منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الصورة

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الصورة Empty الصورة

    مُساهمة   السبت نوفمبر 14, 2009 4:58 am

    نقد أدبي > ملامح من صورة البطل في الأدبين العربي والتركي

    ملامح من صورة البطل في الأدبين العربي والتركي

    د. نعيم محمد عبد الغني

    الشعر البطولي هو مدح الأشخاص بصفات البطولة والإقدام، وقد يكون البطل شاعرا فيصف نفسه، وقد يصفه غيره، ويصاحب هذا الوصف تصوير لمكان الحرب وما يحدث من قتال، بل ويصور شجاعة العدو وقوته، وسطوته وهيبته؛ ليبين البطل أنه استطاع أن يقهر عدوا كبيرا؛ فيتنسم بخصائص بطولته ذرا المجد ويبلغ بها ذؤابات العظمة.

    وفي تتبع لملامح البطولة في الشعر العربي التركي نجد أن البطولة عند العرب حتى في الجاهلية كانت جماعا لكثير من صفات الخير كالنجدة والمروءة والشجاعة والشهامة، ومن ثم كان تعريفها عند العلماء العرب انطلاقا من هذه المفردات، فأبو حيان في كتابه الهوامل والشوامل يفرق بينها فيقول: "وأما النجدة، فهي في معنى الشجاعة...إلا أنها بحسب اللغة مأخوذة من الارتفاع، والرجل النجد كأنه المرتفع عن الضيم، الذي علا عن مرتبة من يستذل ويمتهن، كالنجد من الأرض الذي هو ضد الغور. وأما البطولة - وإن كانت في معنى الشجاعة - فإنها مختصة بما يظهر في الغير، ولا تستعمل في قهر الإنسان شهوات نفسه، وهي تابعة للفروسية، كما يقال فارس بطل. وأخلق بالبطولة أن تكون عائدة إلى معنى البطلان؛ لأن صاحبها - أبدا - متعرض لذلك من الفرسان، ...فالشجاعة ربما أدت إلى بطلان الحياة، وكان الموت حينئذ خيرا جيدا ممدوحا".

    هذا هو الملمح الأول للبطولة عند العرب بصورة موجزة وواضح أنها تأخذ مفردات كثيرة من مكارم الأخلاق، أما البطولة عند الأتراك فإنها تركن إلى الذاتية التي تذوب فيها معاني النخوة والنجدة والشهامة، وهذا ما نقرأه من خلال ما رصده "تشادويك" في كتاب "ملاحم آسيا الوسطى الشفوية" حيث يذكر أن من النادر في الآداب البطولية التركية أن يعبر عن المعايير الاجتماعية أو الأحكام الأخلاقية؛ والحديث عن مثل هذه الأشياء قد يحدث بشكل عرضي؛ كأن تميز شخصية ما بلقب شائن؛ فيشار مثلا إلى كاردبغاش أخت جولوي بالساحرة الشريرة، وإلى جاكيت باي بالعبد المؤذي، وغالبا ما يجعل الشاعر ذلك من خلال التضمين بأن شخصيات معينة يجب أن تستنكر في حين تستحسن شخصيات أخرى.

    والملمح الثاني من ملامح البطولة يتمثل في أن البطل يحكم عقله وفكره قبل أن يأخذ قراره في خوض الحرب، فالعرب عندهم الحكمة القائلة (من الشجاعة أن تجبن ساعة) أما الأتراك فإن الحديث عن صفة الشجاعة والأبطال يغيب، ويذكر أحيانا الأبطال الذين يتميزون بالتهور الساذج الذي قد يدفع فئة قليلة لمواجهة جيش كامل؛ فيسحقون تحت سنابك الخيول، وظلال السيوف، وهذا ما ينافي مفهوم البطولة مثلا عند المتنبي الذي يقول:

    الرأي قبل شجاعة الشجعان

    هي أول وهي المحل الثاني

    فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

    بلغت من العلياء كل مكان

    إن هذا المعنى الذي يذكره المتنبي هو نفسه الذي نجده في تعريف البطولة في الإلياذة، يقول الدكتور إحسان عباس في كتاب ملامح يونانية في أدبنا العربي: " إن المتنبي "يلخص" - في شكل تقريري - معنى البطولة في الالياذة، مثلا، حيث لا بد في الأوضاع الايجابية من اقتران الحكمة والشجاعة، وتحدث الفاجعة في حال الابتعاد عن هذا المعيار المثالي".

    والملمح الثالث من ملامح البطولة أن الوعي السياسي تجده حاضرا عند البطل في الشعر العربي فهو يفاوض الخصم ويقرأ نقاط ضعفه وقوته، كالشنفرى الذي ذهب ليسرق عسلا وحاصره القوم فعرض عليهم أن يخرج مقابل إطلاق سراحه فقال:

    إذا المرء لم يحتل و قد جد جده * * * أضاع وقاسى أمره و هو مدبر

    أقول للحيان و قد صفرت لهم * * * و طابي، ويومى ضيق الجحر معور

    هما خطتا: إما إسار و منة * * * و إما دم، و القتل بالحر أجدر

    ولما لم يأمن غدرهم احتال وخرج بطريقة ذكية من مكان كان قد أعده للهرب في مثل هذه الأمور وقال:

    وأخرى أصادى النفس عنها وإنها * * * لمورد حزم إن فعلت و مصدر

    فأبت إلى فهم وما كدت آيبا * * * وكم مثلها فارقتها وهي تصفر

    أما في الشعر التركي فإنك تجد غياب الوعي السياسي عند البطل يقول تشادويك: "غياب الوعي السياسي يمكن ملاحظته من السهولة التي يمكن للبطل أن يعبر بها من مخيم إلى آخر حين يرغب في ذلك...والمثال الأكبر أهمية هو آلامان الذي يترك شعبه الكالموك ليدخل في خدمة أيركوكشو الأمير اليوغوري بعدئذ ومرة أخرى يتركه للالتحاق بماناس أمير الساري"

    وأما الملمح الرابع من ملامح البطولة في الأدب التركي فنجده في أن الأتراك يقصرون البطولة على طبقة النبلاء من الأمراء والأرستقراطيين، وإذا عثرت على بطل في قصة أو شعر فإن ذلك يكون استثناء من هذه القاعدة؛ فالطبقات الدنيا أو المتوسطة معزولة عن القتال وحمل السلاح، ومن ثم فلا مجال أمامها لإظهار بطولتها، وهذا ما يتكرر في الشعر التركي؛ إذ نقرأ: (على الطبقات الدنيا أن تقف في الخلف، والأمراء وحدهم يمكن أن يتخذوا أماكنهم ليتثاقفوا بالرماح).

    وفي أدبنا العربي نجد أن البطولة لا تقتصر على طبقة النبلاء بل إنها تتسرب إلى الطبقات الدنيا من المجتمع، فعنترة اشتهر بالبطولة رغم أن قومه كانوا يعتبرونه عبدا ويفخر بنفسه وببطولته فيقول:

    يخبرك من شهد الوقيعة أنني

    أغشى الوغى وأعف عند المغنم

    فشعراء الصعاليك كانت لهم بطولات دونت في شعرهم، كتأبط شرا الذي يحكي لنا مشهدا بطوليا استخدم فيه الحيلة والذكاء، ويحدثنا أبو الفرج في الأغاني قصة تبين فيها مدى فخر تأبط شرا بنفسه حتى إن اسمه يكفي لإرهاب العدو فيقول: "ولقي تأبط شرا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب كان جبانا أهوج وعليه حلة جيدة فقال أبو وهب لتأبط شرا بم تغلب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم ضئيل قال باسمي إنما أقول ساعة ما ألقى الرجل أنا تأبط شرا فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت فقال له الثقفي أقط قال قط قال فهل لك أن تبيعني اسمك قال نعم فبم تبتاعه قال بهذه الحلة وبكنيتك قال له أفعل ففعل وقال له تأبط شرا لك اسمي ولي كنيتك وأخذ حلته وأعطاه طمرية ثم انصرف وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي:

    ( ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... تأبط شرا واكتنيت أبا وهب )
    ( فهبه تسمى اسمي وسميت باسمه ... فأين له صبري على معظم الخطب )
    ( وأين له بأس كبأسي وسورتي ... وأين له في كل فادحة قلبي )

    تلك كانت بعض الملامح لصورة البطل في الأدبين العربي والتركي وإلى لقاء مع تفصيل أكثر في ملامح هذه الصورة.

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 2:40 am