بسم الله الرحمن الرحيم
[center]قراءة شكلية لقضيدة ( في سرنديب )
لمحمود سامي البارودي
[center]قراءة شكلية لقضيدة ( في سرنديب )
لمحمود سامي البارودي
ينطلق منهج الشكل من كون النص مجرد كائن لغوي , مركب من مجموعة
عناصر متضامّة إبداعية , يمكن تحليلها و تفكيكها , و تكتسب قيمتها
الفنية من فنية هذا التضام , و يلخص الدكتور ( شايف عكاشة ) مميزات
شكلانية فيما يلي :
أولا : التركيز عن استقلال الأدب عن الواقع .
ثانيا : التركيز على الدور الإيجابي للشكل في تحديد الموضوع .
ثالثا : اعتبار الصورة الأدبية خلقا لرؤية خاصة بالشيء و ليست انعكاسا له .
رابعا : اعتبار الألفاظ وحدها مادة إبداع أدبي و ليست الانفعالات أو الموضوعات .
خامسا : ضرورة تحرير النقد الأدبي من النزاعات و الاتجاهات الفلسفية أو الدينية .
فالنقد الشكلاني نقد لغوي محض , يستهدف الإحاطة بمستويات
النص النحوية و الصرفية و الصوتية و المعجمية , كما اشتهر هذا
المنهج بإقصائه المنهجي للرؤية النفسية و التاريخية و الاجتماعية ,
إقصاء مطلقا , على اعتبار أن هذه الرؤى من اختصاص علوم إنسانية أخرى.
و قد فضل الشكلانيون الشكل على المضمون على اعتبار أن الشكل هو
الذي يسمح لأجزاء الإبداع الأدبي أن تدخل في علاقات غير اتفاقية , أي
مقصودة بذاتها , و أن المعنى أو المضمون رهين التركيب الشكلي الواعي
للنص, و هم يعتبرون أن النقد الأدبي إبداع ثاني يقوم على تفتيت العمل
الأدبي و تشريحه من أجل فهمه , و فهم سر جماليته و أدبيته , فهم فهموا
الأدب بوصفه استخداما خاصا للغة و وصفوا الشعر بأنه الاستخدام
الأمثل للغة , و من ثمة صبوا اهمتاماممهم على الشعر لا على الشاعر ,
أي على الأعمال الأدبية نفسها , لا على جذورها أو آثارها , و ركزوا
في نظرياتهم على الملامح المميزة للأدب أي على الوسائل اللفنية و حيل
الصنعة التي يختص بها الأدب , و عن هذا يقول : ( جاكوبسون ) : " إن
موضوع الدراسة الأدبية ليس الأدب ككل , و لكن خصائصه الأدبية أي أدبيته
, و معناها تلك السمات التي اذا توافرت في عمل ما أصبح أدبا " .
و قد رسخت الدراسات الشكلية دعائمها بواسطة جماعتين : الجماعة الأولى هي حلقة موسكو اللغوية التي تأسست عام ( 1915 ), و الجماعة الثانية هي أوبياز التي بدأت نشاطها عام ( 1961 ) , على يد مجموعة من اللغويين منهم : ( رومان جاكوبسون ) مؤسسة حلقة براق اللغوية عام ( 1929 ) , و ( فيكتور شكلوفيسكي ) و ( بوريس اخنباوم ) .
من هذه الخلفية انطلق الشكلانيون في انتاج نظرية الأدب تهتم بالبراعة التقنية للكاتب و مهاراته الحرفية .
و على ضوء هذا كله , نحاول قراءة قصيدة : " في سرنديب " للبارودي قراءة شكلية لنتبين مدى أهمية الشكل في الدراسة اللغوية .
....../......
النص المدروس :
قصيدة : في سرنديب
لكل دمع جرى من مقلة سبـب و كيف يملك دمع العين مكتئب ؟
لولا مكابدة الأشواق ما دمعت عين و لا بات قلب في الحشا يجب
فيا آخا العذل , لا تعجل بلائمة علي فالحب سلطان له الغلب
لو كان للمرء عقل يستضيئ به في ظلمة الشك لم تعلق به النوب
و لو تبيّن ما في الغيب من حدث لكان يـعلم ما يـأتي و يجتنب
لكنه غرض للــدهر يرشـقه بأسهم ما لها ريش و لا عقب
فكيف أكتم أشواقي و بي كلف تكاد من مسه الأحشاء تنشعب؟
أبيت في غربة لا النفـس راضية بها , و لا الملتقى من شيعتي كثب
فلا رفيق تسـر النفـس طلعته و لا صديق يـرى ما بي فيكتئب
و من عجائب ما لقيت من زمني أني منيـت بخطب أمره عجب
لم أقترف زلة تقضي عـلي بما أصبحت فيه فماذا الويل و الحرب؟
فهل دفاعي عن ديني و عن وطني ذنب أدان به ظـلما و أغترب؟
أثريت مجدا فلم أعبأ بما سلبت أيدي الحوادث مني فهو مكتسب
لا يخفض البؤس نفسا و هي عالية و لا يشيد بذكر الخامل النشب
إني امرؤ لا يرد الخـوف بادرتي و لا يحيف على أخلاقي الغضـب
ملكت حلمي فلم أنطق بمنـدية و صنت عرضي فلم تعلق به الريب
و ما أبالي و نفسي غير خاطئة إذا تخرص أقوام و إن كـــذبوا
ها إنها فرية قد كان بـاء بها في ثوب يوسف من قبلي دم كذب
فإن يكن ساءني دهري و غادرني في غربة ليس لي فيـها آخ حدب
فسوف تصفو الليالي بعد كدرتها و كــل دور إذا مـا تمّ ينقلب
بإلقاء نظرة على النص نجده يضم ثلاثة مقاطع يمكننا تقسيمها كالآتي :
المقطع الأول : من البيت الأول إلى البيت السابع .
المقطع الثاني : من البيت الثامن إلى البيت الثاني عشر.
المقطع الثالث : من البيت الثالث عشر إلى البيت العشرين .
....../......
الاشتغال على بنية المقاطع :
الاشتغال على بنية المقاطع :
المقطع الأول : دموع و أشواق .
01 - لكل دمع جرى من مقلة سبـب و كيف يملك دمع العين مكتئب ؟
02 - لولا مكابدة الأشواق ما دمعت عين و لا بات قلب في الحشا يجب
03 - فيا آخا العذل , لا تعجل بلائمة علي فالحب سلطان له الغلب
04 - لو كان للمرء عقل يستضيئ به في ظلمة الشك لم تعلق به النوب
05 - و لو تبين ما في الغيب من حدث لكان يـعلم ما يـأتي و يجتنب
06 - لكنه غرض للــدهر يرشـقه بأسهم ما لها ريش و لا عقب
07 - فكيف أكتم أشواقي و بي كلف تكاد من مسه الأحشاء تنشعب؟
01 - لكل دمع جرى من مقلة سبـب و كيف يملك دمع العين مكتئب ؟
02 - لولا مكابدة الأشواق ما دمعت عين و لا بات قلب في الحشا يجب
03 - فيا آخا العذل , لا تعجل بلائمة علي فالحب سلطان له الغلب
04 - لو كان للمرء عقل يستضيئ به في ظلمة الشك لم تعلق به النوب
05 - و لو تبين ما في الغيب من حدث لكان يـعلم ما يـأتي و يجتنب
06 - لكنه غرض للــدهر يرشـقه بأسهم ما لها ريش و لا عقب
07 - فكيف أكتم أشواقي و بي كلف تكاد من مسه الأحشاء تنشعب؟
01- البنى الإفرادية :
يبدأ النص بغزل على الطريقة القديمة يشكل المفتاح الذي ترد به
إلى النص , حيث نجد تعليل الأمور و ربط الأسباب بالمسببات , حيث استهل
النص بحرف الجر ( اللآم ) المقرون بـ: ( كل ) يشكل تعليلا للأمور ,
ثم يبدأ الشطر الثاني بالاستفهام مستخدما الآداة ( كيف ) لتحقيق
التعجب , ليتكرر أيضا الاستفهام في البيت السابع في قوله : ( كيف أكتم
) و أيضا استخدم لتحقيق التعجب , و نجد أيضا توضيف صيغة النداء للعاقل
( يا أخا الغذل ) بالاستعطاف و الرحمة و التماس العذر , و نجد أيضا
تكرار كلمة ( دمع ) و هذا التكرار أدى وظيفة التأكيد و الإلحاح
على حالة معينة تعكس ما في النفس من شجون .
أما من جهة الدينامية نلاحظ وجود ثمانية عشر فعلا في هذا
المقطع , و قد توزعت على مجمل أبياته توزيعا متذبذبا , فلقد احتوى البيت
الأول على فعلين هما : ( جرى , يملك ) و احتوى البيت الثاني على
ثلاثة أفعال هي : ( دمعت , بات , يجب ) و احتوى البيت الثالث على فعل
واحد هو : ( تعجل ) و هو ما يوحي بتناقص دينامية النص , أما البيت
الرابع فقد احتوى على ثلاثة أفعال هي : ( كان , يستضيئ , تعلق ) ثم
ترتفع الدينامية في البيت الخامس إلى خمسة أفعال هي : ( تبين , كان ,
يعلم , يأتي , يجتنب ) لتتناقص من جديد في البيت السادس إلى فعل واحد
هو : ( يرشقه ) لتعتدل في البيت السابع إلى ثلاثة أفعال هي : ( أكتم
, تكاد , تنشعب ) .
أما الأسماء فقد أحصينا ثلاثة و ثلاثين اسما , و قد توزعت
تقريبا توزيعا عادلا , فقد احتوى البيت الأول على ستة أسماء هي : ( دمع
, مقلة , سبب , دمع , العين , مكتئب ) و احتوى البيت الثاني على
خمسة أسماء هي : ( أخا , العذل , لائمة , الحب , سلطان , الغلب ) و
أما البيت الرابع فقد احتوى على خمسة أسماء هي : ( المرء , عقل ,
ظلمة , الشك , النوب ) أما البيت الخامس فتنخفض فيه الدينامية إلى
اسمين فقط هما : ( الغيب , الحدث ) أما البيت السادس فقد احتوى على
خمسة أسماء هي
غرض , أسهم , الدهر , ريش , عقب ) أما البيت السابع فقد احتوى على
أربعة أسماء هي : ( أشواقي , كلف , مسه , الأحشاء )و نلاحظ طغيان
الأسماء على الأفعال في هذا المقطع.
02 - جهة الزمن في المقطع الأول :
نلاحظ توزع الفعل بين دلالتي الماضي و الحاضر , حيث احتوى
المقطع الأول على ستة أفعال ماضية و هي : (جرى , دمعت , بات , كان ,
تبين , كان ) في حين احتوى على اثنتي عشر فعلا مضارعا هي : (
يملك , يجب , تعجل , يستضيئ , تعلق , يعلم , يأتي , يجتنب ,
يرشق , أكتم , نكاد , تنشعب ) و نلاحظ في هذا الشأن سيطرة المضارع
على الماضي كما نلاحظ تحول الزمن في البيت الرابع من المضارع الى الماضي
بدءا من الفعل : ( تعلق ) المسبوق بـ : (لم ) التي حولت الدلالة .
03 - البنى التركيبية :
تضمن
المقطع الأول خمسة مركبات اسمية هي : ( لكل دمع , لولا مكابدة
الأشواق , يا أخا العذل , الحب سلطان له غلب , و بي كفل ) .
كما
تضمن أربعة عشر مركبا فعليا هي : ( جرى من مقلة سبب , ملك دمع
العين مكئب , ما دمعت عين , و لا بات قلب في الحشا يجب , لا
تعجل بلائمة علي , لو كان للمرء عقل , يستضيئ به في ظلمة الشك ,
لم تعلق به النوب , و لو تبين ما في الغيب من حدث , كان يعمل ما يأتي و
يجتنب , لكنه غرض للدهر , يرشقه بأسهم ما لها ريش و لا عقب , كيف
أكتم أشواقي , تكاد من مسه الأحشاء تنشعب ).
لتتشكل
مركبات المقطع الأول من عشرين مركبا , سيطرت فيها المركبات
العفلية على المركبات الاسمية , و هذا يوحي بان المقطع فاعلاتي أكثر
مما هو مسمياتي.
المقطع الثاني : شكوى من الغربة و الظلم .
01- أبيت في غربة لا النفس راضية بها , و لا الملتقى من شيعتي كثب
02 - فلا رفيق تسر النفس طلعتـه و لا صديق يرى ما بي فيكتئب
03 - و من عجائب ما لقيت من زمني أني منيت بخطب أمـره عجب
04 - لم أقترف زلة تقضي علي بمـا أصبحت فيه فماذا الويل و الحرب؟
05 - فهل دفاعي عن ديني و عن وطني ذنب أدان به ظلـما و أغترب؟
02 - فلا رفيق تسر النفس طلعتـه و لا صديق يرى ما بي فيكتئب
03 - و من عجائب ما لقيت من زمني أني منيت بخطب أمـره عجب
04 - لم أقترف زلة تقضي علي بمـا أصبحت فيه فماذا الويل و الحرب؟
05 - فهل دفاعي عن ديني و عن وطني ذنب أدان به ظلـما و أغترب؟
...../.......
01 - البنى الإفرادية :
يبدأ المقطع الثاني بفعل مضارع : ( أبيت ) الذي يحمل دلالة
الديمومة و الاستمرار , الذي يعبر عن القلق و العذاب , و جعل الغربة
تحيط به من كل جانب فوضف ( في غربة ) و تنكير ( غربة , خطب )
للتهويل كما نجد تكرار النفي في قوله : ( لا النفس , ولا الملتقى , و
لا رفيق , و لا صديق ) تعليلا لما قبله .
أما من جهة الدينامية نلاحظ وجود احدى عشر فعلا , وقد
توزعت على مجمل أبيات هذا المقطع توزيعا متذبذبا فقد احتوى البيت الأول
على فعل واحد هو : ( أبيت ) , و احتوى البيت الثاني على ثلاثة أفعال
هي : ( تسرّ , يرى , يكتئب ) , و احتوى البيت الثالث على فعلين
هما : ( لاقيت , منيت ) , و احتوى البيت الرابع على ثلاثة أفعال
هي : ( أقترف , تقضي , أصبحت ) , أما البيت الخامس فقد احتوى
على فعلين اثنين هما : ( أدان , أغترب ) .
أما الأسماء فقد أحصينا ثلاثة و عشرين اسما , و قد
توزعت تقريبا توزيعا عادلا , احتوى البيت الأول على ستة أسماء هي
: ( غربة , النفس , راضية , الملتقى , شيعتي , كثب ) , واحتوى البيت
الثاني على أربعة أسماء هي : ( رفيق , النفس , طلعته , صديق ) , و
احتوى البيت الثالث على خمسة أسماء هي : ( عجائب , زمن , خطب , أمره
, عجب ) , و احتوى البيت الرابع على ثلاثة أسماء هي : ( زلة ,
الويل , الحرب ) , و احتوى البيت الخامس على ثلاثة أسماء هي : (
دفاعي , ديني , وطني ), و أيضا في هذا المقطع نجد طغيان الأسماء
على الأفعال .
02 -جهة الزمن في المقطع الثاني :
نلاحظ في هذا المقطع استخدام الأفعال ذات الدلالة على
الحاضر إلا في أربعة منها فقد وردت في دلالة الماضي , فقد احتوى
على سبعة أفعال مضارعة هي : ( أبيت , تسر , يرى , يكتئب ,
أقترف , تقضي , أغترب ) و أربعة افعال ماضية هي : ( لاقيت , أصبحت ,
منيت , أدان ).
03 - البنى التركيبية :
تضمن
المقطع الثاني سبعة مركبات اسمية هي : ( لا النفس راضية بها ,
لا الملتقى من شيعتي كثب , لا رفيق تسر النفس طلعته , لا صديق يرى ما
بي فيكتئب , من عجائب ما لقيت من زمني , لماذا الويل و الحرب ؟ هل
دفاعي عن ديني و عن وطني ) . كما تضمن على خمسة مركبات فعلية هي
: ( أبيت في غربة , أني منيت بخطب , لم أقترف زلة , تقضي علي بما
أصبحت فيه , أدان به ظلما و أغترب ) لتتشكل مركبات المقطع الثاني من
اثنتي عشر مركبا طغت فيها المركبات الاسمية .
المقطع الثالث :فخر و أمل .
01 - أثريت مجدا فلم أعبأ بما سلبت أيدي الحوادث مني فهو مكتسب
02 - لا يخفض البؤس نفسا و هي عالية و لا يشيد بـذكر الخامل النشب
03 - إني امرؤ لا يرد الخوف بادرتي و لا يحيف على أخـلاقي الغضب
04 - ملكت حلمي فلم أنطق بمندية و صنت عرضي فلم تعلق به الريب
05 - و ما أبالي و نفسي غير خاطئة إذا تخرص أقـوام و إن كذبـوا
06 - ها إنها فرية قد كان باء بها في ثوب يوسف من قبلي دم كذب
07 - فإن يكن ساءني دهري و غادرني في غربة ليس لي فيها أخ حدب
08 - فسوف تصفو الليالي بعد كدرتها و كـل دور إذا ما تم ينقلـب
يبدأ
المقطع الثالث بمركب فعلي دال على الماضي متصل بضمير الرفع المتحرك
للدلالة على الفخر , و تذكير " مجد " للدلالة على العظمة و " نفسا
" للعموم , و " امرؤ " للدلالة على الفخر , و " مندية "
للدلالة على التقليل , و " لم أعبأ " توحي بالثقة في النفس , و "
هي عالية " للإيحاء بسمو الهمّة , و " إني امرؤ " لتوكيد الشجاعة ,
كما جاء قوله : " فهو مكتسب " تعليلا لما قبله, وكذلك : " فلم أنطق
بمندية " , و " فلم تعلق بي الريب " و عند ا لتعريض بالأعداء نجد
: " وما أبالي " للإيحاء بتحقير مزاعمهم , و أيضا استعمال الجملة
الحالية : " و نقس غير خاطئة " و نلاحظ قوة التعريض في قوله : " تخرّص
" و كثرة الأعداء في قوله : " أقوام " و استعمال حرف التنبيه " ها
" الذي يفيد التوكيد و كذلك " إن " للتوكيد و " فرية " نكرة
للتحقير و بعدها " قد " للتحقيق , ثم ضرب مثلا من التاريخ يوضح
نهاية هذه الأكاذيب , و عند الحديث عن الأمل نجده يعبر بالصفاء بعد
الكدرة , و يختم بحكمة تدل على أن لكل شيء نهاية , و تعبيره بـ : "
سوف " يدل على امتداد الأمل .
أما
من جهة الدينامية نلاحظ وجود ثلاثة و عشرين فعلا , فقد احتوى البيت
الأول من هذا المقطع على ثلاثة أفعال هي : " أثريت , أعبأ , سلبت
" و احتوى البيت الثاني على فعلين هما : " يخفض , يشيد " , و احتوى
البيت الثالث على فعلين هما : " يرد , يحيف " أما البيت الرابع فقد
احتوى على أربعة أفعال هي : " ملكت , أنطق , صنت , تعلق " ,
أما البيت الخامس فقد احتوى على ثلاثة أفعال هي : " أبالي , تخرص ,
كذبوا " , أما البيت السادس فقد احتوى على فعلين هما : " كان , باء "
أما البيت السابع فقد احتوى على أربعة أفعال هي : " يكن , ساءني ,
غادرني , ليس " , أما البيت الثامن فقد احتوى على ثلاثة
أفعال هي : " تصفوا , تـمّ , ينقلب " .
أما
الأسماء فقد أحصينا أربعة و ثلاثين اسما , فقد احتوى البيت الأول
على أربعة أسماء هي : " مجدا , أيدي , الحوادث , مكتسب " , و
احتوى البيت الثاني على ستة أسماء هي : " البؤس , نفسا , عالية , ذكر ,
الخامل , النشب " , و احتوى البيت الثالث على خمسة أسماء هي : "
أمرؤ , الخوف بادرني , أخلاقي , الغضب " , و احتوى البيت الرابع
على أربعة أسماء هي : " حلمي , مندية , عرضي , الريب " , و
احتوى البيت الخامس على ثلاثة أسماء هي : " نفسي , خاطئة , أقوام " ,
واحتوى البيت السادس على خمسة أسماء هي : " فرية , ثوب , يوسف ,
دم , كذب " , و احتوى البيت السابع على أربعة أسماء هي : " دهري ,
غربة , أخ , حدب " , و احتوى البيت الثامن على ثلاثة أسماء هي :
" الليالي , كدرتها , دور " , فنلاحظ طغيان الأسماء على الأفعال
في هذا المقطع .
02 - جهة الزمن في المقطع ا لثالث :
نلاحظ
توزع الفعل في المقطع الثالث بين دلالتي الماضي و الحاضر , فقد
احتوى هذا المقطع على اثنتي عشر فعلا ماضيا و هي : " أثريت , سلبت و
ملكت , صنت , تخرص , كذبوا , كان , باء , ساءني , غادرني ,
ليس , تـمّ " كما تضمن احدى عشر فعلا مضارعا و هي : "
أعبأ , يخفض , يشيد , يرد , يحيف , أنطق , تعلق , أبالي ,
يكن , تصفوا , ينقلب " .
مامأأ
03 - البنى التركيبية :
تضمن
هذا المقطع على ستة مركبات اسمية هي : " فهو مكتسب " - " إني
امرؤ " - " نفسي غير خاطئة " - " ها إنها فرية " - " في ثوب
يوسف من قبلي دم كذب " - " قليل " - " و كل دور إذا ما تم ينقلب
" . كما تضمن على سبعة عشر مركبا فعليا و هي : " أثريت مجدا "
- " لم أعبأ بما سلبت أيدي الحوادث " - " لا يخفض البؤس نفسا و
هي عالية " - " و لا يشيد بذكر الخمل النشب " - " لا يرد الخوف
بادرتي " - " و لا يحيف على أخلاقي الغضب " - " ملكت حلمي " -
" لم أنطق بمندية " - " صنت عرضي " - " لم تعلق به الريب " -
" وما أبالي " - " تخرص أقوام و إن كذبوا " - " قد كان باء
بها " - " إن يكن ساءني دهري " - " غادرني في غربة " - "
ليس لي فيها أخ " - " تصفوا الليالي بعد كدرتها ".
لتتشكل
مركبات هذا المقطع من ثلاثة و عشرين مركبا سيطرت فيها المركبات
الفعلية مما يوحي بأن المقطع فعلاتي أكثر مما هو مسمياتي .
الجانب الايقاعي في النص :
الايقاع في هذه القصيدة ظاهر و جلي , في الإلتزام و الوزن و وحدة القافية .
فبخصوص الوزن فقد اُعتمد على تفعيلات بحر البسيط , لأن تفعيلات هذا البحر لها القدرة على ترجمة الأحاسيس و آلام النفس .
أما
بخصوص القافية فحرف الباء المرفوع يدل على الرفعة و العظمة و القوة
. كما جاءت الكلمات في النص ملائمة لمعانيها المراد التعبير عنها ,
فجاءت قوية جزلة فصيحة في صياغة محكمة متينة النسيج بحيث تشعر
بالفخامة و قوة الرنين , فنجد التصريع في مستهل القصيدة بين نهاية
الشطر الأول من البيت الأول " سلبت " و نهاية الشطر الثاني من
البيت نفسه " مكتئب " , كما نجد الطباق بين " تستضيئ - ظلمة "
و بين " يأتي - يجتنب " و بين " غربة - الملتقى " و بين "
تسر - يكتئب " و بين " تصفوا - كدرة "
الصورة عبر النص :
تلونت الصورة الأدبية عبر هذه القصيدة بلون العاطفة و هي
هنا عاطفة حزينة متألمة , و من الصور نذكر المجاز المرسل عن " العين "
علاقته جزئية في قوله : " مقلة " , و الكناية عن الألم و الرشق في
قوله : " دمعة عين " و " بات قلب في الحشا يجب " فقد أتى بالمعنى
مصحوبا بالدليل عليه في ايجاز .
و
الكناية أيضا في قوله: " أخا العذل " و التشبيه في قوله : " الحب
سلطان له الغلب " و فيه تشخيص و إيحاء بعدم القدرة على مقاومة الحب , و
الاستعارة المكنية في قوله : " عقل يستضيئ به " فقد شبه العقل في
الاهتداء به بالمصباح , فحذف المشبه به و ترك أحد لوازمه و هو الاستضاءة ,
و التشبيه البليغ في قوله : " ظلمة الشك " الذي يوحي بالضلال و
الضياع , و الاستعارة المكنية في قوله : " لم تعلق به النوب " , و
الاستعارة المكنية في قوله : " و الدهر يرشقه " فقد شبه الدهر
بإنسان يرشق فحذف المشبه به و هو الإنسان و ترك أحد لوازمه و هي الرشق
. و الاستعارة التصريحية في قوله : " أسهم " فقد شبه المصائب في
تتابعها بأسهم غير مألوفة فحذف المشبه به و صرح بالمشبه به , و توحي
بقساوة المصائب و نجد الاستعارة المكنية في قوله : " من مس الأحشاء
تنشعب " فقد شبه الشوق بآلة حادة تمس الأحشاء فحذف المشبه به و ترك
أحد لوازمه وهو اللمس . و توحي بقوة الشوق و الاستعارة المكنية في
قوله : " أبيت في غربة " فقد شبه الغربة بمكان يبيت فيه و
حذف المشبه به و ترك أحد لوازمه وهو المبيت و توحي بالضيق و الوحدة .
و
نجد الاستعارة المكنية في قوله : " أيدي الحوادث " فقد شبه
الحوادث بانسان له أيدي فحذف المشبه و ترك أحد لوازمه و هو أيدي
و توحي بالظلم و الجور .
فهذه الصور جاءت معبرة عن خصوصيات أحاطت بالموقف أو الحال التي
آلت اليها الذات " حاضرا " و تموضعها بين ما كانت عليه " ماضيا "
و ما ستكون عليه " مستقبلا " و هو ما يوحي بوجود حيز زماني و مكاني
لكل صورة من الصور الثلاثة الكبرى , هذه الصور الكلية التي تنطوي كل
صورة منها على صورة جزئية تدور ضمن إطارها و تتم كليتها من خلال حيزين
زماني و مكاني , فالحيز الزماني للصورة المحورية هو الزمن الحاضر ,
حاضر الذات الناصة و ما هي عليه من هيئة لا تحسد عليها حيث الغربة و
اليأس و الإحساس بالصدمة أما الحيز المكاني هو مجسد عبر حنايا
النص.
....../......
و في الختام نستطيع استخلاص بعض النتائج من خلال القراءة لهذه القصيدة للبارودي :
- أن حركة تطور المنهج الشكلي مرت بمرحلتين : الأولى امتدت من عام ( 1915 ) الى عام ( 1920
) , ونشطت هذه المرحلة بأعمال ( فيكتور شاكلوفسكي ) الذي قدم بعض
التصورات الأساسية , كما قدم أعضاء في الأبويار . إسهامات مهمة في
دراسة القصة , و رأوا أن موضوع العمل الأدبي يجب أن يكون دراسة
الخصوصيات النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن كل مادة أخرى.
و الثانية امتدت من عام ( 1921 ) حتى عام ( 1930 )
و شهدت هذه المرحلة انتشار القواعد النظرية في مجالات إهتمام أوسع
كالشعر , الدراما , المسرح , السينما و تم فيها مزج الشكل
بالمضمون و النظر إليها نظرة إندماجية .
- عنيت الشكلانية بالمقاربات الشكلية للقصة و الشعر من حيث مزج الشكل بالمعنى , فكل شكل معين يطرح فكرة معينة .
-
أقام الشكلانيون نوعا من الانفصال بين الأدب و المؤلف و الحقيقة , و
أدى ذلك الى تغيير أساسي في الأعراف التقليدية التي ظلت تنظر الى الأدب
فقط من خلال ثنائية الشكل و المضمون .
-
صحيح أن الجانب الشكلي له أهمية في الكشف عن أغوار النص , لكنه
وحده غير كافي فلا بد من عدم إغفال الجوانب الأخرى المتعلقة
بالكاتب و المحيطة بالنص .
قائمة المراجع :
01- نظرية الأدب في النقدين الجمالي و البنيوي في الوطن العربي , لشايف عكاشة .
ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1992.
02- البنيوية و العمل الأدبي , دراسة بنيوية شكلانية لمرئية مالك بن الريب , لخثير ذويبي .
الطبعة الأولى 2001 .
03- آليات المنهج الشكلي في نقد ا لرواية العربية المعاصرة , لمراد عبد الرحمان مبروك .
الطبعة الأولى الاسكندرية 2002.
04- دراسات في النص الأدبي , العصر الحديث , لمحمد عارف محمود حسين .
: