منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    نظرية التلقي.............................................3

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    نظرية التلقي.............................................3 Empty نظرية التلقي.............................................3

    مُساهمة   السبت مارس 13, 2010 8:04 am

    ( 19)، و "رواية فروسية بطلها بطل فارس يغامر بنفسه لإحقاق الحق وإزهاق الباطل وسفك دماء الظلمة والعمالقة ولكنه كثيرا ما يرى كل ذلك لا كما هو في الواقع ولكن كما يوحيه إليه خياله و وهمه"ص247.

    قدم عبد الكريم الفاسي الكتاب في حلة بيداغوجية للتعريف بالرواية وصاحبها، وحفز القراء العرب على قراءتها. وركز اهتمامه على إبراز مضامينها وأبعادها. فهي- في ظاهرها- تبدو كما لو كان الغرض منها هو التسلية، في حين يستضمر باطنها البعد الرمزي. قصد به صاحبه انتقاد النقائص على المستوى الأخلاقي والفكري، والسعي إلى قلب الأوضاع لنشر قيم العدالة بين الناس. ويدعم عبد الكريم الفاسي الفكرة نفسها التي أثارها التهامي الوزاني، والمتعلقة بتأثر سرفانتيس بالثقافة العربية. لكن يكاد مفكرو الغرب أن يغلفوا أو يتغافلوا عن " أثر مجهودات مفكري العرب في الأندلس في فكر سرفنطيس.. ولا يبعد أن يكون تأثره كغيره ببعض مخلفات العرب في الأدب والأخلاق ككتب ابن المقفع وابن طفيل ( حي بن يقظان) كما أشار إلى ذلك الأستاذ كونزليس في كتابه عن الآداب العربية الاسبانية" ص250.

    4-تطرق عزالدين إسماعيل إلى مؤلف دون كيخوتي في فصل وسمه بالقصة، واعتبره " قصة خالدة" ومن " عيون الأدب العالمي"( 20). ومن خلال هذا الفصل يتضح أن عزالدين إسماعيل يدرج القصصي والروائي والحكائي ضمن خانة واحدة دون مراعاة مواضعات هذه الأجناس وضوابطها الخاصة، كما أنه لم يميز بين المادة الحكائية ( القصة) وطريقة سردها ( السرد) ووضعها في قالب حكائي مناسب ( الجنس). وفي أحد الهوامش لخص أطوار رواية دون كيخوتي مركزا على الجوانب الآتية: سخرية ثرفانتيس من أدب الفروسية وما يتضمنه من تصنع وزيف، وابتعاده عن الواقع، ونزوعه المثالي، واحتفاؤه بالمثل والقيم الروحية والمفاجآت العجيبة.

    5-خصص غبريال وهبة دراسة مفصلة لدون كيخوتي في كتابه المعنون ب دون كيشوت بين الوهم والحقيقة ( 21). وهي تتكون من بابين. وكل باب يتكون من ثلاثة فصول. بين المؤلف في الباب الأول الظروف التاريخية والاجتماعية التي عاش فيها ثرفانتيس، وأبرز مغامراته التي تتشخص بعض آثارها ومعالمها في روايته دون كيخوتي، وأثبت سجلا مسلسلا بأعوام لها دلالتها في حياته.

    وانكب في الباب الثاني على سرد مغامرات دون كيخوتي المفعمة بالغرابة والجنون، وبيان رغبته في إضفاء رداء النبالة والجمال على عالم تافه وفظ، وإصلاح ما في العالم من شرور. كما قدم جردا لأهم شخصيات الرواية محاولا إثبات إرسائها الاجتماعي والتاريخي، ومبرزا مواصفاتها و وظائفها، ومتوخيا تحديد مكانتها في مركز اهتمامات دون كيخوتي. وفي الأخير حاول رصد الأصداء التي خلفتها رواية دون كيخوتي في أقطار مختلفة، وفي نفوس كتاب من طينة هنري فيلدينج وغوستاف فلوبير ووالتر سكوت وشار ديكنز وبوشكين وتورجنيف. كما أن تأثيرها لم يقتصر على المجال الروائي وإنما تعداه إلى مجال المسرح والموسيقى والتشكيل.

    من خلال هذه الدراسة يتبين أن غبريال وهبة كان يبحث أساسا عن المطابقة بين الرواية والواقع ، وذلك من خلال استحضار أشخاص من لحم ودم تنطبق عليهم مواصفات شخصيات من ورق، وتعليل أحداث الرواية وتفسيرها من المنظور التاريخي كما لو وقت فعلا. واكتفى برصد وقائعها وتلخيص مضامينها دون التوقف عند مستوياتها التخييلية والبنائية. ومن إيجابية العمل أن صاحبه صوب الخطأ الشائع في نطق ترفانتيس باللغة العربية( 22)، وتعامل مع دون كيخوتي بوصفها جنسا روائيا و"لغزا محيرا" و"تحفة تاريخية" و"عملا فريدا وعظيما"، وخصص للرواية دراسة مفصلة بعدما لاحظ أنه " لم يكتب في مصر عن حياة ميجل ثرفانتس، مبتدع دون كيخوتي، إلا النزر اليسير.. بضع صفحات هنا وهناك في مقالات قصار أو مقدمات يستهلون بها رواية " دون كيخوتي" المترجمة إلى العربية"( 23).

    6-أشار عبد القادر الشاوي إلى خضوع دون كيخوتي للقيود التي كان يفرضها المجلس الملكي على نشر أمثاله من الكتب. وبمقتضاه حظي الكتاب ببراءة التصويب، وحددت تسعيرته الرسمية. وتمتاز النسخة الأصلية باحتوائها على كلمة التشريف الملكي كتبها خوان أميسكيطا بالنيابة. ثم تطرق عبد القادر الشاوي إلى الإهداء الذي وجهه ثرفانتيس إلى الدوق ( بيجار) دون ألفونصو دييغو لوبيز، ثم نوه بترجمة ألين شولمان لرواية دون كيخوتي باللغة الفرنسية لقدرتها على مخاطبة فئات واسعة من القراء،" على عكس الترجمات الأخرى التي لم تفلح في تقريبها إليها، لالتصاق بعضها بالنص الأصلي"( 24). وفي الأخير،بين عبد القادر الشاوي النجاح الذي حققته رواية دون كيخوتي على مستوى إقبال القراء عليها من مختلف الأعمار والأجيال. وقد انعكس هذا النجاح على مجموع أعمال ثرفانتيس الأدبية.

    7-عالج عبد الفتاح كليطو(25) رواية دون كيخوتي من زاوية أنها تقدم نفسها باعتبارها مؤلفا كتبه مؤلفون عديدون. فمنذ بداية الفصل الأول يثير ثرفانتس أن ما يرويه قد نهله من مصادر مختلفة. وفي نهاية الفصل الثامن يعتبر نفسه مجرد "مؤلف ثاني" يضطلع فقط باستنساخ نص كتبه Cide Hamete Benengeli تحت عنوان "تاريخ دون كيخوتي دي لامنشا". وقد اضطر عبد الفتاح كليطو إلى كتابة اسم المؤرخ العربي المفترض بالأحرف اللاتينية نظر لاختلاف المترجمين العرب في ترجمتها ( 26). اعتقد ثرفانتس في البداية أن الكاتب المفترض لدون كيخوتي هو إنسان حكيم يتمتع بطاقات وقدرات فوق-طبيعية، لكنه تعجب واندهش لما علم أنه إنسان مغربي عادي. لقد تعامل ثرفانتس مع النص السابق بمكر مضفيا عليه الطابع المسيحي القشتالي ومستبعدا الأنساق الثقافية العربية. وهكذا يرى عبد الفتاح كليطو أن الترجمة الماكرة لم تسعف ثرفانتس من استعادة الشكل العربي الأصلي( 27).

    تنطلق قراءة عبد الفتاح كليطو من موضوع واحد هو Benengeli بوصفه موضوعا للتأمل، وذلك لمعرفة هوية المؤلف الحقيقي لرواية دون كيخوتي، وبيان غاية ثرفانتس من إسناد فعل الحكي إلى كاتب عربي مجهول وضرب من ضروب الخيال، واستجلاء جدلية الكتابة والمحو أو لعبة التطريس في دون كيخوتي. ما يثير في قراءة عبد الفتاح كليطو أنها استدراكية. تقول الشيء ونقيضه، و تصدع بحقيقة ثم تستدركها فيما بعد دون الإحالة عليها بصريح العبارة. قد توقع هذه القراءة القارئ المتسرع في شرك الإبهام والتناقض. لكنها تحتم على القارئ اليقظ أن يفكك ألاعيب اللغة الإبداعية معيدا تشكيل معانيها بطريقة نسقية. يصرح عبد الفتاح كليطو بما يلي : " بعد ذلك، سيبلغ إلى علمه أن مغامراته قد صاغها في كتابCide Hamete Benengeli، وفورا يبدي رغبته في الاطلاع على الطريقة التي وصفه بها ويسأل عن كيف ينظر إليه القارئ"( 28). وفيما بعد يصدع بما يلي:" قد نتساءل لماذا لم يكتب دون كيخوتي روايته بنفسه. إنه يمتلك، وهو المتشرب بالأدب، كل الصفات اللازمة"( 29). مرة يقول أن كاتب الرواية هو ثرفانتيس ومرة يعتبر كاتبها هو دون كيخوتي. لكنه، في نهاية الدراسة، يشيد حقيقة على أنقاض ما سبقها مؤكدا أن هم القارئ ( الوحيد الجدير بشخصية دون كيخوتي) ليس الجري وراء سراب مخطوط Cide Hamete Benengeli وإنما الانكباب على إعادة كتابة رواية دون كيخوتي وبنائها للإمساك بالأثر العربي المنفلت. وعلى عكس الدراسات السالفة، فإن كليطو يتعامل ، بطريقة محايثة، مع قضية معينة ، وينطلق من أسئلة محددة للبحث عن أجوبتها بين ثنايا الرواية.

    8-يبين عبد الوهاب مؤدب ( 30) أن رواية دون كيخوتي تتعامل مع الإسلام بوصفه عدوا مهيبا يمثل الشرق في نضاله ضد الغرب على حلبة البحر الأبيض المتوسط. يستند مؤدب إلى مقاطع حكائية تدعم تطرحه، ومسعاه وتجيب عن الأسئلة التي ينطلق منها. ومن ضمنها صراع الخرفان الذي توهمه دون كيخوتي حربا بين جيشين. يشف هذا التصوير عن "العلاقة بين الغيرية المذهبية والاقتران الجسدي" ( 31)، كما يكشف عن " البنية الحربية لحوض المتوسط" (32). يتعامل عبد الوهاب مؤدب مع دون كيخوتي بوصفها ميثولوجيا حربية تشيد الهوية الإسبانية التي تقوم على ثلاثة أسس، وهي الجبال (إسبانيا المنيعة) والمسيحي العريق ونقاوة الدم.

    وفي السياق نفسه يحلل حكاية " الأسيرة وزريدة" لإبراز ما كانت تتسم به المنطقة الوسيطية ( ما بين الفضاءين) من " حداثة كوسموبوليتانية" على المستوى اللغوي، ومن تضارب المواقف على المستوى الإيديولوجي ( الإخلاص، والخيانة، والتظاهر). وتمثل حكاية الموريسكي ( ريكوتة) وابنته (آنا فيليكس) وسيلة جذرية للتخلص من إسلام التقية ، وهذا ما يفسر أن " المعيار كان عرقيا أكثر منه دينيا"( 33). إن العوائق جميعها التي تعترض مشاريع دون كيخوتي المجنونة تعزى إلى " مورو ساحر" " هذا الجني المنتمي إلى هذا الشعب الباطني، وغير المرئي، الذي ما فتئ يؤرق الوعي الإسباني بلا فكاك"

    ( 34).

    إن مخطوط السيد حامدي هو من البقايا والآثار التي تستدعي من إسبانيا إنعاشها وإعادة بعثها للتذكير بالدين الإسلامي. " كان يوما ما " داخليا" بالنسبة لأوروبا، وها هو اليوم مطرود، محول إلى " خارج" يساهم في تحديدها، وإلى جار هو من القرب سيما وأنها ترغب باستبعاده"( 35).

    من خلال هذه القراءة يتضح أن عبد الوهاب مؤدب يتعامل مع دون كيخوتي كما لو كانت رواية أطروحة تبرز الصراع القائم بين المسيحية والإسلام، كما يستنتج منها درسا لا يتجلى في إقبار الدين أو العيش على حداده، وإنما في عرضه والاحتفاء به في حقيقته. فإذا ما نبش الإسبان في تلك البقايا والآثار فهم سيساهمون في إعادة إعادة تأسيس ذاكرتهم نفسها، واستجماع الخيوط التي تربطهم بالبلدان المتاخمة لبلدهم. إن الخلفية التي تؤطر قراءة مؤدب هي الإجابة عن السؤال الذي يؤرقه بوصفه مسلما يعاني من تجربة المنفي في فرنسا( 36)، والبحث عن موضع ثقافي " ما بيني" يحل التعاون والتآزر بين الحضارتين (الإسلام والمسيحية ) محل التنابذ والتصارع، والتقاط صدى التعايش الأندلسي بين الأديان الثلاثة . " إنه حنين إلى عصر وسيط جميل لكنه منصرم"(37 ).

    9-ينطلق مقال عبد الكبير الخطيبي( 38) من فرضية رائجة مفادها أن ثرفانتس يحدث، في روايته "دون كيخوتي"، قطيعة مع روايات الفروسية والأنواع الأدبية السائدة في عصره، ويمارس الكتابة على نصوص سابقة. انصب عبد الكبير الخطيبي على جنون ثرفانتس انطلاقا من ثلاثة مستويات، وهي :

    1-أقام فصلا بين العقل والجنون، وبين القراءة والواقع.

    2-يوجد تنافذ بين العقل والجنون، وبين القراءة والواقع.

    3-في ما وراء الفصل بين العقل والجنون، أشرع ثرفانتس الكتابة على قارئ مجنون . فهذا الأخير يعتبر " قارئا مجنونا أكثر منه فارسا"( 39).

    ويعتبر عبد الكبير الخطيبي موضوع الجنون ناجما عن وضعية الكتابة، وعن مواجهة الكاتب لنفسه، وعن اللغة المشخصة.

    تتميز قراءة عبد الكبير الخطيبي بالانزياح عن القراءة الواقعية التقليدية التي تعنى بجنون الشخصية محاولة رصده في العمل الأدبي. وبالمقابل ، يتوخى عبد الكبير الخطيبي الكشف عن جنون ثرفانتس نفسه، وبيان كيف تخلص منه وعالجه بواسطة الكتابة. وما يثير في قراءة عبد الكبير الخطيبي أنه يبحث عن " الأسطورة الشخصية" لثرفانتس من خلال عمله كما لو كان مرآة مجلوة، ويقيم تقابلا بين توماس ( بطل قصة حامل الليسانس الزجاجي في المجموعة القصصية " قصص نموذجية") ودون كيخوتي من حيث انخراطهما في عالم الأسفار، وإصابتهما بأغرب جنون ( جنون مسكون بالحقيقة)، وتبنيهما لتصورات كانت موجودة سلفا.

    3-على المستوى الإبداعي:

    سأبين كيف تلقت عينات من السرد العربي رواية دون كيخوتي وتفاعلت عمليا مع عوالمها التخييلية:

    1-تتكون رواية حارسة الظلال دون كيشوت في الجزائر لواسيني الأعرج( 40) من مستويين سرديين متباينين. يتعلق المستوى الأول ( المحكي-الإطار) باضطلاع السارد بوصف رحلة فسكيس دي سرفانتس دالميريا ( الملقب بدون كيشوت) إلى الجزائر وتتبع مختلف مراحلها بهدف اكتشاف المغارة التي حجز فيه جده سرفانتس وأخيه رودريغو. فبمجرد وصوله إلى الجزائر اتصل بحسيسن الموظف بوزارة الثقافة لمساعدته على تنفيذ مشروعه الصحفي الذي نصحه به بيدرو دو سيفي، وتبنته الجريدة التي يعمل بها. وقبل سفره جمع معلومات عن كل المواقع التي مكث بها سرفانتيس ، وقرر أن ينفذ مشروعه الصحفي مهما كلفه ذلك من ثمن. لما وصل إلى المغارة رفقة حسيسن جذب صورة قديمة لها مقارنا بين حالتها السابقة وحالتها الحالية. لقد كانت –بفضل مجهودات الجالية الإسبانية بالجزائر- معلمة حضارية وثقافية وقبلة سياحية . ومع مر السنين اندثرت آثارها ،وتآكلت ملامحها، وانحسر جمالها ورونقها، ونهبت محتوياتها ومآثرها النفيسة (اللوح التذكاري لسرفانتيس وتمثاله النصفي) ليعاد بيعها خلسة في المفرغة. وبعيد مغادرة المغارة احتجزت الشرطة دون كيشوت بحجة دخوله إلى الجزائر بطريقة غير قانونية، فقام حسيسن بمختلف المساعي لإبعاد تهمة الجوسسة عنه وإطلاق سراحه. لم يعان حسيسن فقط مع موظفي الأمن ووزارة الداخلية وإنما أيضا مع وزير الثقافة والإرشاد الوطني الذي عاتبه على مساعدة "جاسوس" يهدد أمن الدولة، و انتزع منه ملف ندوة غرناطة ليسلمه إلى رئيس جامعة الجزائر المركزية.

    ويتعلق المستوى الحكائي الثاني (المحكي المؤطر) بسرد دون كيشوت ما وقع له في السجن (نسخة الكورديلو التي سلمها الكباييرو إلى السارد). وهو عبارة عن يوميات حاول من خلالها أن يستحضر ما دونه في كناشتة التي حجزتها منه السلطات الجزائرية. وقد سعى من خلالها أن يقتفي أثر جده لما أراد تأليف كتاب الجزائر Le traité d'Alger وكذلك البرتغالي كاسكا رينهاس Mascarenhas الذي ألف كتاب أسير الجزائر. ورصد دون كيشوت في يومياته وقائع تتعلق بحالته النفسية وأحلامه واستيهاماته، وتذكر ما وقع لجده في سفينة "الشمس"Le soleil ومحكيات نانا عن حارسة الظلال، ومحاورته لزوار حقيقيين(الحراس وكباييرو الملحق الثقافي للسفارة الإسبانية بالجزائر) أو مفترضين ( على نحو المرأة النبيلة والشهمة زريد أو مايا، وملء الفراغات والبياضات التي تخللت المحكي-الإطار).

    من خلال هذه الرواية نستنتج ما يلي:

    ا-توخى دون كيشوت من مشروعه الصحفي تقديم أكبر تكريم لجده سرفانتس ، وإبراز الحالة المأساوية التي أصبحت عليها المغارة من جراء الإهمال والنهب. كانت تعتبر من المآثر التاريخية التي يتردد عليها السياح لاستحضار روح سرفانتس ومغامراته. ومن بين اللحظات المشعة التي مرت منها المغارة اضطلاع الجالية الإسبانية بتخليد الذكرى السنوية الثالثة لصدور كتاب دون كيخوتي بحضور لويس ماريناس قنصل إسبانيا في الجزائر. ومن خلال الرسالة التي حملها الكباييرو رفقة نسخة من الكورديلو إلى السارد يحكم دون كيشوت على نفسه بأنه أوفر حظا من جده سرفانتس لأنه استطاع أن يرى في خمسة أيام ما لم يستطع هو رؤيته في خمس سنوات. أطلق سراح سرفانتس سنة 1580 مقابل فدية قدرها خمس مائة إيكو ذهبية، أما دون كيشوت في الرواية فقد طرد بدعوى أنه يشكل خطرا على أمن الدولة.

    ب-وموازاة مع الرحلة الاستكشافية لدون كيشوت، تميط الرواية اللثام عن الهاجس الأمني بالجزائر، وتفاقم ظاهرة الاستخفاف بالثقافة رغم دورها في تقدم الشعوب ورقيها، وظهور فئات جديدة متخصصة في تصنيع الفضلات والنفايات وترميم الآثار المسروقة لإعادة بيعها بأثمان باهضة إثر تزايد الطلب عليها من طرف البورجوازية الصاعدة.

    ج- تقوم بنية الرواية على صنفين من التعارض. يتمثل الأول في تضارب موقف السلطة وموقف حسيسن من دون كيشوت. يجمع أفراد السلطة ( الشرطة، وزير الثقافة، وزارة الداخلية) على أنه جاسوس دخل إلى الجزائر بطريقة غير قانونية لتهديد أمنها واستقرارها. في حين أن حسيسن يفند هذه التهمة مبرزا أنه صحافي كبير يعشق مهنته باستماتة ." فوق كل هذا فهو رجل طيب ويحب هذا الوطن كثيرا وإلا لما زاره في وقت يخلي فيه الجميع أمكنتهم بسبب الإرهاب" ص227. ويتشخص التعارض الثاني بين السلطة وعالم المفرغة. وإن كانت السلطة تعارض ظاهرة البيع غير المهيكل في المفرغة، فهي لا تستطيع أن تحد من ظاهرة استفحالها وتفاقمها بحجة كونها مجرد مزبلة لحرق النفايات والأشلاء غير القابلة للاستعمال " هذا المكان مفرغة لحرق النفايات وليس مكانا لإعادة تصنيع الفضلات.السلع التي تصل إلى هذا المكان لا وجود رسمي لها لأنها قانونا، يفترض أن تكون قد أحرقت كمادة تالفة.كل شيء ههنا خاضع لنظام محكم تسيره الظلال" ص69. وقد أسعف عالم المفرغة على ظهور فئات جديدة ( البحاثة، البائعون، المسيرون) تعزل النفايات المفرغة من الشاحنات، وتتكفل بإعادة تصنيعها وترميم الآثار المسروقة لإعادة بيعها.

    2- تتكون حكاية ابنة أخ دون كيخوتي ( 41)أيضا من مستويين سرديين . يهم أحدهما( المحكي-الإطار) تجربة عبد الله في قراءة الكتب ( وخاصة الروايات). كان يكتفي في البداية بتصفح الصور وتهجي الكلمات، ولما اكتسب ملكة القراءة اتضح له أن الرواية جنس ملتبس بل وماكر.ويتمثل ثانيهما ( المحكي المؤطر) في شكل استطرادات عالمة وتأملات نقدية واصفة تتمحور حول مفهوم القراءة ومستواياتها المختلفة، وعلاقة الكتابة بالصورة والجنون والقتل والحرق. وفي هذا الصدد يتخيل السارد أن دون كيخوتي-بعد استرجاع صوابه- كان يرغب في قراءة كتب دينية عن حياة القديسين، وذلك على نحو ما ألت إليه حياة القديسة تيريزا الآبلية التي ألفت رواية فروسية قبل أن تتحول إلى التصوف رغبة منها في الموت مثل القديسين لتظفر بالإكليل الذي حظوا به. ثم يستطرد لإبراز رغبة ابنة أخ دون كيخوتي في حرق الكتب بدعوى أنها أفسدت عقل عمها المحبوب، و" مسكونة بشياطين فظيعة، وسحرة معتدين يعكرون سلام البيت ويشكلون تهديدا متواصلا"( 42). قرر الخوري إحراق الكتب استجابة لطلب ابنة أخ دون كيخوتي، "لكن الغريب أنه أنقد بعضها من النار، ومنها رواية أماديس دي غول لمونتالفو، ويحكم عليها فقط بالحبس في بئر جافة" (43 ). واحتكم في عملية الانتقاء على ملكته النقدية التي تستنكر كل ما هو رديء ومؤذ.

    نستنتج من هذه الحكاية ما يلي:

    ا-استثمر كليطو شخصية دون كيخوطي من جديد لإثارة موضوعة أثيرة لديه، وتتعلق أساسا بإحراق الكتب لكونها تفتن العقول وتفسدها ، وتهدد سلام الناس وطمأنينتهم.

    ب-إن من يحيط بدون كيخوطي- باستثناء ابنة أخيه - أو يطلع على مغامراته، يجد نفسه مورطا في لعبته، ومصابا بعدوى جنونه، ومجردا من هويته.

    3- تتكون قصة دون كيشوت ( 44) من أربع شخصيات يمكن أن تصنف على المستوى ال**** إلى ذكر (دون كيشوت وجندب) وأنثى ( أميمة وأمية)، وعلى المستوى العاطفي إلى علاقة دون كيشوت بأميمة وعلاقة جندب بأمية. يعيد السارد تنشيط شخصية دون كيشوت مركزا على بعض سماتها وخصائصها، ومضفيا عليها شحنات دلالية جديدة اقتضتها الوظيفة المسندة لشخصية دون كيشوت في القصة، وطبيعة العلاقة التي نسجتها مع شخوص من إبداع السارد وتخيله. فمن بين المواضيع التي حافظ عليها نذكر أساسا إلحاح دون كيشوت على الخروج منتصرا في أي معركة يواجهها، ورغبته في منازلة الطواحين الهوائية وتطويعها.

    إن طبيعة السياق جعلت دون كيشوت يؤدي وظائف جديدة ويدافع عن قضايا معينة. لقد جعل منه السارد شخصية عربية مولعة بلعب النرد في المقهى، وتدخين النرجيلة، ومنشغلة بالمد الإمبريالي والتخلف والتجزئة، ومعجبة بأغنية نصري شمس الدين التي يدور موضوعها حول الطواحين. فهي ، بالنسبة لدون كيشوت، تمثل رمزا دائما، وتعبر عن الصراع الذي يخوضه الإنسان في هذا العالم على مختلف الأصعدة. " إذا هدأت انتهت مشاكلنا، وإذا تحركت، فالعياذ بالله"( 45).

    من خلال هذه القصة نخلص إلى ما يلي:

    ا-وإن حافظ السارد على بعض صفات ومميزات دون كيشوت، فقد أسند له وظيفة جديدة تتمثل في تشخيص وضع الإنسان العربي في مواجهة المشاكل التي تحذق به من كل جانب. لم تدم نشوة احتفاء دون كيشوت ( شخصية هاني الراهب) بانتصاره الوهمي إلا لحظات عابرة ، فاستحالت إلى هزيمة قاسية ونكراء. وهكذا يجتر الهزائم الدونكخوتية ( نسبة إلى شخصية سرفانتس) كما لو حكمت عليه الأقدار بأن يعيش حياة سيزيفية.

    ب-من خلال موضوع الطواحين اضطلع السارد بتشخيص ثلاثة مواقف متباينة. موقف ( تمثله أميمة) لا يقيم أي وزن لرمز الطواحين حاصرا مهمتها في إنتاج الطحين، ثم موقف ( الجماهير) يكتفي بمعاينة ما يراه في الواقع من معارك دون الإسهام فيها بدعوى أنها مغامرات مجنونة غير محمودة العواقب، ثم موقف ( دون كيشوت) يجازف بحياته لمواجهة مشاكل الحياة العاتية بما أوتي من شجاعة وقوة. وبعد سقوط دون كيشوت يظهر دون كيشوت جديد( 46) محاولا محو الصورة الباهتة التي ظهر عليها سلفه ويتندر بها الرواة، وواعدا الجماهير بتحقيق الانتصارات الباهرة.

    خاتمة:

    حددنا، فيما سبق، بعض مقومات القراءة الثالثة ( التطبيق)، وحصرناها في ثلاثة عناصر جوهرية ( المقارنة، الراهنية، النظرة إلى المستقبل)، يتضح من خلالها ليس فقط كيف تلقى العرب دون كيخوتي على اختلاف منطلقاتهم ومستوياتهم، وإنما أيضا كيف تم تحليلها وتشريحها نقديا، وكيف استثمرت عوالمها التخييلية إبداعيا.

    1- لما نقارن بين عينات المتن يتضح أن رواية دون كيخوتي استأثرت باهتمام النقاد والمبدعين العرب على حد سواء نظرا لغنى مواضيعها، وتشابك مستوياتها وبنياتها الحكائية، واستجابتها لأسئلة وآفاق جديدة.

    ففيما يخص الجانب النقدي تباينت مستويات المقاربات واختلفت مرجعياتها وفرضياتها. ويمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أصناف: أحدها ركز على تلخيص دون كيخوتي مركزا على موضوعات محددة (السفر، والجنون، والقتال، والموت..)، وثانيها بين الظروف التي اكتنفت إنتاج الرواية وطبعها وترجمتها إلى اللغة العربية، وثالثها انطلق من مضامينها لإبراز علاقة الشرق والغرب وموقف الإسبان من الإسلام.

    أما فيما يخص الجانب الإبداعي، فنلاحظ أن عينة واحدة ( قصة هاني الراهب) أعادت استثمار شخصية دون كيخوتي مسندة لها وظائف جديدة أملاها الوضع السياسي العربي المتأزم، أما العينتان الأخريان ( رواية واسيني الأعرج وحكاية عبد الفتاح كليطو) فاهتمتا، على التوالي، بحفيد دون كيخوتي وبابنة أخيه. وإن اختلفت المحكيات في التعامل مع شخصية دون كيخوتي، فهي تتفق في اعتبارها رمزا ثقافيا ومعلمة حضارية.

    وما يلفت النظر في مختلف العينات اختلاف النطق في الأعلام (سرفانتس/ثرفانتس/ سيربانطيس/ سيربنطيس؛ دون كيشوط/ دون كيشوت/ دون كيخوتي/ دون كيخوطي/ دون كيخوط/ دون كيخوتة؛ سيدي حامد بن الأيلي/ وسيدي حامد بن الإنجيلي/ سيدي حامد بن النجيلي/ والسيد حامد ابن الغالي /السيد حامد بن إنخيلي). وهذا ما حذا بعبد الفتاح كليطو أن يتعمد كتابة هذا الأسم الأخير بالأحرف اللاتنية تجنبا للبس المثار حوله في اللغة العربية نظرا لكثرة التأويلات والتخمينات.

    2- انصبت بعض العينات على إبراز راهنية دون كيخوتي بتأكيد مكانتها الإبداعية، وقدرتها على إثارة أسئلة معيشة تهم علاقة الشرق بالغرب،وإمكان إستثمارها لفضح الواقع العربي المهترئ ( على نحو رواية واسيني الأعرج، وقصة هاني الراهب).

    3-تكشف بعض العينات ( على نحو ما كتبه عبد الوهاب مؤدب والتهامي الوزاني وعبد الكبير الفاسي وعبد الفتاح كليطو وواسيني الأعرج) عن أهمية التفاعل الثقافي بين الحضارة العربية ومثيلتها الإسبانية، وذاك لكونهما يتقاسمان إرثا ثقافيا وحضاريا مشتركا ، وتجمعهما صلة تاريخية عريقة . لقد عرفت هذه العلاقة كثيرا من التوترات التي تركت بعض جراحها في نفسية الشعبين على حد سواء. وتمثل رواية دون كيخوتي نموذجا لهذا التفاعل الحضاري الذي انتابته صراعات ونزاعات ذات خلفية دينية، وحافزا على تجاوز العوائق ( وفي مقدمتها التعصب الديني الأعمى)( 47) التي تحول دون إرساء دعامة ثقافية مشتركة تنزع إلى التفتح وتبادل الخبرات والتجارب لما يعود بالفائدة على الحضارتين المتاخمتين على حد سواء.

    4-انطلقت بعض العينات من رواية دون كيخوتي نفسها لاستشراف آفاق المستقبل. وفي هذا الصدد استنتج محمد مندور من مغامرات دون كيخوتي عبرا ودروسا للأجيال الساعية إلى المثل الأعلى، وأشرع هاني الراهب قصته على احتمالات حكائية مفترضة نتيجة ظهور دون كيشوت جديد بإمكانه تفادي أخطاء سابقه لإصلاح أحوال الأمة العربية، وتظل الجزائر-حسب رواية واسيني الأعرج- مخبأة في الظل حتى يأتي خويا حمو ويكشف سره ويحفظه من التلف ويعيد الاعتبار إلى الوظيفة الثقافية لأهميتها في رقي المجتمع وتوسيع دائرة إشعاعه السياحي والحضاري ، ويرى عبد الوهاب مؤدب أن بعث مخطوط السيد حامدي من مرقد النسيان هو تذكير الإسبان بضرورة إعادة الدفء إلى العلاقات التي كانت تجمعهم بالمسلمين خاصة وأنهم يتقاسمون تاريخا وذاكرة مشتركة. ومع ذلك يظل السؤال الأساسي معلقا أيمكن لدون كيخوتي في مختلف صوره وتجلياته أن يحقق ما كان يصبو إليه ( إصلاح أحوال الناس) أم تنطبق عليه أسطورة الرجوع الأبديLe retour éternel ( حسب وجهة نظر نيتشة).

    .....................................ز

    المراجع:

    1-هانس روبيرت ياوس، جمالية التلقي من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، ترجمة رشيد بنحدو، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، العدد 484، ط1، 2004، ص103.

    2 -روبرت س. هولاب، نظرية التلقي ( مقدمة نظرية)، ترجمة خالد التوزاني والجلالي الكدية، منشورات علامات،ط1،1999،ص141.

    3 -االمرجع نفسه، ص99.

    4 -هانس روبيرت ياوس، جمالية التلقي.. م.سا ص134.

    5 -فولفغانج إيزر، فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب ( في الأدب)، ترجمة حميد لحمداني والجلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، مطبعة النجاح الجديدة،1995،ص100.

    6 -هانس روبيرت ياوس، جمالية التلقي..م.سا ص102.

    7 -روبرت س. هولاب، نظرية التلقي، م.سا ص73.

    8 -قولة أخذها هانس روبيرت ياوس عن كارل ماركس ( مقدمة لنقد الاقتصاد السياسي)، جمالية التلقي..م.سا ص35.

    9 -Hans robert Jauss,Pour une herméneutique littéraire, traduit de l’allemand par Maurice Jacob , ed Gallimard,1982,366.

    10 -المرجع نفسه ص 18.

    11 -المرجع نفسه ص 19.

    12 -اكتفينا ببعض العينات مع العلم أنه توجد دراسات ومتابعات كثيرة لدون كيخوتي باللغة العربية. نذكر منها :

    13 -حسين مؤنس، كتب وكتاب، ج1، القاهرة، 1969.

    14- د. عبد العزيز الأهواني: دون كيخوتي لثرفانتيس، العدد 2، المجلد الثالث من سلسلة تراث الإنسانية، القاهرة،1965.

    15-عمران المليح، الباب الكاذب ومصير الاستعارة، الكرمل، العدد17،1985.

    - - المعطي قبال، دون كيخوتي سليل مشهدنا الثقافي، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي ( فكر وإبداع)، العدد 7832،2005.

    16- العياشي أبو الشتاء، كيف كتب المغربي المورسكي أحمد البنذنجلي رواية دون كيخوتي دي لا منشا، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي ( فكر وإبداع)، العدد 7846، 2005

    كما سبق للأدباء العرب أن ترجموا دراسات عن دون كيخوتي إلى اللغة العربية ، ومن بينها نذكر أساسا:

    -برترون راسكو: عمالقة الأدب 3أجزاء، ترجمة دريني خشبة، القاهرة 1961.

    -جورج كروثرز: حول مائدة المعرفة، النساء في الأدب، ترجمة جلال مظهر، القاهرة-نيويورك 1961.

    -خوليو كورتيس: دون كيخوتي في القرن العشرين، مختارات من مقالات إسبانية، ترجمة د. خوليو كورتيس ود. محمد صبح، مدريد 1968.

    13 -"دون كيشوط Don Quichotte"، في : نماذج بشرية، دار المعرفة، ط3،1961، ص/ص55-65.

    14 - المرجع نفسه ص64-65.

    15 - التهامي الوزاني" عيد الكتاب يوم الأدباء"، الريف، 18 أبريل 1942.

    16 -التهامي الوزاني،"سربانطيس كما يراه الأديب المغربي"، الريف،1ماي عام 1942

    17 -عبد الكريم الفاسي،" مكيل دي سرفنطيس (1547-1616).، رسالة المغرب، ع4 السنة 6، دجنبر 1947.

    18 - لم يبرز عبد الكبير الفاسي الكاتب الذي نقل دون كيخوتي إلى اللغة العربية. فقبل أن يصدر عبد العزيز الأهواني القسم الأول من دون كيخوتي اضطلع التهامي الوزاني بترجمة فصول منها لكنها لحد الآن لم تطبع. ويبقي السؤال ما هي النسخة العربية لدون كيخوتي التي اطلع عليها عبد الكريم الفاسي؟

    19 -جورج لوكاش، نظرية الرواية، ترجمة الحسين سحبان، منشورات التل،ط1،1988،ص25.

    20 -عزالدين إسماعيل، النقد الأدبي الحديث، دار الثقافة،دار العودة، بيروت،1983، ص/ص502-504.

    21 - صدر عن الهيئة العامة للكتاب، 1979.

    22 - ينطق بالإسبانية ثرفانتيس وليس سرفنتيس وفق نطقه بالإمجليزية أو الفرنسية.

    23 -المرجع نفسه ص6.

    24 - عبد القادر الشاوي، " ميغيل سرفانتيس: رواية الفروسية والأحلام المستحيلة"، الحوارات، منشورات الموجة، ط1، 2003،ص10.

    25 - عبد الفتاح كليطو، « Cide Hamete Benengeli" في لسان آدم ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر،ط1،1995،91-97.

    26 - من بين الترجمات المقترحة ،في إطار تأويل الاسم وإيجاد ما يعلله باللغة العربية، نذكر ما يلي: سيدي حامد بن الأيلي، وسيدي حامد بن الإنجيلي، وسيدي حامد بن النجيلي، والسيد حامد ابن الغالي، والسيد حامد بن إنخيلي..ألخ.

    27 -عبد الفتاح كليطو، Cide Hamete Benengeli، م.سا ص97.

    28 -المرجع نفسه ص94.

    29 -المرجع نفسه ص96.

    30 - " وضعيات الإسلام في دون كيخوتة"، الكرمل، العدد 11،1985، ص/ص101-111.

    31 -المرجع نفسه ص102.

    32 -المرجع نفسه ص103.

    33 -المرجع نفسه ص 108.

    34 -المرجع نفسه. يقصد الإسبان بالموروLos Moros المسلمين بصفة عامة.

    35 -المرجع نفسه ص110.

    36 -الانطلاق من الأثر الإسلامي الذي مازال يفعل في كيانه إن لم يكن كمعتقد فعلى الأقل كثقافة، والبحث عما يمكن أن يضفي على إقامته نوعا من الصفاء والهدوء في قلب التناحر التارخي الذي ما زال يجثم على حوض البحر الأبيض المتوسط. انظر في هذا الصدد إلى ص101.

    37 -المرجع نفسه ص 101.

    38 - " المستويات المتعددة للكتابة"، الكرمل، م.سا ص/ص112-114.

    39 -المرجع نفسه ص113.

    40 -صدرت في طبعتها العربية عن دار الجمل، المانيا، 2000.

    41 - هذه الحكاية مثبتة في: عبد الفتاح كليطو، حصان نيشتة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر،ط1،2003، ص-ص54-62.

    ربما يعو د اللبس في ترجمة الكلمة الاسبانية sobrina. يترجمها عبد الفتاح كليطو بابنة أخ دون كيخوتي. في حين نجد في ترجمات أخرى ابنة أخت دون كيخوتي. فالطرف الأول يعتبر دون كيخوتي عم أنطونيا كيخانا.أما الطرف الثاني فيعتبره عمها. ورغم تباين الاسمين فهما يؤديان الوظيفة نسفها تقريبا. وتتجلى أساسا في حفز دون كيخوتي على إحراق كتب الفروسية بدعوى أنها أفسدت عقله.ولما نعود إلى رواية دون كيخوتي لترفانتيس نجد أن ابنة أخته – صحبة الأمة- كانت تسخر من مناقب خالها دون كيخوتي وتنهاهه عن القيام بمغامرات ثالثة متوخية من ذلك أن يضع حدا لجنونه. ورغم انتقاداتها اللاذعة له فقد أوصى لها بممتلكاته بعد وفاته. وفي حالة تأكدها بأن من سيتزوجها يعرف كتب الفروسية أوصى دون كيخوتي في البند نفسه من الوصية أن توزع تلك الممتلكات على الأعمال الخيرية.

    انظر في هذا الصدد إلى ترجمة سليمان العطار لدون كيخوتي دي لا مانشا، ( خاصة بداية فصول الجزء الثاني ونهايته)، المجلس الأعلى للثقافة ط1،2002.

    42 -المرجع نفسه ص 58.

    43 -المرجع نفسه ص58.

    44 - في المجموعة القصصية لهاني الراهب، جرائم دون كيشوت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط2،1979، ص/ص112-118.

    45 -المرجع نفسه ص 115.

    46 - انظر في هذا الصدد إلى قصة " جندب هريشلان أو مغوار"، المرجع نفسه ص130.

    47 -تتجلى بعض مظاهر هذا التعصب في اتخاذ دون كيخوتي مواقف سلبية تجاه المسلمين، وتصرف المترجم ( وإن شخصية خيالية) في المخطوط العربي الذي كتبه المؤرخ العربي السيد حامدي؛ وذلك بحذف الأنساق العربية وتعويضها بالطابع المسيحي القشتالي.

    ملاحظات في نقد "تلقي" نظرية التلقي(5)

    صدرت منذ أقل من سنتين ترجمة عربية لكتاب الناقد الألماني الشهير هانس روبرت ياوس "جماليات التلقي : من اجل تأويل جديد للنص الأدبي" (ترجمة: رشيد بنحدو ،الدار البيضاء،2004) ممهورة بمقدمة من المترجم (رشيد بنحدو) يكشف فيها عن الدافع إلى إنجاز عمله بأنه جاء استجابة لرغبة المؤلف نفسه؛ إذ التقى المترجم بـ“ياوس” عند زيارته لكلية الآداب في فاس سنة 1994، وألقى حينها محاضرتين لخَّص فيهما تصوره “للتأويلية الأدبية”، وقد كانت تلك الزيارة مناسبة قدم فيها المترجم للأستاذ ياوس صورة مختزلة عن وضعية النقد الأدبي في المغرب والعالم العربي، فأبدى هذا الأخير رغبته في أن تترجم كتبه وخاصة كتابه هذا “جمالية التلقي”، مؤكدا أن ذلك لو تم سيُحدث “انقلابا جذريا” في النقد الأدبي العربي!.

    قد ينظر إلى هذا الكلام الذي سطره المترجم على أنه نوع من الدعاية المشروعة للكتاب، لكن عند التأمل في مقدمة المترجم، ودراسة كيفية تلقينا للنظريات النقدية الأوروبية عامة، يتبين أن مثل هذا التقريظ ليس إشهارا للكتاب ولا دعاية له فقط، بل الأمر يعبر عن تصور نظري ينمذج مواقفنا من الإبداعات الغربية، تصور انبهاري مقلد؛ صحيح أنه لا يجب أن نراهن على التقليد من أجل إنجاز انقلابات أو تجديدات في مناهج الدراسة النقدية العربية، ولكن يجب المراهنة على الإبداع الذاتي الأصيل؛ فمناهج النقد ومدارس الفكر هي نتاج شروط ثقافية خاصة، لا يمكن استنباتها في شروط مغايرة إلا بافتعال لن يؤدي أبدا إلى أن يثمر ثمارا ذات قيمة. وقد سلف أن قلت في مقال سابق إن نظرية التلقي إضافة نوعية إلى الدرس النقدي، لكن أشرت إلى أنها تعتورها إشكالات ومآزق ينبغي الإشارة إليها وعدم الاكتفاء بهذه الكتابات التقريظية والشارحة التي تسود الخطاب النقدي العربي.

    في سياق هذه القراءة النقدية واحتكاما لمنطقها، نكتب هذه السطور، من أجل ملاحظة بعض إشكالات هذه النظرية على مستوى المفاهيم وكذا على مستوى الإجراء والتطبيق. ولنركز على المفهوم المحوري لهذه النظرية، أي القارئ، الذي يرتفع عندها إلى مستوى ضامن البقاء والاستمرار للنص، حيث يرى ياوس أن العمل الفني لا يكون له البقاء إلا بوساطة جمهور.

    ولنتساءل: من هو هذا القارئ الذي تدعونا نظرية التلقي إلى الاهتمام به؟

    ليس بين منظّري ونقاد “نظرية التلقي” اتفاق على ماهية هذا القارئ، ففي بداية ظهور “جمالية التلقي” تبلورت هذه النظرية بوصفها علما لدراسة “تاريخ الأدب”. ومن هنا نلاحظ أن ياوس مثلا يطرح نظرية التلقي بوصفها منظورا تحليليا للتاريخ الأدبي، مستثمرا غادامير وهوسرل في صياغة مفهوم “أفق التوقع”. لكنْ ثمة إسهام آخر من داخل مدرسة كونسنتانس أنجزه آيزر الذي لم يترك “علم جمال التلقي” كمقاربة منهجية للتاريخ، بل سيحوله إلى دراسة للنص الأدبي من حيث هو علاقة تواصلية مع القارئ الفرد؛ لذا نجده يتحدث عن القارئ الضمني. ذلك لأن فعل الكتابة هو فعل قصدي يقوم على استهداف القارئ، وإحداث تأثير فيه. وفي هذا كان "آيزر" يستثمر النظرية الفينومينولوجية التي قامت منذ تأسيسها على نقد الكوجيتو الديكارتي الذي كان حسب هوسرل مغلقا وساقطا في الأناوحدية، وأن معالجته لا يمكن أن تتحقق إلا باستحضار الخاصية الأساسية للوعي بوصفه وعيا قصديا. هذا الدرس الفينومنولوجي (الظاهراتي) هو الذي وعاه آيزر وحلل به فعل الكتابة والقراءة منتهيا إلى أن كل نص يطرح نمط قراءة خاص، لذا يجب على الناقد أن يدرس ويستخلص نظام القراءة الذي “يقترحه” النص لتحقيق الاستجابات المنتظرة من القارئ. وفي السياق نفسه، يمكن أن ندرج موقف أمبرتو إيكو، في كتابه المعنون بـ “القارئ داخل النص”. فالكاتب يحس عند صياغته لنصه بعوائق لسانية وثقافية ومجتمعية تعوق انطلاقه في التعبير، لذا فالنص حسب إيكو لا يقول كل شيء ومن ثم فهو يحتاج إلى القارئ. وعلى الناقد أن يحدد نمط “القارئ النموذجي”، أو “القارئ المثالي” الخاص بالنص الذي يدرسه، وهو النموذج الذي يتوقعه المؤلف ويتمناه، ليس ليقرأ ملفوظات نصه بل أيضا مسكوتاته وما بين سطوره.

    لكن في منتصف الثمانينات سيبرز بشكل واضح نقاش حول جدوى البحث عن قارئ مفترض بين تلافيف النص، وإهمال القارئ الفعلي المتحقق عينيا. حيث قدم "ميشيل بيكار" في كتابه “القراءة بوصفها بوصفها لعبة”. مفهوما للقارئ المتعين، أي القارئ الفعلي الذي له كينونة وجودية في الواقع، كما تقول "آني روكسيل"، وليس القارئ الضمني أو المتخيل الذي انساقت إليه أعمال "آيزر" و"أمبرتو إيكو". بيد أن هذا التصور الجديد للقارئ الذي اقترحه "بيكار"، تعوقه أيضا عوائق عدة، ومن أهمها في تقديري أنه لو اتخذناه منطلقا إلى دراسة تاريخ الأدب فإننا سنكون عاجزين عن تناول أدباء ومبدعين مغمورين، وسنكون مضطرين إلى اختيار المؤلفات التي أثارت اهتمام النقاد/ القراء، وبذلك سنغفل ثروات مهمة في تاريخ الأدب. وهذا الاعتراض يعوق أيضا التطبيق الإجرائي لمنهج التلقي عند "ياوس" و"ستانلي فيش"، وآية ذلك ماذا بإمكان منهج نظرية التلقي، بمفهوم بيكار للقارئ/ المتلقي، أو مفهوم "ياوس"، أو "ستانلي فيش" الباحث عن جماهير القراء، أن يفيدنا في دراسة أشكال تلقي نصوص وتآليف مهملة. أليس من الأولى أن ندعو هنا إلى أن نشتغل بما يمكن أن نسميه بمنهجية عدم التلقي، أي دراسة أسباب إهمال هذه النصوص؟

    ثمة إذن أمام تطبيق نظرية التلقي اعتراضات وصعوبات، على مستوى الإجراء والتطبيق، سواء كان مفهوم القارئ مجردا أو عينيا.

    لكن إضافة إلى هذه العوائق النظرية، يجب أن نلتفت إلى أمر مهم وهو السياق الثقافي العام الذي ظهرت فيه هذه النظرية، لكي نعي واقعها وندرك ضرورة الانتباه إلى أنها وليدة ظرف ثقافي خاص: إن نظرية التلقي هي عملية زحزحة لمركزية المؤلف تتناغم مع جوهر المشروع الفلسفي لما بعد الحداثة الذي يتحدد في نقد مركزية الذات، تلك التي نهض عليها المشروع الحداثي ابتداء من ديكارت. ومن ثم فهي في تقديري الشخصي أحد أشكال وتجليات فلسفة ما بعد الحداثة، ولتوضيح وجهة نظري هذه أقول: عندما بدأت الحداثة الأوروبية مع الديكارتية بدأت بتسييد الكوجيتو، أي تسييد الذات المفكرة. بيد أن ديكارت كان له مع تسييده للكوجيتو موقف إيجابي من الدين، لكن صيرورة تطور الفكر الفلسفي الأوروبي من بعد "ديكارت" و"مالبرانش" وغيرهما من الديكارتيين الذين كان للدين موقع داخل أنساقهم الفلسفية، ستفتح المجال نحو تسييد مطلق للذات المفكرة/ العقل، وهكذا نلاحظ أنه ابتداء من نهاية القرن السابع عشر أخذ الفكر الأوروبي ينحو منحى متطرفا في تقدير العقل الإنساني والنظر إليه بوصفه قادرا على بلوغ الحقيقة، كما كانت للثورة الصناعية ولمنتجاتها بالغ التأثير في صياغة هذا الموقف الواثق من العقل وإمكاناته على المعرفة إلى درجة تأليهه.

    بيد أن هذا الموقف الواثق من العقل سيتعرض لاهتزاز كبير.بدأ في القرن الثامن عشر بالنقد الكانطي لقدرات العقل ، وتنسيب حصيلته المعرفية بحد إمكانه المعرفي بحدود الظاهر، وجعل الماهية النومينية غير قابلة للإمساك بمقولاته؛ لتظهر من بعد فلسفة ما بعد الحداثة كمشروع لنقد مركزية الذات الإنسانية. ففلسفة نيتشه هي نقد لهذه المركزية ولنمطها العقلاني، وسيكولوجية فرويد هي كذلك نقد لمركزية العقل والإرادة بإبراز مقولة اللاشعور، وفلسفة البنيوية هي تمويت للإنسان لمصلحة البنية واللغة، فمناداة "رولان بارت" بتمويت المؤلف يندرج ضمن السياق ذاته المناهض لفلسفة الحداثة.

    ونظرية التلقي عندما استبعدت المؤلف تندرج هي أيضا في سياق زحزحة مركزية الذات، وعندما ندرسها يجب الوعي بالشروط التاريخية والثقافية الخاصة التي ساهمت في إنتاجها؛ ذلك أن النتاجات الثقافية لا ينبغي استنساخها؛ بل الاستفادة منها مع الوعي بكونها جاءت استجابة لحاجات وإشكالات خاصة. وبهذا الوعي تكون استفادتنا منها ممكنة، لأنها تكون بالفعل استفادة مبنية على وعي نقدي وليس تقليداً مبنياً على الانبهار.

    نظرية التلقي(6)

    أصبحت نظرية التلقي في النقد الأدبي الحديث المحور الذي تدور عليه معظم الاشتغالات النصية، وقد كثرت الأسس النظرية التي تقف موقف التوصيف لمجمل التجربة المعاصرة في علم النص والأسلوبية. في كتاب الباحثة الدكتورة بشرى موسى صالح تجربة إجرائية تأويلية تتوسل بالمنطلق النظري وتمضي في القراءة النصية في أوجهها المتعددة والمستندة إلى فهم أصيل ومتميز لمفاصل هذه التجربة النقدية الجديدة، على الأقل بالنسبة للنقد الأدبي العربي الحديث.

    ويبدأ الفصل الأول من الكتاب بمقدمات نظرية تتناول علم النص كبديل إجرائي في النقد الأسلوبي، وفيه تحاول الباحثة مقاربة الظاهرة المنهجية في النقد الحديث، بغية الكشف بالتالي عن أنساق الاشتغال المنهجي العربي، وصولاً إلى تحديد الخيوط النظرية والإجرائية في الحداثة المنهجية المؤسسة، وتعرض الباحثة في هذا الإطار الموقف من المنهج، أو من شبكة التطورات المعرفية الجاهزة ذات الامتدادات المختلفة، وتشير إلى أن مواقف النقاد العرب المعاصرين من المنهجيات الوافدة قد تأرجحت بين الرضا والرفض. كما تعرض لتحولات المنهج النوعية، وللكشوف التطبيقية وما تتضمنه من منهج مقترح، وقد تناولت في هذا الصدد زمن التأسيس المنهجي التحديثي العربي، بمرحلتيه التعريفية والإجرائية. ففي المرحلة التعريفية ستظل جهود النقاد العرب في خدمة علم النص تراوح بين شكلي الترجمة والتأليف، وقد برزت في ذلك نتاجات كل من عبد السلام المسدي وصلاح فضل وشكري عياد وكمال أبو ديب وعبد الله الغذامي وحميد الحمداني وآخرين.. أما في المرحلة الإجرائية فقد تحول النقاد صوب منطقة أخرى تحاول اختبار صحة الفروض الغربية على النتاجات العربية، بعيداً عن الربط الآلي الجامد، وترى المؤلفة في كتاب د. صلاح فضل ( أساليب الشعرية المعاصرة ) تجربة هامة تسعى للخروج من دائرة الحداثة النظرية المنهجية المؤسسة إلى الحداثة التطبيقية المؤسسة.
    __________________
    شـبـكـة مـنـتـديـات فـنـون - الـمـلـتـقـى الأولــــ لـلـتـشـكـيـلـيـيـن الـعـرب
    HASALEEM^***أنــا الــحــقــيــقــة وأنــت عــنــوانــهــا***^HASALEEM
    حــســيــن أحــمــد ســلــيــم آلــ الــحــاج يــونــس
    الـمـاضـي والـحـاضـر والـمـسـتـقـبـل
    للعلوم والمعارف والآداب والثقافة والفنون

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 5:48 am