منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة Empty الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة

    مُساهمة   الإثنين أكتوبر 08, 2012 12:14 pm

    <table border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" width="100%"><tr><td align="center" valign="middle" width="100%"><table border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" width="100%"><tr align="center"><td>
    </td></tr><tr align="center"><td colspan="2" class="hr">
    </td></tr><tr align="center"><td colspan="2">

    نشأ
    الشعر الحديث في لحظة القطيعة المعرفية الواسعة، التي تمثلت في انفصال
    المخيلة عن العقل، حين بدأت الذاكرة الابداعية في الفصل ما بين الصور
    باعتبارها نتاج المخيلة، والتصورات باعتبارها نتاجا للعقل، وتأسس النص
    النقدي بدوره في المسافة التي تفصل بين النص الحاضر ونص اخر ضمني، ليصبح
    هذا النص الأخر هو المعيار الذي يقاس عليه النص الحاضر، بل ويمثل حكم
    القيمة له. وهذا ما أدى بأمادو الونسو إلى أن يلخص لب العملية النقدية، حين
    تصور أنه،"ليست هناك وسيلة لتسمية ونقد الشعر الحديث، إلا بالتصورات
    والمفهومات السالبة"(1) فالذاكرة النقدية لا تتعامل مع الانجاز، وانما تطرح
    الامكانية، ولا تتوقف عندما تحقق بالفعل، لكنها تتطلع دائما إلى ما لم
    يتحقق بعد.

    ولأن العقل الناقد يجب أن يكون مرنا، وتنسيقه في تغير
    مستمر، فان عليه أن ينتقل دائما من التجربة الجمالية للقصيدة (أي الاستمتاع
    بها) إلى التجربة العقلية لها (أي الحكم عليها أو تفسيرها). لذلك، فان
    الناقد الجيد "،هو القارىء الذي ينتقل بين الموقفين الجمالي والنقدي،
    محاولا الوصول الى النقطة التي تمتزج فيها جميع عناصر القصيدة. الصوت
    والصورة والفكر والانفعال (2)". لكن هذا العقل المرن كثيرا ما يتخلى عن
    مرونته، حينما يتخذ موقف الراصد داخل التجربة العقلية وحدها. لذلك فإن النص
    الضمني ما ان يطرح حدود الممكن الشعري، حتي يجعل النص الحاضر (المتحقق )
    قابلا للاستنفاذ،. أو لإعادة النظر.

    ويعتمد النص الضمني على مجموعة
    من المنطلقات النظرية، التي لا يلتفت اليها الناقد. عادة عند حضورها، لكنها
    تلح على ذاكرته بمجرد غيابها عن النص الحاضر، حيث تصبح - في هذه الحالة -
    لب العملية النقدية ومحورها. وهذه العناصر/ المنطلقات النظرية متعددة، كما
    أنها متحولة - كميا - عبر الزمن، وهي تخضع لعوامل الثبات والتحول. وما
    يهمنا - هنا – هو التركيز على مجموعة العناصر التي تمثل شعرية النص من وجهة
    نظرنا، والتي تتميز بسمة الديمومة. والثبات، لا التغير والتحول. وبمعنى
    آخر، تصبح تلك العناصر التي تمثل شعرية القصيدة، موضع اختلاف من حيث كمها
    العددي، لا من حيث فاعليتها أو حضورها داخل النص الشعري.

    ويمكن، حصر تلك المنطلقات النظرية التي تحدد شعرية القصيدة، في عدة عناصر أساسية.

    - الاقتصاد الأدائي

    - الإزاحةاللغوية

    - الانفتاح الدلالي

    - التجانس الكوني /

    - الخيال المنتج

    وهذه العناصر إلى جانب كونها قابلة للاضافة، فانها أيضا قابلة للاختزال، فكما يمكن أن نضيف لها عناصر أخرى، مثل.

    الصورة
    - المجاز - الايقاع...، فانه يمكن لنا أن نختزل عنصرين معا تحت مسمى واحد.
    وبالتالي، فإن الاختلاف حول هذه العناصر هو اختلاف على الكم لا الفاعلية.

    ومن
    الطبيعي أن تثير فكرة وجود ثوابت في الفن، دهشة- وربما استنكار -
    الكثيرين، على اعتبار أن الفن دائما يخرج على القاعدة أكثر مما يخرج منها.
    ونحن لن نختلف مع هذا الرأي، كما أننا سنوافق عليه بقدر من التحفظ، بل
    ونتفق مع أراجون حين يقرر أنه "ليس هناك شعر ما لم يكن هناك تأمل في اللغة،
    حيث لابد أن يكون هناك إعادة خلق لهذه اللغة داخل القصيدة، من خلال تحطيم
    الاطر الثابتة لها"(3)، إلا أن هذا الاتفاق يأتي من خلال تصورنا أن "الأطر
    الثابتة" هي تلك المنطلقات الثابتة التي تسود خلال عصر ما، على اعتبار أن
    ما هو ثابت وجوهري داخل هذا العصر، يمكن ان يكون متغيرا وعرضيا في عصر آخر.

    وإذا
    كان تاريخ الأدب هو تاريخ الاختلاف لا تاريخ التشابه، فإن جزءا من وظيفة
    النقد يكمن في البحث عن الممتد والجوهري. فكما أن الطفل - على حد تعبير
    كوليردج - ليس أبا للرجل، وأننا يمكن أن نتعامل مع كليهما، على المستويين
    العقلي والبيولوجي، ككائنين مختلفين، إلا انه من المنطقى أن ما يجمع الطفل
    والرجل معا داخل النوع، أكثر مما يفرق بينهما داخل الزمن ونحن حين نحاول
    رصد الثوابت داخل النوع الشعري، فإننا لا ننفي حركة المتغيرات، لكننا نبحث
    عن عناصر الثبات التي تنتظمها معا.

    من البديهي أن تلك العناصر
    الثابتة، تنطبق على الاتجاهات ما بعد الكلاسيكية وحدها، على اعتبار أن
    الشعر الكلاسيكي كان وسيلة أكثر منه غاية، حيث إنه كان خاضعا لاعتبارات
    عديدة من خارج النص: أخلاقية وتفسيرية.. كما انه من خلال الانظمة العروضية
    قد استحال إلى ذاكرة أخرى للجماعة.

    وبالتالي، فان شعرية القصيدة لم
    تكن هدفا في حد ذاتها، لكنها كانت وسيلة كما أن وظيفة الشعر لم تعد جمالية
    بالاساس، لكنها ارتبطت بالتعليم أو الفائدة أو المتعة، وهذا ما يفسر وجود
    الأغراض في الشعر الكلاسيكي.

    على أن ما يهمنا من عناصر الشعرية، التي تخضع لعامل الثبات، هو أن ندرس ونحلل أول هذه العناصر، وهو عنصر الاقتصاد الأدائي.

    - الاقتصاد الأدائي

    عادة
    ما تحتشد الذاكرة الأدبية في كل عصر، بالعديد من الألفاظ أو التعبيرات
    التي يشيع استخدامها، فتكتسب بالضرورة- نتيجة لذلك الشيوع - قوة العرف
    الاصطلاحي. فالمصطلح يتأسس إذا توافر له شرطان التواطؤ والتواتر. فالشرط
    الأسبق، من حيث الترتيب، هو التواطؤ. لكن أحيانا قد تستبدل الذاكرة الادبية
    الترتيب، ليصبح التواتر علة طارئة يتأسس عليها التواطؤ فيما بعد، فيما
    يمكن أن نسميه بـ (مصطلحات التواتر). وهذه المصطلحات تشيع أن يكون لها سند
    مفهومي،وبالتالي تتعدد مردوداتها بتعدد مستخدمي الاصطلاح. ومن الطبيعي أن
    تشيع فوضى الذاكرة الاصطلاحية في غياب المفاهيم.

    ومن التعبيرات التي
    شاعت - مؤخرا - في حقل الدراسات اللسانية والأدبية، تعبير "الاقتصاد
    الادائي "، وهو تعبير يقصد به تحديد طبيعة الاستخدام الكمي للالفاظ داخل
    لغة النص، وقبل أن ننقل هذا المصطلح إلى مجال الدراسة الشعرية، فانناسوف
    نحاول ان نضبطه من خلال مفهوم يقوم على التصور الشخصي. والاقتصاد - لغة -
    هو مرحلة بين الاسراف والتقتير، وعلى ذلك يكون تصورنا للاقتصاد الادائي
    الشعري، أنه،"الاستخدام الكمي الأمثل للعلامات في حده الادني، لتفجير
    مدلولات تفوق القدرة المعجمية لتلك العلامات "، أي ان الاقتصاد الادائي
    بدفه الاساسي في مجال الشعرية، نقل النمو الكمي للنسق اللغوي، وتحويله إلى
    فاعلية كيفية، تتجاوز فيها التصورات الذهنية الارتباطات الثابتة بين الدوال
    والمدلولات.

    ونظرا لان "الاشياء لا تكون شاعرية الا بالقوة، فان
    على اللغة - من خلال الاقتصاد - أن تنقل هذه الشاعرية من القوة إلى الفعل
    "(4). إن نقل الشاعرية من القوة ( الكامنة داخل الدوال ) الى الفعل
    (المدولات التي تؤثر في ذاكرة المتلقى)، انما هو رهن بالوصول إلى الحقيقة
    الشعرية - وكما أن الحقيقة العلمية تحتاج من التعبير عنها الى اقل قدر ممكن
    من العلامات، التي تصل إلى تلك الحقيقة من أقصر الطرق اللغوية فان الحقيقة
    الشعرية بدورها تتطلب لغة تعتمد على التوهج والكثافة والايجاز.. لغة لا
    تفسر لكنها تومىء، ولا تسمى الاشياء بل تخلق جوها. وهنا تصبح الكثافة -
    كنتاج للاقتصاد الأدائي - هي مجد القصيدة، كما يصبح التوهج انعكاسا شرطيا
    للايجاز.

    إن آلية الاقتصاد الأدائي في اللغة، تخضع لشرط أساسي: أن
    ما نعبر عنه شعرا لايمكن أن نعبر عنه نثرا، كما أن ما يجوز التعبيرعنه نثرا
    لا يصح التعبير عنه شعرا. فلكل من الشعر والنثر طبيعتان مختلفتان: الأول
    يتطلب الرؤيا، أما الثاني فغايته المفاهيم المجردة. ويجب أن ندرك أن
    "المحتوى في الشعر ليس مما يفوق التعبير، ما دام الشاعر قد عبر عنه، لكن
    الحقيقة أنه يستعصى على النثر، لأنه يتجاوز العالم التصوري الذي تحدد فيه
    اللغة المعنى. والشعر بالتالي ليس لغة جميلة، لكنه لغة على الشاعر أن
    يخلقها، ليقول ما لم يكن من الممكن أن يقوله بطريقة اخرى" (5 ). واذا كان
    الاقتصاد الادائي للغة الشعرية يطمح الى تحقيق الرؤيا من خلال: الكثافة -
    التوهج - الايجاز، فان النص الشعري يصيبه الترهل، وتتضاءل فاعليته حين
    تعلقبه بعض الزوائد اللغوية، التي تكون بمثابة كائنات طفيلية تلتهم شعرية
    النص، ولا تترك منها الا بقايا باهتة. ويمكن لنا ان نختزل تلك الزوائد في
    ثلاث ظواهر اساسية:

    - التداعي اللغوي

    - الاستطرا د

    - علاقات السببية بين اجزاء النص.

    والظواهر
    السابقة تتأسس داخل النص، بمجرد أن يتناسى الشاعر أن الشعر "هو الارتفاع
    بالأمور الحاسمة الى لغة المستحيل على الفهم، والفناء الكلي في اشياء لا
    تستحق ان يقتنع بها أحد"(6)، فتحت ضغط الجانب الابلاغي للغة الشعرية، عادة
    ما يحاول الشاعر أن يفض شفرة قصيدته ذات لغة المستحيل على الفهم، من خلال
    العديد من الصور المتتالية، التي يحاول ان يوضح بعضها البعض الاخر، فلا
    يكون لصور الوضوح /

    التفسير سوى الانتقاص من الصور الاخرى، لا الاضافة لها.

    فالاستطراد
    والتداعي اللغوي ينتجان داخل القصيدة، اما لفض شفرة أو لقصور أسلوبي، مثل:
    الاستخدام المتتالي لحروف العطف، أو تتالي أفعال الأمر أو النداء - الى
    "جانب أن ثبات الزمن داخل القصيدة، الذي ينتج عن تتالي جمل فعلية ذات زمن
    واحد، يؤدي بالضرورة الى افتقاد الدينامية داخل النص الشعري الذي يتسم
    بالفاعلية والحركة وهذه الفاعلية والحركة تنتج بالضرورة عن الحركة الزمنية
    التي يحدثها تداخل وتصادم الأفعال ذات الصيغ الزمنية المختلفة، والتي تؤدي
    بالضرورة إلى الدراما الشعرية. فالدراما هي الابنة الشرعية للتعدد
    والتناقض. وافتقاد تلك الدراما، يؤدي بالضرورة الى التداعي والاستطراد،
    لخلق حركة ما حول مركز الصورة الاصلية، وهده الحركة تتأسس على التكرار لا
    التعدد، وعلى التوازي لا التناقض. لذلك تصبح أي اضافة في هذا المجال، -
    مجرد اضافة كمية، تثقل على النص ولا تضيف اليه، والظواهر السابقة ليست حكرا
    على بعض الشعراء محدودي الموهبة، ولكنها كثيرا ما تستدرج الى شراكها شعراء
    من "الوزن الثقيل ".

    ومن أمثلة التداعي اللغوي الذي ينشأ عن استخدام حروف العطف، والتي تؤكد هذا التصور قصيدة لممدوح عدوان بعنوان (اوقفوا الباخرة)(7).

    هبت الأرض من صحوتي

    ثم شدت نياطى عصافيرها

    والبيوت العتيقة

    والظل تحت جدار تداعى

    وآثار خطوات طفل تعثر

    فوق الرمال

    ففي
    هذا المقطع ثمة جملتان محوريتان:"هبت الارض من صحوتي "، و"الظل تحت جدار
    تداعى". وخارج هاتين الصورتين، تتأسس بعض الصور العرضية، التي لا تسبب نموا
    أفقيا للقصيدة، لكنها تسبب ترهل الصورتين المحوريتين. وهذا الترهل ناتج عن
    الاستخدام النسبي الكثيف لحروف العطف،حيث يتكون المقطع من خمس جمل، في
    الوقت الذي تلتحم فيه معا باربعة من حروف العطف.

    فاذا انتقلنا الى
    قصيدة أخرى لممدوح عدوان، والاختيار هنا بالمصادفة بالنسبة للشاعر
    والقصيدة، لكي نتتبع ملمحا اخر من ملامح عدم الاقتصاد الادائي، فان التداعي
    اللغوي يمكن ان نلحظه بوضوح في قصيدة (أمام الشرتون )(Cool، من خلال المقطع
    التالي:

    بردى يتباطأ

    بين بقايا الشموع

    وتراب، أجرب

    قبل دخول دمشق

    يمد.. الشرتون اليه ظلالا

    فتقص له غرته

    وتربت فوق الكتفين إلى ان -يهدأ

    تخصيه

    وتلجمه

    وترجل فيه الشعر الاشعث

    تخفي ذاكرة النهر عن المنشأ

    تلبسه الياقة والقبعة

    ثم تقص أظافره

    ليليق بصحبة هذى الاضواء

    تربطه حول الشرتون

    ولا تأذن ان يدخل فيه

    تتركه للفرجة أو للترفيه

    ويطل من الشرفات العالية

    رجال ونساء

    تنبعث الشهقات المستغربة

    وترطن: هذا ماء

    والتداعي
    اللغوي داخل هذا المقطع، ناتج عن الاستخدام المتتالي للجمل الفعلية ذات
    الزمن الواحد، التي تبتدىء جميعها بفعل مضارع (يتباطأ - يمد - تقص - تربت -
    يهدأ - تخصيه - تلجمه - ترحل - تخفى - تلبسه - يليق - تربطه - تأذ ن -
    يدخل - تتركه - يطل - تبعت - ترطن ) ومن خلال هذا الحصر الاسلوبي (18 فعلا
    مضارعا)، فان ذلك المقطع الذي كتبه الشاعر في 21 سطرا شعريا، يحتوي على
    ثماني عشرة جملة فعلية. ومن الطبيعي أن تداعي الجمل الفعلية ذات الزمن
    الواحد، يستدعي بالضرورة حروف عطف تقترب في عددها من نصف عدد تلك الجمل،
    لكي تربطها معا (تسعة احرف )، وهذه الحروف تزيد بدورها من حجم التداعيات
    اللغوية داخل القصيدة. ويكون الهدف الاساسي من تلك التداعيات، محاولة خلق
    نوع من الدراما، التي تعتمد على تناقض الصور المتجاورة والمتتالية. فمن
    المؤكد أن تحويل بردى (الطبيعي ) الى كائن (مصنوع )، سوف يخلق العديد من
    الصور المتناقضة التي تتجاور داخل نسق القصيدة، ويمكن لنا ان نرصدها
    كالتالي:

    - بقايا الشموع والتراب الاجرب، يليها الشرتون بأضوائه وظلاله، ثم محاولة ترويض طبيعة النهر البرية (قص الغرة - الربت فوق الكتفين ).

    - الجموح (الذي تتصف به طبيعة النهر قبل دخول دمشق ) يليه الاخصاء والتلجيم.

    - الشعر الاشعث إلى جوار فعل الترحيل (التمشيط )

    - اخفاء الذاكرة عن المنشأ، أي الفصل بين الذاكرة والرصيد التاريخي لها.

    - الباس النهر الياقة والقبعة وقص اظافره، بديلا عن الصورة السابقة للنهر (الجموح - التراب - الشعر الاشعث... ).

    - جموح النهر الذي يتم ترويضه، بعد ان تربطه دمشق في الشرتون.

    - تحويل الكائن الثائر الى كائن للفرجة أو للترفيه.

    ومن
    الطبيعي ان الدراما التي ستخلقها الصور المختلفة، لا تخلق صراعا او
    تناقضا، بقدر ما تتنج تضادا لغويا. لان الدراما الحقيقية داخل القصيدة، هي
    نتاج لحركة الازمنة وتناقضها، وهذا ما يمنح دينامية النص الفعالية والتأثير
    الجماليين.

    تبقى ملاحظة أخيرة تحتاج الى التنويه عنها، وهى ان
    القصيدتين اللتين ثم الاستشهاد بهما من شعر ممدوح عدوان، تم انتقاؤهما من
    الديوان (العاشر) للشاعر، أي بعد ان وصل الشاعر الى درجة عالية من العطاء،
    ومن الخبرة الشعرية.

    فاذا انتقلنا الى شاعر آخر، يتميز - بدوره –
    بالخبرة الشعرية العريضة، وهو الشاعر العراقي سامي مهدي، ومن خلال ديوانه
    (الزوال ) وهو ديوانه (الخامس )، فإننا نجد مثلا آخر للتداعي اللغوي، الذي
    يعتمد على تتابع الجمل الفعلية ذات الزمن الواحد. واذا كنا قد عرضنا لتتابع
    الفعل المضارع عند ممدوح عدوان، فاننا سوف نعرض لتتابع الفعل الماضي عند
    سامي مهدي. ففي (قصائد الزوال )(9)، نلمح المقطع التالي.

    لأمر ما نكصنا

    واعتللنا، حين عوتبنا، بأنا لم نكن في الدار

    وعوقبنا

    ولم نجزع اذ اشتد العقاب بنا،

    ولم نتخل عن سر من الأسر ار

    فقد كنا أبر بهم

    وكنا حين نخرج نكتفي بالصمت.

    لاننفى

    ولا نتبين الاخبار

    ونبقى صامتين

    في
    تلك الأسطر الشعرية العشرة، تتتابع ثمانية من الأفعالالماضية (نكصنا -
    اعتللنا - عوتبنا - عوقبنا - لم نجزع – لم نتخل - كنا - كنا). ويصبح من
    لزوميات هذا التداعي، أن يكون لحروف العطف دور رئيسي في ربط عناصر النص معا
    (سبعة احرف ). ولو ان الشاعر كان قد أكد على مبدأ الاقتصاد الأدائي،لكان
    قد تخلص من التداعيات الناتجة عن التكرار الأسلوبي والثبات الزمني وحروف
    العطف، وبالتالي لتحول هذا المقطع الذي يتمتع بدرجة عالية من الشعرية إلى
    نص من الشعر الصافى.

    وإلى جانب الملامح السابقة، يمكن لنا أن نلاحظ
    اشكالا أخرى من الاستطرادات. فعند وقوع فعل ما، فان الشاعر يلجأ إلى محاولة
    تبرير/ تفسير رد الفعل، رغم منطقية هذا الرد.

    فحين يقع العقاب،
    الذي يعبر عنه بفعل (عوقبنا)، فإنه يستطرد كي يبرر وقع الفعل عليه، ثم لكي
    يوضح رد الفعل تجاهه (ولم نجزع ). وبعد ذلك يستمر في الاستطراد لتفسير مدى
    عدم الجزع (إذ أشتد العقاب بنا) فاذا كان عدم الجزع يمكن التغاضي عنه، فان
    تبريره (عند اشتداد العقاب ) يصبح غير معقول شعريا وفي نهاية المقطع تجد
    تعبير (لاننفى ولا نتبين الاخبار)، ثم بعد ذلك يستطرد الشاعر ليوضح كيفية
    عدم النفي وعدم تبين الاخبار، فنجد ان هذا التبرير يتمثل في تعبير ونبقى
    صامتين )، مع العلم ان النفي وتبين الاخبار لا يتمان إلا

    عبر
    الكلام، وبالتالي فإن انتفاءهما يعني بالضرورة عدم الكلام أو الصمت.
    فاستخدام حرف النفي (لا) مع الفعل، يعني ضمنيا اثبات فعل الصمت. لكن الشاعر
    يستطرد كي يثبت من خلال الشعر ما لا نحتاج ألى اثباته من خلال النثر.

    ومن
    ملامح الاستطراد في المقطع، السابق محاولة ربط الشىء بالنوع. فالشاعر حين
    يتعامل مع الشىء (السر)، فإنه يربطه بالنوع الذي ينتمي اليه (الاسرار)، مع
    العلم بان اسم الشىء في هذا المقطع هو اسمه ونوعه في آن وفي الاستخدام
    الشعري فان الشىء يومى إلى نوع - اذا كانت هناك ضرورة لذلك - لكنه يجب الا
    يرتبط به. والاستخدام الشعري الجيد.

    الذي يربط الشىء بنوع آخر غير
    ما ينتمي إليه بالفعل، كان يقول الشارع مثلا: "ولم نتخل عن - الاشجارا،
    بدلا من "سر من الاسرارا فاضافة "من الاسرار"هى اضافة كمية لها، تنتقص من
    النص، ولا تضيف اليه.

    ولعل علاقات السببية التي تربط عناصر المقطع
    السابو، ليست في حاجة الى بيان فالعقاب نتجية للنكوص، والتعلل نتيجة
    للعتاب، وعدم الجزع نتاج للعقاب، والاكثار بالصمت هو نتيجة للبر، 000 الخ
    والتعويل على علاقات السببية داخل النص الشعري، يفقد هذا النص الكثير من
    بهائه، ويضفي عليه اهم خصيصة من خصائص العرف اللغوي النثري، وهي الاحكام
    المنطقي نتيجة للترابط بين السبب والنتيجة. ونحن ندرك ان

    للشعر جوهرا ملكيا، فإما ان يسود وحده.. او يعتزل.

    فإذا
    انتقلنا من الديوان (العاشر) عند ممدوح عدوان، والديوان (الخامس ) عند
    سامي مهدى، الي الديوان (الاول ) للشاعر محمد محسن، فان الظاهرة تصبح اكثر
    وضوحا. ففي ديوان (الانعتاق الى القيود)، تتبدى عدة ظواهر أسلوبية، تؤدي
    الى نفى فكرة الاقتصاد الادائي. ومن هذه الظواهر، تكرارية اسلوب النداء،
    وتتالي صيغ الامر. ومن خلال نص واحد للشاعر من قصيدة بعنوان (رحيق ونار)
    (10)، يمكن أن نرصد

    السمتين معا.

    يا حاضن الطيف

    يا عاشق السيف

    يا ساحر الفل

    يا آسر الجلنار

    ويا سندباد العزارى

    ونجم الحياري

    تحرر..

    وغرد ورفرف بكل الحنايا

    ولا تحبس النفس في حجرة

    كلها من مرايا

    ففي
    السطور الستة الاولى، يتكرر اسلوب النداء ست مرات. وبديهي أن اسلوب نداء
    واحدا، كان من الممكن أن يغني عن الاساليب الخمسة الأخرى. كما أن الأسطر
    الاربعة التالية، تزدحم بأربع من صيغ الأمر، وهي حين تتتالى معا، تبرز
    بوضوح ظاهرتا التداعي والاستطراد - كما ان الاتيان باسلوب الامر تاليا
    لاسلوب النداء، انما هو تكريس لسيادة علاقات السببية داخل النص - ففي
    الحياة، عادة ما يعقب صيغة النداء فعل أمر وكان النداء مقدمة، وفعل الأمر
    مرتبط به ارتباط النتيجة بالسبب.

    لقد كان اختيارنا للشعراء الثلاثة
    غير مخطط له من قبل،لكننا راعينا التنوع الجغرافي (سوريا - العراق - مصر)،
    وتنوع الخبرة الشعرية (الديوان العاشر - الديوان الخامس – الديوان الأول )،
    وذلك للتاكيد على أن الظاهرة اللغوية في مجال الشعر قد تكون جامحة، بحيث
    تتغلب على الخبرة الشعرية مهما بلغت، فتقودها إلى رحال التداعي والاستطراد
    والسببية الشاعرة.

    ومن المهم أن ندرك ان الشاعر حين يلتفت الى مبدأ
    الاقتصاد الادائي، فان الناقد - في المقابل - لا يلتفت الى تحقق المبدأ،
    وكان هناك نصا مضمرا داخل الذاكرة النقدية، هو الغاية والمعيار.

    المراجع:

    (1) عبدالغفار مكاوي.. ثورة الشعر الحديث - جـ ا - ص 038 الهينة العامة

    للكتاب.

    (2) رو - انيورد هاملتون - الشعر والتامل - ص 105 - ترجمة د. محمد

    مصطفى بدوى -المؤسسة المصرية للتاليف والترجمة والطباعة والنشر

    (3) جون كرهين - بناء لغة الشعر - ص 210 - ترجمة د. احمد درويش – ط 1 - مكتبة الزهراء.

    (4)نفسه – ص52.

    ( 5 ) نفسه - 188.

    (6) ثورة الشعر الحديث - جـ 1 - ص 31.

    (7) ممدوح عدوان - ديوان (والليل الذي يسكنني ) - ص 20 - دار الأهالي -

    (Coolنفسه -ص 30.

    ( 9) سامي مهدي - ديوان (الزوال ) - ص 20 - منشورات وزارة الثقافة والاعلام - العراق

    ( 10) محمد محمد محسن - ديوان (انعتاق إلى القيود) - 67 - اصدار شخصي.



    عبدالعزيز موافي(ناقد مصري)

    المصدر: منتديات تخاطب ta5atub.com.

    صوّت للموضوع

    فهرس منتديات تخاطب. مراجع في اللغة والنحو ( تحميل ).

    مكتبة تحميل كتب الأدب العربي والعالمي.
    أكبر مكتبة لتحميل الكتب والمراجع(تخصصات مختلفة) .
    ابحث عما تريد في المنتديات .

    <table class="a7la7ekaya"><tr><td width="8px">الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة 19675610</td><td>انشر على الفيسبوك </td></tr></table> <table class="a7la7ekaya"><tr><td width="8px">الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة Add10</td><td>رد على الموضوع</td></tr></table> <table class="a7la7ekaya"><tr><td width="8px">الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة User10</td><td>تابع هذا الموضوع </td></tr></table>
    اضغط على كلمة SHARE لنشره في واحد أو أكثر من 300 من المواقع الآتية:الخطاب الشعري ومفهوم الاقتصاد الأدائي في اللغة Lg-share-en
    </td></tr></table></td></tr></table>

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 5:15 pm