منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    نظرية التلقي.............................................2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    نظرية التلقي.............................................2 Empty نظرية التلقي.............................................2

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 8:03 am


    - الوساطة بين التحليل الجمالي ، والشكلي ، والتاريخي ، والتحليل المرتبط بالتلقي ، وكذا بين الفن والتاريخ والواقع الاجتماعي.

    - ربط المناهج البنائية والمناهج التأويلية.

    - سبر أعماق جمالية التأثير ( التي لم تعد ترتبط بالوصف وحده ) ، وبلاغة جديدة تستطيع فعلا تفسير الأدب " الراقي " وكذا الأدب الشعبي وظواهر وسائل الإعلام في آن واحد .

    من خلال هذه المقتضيات يتضح لنا الطابع التركيبي لنظرية التلقي ؛ حيث أن هذه الأخيرة تسعى إلى تجاوز النزعة البنائية والشكلانية المعتمدة على الوصف وتجاوز النزعة التاريخانية التي تعتمد على تفسير الحدث محاولة بذلك تركيب هذين التوجيهين بفتحها على القارئ وعلى الهرمينوطيقا ، بغية إحداث بلاغة جديدة تكسر الحدود ما بين ما اصطلح عليه بالأدب الراقي والأدب الشعبي.

    من توقعات القاريء الى معنى التجربة الجمالية(3)

    يعد الناقد والمؤرخ الأدبي هانز روبرت يدوس (1921-1997) من أبرز أعلا مدرسة كونستانس التي عني أفرادها بصورة عامة، بعلاقة دلالة النص الأدبي بالقاريء. وقد طور ياوس، مع زملائه في جامعة كونستانسى الألمانية، وعلى رأسهم وولفغانغ آيسر، ما عرف في سنوات الستينات والسبعينات بـ " نظرية التلقي ". وكان لأستاذه هانز جورج نما داعر، الذي درس على يديه في جامعة هايديلبيرغ، أكبر الأثر على أفكاره التي دارت حول معنى التأويل وعلاقة ما يتوقعه القراء من العمل الأدبي في زمن بعينه، بمعنى هذا العمل وتاريخيته.

    درس يدوس فقه اللغات الرومانسية والنقد الأدبي في جامعة كونستانس، كما درس أيضا في جامعتي كولومبيا وييل الأمريكية ن وجامعة السوربون في فرنسا، وتركزت التاثيرات الأساسية على عمله النقدي في تأويلية غادامر وشعرية الشكلانيين الروس حيث تنازعه مزان التياران، من تيارات التفكر النقدي، على مدار أعماله ويلحظ الدارسون هذه التأثيرات في حوليات مدرسة كونستانس، التي بدات في اصدارها منذ عام 1963،.

    والتي ظلت تصدر تحت عنوان "الشعريات والتأويل "، وهما كلمتان تبينان حالة الانقسام داخل المدرسة بين تيارين أساسيين في مجموعة "نظرية التلقي" الألمانية يحاولان، رغم تباين وجهات النظر حول معنى العمل الآدبي ان يتوصلا الى طبيعة العلاقة التي تقوم بين النص والقاري، ففي الوقت الذي يركز التأويل على تحديد المعنى تقوم الشعرية بالوصف العلمي للنص دون الانشغال بالدلالة.

    من الواضح في عمل هانز روبرت يدوس انه ينتمي الى التيار الذي يشدد على تأويل النص وتاريخيته وتركز أعماله الأولى على تجديد معنى "التاريخ الأدبي" وجعله يحتل قلب الدراسة الأدبية. ومع أنه لا يدعو الى العودة الى التركيز على حياة المؤلف وبينته التاريخية، كما يفعل النقد التقليدي، فإن جوهر دعوته النقدية يتمثل في محاولة التوفيق بين الجدل التاريخي الماركس والشكلانية الروسية. لكنه في الوقت نفسه يرفض النظرية الماركسية في الانعكاس لأنها تختزل العمل الأدبي الى عملية نسخ وظيفي للواقع. وهو، رغم تأثره الواضح بالشكلانيين الروس وخصوصا بمفهوم "نزح الالفة " الذي صكه الناقد الشكلاني الروسي فكتور شكلوفسكي، يشدد على أن عملهم غير كاف لأنه "لا يرى العمل الفني في التاريخ، أي في أفق انتاجه التاريخي، ولا يعاين وظيفته الاجتماعية، وأثره التاريخي." (نحو فهم جمال لعملية التلقي، ص 18).

    في اعتراض مواز لنقدد عمل الشكلانيين الروس يقول ياوس أن اصرار الناقد البنيوي الفرنسي رولان بارت على "لعبة القناص الحر. التي لا حدود لها" لا تنتب قراءات تاريخية، أو جمالية. وبالمقابل فإن مدرسة التأويل الأدبي (الهيرمونيطيقا) "تقدم فرضية شديدة الأهمية وهي أن تعيين معاني الأعمال الأدبية يتطور تاريخيا ويستند الى منطق محدد مما يساعد في تشكل المعايير الأدبية. ويضيف على جديدا الى سلسلة الأعمال الأدبية الكبرى، كما يساعد في عملية تحول هذه المعايير على مدار التاريخ. والأهم من ذلك أن هذه الفرضية تسمح بعملية التمييز بين "التأويلات الاعتباطية وتلك التأويلات التي حظيت بنوء من الاجماع " بين القراء والنقاد والدوائر الأدبية المختلفة. (نحو فهم جمالي، ص 148).

    في هذا السياق صاغ يدوس تعبير "أفق التوقعات " ليفسر أسس عملية الاستقبال الأدبي حيث تتحدد قيمة أي نص بالاستناد الى المسافة التي تقوم بينه وبين "أفق التوقعات ".

    يذكرنا مصطلح "أفق التوقعات " بتعبير " اندماج الآفاق " الذي صاغه وفسر استنادا اليه عمليات فهم الماضي والآخر، اذ بدلا من الحديث عن الفهم كحقيقة موضوعية يرى غا دامر أن الفهم لا يتحقق الا من خلال تكييف المعنى وتسوية الخلاف في وجهات النظر. ان عملية القراءة، حسب غا دامر،هي نوع من تجسير الفجوة بين الماضي والحاضر، ونحن إذ نمارس فعل القراءة في الحاف لا نستطيع التخلص من الأفكار الجاهزة والتميزات المستقرة في ثقافتنا. ولكننا مم ذلك نستطيع في هذا الأفق المحدود تاريخيا اذن نتوصل الى بعض الفهم الذي يمكننا من القاء بعض الضوء على النصوص القديمة. وفي أثناء عملية الفهم هذه قد يحصل نوع من الاندماج بين " أفق توقعاتنا" وآفاق كتابة الماضي وقراءته.

    ومع أن يدوس يحاول، في فهمه علاقة العمل الأدبي بالمتلقي أن يفسر الطبيعة المتغيرة لمعنى العمل الأدبي، إلا أن تأثيرات في غادامر ومارسته التأويلية، التي تشدد على أن المعنى لا يتحقق الا عبر علاقة مجاورة أو من خلال المصادفة،واضحة في عمله. لكن الاختلاف بين غادامر ويدوس يكمن في طبيعة مشروع يدوس. انه لا يعني بالتركيز على المؤلف،أو النص، أو التأثيرات الأدبية بل هي عملية تلقي النحى بدءا من رهن كتابته وانتهاء بعملية تأويله من قبل القاريء أو مجموعة القراء في الوقت الحاضر. ليس النص في هذه الحالة، وجودا موضوعيا محاطا بعدد غير محدود من التأويلات التي تشكل ظلالا شبحية له، بل إن هوية هذا النص لا تتحقق الا في أفق عملية استقباله، ومن خلال عملية التأويل الجماعي لأجيال متتالية من القراء.

    يقول يدوس في مقالته الشهيرة، " التاريخ الأدبي بوصفه تحديا للنظرية

    الأدبية (1970).

    لا تستند تاريخية الأدب الى من مسممة " الحقائق الأدبية " (...لا بل الى التجارب السابقة للقراء مع العمل الأدبي".

    يثير العمل الأدبي بهذا المعنى، أصداء مختلفة لدى القراء ومن ثم يحرر نفسا من مادية الكلام ويحقق وجودا في العالم المعاصر. ومن هنا فإن تأريخ الأدب يتشكل من عملية التلقي والانتاج الجمالي على صعيد القاريء والناقد والمؤلف في سيرورة انتاجه الأدبي. أن النص يقيم حوارا لا ينقطه بين الماضي والحاضر حيث يتم فهم الماضي واستقبالة من خلال الأفق الثقافي للحاضر. ولكي يصبح فهم الماضي ممكنا يطالب يدوس بنوع من "اندماج الآفاق " لتوحيد الماضي والحاضر.

    ان يدوس يموضع العمل الأدبي في " أفقه " التاريخي، وفي سياق المعاني الثقافية التي سبق انتاجها، ثم يعمل على تفحص العلاقات المتغيرة بين هذه المعاني و" الآفاق " المتغيرة لقراء العمل التاريخيين. وهدف الناقد الألماني، من هذا الاختبار، هو خلق نور؟. جديد من التاريخ الأدبي الذي لا يركز على المؤلف ن والتأثيرات والتيارات الأدبية، بل على تأويلات الأدب في لحظات "استقباله " التاريخية. وحسب نظرية يدوس فإن الأعمال الأدبية لا تبقى ثابتة. في الوقت الذي نتغير التأويلات بل أن النصوص والتقاليد الأدبية نفسها تتغير استنادا الى "الآفاق " التاريخية التي تستقبل ضمنها.

    لكن كيف يمكن للعمل الأدبي الجديد، الذي ينتهك القواعد المستقرة المعروفة لدى القراء، أن يقدم نفسه ؟

    يرى هانز روبرت يدوس أن العمل الأدبي الجديد لا يقدم نفسه للقاريء بوصفه جديدا تماما. انه يعرض نفسه على القاريء من خلال الاشارات الصريحة والمقنعة والتلميحات الضمنية والخصائص المالوفة بالنسبة للقاريء موقظا بذلك بعض الذكريات في نفسه جاعلا اياه يتوقع شكل بداية القحل ونهايته حيث يعمل في هذه الحالة على مخالفة توقعات القاريء واعادة توجيهه، على. مدار النص أو ايقاظ حسن المفارقة فيه بحيث يكون باستطاعة الكاتب ان منوه على هذا التوقعات أو مقوم بتغيرها أو تصحيحها أو اعادة انتاجها. كل ذلك يحدث استنادا الى القواعد والقوانين الخاصة بالنوع. بالشكل الأدبي للنص لكي يحدث. ما يسميه يدوس. " تغيرا في آفاق التوقعات ". وهو يخالف بذلك جماعة سوسيولوجيا الأدب الذين يحقدون أن الكاتب موثق الى جمهور قرائه، الى الوسط الذي يوجد فيه والى الاراء والايديولوجية السائدة في زمنة بحيث يتوجب عليه ان ينقب كتابا يوافق " توقعات قرائه ". ويقدم لهم الصورة التي يحبون أن يروها لأنفسهم.

    ان هذا النوع مدن الحتمية الوضعية مرفوض من قبل ياوس. وهو من خلال تفسيره كيفية دخول الأعمال الجديدة التي تنتقك " توقعات " القراء وكيفية استقبالهم للأعمال الأدبية، في السلسلة الادبية يفسر عملية التطور الأدبي وتطور الأشكال وتغيرات.أثارات مقالة هانز روبرت يدوس "التاريخ الأدبي بوصفه تحديا للنظرية الادبية " ردود فعل كثيرة في ألمانيا. وقد واصل الناقد الألماني الغربي بتأثير ردود الفعل هذه الدفاع عن التصوراته النظرية التي طرحها في مقالته الشهيرة. ولكنه في الوقت نفسه قام بتعديل همزه التصورات منذ سنوات السبعينات أكثر من مرة، في معاركة النقدية مع ممثلي مدرسة فرانكفورت ونخص بالذكر هنا انتقاداته لعمل ثيودور

    ادورنو، اورده على النقاد الذين ينتمون الى جمهورية المانيا الديمقراطية مسابقا.

    أن ثيودور ادورنو اذ يبحث، في كتابه "نظرية علم الجمال " (وقد نشر بعد وفاته )، معنى الثيمات الأساسية في علم الجمال _ استقلالية العمل الأدبي والعمل الأدبي بوصفه ظاهرة اجتماعية _ تاريخية والجمال المشترك بين الطبيعة والفن - يشدد على دور علم الجمال الفلسفي في فهم طبيعة الفن الحداثي، الذي يصر على النفي السلبي للمجتمع كنوع من النقد الاجتماعي والكفاح ضد التكيف الاجتماعي والسلبية اللاعقلانية التي سادت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا فإن الفن العظيم بالنسبة لادورنو هو بمثابة المزاولة التاريخية - الفلسفية التي تضيء جوانب من الواقع الاجتماعي ولكنها تنكره وتوجه أشد الانتقاد له في الوقت نفسه. انه بهذا المعنى ينكر أي دور تغييري مباشر للفن في المجتمع.

    يعارض يدوس نظرية أدورنو قائلا ان بامكان الأدب والفن أن يلعبا دورا تقدميا في المجتمع، وينتقد النظرة النخبوية للفن ومفهوم استقلالية العمل الأدبي والتجربة الجمالية نفسها، والمتعة المتضمنة في التواصل مع العمل الأدبي أو الفني وهو يقوم من ثم باستبدال مصطلحه، الأثير على نفسه، "أفق التوقعات " بتعبير التجربة الجمالية بوصفها المتعة الذاتية التي يحصل عليها المرء من خلال التواصل مع متعة جمالية الأخرى.

    لقد تعرضت نظرية "التلقي" لهجوم عنيف من قبل عدد من نقاد ألمانيا الديمقراطية في أوائل السبعينات حيث عدوها نتيجة منطقية لرفض مدرسة "التلقي" الالمانية الغربية، الاقرار بتشخيص الماركسية لتنقاضات المجتمع البرجوازي، وقد اختار هؤلاء هانز روبرت يدوس لتوجيه انتقادات عنيفة لعمله، بسبب محاولته تطعيم نظريته في الدراسة الأدبية بمفهوم ذاتي غير ماركسي للتاريخ. ومن بين أبرز نقاد جمهورية المانيا الديمقراطية (سابقا) روبرت فايمان الذي يؤكد في كتابه "البنية والمجتمع في التاريخ الأدبي" (1976) أن عمل يدوس يقع أسير مذهب الذاتانية الخالصة عندما يعتقد أن وعي القراء الأفراد هو الذي يحدد التاريخ بصورة نهائية. كما أنه ينتقد يدوس قائلا أنه لا يزودنا بأية معايير نستند اليها لتقييم النص أو عملية التلقي والحكم عليهما.

    بسبب هذه الانتقادات لطبيعة فهم يدوس للعملية المثلثة الاطراف، المنتج الأدبي _ النص _ المتلقي، أدرك يدوس وجوه التقصير في نظريته فتحول من التشديد على عملية التلقي الى التشديد على التجربة الجمالية.

    لقد أصبحت اهتمامات هانز روبرت يدوس ء في فترة السبعينات ء ذات طبيعة تأويلية خالصة، وأصبح تعبير "التجربة الجمالية " يتردد بصورة مستمرة في معظم كتاباته، حتى أن كتابه الأساسي الذي أصدره بالالمانية عام 1977 حمل عنوان "التجربة الجمالية ونظرية التأويل الأدبي" (وهو يضم مقالة بالعنوان نفسه كان اصدرها عام 1972). في هذا الكتاب يميز يدوس بين أنواع ثلاثة من التجربة : انتاج الممارسة الجمالية، وعملية التلقي، والعملية التواصلية (التي تحقق عملية التطهير، مما يذكر بالفهم الأوسطي لوظيفة العمل الأدبي). ويمكن القول أن النوع الثالث من أنواع التجربة، ممثلا بالعملية التواصلية، يحتل في هذه المرحلة من مراحل تفكير يدوس بؤرة مركزية وهو يعرفه بأنه "متعة الشاعر التي يحركها الكلام أو الشعر الذي يستطيع أن يحدث تغييرا في المعتقد، ويؤدي في الوقت نفسه الى تحرير عقل السامع أو المتشاهد "أي أن التجربة الجمالية تحقق ثلاث وظائف في المجتمع : فهي تعمل على ايجاد المعايير والقيم، وانها تبقي على المعايير السائدة في المجتمع، أو ترفض التكيف مع هذه المعايير السائدة.

    بناء على هذا التصور النظري الجديد للعلاقة بين النص والقاريء يرى يدوس أن هناك خمسة أنماط من التفاعل بين العمل الأدبي وكيفية تلقيه : وهي علاقات التداعي،والاعجاب، والتعاطف والتطهير، والاحساس بالمفارقة، ومن ثم فإنه يوفر نموذجا شاملا لفهم العلاقة بين علم الجمال وعملية استقبال الأعمال الأدبية، متوجا بذلك نظريته في التلقي التي ركزت في البداية على بنية " توقعات " القراء وانتهت الى التشديد على معنى التجربة الجمالية ووظائفها المتحققة من خلال عملية القراءة.

    يعد الناقد والمؤرخ الأدبي هانز روبرت يدوس (1921-1997) من أبرز أعلا مدرسة كونستانس التي عني أفرادها بصورة عامة، بعلاقة دلالة النص الأدبي بالقاريء. وقد طور ياوس، مع زملائه في جامعة كونستانسى الألمانية، وعلى رأسهم وولفغانغ آيسر، ما عرف في سنوات الستينات والسبعينات بـ " نظرية التلقي ". وكان لأستاذه هانز جورج نما داعر، الذي درس على يديه في جامعة هايديلبيرغ، أكبر الأثر على أفكاره التي دارت حول معنى التأويل وعلاقة ما يتوقعه القراء من العمل الأدبي في زمن بعينه، بمعنى هذا العمل وتاريخيته.

    درس يدوس فقه اللغات الرومانسية والنقد الأدبي في جامعة كونستانس، كما درس أيضا في جامعتي كولومبيا وييل الأمريكية ن وجامعة السوربون في فرنسا، وتركزت التاثيرات الأساسية على عمله النقدي في تأويلية غادامر وشعرية الشكلانيين الروس حيث تنازعه مزان التياران، من تيارات التفكر النقدي، على مدار أعماله ويلحظ الدارسون هذه التأثيرات في حوليات مدرسة كونستانس، التي بدات في اصدارها منذ عام 1963،.

    والتي ظلت تصدر تحت عنوان "الشعريات والتأويل "، وهما كلمتان تبينان حالة الانقسام داخل المدرسة بين تيارين أساسيين في مجموعة "نظرية التلقي" الألمانية يحاولان، رغم تباين وجهات النظر حول معنى العمل الآدبي ان يتوصلا الى طبيعة العلاقة التي تقوم بين النص والقاري، ففي الوقت الذي يركز التأويل على تحديد المعنى تقوم الشعرية بالوصف العلمي للنص دون الانشغال بالدلالة.

    من الواضح في عمل هانز روبرت يدوس انه ينتمي الى التيار الذي يشدد على تأويل النص وتاريخيته وتركز أعماله الأولى على تجديد معنى "التاريخ الأدبي" وجعله يحتل قلب الدراسة الأدبية. ومع أنه لا يدعو الى العودة الى التركيز على حياة المؤلف وبينته التاريخية، كما يفعل النقد التقليدي، فإن جوهر دعوته النقدية يتمثل في محاولة التوفيق بين الجدل التاريخي الماركس والشكلانية الروسية. لكنه في الوقت نفسه يرفض النظرية الماركسية في الانعكاس لأنها تختزل العمل الأدبي الى عملية نسخ وظيفي للواقع. وهو، رغم تأثره الواضح بالشكلانيين الروس وخصوصا بمفهوم "نزح الالفة " الذي صكه الناقد الشكلاني الروسي فكتور شكلوفسكي، يشدد على أن عملهم غير كاف لأنه "لا يرى العمل الفني في التاريخ، أي في أفق انتاجه التاريخي، ولا يعاين وظيفته الاجتماعية، وأثره التاريخي." (نحو فهم جمال لعملية التلقي، ص 18).

    في اعتراض مواز لنقدد عمل الشكلانيين الروس يقول ياوس أن اصرار الناقد البنيوي الفرنسي رولان بارت على "لعبة القناص الحر. التي لا حدود لها" لا تنتب قراءات تاريخية، أو جمالية. وبالمقابل فإن مدرسة التأويل الأدبي (الهيرمونيطيقا) "تقدم فرضية شديدة الأهمية وهي أن تعيين معاني الأعمال الأدبية يتطور تاريخيا ويستند الى منطق محدد مما يساعد في تشكل المعايير الأدبية. ويضيف على جديدا الى سلسلة الأعمال الأدبية الكبرى، كما يساعد في عملية تحول هذه المعايير على مدار التاريخ. والأهم من ذلك أن هذه الفرضية تسمح بعملية التمييز بين "التأويلات الاعتباطية وتلك التأويلات التي حظيت بنوء من الاجماع " بين القراء والنقاد والدوائر الأدبية المختلفة. (نحو فهم جمالي، ص 148).

    في هذا السياق صاغ يدوس تعبير "أفق التوقعات " ليفسر أسس عملية الاستقبال الأدبي حيث تتحدد قيمة أي نص بالاستناد الى المسافة التي تقوم بينه وبين "أفق التوقعات ".

    يذكرنا مصطلح "أفق التوقعات " بتعبير " اندماج الآفاق " الذي صاغه وفسر استنادا اليه عمليات فهم الماضي والآخر، اذ بدلا من الحديث عن الفهم كحقيقة موضوعية يرى غا دامر أن الفهم لا يتحقق الا من خلال تكييف المعنى وتسوية الخلاف في وجهات النظر. ان عملية القراءة، حسب

    غا دامر،هي نوع من تجسير الفجوة بين الماضي والحاضر، ونحن إذ نمارس فعل القراءة في الحاف لا نستطيع التخلص من الأفكار الجاهزة والتميزات المستقرة في ثقافتنا. ولكننا مم ذلك نستطيع في هذا الأفق المحدود تاريخيا اذن نتوصل الى بعض الفهم الذي يمكننا من القاء بعض الضوء على النصوص القديمة. وفي أثناء عملية الفهم هذه قد يحصل نوع من الاندماج بين " أفق توقعاتنا" وآفاق كتابة الماضي وقراءته.

    ومع أن يدوس يحاول، في فهمه علاقة العمل الأدبي بالمتلقي أن يفسر الطبيعة المتغيرة لمعنى العمل الأدبي، إلا أن تأثيرات في غادامر ومارسته التأويلية، التي تشدد على أن المعنى لا يتحقق الا عبر علاقة مجاورة أو من خلال المصادفة،واضحة في عمله. لكن الاختلاف بين غادامر ويدوس يكمن في طبيعة مشروع يدوس. انه لا يعني بالتركيز على المؤلف،أو النص، أو التأثيرات الأدبية بل هي عملية تلقي النحى بدءا من رهن كتابته وانتهاء بعملية تأويله من قبل القاريء أو مجموعة القراء في الوقت الحاضر. ليس النص في هذه الحالة، وجودا موضوعيا محاطا بعدد غير محدود من التأويلات التي تشكل ظلالا شبحية له، بل إن هوية هذا النص لا تتحقق الا في أفق عملية استقباله، ومن خلال عملية التأويل الجماعي لأجيال متتالية من القراء.

    يقول يدوس في مقالته الشهيرة، " التاريخ الأدبي بوصفه تحديا للنظرية الأدبية (1970).

    لا تستند تاريخية الأدب الى من مسممة " الحقائق الأدبية " (...لا بل الى التجارب السابقة للقراء مع العمل الأدبي".

    يثير العمل الأدبي بهذا المعنى، أصداء مختلفة لدى القراء ومن ثم يحرر نفسا من مادية الكلام ويحقق وجودا في العالم المعاصر. ومن هنا فإن تأريخ الأدب يتشكل من عملية التلقي والانتاج الجمالي على صعيد القاريء والناقد والمؤلف في سيرورة انتاجه الأدبي. أن النص يقيم حوارا لا ينقطه بين الماضي والحاضر حيث يتم فهم الماضي واستقبالة من خلال الأفق الثقافي للحاضر. ولكي يصبح فهم الماضي ممكنا يطالب يدوس بنوع من "اندماج الآفاق " لتوحيد الماضي والحاضر.

    ان يدوس يموضع العمل الأدبي في " أفقه " التاريخي، وفي سياق المعاني الثقافية التي سبق انتاجها، ثم يعمل على تفحص العلاقات المتغيرة بين هذه المعاني و" الآفاق " المتغيرة لقراء العمل التاريخيين. وهدف الناقد الألماني، من هذا الاختبار، هو خلق نور؟. جديد من التاريخ الأدبي الذي لا يركز على المؤلف ن والتأثيرات والتيارات الأدبية، بل على تأويلات الأدب في لحظات "استقباله " التاريخية. وحسب نظرية يدوس فإن الأعمال الأدبية لا تبقى ثابتة. في الوقت الذي نتغير التأويلات بل أن النصوص والتقاليد الأدبية نفسها تتغير استنادا الى "الآفاق " التاريخية التي تستقبل ضمنها.

    لكن كيف يمكن للعمل الأدبي الجديد، الذي ينتهك القواعد المستقرة المعروفة لدى القراء، أن يقدم نفسه ؟

    يرى هانز روبرت يدوس أن العمل الأدبي الجديد لا يقدم نفسه للقاريء بوصفه جديدا تماما. انه يعرض نفسه على القاريء من خلال الاشارات الصريحة والمقنعة والتلميحات الضمنية والخصائص المالوفة بالنسبة للقاريء موقظا بذلك بعض الذكريات في نفسه جاعلا اياه يتوقع شكل بداية القحل ونهايته حيث يعمل في هذه الحالة على مخالفة توقعات القاريء واعادة توجيهه، على. مدار النص أو ايقاظ حسن المفارقة فيه بحيث يكون باستطاعة الكاتب ان منوه على هذا التوقعات أو مقوم بتغيرها أو تصحيحها أو اعادة انتاجها. كل ذلك يحدث استنادا الى القواعد والقوانين الخاصة بالنوع. بالشكل الأدبي للنص لكي يحدث. ما يسميه يدوس. " تغيرا في آفاق التوقعات ". وهو يخالف بذلك جماعة سوسيولوجيا الأدب الذين يحقدون أن الكاتب موثق الى جمهور قرائه، الى الوسط الذي يوجد فيه والى الاراء والايديولوجية السائدة في زمنة بحيث يتوجب عليه ان ينقب كتابا يوافق " توقعات قرائه ". ويقدم لهم الصورة التي يحبون أن يروها لأنفسهم.

    ان هذا النوع مدن الحتمية الوضعية مرفوض من قبل ياوس. وهو من خلال تفسيره كيفية دخول الأعمال الجديدة التي تنتقك " توقعات " القراء وكيفية استقبالهم للأعمال الأدبية، في السلسلة الادبية يفسر عملية التطور الأدبي وتطور الأشكال وتغيرات.أثارات مقالة هانز روبرت يدوس "التاريخ الأدبي بوصفه تحديا للنظرية الادبية " ردود فعل كثيرة في ألمانيا. وقد واصل الناقد الألماني الغربي بتأثير ردود الفعل هذه الدفاع عن التصوراته النظرية التي طرحها في مقالته الشهيرة. ولكنه في الوقت نفسه قام بتعديل همزه التصورات منذ سنوات السبعينات أكثر من مرة، في معاركة النقدية مع ممثلي مدرسة فرانكفورت ونخص بالذكر هنا انتقاداته لعمل ثيودور

    ادورنو، اورده على النقاد الذين ينتمون الى جمهورية المانيا الديمقراطية مسابقا.

    أن ثيودور ادورنو اذ يبحث، في كتابه "نظرية علم الجمال " (وقد نشر بعد وفاته )، معنى الثيمات الأساسية في علم الجمال _ استقلالية العمل الأدبي والعمل الأدبي بوصفه ظاهرة اجتماعية _ تاريخية والجمال المشترك بين الطبيعة والفن - يشدد على دور علم الجمال الفلسفي في فهم طبيعة الفن الحداثي، الذي يصر على النفي السلبي للمجتمع كنوع من النقد الاجتماعي والكفاح ضد التكيف الاجتماعي والسلبية اللاعقلانية التي سادت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا فإن الفن العظيم بالنسبة لادورنو هو بمثابة المزاولة التاريخية - الفلسفية التي تضيء جوانب من الواقع الاجتماعي ولكنها تنكره وتوجه أشد الانتقاد له في الوقت نفسه. انه بهذا المعنى ينكر أي دور تغييري مباشر للفن في المجتمع.

    يعارض يدوس نظرية أدورنو قائلا ان بامكان الأدب والفن أن يلعبا دورا تقدميا في المجتمع، وينتقد النظرة النخبوية للفن ومفهوم استقلالية العمل الأدبي والتجربة الجمالية نفسها، والمتعة المتضمنة في التواصل مع العمل الأدبي أو الفني وهو يقوم من ثم باستبدال مصطلحه، الأثير على نفسه، "أفق التوقعات " بتعبير التجربة الجمالية بوصفها المتعة الذاتية التي يحصل عليها المرء من خلال التواصل مع متعة جمالية الأخرى.

    لقد تعرضت نظرية "التلقي" لهجوم عنيف من قبل عدد من نقاد ألمانيا الديمقراطية في أوائل السبعينات حيث عدوها نتيجة منطقية لرفض مدرسة "التلقي" الالمانية الغربية، الاقرار بتشخيص الماركسية لتنقاضات المجتمع البرجوازي، وقد اختار هؤلاء هانز روبرت يدوس لتوجيه انتقادات عنيفة لعمله، بسبب محاولته تطعيم نظريته في الدراسة الأدبية بمفهوم ذاتي غير ماركسي للتاريخ. ومن بين أبرز نقاد جمهورية المانيا الديمقراطية (سابقا) روبرت فايمان الذي يؤكد في كتابه "البنية والمجتمع في التاريخ الأدبي" (1976) أن عمل يدوس يقع أسير مذهب الذاتانية الخالصة عندما يعتقد أن وعي القراء الأفراد هو الذي يحدد التاريخ بصورة نهائية. كما أنه ينتقد يدوس قائلا أنه لا يزودنا بأية معايير نستند اليها لتقييم النص أو عملية التلقي والحكم عليهما.

    بسبب هذه الانتقادات لطبيعة فهم يدوس للعملية المثلثة الاطراف، المنتج الأدبي _ النص _ المتلقي، أدرك يدوس وجوه التقصير في نظريته فتحول من التشديد على عملية التلقي الى التشديد على التجربة الجمالية.

    لقد أصبحت اهتمامات هانز روبرت يدوس ء في فترة السبعينات ء ذات طبيعة تأويلية خالصة، وأصبح تعبير "التجربة الجمالية " يتردد بصورة مستمرة في معظم كتاباته، حتى أن كتابه الأساسي الذي أصدره بالالمانية عام 1977 حمل عنوان "التجربة الجمالية ونظرية التأويل الأدبي" (وهو يضم مقالة بالعنوان نفسه كان اصدرها عام 1972). في هذا الكتاب يميز يدوس بين أنواع ثلاثة من التجربة : انتاج الممارسة الجمالية، وعملية التلقي، والعملية التواصلية (التي تحقق عملية التطهير، مما يذكر بالفهم الأوسطي لوظيفة العمل الأدبي). ويمكن القول أن النوع الثالث من أنواع التجربة، ممثلا بالعملية التواصلية، يحتل في هذه المرحلة من مراحل تفكير يدوس بؤرة مركزية وهو يعرفه بأنه "متعة الشاعر التي يحركها الكلام أو الشعر الذي يستطيع أن يحدث تغييرا في المعتقد، ويؤدي في الوقت نفسه الى تحرير عقل السامع أو المتشاهد "أي أن التجربة الجمالية تحقق ثلاث وظائف في المجتمع : فهي تعمل على ايجاد المعايير والقيم، وانها تبقي على المعايير السائدة في المجتمع، أو ترفض التكيف مع هذه المعايير السائدة.

    بناء على هذا التصور النظري الجديد للعلاقة بين النص والقاريء يرى يدوس أن هناك خمسة أنماط من التفاعل بين العمل الأدبي وكيفية تلقيه : وهي علاقات التداعي،والاعجاب، والتعاطف والتطهير، والاحساس بالمفارقة، ومن ثم فإنه يوفر نموذجا شاملا لفهم العلاقة بين علم الجمال وعملية استقبال الأعمال الأدبية، متوجا بذلك نظريته في التلقي التي ركزت في البداية على بنية " توقعات " القراء وانتهت الى التشديد على معنى التجربة الجمالية ووظائفها المتحققة من خلال عملية القراءة.

    التلقي العربي لدون كيخوتي(4)

    تمهيد:

    تستتبع نظرية التلقي علاقة جدلية بين أفق التوقع ( ما يتضمنه النص) وأفق التجربة ( ما يفترضه المتلقي)، وتفتح حوارا بين الماضي والحاضر" مدرجة التفسير الجديد ضمن السلسلة التاريخية لتفعيلات المعنى"( 1). وقد جاءت هذه النظرية لاستدراك مسألة تاريخ الأدب التي استبعدت نتيجة الخلاف المحتدم بين الشكلانية والماركسية، وردم الفجوة الفاصلة بين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية، وإعادة الاعتبار للنزعة الإنسانية التي غيبت من المحفل الأدبي إثر الإعلان عن موت الكائن البشري. وهي تنطلق من معاودة النظر في ثبات النظرة التقليدية للنص " فالمعنى ..ليس شيئا يستخرج من النص، أو يتم تجميعه من إيحاءات نصية، بل يتم التوصل إليه من خلال عملية تفاعلية بين القارئ والنص"(2 ). لقد زعزعت نظرية التلقي التقليد السائد الذي كان يتعامل مع النص بوصفه قاعدة ثابتة للتأويل ، وانزاحت عن المفاهيم التأويلية القديمة واضعة القارئ في مركز مشروعها الـتأويلي، و مؤكدة عدم الفصل بين النص المقروء وتاريخ تلقيه. وهكذا أصبحت للقارئ مهمة جديدة لا تختزل في التلقي السلبي والتواطؤ للبحث عن المعنى الوحيد والمحدد سلفا، وإنما تقوم على ملء فراغات النص وفرجاته ، وإدراكه في صيرورته وليس باعتباره كينونة ثابتة، وبناء المعنى المتعدد من خلال التفاعل والتواصل معه ( فعل القراءة).

    إن الهدف المنشود الذي سعت إليه نظرية التلقي- رغم أنه ما يزال بعيدا عن التحقيق- هو إدراك " نظرية عامة للتواصل" ذات اختصاصات متداخلة، وهي نظرية تحتوي على جميع الاختصاصات وتتكون منها في الوقت نفسه"( 3). كما "أنها مطالبة أخيرا بالانفتاح على نظريات التواصل والسلوك وسوسيولوجية المعرفة حتى يمكنها فهم كيفية إسهام الفن، بما هو أحد وسائط الممارسة الاجتماعية في صنع التاريخ… وتكون السلوك الاجتماعي وتنقله"( 4). ولقد كرست جهدها لوضع لبنات ما اصطلح عليه بالتواصل الأدبي. ويمكن في هذا الصدد الاستشهاد بالقولتين الآتيتين:

    يقول إيزر: " فالتواصل الأدبي هو عملية لا يحركها ولا ينظمها سنن معطى بل تفاعل مقيد وموسع بطريقة متبادلة بين ما هو صريح وضمني، بين الكشف والإخفاء"( 5).

    ويقول ياوس " ويعتبر إدراك التواصل الأدبي، الذي يضمره ما يدعى "الظواهر الأدبية" ، غاية تستهدفها أبحاث جديدة تتطلب نظرية كفيلة باعتبار التفاعل بين الإنتاج والتلقي ضمن تحليل سيرورات التلقي. فبواسطة هذا التفاعل يتم التبادل الدائم بين المؤلفين والمؤلفات والقراء، بين تجربتي الفن الحاضرة والماضية"( 6).

    يضع إيزر التواصل ضمن مصطلحين آخرين وهما البنية والوظيفة. وتحيل المصطلحات الثلاثة إلى ثلاث مقاربات متباينة تتمثل فيما يلي: التحليل البنيوي الذي يهتم بوصف بنية العمل وتصنيف عناصرها، ثم التحليل الوظيفي الذي ينكب على إبراز كيفية إدماج النصوص في علاقة متبادلة مع محيطها، ثم جمالية التلقي التي تعتبر التواصل الأدبي نشاطا مشتركا بين القارئ والنص.

    ويرصد ياوس تاريخ التجارب الجمالية مركزا على مقولات أساسية، وهي: الإبداع والإدراك والتطهير. ويعتبر التجربة الجمالية التواصلية ( التطهير) جزأ من الثالوث الجمالي الذي يضم أيضا التجربة الجمالية المنتجة ( الإبداع) والتجربة الجمالية المستقبلة ( الإدراك الجمالي). ويركز في التجربة الجمالية التواصلية على مفهوم التماهي ، الذي لا يعتبره تلقيا سلبيا، وإنما "يستلزم حركة مد وجزر بين الملاحظ المحرر جماليا وبين موضوعه غير الحقيقي حيث يمكن للذات خلال استمتاعها الجمالي أن تمر عبر عدد كبير من المواقف"( 7).

    تعتبر نظرية التلقي التواصل الأدبي جزءا من التفاعل الإنساني الذي يعتبر من بين انشغالات مدرسة فرانكفورت في إطار نظرية تحررية للتواصل. وتتعامل معه بوصفه نشاطا مشتركا يجمع بين النص والقارئ، وبين التجربة الجمالية والواقع المعيش، وبين الماضي والحاضر. وهكذا أعادت نظرية التلقي الاعتبار لوظائف الإنتاج والتلقي وتفاعلهما، ووجهت الاهتمام من استقرار النص وثباته إلى أفق القراءة وحركيتها، وركزت مجهودها على دور القارئ في إصدار تأويلات جديدة وإضفاء الحركية على النص. " إن حياة العمل ناتجة ليس من وجوده في ذاته بل من التفاعل الحاصل بينه وبين البشرية"( Cool.

    1-إعادة الاعتبار لمفهوم التطبيق في الهرمونطيقا الأدبية:

    يحلل ياوس التواصل الأدبي اعتمادا على الفهم والتأويل والتطبيق، وتمثل هذه المفاهيم الوحدة الثلاثية للمنهجية الهرمنطيقية عند هانس غادامر. وفي هذا الصدد يرى ياوس أن الهرمنطيقا الأدبية-على عكس المجالات الهرمنطيقية الأخرى- لم تول أهمية تذكر لمفهوم التطبيق لكونه ظل لمدة طويلة رهن التاريخانية والتأويل المحايث. إن الاهتمام بهذا المفهوم أفضى، بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى ظهور نظرية التلقي التي أحدثت إبدالا في مجال المعرفة الأدبية، وحتمت قراءة ثالثة من الصنف التاريخي، تستتبع إعادة تكوين أفق الانتظار وطرح أسئلة من قبيل : ماذا يقول النص بالنسبة لي؟ وماذا أقول بصدد موضوع النص؟ لقد اهتمت الهرمنطيقا الأدبية أساسا بالقراءة الأولى ( الفهم) وبالقراءة الثانية ( التأويل) واستبعدت القراءة الثالثة ( التطبيق) من اهتماماتها بدعوى أنها حكر على المجالات ذات المنحى أو النزوع العلمي. ومن خلال السياقات التي ورد فيها مفهوم التطبيق يمكن أن نستنتج ما يلي:

    1-إنه يستدعي الاستجابة للرغبة في قياس أفق تجربة القارئ وتمديدها، وذلك بمقارنتها بتجربة الآخر في إطار التواصل الأدبي مع الماضي( 9).

    2-ليست الغاية من استحضار نص قديم أن يكون مفهوما وإنما راهنيا ويتم تعليل صلاحيته المقننة ( 10).

    3- إن مشكل التطبيق لا يشمل فقط الدلالة الممنوحة للماضي، بل أيضا الدلالة التي يكتسيها المستقبل بالنظر إلى الوضعية الراهنة ( 11).

    سنقوم في البداية باستجلاء كيف تلقى العرب دون كيخوتي على المستوى النقدي والإبداعي في إطار ما اصطلح عليه بالتواصل الأدبي، ثم سنحاول إبراز طبيعة الأسئلة التي انطلقت منها بحثا عن أجوبة محددة، واستجلاء كيف تعاملت مع القراءة الثالثة ( التطبيق) في ضوء ما استنتجناه من تصورات ياوس التي أعادت الاعتبار له.

    2- على المستوى النقدي(12 ):

    1-في دراسة محمد منذور( 13) يتضح أنه رغم إحباطات دون كيخوتي وانكساراته، فقد ظل وفيا لإحلام الشباب، ساعيا إلى المجد بحد السيف أو سنان القلم. لقد اتخذ ثرفانتيس من هذه الشخصية رمزا لشبابه وعنوانا للمغامرات الجنونية. وركز محمد مندور، في تلخيصه لرواية دون كيخوتي ،على أهم التحديات التي واجهته لإثبات فروسيته وإقدامه، لكنه لم يجن منها إلا أسوأ الجزاء، ولم يستطع أن يرفع الظلم لفساد نفوس البشر. لقد أغراه كل فشل بمغامرة أخرى إلى أن مات حسرة على انهزامه في معركة دارت بينه وبين فارس آخر. "مات فتلقى الموت كما يتلقى محب ابتسامة حبيبته أو شهيد وجه ربه. مات بعد أن علم أن القتال لخير البشر قتال مع طواحين هواء. مات بعد أن فشلت جهوده ولم تعد لديه القدرة على استئناف حياة بليدة راتبة كالتي يحياها ملايين البشر من الخاملين"( 14). ويستنتج محمد مندور من مغامرات دون كيخوتي عبرا ودروسا للأجيال الساعية إلى المثل الأعلى والملتمسة للخير والفناء.

    2- يذكر التهامي الوزاني ، في إحدى مقالاته التي كان ينشرها في جريدة الريف( 15)، أن عيد الكتاب بمدينة تطوان خصص سنة 1942 للاحتفاء بالكاتب الإسباني سربانطيس. إن مثل هذا العرس الثقافي يسعف العرب على استحضار رموز الثقافة العربية في الأندلس على نحو ابن طفيل وابن رشد والمعتمد بن عباد وابن زيدون وابن هاني. وفي هذا الصدد يرى التهامي الوزاني أن الثقافة تلعب دورا أساسيا في الربط بين الشرق والغرب، وتمثل قسطا مشاعا وإرثا مشتركا يتقاسمه البشر دون تفاوت وتباعد. ف" فلا مزية لأحد على أحد إلا بمقدار ما أنتجه من المنافع التي تدفع البشرية نحو التقدم في معنوياتها وماديتها". وأبرز التهامي الوزاني أن عيد الكتاب في الإسلام هو يوم عظيم. فلم يكن لليلة القدر خيرا من ألف شهر إلا لأنها كانت أول الأمر ظرفا لنزول القرآن الكريم. وفي هذا السياق اقترح عبد الخالق الطريس أن يتخذ المسلمون ليلة القدر عيد كتابهم." وإنه لاقتراح وجيه تشهد له السنة والكتاب والشريعة والدين، وأن المسلمين ليحتفلون بهذه الليلة ولا يرون في نزول الكتاب فيها إلا فضلا من فضائلها دون أن يهتموا بشأن الكتاب نفسه وعندنا أنها ما عظم شأنها والله أعلم إلا لنزول القرآن فيها".

    وفي مقال آخر( 16) أبرز التهامي الوزاني الظروف التي نشأ فيها سربانطيس، و تتجلى في احتدام الصراع بين المسلمين والمسيحيين. وبما أن سربانطيس قد أسر في الجزائر وأصيب في الحرب بآفات جسمية، فكان يقول إنه كما جاهد الإسلام بيده فكذلك سيحاربه بقلمه. ويرى التهامي الوزاني أن خلود رواية دون كيخوتي، إلى جانب حفولها بالعناصر الجمالية، يكمن في الحض على أخلاق البطولة، والدفاع عن الوطن و المسيحية. ورغم ما في الرواية من مواقف عدائية تجاه الإسلام ، فإن التهامي الوزاني يشارك الإسبانيين في التمتع بعوالمها وضروب صنعتها ، ويغفر لكاتبها تهكمه من المسلمين جزاء ما يتوفر عليه كتابه من علم وأدب.

    من خلال هذين المقالين نلاحظ أن صاحبهما يؤكد التلقي الإيجابي لدون كيخوتي في مدينة تطوان رغم طابعها المحافظ في الفترة المتحدث عنها. ولم تصرف بعض المواقف السلبية المضمنة في الرواية سكان مدينة تطوان عن الاحتفاء بسربانطيس في يوم عيد الكتاب. وهذا ما يبين حرصهم على استثمار العناصر الإيجابية التي يمكن أن تسهم في تعزيز العلاقة بين المغرب وإسبانيا، وتوطيد الرباط التاريخي والثقافي الذي يجمعهما. ولا يجدون غضاضة في الاحتفال بيوم " عيد الكتاب" الإسباني لأن اللغة العربية أسهمت بقسط وافر في الأدب الإسباني، ولأن الأمر يتعلق بكاتب " عبقري" و" فذ" و" عظيم" يفيد القارئ "بخيالاته وتصوراته وحسن أسلوبه وطريقة عرضه للقضايا". ورغم إشارة التهامي إلى بعض العناصر الجمالية التي تحفل بها الرواية، فهو لم يتوقف عندها. فهو قد صرف اهتمامه إلى بعض القضايا التي تستمد نسغها من احتدام الصراع بين الدين الإسلامي والمسيحي، ومن السيرة الذاتية لسيربانطيس ( المشاركة في الحروب، الأسر، الإصابة بآفة جسمية..).

    3-بمناسبة احتفال العالم الإسباني الأمريكي بذكرى مرور أربعة قرون على ولادة الكاتب الإسباني سرفانتيس، حرر عبد الكريم الفاسي بحثا عن حياة هذا الكاتب وعن كتابه الشهير" دون كيخوتي"( 17). ويشير عبد الكريم الفاسي أن الكتاب نقل إلى اللغة العربية( 18)، ولو لم ينقل لبقي نقص في المكتبة العربية المعاصرة نظرا للصلات التاريخية والثقافية العديدة التي تربط العرب بالأمة الإسبانية رغما عن الفوارق السياسية. وتنقسم دراسة عبد الكريم الفاسي قسمين: أحدهما خصصه للتعريف بحياة سرفانتيس، وثانيهما يهم بعض القضايا المثارة في الرواية. يرى عبد الكريم الفاسي أن الرواية تمثل مرآة للحياة اليومية، وآلة عراك في سبيل الحرية والإنسانية بجميع مظاهرها،ومعولا لتحرير الفكر الإنساني من القيود التي قيده بها علماء اللاهوت في القرون الوسطى، وحلما يذلل المصاعب التي تحول دون إدراك المبتغى وتحقيق" التناسب الكامل بين أفعال الروح ومطالبها"

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 1:33 pm