منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    السرد و الرؤي...32

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    السرد و الرؤي...32 Empty السرد و الرؤي...32

    مُساهمة   السبت مارس 03, 2012 12:59 pm

    العالم القصصي للشوش..

    ( وجوه واقنعة ) لدكتور محمد ابراهيم الشوش(26) , تندرج في ذلك النوع من القصص القصيرة المكثفة, التي يسميها النقاد في مصر " قصة الومضة ".. تقيم مجموعة عبد الحميد البرنس - (تداعيات في بلاد بعيدة - اقصد القصص القصيرة جدا ) - حوارا مع هذه المجموعة .. كما تقيم هذه المجموعة حورا مع مجموعة قصص القاص التركي عزيز نيسين ( ذيل الكلب).. واعني هنا بانها تقيم حوارا ," التناص "..

    بمعنى ان فكرة التناص تنشأ من علاقة النص بغيره من النصوص , فالنص لا ينشأ في فراغ , وانما ينشأ في لغة / في عالم ممتليء بالنصوص الاخرى والابنية النصية والمعرفية التي تسهم في تكوين هذا النص من خلال محاولته للتعامل مع هذه النصوص من خلال العمليتين الحفريتين : " الاحلال والازاحة " , ومحاولة الحلول محلها في الكيان اللغوي, وهذه العلاقة هي علاقة تفاعلية, تقوم على الاحتكاك بين النصوص, والتحاور معها. فقد يقع النص في ظل نص, او نصوص اخرى(27) , وقد يتصارع مع بعضها. وقد يتمكن من الاجهاز على بعضها - مثلما اجهزت موسم الهجرة على صباح الخير ايها الوجه اللامرئي الجميل او اجهاز خريف البطريرك ومائة عام من العزلة على الفرقة الموسيقية وعصافير اخر ايام الخريف - وتترك جدلية الاحلال والازاحة هذه اثارها على النص , والتناص هنا بين نيسين والبرنس والشوش, على مستوى آلية المواقف في التناص السردي, وهي ادنى حد من اليات التناص , اذ لا تتجاوز المستوى الشكلي ..

    حول قصص الشوش :

    تتميز القصة عند الشوش - وهي تجري على نسق الحكاية - بالتكثيف الشديد . ففي قصته (ضياع) " عشرة اسطر فقط " يتركز المعنى في ان الاشياء التي ليس بامكاننا استبدالها او الاستغناء عنها هى في واقع الامر تلك الاشياء التي لا نتذكرها ( قال عابر السبيل : منذ اشهر وانا اراك تأتي يا ابتي الى هذا المكان , وتبحث في نفس البقعة , هل ضاع منك شيء . قال الشيخ العجوز دون ان يرفع رأسه : نعم يا ابتي ضاع مني شيء ثمين . سأل الشاب : وما ذاك ؟ . اجاب الشيخ تلك هي المصيبة الكبرى يا بني انني نسيت ما هو . قال الشاب : وما وجه المصيبة في ذلك ؟ ان كنت لا تذكره فهو ليس بشيء . تمتم الشيخ وهو ينظر حوله وينقب في داخله : لو انني تذكرته يا بني لامكن ان استبدله او استغنى عنه بشيء اخر . اما الان فقد ضاع مني الى الابد (28) .. ففي هذه القصة يجري الحوار بين الماضي ( الرجل العجوز ) والحاضر ( الشاب) , ليكشف من خلال هذه العلاقة الزمنية , عن قيمة الزمن المستقبلي غير المرئي , من خلال ما هو ماض - لكنه( كان) مستقبل" قبل ان يمضي" بالنسبة للشيخ العجوز , فالمستقبل هو اى لحظة قادمة - ولان المستقبل دائما غائب , لا ملامح له سوى في احلامنا و خططنا التي قد تتحقق وقد لا تتحقق, والتي عندما لا تتحقق تسقط في جب الذاكرة , واطلالتها الى سطح الذاكرة احيانا يحمل معه نوعا من المرارات , ربما .. وربما لا شيء . ومع الاعتياد ربما ننسى . لكن يظل الزمن الذي بامكاننا - في الماضي- كان من الممكن ان ننجز فيه هذه الاحلام والخطط , دوما هو زمن عزيز علينا , وبنسيانه يسقط شيئا عزيزا من وجداننا ..وتحتمل هذه القصة اكثر من هذا التأويل الذي توسلها بالزمن . وتلك هي طبيعة النصوص المكثفة, اذ تحتمل العديد والعديد من التأويلات. فهي نصوص مفتوحة على فضاء شاسع من التأويلات الممكنة ..

    وفي قصة ( الحافلة)التي ككل قصصه لاتزيد عن اسطر قليلة , مضي بنا الراوي للتعبير عن لحظة انسانية( مصادفة) يمكن ان تحدث لاي انسان , لكنها تكفي الى احداث تغيير وجداني يظل ممسكا بتلافيفه طيلة سنوات عمره القادمة(29).. وفي قصته " تحسن" يتكثف المعنى حول الزمن المعنوي , واثره على شعورنا بمدى سؤ الاحوال او تحسنها(30).. وفي قصته ( المهم ) يمضي للتعبير عن مدى سلطة المال في تغيير مواقف البشر (31) ..وكل هذه النصوص للشوش هي نصوص مفتوحة للتاويل لاحتمالها معان عديدة ..

    ويلاحظ على قصص الشوش اعتمادها على المفارقة وروح النكتة والسخرية ( او ما يشبه الكوميديا السوداء ) في توصيل رسالة النص, ونموذجا لذلك سنتخذ من قصته (البنسلين الى جانب قصص اخرى ) نموذجا للدراسة ..

    المفارقة في عالم الشوش القصصي...

    يقول شليجل" اننا لن نصل الى المفارقة, الا بعد ان تكون الاحداث والناس , بل الحياة بأسرها مدركة وقابلة للتمثل بوصفها لعبة , فالحياة حشد من المتناقضات, والمتعارضات التي لا يمكن الامساك بها, في اطار موحد من الادراك. اللهم الا بعد ان نصل, الى حالة من ادراك ان المفارقة هي جوهر الحياة(32) ..

    هذه القصة ( البنسلين ) ( 33)اشتغلت بالتعبير عن ازمة التعبير , والحجج الواهية التي يتم التبرير بها لهذه الازمة .. فالقصة( على لسان الراوي المتواري) تتكشف خلال حواربين كاتب تم رفض نشر مقاله, من قبل رئيس التحرير , فيمضي للحوار مع هذا المسئول, للتعرف على اسباب منع مقاله من النشر ( قال رئيس التحرير في يأس : - انني آسف ولقد اوضحت لك الظروف , وليس عندي ما اضيفه ".." لم يقل لي احد من قبل ان الظروف قد منعت نشر مقال لي . فما هي الظروف التي جدت هكذا فجأة, بعد مجيئك انت الى رئاسة التحرير ؟ . قال رئيس التحرير : - يا اخي الظروف قد تتغير فجأة , فقد ظلت الامراض تفتك بالبشر قرونا طويلة حتى اكتشف العلماء البنسلين .).. ونلاحظ في هذه القصة قوة المفارقة في ذهن الكاتب , من مقارنة الحال التي لا تجوز فيها المقارنة على هذا النحو .

    وفي قصته ( مذكرة تفسيرية ) . التي يستهلها بالحوار, بين رئيس تحرير ومحرره للصفحة الادبية, حول عدم نشر نص شعري, لا حد الشعراء الشباب البارزين " قال رئيس التحرير لمحررالصفحة الادبية : يا اخي الموضوع ابسط من ذلك بكثير , فانا لست ضد الشعر المعاصر, او المستقبلي او الحديث او الحر او المنطلق . سمه ما شئت . ولست امانع ان تنشر له قصائده , فهو كما تقول شاعر معروف وله معجبون في اوساط الشباب . كلما في الامر انني - ربما لغبائي الشديد - لا افهم حرفا واحدا في شعره , ولا ادري ماذا يريد ان يقول . وبوصفي رئيس التحرير, المسئول عن كل كلمة تكتب في هذه الصحيفة , فانني اصر بان يرفق مع كل قصيدة, ننشرها له مذكرة تفسيرية, توضح بلغة عربية سليمة, ما يريد ان يقوله بالضبط , لانني بصراحة , لا اريد ان انشر شيئا لا افهمه , فاتورط في مصيبة (34) .. اذ تركز هذه القصة الضؤ على منطقة مهمة من الصراع في المشهد الثقافي / الاعلامي .. وهو ليس مجرد صراع بين قيم الحداثة والقيم التقليدية , اذ يتعلق في جوهره بالاسس المعنوية, التى ينهض عليها طرفي الصراع , فهذه الاسس المعنوية هي ما يشكل القاعدة لجوهر الصراع: " المصالح " .. لكن لا يعبر هذا الصراع عن نفسه بهذه الفجاجة " المصالح " بل يتمظهر بطرق واساليب اخرى , هي الصراع بين القديم والجديد في مستويات مختلفة : لكن الى اى مستوى هذا الصراع ؟ فهذا ما انطوى عليه النص , كسؤال للتاويل ..

    وفي قصته (معجزة) يدور الحوار في احدي البلدات, عن انها لا تعتبر انه لو حدث وتكلم الحمار , يمثل ذلك معجزة , حيث يعمل المعنى البعيد _ على المستوى البلاغي - بدلا عن القريب ( قال الصحفي في لهفة لشيخ البلدة الصغيرة : هل صحيح ما سمعت انكم وجدتم هنا حمارا يتكلم ؟ . قال شيخ البلدة بدون اكتراث : نعم . قال الصحفي : هذا شيء غريب للغاية . لا اصدق ان هناك حمارا يتكلم , الا اذا رايته بعيني وسمعته باذني . رفع شيخ البلدة رأسه وقال في هدوء : وما الغريب في ذلك ؟ قال الصحفي وهو في حالة قصوى من الدهشة : حمار يتحدث كالادميين تماما , الا يعد ذلك معجزة خارقة في نظرك ؟ قال الشيخ وهو ينصرف الى عمله : لا ! اننا لا نعد ذلك معجزة في هذه البلدة(35) ففي هذه القصة يدور سؤال المفارقة حول التبلد الذي اصاب الانسان , جراء هذا الواقع ( الذي في حقيقة الامر غير واقعي مع انه واقع معاش لكنه غريب!!) , ولذلك اختيار الصحافي ( بوصفه ملاحقا للاحداث واحد عناصر تشكيل الرأي العام بل احد اعمدة صياغة المعنى الاجتماعي العام ) فبهذه الصفة , تتبدى المفارقة في كون ان الرجل العجوز الذي ليست له وضعية الصحفي ادرك غرابة الواقع التي لم يستطع ادراكها هذا الصحفي بعد, على الرغم من وضعيته كصحفي .. وهنا يأتي توظيف الحمار الذي يتكلم كاسقاط على شخوص الواقع !!!..

    وبالاحالة الى قول زولجر : " ان المفارقة لا ينبغي ان تختلط بالسخرية " سنجد ان الشوش يحاول ازاحة المفهوم التقليدي في البلاغة القديمة للمفارقة " تنقسم المفارقة الى نوعين : - المفارقة اللفظية ومفارقة الموقف . وتتحقق الاولى في النص الادبي على المستوى البلاغي ومستوى التعبير واسلوب السرد والشكل الادبي عامة . اما النوع الثاني فيعتمد اساسا على المستوى التاريخي والايديولوجي (36) ..

    ربما ان اعتماد الشوش للمفارقة جاء من كونه احد افراد جيل التحولات الاجتماعية والسياسية الضخمة , التي عاشت الهزيمة السياسية والاجتماعية لسودان ما بعد الاستقلال , ورأت احلامها الكبرى تنهار يوما بعد آخر , فلم يبق امامها سوى الغربة و الشعور بالغرابة .. وحملت كتابات هذا الجيل , آثار هذه الهزيمة . لتكون هنا - في السرد - تجسيدا للمفارقة بين الحلم والواقع , في تطور المجتمعات السودانية . نتاج الانكسارات والهزائم .المريرة .

    (4)

    قراءة في عالم زهاء الطاهر القصصي.

    اللغة و الراوي ..

    زهاء الطاهر احد كتاب القصة القصيرة , الذين افرزتهم مرحلة التحولات الحداثية , منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي .. ملمحان اساسيان يستوقفان قاريء زهاء الطاهر , سواء كان في كتابته القصة القصيرة( مجموعة ليلى والجياد - مثلا ) او في ( وجه جالا يتجلى - كتابة ) (37), التي اصدرها عن مركز الدراسات السودانية في العام 2003. او في قصصه العديدة التي طالعناها في الملفات الثقافية المختلفة . والملمحان الاساسيان هما : - الاسلوب المميز في تعامله مع اللغة القصصية , او لغة الكتابة كما في وجه جالا يتجلى - ونوعية الراوي ( المتكلم ) التي يستخدمها في كل كتاباته . حتى في , خطابات تكريم الاخرين ( عثمان علي نور : العدد الثاني والعشرون من كتابات سودانية - ديسمبر 2002 - والتي استعنا بمجتزا من خطاب زهاء في هذا العدد الخاص بتكريم مركز الدراسات السودانية لعثمان علي نور , في مقدمة هذا الكتاب ) .وقد أشار الناقد معاوية البلال من قبل الى أن زهاء الطاهر من اميز القصاصين , الذين يستخدمون صيغة المتكلم , كاسلوب سرد ذو فعالية , دون افتعال(38) وتعمل هذه الصيغة بالاحالة للبلال على توافق سردي بين الايقاع والنسيج وتعمل على ضبط حركتها داخل النسق السردي من خلال تدفق الوعي . وصيغة المتكلم هذه تقنية حديثة, تتيح ما يمكن قوله الى ما يجاور ويلامس تخوم الشعر , وارتبطت هذه الصيغة بتيار الوعي ..

    كما ان لغة زهاء الطاهر القصصية , تتميز بالاختزال والتكثيف والايحاء, واستخدام المفردات فيما يشبه الجناس مع توظيف المترادفات أيضا (39).. و كتمهيد لقراءة الراوي في قصته القصيرة ( الساهي) (40) .. نبدا أولا بملاحظاتنا حول اللغة في ( وجه جالا يتجلى )...

    أولا : اللغة في وجه جالا يتجلى :

    تتكون هذه المجموعة ( وجه جالا يتجلى ) من 13 نص ( اتتركني ليزدردني وحدي المطر - ليتها لو انها كانت هي الزمن كله - حين خرج المساء من بهر السماء - شربنا فهمنا فاستهامت نفوسنا - آه يرول ما انقى لسانك - محمود محمد طه آخر عهدنا بالفرح - وجه جالا يتجلى - هي دنيا تحجل في رونقها - زاك .. ايها الولد المشاكس .. اين نحن الان ؟- ويزهر الطيب صالح هكذا .. دوما هكذا - نضرة وزاهية هي الطائرات رغم اجهادها - ثم اني لا املك الا اوتاري وعقيرتي ).. واول ما نلاحظه على هذه المجموعة وجه جالا يتجلى التوظيف المدهش للغة عند زهاء . اذ تتناثر مفردات العامية لتشكل مع الفصحى ولغة الوسط جسدا واحدا لا تكاد تبين بينه المستويات الفاصلة للغة . لكننا سنتخذ هنا نموذجا نصه الذي وظف فيه أيضا لغة غرب السودان( النص : يا بعض اهل الله بالله كيفكمو ؟ ) .

    اللغة بالنسبة لسوسيور جزء معين من الكلام, وان كانت اساسه الجوهري , وهي كل مستقل بذاته قابل للتصنيف , وعلى ذلك فان اللغة هي : نظام من الرموز المختلفة التي تشير الى افكار مختلفة (41) يقول علماء اللغة : ان ادراج الكلمة في بنية مركبة متعددة المستويات , يضفي عليها قيمة دلالية موحدة, تجعلها صالحة لاداء وظائفها على هذه المستويات المختلفة (42) .. واللغة عند زهاء الطاهر مدهشة . بانسيابها, ونعومتها.. هذا المزيج من الدارجة التي تتخللها مفردات من غرب السودان , وفقا لتراكيب ا العربية الفصحى .

    ويتقاطع زهاء الطاهر هنا على _ مستوى اللغة _, مع لغة الطيب صالح : لغة وسط السودان , ومع ابراهيم اسحق في استخداماته المزيج , وبذلك تشكل اللغة في كتابة زهاء الطاهر نسيجا مختلفا عن اللغة عند الطيب صالح بذات درجة الاختلاف عن اللغة عند ابراهيم اسحق , اذ تقف لغة زهاء في منتصف المسافة بينهما , لكنها تقيم حوارا مع اللغة عند كل منهما , فلغة زهاء ليست صعبة بمفردات غير مألوفة تماما , كما نستشعر عند ابراهيم اسحق . وليست سهلة بسيطة, كما نجدها عند الطيب صالح .

    وربما اسهم زهاء بذلك في لعبة اللغة القصصية , بأن جعلها - لغة القصة - قادرة على تأدية معانيها الى اقصى حد ممكن , لكأن لغته تخرج من اغوار ذلك العالم الحكائي الحلمي الناعم لالف ليلة وليلة , لتمتزج بلغة القصة المعاصرة ولغة الشعب في غرب ووسط السودان . ليشكل هذا المزيج خصوصية اللغة عند زهاء . ونلاحظ ذلك في " يا أهل الله بالله كيفكمو " (43) , وقبل ان نسترسل في وجهة نظرنا نشرح هذه القصة " يا اهل الله بالله كيفكمو " بهذا التخطيط السمولوجي :

    التعليم المدني ______ الدراسة

    ___________________________ النجاح في الدراسة والتخرج والوظيفة

    __________________________ الرضا التام بما تم التوصل اليه .

    __________________________ انعدام الرضا

    المخطط يشرح المنفعة التي يسعى اليها بطل القصة ( الراوي المتكلم/ زرقان) . فقد تحول , لدى لقاءه امرأة " جفالة" من " مهاجري " : أي طالب علم قرآني في الخلاوى . الى طالب تعليم مديني " رأتني حين رأيتها .. مالك والشرافات وقد سمع وحطب الخلاوى .. كلمت ناظر المدرسة عشان ياخدك في المدرسة تدرس مع العيال (44) " ..ونجح في دراسته بالتعليم المديني وتخرج من مدرسة الرسم " التي صاغوني بها جيدا , حتى صيروني مدرسا بها (45) " . لكنه لا يشعر بالرضا بعد كل هذه السنوات " يا ولد. ناديت على نفسي .. هو انا في اسمال الذكرى .. ازمان الرمل والمدارس بكل فصولها الاربعة ومستقبل الالوان الذي تسبب في موتي وبعثي , لكني لم اشا . وزغردت جفالة بجلال وجمال ووفاء , فيا بعض اهل الله بالله كيفكمو ؟ (46)" . ويشرح المخطط ادناه الضرر المحتمل, لبطل هذه القصة جراء تركه لطريق اسلافه , واتخاذ طريقا مدنيا جديدا :

    _____________________________ مساكنة زرقان لجفال .

    _____________________________ التخلي عن حفظ القرآن في الخلوة.

    _____________________________ التخلي عن جفالة

    التخلي عن حياة الخلوة ______ ضياع زرقان

    فقد تخلى زرقان عن حياة الخلوة. والمهمة الاساسية التي ابتعثه اهله لاجلها " حفظ القرآن " بمساكنته جفال , ما يعد ضياعا له وفقا لوجهة نظر الفقيه الذي يحفظه القرآن ووفقا لوجهة نظر اهله وزملاؤه " وبكى الفكي ابكر كثيرا حتى تمخط ثم استغفر وهو يقول : - زرقان ضاع الى الابد (47)" . وانخرط زرقان في التعليم المدني واستمرت حياته مع جفالة بعد التخرج والوظيفة .

    حملت لغة القصة عند زهاء هذه الافكار, بسهولة ويسر. فبينما نجد لغة الوسط تكاد تطغى على لغة النص :" يلا بينا فقرا .. وتغطيني من العين , واكتب لي بخرات .. ثم خرج الفكي مبسوطا .. يا ولية كيفن اقعد وسط عيال فرافير ادرس معاهم ؟ .. بكره من صباح الرحمن تمشي السوق لحمدين الترزي , الخ ..) نجد ان الفصحى تزاحم هذه اللغة " فلما مددت لها بآياتي المكتوبة .. كان عاما كريما حين خرج بنا الفقيه ابكر المسلاتي .. ذهبت معها وقابلت الناظر والمدرسين , الخ ..) يتخلل هذين التوظيفين للغة مفردات غرب السودان بصورة تنافس التوظيفين السابقين للغة ( عبد البنات ..الأضية .. جفالة .. أبكر المسلاتي .. انبسطت الداجاوية .. دقيق الجير ..اسكت يا جنقجورا .. وانا الأرنتنق ضحكت معها .. ترى انتايا الناظر .. الورتاب , الخ ). فاللغة عند زهاء ليست مجرد مرآة عاكسة للحياة .فقط _ حياة هذه الشريحة من الناس : المهاجرية _ بل هي كائنا في حياة هؤلاء المهاجرية , يقع في قلب عالمهم المحفوف بسلطة الفقيه, والتعليم المديني والمجتمع , الذي تنتمي اليه جفالة , بكل طموحاته وتطلعاته ..ومن هنا لا تكتفي اللغة في يااهل الله بالله كيفكمو في توصيف العالم الباطني للراوي المتكلم بطل القصة وحبيبته جفالة , اذ تتحول الى نشاط يكشف عن دلالات كثيرة وغنية , تتلاقح فيها لغة الوسط مع الغرب والفصحى .. " ان الامساك بالجانب المتعلق بمحتوى اللغة بصورة علمية, هو اصعب من الوقوف على الجانب المتعين منها , اى الجانب الذي يتمثل في التعبير بصورة ملموسة , فالوحدات التي تتمثل على مستوى الدلالة, اكثر كثيرا منها على مستوى النحو او الصوتيات . ذلك بان ما هنالك من صيغ نحوية وأشكال صوتية اقل مما هنالك من المعاني (48)..

    وتقودنا هذه الملاحظة الى حقيقة ان محتوى النص اللغوي, مراوغ بحيث يصعب ضبطه, على نحو ما يصنع علم النحو, او علم الاصوات اللغوية . واهم من هذا ملاحظة ان المعاني - على ضخامة حجمها - انما تتجسد لغويا في عدد محدود نسبيا من الصيغ . وهذا ما يخلق مسافة كبيرة في بعض الحالات . بين الصيغة النحوية والمحتوى الدلالي للعبارة . ولتوضيح ذلك لنفكر نحويا في الجملة عند زهاء الطاهر . على سبيل المثال : ( كنت اسجع . فقربت مني (49) فمن الناحية النحوية تحدد هذه الجملة علاقة بين فعل وفاعل . لكن من حيث الدلالة الامر مختلف فاقترابها " جفالة " وهو " زرقان " في سجعه نحويا يمكن قراءتها بصورة عامة هكذا : ( التاء في محل رفع اسم كان . واسجع فعل مضارع مرفوع . والفاء للعطف وقربت فعل ماضي . والتاء للتانيث في محل رفع فاعل . ومن حرف جر والياء للمتكلم و مني : " جار ومجرور" ).. وعلى المستوى الدلالي نجد ان جفالة ليست هى فاعل الاقتراب, , لان سجع زرقان, مارس دور الغواية, ودفعها للاقتراب. فهى اقتربت مدفوعة دفعا بغواية السجع . بالتالي زرقان اقرب لان يكون فاعلا في حاله : السجع .. وهي اقرب لان تكون مفعولا بها . عكس القراءة النحوية . . التي تعلن عن حالة الفعلية في ( كنت اسجع ) في شقها الاول , وفي شقها الثاني ( فقربت مني ) تعلن عن حالة الفاعلية . في حين انها تضمر بشقيها الاول والثاني على المستوى الدلالي - وفقا لما ننحاز اليه من تأويل - حالة واحدة فقط اما : الفاعلية , او الفعلية . وتقودنا هذه الملاحظة الى الوقوف على اللغة, بوصفها نظاما عاما ينطوي على مجموعة, من النظم المتكاملة والمتآزرة ( النحوي - الدلالي - الوظيفي ) ولمزيد من التوضيح, يمكننا اخذ مثال من النص ( حملنا اخراجنا على ظهورنا . ظهور ايامنا (50) . فهذه الجملة المكونة من جملتين متصلتين - طريقة بناء الجملة عموما عند زهاء - يربطهما التأكيد (ظهور - ظهورنا) . موضوعها" الايام" - وليس "الاحمال" كما قد يتبادر الى الذهن, على المستوى النحوي - فالكلام هنا وصفي . يصف فيه المتكلم بضمير الجمع, ان للايام ظهور . فهو يعرف ذلك .و مفردة " ظهور" نفسها . ليست غريبة على احد فلكل شخص ظهر- بله كا كائن حي نراه حولنا - كما ان هناك فضل الظهر كتعبير كنائي . لكن ليس ذاك هو غرض المتكلم . فهو يريد تمليكنا معلومة جديدة هي : ان ظهورهم التي حملو عليها احمالهم, ليست هي الظهور التي نعرفها . فهي ظهور الايام واكد على ذلك بالتكرار .

    وهكذا نجد ان المتكلم اضاف هنا حقيقة جديدة للايام من معنى يندرج في التجريد الذهني , الى جسم مادي محسوس, وهو ان للايام ظهور. بالتالي لها جسد هذا الظهر جزء منه وهذه الحقيقة هي حقيقة محتملة بين عدد من الخيارات, فمثلما للايام ظهر لها انياب وساق واقدام واسنان وعيون ولسان , الخ الخ .. وهو امر مدهش ان تكون الايام = غير المحسوسة . جسد محسوس . فمن خلال الدلالة التي يحملها اللفظ , ندرك هذه المعرفة الجديدة , وهكذا ...

    ان زهاء الطاهر بلا شك اضاف للغة القصة القصيرة اضافات هامة . واتصور انه الى جانب ابراهيم اسحق, قدما مداخل لمشروع لغوي جذري للقصة _ ينهض في بلاغة وجمال الدارجة ولغة غرب السودان _ . حري به ان يكون هولغة مستقبل القصة الحديثة في السودان . التي تتلاقح وتتفاعل فيها لغات السودان في مختلف اطرافه, ليتخلق من هذا المزيج, نص لغوي مشحون بالدلات المتنوعة, ويفيض بالمعاني المدهشة ..

    ثانيا : الراوي في الساهي :

    لابد لنا من الاشارة الى ان للمتكلم في الحكي حالتان : اما ان يكون الراوي, خارجا عن نطاق الحكي , او ان يكون شخصية حكائية, موجودة داخل الحكي . فهو راو ممثل داخل الحكي . وهذا التمثيل له مستويات " فاما ان يكون الراوي مجرد مشاهد متتبع لمسار الحكي , ينتقل عبر الامكنة , ولكنه مع ذلك لا يشارك في الاحداث . واما ان يكون شخصية رئيسية في القصة " . وعندما يكون الراوي ممثلا في الحكي _ كما في قصة الساهي _ , اي مشاركا في الاحداث اما كشاهد او كبطل , يمكن ان يتدخل في سيرورة الاحداث, ببعض التعليقات او التاملات , تكون ظاهرة ملموسة . اذا ما كان الراوي شاهدا , لانها تؤدي الى انقطاع في مسار السرد , وتكون مضمرة متداخلة مع السرد , بحيث يصعب تمييزها اذا كان الراوي بطلا . وفي بعض الحالات التي يكون فيها الراوي غير ممثل في الحكي , ويلجأ الى التدخل والتعليق على الاحداث , فان الامر قد يؤدي الى تصديع البناء الخيالي الذي اقامه الراوي نفسه_ وهذا ما لا نجده عند راو زهاء _ , اذ يصعب بعد هذا على القاريء ان يصدق بان الابطال لديهم حرية الحركة والتصرف .(51)..الراوي / المتكلم في الساهي يباشر بالحديث المتواطيء عبر الجملة ذات الايقاع الوصفي , ما يجعل المتلقي منذ السطر الاول يشرع مشاعره لتداعيات هذا الراوي " ومفعما كنت حتى الجلد , وحتى منبت الكلام وأرجاء الروح الهادلة , وشائقا كعهدي , وشيقا كعهدها ومندفعا كلي نحوي , تواقا وعذبا كنهير في حلم أخضر . فياضا ومسكونا ببعض الوحي الموحي . كنت كأني اصيل مذهول (52)" فنلاحظ في هذا المجتزأ ان الجملة التعبيرية تدفع بالقاريء الى التسلل الى النسيج السردي . اذ يستخدم زهاء الاحالات المجازية الباعثة على التأثير في وجدان المتلقي " ومفعما كنت حتى الجلد - اصيل مذهول ومنغوم , الخ " وهكذا يتم توظيف طاقة الانفعال في المجاز الذي يسقطه في عالم الاشياء " لاصبحت لهذه الادارة نكهة آسرة وحالمة " واستخدام المجاز هنا ليس الا مستوى من مستويات التعبير عند زهاء , والذي يستخدمها في توسل الراوي للتحقق مما يسرد .

    الانا / الهي :

    يرصد زهاء هنا شخصية الراوي عبر ضمير المتكلم , وشخصية سالي (الهي) مبينا كيف نشأت العلاقة بينهما من قلب التناقض " مالها لو غارت او طارت , فان فعلت فحتما ابدا لن اطراها طريت النبي "- " لو انه توقف او اوقفوه وفارقنا لاصبح لهذه الادارة نكهة اخرى " .. وهكذا ابتداء يتم تحديد الابعاد النفسية للانا ( الراوي) ول (الهي) = سالي موضوع حب وحنين الراوي .. ويجد المتلقي نفسه مرتبكا, ازاء هذه العلاقة , فالعلاقة تنهض بشكل اساسي في ( السهو ) وهكذا يشكل السهو محورا لعلاقات السرد , تنهض فيه علاقة الراوي الساهي بسالي الساهية . " مرة اخرى رفعت راسي بجبهته العريضة ولم اسألها بل سألت ضيفتها : اما جاء وسأل عني احد في غيابي يا رجاء ؟ لم يكن اسمها رجاء . ابدا لم تكن رجاء فغمغمت بضياع ثم قالت لي : - فقط ابوك سال عنك لكنه لم يجيء . اين كنت يا ناصر ؟ .. لم يكن هذا اسمي ابدا لم اكن ناصر ... اذا هي امك التي سألت .. ابتسمنا ثلاثتنا واخرجت لهما صورة امي من جيب جلبابي .." .. واخيرا : تحتشد هذه القصة بالدلالات والرموز التي تتأسس على المفارقة في عدم تطابق الاسم مع المعني " رجاء / الرجاء " - " ناصر / النصر " . . يسرد زهاء بضمير الراوي بلغة مميزة لا تعوق الحدث . لغة مزيج من العامية والفصحى . يسحبنا بهذه اللغة الى اغوار سرده دون ان نحس بملل ..

    (5)

    عادل القصاص و"الوصف" في صور زنكوغرافية ليوم عادي ..

    عادل القصاص , احد القصاصين المميزين الذين افرزتهم, مرحلة التحولات الحداثية, في القصة القصيرة في السودان . وقد بدأ في نشر انتاجه القصصي, منذ اواخر الثمانينيات من القرن الماضي , وهو من القصاصين الضنينين بالنشر , كما وصفه القاص بشرى الفاضل ...

    القصة موضوع قراءتنا " صور زنكوفرافية ليوم عادي ..(53) " واحدة من قصصه المتميزة , اللتي حملتها مجموعته " لهذا الصمت صليل غيابك" .. وكنا قد قدمنا من قبل , متابعات نقدية حول قصته " ذات صفاء , ذات نهار . سادس اخضر (54) الى جانب قصته " نشيد التماسك (55)".., تمهيدا لنشرها في ادب ونقد . ولكن يبدو انها ضاعت ,مع كثير من الكتابات التي تضيع في المنافي , فسمة المنافي التنقل الدائم وعدم الاستقرار .

    الوظيفة التي يلعبها الوصف في النص القصصي , ظلت تجد اهتماما مستمرا , لدور هذه الوظيفة في : التفسير والترميز معا - فهي ليست مجرد حلية للاسلوب كما كان يعتبرها النقد القديم , ولاهي بمثابة تجميل للقصة فحسب - اذ يتحرك الوصف فيما يحيط بالشخصية , او المكان ليكشف عبر توصيفه المكان او الاشياء التي توجد فيه , عن التركيب النفسي للشخصية , مشتغلا في التبرير لسلوكها - الشخصية - ..

    فوظيفة الوصف رمزية وسببية , كما انها ايضا نتيجة " ويعتبر الوصف, عنصرا ذا اهمية حيوية, في العرض. بخلاف ما كان عليه, في العصور القديمة , وقد انتهى هذا التطور, الى غلبة العنصر الروائي في القصة , اذ وظف له العنصر الوصفي, الذي فقد ما كان يتمتع به من استقلال ,مقابل اكتسابه للاهمية الدرامية , غير ان هناك بعض المحاولات القصصية المعاصرة, تهدف الى تحرير الوصف ,من سطوة الحكاية , عن طريق بناء ما يسمى ب "الحكايات الوصفية" (56)" ..

    والراوي في هذه القصة : ( صور زنكوغرافية ليوم عادي ) - هذا اليوم غير العادي في واقع الامر , فالمفارقة انه في مكان مثل البلاد, محل هذه الوقائع يعد عاديا, نتاج تراكم العسف والقمع الناهضان في التجسس, وحركة اجهزة الامن. كما حددت اللغة الوصفية المشحونة, بالوقائع والاحداث والانفعالات !! - , يتم تقديمه لنا عبر الوصف - منذ الاستهلال - الدقيق , لصور واقعية مشحونة ومحتقنة , لمشاهد من الحياة اليومية . يصف فيها : حالة متوترة لبطل المشهد الاول ( انحنى بزاوية حادة نحو الارض . جهدت يده اليمنى في محاولة جادة لالتقاط كتاب, من وسط الكتب ,التي كانت تفترش الارض ,بطريقة حاول فارشها ان تبدو قدر الامكان , متسقة . وباسلوب فوضوي اقرب للتشنج , وباتحاد عشوائي, مع قدميه النابت منهما ساقان مرتجفتان , راحت يده اليسرى. تحاول منعه الانكفاء, على وجهه . حينما كانت اليد اليمنى, تلامس الكتاب , امتدت ثلاث من اصابعها, بالانكماش نحو الراحة . وبينما افلح الابهام والسبابة, في التقاطه , تحولت الزاوية الحادة الى منفرجة .. فالى وضع طبيعي (57)" ..

    فعبر هذا المقطع الوصفي , نستطيع تحسس مدى اهتمام بائع الكتب بالنظام . ومدى الجهد الذي يبذله, هذا المشتري للحصول على الكتاب . حيث يعبر الوصف عن حالته النفسية .. حالة التوق لتحقق الامتلاك للكتاب. فالوصف هنا, يقدم لنا موضوع الاستهلال , وفضاؤه واشياؤه , في بطانة من الحمى والمقاومة .

    فالقصة كلها تنهض في مناخ العسف, والرقابة والخوف. بكل ما يعتمل في الوجدان, من حذر وترقب الاعتقال.. فهذه الحمى تتحكم في مسيرة, بطل القصة وهو ينتظر الحافلة, او يركبها متخللا الزحام, باحثا عن موطيء قدم ,او وهو يستيقظ من نومه, ليمضي الى مساعدة عم خضر او لعب الدومينو, مع عم جابر او وهو يتبادل المثاقفة, مع اصدقاءه حول: الكتابة و الكتاب والموسيقى, والغناء والحياة والناس. والاجتماعي المأزوم الذي يتخلل كل ذلك . الى ان يتم اعتقاله في المشهد السادس .

    تمر كل هذه المشاهد عبر الوصف, متخللة الوحدات السردية الصغرى, بروح البوح المعطون في التساؤل , محمولة على اكتاف اللغة المجازية , بكل ما تحتوي على طاقة انفعال . لتشكل مجالا ديناميا, يمثل فيه البطل الذي تعرفنا عليه ,ابتداء من الاستهلال , مركزا لاحداث ووقائع الفضاء القصصي , اذ يلقي بظلاله على مشاهد الحياة الاخرى " كان ركاب عربة البوكس صامتين , يحاولون تجنب النظر الى بعضهم ,بالالتفات يمينا او يسارا, او بانكفاء رؤسهم على صدورهم, الا من اختلاس النظر, بين لحظة واخرى, الى وجهي فتأتين ,كانتا من ضمن الركاب . وحينما تركت العربة شارعا, ذا اشجار ضخمة وعتيقة , منتقلة الى شارع ذي بنايات حديثة وسامقة , قالت احدى الفتأتين للاخرى الجالسة بجوارها : - انني بعد كل محاضرة , ازداد اعجابا واحتراما للدكتور مكي, ارأيت كيف ناقش اليوم, أزمة المثقف السوداني ؟ .. - ولكن الا ترين معي, ان رؤيته للمسألة كانت ممنهجة بصرامة ,ومتطرفة اكثر من اللازم ؟ .. - وهذا ما نحتاجه حقا في هذه المرحلة . - معك حق. ففي مثل هذه الظروف ,لسنا في حاجة للحلول الوسطى . . انتبهت اذنا شاب كان يجلس قبالة الفتأتين . انتقل الانتباه الى عينيه. مسح وجهي الفتأتين بنظرة مستقيمة . وبلا تفكير , وبطريقة آلية , تحولت نظراته الى وميض غريب . توقفت العربة, في المحطة النهائية . نزل الركاب . اشعل الشاب ذو النظرات ,ذات الوميض الغريب .سيجارة ثم سار خلف الفتأتين (58)" ..

    وهكذا يختم راو القصاص يومه غير العادي , بمتابعة رجل الامن للفتاتين . . ان غلبة الوصف في نص ( صور زنكوغرافية ليوم عادي ) على السرد , تأتي بابراز عالم الاشياء و شحن هذه الشخصية بمزيج من المشاعر المتناقضة , لتكون الشخصية بهذا التركيب النفسي المعقد , معادلا موضوعيا لمتناقضات الواقع الحي المعاش ..

    وكل ذلك عبر وظيفة الوصف . الى ان تختم القصة ببناء الوحدات السردية المقتطعة ,من مشاهد الحياة الواقعية , من حيث حركة الاحداث .. اذ يمهد القصاص, لكل حدث . بمناخاته الشعورية. ما يجعل الشخوص, اكثر قدرة على مواجهة مصائرهم المأساوية .



    هامش :

    (1) معاوية البلال . الشكل والمأساة " دراسات في القصة القصيرة السودانية " . الشركة العالمية للطباعة والنشر. ص: 9

    (2) مجلة فصول للنقد الادبي . الهيئة المصرية العامة للكتاب المجلد 16 العدد الثاني خريف 1997. ص : 17

    (3) مجلة الثقافة الجديدة. قصور الثقافة . العدد 172. اكتوبر 2004 . ص : 108

    (4) معاوية البلال. الكتابة في منتصف الدائرة. الشركة العالمية للطباعة والنشر . ص : 132

    (5) معاوية البلال . الشكل والمأساة " مرجع سابق " ص : 32

    (6) كتابات سودانية " كتاب غيردوري " . مركز الدراسات السودانية . العدد 22 ديسمبر 2002. ص :133

    (7) السابق ص ك 136

    (Cool نفسه ص : 134

    (9) نفسه ص : 135

    (10) جابرييل غارثيا ماركيز . ذكريات عن عاهراتي الحزينات . ترجمة د. طلعت شاهين . طبعة اولى ديسمبر 2004. سنابل للنشر والتوزيع . القاهرة (11) _ مناظر من أرض جديدة ( قصص لكاتبات من اميركا اللاتينية ) . ترجمة ايزابيل كمال .قصور الثقافة . آفاق عالمية . طبعة اولى 2003.

    - أليثيا شتايميرج (1933) كاتبة ارجنتينية . كتبت اربع روايات ومجموعة قصص قصيرة . من اهم الكاتبات المعاصرات في الارجنتين .

    (12)كريستينا بيري روسي .كاتبة من اوروغواي . ولدت في منفيديو . وهي ابنة لمهاجرين ايطاليين . وتعمل والدتها مدرسة . وقد علمها خالها الشيوعي تذوق الادب . تخرجت في كلية الاداب في جامعة منتفيديو . وعملت بالصحافة وتدريس الادب . اضطهدت من قبل السلطة لموقفها المناهض للظلم . فانتقلت الى برشلونة في اسبانيا في 1972. صدر لها في العام 1963 اول كتاب وهو مجموعة قصص قصيرة " الحياة " عن الجو المعتم المحيط بالمرأة ومعاناتها كضحية للمجتمع الابوي . في 1969 صدرت لها مجموعة القصص القصيرة " المتاحف المهجورة " وحازت بها على جائزة اركا للكتاب الشباب في ارجواى في 1968 وتصف فيها انحطاط الثقافة في ارجواي . وتظهر فقدان التواصل بين الرجل والمرأة . كما في قصة " الاشياء الغريبة التي تطير " . وفي 1969 حصلت قصتها " كتاب اولاد عمتى " على جائزة مجلة مارشا . وهي قصة على لسان طفل . بها تحولات سردية عميقة . وبيري روسي تستخدم حيلا مرئية , وتمزج النثر بالشعر . وتهدف الى السخرية من البرجوازية , خاصة الفتيات اللائي ينشأن محاطات برعاية مبالغ فيها . نشرت في 1970 " علامات ذعر" وهو مجموعة من 46 قطعة ادبية وقصة قصيرة وقصائد ومقالات وامثال تعبر عن سمات عصر القمع في ارجواي . وفي 1971 نشرت اول ديوان شعري لمجموعة قصائد حسية تحتفل بجسد المرأة . في 1975 نشرت ديوان " وصف حطام سفينة " تركز قصائده على النفي السياسي والحب . على النقيض من ذلك في 1983 نشرت " متحف المساعي العبثية " الذي تناقش فيه محاور معاصرة مثل العزلة والتحليل النفسي والحرب والقمع السياسي . وفي 1984نشرت " سفينة الحمقى " وفي 1986 "آلام ممنوعة" .

    (13) غاستون باشلار . جماليات المكان . ترجمة غالب هلسا . المؤسسة الجامعية.2000 . بيروت الطبعة الخامسة . ص : 35

    (14) كتابات سودانية " كتاب غيردوري " . مركز الدراسات السودانية . العدد 22 ديسمبر 2002. ص : 129/130

    (15) فصول للنقد الادبي " مرجع سابق " ص : 25

    (16) تقول الاسطورة ان نارسيوسي ( وهذا هو اسمه في الاصل اللاتيني ) هو ابن احدى حوريات النهر اللاذوردية الشعر . انجبته من اله النهر . فهو كائن مائي تتبعه الحوريات العاشقات , لكنه لا يستجيب لهن فتحكم عليه الالهة استجابة لدعاء احدى عشيقاته , بان يقع في شراك حب لا يخرج منها فائزا .

    واذ يحس نرسيس بالعطش ينحني ليشرب من ماء النبع , فيرى صورته وقد انعكست على صفحة الماء , فسحرته ووقع في غرام طيف حسبه جسدا , وهو لا يعدو ان يكون ظلا . وحاول تقبيل وجهه المنعكس على صفحة النبع , وحاول ضم خياله . وتورد الاسطورة هاجسا يحاور نارسيوسي " اى نار سيوسي ! ايها الصبي الساذج , فيما محاولتك الامساك بصورة خادعة ؟ ان ما تبحث عنه ليس له وجود حي , ولو انك استدرت لغاب عنك هذا الذي تهيم به . ان ما تراه ليس الا خيال نشأ عن انعكاس صورتك على الماء .."..

    .. واذ يكتشف نرسيس الحقيقة يدرك وهمه قائلا : " ان هذا الصبي الذي يتراءى لي , ليس غيري . ان صورة وجهي لا تخدعني . انني احترق بنار حبي لنفسي . ويموت نرسيس حزنا , وتبكيه حوريات الغابة بنواح حزين . واذ تختفي جثته تظهر مكانها زهرة النرجس التي ستظل ترمز الى الاعجاب المرضي بالذات . لقد غدا الماء المرآة التي يبحث فيها نرجس عن ذاته التي حسبها شخصا آخر . ولذا اقترن ذكر المرايا بالماء او الظل .

    (17) فصول للنقد الادبي " مرجع سابق " . ص : 33.

    (18) كتابات سودانية " مرجع سابق " ص : 129

    (19) السابق . ص : 130/131

    (20) نفسه ص : 132

    (21) نفسه ص : 134

    (22) نفسه ص : 136

    (23) سحر سامي . اكثر من سماء .مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . ص : 40.

    http://www.sudanjournal.com/Reports/Story4.htmlحمى الدريس ) : ) . (24) علي المك

    (25) سحر سامي . أكثر من سماء . " حقوق الانسان في الفنون والاداب " مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . ص : 30.

    (26) السابق . ص : 32.

    (27) محمد ابراهيم الشوش . وجوه واقنعة .مكتبة مصر . الطبعة الاولى 1989.

    (28) السابق : ص : 21.

    (29) السابق : ص : 22.

    (30) السابق : ص : 23

    (31) السابق : ص :30.

    (32) الثقافة الجديدة . قصور الثقافة . العدد 173 . نوفمبر 2004. ص : 110.

    (33) محمد ابراهيم الشوش . مرجع سابق . ص : 85.

    (34) السابق . ص : 90 .

    (35) السابق . ص : 208.

    (36) الثقافة الجديدة " مرجع سابق " ص : 110 .

    (37) زهاء الطاهر . وجه جالا يتجلى - كتابة . مركز الدراسات السودانية . الطبعة الاولى 2002.

    (38) معاوية البلال . الكتابة في منتصف الدائرة . الشركة العالمية للطباعة والنشر . ص : 162.

    (39) معاوية البلال . الشكل والماساة " دراسات في القصة القصيرة السودانية " . الشركة العالمية للطباعة والنشر . ص : 80.

    (40) كتابات سودانية ." كتاب غير دوري " . مركز الدراسات السودانية . العدد العشرون يونيو 2002. ص : 105.

    (41) د. صلاح فضل . نظرية البنائية في النقد الادبي . مكتبة الاسرة .مهرجان القراءة 2003. ص : 20 .

    (42) السابق . ص : 199

    (43) زهاء الطاهر " مرجع سابق " ص : 7

    (44) السابق ص : 10

    (45) نفسه : ص : 12.

    (46) نفسه ص 12

    (47) نفسه ص 8

    (48)فصول للنقد الادبي . المجلد الخامس . العدد الرابع . يوليو اغسطس سبتمبر 1985 ص : 43

    (49) زهاء الطاهر " مرجع سابق " ص : 7

    (50) السابق ص 9

    (51) محمد السيد محمد ابراهيم . بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ " دراسة في الزمان والمكان " . الهيئة العامة لقصور الثقافة . 2004. ص : 347.

    (52) كتابات سودانية ." مرجع سابق " ص : 107

    (53) عادل القصاص. لهذا الصمت صليل غيابك. الشركة العالمية للطباعة والنشر 2002 . ص : 23

    (54) كتابات سودانية " كتاب غير دوري " العدد 22 ديسمبر 2002 ص :123

    (55) ثقافات سودانية " كتاب غير دوري " المركز السوداني للثقافة والاعلام .العدد الخامس 1999. ص : 108.

    (56) د . صلاح فضل . نظرية البنائية في النقد الادبي . مكتبة الاسرة مهرجان القراءة 2003. ص : 295

    (57) عادل القصاص " مرجع سابق " . ص : 23.

    (58) نفسه ص : 31/32

    "ما ينشر يعبر عن رأي صاحبه"



    [b]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 5:45 pm