منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التنصير في الجزائر .. ومحاولات مسخ الهوية!

    أروى55
    أروى55


    عدد المساهمات : 235
    تاريخ التسجيل : 07/10/2009
    العمر : 31

    التنصير في الجزائر .. ومحاولات مسخ الهوية! Empty التنصير في الجزائر .. ومحاولات مسخ الهوية!

    مُساهمة  أروى55 الثلاثاء مارس 09, 2010 8:59 am

    التنصير في الجزائر .. ومحاولات مسخ الهوية!



    لم يكن أغلب الجزائريين سابقاً يدركون معنى الفرق بين العروبة و الإسلام، و أنت بالكاد تجد اليوم بين الناس المسنين هنا عندنا من يعرف أنه بالإمكان أن يكون الشخص عربياً غير مسلم فأذكر مثلا أنني كنت أجد صعوبة كبيرة لإقناع جدي -عليه رحمة الله- أن إيران ليست عربية؛ لأنه كان لا يفهم كيف يكون اسم رئيسها " علي هاشمي" و لا يعني هذا عروبته؟؟
    كان هذا حتى وقت قريب، و عندما لاحت تباشير الانفتاح الثقافي و الإعلامي مع نهاية القرن الأخير بدأت بوادر تغير سلوكي و معيشي تظهر على ملامح الحياة العامة في الجزائر، زادها تمايزاً ولوج البلاد العهد الديموقراطي بطريقة يغلب عليها الارتجال و التسرع حتى حدث ما هو معروف، و نتجت آفات و تعاظمت البلايا جراء سني الحرب الأهلية التي عصفت بأرواح نحو مائتي ألف قتيل على حسب مصادر رسمية.
    من الأمراض، أو قل من بلايا يوميات الجزائريين حالياً موضوع تحدثت عنه الصحافة الجزائرية و حتى العالمية بإسهاب، و يتعلق الأمر هنا بظاهرة بدأت تأخذ حجماً غير اعتيادي على المظهر العام للبلاد، وهي ظاهرة التنصير و النشاط التنصيري المكثف الذي باتت الجزائر تشكل إحدى أنشط حلقاته على الصعيد العالمي بعد أن كان الموضوع حتى وقت قريب جداً ظاهرة بعيدة عن البيئة عندنا بسبب عمق الترابط بين مكونات الهوية والتاريخ؛ فعلى حسب برقية لوكالة أنباء الأسوشيتد برس بتاريخ الخامس عشر من شهر أيار/مايو 2004 بناء على تصريح لبعض الجامعيين الجزائريين بمناسبة لقاء نظّمته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة حاضرة الشرق الجزائري فإن هنالك حالياً (15) كنيسة في ضاحية تيزي وزو كبرى مدن منطقة القبائل الواقعة على امتداد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من العاصمة، وأن نحو 30 % من سكان هذه المنطقة هم من روّاد تلك الكنائس.
    جامعي آخر يقول: إن "ما يقع في القبائل لا يعدو أن يكون مرحلة أولى من مشروع يستهدف كل البلاد"، و إذا أردنا العودة إلى الجذور القريبة من هذه الحملة، تفادياً للخوض في النشاط التنصيري المحموم الذي رافق العهد الاستعماري منذ 1830 و حتى الاستقلال في 1962، فإنه يمكننا القول بأن الأمر عرف انطلاقته مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي عرفت ما يُصطلح على تسميته بالنهضة النضالية للقضية البربرية في الجزائر و المغرب الأقصى، على الرغم من أن هذا النضال لم يكن ذا مقصد ثقافي فحسب؛ لأنه كان يمكنك خلالها أن تشاهد أن ظواهر غريبة بدأت تطفو على سطح المطالب بواسطة تحويل بعض الأماكن التي كانت أصلاً منازل تسكنها عائلات "ثائرة" إلى مراكز تعمل على "التوعية الدينية المسيحية" في مقابل عدم اكتراث مطبق من قبل السلطات المركزية في العاصمة الجزائرية التي يبدو أن كل ما كان يهمها في الأمر هو الاستقرار الأمني، وهدوء عواصف ما عُرف وقتها "الربيع البربري".
    لقد كانت لي تجربة في تلك الفترة؛ إذ أذكر أنني كنت قد صادف و استمعت لإحدى الإذاعات التي تبث من مونتيه كارلو في إمارة موناكو جنوبي فرنسا، ولم تكن الحالة الإعلامية من انتشار للفضائيات و تحول أسطح المنازل إلى رفوف تعج بهوائيات "الدش" كما هي الحالة الآن، قلت: إنني استمعت باهتمام إلى برنامج تنصيري كان يذاع باللهجة الجزائرية يدعو كل المستمعين إلى مراسلة أحد المكاتب "الخيرية" في مدينة "مليلية" -تلك المدينة المغربية الواقعة حتى الآن تحت السيطرة الإسبانية- لأجل الحصول على نسخة مجانية من الإنجيل، و هذا ما كان مني بالفعل؛ إذ إن الدعوة كانت مغرية، ولم أكن وقتها أرى أي مانع في الحصول على العرض بدافع الفضول أولاً ثم بدافع الإطلاع و مواكبة الأمر حتى الوصول إلى معرفة باقي تفاصيل هذا الكرم الحاتمي.
    بعد أيام قليلة، أذهلتني السرعة غير الاعتيادية للإجابة؛ إذ إن البريد الجزائري يشتهر بمنافسته لسرعة السلحفاة، وصلني طرد بريدي يحتوي نسخة مطبوعة بشكل جميل لافت من "العهد الجديد" باللغة الفرنسية، و أستطيع القول هنا: إنني لم أكن على شوق كبير لقراءة نصوصها بما أنني أملك حداً تكوينياً طيباً من الوعي الذي اكتسبناه من خلال الدروس المسجدية التي دأبنا عليها قبل أن يُغتال حلم طفولتنا بسبب عجرفة جهات و حمق جهات أخرى.
    لم تدم فترة حصولي على الطرد البريدي مدة طويلة، حتى وصلتني رسالة أخرى من شخص قال: إنه حصل على عنواني من "الإخوة" في مليلية يعلمني فيه أنه يتوق لرؤيتي و النقاش معي، ولكن بعد المسافة بيننا حال دون ذلك -كان بناء على خاتم البريد فوق رسالته يسكن مدينة "بطيوة" المحاذية لمدينة وهران حاضرة الغرب الجزائري و أنا كنت في باتنة القريبة من الحدود التونسية ناحية الشرق- فاكتفينا بالمراسلات، وكان يرسل لي في كل مرة مطبوعات أنيقة تحمل صوراً طبيعية خلابة مذيلة ببعض النصوص و الجمل التي يقتبسونها من "العهد الجديد"، ثم أرسل لي عنوان أحد "الأصدقاء" في مدينة "خراطة" بمنطقة القبائل القريبة نوعاً ما من مقر سكناي؛ لأنه قال لي: إن الأخوة هناك يرغبون في التواصل معي و هذا ما كان.
    أول ما وصلني من الصديق الجديد كانت رسالة فيها دعوة للحضور إلى مدينة "وضية" القريبة من تيزي وزو، وهذا ما حدث فلقد سافرت وقتها، و لكنني لم أشف غليلي بالاطلاع، واقتصر الأمرعلى لقائي ببعض الشباب الذين أدركت أن أغلبهم من محدودي التفكير و الثقافة؛ إذ كان من المنطقي جداً ألاّ أطلع على أي شيء هكذا من أول زيارة؛ لأن القائمين على الشأن لم يكونوا سذجاً إلى درجة تسمح لفتى يافع مثلي وقتها بالحصول على أي معلومة هم في غنى عن تسريبها. المهم إن علاقتي بهم انتهت عند هذا الحد بسبب بداية المواجهات المسلحة بين الجماعات و السلطة، وتحوّل طرق الجزائر إلى مقابر مفتوحة تتسابق ألوية الموت على قتل المسافرين عبرها بدعوى التضييق على السلطة حيناً، و شل حركة الاقتصاد الوطني حيناً آخر، و القتل الجزاف أحياناً أخرى.
    لست أدري ما الذي يدفعني إلى الاعتقاد حتى الآن أن هذه المدينة الصغيرة الغارقة بين جبال القبائل الشاهقة هي مركز العمل التنصيري؛ إذ إنها لا تزال دائماً منطلقاً لهم، وعرفت الناحية انتشاراً مريعاً للدور الكنسية، وأصبح أمر مصادفة الرهبان بأزيائهم المعروفة لا يدعو إلى الغرابة بسبب تحوّل المنطقة إلى ورشة تنصيرية كبرى، والكل يذكر أمر الرهبان السبعة الذين يُقال بأن الجماعات المسلحة قتلتهم في سني الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد. لقد استطاعت الجماعات التنصيرية الغربية توظيف حالة الاحتقان وتذمر سكان القبائل و يحولوا معارضتهم للسلطة المركزية إلى تحالف "حضاري" مع الغرب عموماً و فرنسا خصوصاً؛ إذ لن نكشف سراً حينما نقول: إن فرنسا تقف وراء شق كبير من هذا، بالإضافة إلى أنها لا تزال دائماً الخزان الذي يمد الناشطين البربر بما يحتاجونه من دعاية إعلامية و سند سياسي شكل حجر عثرة في سبيل السلطة الجزائرية، و جعلها تحسب ألف مرة قبل أن تقدم على أي عمل قد يصعد خصومتها التقليدية مع المستعمر القديم .
    لم يحدث إذن أي جهد رسمي مقابل هذا المد، و ظلت وزارة الشؤون الدينية -كما تسمى في الجزائر- غاضة البصر عن هذا العمل المحموم، و هذا حتى وقت قريب؛ إذ يكفي أن نشير هنا إلى تصريحات وزير هذا القطاع "بو عبد الله غلام الله" من أن الأمر لا يشكل أي تهديد، ولا يدعو للخوف بل و حتى تصريحه من أن: "لكل واحد الحق في التحوّل إلى الديانة التي يجد أنها أقرب إلى نفسه، إننا لسنا ضد حرية الأديان" و الحقيقة أن الواقع، سواء تحدّث الرسميون عنه أم تغاضوا، يعرف انتشاراً مريعاً للكنائس التي تُقام بسرعة عجيبة في الجهات الأربعة من إقليم القبائل، ويمكننا بناء على المعلومات التي تتداول على الشبكة العنكبوتية الوصول إلى أن هذه الدور تؤسس حالياً في كل قرية و مدينة هناك، ثم لا بد لنا من القول بأن ظاهرة التنصير هنا حتى و إن لم تكن حديثة نسبياً ، إلا أن السرعة التي تسجلها أخيراً بالإضافة إلى الأيديولوجيا التي تقوم عليها مع أهدافها غير المعلنة و وسائلها التي تحركها قوى وطنية و أخرى -معظمها- دولية سوف يكون لها دور مصيري في تعميق جراح الجزائر المثقلة أصلاً بشتى أنواع الأزمات.
    من مطلب الهوية إلى المطلب التاريخي:
    في منطقة القبائل الملتهبة على الدوام، تنتشر جملة غير منتهية من الآراء ووجهات النظر فيمكننا أن نلاحظ أن المنطقة تشهد أكبر تواجد للشيوعيين،والديمقراطيين، والاشتراكيين، والليبراليين، والنقابيين و حتى الشعراء و الفنانين و المفكرين من مختلف الأطياف على الرغم من أنها لا تشكل في حقيقتها سوى ما يناهز سدس الجزائريين.
    إن بلاد القبائل، بلاد الرجال الأحرار والثوار كما يسمون أنفسهم، كانت منذ عقود مسرحاً لأزمات هوية مرتبطة في كل مرة بمطالب سياسية كالأحداث التي تلت الاستقلال بين السلطة المركزية و زعيم المنطقة التاريخي حسين آيت أحمد وصولاً إلى مآسي ربيع ،1980 و ما صاحبها من أحداث خطيرة، و ما نتج عنها من تشكيل للحركة الأم، والتي لاتزال حتى الساعة المؤطر الأساسي لكل ما يقع هناك "الحركة الثقافية البربرية" تعريجاً على أزمة 1992 عقب اندحار الديموقراطيين أمام الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية الملغاة وحتى اغتيال المغني "معطوب لوناس" الناطق باسم مطالب شباب المنطقة عام 1998 لتعرف الصدمات ذروتها في 2001 عقب مقتل أحد شبابها المتحمسين لمطالبها على يد أفراد أمنيين، وهي الصدامات التي بمقدورنا وصفها بأنها نتيجة منطقية لأربعة عقود من النضال ضد نظام مركزي أصم، زيادة على أنها في جوهرها لم تأخذ أي مظهر سياسي بما أن قيادتها صارت تسير بأسماء شباب لم يظهروا من قبل على مسرح الأحزاب السياسية الفاعلة في المنطقة بالإضافة إلى تخليها عن الغطاء الأيديولوجي الاعتيادي من خلال انصهارها تحت مسمى "حركة العروش" و الكلمة تعني في اللسان الجزائري الولاءات القبلية، وهذا التطور ذو دلالة محورية في فهم القضية بما أنه يعني المرجعية التاريخية للمنطقة، والتي هي أكبر حتى من مجرد مطلب الهوية، ويكمن عمقها في أنها أفرزت ظواهر لم يكن حتى في مقدور السلطات الاستعمارية إيجادها على الرغم من طول حقبة الوجود الفرنسي في الجزائر (132 سنة، من 1830 إلى 1962)؛ إذ لم يتسنَّ هذا لجمعيات مثل تلك التي كان يقودها المنصر الفرنسي وقتها (الكاردينال شارل دو لافيجري الذي صار أسقفا على الجزائر في العام 1867) و المعروفة تاريخياً باسم "جمعية الآباء البيض" بالتعاون مع "راهبات السيدة الإفريقية".
    إن التحول عن الإسلام إلى المسيحية في الجزائر لم يكن ظاهرة معروفة؛ لأن الجزائريين الذين كانوا يفعلون ذلك إبان الحقبة الاستعمارية كانوا يوصمون مباشرة بالعمالة و الخيانة، ولكن هذا المأزق الأخلاقي زال الآن، ولم يعد أحد يربط بين الأمرين زيادة على أن أصوات ترتفع بين الفينة و الأخرى محاولة نبش التاريخ والإدعاء بأن ماضي المنطقة مسيحي يسبق الوجود الإسلامي بعدة قرون، وهذا التفكير هو ما يؤمن به هؤلاء "المهديون الجدد" في الجزائر حالياً؛ إذ يكفيك أن تسأل أي واحد منهم ليخبرك بأن الأصل في البلاد هي المسيحية من غير أن يقول لك الحقيقة كاملة؛ لأنه لا أحد حتى الآن يعترف أن جهود تنصير البربر استمرت زهاء أربعة قرون، من القرن الأول الميلادي و حتى أواسط القرن الخامس، في حين لم تستغرق الفتوحات الإسلامية غير قرن واحد -650 إلى 750 ميلادية- على الرغم من حدوثها بالتوازي مع مشكلات عصفت بالمشرق الإسلامي من خلال أحداث الفتنة الكبرى و تضعضع أساسيات الدولة الإسلامية كما هو معروف، إلا أن الأمانة التاريخية تلزمنا على أن نقول: إن الجيوب المسيحية لم تندثر حتى العام 1160 مع الملاحظة أن بقاءها لم يكن لولا سماحة الإسلام و رحابة صدر تعاليمه.
    رغم هذا، لا يتورع "المسيحيون القبائل" على الاستشهاد "بالجذور المسيحية البربرية" لأجل تأكيد القطيعة غير القابلة للتراجع مع العروبة و الإسلام بما أن هذين الأخيرين يمثلان النظام في العاصمة و لكي تتوضح المشكلة بشكل أفضل سأسرد هنا نموذجاً لما كتبه أحدهم على أحد منتديات الشبكة العنكبوتية (1) يقول: "الفرق بين الإسلام و المسيحية هو أن الثانية تقبل حريتي من أنني بربري؛ فهي تفهم و تحب لغتي. كم عدد هؤلاء العرب المسلمون الذين أثبتوا حسن صداقتهم معنا؟ إعجابهم بثقافتنا؟ كم عدد الذين حاولوا أن يتعلموا لغتنا؟ من منهم كان مثل هؤلاء المهاجرين إلينا من ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و إيطالي " ؟
    إن هذا النموذج البسيط هو غيض من فيض، ولقد اخترته لأنه قد يعين على فهم المشكلة التي تواجه هؤلاء الشباب و تجعلهم صيداً سهلاً أمام مغريات نشاطات التبشير العالمي تتربصه بشتى وسائل الإقناع، وتمنحه كل مستلزمات الحياة الرغيدة في مقابل عدم اكتراث محزن من قبل الجهات الرسمية، المخولة قانوناً و شرعاً، الدفاع عن مقدسات الأمة و عناصر هويتها.
    عوامل التنصير:
    التنصير في منطقة القبائل بالجزائر ليس عملاً تلقائياً عرضياً، فهو اليوم، مثلما كان بالأمس، جزءاً من إستراتيجية عالمية موجهة و ممولة لأجل تنصير الشعوب المسلمة، و هذه الإستراتيجية الجديدة تم وضعها بعيداً عن المرجعية الكاثوليكية لأجل الوقوف في وجه الإسلام بما أنه الديانة الوحيدة التي تتطور بسرعة تفوق سرعة تطور المسيحية الإنجيلية، وبما أن المسيحية التقليدية قد تراجعت الآن في بلدانها القديمة كمصر و فلسطين، لبنان، سورية، العراق و غيرها، زيادة على أن الكنيسة لم يكن لها وجود مطلقاً في أفريقيا الشمالية، و هذا ما يعني تهديداً حقيقياً للغرب بما أن مئات الآلاف من الأوروبيين صاروا الآن مسلمين أحياناً بناء على صداقات بسيطة و مرات نتيجة زيجات مختلطة، بل و حتى بسبب زيارات للبلاد الإسلامية، ومن هنا فالعمل يجري لأجل إيجاد موجة تواجه الصعود الإسلامي، و لِمَ لا يجري تحويل اتجاهها مثلما يقول الدكتور بول جيش الذي عمل بداية تسعينيات القرن الماضي باحثاً علمياً بجامعة الجزائر العاصمة، و هو الآن يرأس "الإرساليات الإنجيلية وسط الأمم الناطقة بالعربية"، والتي هي الفرع الفرنسي من تنظيم عالمي أشمل هو "إرساليات العالم العربي" فهو يقول: "إن المسيحيين يرقبون الإسلام الذي شهدوا ميلاده و تطوّره، إننا نراقب هؤلاء المليار من البشر الذين يؤمنون به، و ينتظمون حوله من غير الحاجة إلى كهانة و رجال دين. إن الإسلام الذي جاء بعد فترة طويلة من زمن الحواريين، يطرح قضايا تصعب الإجابة عنها، إننا لا نفهم كيف ما زال هذا العدد الهائل من البشر يؤمنون به على الرغم من أن الإنجيل يُنشر بواسطة الكتب و الإذاعات إلى جانب الدعوات التنصيرية ‼️"
    لقد تأسست منظمة "إرساليات العالم العربي" خلال العام 1883 لأجل إتمام مشروع تنصير انطلق في جبال القبائل من طرف بريطانيين بمساعدة سويسري و آخر سوري ومع مرور الوقت، وسعت هذه النشاطات من عملها لتشمل كامل منطقة الشمال الإفريقي. أما الفرع الفرنسي منها فهو ينشط من فرنسا منذ العام 1980 بهدف التنسيق مع الكنائس المتواجدة هنا في سبيل إيجاد معاهد للتكوين الإنجيلي مع المسيحيين المنحدرين من أصل مسلم، حيث تنشط جمعيات مثل تلك المسماة "إرسالية رولاند" و التي كانت قد تأسست العام 1908، ولا تزال حاضرة إلى اليوم يتولى تسييرها صهر و ابنة مؤسسَيْها أو "كنيسة فيلادلفيا" المتواجدة في مرسيليا و تشرف على نشاط تبشيري تسميه "اليقظة في الجزائر" إلى جانب عدة جمعيات أخرى حديثة نسبياً تتوزع هنا و هناك على شاكلة: منتدى القساوسة، جمعيات الرب الجزائرية، و الكنيسة الإنجيلية الحرة، ولكن أشهرها هي بالتأكيد تلك المسماة "الجمعية المسيحية للتعبير البربري" المؤسسة في الجزائر العام 1987 بهدف إنتاج وسائل مسيحية خاصة بالقبائل (أشرطة سمعية و بصرية، ترجمات بربرية للإنجيل بالإضافة إلى الأناشيد و الترانيم) إلى جانب أنها ساهمت في إقامة عدة كنائس بالمنطقة خصوصاً ناحية بجاية الواقعة إلى الشرق من تيزي وزو (3)، وأما على الهواء فإن إذاعة "المحبة" ترسل برامجها على مدار الساعة عبر القمر الاصطناعي الأوروبي أوتلسات هوت بيرد 3، 13° شرقا بتردد 12470 ميجاهرتز، ثم هنالك أيضاً القناة التلفزيونية الشمال أفريقية، والتي يتولى تسييرها قبائلي (4) و التي تبث "البشارة" لكل سكان العَدْوة الجنوبية للمتوسط باللهجات المتداولة فيها، وتشارك في تقديم برامجها عدة جمعيات ناشطة في ميدان التبشير و الدعوة التنصيرية بالميدان من أمثال الـACEB و arabvision و تلفزيون الحياة Life TV، ولعل القارئ هنا سوف تتوضح لديه الصورة بطريقة أعمق حينما يقرأ هذا التعليق الذي بعث به أحد مشاهدي CNA يقول فيه: "إن قناتكم هي بمثابة نور يضيء حياتي المظلمة،.. إنني أبلغ السابعة و الثلاثين، وعلى الرغم من أنني متعلم و أشغل وظيفة محترمة إلا أنني فقدت كل شيء: الشباب، الأمل، العائلة. فقدت الثقة بنفسي و صرت أخشى أي شيء. إنني أشعر بالقلق و الخوف كلما فكرت في حياتي الخاصة. حاولت أن أغادر الجحيم (بلادي) دون جدوى. إنني حينما صادفت قناتكم و تتبعت برامجكم، أحسست أن نوراٍ صغيراً يشتعل أمامي على الأفق، وعلمت بطريقة ما أن الرب لن يتخلى عني، وأن هذا هو الأمل الذي كان ينقصني.. لقد أدركت أن السلامة هي مع يسوع و برحمته".
    ما مكمن الخطر في كل هذا؟
    إن التنصير في الجزائر لا يهدد الكيان المجتمعي فحسب، بل إنه يعمل بدقة متناهية لأجل إيجاد أقلية تنفذ المشاريع الاستعمارية الكبرى منها، بدعوى حماية الأقليات خصوصاً إذا كانت هذه الأخيرة من الحيز المسيحي العالمي؛ إذ إن معايير صراع الحضارات لم تنتج عبثاً و من غير التعويل على توظيف مقتضياتها بما أن كل موازين القوى سائرة في اتجاه وحيد.
    إن الإستراتيجية الدولية للتنصير التي تستهدف الشعوب المسلمة ترتكز على عوامل منتظمة بالإضافة إلى الاعتماد على خطاب معد ومطور ليضاهي النص القرآني، ولهذا فإن المنصرين يدركون تمام الإدراك الحد المعرفي المتوفر عند كل المسلمين عن الإنجيل و التعاليم النصرانية، ولهذا فهم يقدمون خطاباً عالمياً يتفادى التدقيق في خصوصيات التقاليد المسيحية البالية، بما أن المنصرين يكونون حتماً قد تلقوا تعليمات تمنهج سبل الدعوة، لهذا فليس غريباً أن تجد من بين شعارات الجمعيات العاملة في هذا المشروع نصا مقتبساً مما يسمونه هم "إنجيل متّى" و "إنجيل مرقص" يرد فيهما: "أوصانا يسوع بأن نجعل من كل الأمم إخواناً لنا".
    المنصرون الجدد يعرفون ايضاً أنه قد سبق في الماضي وأن عمل في ذات الأرض منصرون آخرون لفترات بلغت عدة سنوات في مرات كثيرة دون أن يتمكن أي منهم من أن ينصر مسلماً واحداً، و لهذا فإنه قد يصادف أن تجد بينهم من يجرؤون على مناقشة النصوص القرآنية، بل ولا يتورّعون حتى على تقبل النقد القرآني فتراهم يتظاهرون بتقبل هذه الإشارات القرآنية، ويعترفون بخطأ بعض "الأناجيل" و كل هذا لا هدف له غير تمرير الرسالة التي جاؤوا لأجلها.
    إنهم يتفادون كذلك التشكيك في نبوة محمد -صلى الله عليه و سلم- و لا يتعرضون لقضية ورود اسمه في الإنجيل من عدمه؛ لأنهم يعلمون أن أغلب المسلمين سوف يسألونهم عن هذا لذلك تجدهم يفسرون كل هذا بتعدد الأناجيل و مشكلات الترجمة التي غيرت بعضها المقاصد الأصلية للنصوص، وهي حجة- كما ترى- واهية إلا أنها كافية لأن يقبلها بعض البسطاء.
    إذا سألت أي جزائري عن الأمر، وعن صحة تحوّل المسلمين إلى النصرانية فإنه سوف يقول لك: إن هؤلاء لم يفعلوا ذلك إلا بدافع الحصول على الفوائد التي يتيحها مثل هذا الأمر.
    هذا لعمري أمر صادق في بعض الحالات، و لكنني لست متأكداً من أنه ينطبق على كل الذين ساروا في هذه السبيل؛ لأنه يجب القول أيضاً: إن الكثيرين منهم هم من الميسورين الذين ليسوا بحاجة لمثل هذه المغريات، ثم إن الكثيرين منهم هم من شباب الجامعات على عكس ما سمعته من السيد بو عبد الله غلام الله حينما قال على قناة العربية، وأنا بصدد كتابة المقال: "لم أر جامعياً واحداً تنصّر"؛ لأن الحقيقة مثلما قالت الصحف الجزائرية قبل فترة: إن غرفاً كثيرة من الأحياء الجامعية في العاصمة و مدن إقليم القبائل خاصة صارت مراكز إجراء طقوس التعميد و ما شابه ذلك.
    يجب التنبيه أيضاً إلى أن نشاطاً تنصيرياً مكثفاً يجري الآن في منطقة "الطوارق" في أقصى جنوب الجزائر بالموازاة مع حدوث ذات الأمر في كل دول الجوار أو ما يُعرف بدول الساحل، و الأمر لا ينبغي القول بأنه يدخل في سياق العمل على مراقبة نشاط الجماعات المسلحة فحسب؛ لأن التذكير بأن الإحصاءات العالمية الرسمية تقول بأن "المسيحية الإنجيلية" -التي ينتمي إليها آل بوش- هي الديانة الأسرع نمواً في العالم في الوقت الراهن، والمنصرون الإنجيليون لا يتورعون عن القيام بأي شيء في سبيل تحقيق رسالتهم في مقابل وهن إسلامي سوف يتضح أمام القارئ حينما أقول له: إن جريدة الرياض السعودية (5) قالت في معرض حديثها عن هذه البلية التي تعرفها الجزائر: " تتحدث أرقام على أن عشرة جزائريين يتنصّرون يومياً" زيادة على أن هذا المد الإنجيلي لا يحدث من فراغ، بل إنه يقع بتوجيه مباشر من قبل لجان مختصة عالمية أبرزها لجنة في الكونجرس الأمريكي، ومكتب خاص لدى وكالة المخابرات الأمريكية، مما يجعلني أفهم سبب الصمت الرسمي العربي و الإسلامي عن الوقوف في وجهه.
    إن العمل على وقف هذا التسرب الخطير يتعدى مجرد الفرض الكفائي؛ لأننا مطالبون جميعاً بالتحرك الذي لا يحتمل التأجيل من أجل أن نعزل مثل هذا النشاط الذي لا يهدد ديننا فحسب بل إنه يتهدد وجودنا كأمة رسالة، وإذا كنت متيقناً من أن هذا الدين سوف يعود من جديد؛ لأن الحق -تبارك وتعالى - تعهد بحفظه فإنني لست متيقناً من أننا لسنا مذنبين؛ لأننا حقيقة متورطون بالتقصير في حقه و نصرته، و الواقع يثبت أننا نملك الآن كل مقومات تطهير يومياته من هذا الدنس الذي شوّه الوجه المشرق للحقيقة التي نحن أمناء عليها.

    عبد الحق بوقلقول –الجزائر
    موقع إسلام اليوم

    (1) موقع www.elkechfa.com .
    (2)الحركى هو اللقب الذي كان يطلق على الجزائريين الذي تعاونوا مع فرنسا الاستعمارية ضد الثورة التحريرية.
    (3)موقع هذه الجمعية على الإنترنت www.aceb.net
    (4)موقع القناة على الويب www.cna-sat.org
    (5)انظر جريدة الرياض ليوم الخميس 16 جمادى الأولى 1426هـ - 23 يونيو 2005م - العدد 13513

    طباعة

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 3:41 am