبية، مثل:
    محمد شاهين : «أثر اليوت في شعر السياب وعبد الصبور»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1991؛
    - محمد عبد الحي : «الأسطورة الإغريقية في الشعر العربي المعاصر»، القاهرة، 1978، و«أنشودة المطر: اليوت وشيلي والتراث العربي»، مجلة «المعرفة»، أكتوبر، 1978؛
    - سعيد علوش : «الترجمات العربية بين المثاقفة والمقارنة»، مجلة «الثقافة الأجنبية»، العدد 5 و6، سنة رابعة، بغداد، 1984؛
    - أحمد عبد العزيز: «أثر لوركا في الأدب العربي المعاصر»، وعبد الحميد ابراهيم: «جريمة قتل... بين اليوت وعبد الصبور» في مجلة «فصول»، عدد 2، وغيرها.
    كما يمكننا ذكر محاور خاصة بالنقد المقارن في عدد من المجلات العربية: مجلة «عالم الفكر»، اكتوبر/تشرين الأول-نوفمبر/تشرين الثاني، الكويت، 1980؛ مجلة «فصول» المصرية، الجزء الأول، العدد الثالث، ابريل-مايو-يونيو، 1983، والجزء الثاني، العدد الرابع، يوليو/تموز-أغسطس/آب-سبتمبر/أيلول، 1983؛ ومجلة «الموقف الأدبي»، السورية، العدد 186، تشرين الاول/أكتوبر 1986 وغيرها. ويمكن ذكر أيضاً «أعمال الملتقى الدولي حول الأدب المقارن عند العرب»، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، جوان (حزيران/يونيو)، 1985 وغيرها.
    19 : محمد بنيس في كتابيه: «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة تكوينية»، دار العودة، بيروت، 1979؛ و«الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها- 3: الشعر المعاصر»، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1990؛ ومحمد مفتاح في كتابه «تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص»، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1985.
    20 : محمد بنيس : «الشعر العربي الحديث...- 3 ...»، ص 181.
    21 : محمد بنيس : م. ن.، ص 188.
    22 : محمد مفتاح : م. ن.، ص131 .
    23 : Kamal Kheir Beik: Le mouvement moderniste dans la poésie arabe contemporaine, Publications orientalistes de france, 1978, pp 138-141 .
    هذا ما سعى إلى تبيانه، ضمن مسعى آخر، سامي مهدي، إذ عرض تعريفات نقدية لعدد من السورياليين الفرنسيين، وأخرى لأدونيس، في المسائل التالية: الرفض، الهدم، البحث عن واقع أسمى (فوق الواقع)، رفض العقلانية والمنطقية، اللحظة السوريالية، الشعر والسحر، الشعر والجنون، الشعر والاكتشاف، الشعر واستقصاء المجهول، رؤية جديدة للأشياء، الصيغ الجديدة، براءة الكلمة، الشعر والتزيين، وخلص منها إلى القول: «في ضوء ما تقدم من نصوص يتضح لنا أن أدونيس كان عيالاً في مفاهيمه على التراث السوريالي (...). وما نجده في تنظيرات أدونيس من المفاهيم السوريالية يمكن أن نعثر له على مطابقات في شعره. وقد لا يتسع المجال هنا لاستقصاء هذه المطابقات، ولكن العارفين بشعر أدونيس لا يفوتهم أن يلاحظوا أن الرفض، والتمرد، والهدم، والانقطاع، والتجاوز، والمغامرة، والرؤيا، والحلم، والنبوءة، والجنون، والمجهول، والمطلق، والبحث، والكشف، والفتح، والتحول، والإشراق، وغير ذلك من مفردات القاموس السوريالي، هي، في الوقت ذاته، محور قاموسه الشعري»: سامي مهدي: «أفق الحداثة وحداثة النمط: دراسة في حداثة مجلة «شعر» بيئة ومشروعاً ونموذجاً»، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988، ص 170- 171.
    24 : رائدُ هذا المسعى هو الباحث الروسي ميخائيل باختين الذي نظر إلى النص الأدبي وفق «المبدأ الحواري» الذي يؤسسه، على أساس أن النص مسعى حواري مع ما يحيط به.
    25 : François Rastier: op. cit., P 16
    26 : François Rastier: op. cit., P 30
    27 : François Rastier: op. cit., P 31
    28 : François Rastier: op. cit., P 31
    29 : مالك المطلبي في كتاب: «الشعر العربي عند نهايات القرن العشرين»، المحور الرابع في جلسات الحلقة الدراسية لمهرجان المربد الشعري التاسع: «اتجاهات نقد الشعر العربي المعاصر»، إعداد: عائد خصباك، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989، صص 297-341، والشاهد ص 325.
    30 : وهي مبوبة وممنهجة في كتاب أ. ج . جريماس
    A. J. Greimas: Essais de sémiotique poétique (col.), Larousse, Paris, 1972, p 11-12 .
    واعتمدتها في كتابي «الشعرية العربية الحديثة: تحليل نصي»، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1988.
    وقعت على فصل لافت لمحمد مندور، في كتابه «النقد المنهجي عند العرب» (مكتبة نهضة مصر، الفجالة-مصر، د. ت.)، يدرس فيه «السرقات» (صص 352-369)، ويخلص فيه، بعد عرض آراء القدماء في المسألة، إلى ضرورة التمييز بين أصنافها: «الاستيحاء»، وهو أن يأتي الشاعر أو الكاتب بمعان جديدة مما قرأه؛ و«استعارة الهياكل»، وهي أن يأخذ الشاعر أو الكاتب موضوع قصيدته أو قصته عن مواد سابقة «وينفث الحياة في هذا الهيكل»؛ و«التأثر»، وهو أن يأخذ الشاعر أو الكاتب بمذهب غيره في الفن أو الأسلوب تتلمذاً أو من دون وعي؛ و«السرقات»، وهي «لا تطلق اليوم إلا على أخذ جمل أو أفكار أصلية وانتحالها بنصها دون الإشارة إلى مأخذها»، ولا يلبث أن يضيف: «وهذا (أى السرقات) قليل الحدوث في العصر الحديث وبخاصة في البلاد المستنيرة» ( ص 354).
    31 : استبعدت من المستويات، والمواد هذه، الشأن الصوتي-الإيقاعي الصرف، بعد أن تحققت من كونه ما حظي في عمليات التفاعل الثقافي ضمن مجال الشعر بأعمال تأثر بينة، فيما خلا القصيدة بالنثر طبعاً التي أتناولها في مسألة الجنس الأدبي أدناه. وكان بإمكاني، بالمقابل، منح الشأن الخطي لظهور القصيدة العربية فوق الورق الطباعي عناية دراسية ما، بعد أن لاحظت، في دراسة لي، ثم في فصل من أحد كتبي، تأثر الشعراء العرب المتأخرين بتجارب أوروبية وأميركية، مثل تجارب أبولينير أو «الشعر البصري» وغيرها: راجع دراستي: «الشكل الخطي للقصيدة العربية الحديثة»، مجلة «دراسات عربية»، العدد 9، 1978، بيروت، صص 99-111، وكتابي المذكور أعلاه، صص 13-37.
    32 : درس المستشرق الالماني شتيفان فيلد هذه القصيدة اللافتة في شعر السياب، بل في الشعر العربي الحديث، ملاحظاً أننا لا نقع، فيما خلا هذه القصيدة، على أية آثار تذكر للثقافة الصينية في الشعر العربي الحديث: «بابل هي شنغهاي: ما هو صيني لدى بدر شاكر السياب»، مجلة «عيون»، 1995، السنة الأولى، العدد 1، منشورات الجمل (كولونيا، إلمانيا)، صص 9-20.
    33 : Gérard Genette: Introduction à l'architexte, éd. du Seuil, 1979, Paris .
    ويخلص جينيت في الصفحة 66 من هذا الكتاب، بعد تنقيب تاريخي ونقدي عن المسألة هذه، إلى القول: «إن القسمة الرومانسية واللاحقة عليها ما عادت تعتبر الغنائي والملحمي والدرامي مثل مقامات للقول وحسب، وإنما مثل أجناس (أدبية) فعلية، لها في تعريفاتها عناصر مضمونية (أي تجعل من كل جنس أدبي خاصاً بمضمون ما)، وإن كانت ضبابية».
    34 : هناك محاولات محدودة وجزئية وغير معللة كفاية في معالجة هذه المسألة، منها ما يجعل البحور البسيطة، على سبيل المثال، سابقة على غيرها من البحور الممتزجة؛ ومنها ما يجعل عدداً من البحور، مثل الرجز والهزج سابقة، هي الأخرى، لغيرها على أنها مرتبطة بالغناء الطقوسي أو بالحداء؛ ومنها ما ينسب أنواعاً شعرية، مثل الطرديات والخمريات إلى العصر العباسي تحديداً، وغيرها من التحققات غير الكافية بعد في هذا النطاق. يقترح نجيب محمد البهيتي، على سبيل المثال، دراسة أشكال الشعر العربي الأولى انطلاقاً من التشابه الحاصل بين القصيدة الموزونة على وزن الرجز، وهي عنده مثابة «النثر المسجوع»، وبين سجع الكهان المعروف في الجاهلية: «الشعر العربي في محيطه التاريخي القديم»، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، طبعة أولى، 1987، ص 436. وتوصل عادل سليمان جمال ، في دراسة موفقة، إلى تعيين، بل إلى ترجيحات ما في «عمر» الشعر الجاهلي، إذ تضيف دراسته، حسب قوله «أكثر من قرن من الزمان إلى عمر اللغة العربية، وبالطبع الشعر الجاهلي»: «عمر الشعر الجاهلي: عود على بدء»، مجلة «فصول»، المجلد 15، العدد الثاني، صيف 1996، ص 306.
    35 : غير شاعر عاد إلى متن الأساطير القديمة في مسعى محاكاتي أكيد: عباس محمود العقاد اعترف بأن قصيدته «فينوس على جثة أدونيس» لم تكن سوى ترجمة حرة لعمل شكسبير («ديوان العقاد»، أسوان، 1967، ص 25)؛ وهذا ما فعله المازني في قصيدته «الراعي المعبود» («ديوان المازني»، الجزد الثاني، القاهرة، 1917، ص 161)، أما الياس أبو شبكة فعاد إلى القصص الديني (شمشوم ودليلة، لوط وبناته...) وغيرهم.
    وهذا ما قام به أيضاً الشعراء المحدثون، أو «التموزيون» كما أطلقها جبرا ابراهيم جبرا عليهم، في مسعى محاكاتي مختلف، إذ أخذوا بصنيع اليوت الشعري القائم على الجمع بين الماضي، ومنه الأسطورة تحديداً، وبين الحاضر. وهو ما يؤكد عليه عدد من الكتب التي تؤرخ للشعر العربي الحديث، مثل كتاب كمال خير بك المذكور، أو كتاب أسعد رزوق «الشعراء التموزيون: الأسطورة في الشعر المعاصر» (الصادر، بداية، في دراسة، في مجلة «آفاق»، صيف 1959) الذي يؤكد فيه: «وقد نسج الكثيرون من شعرائنا المعاصرين على منوال اليوت وتبنوا أسلوبه وتكنيكه وبعض رموزه. وقد يكون بينهم من تبنى شيئاً من مضمونه ومواقفه ومعتقداته» (طبعة ثانية، دار الحمراء، بيروت، ص 16).
    إلا أنني توصلت، في دراسة يضمها هذا الكتاب، إلى الوقوف على أسباب أخرى أدت إلى تناول الأسطورة في الشعر المعاصر، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وهي دعوة أنطون سعاده، «زعيم» الحزب السوري القومي الاجتماعي، أعضاء الحزب وغيرهم، اإلى «بعث الروح في الأساطير السورية القديمة»، حسب عبارته، وهو ما فعله شعراء في هذا الحزب آنذاك، مثل سعيد عقل («بنت يفتاح»)، ويوسف الخال («هيروديا») وأدونيس (الملاحم الشعرية: «معزوفة الدماء» و«هانيبال» و«دليلة»، والمسرحيات الشعرية: «ديدون» و«قلقامش» ...) وغيرهم.
    36 : Susanne Bernard: Le poème en prose, de Baudelaire jusqu'à nos jours, Librairie Nizet, Paris, 1959
    راجع: أدونيس : «في قصيدة النثر»، مجلة «شعر»، العدد الرابع عشر، 1960، صص 75- 83؛ ومقدمة ديوان «لن» لأنسي الحاج، دار مجلة شعر، بيروت، في السنة نفسها.
    37 : خليل مطران : «المجلة المصرية»، عدد 15 أغسطس (آب)، سنة 1901.
    38 : أحمد زكي أبو شادي: مجلة «أبوللو»، المجلد الأول، يونيو (حزيران)، 1933، ورد في كتاب عبد العزيز الدسوقي: «جماعة أبوللو»، الطبعة الثانية، القاهرة، 1971، ص 333- 335.
    39 : ابراهيم ناجي : مقدمة «أطياف الربيع»، مجموعة أبي شادي الشعرية، 1933، ورد في المرجع أعلاه: ص 315- 317.
    40 : مجلة «شعر»، العدد 15، بيروت، صص 146-150.
    41 : محمد الماغوط : مجلة «مواقف»، العدد 2، 1969، بيروت، ص 73.
    42 : يمكن العودة إلى غير كتاب في العربية درسَ تأثرات الشعر العربي الحديث بالسوريالية، مثل كتاب «اندره بريتون» لكميل قصير داغر (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1979)، الذي تضمن ملحقاً خاصاً بعنوان: «بريتون عربياً؟ أو السوريالية في بلادنا»، صص 109-169، وتوقف فيه عند أربعة شعراء: أدونيس وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا وعبد القادر الجنابي بالإضافة إلى علاقات مجلة «شعر» عموماً بالنزعة السوريالية.
    كما درس الشاعر عصام محفوظ هذه التأثيرات في كتابه: «السوريالية وتفاعلاتها العربية» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987)، وتوقف فيه عند غير تجربة عربية، في مصر وسوريا ولبنان والعراق، ولحظ فيه أن التأثرات قد لا تتحقق مباشرة، وعبر النصوص الأصلية، بل عبر نصوص رديفة أو مترجمة، مثل تعرف شعراء المجلة العراقية، «الشعر 69»، على سبيل المثال، على «البيانات» السوريالية في نصوص جزئية عنها وبالانكليزية، لا بالفرنسية (ص 101).
    ويمكن العودة أيضاً إلى كتاب سامي مهدي المذكور أعلاه، الذي درس فيه تأثرات مجلة «شعر» بالحداثة عموماً، وبالمواقف السوريالية خصوصاً.
    ولعلي أجد في ما كتبه عمر فاخوري، منذ العام 1927، مسعى «تناصياً» مبكراً درس فيه تأثر الشاعر اللبناني يوسف غصوب بمذهب آخر، هو المذهب الرمزي، وذلك في تقديمه ديوان الشاعر «القفص المهجور» (مطبعة جدعون، بيروت، 1928)، الذي يعرض فيه تأثر الشاعر البين بألفرد دو موسيه، أو بألبر سامان.
    43 : يمكن العودة إلى دراسة فخري صالح: «يانيس ريتسوس في الشعر العربي المعاصر: ولادة قصيدة التفاصيل»، في كتاب «المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر»، الحلقة النقدية في مهرجان جرش الثالث عشر، تحرير: فخري صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، طبعة أولى، 1995، صص 143-160؛ وكنت قد تطرقت، في دراسة نقدية، «قصيدة الشباب: أسئلة الحداثة وتحدياتها» (الحلقة النقدية في مهرجان المربد الشعري، بغداد، 1987)، لهذه المسألة التناصية وغيرها.
    44 : Roland Barthes: Mythologies, éd. du Seuil, Paris, 1957, p. 204 .
    45 : Julia Kristeva : op. cit., p. 338 .
    46 : النفري : «المواقف»، موقف نور، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1934، ص 72.
    47 : أدونيس : «الأعمال الشعرية الكاملة»، المجلد الأول، دار العودة، طبعة رابعة، 1985، بيروت، ص 527.
    48 : غير كاتب، مثل عادل عبد الله، واسماعيل الدندي، والمنصف الوهايبي وغيرهم توقف أمام أحوال التناص في شعر أدونيس وكتاباته، وأصدر كاظم جهاد كتاباً في هذه القضية، استجمع فيه العديد من المواد، وتعود إلى كتاب قدماء، مثل النفري والبسطامي والأصمعي والمسعودي والمعري وابن الأثير غيرهم، أو إلى شعراء أجانب، مثل بودلير وأوكتافيو باث وسان-جون بيرس وغيرهم، ورأى فيه أن ما قام به أدونيس انتحال ليس إلا، مميزاً بين «السرقة»، وهي عنده، نقلاً عند أحد القدماء، «ما نُقل معناه دون لفظه»، وبين «الانتحال»، وهو عنده «نقل معني الآخر ولفظه كليهما معاً»: «أدونيس منتحلاً»، «دار إفريقيا الشرق»، الدار البيضاء، 1990، ص 61.
    49 : أنسي الحاج : «لن»، دار الجديد، بيروت، طبعة ثالثة، 1994، ص 44.
    50 : أنسي الحاج : «ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة»، دار الجديد، بيروت، طبعة ثانية، 1994، ص 103.
    51 : أنسي الحاج : «لن»، ص 51.
    52 : أنسي الحاج : م. ن.، ص 78.
    53 : رغم أن ما يفعله بعض الأدباء العرب من عمليات «نقل» حرفي أو محور لمقالات ودراسات وقصائد أجنبية أو عربية ظاهرة لا تطيقها أية أخلاقية كانت، خاصة وأن هؤلاء الأدباء لا ينصرفون الى التناص في لعبة بينة، وإنما يعتمدونها و«يتسترون» عليها، ولا يلبثون أن يصححوا ما سبق لهم أن أخفوه، بحجج واهية، مثل سقوط المزدوجين أو الهلالين!
    54 : Julia Kristeva : op. cit., p. 343 .
    ***




      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 7:22 am