منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحولات الدلالية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحولات الدلالية Empty التحولات الدلالية

    مُساهمة   السبت نوفمبر 14, 2009 4:49 am

    نقد أدبي > التحولات الدلالية في شعر محمد بنعمارة 14

    التحولات الدلالية في شعر محمد بنعمارة

    (14)

    ذ. محمد دخيسي - وجدة المغرب

    بعد هذه النماذج المستقاة من المتن الشعري لمحمد بنعمارة ، نسوق بعض الدلالات المرتبطة بحدود الرؤية عنده. إذ من اليسر تمثل النصوص الشعرية واستنطاقها ، لكن يبقى المهم الخروج بأهم النتائج التي تفيد البحث وتنير طريق مجال التنظير المسْبق تقديمه.

    قبل ذلك تجدر الإشارة أن الشاعر محمد بنعمارة ، في سياق تجليات تجربته الشعرية لم يقف عند هذه الحقول الدلالية الممثلة في النماذج العملية التي تابعناها بالتفسير والتأويل. لكن المجال عنده يطول عبر مملكة الروح التي ابتغاها نهجا له لتحقيق التواصل مع المتلقي. لأن الشعر عنده رؤيا بالمعنى الصوفي، وهو وجود متصل بتجربة الشاعر الحياتية، باستعارة مواقفه وتجليها في نصوصه لفظا ومعنى وإشارة.

    والشعر عنده مرتبط أيضا بحقيقة الإنسان والكشف [1] عن حقائق الوجود. وقد كانت صياغة هذه التعاريف مرتبطة بالمتن الشعري ذاته، وكان النص عند محمد بنعمارة مطية يستغلها لركوب أمواج بحره ، والتعبير عن رؤيته الخاصة للشعر. وقد سبق الحديث في الفصل الثاني عن أهم المفاهيم المرتبطة بالتجربة الشعرية. ولنا هنا توضيب نهائي نضع فيه الرؤية كاملة متناسقة.

    فالقصيدة عنده :

    كالعباره

    حرفها نور من الروح

    ومزج

    بين ناي ، وربابه

    وصلاة

    ركعتاها

    جمرتا عشق وموت

    بين رؤيا وكتابه [2]

    ويقول:

    بقي الشعر

    كما كان…

    أنشودة مطر

    غيمتها

    تتكون

    في رحم الأشجانْ

    ( يا من يملك شعرا)

    ( كن في البدء قصيدة هذا الإنسانْ) [3]

    إن استغلال الأسس البلاغية من مجاز واستعارة ، جعل الشاعر هنا يوظف جملة من الصور الشعرية البليغة ، تعبيرا منه عن مفهومه للقصيدة والشعر عامة.

    فالشعر عبارة لفظها متموج مرتبط بالرؤيا ، والعبارة مجموعة من الألفاظ تكون الدلالة، وبما أن اللفظ نور من الروح، والروح نفسها غير ملموسة وغير مادية، فكذلك حرف القصيدة ودلالتها تبقى إشارة وتلميحا.

    الشعر مزج بين ناي وربابة : وهو دلالة ارتباط الشعر بأحزان الناس وأشجانهم، والتفاتة من الشاعر إلى تزكية دور الخطاب الشعري في تقريب مفاهيمه وتجلياته من المتلقي.

    الشعر صلاة الصلاة هنا لا تعني القيام بشعيرة دينية موقوتة، وإلا صار الشعر فريضة على كل إنسان. وإنما القصد هنا أن الشعر قبس من نور الله ، ونظر في ملكوته، وتلبية لأوامره. لأن تجاوز المألوف عند الشاعر لا يعني إلغاءه تماما كما عند أدونيس، وإنما التعمق في دلالاته، والكشف الشفاف عنه، إلى أن يأتي دور المتلقي لإعادة إنتاجه.

    القصيدة: ركعتاها عشق وموت، لأن أساس الشعر عنده هو العشق ، لا بمعناه العادي المألوف الذي يعني الهيام بذات الآخر، بقدر ما هو عشق للذات الإلهية والغوص في ملكوت الله بالإيمان والصلاة والتزهد ( ركعتاها ). وموت أي جهاد في سبيل الكتابة الشعرية التي اختار لها الكتابة بالدم، والتضحية في سبيل الكلمة بالنفس والنفيس. والاحتراق بكلماته ودلالاته (جمرتا ).

    الشعر رؤيا وكتابة الرؤيا بمعنى المشاهدة القلبية لا البصرية والكتابة دليل التعامل مع النص من جانب تشخيص المواقف والمكاشفات، وتجلي نور الله في الكلمة والصوت والعبارة، بعدم إظهار المعنى، بل تركه باطنيا يحتاج للكشف الثاني.

    الشعر أنشودة مطر سبق الفصل في عنصر الماء والمطر والغيمة، وتوظيف هذه الرموز مرتبط بدرجة احتياج الشاعر للارتواء، والظمأ الروحي المتعلق أساسا بالكلمة الشعرية وجفافها، وسنبلة الشعر ودرجة ارتوائها.

    الشعر وتكونه في رحم الأشجان، فالشَّجَن لغويا هو الغصن المشتبك، والشُّجْنة والشِّجْنة الرحم المشتبكة [4] والشجن هنا مرتبط بالذات الشاعرة – الحزينة.

    الشعر قصيدة الإنسان والشعر أخيرا قضية الإنسان ومعبر عن معاناته، والتعبير هنا ليس هو الدلالة المنطقية المباشر، وإنما الدلالة الموحية والإيحائية.

    إذن فالشعر عند محمد بنعمارة رؤيا معبرة عن هموم الفرد والمجتمع، متخذه الأساس الديني ومن الصوفي الملجأ لانتقاء اللفظ والعبارة. وهذه المفاهيم تبعد إلى حد ما القول الجاهز الذي ذهب فيه صاحبه اعتبار التعبير الشعري عند محمد بنعمارة لا يصل درجة الإيحاء.

    يقول بلقاسم الجطاري:" إلا أن التعبير عن ذلك الإشراق الممكن جاء في شكل تعابير جاهزة أو أوصاف قد تكون جامدة، لدلالاتها المباشرة. لكنها لم تنحط إلى درجة التقرير ، ولم تصل إلى درجة اللغة الإيحائية وذات الطابع التعددي للدلالة، إضافة إلى أن أغلب الدلالات ارتبطت بالعالم الطبيعي ، الشيء الذي جعل اللغة أقرب إلى التشبيه منها إلى الإيحاء. " [5]



    [1] - الكشف بالمعنى الصوفي هو " مكاشفة الحقائق المتوارية، التي لا يصل إلى إدراكها إلا من وهبه الله البصيرة الثاقبة، توفيقا، وفضلا منه تعالى عليه" والرؤيا هي:" مشاهدة قلبية مرت ، وانتهت ، وتركت أثرها في نفس الصوفي الذي يبقى في شوق إلى استعادة تجربتها، معبرا عن شوقه بمحاولة التذكر" الرجوع إلى ( الصوفية في الشعر المغربي المعاصر المفاهيم والتجليات ) ص- 311- 305.(تباعا).

    [2] - محمد بنعمارة: في الرياح .. وفي السحابة ، ص- 59.

    [3] - نفسه: ص- 58.

    [4] - ابن منظور : لسان العرب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – 3، 1994، ج- 13، ص-232- 233.

    [5] - بلقاسم الجطاري: المكان وتجلياته الدلالية في الشعر المغربي المعاصر، ص- 28.

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 11:37 pm