منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    في ضوء نظرية علم النفس الفردي(6)

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    في ضوء نظرية علم النفس الفردي(6) Empty في ضوء نظرية علم النفس الفردي(6)

    مُساهمة   الثلاثاء يناير 17, 2012 2:02 pm


    الشخصية الدرامية


    (ريتشارد الثالث)


    في ضوء نظرية علم النفس الفردي(6)


    المقدمة :


    يعدّ الكاتب المسرحي الإنكليزي وليم شكسبير من أهم كتاب المسرح على
    الإطلاق، لما تتسم به أعماله من تجليات خالدة على صعيد الفكر والقيم
    الفنية، حيث أبدع في رسم ملامح شخصيات عظيمة في عوالمها الداخلية
    وطموحاتها، ويمكن أن نطلق عليه - عن جدارة - بأنه مصمم كبير للنفس
    البشرية، وتتراوح شخصياته بين العاطفة الجياشة والغيرة القاتلة (عطيل)
    إلى العقل والتردد (هاملت) إلى الطموح المرضي للسلطة (ريتشارد الثالث)
    إلى غير ذلك من أنواع التراكيب السايكولوجية للشخصيات.



    إن عمق شخصياته وتنوعها جعلها تكون مثار جدل ونقاش منذ القرن السابع
    عشر إلى الوقت الحاضر، ويعدّ القرن التاسع عشر قرن الآيديولوجيات حقاً،
    حيث ظهرت فيه الفلسفات باختلاف اتجاهاتها المادية والمثالية، وكشوفات
    على النفس، واستنتاجات دارون في أصل الأنواع، والنظريات الطبقية
    الاقتصادية، وغيرها.



    كانت تلك الاكتشافات وفي كل الميادين بمثابة منظور جديد للناقد
    يساعده على اكتشاف مكنون عوالم شخصيات شكسبير، فدخل الصراع الطبقي في
    تحليل مسرحيات شكسبير مثل (روميو وجوليت) حيث كان الصراع محتدماً بين
    عائلة مونتاغو وعائلة كابيوليت.. وأصبحا (روميو وجوليت) هما الضحية،
    وجاءت نظريات التمييز العنصري تطبق على شخصية (عطيل) المغربي الأسود،
    وفلسفة العبث والتردد عند (هاملت)، وكان لانقسام العالم إلى معسكرين
    أحدهما - اشتراكي وآخر رأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية دور كبير في
    تعميق وتنويع وتعدد مثل هذه التحليلات والتفسيرات الخلابة. فالمعسكر
    الاشتراكي ونتيجة لإيمانه السابق بسلطة العوامل المادية والاقتصاية على
    الفرد، له تفسيراته الطبقية والموضوعية في التحليل بحيث كان يولي
    الأهمية القصوى للعوامل الخارجية (وسائل إنتاج علاقات إنتاج) ولذلك فهي
    لا تعتمد كثيراً على العوامل الذاتية والداخلية للفرد، وهذا ما لاحظناه
    عندما قام المخرج الروسي كوزنتسيف بإخراج هاملت للسينما، والذي حاول به
    أن يقرب صورة القلق العلمي والطبقي في عصرشكسبير الذي كانت فيه
    اكتشافات فرانسيس بيكون في أوجها وحياة الفلاحين وصيادي الأسماك وبين
    حالات العصر الحاضر، فكان إخراجه قراءة موضوعية مقارنة بين عصرين
    بينهما خيط مشترك يمثله بؤس المجتمع وبروز السؤال الفلسفي والدعوة إلى
    العمل والتغيير.



    إن مناهج القرن التاسع عشر والقرن الحالي أصبحت منظاراً عميقاً
    للعودة إلى نتاج شكسبير الخالد في القرن السادس عشر. ولم يقتصر ذلك على
    التحليل الأدبي والنقد فحسب، بل امتد إلى العروض المسرحية من خلال
    تحليل الشخصيات الرئيسة وتحديد أبعادها بالصورة التي تتفق مع منهجية
    التحليل وفلسفته. فأصبح (هاملت) أكثر من هاملت وكذلك (عطيل ومكبث ولير
    وريتشارد الثالث) يتجددون في كل عصر. ومن تلك المناهج منهج التحليل
    النفسي الذي تزعمه سيجموند فرويد في بداية هذا القرن، الذي أكد فيه
    (الأنا - الهو - الأنا الاعلى) والغريزة (الليبدو) وعقدة أوديب، وأرجع
    علاقة الرجل بأمه إلى علاقة (أوديب الملك) بأمه (جوكاستا). وهي علاقة
    جنسية لا شعورية تدخل في كيان الولد الطفل منذ ولادته. بالضبط مثل
    (عقدة إلكترا) في حب أبيها (احاممنون) ومحاربتها لأمها كليتمنستا لقتل
    أبيها وزواج الأم من عشيقها (ايجستوس).



    إن هذه الدوافع الغريزية (الفطرية) صارت تفسر في ضوئها الكثير من
    الشخصيات ومنها علاقة (هاملت) بأمه (جرترود) في مسرحية (هاملت).



    ولم يبق فرويد وحده في ساحة المنهج النفسي، بل إن كثيراً من طلابه
    انشق عليه مثل يونج، وأدلر (صاحب أسلوب علم النفس الفردي) الذي اعتبر
    فيه أن لكل شخضية مقومات فردية خاصة لا يصح أن تعمم، وبذلك اختلف مع
    قوة الدوافع الباييولوجية والغريزية التي أسس عليها فرويد نظريته التي
    كانت برأي فرويد عالمية وتصلح لكل الأفراد ومن هنا بدأ الاختلاف في
    الطريقة والأسلوب ضمن المنهج النفساني الواحد.



    إن شخصية (ريتشارد الثالث) التي كتبها وليم شكسبير تتمتع بمزايا
    تفرد كبيرة جداً وسط عالم لا يشببها في هيأتها أو في أهدافها ودوافعها،
    فكان أسلوب ألفريد أدلر هو الأنسب لتحليل هذه الشخصية الفريدة، وهي
    محاولة بسيطة على طريق اكتشاف أهمية مثل هذه الدراسات بالنسبة لممثلينا
    الذين يقومون بتمثيل مثل هذه الشخصيات العظيمة دون تحليل أو تفسير لأي
    شيء فيها فيؤدونها بعتمة تفسد متابعة ذلك العمق السامي والجليل.



    المدخل


    تعدّ شخصية ريتشارد الثالث واحدة من تلك الشخصيات الشكسبيرية التي
    تميزت بعمق أبعادها القابلة للتحليل والاجتهاد والتفسير وفق معطيات
    العصر الحاضر، وما وفّره للباحثين من وسائل ومناهج للتحليل يمكن أن
    نسلط الضوء من خلالها على شخصية ريتشارد الثالث من زوايا عدة سواء
    أكانت سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو نفسية.. إلخ.



    وهذا ليس غريباً على عوالم وليم شكسبير وشخصياته لما امتازت به من
    غنى وشمول إنساني. إن شخصية ريتشارد الثالث، وفي إحدى زواياها البارزة،
    يمكن النظر إليها من خلال النقد النفساني وبالتحديد وفق مدرسة ألفريد
    أدلر الذي (سمى أسلوبه الجديد علم النفس الفردي؛ لأنه يركز على فردية
    كل شخص منكراً عالمية الدوافع البيولوجية والأهداف التي نسبها لنا
    فرويد) (3، ص76).



    وما يعني بالقصور والشعورية، يصبح دافعاً لكثير من الأفعال التي
    تتسم بحب السيطرة كتعويض ما كان ينقصه من أعضاء جسمانية أو تشوهات
    خلقية، وما يتيح هذا النقص من تصدع في العلاقة مع المجتمع، بدءاً
    بالعائلة وانتهاءً بالمجتمع الواسع، وتأسيساً على ما تقدم ومن خلال
    تبني نظرية أدلر في تحليل شخصية ريتشارد الثالث، لا بد لنا أن نرسم
    محددات نظرية أدلر النفسية لتكون لنا منطلقاً وهادياً لتحليل الشخصية.



    * وهذه المنطلقات كما يحددها دارسو أدلر.. هي:


    1- القصور (الشعور بالنقص).


    2- السيطرة (الكفاح من أجل التفوق).


    3- أسلوب الحياة.


    4- الذات الخلاقة.


    5- الأهداف الوهمية.


    6- الاهتمام الاجتماعي.


    1- القصور (الشعور بالنقص)


    من منطلق البداية بالمادة المعروضة للتحليل. تبدأ المسرحية بمنولوج
    طويل يتلوه علينا دوق جلوستر - الذي يصبح فيما بعد ريتشارد الثالث -
    يوضح فيه ملامحه الفسيولوجية التي تحدد فيما بعد سلوكه إزاء محيطه



    (أما أنا، الذي لم أسوَّ في خلقة تبيح لي أن أمارس


    أفانين الحب


    ولم أخلق لأمتع النظر بصورتي على مرآة حبيبة


    أنا الذي خُلق على عجل ولم يؤت من جمال المحبين


    ما يخطر به أمام حسناء مختالة لعوب


    أنا الذي حُرِم اتساق القسمات


    وزيفت الطبيعة الخادعة بنيته


    أنا المشوه المنقوص الذي أرسل قبل الأوان


    إلى هذا العالم النابض بالحياة ولما يكد يتم خلقه


    أنا الذي تنبحه الكلاب إذا وقف عليها


    لما تراه من بالغ عجزه وغرابة هيئته (ص، ص 83)


    إن هذا المنولوج الطويل يوضح إلى حد بعيد موقف ريتشارد الثالث من
    العالم ومن نفسه، حيث يقف بمفرده إزاء ما يحيطه، وقد كان شكسبير عظيماً
    حينما جعل ريتشارد يتلو حواره هذا وهو يقف بمفرده، دون مجد أول الأمر،
    حيث انطلق من نقطة البداية، أي جعله يوضح نقصه مما يجعل الدوافع واضحة
    أمام المتلقي حيث (اعتقد أدلر بأن شعور النقص العام موجود دائماً ومهم
    كقوة مؤثرة في السلوك) 3، ص07).



    يتضح القصور من الحركات الجسمانية والإيماءات والحوار الذي يطلقه،
    فها هو يكرر (أنا المحروم) و(أنا المشوه) و(أنا تنبحه الكلاب) وإلى آخر
    تلك النعوت التي يعكس فيها حقيقته أمام نفسه أولاً، والتي تجعله قاصراً
    أمام الآخرين ثانياً، وكلما يواجهه الآخرون بحقيقته وقصوره الفسلجي
    يواجه نفسه بقسوة ومباشرة حيث يصف نفسه.



    (ريتشارد: أنا الأعرج المشوه بصورتي هذه) (2، ص461).


    لأن تفرده بنفسه وانزواءه مع قصوره خاصة وأن (وجود مثل هذا العضو
    القاصر يؤثر دائماً في حياة الشخص النفسية لأنه يحقره في نظر نفسه
    ويزيد شعوره بعدم الأمن) (4، ص 595).



    كما ويؤثر أيضاً على سلوكه مع نفسه ومحيطه؛ لأنه يولّد حالة من
    القلق وعدم الاطمئنان على مصيره في عالم يتصارع معه ويضمر له الشر (هذا
    الشعور بعينه هو الذي يدفع ألفرد إلى بذل المزيد من الجهد لتعويض هذا
    الشعور بالقصور) (4، ص595). وأن يمارس ويحقق هذا التعويض في محيطه على
    صعيد الأفراد الذين يقاسمونه العيش. ولكن هذا القصور الفسلجي لا بد أن
    يصاحبه نقص في السلوك وفق تقاليد المجتمع وأعرافه. لا سيما إذا كان
    (الشعور بالنقص الناشيء عن قصور عضوي أو عدم كفاية في المحيط أقوى من
    المعتاد، فحينها قد تنشأ أنواع الاضطرابات والتغيرات الجسدية والعاطفية
    والعقلية التي تظهر بكل عوارض عصابية وذهانية) (5، ص241) فهذه
    الاضطرابات والتغيرات حالة طبيعية بالنسبة للمصاب بشعور النقص، إذا
    كانت تحافظ على قوام المجتمع وتنظيماته السلوكية ولكن إذا حاولت -
    الشخصيات المريضة - ان تغير النظم والنواميس الاجتماعية والاخلاقية فهي
    بلا شك تسبب حالة شاذة، وتكرارها يتحدد ويشخص كونه مرضاً ينبغي علاجه،
    ويتأكد من ذلك إذا كان (النقص في أحد الأعضاء يظهر ذاته في تأثيره
    العام في النفس في أثناء عملها والفكر والأحلام ومن اختيار المهنة وفي
    الميول الفنية والمقدرات (5، ص931).



    وبقدر ما تكون الحالة معزولة عن تأثيرها الاجتماعي تكون طبيعية،
    خاصة إذا تصرفت تصرفاً طبيعياً وتحولت إلى سلوك إيجابي، لأن (تقدم
    الفرد ونموه وتطوره ينتج من محاولة تعويض نقائصه سواء أكانت تلك
    النقائص حقيقة أم خيالية) (3، ص07).



    وقد (أوضح أدلر أن الأجزاء أو أعضاء الجسم التي فيها عيب تؤثر في
    نمو الشخصية من خلال محاولات الفرد وجهوده للتعويض عن النقص) (3، ص17).
    وخير مثال على ذلك القائد نابليون الذي كان قصير القامة، وشخصية شيشرون
    الذي كان يتلعثم في نطقه وأصبح فيما بعد أعظم خطيب في روما كلها، لأنه
    استطاع أن يوظف قصوره توظيفاً إيجابياِ وتفوق بذلك على ذاته المريضة
    والآخرين، وهنا لا بد أن نشير إلى أن النقص ليس بحدود الشخصية بل هو
    عامل مؤثر من الممكن أن يكون دافعاً لتحسين النوع الإنساني إذا فكرنا
    به، ليس من منطلق فردي بل من منطلق حاجة النوع الإنساني إلى الرقي في
    نواحي العلم والمعرفة والسمو الأخلاقي (فهذا الشعور بالقصور الذي يوجد
    مع الإنسان في بداية الحياة هو الذي يحفظ للإنسان بقاءه وحياته عبر
    الأجيال) (42، ص 695). لأنه مطلوب منه أن يتكامل ليتناسب مع تكامل
    قوانين الطبيعة والعلم، وإلا أصبح نوعاً متخلفاً وغير منسجم وربما
    قابلاً للانقراض. فهذا القصور الحضاري دافع كبير للنوع وتجاوز الفرد
    لذاته ودمجه بالذات الكلية للمجتمع، ولكن أدلر يرى أن (القصور مرادف
    للأنوثة بينما القوة ترادف الرجولة) (42، ص 695). وهذا ما كان واضحاً
    في شخصية ريتشارد الثالث في علاقته مع أمه الملكة ودوقة يورك وزوجته
    ليدى آن حيث كان يعاملمها بقسوة واستصغار لشأنهما لأن (هدف التعويض كان
    الرغبة في السلطة التي يلعب فيها الاعتداء دوراً كبيراً) (3، ص 37).
    وكانت الأسرة أول الميادين المباحة التي يمارس فيها عدوانيته المريضة.
    وهذا واضح من (المونولوغ الاستهلالي في مسرحية (ريتشارد الثالث) الذي
    يصوّر شكلاً آخر من أشكال العزلة المفروضة ألا وهو العاهة الجسمانية
    التي تفصل بينه وبين الآخرين. وضمير المفرد المتكلم يسود المونولوغ
    بإيماءات بالعزلة الطوعية الناجمة عن الأنانية وحب الذات، ولكنها كلما
    يؤكدها تقترن أيضاً بالعزلة المفروضة عليه، عزلة العاهة) (6، ص08).



    فهو محصور بين عزلتين حادتين هما الأنانية وحب الذات، مقابل العاهة
    الأولى التي تخصه، أما نفسه، مرآته العاكسة والثانية في تعامل الآخرين
    معه من خلال عاهته وكلاهما مرتبط بالأخرى فهي منعزلة، إنها طفح الذات،
    وفعل طبيعي للعاهة الخارجية، فكلما كان خارج الفرد غير جميل، تتضخم
    الدواخل بشكل سلبي، وهذا ما حدث لريتشارد في حالة قصوره، فذاته صارت
    انعكاساً سلبياً لمكوناته الخلقية المشوهة، حتى تضخمت وصارت أنانية
    مريضة حادة.



    2- السيطرة (الكفاح من أجل التفوق)


    الجرائم البشعة التي اقترفها ريتشارد الثالث والطرق الملتوية التي
    سلكها لتحقيق أهدافه السلطوية وإرادة السلطة كانت (الحافز نحو التفوق
    وتأكيد الذات) (1، ص242).



    ولكن التفوق كان سلبياً عدائياً وتحقيق الذات صار فعلاً للجريمة؛
    لأنه نتاج العاهات، حيث قام ريتشارد بقتل أخيه وأبنائه بتخطيط منه،
    وقتل ابن عمه الذي كان يتعاون معه في ارتكاب الجرائم (غير أن هذه
    العاهات بالنسبة لشكسبير هي أكثر من نذير بالشر: إنها رموز الشذوذ الذي
    فُطِرَ عليه ريتشارد، الصورالخارجية لفساده الداخلي إنها صفة جسدية،
    تضعه مكرهاً بعيداً عن الناس، وفي ذلك انعكاس للوحدة الداخلية التي
    ينميها طائعاً بحفاظه على أفكاره لنفسه ورفضه الاعتراف بالعُرى
    الاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم) (6، ص18).



    وكان ذلك واقعاً تحت تأثير الشعور العام بالقصور الذي يولد به
    الإنسان، والعمل المستمر نحو تحقيق هدف السيطرة والتفوق) (4، ص106).



    إن الشعور بالقصور أصبح حالة مرضية عند ريتشارد، مما جعله يعاني
    ويجعل من القصور مرادفاً للتفوق كتعويض عن حالة القصور التي جُبِلَ
    عليها (ولكن هذا الشعور بالقصور لم يستطع التنفيس عنه من خلال العلاقات
    السوية المحيطة به، ولذلك تحولت إلى عقدة و(العقدة النفسية بالذات
    تُثير، على نحو أوتوماتيكي رد فعل قوي على شكل حافز مُلّح نحو التفوّق
    (1، ص442) لذلك كان سلوكه دموياً ورد فعله سريعاً، وذلك لوقوعه تحت
    تأثير الحافز الملُح الذي يطالبه بالتفوق على الأقران وتحقيق أهدافه
    الشريرة المرتبطة بحالة القصور.



    إن طموحه في أن يصبح ملكاً ويأتمر بأمره الآخرون، هو إثبات بأن
    القاصر يمكنه أن يدير دفة المملكة والحكم أسوة بالأسوياء؛ لأن الإنسان
    وحسب استنتاج أدلر (كان يبحث عن القوة) (4، ص 895).



    والسلطة التي تحققت لريتشارد هنا هي بلوغه السلطة السياسية دون
    تسلطه على ذاته التي يطغى عليها شعوره بالنقص.



    وظل مطلب تحقيق الذات وتأكيدها هو الحافز للفعل والسلوك حتى بلغ قمة
    العرش؛ لأنه في الوقت الذي كان ينتهج طريق الشر كوسيلة لتحقيق ذاته
    القاصرة أصبح هذا الطريق هو الوسيلة والغاية لأنه دخل في مقومات شخصيته
    وتكوينها (فالقصور البدني في مثل هذه الحالات يعطي قوة إضافية ونشاطاً
    تعويضياً لبلوغ هدف ما يؤدي إلى السيطرة والتفوق داخل الذات) (4،
    ص206).



    وعليه، فإن القصور يخلق مسافة شعورية بين الشخص القاصر والآخرين،
    ولا يمكن ردم هذه الهوة - حسب اعتقاد القاصر - إلا بالقيام بعمل ما، من
    شأنه أن يرفع من قدرهِ في عيون الآخرين الأسوياء ومشاعرهم، ولا يهم نوع
    الفعل، فهو يتراوح من الجريمة إلى الأفعال السامية، بقصد تحقيق ذات
    أشمل وأكبر، حتى يمكن الإحساس بها والإشارة إليها من قبل الآخر،
    وبالتالي تتحول الرغبة في السيطرة والتفوق إلى حالة مرضية إذا لم تكن
    تسير في الحدود الطبيعية لمقومات الشخصية الإنسانية السوية.



    3- أسلوب الحياة


    انتهج رتشارد الثالث أسلوباً عدوانياً في حياته لتحقيق مآربه
    الأنانية، فتارة يكذب وأخرى يخادع وثالثة يقتل ويزّيف الحقائق، فهو
    الذي يقول عن نفسه قبل أن يصبح ملكاً:-



    (دوق جلوستر إني اقترف الأثم وأبدأ بالشكوى


    واتهم الآخرين بأشنع ما دبرت من شرور) (2، ص681)


    لقد تدرج في أسلوب حياته بدءاً من الكلام الخادع المنمق والكاذب إلى
    أن أصبح مجرماً وقاتلاً بالفعل، فتحول من القصد والهدف إلى الفعل،
    وامتد تأثير فعله العدواني حتى صار له شركاء وأعوان في الجريمة و(من
    أجل أن يبلغ السيطرة على مشاعر القصور عنده فمن الضروري أن يتخذ
    أسلوباً محدداً في حياته) (4، ص995).



    ومن مظاهر ذلك السلوك خداع المظاهر الخارجية له وزيفها، فيقول:ـ


    (دوق جلوستر: المظهر - علم الله - قليلاً ما يتعلق مع طوية القلب،
    بل إنه قد لا يتفق معها أبداً ) (2، ص 232)



    وحول كذبه وتاليبه أبناء أسرته وفتنهم بعضهم بعضاً يقول:ـ


    (جلوستر، فلا دخل الآن لأزيده بغضاً لكلارنس بأكاذيب مدعمة أحسن
    تدعيم بالحجج القوية) (2، ص 641)



    ويتعدى تزييفه لحقيقة شخصيته وأهدافه إلى الذي كان عنصراً مهماً
    وموثراً في تزكية سلوك الإنسان وسمو أخلاقه. ومما يقوله بخصوص تستره
    بالدين.



    (جلوستر: وهكذا استشرى المفضوح


    بخرق أسرقها من الكتاب المفضوح


    بخرق أسرقها من الكتاب المقدس


    فأبدو كالقديس وأنا أمضي في تمثيل دور الشيطان) (2، ص851).


    لا شك في أن اعتلاله البدني وقصوره هو الذي بلور سلوكه لأن (علته
    البدنية كانت الوسيلة الكبرى في تشكيل أسلوب حياته) (4، ص106) هذا
    الأسلوب الذي كان مقيتاً من قبل الآخرين لكنه محبّب لريتشارد نفسه؛
    لأنه أصبح طريقه إلى النجاة والحفاظ على شخصيته من الاندثار وتحقيق
    أهدافه.



    ويتخذ (هذا التعويض أحياناً أشكالاً من العنف تبلغ حداً متطرفاً لا
    تنتظره منه، وهو ما يعرف باسم التعويض النفسي الزائد) (4، ص595).



    إن زيادة التعويض النفسي تؤدي إلى خلاف مع المحيط الاجتماعي، وتظهر
    في أكثر الأحيان على نحوٍ عدائي وبجريمة تنتهي بالدم، حيث يقول
    ريتشارد:ـ



    (ريتشارد الثالث: ولكني قد انغمست الآن في الدماء


    ولا بد أن تدفع الخطيئة إلى الخطيئة،


    ولا مكان لدموع الرحمة في عيني) (2، ص792).


    إن السيطرة والنجاح الذي حققه ريتشارد الثالث على أعوانه وأهله من
    آل يورك هو حالة تعويض عن الحالة القاصرة التي يحددها بالضرورة (أسلوب
    حياة الفرد والطريقة التي يهدف بها الفرد إلى تحقيق السيطرة) (4، ص795)
    وهناك ثلاثة عوامل يعتبرها أدلر من أهم العوامل التي تؤثر في السلوك،
    وهي:-



    1- القوى البيئية


    2- العوامل الاجتماعية


    3- التنشئة الاجتماعية للفرد) (4، ص995).


    ونلاحظ ارتباط هذه العوامل جميعها بالعالم الموضوعي والمحيط. حيث
    كانت علاقة ريتشارد بكل هذه العوامل السالفة الذكر علاقة سلبية.
    ويمكننا أن نفسر الكثير من سلوكه على ضوء أسلوب الحياة، فكان مبدأه في
    التعامل يتشابه إلى حد كبير مع فلسفة ميكافيلي، من أن الغاية تبرر
    الوسيلة، وهذا يدخل من باب التفسير السياسي والآيديولوجي للشخصية.



    ولكن لو لم تكن هذه العوامل ذات تأثير سلبي على ريتشارد، أي لو أنها
    تبدلت وعاش فيها ريتشارد، لتغير أسلوب حياته ومن ثم سلوكه (فمع تغيير
    البيئة واختلاف الذوات الداخلية يختلف أسلوب حياة الأفراد) (4، ص006).



    نحصل على شخصية سوية تسلك مسلكاً صحيحاً، ولكن عند ذاك نفقد هذه
    الشخصية العميقة المؤثرة في تكوينها الجسماني وأسلوب حياتها الذي صار
    درساً يبتعد عنه كل ذي عقل راجح.



    4- الذات الخلاقة


    حينما يعاني المرء من عوق ما يصاحب ذلك العوق انفعالات مدمرة، وهذا
    أمر طبيعي للغاية (وقد تشمل هذه الاستجابات مشاعر اليأس والقلق حول
    المستقبل وفقدان تقدير الذات) (7، ص002).



    وبذلك يصبح إزاء هذه الانفعالات أمر حتمي بحكم قوانين الطبيعة
    والمجتمع، ولا يمكن تحديد صورة الانفعالات إذا كانت حبيسة الدواخل، لكن
    الاستجابة لا تتحقق - العدواني منها والسليم - إلا بوجود الآخر
    الإنسان، الحيوان الطبيعة، وحتى الجماد أحياناً وحسب التفاعل معهم، إذ
    إن كثيراً من الشخصيات المعاقة فسلجياً أو المشوهة خلقياً تكتم
    عدوانيتها بطريقة وأخرى أمام آخر مسالم يحاول أن يحتوي عدوانيتها
    وشرها، وبالعكس تستمر العداوة في حالة الآخر المشاكس.



    وإذا لم تجد العدوانية المساحة الكافية التي تتفجر فيها. فإنها
    تتحول إلى داخل الذات. وهنا تتصاعد العدوانية داخل الفرد وتتحول إلى
    وسط تعذيب هادىء، لذلك أصبح إيمان ريتشارد بالقصور هو (الحافز الرئيس
    الذي يدفعه إلى محاكاة قدرات الآخرين) (4، ص595).



    فحاول الانتصار عليهم عبر وسائل وأدوات شتى وراح يخطط لنفسه بالسر
    دون أن يعلن مشروعه لأحد، وكان يبغي التفوق عليهم لسد النقص الفردي
    بحالة تعويض اجتماعي كبير، فهو تجاوز الفردي نزوعاً إلى السلطة والحكم؛
    لأنه المطلب الوحيد الذي يسد القصور الذي ناقشه مع دواخله والذي يفرض
    من خلاله على الآخرين حاجتهم إليه كرجل سلطة يمتلك الأمر والنهي وتقرير
    مصائر الآخرين.



    (ولكي نفهم الفرد أصبح لزاماً علينا اكتشاف الهدف الذي يرمي إليه في
    الحياة، وكما يدعي أدلر فإن هذا الهدف يظهر في كل فعل منفرد يقوم به
    الفرد) (1، ص 342) سوياً كان أو معتلاً. فعلى الرغم من أننا لا نشاطره
    أهدافه اللاحقة التي كان يصير إليها لكننا لا ننكر رسمه الطريق الذي
    يسلكه، حيث كان عميقاً ومخططاً له تخطيطاً ذكياً وخلاقاً. فهو إلى جانب
    الذوات المحيطة به كان أكثرها خلقاً لذاته بتحقيق أهدافه ورسمه للوسائل
    التي توصله إلى أغراضه وأطماعه خاصة وأن الذات الخلاقة هي (ذات مبدعة
    تخلق شيئاً لا على غرار سابق تخلق شخصية فريدة فهي إذن ذات خلاقة) (4،
    ص406). حيث تتحقق لا من تفرد حاملها فحسب بل ومن ضعف قدرات الآخرين
    المحيطة بها؛ لأنهم سلكوا طرقاً واستخدموا وسائل بالية في التعامل مع
    جديد الأحداث والوقائع. وفعلاً هكذا كان ريتشارد في خلقه وتحقيقه
    وتأكيده لذاته في وسائل حياته وأهدافها. حيث كانت الذات الخلاقة له
    (يمكن أن يعني ذلك موقفاً لا اجتماعياً قوياً عندما يصبح الشخص الذي لم
    يؤكد ذاته من خلال إنجازه الموجب مثار انتباه الآخرين بوساطة سلوكه
    الحياتي المضاد للمجتمع) (1، ص ص 542).



    إن تحقيق ذات ريتشارد صار على حساب المجتمع لبلوغه أهدافه بوسائل
    غير نزيهة، فالكذب والنفاق والقتل كانت وسائله التي تشبث بها لتحقيق
    مآربه، لذا ارتبطت ذاته بسلوك جنائي معادٍ للمجتمع.



    ولو اقتصرت دوافع (ريتشارد على عوقه فحسب، لما استطاع أن يخطط بهذا
    الشكل البارع؛ لأنه كان يحمل في داخله ذكاء ودبلوماسية خارقة، وكان
    ريتشارد الثالث يشبّه نفسه بمكايافلي، وهو أمير حقيقي، إنه، في أي حال،
    أميرٌ قرأ كتاب (الأمير). السياسة له بمكافيلي، فن غايته الحصول على
    السلطة، السياسة لديه لا صلة لها بالأخلاق، شأنها شأن فن بناء الجسور،
    أو المبارزة بالسيف) (8، ص 45).



    وعلى هذا الأساس، فإنه كان يجمع شخص المعوق، زائداً السياسي، مضافاً
    إليها بعده عن القيم الأخلاقية التي ينبغي أن يتحلى بها الملوك
    والقادة، لكنه فقدها فوقعت الجريمة.



    5- الأهداف الوهمية


    إن سعي ريتشارد المحموم نحو تحقيق ذاته المعتلة وتأكيدها بأساليب
    غير مشروعة، جعله منجراً لذاته، أي أن نفسه صارت وسيلة دنيئة لتحقيق
    الأهداف، بمعنى أن أهدافه تجاوزت ذاته وأذلتها؛ لأن تلك الذات التي
    تحققت بالسيطرة على الآخرين وخلصت إلى تحقيق الهدف المرسوم لم تعد
    كافية لتغطية الطموح المستجد في مسيرة البطش (لأن السيطرة لا تعني فرض
    السيطرة على الآخرين وإنما يعني به السيطرة على الذات) (4، ص 895) التي
    انفلتت عند ريتشارد من عقالها وراحت تبحث عن أهداف أخرى تجاوزها في
    مسيرته العدوانية الأولى. فبعد أن حقق الأهداف التي أوصلته إلى العرش
    تولدت أهداف أخرى تحتاج إلى مخططات جديدة، ربما كانت وهمية إلى حد كبير
    بحيث طغت على شخصيته، وقادته نحو الهاوية (وهكذا تسير العملية من مشاعر
    القصور إلى محاولة تعويض وبذل جهد لبلوغ أهداف جديدة ومستوى جديد)، (وقد
    تكون أهدافاً فعلية أو وهمية وهذا جوهر الحياة) (4، ص695).



    فإن كان الإنسان سوياً فإنه يبحث عن الأهداف التي يمكن تحقيقها
    فعلاً؛ لأنها ستكون في متناول يده لتحقيقها، وبالتالي يمارس ذاته
    عملياً من خلال هذا الواقع دون المساس بأحد. أما بالنسبة لريتشارد فقد
    انتقل من الأهداف الفعلية التي تحققت على أرض الواقع (قتل، طموحات،
    صعود غير مشروع للسلطة.. الخ) إلى الأهداف الوهمية التي راح ضحيتها
    (والهدف قد يكون وهماً وخيالاً؛ لأنه بعيد عن الواقع، كما أنه قد يكون
    بعيد المنال بالنسبة للذات الخلاقة التي تهدف إلى السيطرة) (4، ص506).



    ويرتبط الوصول إلى هذه الأهداف (باللجوء إلى ما لا يحصى من الحيل
    والوسائل) (5، ص441).



    وفعلاً هذا ما قام به ريتشارد في ابتكاره وسائل الخداع والتزييف
    العديدة لبلوغ أهدافه التي كان دافعها الأساسي الإحساس بالقصور (لأن
    الإنسان يهدف فحسب إلى السيطرة والرغبة في السيطرة تبزغ من الإحساس
    بالقصور أو العجز أو عدم الكفاية) (4، ص 895).



    ونلاحظ أن القصور يشكل تأثيراً كبيراً على سلوك الشخص وأهدافه في
    حالة التعويض (وليس ثمة شك أن مثل هذا التعويض للقصور البدني لا يتم
    بطريقة آلية وبسيطة بل قد يبذل الفرد جهوداً مضاعفة من أجل بلوغ
    أهدافه) (4، ص206) سواء أكانت الأهداف فعلية أو وهمية، فالمهم رسوخها
    في الذات؛ لأن ذلك يولد الإيمان بها ويدفع إلى ضرورة تحقيقها، ولأنها
    سترتبط بالذات وتصبح العنصر المحرك في كيان الفرد لبلوغ أهدافه، لا
    سيما وأن السلوك مرتبط بغاية على اعتبار (أن السلوك البشري هو غائي،
    النفس مصممة باتجاه هدف ما عن طريق حركات) (5، ص641).



    تلك التي كانت فاضحاً لأهداف ريتشارد ومسالكه الملتوية، فحركاته تضم
    إشارات وإيماءات تفضح هذا السلوك العدواني مثل محاولته الانتحار بسيف
    ملتوٍ (فإن الإنسان تحركه توقعاته للمستقبل أكثر مما تحركه خبرات
    الماضي، فالمستقبل هو الذي يشكل ما سوف تفعله ذاته الخلاقة في أي لحظة
    معينة) (4، ص406). مستقبلاً، أما الماضي فهو الخزين الذي يوفر أساليب
    التحرك، ومن هنا ينشأ الوهم؛ لأنه وليد زمن المستقبل الذي تكثر فيه
    شطحات ذهنية كثيرة. فالغايات المحددة التي تؤمن بها الشخصية هي المحرك
    الأساس لتلك الشخصية، فالأهداف التي حركت ريتشارد كانت طامعة في السلطة
    والسلطة إخفاء وتجاوز لقصوره، وكانت هذه الأهداف. واضحة، ومتحققة من
    خلال سلوكه وتصرفه وعلاقاته لبلوغ هذه الغايات إذ (لا يمكن أن تتكون
    الشخصية وتنمو إلا إذا كانت النفس تتجه اتجاهاً غائياً؛ لأن الغاية
    التي يسعى نحوها الشخص وينشط لتحقيقها هي العامل الحاسم في توجيهه) (4،
    ص506).



    ولا شك في أن معرفة غايات الشخص وأهدافه تعرفنا إلى طريقه سلوكه
    وأسلوبه في الحياة وفي التعامل مع محيطه والآخرين لـ(أهمية الغاية في
    تفسير الظواهر النفسية جميعها) (4، ص506).



    ونتستنج من ذلك أن القصور البدني يولد حالة شعورية متعارضة مع
    المجتمع، أو في أحسن الأحال متفوقة على المجتمع، وتخلق وضعاً عدائياً
    إزاء الآخرين، مرتبطاً بأهداف فعلية تتحقق أو وهمية تقود إلى دمار
    الشخص أو الآخرين، وإن سلوك الإنسان يرتبط بغائية محدودة توضح هذا
    السلوك وتبين على أساسها المشاعر.



    فالغاية ترتبط بالهدف، المرتبط بزمن المستقبل وقد يوصل هذا المستقبل
    إلى الوهم خاصة عند الشخصيات التي تعيش حالة القصور.



    6- الاهتمام الاجتماعي


    اعتقد أدلر بأن (الرغبة الاجتماعية أو الشعور الاجتماعي، هي أهم
    الأهداف في نمو الشخصية والعلاج النفسي) (7، ص74). التي كان يفتقدها
    ريتشارد حتى من أقرب الناس إليه، فها هي أمه الدوقة تقول له:



    (إنك سفاح محب للدماء وبالدماء ستكون خاتمتك) (2، ص713)


    لقد اتضح سلوكه بأنه سلبي ومثير للمشكلات، حتى إن الدوقة الأم تنبأت
    بمستقبله ونهايته الدامية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن علاقة ريتشارد
    بأمه بعيدة عن الحب وعن كل أشكال التعاطف، بل الكراهية هي الحالة
    السائدة، ولم يقتصر احتقار ريتشارد وبغضه لأمه فحسب، بل امتد إلى أفراد
    أسرته جميعهم، إذ إن أهله يذكرونه دائماً بتشويهات خلقته وقصوره
    العضوي، حيث تقول الملكة ماركريت أرملة أخيه هنري السادس:



    (أنت أيها المسخ المشؤوم، أيها الخنزير النهم، يا من كُتب عليه منذ
    مولده أن يكون وضيع الخلق شريراً) (2، ص081).



    فهذه النعوت وتلك الألقاب تجعله يحسّ دائماً بقصوره وتدفعه إلى
    التعويض بأي وسيلة. لذا، يقول عنه ريشموند ابن هنري السادس:-



    (رجل يتخذ كل وسيلة للوصول إلى ما يريد ثم يقتل كل من كانوا وسيلة
    غايته) (2، ص063).



    إن هذه التصورات التي يعكسها محيطه عليه جعلته متفرداً في سلوكه
    وشاعراً شعوراً زائداً بقصوره البدني و(يقول أدلر عن العوامل
    الاجتماعية التي تؤثر في حياة الإنسان) (1، ص142).



    فالظروف الاجتماعية والعلاقات البشرية التي أحاطته بالاعتراضات
    والرفض كانت عاملاً منذ ولادته ليكون شخصاً شريراً أولاً ثم منبوذاً
    ثانياً، فالمجتمع جعل منه إنساناً شريراً بعد أن ساعد على تضخيم قصوره،
    ثم نبذه لأنه لم يعد يطيعه؛ لأن شره بدأ يؤذي الناس الذين ساهموا به
    بسلوكهم المناوىء واللاإنساني، خاصة وأن البيئة الجاهلة يمكن أن تخلق
    للولد صعوبات في الحياة وأن تكون خلقاً تنشأ عنه صفات مختلفة تعتبر
    عصابية أو ذهانية) (5، ص141).



    وهذا ما حدث لريتشارد حيث تضّخم عنده القصور وتحول إلى عقدة تفرز
    مشكلاتها على من خلقها وساهم في تكوينها منذ الطفولة. (وعلى أي حال
    ينشأ عن الشعور بالنقص وعدم الكفاية وعدم الشعور بالأمن حافز للتغلب
    على صعوبات البيئة للحصول على الاطمئنان والأمان والاتزان الاجتماعي)
    (5، ص441) وعدم الاتزان هذا هو الدافع لقيام الجريمة لتحقيق الذات
    وتأكيدها، تلك الذات التي صارت خلاقة في إيجاد وابتكار وسائل التنفيس
    والتعويض الذاتي بالروح العدوانية لا سيما (أن هذه النقائص الخلقية أو
    الصفات الغريبة تثير بعض السخرية والازدراء وتثير الأسى والعطف، لدرجة
    أن المرء لا يطوّر شعوراً طبيعياً بالنقص فحسب، وإنما يطوّر (في كثير
    من الأحيان، عقدة نقص مرضية) (1، ص442).



    دفعته إلى احتقار الناس جميعهم من حوله، ولذا قام بفعل القتل
    واحتقار النساء والأطفال على نحوٍ خاص، وتمثل هذا الاحتقار بزواجه من
    الملكة آن زوجة أخيه الذي قتله، التي (تدرك أن تشوه ريتشارد علامة لا
    إنسانية، وعدم شبهه بأي إنسان طبيعي. والصور المجازية التي تستخدمها
    حين تتحدث عنه تتراوح بين الشيطان والوحش، وهذا ينطبق على إشارات
    الشخصيات الأخرى أيضاً إليه) (6، ص58).



    ويعلن احتقاره للدوقة والدته وقتله لأبناء أخيه إيماناً منه بأن
    الرجال ينتمون إلى جنس أعلى ويصبحون رمزاً للقوة والعظمة والامتياز،
    مما يجعل الناس الذين هم في مركز أضعف (الأولاد والنساء والعصابيون)
    يحسدونهم ويحاولون مناقشتهم والتفوق عليهم) (5، ص741).



    وترى ريتشارد يندفع للزواج من زوجة أخيه الملكة آن، وبعد وفاتها
    يحاول أن يتزوج إحدى بنات الملك هنري، على اعتبار أن شعوره بالنقص
    يدفعه إلى جعل المرأة عنصراً قاصراً هو الآخر، وينبغي أن يكون الرجل
    قوّاماً عليهم؛ لأنه كامل (وهذا النوع من الأشخاص يكوِّن علاقات جنسية
    كي يحكم ويسيطر) (5، ص941).



    لذلك كان شعوره بالتفوق الناتج عن شعوره بالقصور يدفعه إلى استصغار
    كل الناس الذين يحيطون به وعلى نحوٍ خاص النساء والأطفال؛ لأنهم
    يذكرونه بنقصه الذي لا يتيح له أن يكون ملكاً في الأوضاع السياسية
    الطبيعية، (إن ريتشارد يدرك في النهاية أن رفضه لكل الروابط والعرى مع
    الآخرين، وعزله نفسه بعناد عنهم قد دمّراه، وبما أنه رفض حب الآخرين
    لكيما يحب ذاته وحدها، فإنه يجد الآن أنه عاجز حتى عن حب نفسه، ويتوق
    لشيء من الحب والشفقة مع الآخرين) (6، ص09) لكنه لم يعثر سوى على الموت
    الزؤام.



    النتائج:


    1- الحافز الأقوى لسلوك شخصية ريتشارد الثالث، تتمثل في عقدة القصور
    العضلي والتشويهات الخلقية. لذلك انعكست وسائله وغاياته الخسيسة على كل
    ما يحيطه من بشر.



    2- إن الشعور بالقصور هوالذي جعل منه شخصية خلاقة في طريق الشر.


    3- يصح تفسير أدلر ونظريته على هذه الشخصية الشكسبيرية الكبيرة على
    أساس القصور وانعكاسه على سلوك الشخصية وأهدافها.



    4- إن ريتشارد الثالث لم تحركه عقدته وشعوره بالقصور فحسب، وإنما
    امتلاكه وعياً وأسلوباً سياسياً، إضافة إلى أن اطلاعه وثقافته يؤهّلانه
    لأن يحكم، وإيمانه بأن الغاية تبرر الوسيلة، شعار ميكافلي.



    5- وجود الآخرين من أهله الذين لا يحبونه ويشنعون به وبشكله، يعدّ
    عاملاً مساعداً على تصعيد العقدة عنده، ولو احتضنوه على نحوٍ إيجابي
    لربما لم يتصاعد الشر فيه إلى هذه الدرجة فالآخرون كانوا هم العالم
    الذي تاجج به حقده.



    هل بقي الأدب والرواية مستودعاً
    للنظرية النفسية ؟(7)


    سئل صاحب مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد ذات مرة وهو في مكتبه
    عن الأساتذة الذين تعلم منهم فأشار إلى رفوف خزانته التي رصدت عليها
    أمهات الأدب العالمي. ويعترف في كتابه (حياتي والتحليل النفسي) أن عمله
    لا يعدو كونه نوعاً من استيحاء ما كان يعرفه الروائيون.



    (ثقافة اليوم) تفتح ملف العلاقة الشفائية بين الأدب والرواية
    والنظرية النفسية قديماً وحديثاً ومستقبلاً وهل بقي الأدب والرواية
    مستودعاً حقيقياً للنظرية النفسية؟ وهل بقي ضرورة لتكميل شخصية المحلل
    النفسي أم أنّ ثمة انقطاعاً يشي بعدم أهمية هذه العلاقة؟



    حيث طرحنا المحور مع جملة من أساتذة علم النفس وأطبائه المعروفين
    باهتمامهم الأدبي والروائى.



    المبدع يعبّر والعلم يفسر


    أول الضيوف هو أ.د أحمد أوزي أستاذ علم النفس في جامعة البحرين وله
    الفضل في قدح محور الاستطلاع في ذهني وقد ألح د. أحمد على كشف أسبقية
    الإبداع على الكشف العلمي بفهم الإنسان حيث اقتاده هذا إلى ضرورة
    التعريف بين لغة الأدب واللغة المتداولة من هذا المنطلق يقول د. أحمد
    في مشاركته:



    (لقد كان الإنسان ولا يزال أحد الموضوعات التي تضافرت مختلف العلوم
    منذ نشأتها على محاولة فهم وتفسير سلوكه. ولئن كانت بعض العلوم الحديثة
    كعلم النفس تحدوها الرغبة الأكيدة في الوصول إلى ذلك، فإن الفنون
    بمختلف أشكالها قد حاولت منذ القديم وصف التجربة الإنسانية واحتوائها
    بكل أبعادها النفسية العميقة. لذلك كانت الفنون بشكل عام والأدب بشكل
    خاص، مجالاً خصباً وواسعاً نلتمس من خلاله التعرف على كثير من نواحي
    السلوك والعلاقات الإنسانية. والأدب حينما يقوم بوصف تجربة الغير
    يبصرنا في الوقت ذاته بأنفسنا من خلال الحديث عنه.



    وقد فطن بعض العلماء إلى ما يمكن أن يلعبه الأدب في ميدان فهم
    الإنسان وتفسير سلوكه فاستوحوا منه الكثير من أفكارهم ونظرياتهم،
    ونقلوها إلى مجال التحقق والتجريب العلمي. لذلك فإن الأدب أسبق من
    العلم في الانشغال بفهم الإنسان ووصفه "إن الكاتب المبدع يعبر، والعلم
    يفسر. إن الإبداع يسبق الكشف العلمي بزمان" فكأن الفنان المبدع
    سيكولوجي ومحلل نفسي بطبيعته. إن اختلاف لغة الأدب عن لغة الحياة
    اليومية تؤدي بالقارئ إلى الوعي بذاته وإنسانيته، لأن لغة الأدب كلام
    وتفكير في آن واحد. أما لغة الحياة اليومية المتداولة خلال العلاقات
    بين الناس فهي لا تفيد إلا في إطار مختلف الأفعال.



    وبالأدب وحده - الذي كان أول الأمر أدباً شفاهياً يتداوله الناس في
    الحضارات التي لم تعرف طريقاً إلى الكتابة - أمكن للإنسان التساؤل عن
    ذاته ومصيره وتاريخيه ووظيفته الفكرية والاجتماعية. ذلك أن مفاهيم
    الإنسان ورؤاه عن العالم ثبتت لديه عن طريق الاتصال بقراءة الأساطير
    والسير والملاحم الدينية وغيرها، ثم عن طريق السرد القصصي في مختلف
    أشكاله كالرواية والقصة والمسرحية التي كانت ولا تزال المعين الخصب
    الذي لا ينضب لكل قارئ في النفس البشرية.



    إن الإنتاج الفني الأدبي بجميع أشكاله يعتبر شكلاً من أشكال التعبير
    عن الوعي الإنساني وعن العالم الموضوعي. والرواية باعتبارها أحدث هذه
    الفنون نشأة تعد أهم هذه الفنون وأقواها نفاذاً وتوغلاً في وصف أعمال
    الطبائع البشرية. كما أنها تخزن في تسلسل حركات شخوصها سير الوعي
    الإنساني، ومادتها الأساسية هي الإنسان الاجتماعي والذات الشخصية في
    جميع حالاتها: "إن وظيفة الفن المميزة، هي معرفة الذات. ومادته هي
    الإنسان الاجتماعي المأخوذ ضمن وحدة كل نوعياته، خواصه وأحاسيسه،
    أفكاره ونشاطه".



    إن الرواية كجنس أدبي حديث، ذات اتصال وثيق بجوانب الإنسان وحياته
    في مختلف أبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
    والتاريخية لذلك كانت هي الحياة أو بالأحرى صورة للحياة أو أنها كما
    يقول "ستندال" مرآة تجوب الشوارع، ولذلك عرفت منذ نشأتها تطوراً مهما
    لأنها محايثة للإنسان ولتجربته. كما أنها فرضت نفسها وسط الأجناس
    الأدبية الأخرى بشكل واضح، واستوعبت كثيراً من نتائج علوم عصرها.
    ويتساءل أحد السيكولوجيين، فيما إذا لم تكن معارفنا عن الذات ومشاعرها
    المختلفة قد اكتسبناها عن طريق الرواية، إذ المعرفة المباشرة عن الذات،
    كما تتحدث عنها الفلسفة ليست إلا وهماً ميتافزيقياً.



    ومن ثم فإن الأدباء قاموا بوصف حياة الإنسان بشكل يخدم الوعي بالذات
    وبمشاكلها. ولذلك كان الأدب مجالاً مهماً يخدم الدراسات السيكولوجية.
    فهو يساعدنا على تتبع ووصف نماذج من الشخصيات البشرية في سوءاتها
    وشذوذها. كما يقوم بتحليل ووصف دقيق لطبيعة السلوك ودوافعه ورسم معالم
    مختلف الشخصيات - التي تكون مادته - وربطها بظروفها التاريخية
    والاجتماعية والثقافية بشكل يصوغ سلوك الفرد ويؤدي به إلى هذا السلوك
    أو ذاك في مختلف مواقف حياته. فكأن الأعمال الأدبية الروائية أشبه
    بمختبرات تتكون خلالها نماذج السلوك البشري، لأن الروائي لا يقدم لنا
    شخصياته الروائية دون ربطها بظروفها الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية
    والثقافية التي صنعتها بهذه الكيفية أو تلك.



    ليست الرواية وثيقة تعليمية في يد السيكولوجي فحسب، وإنما هي معين
    خصب للعديد من العلوم الإنسانية الأخري. يقول: سينوب (Seignobos)، وهو
    مؤرح معروف: "إننا معشر المؤرخين نعتبر الرواية الوسيلة الوحيدة
    السليمة لمعرفة الحياة الواقعية العامة أو الخاصة للناس وتصورهم
    للعالم. فالرواية وثيقة تاريخية ذات أهمية بالغة. فالروائي الواقعي يصف
    الإنسان والمجتمع وهو يقوم بذلك بكامل الإرادة والطواعية، تحدوه الرغبة
    الأكيدة والصادقة لتقديم الحقائق الاجتماعية والتاريخية. أما الروائي
    غير الواقعي فهو يقوم بهذا العمل بكيفية لا شعورية. إذا يعتقد أنه يصف
    الإنسان بوجه عام، في حين لا يصف سوى الإنسان الذي يعرفه جيداً، إنسان
    مجتمعه المحدود.



    إن الرواية لا تمد السيكولوجي بخبايا المشاعر الإنسانية، خلال
    تفاعلاتا اليومية فحسب؛ وإنما تمده أيضاً بمجال تحرك شخوصها؛ حتى يقوم
    بربط المشاعر والاستجابات بأريج فضائها الخصب والمتنوع والمتجدد. لذلك
    نجد طابع العصر ومشاكله وطموح الناس يعتبر مميزاً لمعظم الإنتاج الأدبي،
    فإذا كانت مشاكل الغرب هي الحيرة والقلق والقيم المادية وغيرها، فإن
    هذا ينعكس على مشاعر أبطال مختلف الأعمال الأدبية في أوروبا المعاصرة؛
    هؤلاء الذين يتميزون بالاستلاب والتمرد والاضطراب والسأم والتفكك
    الأسري والتواجد في حالة بحث ومواجهة مستمر مع الذات ومع الآخرين. في
    حين تتميز الأعمال الروائية في الدول النامية بنوع آخر من المشاكل التي
    تطفح بها مجتمعاتها. كمشاكل الهجرة والقمع والاضطهاد والجنس.. الخ.



    انطلاقاً مما سبق نجد أن الرواية والأدب عموماً لا يفيد السيكولوجي
    في تزويده بموسوعة غنية في وصف الإنسان وفهمه، وإنما تمده أيضاً
    بمعطيات مهمة لتكوين تاريخ لسيكولوجية الإنسان، حسب كل عصر وحسب كل
    مجتمع، بالاعتماد على وصف سلوك الإنسان كما يظهر في فترة تاريخية
    واجتماعية معينة. وعندما يقوم المهتم بتاريخ سيكولوجية الإنسان بجميع
    أصناف الصور المرسومة للإنسان في الإنتاج الأدبي يحصل على معرفة دقيقة
    عن الأنسان وتاريخه وسيكولوجيته، فإذا صنفت هذه المعرفة ورتبت بشكل
    علمي فإنها تقدم لنا صوراً عن مختلف وقائع الإنسان وسلوكه. ولعل هذا
    النوع من الدراسات التي تجعل مجتمع بحثها الأدب بمختلف أصنافه عرفت
    طريقها مؤخراً إلى مجال السيكولوجيا في بعض جامعاتنا العربية، وتشكل
    أحد اهتماماتي العلمية الرئيسية، شخصياً، حيث قمت بدراسة صور الطفل
    وتمثلاته في المجتمع المغربي من خلال عينة من الأعمال الروائية. فالأدب
    ليس مجال اختصاصي بقدر ما يشكل أرضية أو مجتمعاً لأبحاثي التي آمل أن
    تثمر وتخصب مستقبلاً، لأننا لا نستطيع أن نغير الصور المرسومة لدى
    الفئات الاجتماعية عن موضوع معين، ما لم نطلع أولاً عن نوع الصور
    والتمثلات التي يكونونها عنه).



    مقولة فرويد تجربة خاصة


    المدخل الثاني هو الدكتور عبدالزاق الحمد أستاذ مشارك واستشاري الطب
    النفسي والشاعر والمثقف المعروف الذي اختلف في طرحه حين فضل في تصوير
    التلاحم والتعامل والانصهار بين النفسي والأدبي في أربع مراحل تنتهي
    لتؤكد مدى التوحد بينهما، يقول د. عبدالرزاق:



    (يقوم التحليل النفسي أساساً على استقراء ما يظهر في السلوك
    والمشاعر والكلمات لمعرفة ما يجول في العقل الباطن (اللاوعي) من مخزون
    تراكم على مدار أيام الطفولة وما بعدها، ولكن عملية الاستقراء هذه
    تعتمد على منهجية تحت دراستها وتطويرها من خلال فهم حالات مرضية نفسية
    ومتابعتها وتطبيق هذه المنهجية على حالات متكررة متعددة أدت إلى بلورة
    هذه المنهجية بوضع أسس التحليل النفسي تقوم على فهم لمكونات النفس
    البشرية من الغرائز والحاجيات والوعي واللاوعي وما بينهما من يدعى تحت
    الوعي والآليات التي تعمل من خلالها هذه المكونات لترتبط ببعضها البعض
    وهذه العملية أدت إلى محاولة تطبيق مجموع هذه العمليات النفسية وهذه
    المنهجية التحليلية على السلوك الإنساني في عمومه سواء كان مريضاً أم
    سوياً مما أتاح للتحليل النفسي أن يكون مؤثراً في قضايا كثيرة منها
    الفن والأدب ومنها النقد الأدبي والفلسفي والثقافي ويمتد في مساحات
    شاسعة في حياة الإنسان وظهرت محاولات كثيرة لدراسة المنتج الأدبي إلى
    أعمال النفس البشرية في إبداعاتها المتعددة ومنظوماتها الثقافية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 1:34 am