لباب النظري أثر المصطلح في الدرس اللغوي: ـ الفصل الأول أثر المصطلح في الدرس اللغوي
1ـ تقدمة
أصبح الدرس اللساني في السنوات الأخيرة موضوع اهتمام الدارسين كل إزاء لغته وبلسان قومه، وظهرت أصوات تدعو إلى عصرنة النقد العربي، تتحسس الظاهرة اللغوية في ضوء اللسانيات الحديثة و"تسعى إلى تأسيس المعرفة الإنسانية، والتأصيل للمناهج المحدثة، وإخصاب النظريات البلاغية القديمة وجعلها تتماشى مع العصر، تعتمد اللغة كعنصر قارٍّ في العلم والمعرفة" 1
من ههنا، بدأ النقد في القرن التاسع عشر يصطبغ باللغة العلمية، واتجه النقاد إلى الاستضاءة بالعلوم الطبيعية، يطبقون مناهج العلماء على النقد وفق النظريات اللسانية الجديدة، ويعدون النقد فناً لا يزرى ويُهجِّن النص الأدبي بقدر ما يقرره، ويعدون النص، نسيجاً قاراً من الرموز، يحمل الكثير من الدلائل والأسرار، مشحوناً بالمعاني والأصداء الدلالية، والكلمة فيه بمثابة الفكرة ولحمة النص، هي الثقافة وهي كل شيء.
وربما اعتدوا بهذا المنظار، اعتقاداً منهم، بأن اللغة داخل النص هي كذلك بمنزلة محور الفكر والخطاب، بها يتجدد كل شيء، وبها نتحدث عن الأشياء في واقعنا، ونتحدث عن اللغة نفسها، وهي الموسومة بالمكنونات الغامضة التي من الصعب التكهن بعناها إلا عندما تخضع للوسائل النقدية المتوفرة، وهي مادة الفكر والأدب، ترمز إلى الواقع المحسوس، أداة ترميزية ونظاماً من العلامات متغيرة بتغير النصوص وتعدد القراءات "فضمن مجموع الألفاظ والرموز يتكون عالم آخر.2
من هذا المنطق، جاء اهتمامنا في هذا البحث مبنياً على المصطلح أو الاصطلاح كعرف خاص يعني اتفاق طائفة خاصة على وضع شيء وتداوله في أدبيات الكتابة، مجال أولته العرب عناية كبيرة واهتمت بوضع المصطلحات والمناصبة بين مداليلها اللغوية ومداليلها الاصطلاحية. لما لـها من تأثيرات على الجوانب الفكرية العامة. لأن المصطلح "صورة مكثفة للعلاقة العضوية القائمة بين العقل واللغة ويتصل أيضاً بالظواهر المعرفية والمصطلحات في كل علم من العلوم هي بمنزلة ، النواة المركزية التي يمتد بها مجال الإشعاع المعرفي ويترسخ بها الاستقطاب الفكري3. وكل ذلك، لإسهامه في ربط الحضارات والأمم بعضها ببعض كما أسهم أسلافنا بمصطلحاتهم في استيعاب العلوم والفنون قديماً.
ففي صدر الإسلام وحتى نهاية القرن الثالث الهجري استفادت اللغة العربية بكثير من الألفاظ والمعاني الجدية واختلاط العرب بغيرهم من الأمم المتحضرة، مما رقى العقل العربي وأدخل على الحياة العربية كثيراً من المستحدثات، واتسعت دائرة الثقافة العربية من الثقافات الأجنبية ككل.
أما اليوم، ومع تأثير النظريات اللسانياتية الحديثة في النقد العربي، فقد أصبح المصطلح يأخذ حيزاً بليغ المرتبة لدى الدارسين لما لـه من أهمية في عملية الإيصال والتبيلغ Communication =، الأمر الذي جعل النقاد يأخذون بحظ وفير من هذه المصطلحات الوافدة من الغرب، حتى أصبح لكل ناقد منهم رصيده اللغوي الذي يمكنه من الكتابة والتأليف والنقد بحسب الأغراض. فاختلفت مصطلحاتهم من شكل إلى آخر، وانقسموا إلى فرق متباينة يحضر كل منها رأياً أو مدرسة.
وفي ضوء ذلك، استهدى هؤلاء النقاد بوسائل كثيرة قصد صياغة المصطلح النقدي الألسني أهمها: الوضع والقياس والاشتقاق والترجمة والمجاز والتوليد والتعريب4. وربما تارة بالإحياء وهي وسائل رفدت علوم اللغة العربية بكثير من المصطلحات الجديدة ورفدت الحركة النقدية الحديثة في الوطن العربي.
بيد أن، هذه الجهود التي غرفت من المصطلحات الأجنبية ادعاءً أو استسهالاً أوجدت إشكاليات المصطلح النقدي، حتى أضحى موروثنا النقدي يكاد يخلو من مواضعة عربية خالصة لمصطلحات متفق عليها يقرؤها المشارقة والمغاربة على حد سواء، ويقرؤها الباحثون من مثلي بعيداً عن إغراق النقد العربي في لجة المصطلحات الغربية المتباينة حيناً والمتشاكلة أحياناً أخرى.
من هذا المنتهى، اخترنا أن نروح في إشكاليات المصطلح مبتعدين ـ قدر الإمكان ـ عن اللحاق الكامل بالموقف الغربي والانتقائية العمياء، والسعي خلف خلق علاقة حميمة صحيحة بين الحضارات، نحاول جراها إخراج المصطلح البلاغي من قوقعته، وجعله يتماشى مع النظريات اللسانية الحديثة بالتوفيق.
وفي كل ذلك، نعتقد أن المصطلح العلمي ملك مشاع علينا أن نجعله ينسجم مع خصوصيات هذه اللغة (العربية)، وكيف نستفيد من المصطلحات التي تدرسها البنوك العالمية وحينما نقول المصطلح نعني العمل به والتحكم فيه وفي مستلزماته 5.
ثم إن معرفة المصطلح عنصر أساسي يدخل في صلب العلم ومنهاجه، والنقد أسلوب وحركة، وهو علامة دالة لحقل معرفي معين يسم الخطاب ويعلمه، وكلمة أو مجموعة من الكلمات تتجاوز دلالاتها اللفظية والمعجمية إلى تأطير، تصورات فكرية وتسميتها في إطار معين، تقوى على تشخيص المفاهيم وضبطها التي تنتجها ممارسة ما في لحظات معينة 6 وهو العرف الخاص الذي يعني اتفاق طائفة خاصة على وضع شيء وتداوله في أدبيات الكتابة.
أما الباحث أحمد حطاب في بحثه القيم في مجال المصطلحات العلمية وأهميتها فيقول: "فالمصطلحات العلمية إذاً عبارة عن مجموعة من الكلمات التي تم الاتفاق على استعمالها من طرف مجمع الباحثين لتقوم بوظيفة تتمثل في تجسيد نتائج البحث ووضعها في قالب لغوي يضمن تواصلاً فعالاً ومفيداً بين مختلف فئات المستعملين"7.
ولا أدل على مثل هذه الأهمية، من أن العرب أولت المصطلح عناية كبيرة، واهتمت بوضع المصطلحات والمناسبة بين مداليلها الاصطلاحية، كما اهتمت كل مدرسة لسانياتية حديثة بالمصطلح، وشكلت لنفسها مصطلحية خاصة بها، لكن غير مكتملة ولا محددة، أي لا وجود لأي علم من دون مصطلحية، بغض النظر عن التفرقة بين المصطلح والمصطلحية، لأن هذه المادة بشكليها لقيت اهتماماً كبيراً لدى النقاد والدارسين، لما لـها من خطورة وأهمية على الجوانب الفكرية العامة، لا سيما مع شيوع التيارات النقدية الألسنية.
ولعل من المجدي كذلك الإشارة، إلى أن "علم المصطلح" وليد مطلع هذا القرن تبعاً لمجهودات علماء أوروبيين إلى توحيد قواعد وضع المصطلح، ومن قبل وحتى نهاية القرن 3 الهجري استفادت اللغة العربية بكثير من الألفاظ والمعاني الجديدة، لاسيما اختلاط العرب بغيرهم من الأمم المتحضرة، أمر رقى العقل العربي، وأدخل على الحياة العربية الكثير من المستحدثات.8
في ضوء ما سبق يستحضر الدارسون بعض التآليف المصطلحية في هذا الشأن فيذكرون بعضها من ذلك كتاب "التعريفات للشريف الجرجاني" و"مفاتيح العلوم للخوارزمي" و"كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي" وعندئذ نوهوا بمجهودات المجاميع العربية في هذا المساق والساعية إلى التنسيق في وضع المصطلحات العربية والتقنين لـها.
ولما كنا لا نروم في هذه التقدمة الوجيزة التفصيل في المصطلح وآلياته، فحسبنا الإشارة كذلك إلى أهمية المصطلح والاصطلاح، كفاتحة لـهذه الدراسة لأننا نعتقد أن كل دراسة بمجرد ما تريد أن تكون عملية، تصطدم بمشاكلات الاصطلاح وأزمة المصطلح، ولا أدل على ذلك أننا نجد أغلب الباحثين يرفضون حق الدراسات الأدبية في أن تتوافر على مصطلحات محددة تحديداً دقيقاً.
وكذلك، تؤكد تعريفات حديثة للمصطلح، أن "تاريخ المصطلحات هو تاريخ العلوم، وكل علم جديد يحتاج إلى مصطلحات جديدة، وكل تصور جديد يدعو صاحبه إلى خلق مصطلحات جديدة، ومن صفات العلوم الطبيعية أنها دائمة النمو، وأنها دقيقة منظمة، قابلة للامتداد البعيد المدى، لذلك كان من الضروري، أن تكون للعلوم هذه المصطلحات نفسها، فيجب أن تكون دقيقة، وأن تكون منظمة، وأن تكون قابلة للنمو" 9.
وتؤكد تعاريف أخرى، أن المصطلح في الأصل اتفاق الباحثين على اختياره للتعيين عن مفهوم معين في علم أو فن محدد، وتأتي عادة المصطلحات في شكل ألفاظ مفردة مثل: قاموس أو حاسوب أو عدد من الألفاظ، مثل: هندسة المياه، أو الوصف مثل: الهندسة الكهربائية أو بهما معاً كما في علم اللغة الاجتماعي.
ونضيف، أن الحقول المعرفية تتحدد بتحديد دلالات مصطلحاتها واستقرار مفاهيمها، وبقدر رواج المصطلح وشيوعه وتقبّل الباحثين والمهتمين لـهذا المصطلح أو يحقق العلم أو الحقل المعرفي ثبات منهجيته، ويمكن لوضوح اختصاصه، وصرامة أدواته الإجرائية، ومن خلال ذلك يمكنه تناول موضوعه بالدرس والتحليل وهو مطمئن إلى النتائج التي يصل إليها تحليله10.
من هاهنا، جاء المصطلح والمصطلحية ليكوّنان حيزاً كبيراً من حجم هذا المشروع الذي نخوض فيه، وحيزاً من المعركة التي يخوضها الخطاب النقدي المعاصر، بما يعني أن لـه شأواً بعيداً ضمن نسيج هذا الخطاب، فجئنا نروم تشريح آليات المصطلح النقدي السيميائي، والضوابط المتحكمة في طرائق صياغته، بإجراء حفريات معرفية نلامس من خلالها إشكاليات الكلمة مصطلحاً ومصطلحية وأهم جذور القواعد الفكرية في أدق حيثياتها، معتقدين أن الوعي بالمفاهيم في مجال النقد الأدبي كثيراً ما يتخطى عتبة الوعي بدوالها.
ولذلك، تبرز إشكاليات المصطلح في النسق النقدي السيميائي، وتبرز قبلها كلمة مصطلح في اللغة والاصطلاح كمادة في القواميس العربية والأجنبية، ويبرز المصطلح السيميائي كلفظ أو مركب لفظي منزاح عن دلالته المعجمية الأولى، متفق عليه من أهل الاختصاص ومختلف بشأنه تارة أخرى.
ويذكر بعض الدارسين11 في هذا المجال، أن علم المصطلح هو الآخر، قد ظهر لدى بعض علماء الأحياء والكيمياء الأوروبيين الذين سعوا إلى توحيد قواعد وضع المصطلحات على النطاق العالمي في حدود سنتي 1906 و1928 حيث أصدروا معجماً مصوراً للمصطلحات التقنية في 16 مجلداً، وتلت هذه المحاولة محاولات أخرى لتأسيس النظرية العامة لعلم المصطلحات في جميع الفروع وصولاً إلى العصر الحديث والمجهودات التي قام بها آخرين بخصوص مجامع اللغة العربية.
ونظراً لـهذه الأهمية التي ذكرنا، ارتأينا أن نخوض في إشكالية المصطلح Terme والمصطلحية Treminologie كعلم يدرس المصطلح في ذاته دراسة مرفولوجية مجردة، ونحن لا نروم وراء هذا الخوض تعقيد الأمر في التميز بين المصطلحين السابقين ولا بين المصطلحية وعلم المصطلح. وما هي أبعاد المصطلح وشروطه ومعايير الاصطلاح؟ وطرائق وضع المصطلحات المعروفة سلفاً لدى الباحثين في هذا المجال من مثل: الاشتقاق، النحت، المجاز، الترجمة والتعريب والقياس وسواها من الطرائق.
وربّما نذهب بعيداً، إلى غاية الخوض في مجال المصطلحات في علوم اللغة، وفي الفقه لدى اللغويين والنقاد السيميائيين على وجه أخص. وأملنا في كل ذلك كبير في أن يكون هذا العمل مفيداً للباحثين من اللغويين والعلميين، والمصطلحيين وحافزاً لـهم بغية التعرف عن قرب على وضع المصطلحية وطرائق وضع المصطلحات.
في ضوء كل هذا، وسعياً وراء هذه الغاية، نحاول التنقيب في الدلالات اللغوية والاصطلاحية للفظتين: مصطلح ومصطلحية، كاثنتين من أكثر المصطلحات ترداداً في الممارسات الثقافية الحديثة، والممارسات العلمية والنقدية. ونهدف من ذلك إلى تشخيص ضروب العلاقات التي تربطها وتصل بينهما، بما يكشف بالمفاهيم الدقيقة لـهما، سواء في انحدارهما عن أصول معينة، متشابهة أم مختلفة، وفي حقول معرفية محددة، أو في الانحراف الدلالي، الذي لحق بهما كونهما أداتين مفهومتين لإنتاج المعرفة، وكل هذا استدعى الحفر في أصولهما وتطوراتهما بما يكشف عن الأهمية التاريخية والمعرفية لـهما في سياق تكون الفكر الإنساني.
وسوف نتناول خلال هذا العمل، موضوعات تتعلق بأهم طرائق المصطلح. وهي طرائق وضعه، وكل ذلك لأجل إنماء اللغة العربية، وجعلها تستوعب المصلحات التي تعبر عما يستحدث من مفاهيم جديدة، عملاً بقول مصطفى الشهابي، إن العربية قد نمت بالاشتقاق والمجاز والنحت والتعريب، وهي الوسائل التي رجع إليها العلماء والنقلة عندما وضعوا آلاف المصطلحات في صدر الإسلام وهي الوسائل التي نتخذها مطية لنقل العلوم الحديثة إلى اللغة العربية.
2 ـ المصطلح /الحد
إن كلمة مصطلح في اللغة مشتقة من المادة "صلح" أو صلح ومنها الصلاح والصلوح، حيث أورد ابن فارس في معجمه أن "الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد..." 12 وفي الصيغة الاشتقاقية نفسها أورد ابن منظور أن الصلاح كلمة ضد الفساد، أي اصطلحوا وصالحوا وأصلحوا وتصلحوا، واصالحوا، مع تشديد الصاد، ثم قلبوا التاء صاداً مع إدغامها في الصاد بمعنى واحد 13.
ودائماً بخصوص هذه المادة، يلاحظ في اللغة العربية أنها في اللغة العربية مصدرٌ ميمي للفعل "اصطلح" مثل المادة (صلح) بحيث ورد في الصحاح بأنها "ضد الفساد" فنقول صلح الشيء يصلح صلوحاً. حيث قال الفراء: وحكى أصحابنا صلح أيضاً بالضمّ، من المصالحة. ثم أن الإصلاح نقيض الإفساد والمصلحة واحدة المصالح، والاستصلاح نقيض الإفساد 14.
أما الفعل اصطلح فقد ورد ذكره في أحاديث نبوية كثيرة، وورد ذكره في معاجم عربية بالدلالة نفسها. وهناك حديث آخر عن المصدرين (اصطلاح) و"مصطلح" بحيث وردت دلالة هذه الكلمة لتعني "الكلمات المتفق على استخدامها بين أصحاب التخصص الواحد للتعبير عن المفاهيم العلمية لذلك التخصص15.
بهذه الدلالة، جاءت كلمة "مصطلح" وجاء الفعل (اصطلاح) ضمن هذا المجال الدلالي المحدد، كما ورد في كتاب الجاحظ ضمن كتابه (البيان والتبيين) عن المتكلمين حيث إنهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن لـه في لغة العرب باسم. كما يعثر على تعريف آخر لكلمة (اصطلاح) نقله الجرجاني، في مادة (صلح) هو اتفاق قوم على تسمية شيء باسم بعد نقله عن موضوعه الأول لمناسبة بينهما أو مشابهتهما في وصف و غيرهما"16. وهو بهذا المعنى، يستخلص تسميتين أساسيتين للمصطلح:
الأولى: اتفاق المتخصصين على دلالة دقيقة.
والثانية: اختلاف المصطلح عن كلمات أخرى في اللغة العامة.
وقد جاء في المعجم الوسيط، أن لفظة صلح بمعنى "زال عنه الفساد" واصطلح القوم: زال ما بينهم من خلاف، ثم أن "تصالحوا، اصطلحوا والاصطلاح مصدر اصطلح بمعنى "اتفاق طائفة على شيء مخصوص17 وهي الدلالة التي عثرنا عليها في جل المعاجم بمعنى الاتفاق والتواضع والمصالحة. وأما الاتفاق المقصود هنا فهو اتفاق جماعة من العلماء والمشتغلين بعلم من العلوم على إعطاء كلمة ما معنى جديداً فتصبح عندئذ دالة على مدلول جديد، وتدعى مصطلحاً أي كلمة تحمل دلالة جديدة متفقاً عليها، دلالة تغاير تماماً الدلالة الأصلية.
والشرط الرئيس في المصطلح أن يكون للمفهوم الواحد سواء أكان اسم معنى أم اسم ذات لفظة اصطلاحية واحدة يتفق عليها أهل الاختصاص.
وثمة أمثلة أخرى كثيرة وردت في هذه اللفظة وسواها من هذه المادة الأفعال التالية: صلح، صلُحَ، صَالَحَ، أصلح، تصالح، أصالح، والمصادر، صُلح، صلاح، ومصالحه، وإصلاح، واستصلاح والمشتقات صالح، وصليح ومصلح وصلحاء ومصلحة، وقريباً من هذه المواد، مصطلح (اصطلاح) الذي ورد ذكره في أحاديث كثيرة، وذكرته معاجم عربية أهمها، لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي، وفي الحديث مثلاً: "اصطلحا على أن لنوح ثلثها" واصطلح أهل هذه البحيرة" ثم "يصطلح الناس على رجل" وكلها أحاديث اشتملت على أن الفعل اصطلح رديف اتفق.
وبهذا المعنى، استخدمت لفظة (مصطلح) وأضحى الفعل (اصطلح) يحمل هذه الدلالة الجديدة المحددة، كما استخدمت لفظة علم المصطلحات تسمية لذلك التخصص الذي يبحث القواعد العامة لـهذه الألفاظ الاصطلاحية 18 وقد ورد في الاصطلاح لدى الجاحظ"... وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لـها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن لـه في لغة العرب اسم فصاورا ذلك سلفاً لكل خلف وقدوة لكل تابع" 19.
ويحدد كثير من الباحثين المحدثين، أن المصطلح أو الاصطلاح، بأنه العرف الخاص، وهو اتفاق طائفة مخصوصة على وضع شيء والاصطلاحي، وهو ما يتعلق بالاصطلاح ومقابلة اللغوي20. وعليه فالمصطلح يؤدي دوراً رئيساً في اللغة بما يغدقه من إثراء على اللغة، وأول باكورة لـهذه كانت بفضل القرآن الكريم الذي جاء بمعان لغوية مختلفة عن سابقاتها القديمة، وأضفى المعاني الدلالية والتشبيه والمجاز.
ومن المجدي كذلك الإشارة، إلى أن مؤلفين آخرين عبروا عن المصطلحات بلفظ (الكلمات) أبرزهم، الرازي أحمد بن حمدان، وعبر آخرون عن المصطلحات بكلمة ألفاظ ـ على نحو ما أورده علي بن يوسف الآمدي، في مؤلفه (المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتحكمين).
وتجاوزاً للتعريفات العربية القديمة، فإن أقدم تعريف غربي لكلمة مصطلح هو ما أورده فاتشيك (J.Vachek) ضمن مدرسة براغ اللسانياتية الأوروبية حيث أورد التعريف الآتي في اللغة الفرنسية: 21 أمكن ترجمته ضمن الصياغة الآتية "المصطلح كلمة لـها في اللغة المتخصصة معنى محددة وصيغة محددة، وحينما يظهر في اللغة العادية يشعر المرء أن هذه الكلمة تنتمي إلى مجال محدد ودقيق".
فمن خلال هذا التحديد يستخلص ارتباط المصطلح باللغة المتخصصة.
وهناك تعريفات أخرى للمصطلح المفهوم الذي يدل عليها أهمها أن "المصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة علمية أو تقنية، يستخدم للتعبير عن المفاهيم وليدل على أشياء مادية محددة". وبهذه الدلالة يصبح المصطلح دالاً على المفاهيم والأشياء المادية.
أما الرأي الراجح لدى المتخصصين في علم المصطلح، فهو أن أفضل تعريفات المصطلح، تكاد تكون متفقة من حيث النطق والإملاء، وهي الكلمات Trem في اللغة الإنجليزية، وTrem في اللغة الألمانية، وTerme في الفرنسية، وTermine في الإيطالية وTermino في الإسبانية، وTermo في البرتغالية، وTernin في الروسية، وغيرها من الكلمات في اللغات الأوروبية التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة.
والتحديد المتفق عليه في هذا المساق، هو أن هذه الكلمة تدل في الاستخدام المتخصص على أية كلمة أو تركيب يعبر عن مفهوم أو عن فكرة قابعة في الأصل في اللغة اللاتينية وبناتها، بيد أنه يعثر على بعض المظاهر التي تومئ إلى الكلمة، ففي اللغة اليونانية يعثر على كلمتين هنا: Terma وtermon وكلمات من قبيل Termen وTerminus ثم كلمة Termo هذه الأخيرة تدل على الحدود الفاصلة، كما تدل كلمة Terminus على المجال والحيز.
ومع مرور الزمن، بدأت المعاجم الأوروبية المتخصصة في المجال المصطلحي تخص كلمة (Terme) في الفرنسية (Terme) في الإنجليزية ببعض التحديدات أهمها ما أورده معجم ماروزو (1951) على أنها مرادفة لفظة Mot أي الكلمة 22 ووفق هذا المنظور، عَدّو الكلمة الاصطلاحية أو العبارة الاصطلاحية ومفهوماً مفرداً أو عبارة مركبة استقر معناها وحدد بوضوح، كما أن مثل هذا التحديد لا يقصر المصطلح على الكلمة المفردة بقدر ما يعومه على العبارة المركبة.
وقد ورد في بعض المعجمات السيميائية في إطار علم المصطلح، تحديد آخر لـه دلالته الاصطلاحية هو كالآتي: Terme: non définissable d un systeme coherent enumeratif. “nomlenclature” ou structure “Taxonomie” et correspondant sans ambiguîte aune notion ou concept 23.
بناء على هذا التحديد، فإن المصطلح مرتبط بوضوح المفهوم الذي يدل عليه كما أن المصطلح الواحد تتحدد دلالته بين مصطلحات التخصص الدقيق نفسه أي عن طريق مكانته وسط المصطلحات الأخرى، ثم أن المصطلح يخضع في تطوره بحسب التخصص وهو يتحدد داخل النظام الذي يكونه هذا التخصص، كما أن المصطلحات ينبغي أن تكون دالة على نحو مباشر ودقيق.
وقد يعثر على أن المصطلح يقابله في اللغة الفرنسية Treme المشتقة من اللاتينية Terminus التي تعني في ما تعنيه النهاية والحد الزمني 24 ما ورد في معجم لاروس الصغير، وقد استخدمت كلمة terminal حتى اليوم في اللغة الإنجليزية، بمعنى المحطة لخط المواصلات وهي الدلالة التي تلتقي مع المعنى في اللغة الأم اللاتينية.
وهناك سمات أساسية أخرى يتميز بها المصطلح، حيث ينبغي أن يكون لفظاً أو تركيباً وألا يكون عبارة طويلة تصف الشيء وتوحي إليه 25 أي "تمثل تصوراً ما لوحدة لغوية ويتكون من كلمة أو أكثر".
من جانب آخر، يمكن اعتبار المصطلح رمزاً اتفاقياً لتصور ما، يتألف من أصوات منطوقة أو الشكل الذي تمثل به كتابياً أي عن طريق الحروف، ويكون في صورة كلمة أو عبارة. ووفق هذا الاعتبار، يمكن كذلك أن يرد المصطلح في شكل كلمة، وقد تحوي مورفيما واحداً أي عنصراً معنوياً غير قابل للتقسيم، أي حرفما ـ أو يحوي عدة موفمات. كما يمكن أن نعثر في المصطلحات على مجموعة تركيبية Syntactic Group من الكلمات.
بيد أن الخواص الذين يميزون المصطلح عما عداه يعتبرون أن "تحليل مضمون المصطلح يكشف عن درجة عالية من الدقة أو المضمون الخاص الذي لا تعرفه لغة الأغراض العامة. وبما أن المصطلح يمثل تصوراً، وهذا بدوره يشكل عنصراً داخل منظومة التصورات المعينة، فالمصطلح يمثل عنصراً في المنظومة المصطلحية، المقابلة لمنظومة التصورات أي مصطلحية Terminologie الحقل الموضوعي الخاص" 26 ووفق ذلك، قد يحوي المصطلح خصيصات تميزه عما عداه، هي الدقة وحقيقة انتمائه إلى منظومة مصطلحية.
بيد أن بعض الدارسين يرون أنه من غير الممكن أن يحمل المصطلح من البداية كل الصفات، وبمضي الوقت يتضاءل الأصل اللغوي لتصبح الدلالة العرفية الاصطلاحية دلالة مباشرة على المفهوم كله، كما أن الاختصار والاختزال لابد أن ينظم نسق المصطلحات، حتى تكون دالة في وضوح على المفاهيم، ومن ثم تتخذ مكانها في لغة العلم.
ما دمنا في مساق الحديث عن المصطلح، يجدر بنا التسليم بأن أمر تعريف المصطلح ليس يسيراً لأن تعدد الحدود يغيب معالم الدقة والوضوح. فقد يلفي المرء نفسه قبالة تعريفات متشابهة ومختلفة لطائفة من الباحثين والدارسين، من ذلك، ما أشار إليه محمد طبي في مؤلفه "وضع المصطلحات" 27، وحامد صادق قنيبي في مؤلفه 28 دراسات في تأصيل المعربات والمصطلح كما هو الحال فيما جاء به علي القاسمي 29، أو الفاسي الفهري 30، حيث برزت مجهودات هذين الأخيرين في معجم روبير الصغير ومعجم روبير المنهجي. كما هو الحال في الثقافة الفرنسية في قاموس اللسانيات Dictionnaire de Linguistique لصاحبه جان ديبوا 31.
فجل هذه المعجمات أو المعاجم يحدث فيها اختلال في تحديد كلمة مصطلح فتلفي أصحابها يعرفونك بالكلمة ويحيلونك على مصطلحات أخرى من مثيلات Le xi cographie. Nomenclature. Ternimologie 32 في اللغة الفرنسية، وكما شاهدنا من مثيلات: Terminus وTerminal وفي الدراسات العربية من مثيلا ت اصطلاح، مصطلحية، علم المصطلح. بل حتى لدى المتقدمين من أمثال الجرجاني والآمدي وسواهما.
وربما حدث مثل هذا الاختلال بخصوص الكلمة وغابت الدقة في التحديد، نتيجة تداخل بعض الحقول الدلالية تداخلاً غريباً تغيب معه أدنى علامات التمييز في القواميس التي هي مرتبة ترتيباً ألفبائياً.
ووفقاً لـهذه الخصوصية التي يتميز بها البحث في مجال المصطلح وأهميته، أضحت المسألة مسألة ملحة تشغل بال العلماء والباحثين، مما أدى إلى جعل هذا المجال علماً قائماً بذاته، من أسسه صياغة مبادئ تحكم وضع المصطلحات الجديدة، والسعي إلى توحيد المصطلحات القائمة، ومحاولة تقييمها وتوثيقها ونشرها في شكل معاجم متخصصة.
وأضحى كذلك المصطلح، يمارس دوراً أساسياً وفاعلاً في تكوين المعرفة، ومثل هذا الحقل يتشكل فيه المصطلح ويوجه مفهومه ويحدد دلالته، لأن هذا المفهوم الذي ينطوي عليه شكل المصطلح يتعدد بتعدد حقول المعرفة وتبعاً للأثر التاريخي الذي يتطور في ضوئه. ثم إن انتماء المصطلح إلى حقل معرفي محدد، يرتب عليه أن ينتظم في علاقة جدل خصبة، كونه منتجاً للمعرفة من جهة، وخاضعاً لأطرها العامة الموجهة، وكل هذا يكشف الأهمية التاريخية والمعرفية للوقوف على ممارسات المصطلح، بغية ضبط شكله ومفهومه.
وجدير بالذكر والتنويه، أن سمة الخلط هذه والاضطراب الكائنين في إشكالية المصطلح التي تسم جميع الممارسات والتي تتصل بأمره، تفاعلت حتى أصبحت إشكالية من إشكاليات الثقافة الحديثة عربية أم غربية مرتبطة في الأصل بأسباب أهمها:
1 ـ إشكالية الأصالة المتجلية في الممارسات الثقافية، وذلك حين نقل مصطلح أنتجته ثقافة معينة، ويستعمل في حقل معرفي آخر دون مراعاة خصائصه التي اكتسبها ضمن حقله الأصل، الأمر الذي يوجد مصطلحات ذوات مفاهيم تحيد عن المساقات الثقافية المخصصة لـها.
2 ـ إشكالية المعاصرة المتجلية في الممارسات الثقافية الأكثر تردداً وتنوعاً على نقل المصطلح من ثقافة غربية إلى الثقافة العربية من دون مراعاة الخصائص التي تتميز بها.
ومثل هذا النقل في المصطلحات ذات الدلالات المحددة إلى ثقافة أخرى غير الثقافة المبيئة، أفضى إلى ارتباك واضطراب كبيرين وقاد إلى غموض لا يقبل اللبس في دلالة المصطلح.
وعليه، فقد شغلت قضية المصطلح، منذ عصر النهضة العربية في عهد محمد علي باشا، جميع المشتغلين بمجالات البحث العلمي، على الرغم من تفاوت مقاصدهم، وعكس هذا الانشغال اختلافاتهم المعرفية الزمانية والمكانية، لكن الشيء القمين بالذكر، هو أن كل واحد منهم كان يرغب أن تنال لغته مكانتها الجديرة بها كلغة علم بكل ما تعنيه الكلمة من دلالة.
ومادمنا في صدد الحديث عن المصطلح، فإنه ليستحسن بنا الإشارة إلى وجود اختيار الألفاظ المناسبة للمفاهيم المناسبة للمفاهيم المقصودة، لأن الأمور لا تجري بصفة تعسفية، بل لابد من وجود علائق تشابه بين المعاني اللغوية التي وضعت لـها الكلمات للدلالة عليها وبين المعاني الاصطلاحية التي يراد تحميلها لـهذه الكلمات.
وبهذا المعنى، يجب استعمال اللفظ المناسب للمفهوم المناسب مع مراعاة عنصر الاتفاق لدى أهل الاختصاص، حتى لا يحدث للمفهوم الواحد عدة ألفاظ أو عدة مفاهيم وبالتالي تضطرب عملية التواصل Communication وينعدم التفاهم بين الناس.
3 ـ المصطلح/ الأثر
ما من شك في أن للمصطلح دوراً أساسياً وفاعلاً في تكوين المعرفة، وأن أية ثقافة كانت، لن تنهض ويستقيم صرحها، إلا إذا أفلحت في إنتاج معرفة خصبة وجديدة، توجهها اصطلاحات واضحة للدلالة. وفي الحال نفسه فإن ثقافة أية أمة من الأمم، تقوض وتفكك بالنظر لعدة أسباب أهمها اضطراب دلالة المصطلح وتكاثر المصطلحات وتعارض مفاهيمها وعدم استقرارها.
وعليه، فللمصطلح دور كبير في حياة الناس، وهو الذي ينظم التواصل بينهم، في شتى ميادين النظم والعمل، لأن المفاهيم ترسخ في الأذهان بحسب الكلمات المتفق عليها لدى الناس أجمعين.
ولسنا نحن العرب وحدنا من يحتاج إلى المصطلح بلغته، بل إن الكثرة الكاثرة من لغات العالم تفتقر إلى ما تفتقر إليه اللغة العربية من ألفاظ فنية تدل على المعاني والأعيان المستحدثة33. لأن الغزو اللغوي ظاهر في كثير من البلدان. يحمل في طياته غزواً ثقافياً من خصائصه وتنميطاً للأفكار والمفاهيم والعادات والسلوكيات، ويخضع للغزو الصناعي الذي تقوم به الدول المتقدمة وتخضع لـه الدول النامية.
وغني عن القول، أن بعض الدارسين ـ فيما أوردوه من تحديدات للمصطلح، يقرنون بين المصطلح والمفهوم وفي ذلك ما أورده بعضهم ترجمة عن جون ولسون J.Wilson حيث أشار أن "المصطلح هو تعيين مفهوم ما في شكل حروف أو أرقام أو كتابة رسم أو تأليف ما من هذه العناصر" 34 ومن خلال ذلك رأوا أنّ للمصطلح علاقة وطيدة مع المفهوم. وفي ضوء ذلك، اقترحوا تحديداً قوامه أن المفاهيم ليست هي المصطلحات، لأن المفاهيم هي بمنزلة مقولات أو فئات أو مجموعات تسمح بتصنيف الوقائع ضمن مفاهيم ومقولات محدودة جداً والمصطلح غير ذلك.
ونظراً للدور الرئيس في البنى المعرفية، فإن الحقول المعرفية تظل تتحدد دائماً بتحديد دلالات مصطلحاتها واستقرار مفاهيمها، وبقدر رواج المصطلحات وشيوعها وتقبل الباحثين والمهتمين لـهذا المصطلح أو ذاك، يحقق العلم أو "الحقل المعرفي" ثبات منهجيته 35.
ثم إن اللغة العربية مثلما لم تواجه الحاجة إلى المصطلح للمرة الأولى في هذا العصر، بل سبق لـها أن واجهت هذه الحاجة في القرن 2 هـ، في عصر ازدهار الترجمة أيام العباسيين. لأن العرب، آنذاك أيام الرشيد والمأمون لم يخطر لـهم التنبه أن يهجروا لسانهم، الذي كانوا يعتزون به أيما اعتزاز فصاحة لفظ وروعة بيان، ليطلبوا العلوم التي وجدوها متقدمة، قياساً على ما كانت عليه عندهم، بإحدى اللغات التي كانت تلك العلوم مدونة بها كاليونانية والفارسية والهندية، كما فعل بعض العرب في العصر الحديث الذين توهموا ومازالوا أن لغتهم تضيق بالعلوم المعاصرة، بل عمدوا دون تحرج أو تردد، ومن موقع الثقة بالنفس إلى نقل العلوم من اللغات المختلفة إلى اللغة
العربية" 36.
كما يحسن بنا التذكير، بأن ترجمة المصطلحات ظهرت لدى العرب في عهد بني أمية، ولكن أفقها لم يتسع إلا في عهد العباسيين، حيث جعلت منشطاً من مناشط الدولة يحظى بدعمها المعنوي والمادي. فيذكر في هذا المساق ما أتاه الخليفة المنصور من ديوان للترجمة الذي وسعه الرشيد، وما أتاه الخليفة المأمون في "بيت الحكمة" الذي كان بمنزلة المجمع العلمي والمرصد الفكري والمكتبة العامة التي أقام فيها طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال37.
وهكذا ترجمت المعارف عن الهندية والفارسية، واغترف العرب من كتب الإغريق ما يناهز مئة كتاب في الرياضيات وفي الطب. الأمر الذي جعل اللغة العربية لغة علمية بل لغة صالحة للتعبير عن بعض موضوعات العلوم الحديثة. وعلى الرغم من هذه الجهود، فلم تكن في ذلك العهد مجامع لغوية أو لجان جامعية أو مكاتب للتعريب أو دوائر معاجم تلّم مثل هذه الجهود، وظل المعيار الرئيس في هذه العملية هو الترجمة كحد فاصل يقتضي صياغة اللفظة العربية بدقة.
أما في العصر الحديث، ونظراً لأهمية دور المصطلح فقد رافق النهضة الثقافية في القرنين 19 و20 سعي حثيث لإيجاد المصطلحات العلمية التي تطلبها تدريس العلوم المعاصرة باللغة العربية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. وقد أسهمت في مثل هذه المساعي جهات عدة، مثل الهيئات والمؤسسات والمجامع والجامعات والمجالس والمنظمات والاتحادات.
وظهر هذا خلال هذه الحقبة من الزمن رجال أفذاذ نابهون لم يوفروا جهداً أو وقتاً ولم يخشوا عناءً في خدمة لغتهم وإغنائها بالمصطلحات الجديدة، فمنهم من ترجم الكتب القيمة إلى العربية ومنهم من ألّف في الموضوعات العلمية وآخر وضع المعاجم المتخصصة ثم جاء دور الهيئات والمؤسسات.
والملاحظ خلال هذه الفترة الزمنية، أن دور المصطلح لم يكن منوطاً بأية هيئة من الهيئات، بل كان عملاً مشاعاً متروكاً لمبادرة الأساتذة الجامعيين ورجال العلم والثقافة والأدب والصحافة والترجمة.
وحين تأتي إلى اللغة العربية، تجد أن المصطلحات بالنسبة لـهذه اللغة غدت "جزءاً مهماً من اللغة كما في كل اللغات المعاصرة، باعتبارها مفاتيح المعرفة الإنسانية في شتى فروعها، ووسيلة التفاهم والتواصل بين الناس في مختلف المجالات العلمية والعملية"38.
4 ـ المصطلحية/الإشكالية:
لما كانت إشكاليات المصطلح تأتي في صدارة الطرح النقدي المعاصر، سعى بعض الدارسين إلى اعتبار علم المصطلح أو المصطلحية علماً قائماً بذاته باعتبار أن "كل علم بحاجة إلى مجموعة من المصطلحات المحددة بكل دقة، وهذه المصطلحات هي التي تحدد مصطلحيته" 39 ووفقاً لـهذا الاعتبار فلا وجود لعلم دون مصطلحية" 40.
ولا أدل على الأهمية التي يكتسبها علم المصطلح هو أن كل علم يحتاج أكثر من حقل من حقول المعرفة إلى مجموعة مصطلحات محددة تحديداً دقيقاً يستطيع بواسطتها التعبير عن المفاهيم التي يحتاج إليها: وتمثل مجموعة المصطلحات هذه مصطلحية، إذ لا وجود لأي علم من دون مصطلحية41. وعلى هذا الأساس فرق الدارسون بين المصطلح Terme والمصطلحية Terminologie هذه الأخيرة التي تعنى بدارسة المصطلح في ذاته، دراسة مورفولوجية مجردة وفي ارتباطه بالمفهوم الذي يعبر عنه.
تجاوزاً لإشكالية التفرقة بين علم المصطلح والمصطلحية والمصطلحاتية وسواها من التسميات. جاز اعتبار علم المصطلح من أحدث فروع علم اللغة التطبيقية يتناول الأسس العلمية لوضع المصطلحات وتوحيدها، ومعنى ذلك أن وضع المصطلحات لم يعد في ضوء المعايير المعاصرة يتم على أساس البحث المفرد في كل مصطلح على حده، وقد كان "فوستر E.Wuster" قد حدد مكان علم المصطلح بين أفراد فروع المعرفة بأنه مجال يربط علم اللغة بالمنطق وبعلم الوجود (الانطولوجيا) وبعلم المعلومات وبفروع العلم المختلفة" 42.
من بعد ذلك، حدد فوستر مجالات علم المصطلح العام أو النظرية العامة لعلم المصطلح تحديداً اتسعت مجالاته بتقدم هذا العلم، فيتناول علم المصطلح العام "طبيعة المفاهيم، وخصائص المفاهيم، وعلاقات المفاهيم، ونظم المفاهيم، ووصف المفاهيم، وطبيعة المصطلحات، ومكونات المصطلحات، والعلاقات والرموز، وأنماط الكلمات، والمصطلحات، وتوحيد المفاهيم، والمصطلحات ومعجمات المصطلح (...) أما علم المصطلح الخاص فيتضمن شكل القواعد الخاصة بالمصطلحات في لغة مفردة مثل اللغة العربية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية" 43. ومثل هذا التمييز بين العلمين يوازي التميز بين علم اللغة العام وعلم اللغة الخاص.
وتعد المصطلحية (المصطلحاتية) جهازاً معبراً عن المعارف والقوانين وكشفاً مفهومياً يولي كل علم من العلوم أهميته وهو يتوافر على علاقة وطيدة بالعلوم الأخرى كعلم المعرفة واللسانيات وعلم المنطق وعلم الدلالة. وعلوم أخرى لا يمكن حصرها بالنظر لكثرتها 44. لأنه العلم الذي يتناول شتى الموضوعات الأساسية التي تلقى تطبيقاً في وضع المصطلحات وتوحيدها، وربما لـهذا الأساس عمل العالم فوستر Wuster عملاً متقناً في هذا المجال، إذ تعد نظريته من أحدث النظريات وأرقاها وأغناها وأكثرها اهتماماً بالمصطلحاتية بحيث تبنتها مدرسة فيينا.
ونحن نروم في هذا البحث محاولة صياغة تحديد للمصطلحية وعلم المصطلح يجدر بنا الأوبة إلى تفرقة عبد السلام المسدي في قاموس اللسانيات حينما عد المصطلحية "علماً ينحصر بحصر كشوف المصطلحات بحسب كل فرع معرفي، فهو كذلك علم تصنيفي تقريري يعتمد الوصف والإحصاء مع السعي إلى التحليل التاريخي، أما علم المصطلح فهو تنظيري في الأساس تطبيقي في الاستثمار لا يمكن الذهاب فيه إلا بحسب تصور مبدئي لجملة من القضايا الدلالية والتكوينية في الظاهرة اللغوية (...) فبين علم المصطلح والمصطلحية العلم فوق ما بين المعجمية والقاموسية، من كل زوجين جنس لبعض الزوج الآخر" 45.
على الرغم من أن الباحث تراجع في مثل هذه التفرقة وهذا التمييز بين المصطلحين، ضمن مقالاته المتأخرة حيث سعى ضميناً إلى اعتبار المصطلحين مرادفين لمعنى واحد. قائلاً: "إن ما يعكف عليه اللغويون عادة ضمن واحد من أفنان الشجرة المعجمية بعلم المصطلح أو المصطلحية" 46.
على النقيض من هذه الإرهاصات الأولية لعلم المصطلح، يمكننا الإشارة كذلك إلى مدرسة براغ Ecole de Prague التي حللت وظيفة اللغة. وأخذت من اللسانيات نقطة انطلاق لـها. لاسيما من خلال التقطيع المزدوج للغة ومسألة الوظيفة، فكلا التقطيعين ينجم عنهما دور ووظيفة. الفونم والمونم، لأن اللغة أي لغة في نظر اتباع هذه النظرية هي كلٌّ وظيفي أو مجموعة متشابكة من الوسائل اللغوية التي تخدم غرضاً اقتصادياً معنياً.
وفي المقابل، جاءت حركات أخرى دعت إلى التمييز بين نماذج من العناصر غير المصطلحية معتمدة العنصر التزامني أي التمييز بين العناصر المصطلحية والعناصر غير المصطلحية، ثم التمييز بين الوحدات العبارية الدالة للغة الأغراض العامة والوحدات العبارية غير الدالة لـها47.
مادمنا في خضم الحديث عن الجهود اللسانية صوب المصطلحية، يمكن الإشارة كذلك إلى النظريات الأوروبية التي جاءت بمظاهر جديدة في المصطلحية لم يسبق لـها أن قامت، أمر خلق ضرباً من التقارب بين اللسانيات والمصطلحية، إلى درجة أن أضحت هذه الأخيرة حقلاً من حقول البحث المعترف بها في اللسانيات التطبيقية، وهي نقطة التشاكل التي خلصت إليها جهود فوستر، وأدى هذا الاهتمام لدى الباحثين إلى حصر موضوعات الدراسة في النظرية العامة للمصطلحية ضمن ثلاثة حقول رئيسية هي:
1 ـ الدلالية Semantique
2 ـ القاموسية Lexicologie
3 ـ المعجمي Lexicographie
وإذا كان هذا التحديد هو الأقرب للمصطلحية، فإن النطاق الرئيس لـها هو أن حدودها تلتحم بحدود علوم أخرى ليست بطبيعتها علوماً لسانياتية مثل المنطق (الفلسفة) ونظرية المعرفة والمعلومات والتوثيق أي البحث الوثائقي علاوة على التصنيف Classification
وتظهر الحاجة ماسة للتحدث في هذا المساق عن أبرز واضعي علم المصطلح، من ذلك واضعو المنظومية Systematic والتسميات Nomenclatemes وعلم التشريح Bertholler وLavoisier والكيمياء Cinnanens وعليه فقد وضع Lavisier مصطلحات منظومية أقر خلالها بالعلاقات المتداخلة بين التصور Le concept والمصطلح Le terme والباحث على المصطلح Motivation 48.
ودائماً بخصوص ذكر الجهود في حقل المصطلحية، يذكر أن القرن 19 اتسم بخطوات عملاقة تقدمت بها المسيرة العلمية، ووجدت طريقاً إلى التطبيق العملي، ومن ثم نشأت حاجة كبيرة للمصطلحية.
وفي النصف الثاني من القرن الماضي أصبحت مهمة تحقيق التواصل المهني مُلِّحة، خاصة بالنسبة للتفاهم المتبادل بين الخبراء العاملين في الحقل المعرفي الواحد مع تباين في الخلفية اللغوية. فنذكر على سبيل التدليل أن المنظمة العالمية للتقنية الكهربائية Electrotechnical International Commission. IEC سرعان ما شكلت بعد تأسيسها 1906 لجنة عهد إليها مهمة التنسيق والتخطيط لمصطلحية هذا الحقل الخاص 49.
ومثل هذا الجهد على ما فيه من جدّية لوحظ كلية بأنه لا يبصر بعملية تصنيف المعجم التعريفي فحسب بل يبصر بتطور بعض الأسس المصطلحية. إضافة إلى ما قام به العالم Frege 1892 من تقييم لـهذا الجهد والعمل المعجمي.
ومن أمثلة هذه الازدواجية في التفرقة بين المصطلحية وعلم المصطلح ذهب الباحث عبد الملك مرتاض إلى إيجاد مصطلح، المصطلحاتية والمصطلحية قرائن لـهذا العلم المصطلح وحصره في ثلاثة جوانب هي 50:
أ/ العلاقات بين المفاهيم المتداخلة مثل الجنس والنوع والكل والجزء.
ب/ المصطلحات اللغوية والعلاقات القائمة بينها ووسائل وضعها، فهو فرع خاص من فروع علم الألفاظ والمفردات Lexicologie وعلم تطور دلالات الألفاظ Semasiologe
ج/ الطرائق العامة المؤدية إلى خلق اللغة العلمية والتقنية.
في الاتجاه نفسه أشار الباحث علي القاسمي 51 إلى المصطلحية. كعلم أشار إليه علماء الأحياء والكيمياء الأوروبيون الذين شرع فريق منهم في توحيد قواعد المصطلحات في حوالي 16 مجلداً، ثم أصدر الباحث فيما ذكرنا سلفاً ـ "فيستر" كتابه (التوحيد الدولي للغات الهندسة) ثم في سنة 1936 شكلت اللجنة التقنية للمصطلحات، وتلتها محاولات أخرى ضمن منظمة اليونسكو مركز المعلومات الدولي في فيينا 1971، هذا فضلاً عن الجامعات العربية التي اهتمت بتدريس النظرية العامة كعلم المصطلح.
ومن المفيد كذلك، أن نذكر أنه على الرغم من قلة الاهتمام بعلم المصطلح في المعاجم الأوروبية المتخصصة في القديم فإنها عادة ما كانت تقرن باللفظة Mot خاصة لدى اللغويين المنتمين لمدرسة براغ التي كان لـها دور كبير في النظرية العامة لعلم اللغة ولتطبيقاته في التحليل اللغوي للنصوص الأدبية.
وفي الجهة الأخرى، أصبح الاهتمام بالمصطلحية مركزاً هاماً في الأبحاث الحديثة لما لـها من دور في ضبط التعامل في الحياة اليومية والعملية، وفي بناء النظريات والمناهج في الحياة العملية، ويتجلى هذا الاهتمام في مناحٍ عدّة أهمها، التآليف اللغوية والقواميس والمعاجم والكتب المختصة، وهي التآليف التي اهتمت بدراسة الكلمات والمفاهيم والمصطلحات وحاول أصحابها التفرقة بينها.
في هذا المجال، وإن شئنا ضبط العلوم التي بينها وبين المصطلحية شجرة نسب فإننا لا نستطع تحديد شكل هذا التوافق لفرط كثرته واختلاف نسب التقارب بينهما. فمن باب التنظير لـهذا العلم المستحدث يمكننا القول بأن الدراسات الجادة والمهتمة بالمصطلحية عائدة إلى حداثتها، فقد ذكر فوستر Wuster بأن تقويم النظرية المصطلحاتية ومبادئها واستعمالها لم يبدأ إلا في السبعينيات في جامعات دول بينها: النمسا وكندا وتشيكوسلوفاكيا والدانمارك وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول (...) 52.
من خلال ذلك، حدث التقدم العلمي وحدث أن تزايد الاهتمام بقضية المصطلحات، وأدرك العلماء الكبار في الحضارة الأوروبية عملية توحيد المصطلحات في تخصص مهم، ثم حدث التقدم في عدة دول أوروبية، وعرفت كل دولة مواقع عديدة للبحث والتطبيق في هذا المجال، بحيث كثر الباحثون وزادت الحاجة إلى مصطلحات جديدة وزاد الاهتمام بتوحيد لـهذه المصطلحات من أجل تحسين عملية التواصل بين الباحثين.
ولعل أولى مظاهر الإرهاصات في علم المصطلح أو المصطلحية تتجلى في أول خطوة جدية ظهرت مع ظهور معجم شلومان schlammen المصور للمصطلحات التقنية A.schammans illustrated technical vocabularies. في اللغة الإنجليزية، وهو المؤلف الذي ظهر في 16 مجلداً وبست لغات بين عامي 1906 و1928 ـ 53.
وبالفعل، فقد أفاد هذا المعجم الباحثين كثيراً وأغنى مجال المصطلحية لا سيما في طريقة ترتيب المواد التي تمت على أساس المفاهيم، وأوضح مدلول المصطلح، كوعاء يوضع فيه مضمون من المضامين وأداة تحمل رسالة جد خطيرة، تسهم في تطور العلم والمعرفة النظرية منها والتطبيقية على امتداد الحضارات المختلفة والأنساق الفكرية المتعددة والعقائد والمذهبات المتميزة 54.
ودائماً في مساق التأريخ لعلم المصطلح، يجدر بنا القول إن العرب هم كذلك لـهم باعهم في مجال التأليف في المصطلحية من مثل كتاب (التعريفات) للشريف الجرجاني و(مفاتيح العلوم) للخوارزمي، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي.
في العصر الحديث يجدر التنويه بالمجهودات المصطلحية التي قام بها بعض العلماء والتي قامت وتقوم بها المجامع العربية مثل: ما ذكره الباحث رشاد الحمزاوي في منهجية التنميط (المبادئ والتطبيقات) بحيث اشترط في المنهجية وفرة قائمة المصادر والمراجع، ثم ذكر الاطراد واليسر في التداول والملاءمة أي عدم التداخل ثم تحدث عن الاشتقاق ودعا إلى تجنب الغرابة. وفي سياق التنميط الكمي فقد صوره في أربع نقاط هي: الشيوع، ويسر التداول، والملائمة، والحوافز 55.
ومن جملة مجامع اللغة العربية نذكر المجمع المصري 1932 والمجمع السوري 1979 والمجمع العراقي 1937 والمجمع الأردني 1976 والمجمع الهندي 1976 فضلاً عن بعض الهيئات التي أسست في خدمة المصطلح مثل: مكتب تنسيق التعريف بالرباط 1969 ومعهد العلوم اللسانية والصوتية بجامعة الجزائر 1966.
أما بنوك المعلومات فنذكر من بينها البنك التابع للمجموعة الاقتصادية الأوروبية Eurodicaution وبنك مكتب اللغة الفرنسية b.t.q الكائن بكندا وبنك Normoterm التابع لمؤسسة afnor وبنك terminum الكندي وبنك Le xar 56 .
ولا يقتصر الأمر على مجهودات البنوك والمجامع بل تعداها إلى بعض المنظمات من مثل: المنظمة الدوليّة للتقييس I.S.O كلجنة تقنية خاصة تحمل رقم 37 وهي المنظمة التي أسهمت في إرساء هذا العلم وأثرت مجال المعجمات. ومنذ سنة 1951 قامت لجنة المصطلحات بالمنظمة الدولية للمواصفات القياسية بمتابعة العمل في وضع الأسس والتنسيق بين الجهود.؟
كما يبدو جلياً تتبع بعض الهيئات لقضايا المصطلح عالمياً كما هو الحال لدى الاتحاد الدولي لعلم اللغة التطبيقي الذي أرسى دعائم لجنة خاصة بالمصطلحية تضم كثيراً من المتخصصين، حيث عقدت مؤتمرها الأول مرة في كندا عام 1978، تناول فيها أعضاؤها نظرية علم المصطلح وتعليم المصطلحات 57.
وبما أن العمل قد بدأ، كان جد الجاد من رجال العلم واللغة هو الذي سد المسدّ فأغنى اللغة وأثرى الثقافة وفتح الباب عريضاً للتأليف والكشف والإبداع في مؤتمرات أخرى دولية في علم المصطلح عقدت والتي اهتم فيها أصحابها بالأسس المنهجية لعمل المصطلحات في دول العالم المختلفة مع بيان القضايا اللغوية من ذلك، ومنها قضايا التجديد المعجمي في المصطلحات.
في ضوء كل ما سبق حول المصطلحية أو علم المصطلح، يتجلى للرائي أن أولى المنطلقات التي يستوجب عليه الشروع فيها بخصوص هذا الحقل هو تبيان القواعد العامة في صياغة المصطلحات العلمية والفنية، ثم تأتي المرحلة الموالية، وهي البحث في القواعد الأساسية المتحكمة في صياغة المصطلح ضمن اللغة المحددة.
وبناءً على ذلك، يقع استقراء الآليات التي تتوافر في بنية اللغة العربية ويسمح لـها بتوليد الألفاظ وتركيب المصطلحات مع مقارنتها بالآليات التي تتضمنها اللغات الأخرى لا سيما تلك التي يأخذ عنها اللسان
1ـ تقدمة
أصبح الدرس اللساني في السنوات الأخيرة موضوع اهتمام الدارسين كل إزاء لغته وبلسان قومه، وظهرت أصوات تدعو إلى عصرنة النقد العربي، تتحسس الظاهرة اللغوية في ضوء اللسانيات الحديثة و"تسعى إلى تأسيس المعرفة الإنسانية، والتأصيل للمناهج المحدثة، وإخصاب النظريات البلاغية القديمة وجعلها تتماشى مع العصر، تعتمد اللغة كعنصر قارٍّ في العلم والمعرفة" 1
من ههنا، بدأ النقد في القرن التاسع عشر يصطبغ باللغة العلمية، واتجه النقاد إلى الاستضاءة بالعلوم الطبيعية، يطبقون مناهج العلماء على النقد وفق النظريات اللسانية الجديدة، ويعدون النقد فناً لا يزرى ويُهجِّن النص الأدبي بقدر ما يقرره، ويعدون النص، نسيجاً قاراً من الرموز، يحمل الكثير من الدلائل والأسرار، مشحوناً بالمعاني والأصداء الدلالية، والكلمة فيه بمثابة الفكرة ولحمة النص، هي الثقافة وهي كل شيء.
وربما اعتدوا بهذا المنظار، اعتقاداً منهم، بأن اللغة داخل النص هي كذلك بمنزلة محور الفكر والخطاب، بها يتجدد كل شيء، وبها نتحدث عن الأشياء في واقعنا، ونتحدث عن اللغة نفسها، وهي الموسومة بالمكنونات الغامضة التي من الصعب التكهن بعناها إلا عندما تخضع للوسائل النقدية المتوفرة، وهي مادة الفكر والأدب، ترمز إلى الواقع المحسوس، أداة ترميزية ونظاماً من العلامات متغيرة بتغير النصوص وتعدد القراءات "فضمن مجموع الألفاظ والرموز يتكون عالم آخر.2
من هذا المنطق، جاء اهتمامنا في هذا البحث مبنياً على المصطلح أو الاصطلاح كعرف خاص يعني اتفاق طائفة خاصة على وضع شيء وتداوله في أدبيات الكتابة، مجال أولته العرب عناية كبيرة واهتمت بوضع المصطلحات والمناصبة بين مداليلها اللغوية ومداليلها الاصطلاحية. لما لـها من تأثيرات على الجوانب الفكرية العامة. لأن المصطلح "صورة مكثفة للعلاقة العضوية القائمة بين العقل واللغة ويتصل أيضاً بالظواهر المعرفية والمصطلحات في كل علم من العلوم هي بمنزلة ، النواة المركزية التي يمتد بها مجال الإشعاع المعرفي ويترسخ بها الاستقطاب الفكري3. وكل ذلك، لإسهامه في ربط الحضارات والأمم بعضها ببعض كما أسهم أسلافنا بمصطلحاتهم في استيعاب العلوم والفنون قديماً.
ففي صدر الإسلام وحتى نهاية القرن الثالث الهجري استفادت اللغة العربية بكثير من الألفاظ والمعاني الجدية واختلاط العرب بغيرهم من الأمم المتحضرة، مما رقى العقل العربي وأدخل على الحياة العربية كثيراً من المستحدثات، واتسعت دائرة الثقافة العربية من الثقافات الأجنبية ككل.
أما اليوم، ومع تأثير النظريات اللسانياتية الحديثة في النقد العربي، فقد أصبح المصطلح يأخذ حيزاً بليغ المرتبة لدى الدارسين لما لـه من أهمية في عملية الإيصال والتبيلغ Communication =، الأمر الذي جعل النقاد يأخذون بحظ وفير من هذه المصطلحات الوافدة من الغرب، حتى أصبح لكل ناقد منهم رصيده اللغوي الذي يمكنه من الكتابة والتأليف والنقد بحسب الأغراض. فاختلفت مصطلحاتهم من شكل إلى آخر، وانقسموا إلى فرق متباينة يحضر كل منها رأياً أو مدرسة.
وفي ضوء ذلك، استهدى هؤلاء النقاد بوسائل كثيرة قصد صياغة المصطلح النقدي الألسني أهمها: الوضع والقياس والاشتقاق والترجمة والمجاز والتوليد والتعريب4. وربما تارة بالإحياء وهي وسائل رفدت علوم اللغة العربية بكثير من المصطلحات الجديدة ورفدت الحركة النقدية الحديثة في الوطن العربي.
بيد أن، هذه الجهود التي غرفت من المصطلحات الأجنبية ادعاءً أو استسهالاً أوجدت إشكاليات المصطلح النقدي، حتى أضحى موروثنا النقدي يكاد يخلو من مواضعة عربية خالصة لمصطلحات متفق عليها يقرؤها المشارقة والمغاربة على حد سواء، ويقرؤها الباحثون من مثلي بعيداً عن إغراق النقد العربي في لجة المصطلحات الغربية المتباينة حيناً والمتشاكلة أحياناً أخرى.
من هذا المنتهى، اخترنا أن نروح في إشكاليات المصطلح مبتعدين ـ قدر الإمكان ـ عن اللحاق الكامل بالموقف الغربي والانتقائية العمياء، والسعي خلف خلق علاقة حميمة صحيحة بين الحضارات، نحاول جراها إخراج المصطلح البلاغي من قوقعته، وجعله يتماشى مع النظريات اللسانية الحديثة بالتوفيق.
وفي كل ذلك، نعتقد أن المصطلح العلمي ملك مشاع علينا أن نجعله ينسجم مع خصوصيات هذه اللغة (العربية)، وكيف نستفيد من المصطلحات التي تدرسها البنوك العالمية وحينما نقول المصطلح نعني العمل به والتحكم فيه وفي مستلزماته 5.
ثم إن معرفة المصطلح عنصر أساسي يدخل في صلب العلم ومنهاجه، والنقد أسلوب وحركة، وهو علامة دالة لحقل معرفي معين يسم الخطاب ويعلمه، وكلمة أو مجموعة من الكلمات تتجاوز دلالاتها اللفظية والمعجمية إلى تأطير، تصورات فكرية وتسميتها في إطار معين، تقوى على تشخيص المفاهيم وضبطها التي تنتجها ممارسة ما في لحظات معينة 6 وهو العرف الخاص الذي يعني اتفاق طائفة خاصة على وضع شيء وتداوله في أدبيات الكتابة.
أما الباحث أحمد حطاب في بحثه القيم في مجال المصطلحات العلمية وأهميتها فيقول: "فالمصطلحات العلمية إذاً عبارة عن مجموعة من الكلمات التي تم الاتفاق على استعمالها من طرف مجمع الباحثين لتقوم بوظيفة تتمثل في تجسيد نتائج البحث ووضعها في قالب لغوي يضمن تواصلاً فعالاً ومفيداً بين مختلف فئات المستعملين"7.
ولا أدل على مثل هذه الأهمية، من أن العرب أولت المصطلح عناية كبيرة، واهتمت بوضع المصطلحات والمناسبة بين مداليلها الاصطلاحية، كما اهتمت كل مدرسة لسانياتية حديثة بالمصطلح، وشكلت لنفسها مصطلحية خاصة بها، لكن غير مكتملة ولا محددة، أي لا وجود لأي علم من دون مصطلحية، بغض النظر عن التفرقة بين المصطلح والمصطلحية، لأن هذه المادة بشكليها لقيت اهتماماً كبيراً لدى النقاد والدارسين، لما لـها من خطورة وأهمية على الجوانب الفكرية العامة، لا سيما مع شيوع التيارات النقدية الألسنية.
ولعل من المجدي كذلك الإشارة، إلى أن "علم المصطلح" وليد مطلع هذا القرن تبعاً لمجهودات علماء أوروبيين إلى توحيد قواعد وضع المصطلح، ومن قبل وحتى نهاية القرن 3 الهجري استفادت اللغة العربية بكثير من الألفاظ والمعاني الجديدة، لاسيما اختلاط العرب بغيرهم من الأمم المتحضرة، أمر رقى العقل العربي، وأدخل على الحياة العربية الكثير من المستحدثات.8
في ضوء ما سبق يستحضر الدارسون بعض التآليف المصطلحية في هذا الشأن فيذكرون بعضها من ذلك كتاب "التعريفات للشريف الجرجاني" و"مفاتيح العلوم للخوارزمي" و"كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي" وعندئذ نوهوا بمجهودات المجاميع العربية في هذا المساق والساعية إلى التنسيق في وضع المصطلحات العربية والتقنين لـها.
ولما كنا لا نروم في هذه التقدمة الوجيزة التفصيل في المصطلح وآلياته، فحسبنا الإشارة كذلك إلى أهمية المصطلح والاصطلاح، كفاتحة لـهذه الدراسة لأننا نعتقد أن كل دراسة بمجرد ما تريد أن تكون عملية، تصطدم بمشاكلات الاصطلاح وأزمة المصطلح، ولا أدل على ذلك أننا نجد أغلب الباحثين يرفضون حق الدراسات الأدبية في أن تتوافر على مصطلحات محددة تحديداً دقيقاً.
وكذلك، تؤكد تعريفات حديثة للمصطلح، أن "تاريخ المصطلحات هو تاريخ العلوم، وكل علم جديد يحتاج إلى مصطلحات جديدة، وكل تصور جديد يدعو صاحبه إلى خلق مصطلحات جديدة، ومن صفات العلوم الطبيعية أنها دائمة النمو، وأنها دقيقة منظمة، قابلة للامتداد البعيد المدى، لذلك كان من الضروري، أن تكون للعلوم هذه المصطلحات نفسها، فيجب أن تكون دقيقة، وأن تكون منظمة، وأن تكون قابلة للنمو" 9.
وتؤكد تعاريف أخرى، أن المصطلح في الأصل اتفاق الباحثين على اختياره للتعيين عن مفهوم معين في علم أو فن محدد، وتأتي عادة المصطلحات في شكل ألفاظ مفردة مثل: قاموس أو حاسوب أو عدد من الألفاظ، مثل: هندسة المياه، أو الوصف مثل: الهندسة الكهربائية أو بهما معاً كما في علم اللغة الاجتماعي.
ونضيف، أن الحقول المعرفية تتحدد بتحديد دلالات مصطلحاتها واستقرار مفاهيمها، وبقدر رواج المصطلح وشيوعه وتقبّل الباحثين والمهتمين لـهذا المصطلح أو يحقق العلم أو الحقل المعرفي ثبات منهجيته، ويمكن لوضوح اختصاصه، وصرامة أدواته الإجرائية، ومن خلال ذلك يمكنه تناول موضوعه بالدرس والتحليل وهو مطمئن إلى النتائج التي يصل إليها تحليله10.
من هاهنا، جاء المصطلح والمصطلحية ليكوّنان حيزاً كبيراً من حجم هذا المشروع الذي نخوض فيه، وحيزاً من المعركة التي يخوضها الخطاب النقدي المعاصر، بما يعني أن لـه شأواً بعيداً ضمن نسيج هذا الخطاب، فجئنا نروم تشريح آليات المصطلح النقدي السيميائي، والضوابط المتحكمة في طرائق صياغته، بإجراء حفريات معرفية نلامس من خلالها إشكاليات الكلمة مصطلحاً ومصطلحية وأهم جذور القواعد الفكرية في أدق حيثياتها، معتقدين أن الوعي بالمفاهيم في مجال النقد الأدبي كثيراً ما يتخطى عتبة الوعي بدوالها.
ولذلك، تبرز إشكاليات المصطلح في النسق النقدي السيميائي، وتبرز قبلها كلمة مصطلح في اللغة والاصطلاح كمادة في القواميس العربية والأجنبية، ويبرز المصطلح السيميائي كلفظ أو مركب لفظي منزاح عن دلالته المعجمية الأولى، متفق عليه من أهل الاختصاص ومختلف بشأنه تارة أخرى.
ويذكر بعض الدارسين11 في هذا المجال، أن علم المصطلح هو الآخر، قد ظهر لدى بعض علماء الأحياء والكيمياء الأوروبيين الذين سعوا إلى توحيد قواعد وضع المصطلحات على النطاق العالمي في حدود سنتي 1906 و1928 حيث أصدروا معجماً مصوراً للمصطلحات التقنية في 16 مجلداً، وتلت هذه المحاولة محاولات أخرى لتأسيس النظرية العامة لعلم المصطلحات في جميع الفروع وصولاً إلى العصر الحديث والمجهودات التي قام بها آخرين بخصوص مجامع اللغة العربية.
ونظراً لـهذه الأهمية التي ذكرنا، ارتأينا أن نخوض في إشكالية المصطلح Terme والمصطلحية Treminologie كعلم يدرس المصطلح في ذاته دراسة مرفولوجية مجردة، ونحن لا نروم وراء هذا الخوض تعقيد الأمر في التميز بين المصطلحين السابقين ولا بين المصطلحية وعلم المصطلح. وما هي أبعاد المصطلح وشروطه ومعايير الاصطلاح؟ وطرائق وضع المصطلحات المعروفة سلفاً لدى الباحثين في هذا المجال من مثل: الاشتقاق، النحت، المجاز، الترجمة والتعريب والقياس وسواها من الطرائق.
وربّما نذهب بعيداً، إلى غاية الخوض في مجال المصطلحات في علوم اللغة، وفي الفقه لدى اللغويين والنقاد السيميائيين على وجه أخص. وأملنا في كل ذلك كبير في أن يكون هذا العمل مفيداً للباحثين من اللغويين والعلميين، والمصطلحيين وحافزاً لـهم بغية التعرف عن قرب على وضع المصطلحية وطرائق وضع المصطلحات.
في ضوء كل هذا، وسعياً وراء هذه الغاية، نحاول التنقيب في الدلالات اللغوية والاصطلاحية للفظتين: مصطلح ومصطلحية، كاثنتين من أكثر المصطلحات ترداداً في الممارسات الثقافية الحديثة، والممارسات العلمية والنقدية. ونهدف من ذلك إلى تشخيص ضروب العلاقات التي تربطها وتصل بينهما، بما يكشف بالمفاهيم الدقيقة لـهما، سواء في انحدارهما عن أصول معينة، متشابهة أم مختلفة، وفي حقول معرفية محددة، أو في الانحراف الدلالي، الذي لحق بهما كونهما أداتين مفهومتين لإنتاج المعرفة، وكل هذا استدعى الحفر في أصولهما وتطوراتهما بما يكشف عن الأهمية التاريخية والمعرفية لـهما في سياق تكون الفكر الإنساني.
وسوف نتناول خلال هذا العمل، موضوعات تتعلق بأهم طرائق المصطلح. وهي طرائق وضعه، وكل ذلك لأجل إنماء اللغة العربية، وجعلها تستوعب المصلحات التي تعبر عما يستحدث من مفاهيم جديدة، عملاً بقول مصطفى الشهابي، إن العربية قد نمت بالاشتقاق والمجاز والنحت والتعريب، وهي الوسائل التي رجع إليها العلماء والنقلة عندما وضعوا آلاف المصطلحات في صدر الإسلام وهي الوسائل التي نتخذها مطية لنقل العلوم الحديثة إلى اللغة العربية.
2 ـ المصطلح /الحد
إن كلمة مصطلح في اللغة مشتقة من المادة "صلح" أو صلح ومنها الصلاح والصلوح، حيث أورد ابن فارس في معجمه أن "الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد..." 12 وفي الصيغة الاشتقاقية نفسها أورد ابن منظور أن الصلاح كلمة ضد الفساد، أي اصطلحوا وصالحوا وأصلحوا وتصلحوا، واصالحوا، مع تشديد الصاد، ثم قلبوا التاء صاداً مع إدغامها في الصاد بمعنى واحد 13.
ودائماً بخصوص هذه المادة، يلاحظ في اللغة العربية أنها في اللغة العربية مصدرٌ ميمي للفعل "اصطلح" مثل المادة (صلح) بحيث ورد في الصحاح بأنها "ضد الفساد" فنقول صلح الشيء يصلح صلوحاً. حيث قال الفراء: وحكى أصحابنا صلح أيضاً بالضمّ، من المصالحة. ثم أن الإصلاح نقيض الإفساد والمصلحة واحدة المصالح، والاستصلاح نقيض الإفساد 14.
أما الفعل اصطلح فقد ورد ذكره في أحاديث نبوية كثيرة، وورد ذكره في معاجم عربية بالدلالة نفسها. وهناك حديث آخر عن المصدرين (اصطلاح) و"مصطلح" بحيث وردت دلالة هذه الكلمة لتعني "الكلمات المتفق على استخدامها بين أصحاب التخصص الواحد للتعبير عن المفاهيم العلمية لذلك التخصص15.
بهذه الدلالة، جاءت كلمة "مصطلح" وجاء الفعل (اصطلاح) ضمن هذا المجال الدلالي المحدد، كما ورد في كتاب الجاحظ ضمن كتابه (البيان والتبيين) عن المتكلمين حيث إنهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن لـه في لغة العرب باسم. كما يعثر على تعريف آخر لكلمة (اصطلاح) نقله الجرجاني، في مادة (صلح) هو اتفاق قوم على تسمية شيء باسم بعد نقله عن موضوعه الأول لمناسبة بينهما أو مشابهتهما في وصف و غيرهما"16. وهو بهذا المعنى، يستخلص تسميتين أساسيتين للمصطلح:
الأولى: اتفاق المتخصصين على دلالة دقيقة.
والثانية: اختلاف المصطلح عن كلمات أخرى في اللغة العامة.
وقد جاء في المعجم الوسيط، أن لفظة صلح بمعنى "زال عنه الفساد" واصطلح القوم: زال ما بينهم من خلاف، ثم أن "تصالحوا، اصطلحوا والاصطلاح مصدر اصطلح بمعنى "اتفاق طائفة على شيء مخصوص17 وهي الدلالة التي عثرنا عليها في جل المعاجم بمعنى الاتفاق والتواضع والمصالحة. وأما الاتفاق المقصود هنا فهو اتفاق جماعة من العلماء والمشتغلين بعلم من العلوم على إعطاء كلمة ما معنى جديداً فتصبح عندئذ دالة على مدلول جديد، وتدعى مصطلحاً أي كلمة تحمل دلالة جديدة متفقاً عليها، دلالة تغاير تماماً الدلالة الأصلية.
والشرط الرئيس في المصطلح أن يكون للمفهوم الواحد سواء أكان اسم معنى أم اسم ذات لفظة اصطلاحية واحدة يتفق عليها أهل الاختصاص.
وثمة أمثلة أخرى كثيرة وردت في هذه اللفظة وسواها من هذه المادة الأفعال التالية: صلح، صلُحَ، صَالَحَ، أصلح، تصالح، أصالح، والمصادر، صُلح، صلاح، ومصالحه، وإصلاح، واستصلاح والمشتقات صالح، وصليح ومصلح وصلحاء ومصلحة، وقريباً من هذه المواد، مصطلح (اصطلاح) الذي ورد ذكره في أحاديث كثيرة، وذكرته معاجم عربية أهمها، لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي، وفي الحديث مثلاً: "اصطلحا على أن لنوح ثلثها" واصطلح أهل هذه البحيرة" ثم "يصطلح الناس على رجل" وكلها أحاديث اشتملت على أن الفعل اصطلح رديف اتفق.
وبهذا المعنى، استخدمت لفظة (مصطلح) وأضحى الفعل (اصطلح) يحمل هذه الدلالة الجديدة المحددة، كما استخدمت لفظة علم المصطلحات تسمية لذلك التخصص الذي يبحث القواعد العامة لـهذه الألفاظ الاصطلاحية 18 وقد ورد في الاصطلاح لدى الجاحظ"... وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لـها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن لـه في لغة العرب اسم فصاورا ذلك سلفاً لكل خلف وقدوة لكل تابع" 19.
ويحدد كثير من الباحثين المحدثين، أن المصطلح أو الاصطلاح، بأنه العرف الخاص، وهو اتفاق طائفة مخصوصة على وضع شيء والاصطلاحي، وهو ما يتعلق بالاصطلاح ومقابلة اللغوي20. وعليه فالمصطلح يؤدي دوراً رئيساً في اللغة بما يغدقه من إثراء على اللغة، وأول باكورة لـهذه كانت بفضل القرآن الكريم الذي جاء بمعان لغوية مختلفة عن سابقاتها القديمة، وأضفى المعاني الدلالية والتشبيه والمجاز.
ومن المجدي كذلك الإشارة، إلى أن مؤلفين آخرين عبروا عن المصطلحات بلفظ (الكلمات) أبرزهم، الرازي أحمد بن حمدان، وعبر آخرون عن المصطلحات بكلمة ألفاظ ـ على نحو ما أورده علي بن يوسف الآمدي، في مؤلفه (المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتحكمين).
وتجاوزاً للتعريفات العربية القديمة، فإن أقدم تعريف غربي لكلمة مصطلح هو ما أورده فاتشيك (J.Vachek) ضمن مدرسة براغ اللسانياتية الأوروبية حيث أورد التعريف الآتي في اللغة الفرنسية: 21 أمكن ترجمته ضمن الصياغة الآتية "المصطلح كلمة لـها في اللغة المتخصصة معنى محددة وصيغة محددة، وحينما يظهر في اللغة العادية يشعر المرء أن هذه الكلمة تنتمي إلى مجال محدد ودقيق".
فمن خلال هذا التحديد يستخلص ارتباط المصطلح باللغة المتخصصة.
وهناك تعريفات أخرى للمصطلح المفهوم الذي يدل عليها أهمها أن "المصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة علمية أو تقنية، يستخدم للتعبير عن المفاهيم وليدل على أشياء مادية محددة". وبهذه الدلالة يصبح المصطلح دالاً على المفاهيم والأشياء المادية.
أما الرأي الراجح لدى المتخصصين في علم المصطلح، فهو أن أفضل تعريفات المصطلح، تكاد تكون متفقة من حيث النطق والإملاء، وهي الكلمات Trem في اللغة الإنجليزية، وTrem في اللغة الألمانية، وTerme في الفرنسية، وTermine في الإيطالية وTermino في الإسبانية، وTermo في البرتغالية، وTernin في الروسية، وغيرها من الكلمات في اللغات الأوروبية التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة.
والتحديد المتفق عليه في هذا المساق، هو أن هذه الكلمة تدل في الاستخدام المتخصص على أية كلمة أو تركيب يعبر عن مفهوم أو عن فكرة قابعة في الأصل في اللغة اللاتينية وبناتها، بيد أنه يعثر على بعض المظاهر التي تومئ إلى الكلمة، ففي اللغة اليونانية يعثر على كلمتين هنا: Terma وtermon وكلمات من قبيل Termen وTerminus ثم كلمة Termo هذه الأخيرة تدل على الحدود الفاصلة، كما تدل كلمة Terminus على المجال والحيز.
ومع مرور الزمن، بدأت المعاجم الأوروبية المتخصصة في المجال المصطلحي تخص كلمة (Terme) في الفرنسية (Terme) في الإنجليزية ببعض التحديدات أهمها ما أورده معجم ماروزو (1951) على أنها مرادفة لفظة Mot أي الكلمة 22 ووفق هذا المنظور، عَدّو الكلمة الاصطلاحية أو العبارة الاصطلاحية ومفهوماً مفرداً أو عبارة مركبة استقر معناها وحدد بوضوح، كما أن مثل هذا التحديد لا يقصر المصطلح على الكلمة المفردة بقدر ما يعومه على العبارة المركبة.
وقد ورد في بعض المعجمات السيميائية في إطار علم المصطلح، تحديد آخر لـه دلالته الاصطلاحية هو كالآتي: Terme: non définissable d un systeme coherent enumeratif. “nomlenclature” ou structure “Taxonomie” et correspondant sans ambiguîte aune notion ou concept 23.
بناء على هذا التحديد، فإن المصطلح مرتبط بوضوح المفهوم الذي يدل عليه كما أن المصطلح الواحد تتحدد دلالته بين مصطلحات التخصص الدقيق نفسه أي عن طريق مكانته وسط المصطلحات الأخرى، ثم أن المصطلح يخضع في تطوره بحسب التخصص وهو يتحدد داخل النظام الذي يكونه هذا التخصص، كما أن المصطلحات ينبغي أن تكون دالة على نحو مباشر ودقيق.
وقد يعثر على أن المصطلح يقابله في اللغة الفرنسية Treme المشتقة من اللاتينية Terminus التي تعني في ما تعنيه النهاية والحد الزمني 24 ما ورد في معجم لاروس الصغير، وقد استخدمت كلمة terminal حتى اليوم في اللغة الإنجليزية، بمعنى المحطة لخط المواصلات وهي الدلالة التي تلتقي مع المعنى في اللغة الأم اللاتينية.
وهناك سمات أساسية أخرى يتميز بها المصطلح، حيث ينبغي أن يكون لفظاً أو تركيباً وألا يكون عبارة طويلة تصف الشيء وتوحي إليه 25 أي "تمثل تصوراً ما لوحدة لغوية ويتكون من كلمة أو أكثر".
من جانب آخر، يمكن اعتبار المصطلح رمزاً اتفاقياً لتصور ما، يتألف من أصوات منطوقة أو الشكل الذي تمثل به كتابياً أي عن طريق الحروف، ويكون في صورة كلمة أو عبارة. ووفق هذا الاعتبار، يمكن كذلك أن يرد المصطلح في شكل كلمة، وقد تحوي مورفيما واحداً أي عنصراً معنوياً غير قابل للتقسيم، أي حرفما ـ أو يحوي عدة موفمات. كما يمكن أن نعثر في المصطلحات على مجموعة تركيبية Syntactic Group من الكلمات.
بيد أن الخواص الذين يميزون المصطلح عما عداه يعتبرون أن "تحليل مضمون المصطلح يكشف عن درجة عالية من الدقة أو المضمون الخاص الذي لا تعرفه لغة الأغراض العامة. وبما أن المصطلح يمثل تصوراً، وهذا بدوره يشكل عنصراً داخل منظومة التصورات المعينة، فالمصطلح يمثل عنصراً في المنظومة المصطلحية، المقابلة لمنظومة التصورات أي مصطلحية Terminologie الحقل الموضوعي الخاص" 26 ووفق ذلك، قد يحوي المصطلح خصيصات تميزه عما عداه، هي الدقة وحقيقة انتمائه إلى منظومة مصطلحية.
بيد أن بعض الدارسين يرون أنه من غير الممكن أن يحمل المصطلح من البداية كل الصفات، وبمضي الوقت يتضاءل الأصل اللغوي لتصبح الدلالة العرفية الاصطلاحية دلالة مباشرة على المفهوم كله، كما أن الاختصار والاختزال لابد أن ينظم نسق المصطلحات، حتى تكون دالة في وضوح على المفاهيم، ومن ثم تتخذ مكانها في لغة العلم.
ما دمنا في مساق الحديث عن المصطلح، يجدر بنا التسليم بأن أمر تعريف المصطلح ليس يسيراً لأن تعدد الحدود يغيب معالم الدقة والوضوح. فقد يلفي المرء نفسه قبالة تعريفات متشابهة ومختلفة لطائفة من الباحثين والدارسين، من ذلك، ما أشار إليه محمد طبي في مؤلفه "وضع المصطلحات" 27، وحامد صادق قنيبي في مؤلفه 28 دراسات في تأصيل المعربات والمصطلح كما هو الحال فيما جاء به علي القاسمي 29، أو الفاسي الفهري 30، حيث برزت مجهودات هذين الأخيرين في معجم روبير الصغير ومعجم روبير المنهجي. كما هو الحال في الثقافة الفرنسية في قاموس اللسانيات Dictionnaire de Linguistique لصاحبه جان ديبوا 31.
فجل هذه المعجمات أو المعاجم يحدث فيها اختلال في تحديد كلمة مصطلح فتلفي أصحابها يعرفونك بالكلمة ويحيلونك على مصطلحات أخرى من مثيلات Le xi cographie. Nomenclature. Ternimologie 32 في اللغة الفرنسية، وكما شاهدنا من مثيلات: Terminus وTerminal وفي الدراسات العربية من مثيلا ت اصطلاح، مصطلحية، علم المصطلح. بل حتى لدى المتقدمين من أمثال الجرجاني والآمدي وسواهما.
وربما حدث مثل هذا الاختلال بخصوص الكلمة وغابت الدقة في التحديد، نتيجة تداخل بعض الحقول الدلالية تداخلاً غريباً تغيب معه أدنى علامات التمييز في القواميس التي هي مرتبة ترتيباً ألفبائياً.
ووفقاً لـهذه الخصوصية التي يتميز بها البحث في مجال المصطلح وأهميته، أضحت المسألة مسألة ملحة تشغل بال العلماء والباحثين، مما أدى إلى جعل هذا المجال علماً قائماً بذاته، من أسسه صياغة مبادئ تحكم وضع المصطلحات الجديدة، والسعي إلى توحيد المصطلحات القائمة، ومحاولة تقييمها وتوثيقها ونشرها في شكل معاجم متخصصة.
وأضحى كذلك المصطلح، يمارس دوراً أساسياً وفاعلاً في تكوين المعرفة، ومثل هذا الحقل يتشكل فيه المصطلح ويوجه مفهومه ويحدد دلالته، لأن هذا المفهوم الذي ينطوي عليه شكل المصطلح يتعدد بتعدد حقول المعرفة وتبعاً للأثر التاريخي الذي يتطور في ضوئه. ثم إن انتماء المصطلح إلى حقل معرفي محدد، يرتب عليه أن ينتظم في علاقة جدل خصبة، كونه منتجاً للمعرفة من جهة، وخاضعاً لأطرها العامة الموجهة، وكل هذا يكشف الأهمية التاريخية والمعرفية للوقوف على ممارسات المصطلح، بغية ضبط شكله ومفهومه.
وجدير بالذكر والتنويه، أن سمة الخلط هذه والاضطراب الكائنين في إشكالية المصطلح التي تسم جميع الممارسات والتي تتصل بأمره، تفاعلت حتى أصبحت إشكالية من إشكاليات الثقافة الحديثة عربية أم غربية مرتبطة في الأصل بأسباب أهمها:
1 ـ إشكالية الأصالة المتجلية في الممارسات الثقافية، وذلك حين نقل مصطلح أنتجته ثقافة معينة، ويستعمل في حقل معرفي آخر دون مراعاة خصائصه التي اكتسبها ضمن حقله الأصل، الأمر الذي يوجد مصطلحات ذوات مفاهيم تحيد عن المساقات الثقافية المخصصة لـها.
2 ـ إشكالية المعاصرة المتجلية في الممارسات الثقافية الأكثر تردداً وتنوعاً على نقل المصطلح من ثقافة غربية إلى الثقافة العربية من دون مراعاة الخصائص التي تتميز بها.
ومثل هذا النقل في المصطلحات ذات الدلالات المحددة إلى ثقافة أخرى غير الثقافة المبيئة، أفضى إلى ارتباك واضطراب كبيرين وقاد إلى غموض لا يقبل اللبس في دلالة المصطلح.
وعليه، فقد شغلت قضية المصطلح، منذ عصر النهضة العربية في عهد محمد علي باشا، جميع المشتغلين بمجالات البحث العلمي، على الرغم من تفاوت مقاصدهم، وعكس هذا الانشغال اختلافاتهم المعرفية الزمانية والمكانية، لكن الشيء القمين بالذكر، هو أن كل واحد منهم كان يرغب أن تنال لغته مكانتها الجديرة بها كلغة علم بكل ما تعنيه الكلمة من دلالة.
ومادمنا في صدد الحديث عن المصطلح، فإنه ليستحسن بنا الإشارة إلى وجود اختيار الألفاظ المناسبة للمفاهيم المناسبة للمفاهيم المقصودة، لأن الأمور لا تجري بصفة تعسفية، بل لابد من وجود علائق تشابه بين المعاني اللغوية التي وضعت لـها الكلمات للدلالة عليها وبين المعاني الاصطلاحية التي يراد تحميلها لـهذه الكلمات.
وبهذا المعنى، يجب استعمال اللفظ المناسب للمفهوم المناسب مع مراعاة عنصر الاتفاق لدى أهل الاختصاص، حتى لا يحدث للمفهوم الواحد عدة ألفاظ أو عدة مفاهيم وبالتالي تضطرب عملية التواصل Communication وينعدم التفاهم بين الناس.
3 ـ المصطلح/ الأثر
ما من شك في أن للمصطلح دوراً أساسياً وفاعلاً في تكوين المعرفة، وأن أية ثقافة كانت، لن تنهض ويستقيم صرحها، إلا إذا أفلحت في إنتاج معرفة خصبة وجديدة، توجهها اصطلاحات واضحة للدلالة. وفي الحال نفسه فإن ثقافة أية أمة من الأمم، تقوض وتفكك بالنظر لعدة أسباب أهمها اضطراب دلالة المصطلح وتكاثر المصطلحات وتعارض مفاهيمها وعدم استقرارها.
وعليه، فللمصطلح دور كبير في حياة الناس، وهو الذي ينظم التواصل بينهم، في شتى ميادين النظم والعمل، لأن المفاهيم ترسخ في الأذهان بحسب الكلمات المتفق عليها لدى الناس أجمعين.
ولسنا نحن العرب وحدنا من يحتاج إلى المصطلح بلغته، بل إن الكثرة الكاثرة من لغات العالم تفتقر إلى ما تفتقر إليه اللغة العربية من ألفاظ فنية تدل على المعاني والأعيان المستحدثة33. لأن الغزو اللغوي ظاهر في كثير من البلدان. يحمل في طياته غزواً ثقافياً من خصائصه وتنميطاً للأفكار والمفاهيم والعادات والسلوكيات، ويخضع للغزو الصناعي الذي تقوم به الدول المتقدمة وتخضع لـه الدول النامية.
وغني عن القول، أن بعض الدارسين ـ فيما أوردوه من تحديدات للمصطلح، يقرنون بين المصطلح والمفهوم وفي ذلك ما أورده بعضهم ترجمة عن جون ولسون J.Wilson حيث أشار أن "المصطلح هو تعيين مفهوم ما في شكل حروف أو أرقام أو كتابة رسم أو تأليف ما من هذه العناصر" 34 ومن خلال ذلك رأوا أنّ للمصطلح علاقة وطيدة مع المفهوم. وفي ضوء ذلك، اقترحوا تحديداً قوامه أن المفاهيم ليست هي المصطلحات، لأن المفاهيم هي بمنزلة مقولات أو فئات أو مجموعات تسمح بتصنيف الوقائع ضمن مفاهيم ومقولات محدودة جداً والمصطلح غير ذلك.
ونظراً للدور الرئيس في البنى المعرفية، فإن الحقول المعرفية تظل تتحدد دائماً بتحديد دلالات مصطلحاتها واستقرار مفاهيمها، وبقدر رواج المصطلحات وشيوعها وتقبل الباحثين والمهتمين لـهذا المصطلح أو ذاك، يحقق العلم أو "الحقل المعرفي" ثبات منهجيته 35.
ثم إن اللغة العربية مثلما لم تواجه الحاجة إلى المصطلح للمرة الأولى في هذا العصر، بل سبق لـها أن واجهت هذه الحاجة في القرن 2 هـ، في عصر ازدهار الترجمة أيام العباسيين. لأن العرب، آنذاك أيام الرشيد والمأمون لم يخطر لـهم التنبه أن يهجروا لسانهم، الذي كانوا يعتزون به أيما اعتزاز فصاحة لفظ وروعة بيان، ليطلبوا العلوم التي وجدوها متقدمة، قياساً على ما كانت عليه عندهم، بإحدى اللغات التي كانت تلك العلوم مدونة بها كاليونانية والفارسية والهندية، كما فعل بعض العرب في العصر الحديث الذين توهموا ومازالوا أن لغتهم تضيق بالعلوم المعاصرة، بل عمدوا دون تحرج أو تردد، ومن موقع الثقة بالنفس إلى نقل العلوم من اللغات المختلفة إلى اللغة
العربية" 36.
كما يحسن بنا التذكير، بأن ترجمة المصطلحات ظهرت لدى العرب في عهد بني أمية، ولكن أفقها لم يتسع إلا في عهد العباسيين، حيث جعلت منشطاً من مناشط الدولة يحظى بدعمها المعنوي والمادي. فيذكر في هذا المساق ما أتاه الخليفة المنصور من ديوان للترجمة الذي وسعه الرشيد، وما أتاه الخليفة المأمون في "بيت الحكمة" الذي كان بمنزلة المجمع العلمي والمرصد الفكري والمكتبة العامة التي أقام فيها طائفة من المترجمين وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال37.
وهكذا ترجمت المعارف عن الهندية والفارسية، واغترف العرب من كتب الإغريق ما يناهز مئة كتاب في الرياضيات وفي الطب. الأمر الذي جعل اللغة العربية لغة علمية بل لغة صالحة للتعبير عن بعض موضوعات العلوم الحديثة. وعلى الرغم من هذه الجهود، فلم تكن في ذلك العهد مجامع لغوية أو لجان جامعية أو مكاتب للتعريب أو دوائر معاجم تلّم مثل هذه الجهود، وظل المعيار الرئيس في هذه العملية هو الترجمة كحد فاصل يقتضي صياغة اللفظة العربية بدقة.
أما في العصر الحديث، ونظراً لأهمية دور المصطلح فقد رافق النهضة الثقافية في القرنين 19 و20 سعي حثيث لإيجاد المصطلحات العلمية التي تطلبها تدريس العلوم المعاصرة باللغة العربية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. وقد أسهمت في مثل هذه المساعي جهات عدة، مثل الهيئات والمؤسسات والمجامع والجامعات والمجالس والمنظمات والاتحادات.
وظهر هذا خلال هذه الحقبة من الزمن رجال أفذاذ نابهون لم يوفروا جهداً أو وقتاً ولم يخشوا عناءً في خدمة لغتهم وإغنائها بالمصطلحات الجديدة، فمنهم من ترجم الكتب القيمة إلى العربية ومنهم من ألّف في الموضوعات العلمية وآخر وضع المعاجم المتخصصة ثم جاء دور الهيئات والمؤسسات.
والملاحظ خلال هذه الفترة الزمنية، أن دور المصطلح لم يكن منوطاً بأية هيئة من الهيئات، بل كان عملاً مشاعاً متروكاً لمبادرة الأساتذة الجامعيين ورجال العلم والثقافة والأدب والصحافة والترجمة.
وحين تأتي إلى اللغة العربية، تجد أن المصطلحات بالنسبة لـهذه اللغة غدت "جزءاً مهماً من اللغة كما في كل اللغات المعاصرة، باعتبارها مفاتيح المعرفة الإنسانية في شتى فروعها، ووسيلة التفاهم والتواصل بين الناس في مختلف المجالات العلمية والعملية"38.
4 ـ المصطلحية/الإشكالية:
لما كانت إشكاليات المصطلح تأتي في صدارة الطرح النقدي المعاصر، سعى بعض الدارسين إلى اعتبار علم المصطلح أو المصطلحية علماً قائماً بذاته باعتبار أن "كل علم بحاجة إلى مجموعة من المصطلحات المحددة بكل دقة، وهذه المصطلحات هي التي تحدد مصطلحيته" 39 ووفقاً لـهذا الاعتبار فلا وجود لعلم دون مصطلحية" 40.
ولا أدل على الأهمية التي يكتسبها علم المصطلح هو أن كل علم يحتاج أكثر من حقل من حقول المعرفة إلى مجموعة مصطلحات محددة تحديداً دقيقاً يستطيع بواسطتها التعبير عن المفاهيم التي يحتاج إليها: وتمثل مجموعة المصطلحات هذه مصطلحية، إذ لا وجود لأي علم من دون مصطلحية41. وعلى هذا الأساس فرق الدارسون بين المصطلح Terme والمصطلحية Terminologie هذه الأخيرة التي تعنى بدارسة المصطلح في ذاته، دراسة مورفولوجية مجردة وفي ارتباطه بالمفهوم الذي يعبر عنه.
تجاوزاً لإشكالية التفرقة بين علم المصطلح والمصطلحية والمصطلحاتية وسواها من التسميات. جاز اعتبار علم المصطلح من أحدث فروع علم اللغة التطبيقية يتناول الأسس العلمية لوضع المصطلحات وتوحيدها، ومعنى ذلك أن وضع المصطلحات لم يعد في ضوء المعايير المعاصرة يتم على أساس البحث المفرد في كل مصطلح على حده، وقد كان "فوستر E.Wuster" قد حدد مكان علم المصطلح بين أفراد فروع المعرفة بأنه مجال يربط علم اللغة بالمنطق وبعلم الوجود (الانطولوجيا) وبعلم المعلومات وبفروع العلم المختلفة" 42.
من بعد ذلك، حدد فوستر مجالات علم المصطلح العام أو النظرية العامة لعلم المصطلح تحديداً اتسعت مجالاته بتقدم هذا العلم، فيتناول علم المصطلح العام "طبيعة المفاهيم، وخصائص المفاهيم، وعلاقات المفاهيم، ونظم المفاهيم، ووصف المفاهيم، وطبيعة المصطلحات، ومكونات المصطلحات، والعلاقات والرموز، وأنماط الكلمات، والمصطلحات، وتوحيد المفاهيم، والمصطلحات ومعجمات المصطلح (...) أما علم المصطلح الخاص فيتضمن شكل القواعد الخاصة بالمصطلحات في لغة مفردة مثل اللغة العربية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية" 43. ومثل هذا التمييز بين العلمين يوازي التميز بين علم اللغة العام وعلم اللغة الخاص.
وتعد المصطلحية (المصطلحاتية) جهازاً معبراً عن المعارف والقوانين وكشفاً مفهومياً يولي كل علم من العلوم أهميته وهو يتوافر على علاقة وطيدة بالعلوم الأخرى كعلم المعرفة واللسانيات وعلم المنطق وعلم الدلالة. وعلوم أخرى لا يمكن حصرها بالنظر لكثرتها 44. لأنه العلم الذي يتناول شتى الموضوعات الأساسية التي تلقى تطبيقاً في وضع المصطلحات وتوحيدها، وربما لـهذا الأساس عمل العالم فوستر Wuster عملاً متقناً في هذا المجال، إذ تعد نظريته من أحدث النظريات وأرقاها وأغناها وأكثرها اهتماماً بالمصطلحاتية بحيث تبنتها مدرسة فيينا.
ونحن نروم في هذا البحث محاولة صياغة تحديد للمصطلحية وعلم المصطلح يجدر بنا الأوبة إلى تفرقة عبد السلام المسدي في قاموس اللسانيات حينما عد المصطلحية "علماً ينحصر بحصر كشوف المصطلحات بحسب كل فرع معرفي، فهو كذلك علم تصنيفي تقريري يعتمد الوصف والإحصاء مع السعي إلى التحليل التاريخي، أما علم المصطلح فهو تنظيري في الأساس تطبيقي في الاستثمار لا يمكن الذهاب فيه إلا بحسب تصور مبدئي لجملة من القضايا الدلالية والتكوينية في الظاهرة اللغوية (...) فبين علم المصطلح والمصطلحية العلم فوق ما بين المعجمية والقاموسية، من كل زوجين جنس لبعض الزوج الآخر" 45.
على الرغم من أن الباحث تراجع في مثل هذه التفرقة وهذا التمييز بين المصطلحين، ضمن مقالاته المتأخرة حيث سعى ضميناً إلى اعتبار المصطلحين مرادفين لمعنى واحد. قائلاً: "إن ما يعكف عليه اللغويون عادة ضمن واحد من أفنان الشجرة المعجمية بعلم المصطلح أو المصطلحية" 46.
على النقيض من هذه الإرهاصات الأولية لعلم المصطلح، يمكننا الإشارة كذلك إلى مدرسة براغ Ecole de Prague التي حللت وظيفة اللغة. وأخذت من اللسانيات نقطة انطلاق لـها. لاسيما من خلال التقطيع المزدوج للغة ومسألة الوظيفة، فكلا التقطيعين ينجم عنهما دور ووظيفة. الفونم والمونم، لأن اللغة أي لغة في نظر اتباع هذه النظرية هي كلٌّ وظيفي أو مجموعة متشابكة من الوسائل اللغوية التي تخدم غرضاً اقتصادياً معنياً.
وفي المقابل، جاءت حركات أخرى دعت إلى التمييز بين نماذج من العناصر غير المصطلحية معتمدة العنصر التزامني أي التمييز بين العناصر المصطلحية والعناصر غير المصطلحية، ثم التمييز بين الوحدات العبارية الدالة للغة الأغراض العامة والوحدات العبارية غير الدالة لـها47.
مادمنا في خضم الحديث عن الجهود اللسانية صوب المصطلحية، يمكن الإشارة كذلك إلى النظريات الأوروبية التي جاءت بمظاهر جديدة في المصطلحية لم يسبق لـها أن قامت، أمر خلق ضرباً من التقارب بين اللسانيات والمصطلحية، إلى درجة أن أضحت هذه الأخيرة حقلاً من حقول البحث المعترف بها في اللسانيات التطبيقية، وهي نقطة التشاكل التي خلصت إليها جهود فوستر، وأدى هذا الاهتمام لدى الباحثين إلى حصر موضوعات الدراسة في النظرية العامة للمصطلحية ضمن ثلاثة حقول رئيسية هي:
1 ـ الدلالية Semantique
2 ـ القاموسية Lexicologie
3 ـ المعجمي Lexicographie
وإذا كان هذا التحديد هو الأقرب للمصطلحية، فإن النطاق الرئيس لـها هو أن حدودها تلتحم بحدود علوم أخرى ليست بطبيعتها علوماً لسانياتية مثل المنطق (الفلسفة) ونظرية المعرفة والمعلومات والتوثيق أي البحث الوثائقي علاوة على التصنيف Classification
وتظهر الحاجة ماسة للتحدث في هذا المساق عن أبرز واضعي علم المصطلح، من ذلك واضعو المنظومية Systematic والتسميات Nomenclatemes وعلم التشريح Bertholler وLavoisier والكيمياء Cinnanens وعليه فقد وضع Lavisier مصطلحات منظومية أقر خلالها بالعلاقات المتداخلة بين التصور Le concept والمصطلح Le terme والباحث على المصطلح Motivation 48.
ودائماً بخصوص ذكر الجهود في حقل المصطلحية، يذكر أن القرن 19 اتسم بخطوات عملاقة تقدمت بها المسيرة العلمية، ووجدت طريقاً إلى التطبيق العملي، ومن ثم نشأت حاجة كبيرة للمصطلحية.
وفي النصف الثاني من القرن الماضي أصبحت مهمة تحقيق التواصل المهني مُلِّحة، خاصة بالنسبة للتفاهم المتبادل بين الخبراء العاملين في الحقل المعرفي الواحد مع تباين في الخلفية اللغوية. فنذكر على سبيل التدليل أن المنظمة العالمية للتقنية الكهربائية Electrotechnical International Commission. IEC سرعان ما شكلت بعد تأسيسها 1906 لجنة عهد إليها مهمة التنسيق والتخطيط لمصطلحية هذا الحقل الخاص 49.
ومثل هذا الجهد على ما فيه من جدّية لوحظ كلية بأنه لا يبصر بعملية تصنيف المعجم التعريفي فحسب بل يبصر بتطور بعض الأسس المصطلحية. إضافة إلى ما قام به العالم Frege 1892 من تقييم لـهذا الجهد والعمل المعجمي.
ومن أمثلة هذه الازدواجية في التفرقة بين المصطلحية وعلم المصطلح ذهب الباحث عبد الملك مرتاض إلى إيجاد مصطلح، المصطلحاتية والمصطلحية قرائن لـهذا العلم المصطلح وحصره في ثلاثة جوانب هي 50:
أ/ العلاقات بين المفاهيم المتداخلة مثل الجنس والنوع والكل والجزء.
ب/ المصطلحات اللغوية والعلاقات القائمة بينها ووسائل وضعها، فهو فرع خاص من فروع علم الألفاظ والمفردات Lexicologie وعلم تطور دلالات الألفاظ Semasiologe
ج/ الطرائق العامة المؤدية إلى خلق اللغة العلمية والتقنية.
في الاتجاه نفسه أشار الباحث علي القاسمي 51 إلى المصطلحية. كعلم أشار إليه علماء الأحياء والكيمياء الأوروبيون الذين شرع فريق منهم في توحيد قواعد المصطلحات في حوالي 16 مجلداً، ثم أصدر الباحث فيما ذكرنا سلفاً ـ "فيستر" كتابه (التوحيد الدولي للغات الهندسة) ثم في سنة 1936 شكلت اللجنة التقنية للمصطلحات، وتلتها محاولات أخرى ضمن منظمة اليونسكو مركز المعلومات الدولي في فيينا 1971، هذا فضلاً عن الجامعات العربية التي اهتمت بتدريس النظرية العامة كعلم المصطلح.
ومن المفيد كذلك، أن نذكر أنه على الرغم من قلة الاهتمام بعلم المصطلح في المعاجم الأوروبية المتخصصة في القديم فإنها عادة ما كانت تقرن باللفظة Mot خاصة لدى اللغويين المنتمين لمدرسة براغ التي كان لـها دور كبير في النظرية العامة لعلم اللغة ولتطبيقاته في التحليل اللغوي للنصوص الأدبية.
وفي الجهة الأخرى، أصبح الاهتمام بالمصطلحية مركزاً هاماً في الأبحاث الحديثة لما لـها من دور في ضبط التعامل في الحياة اليومية والعملية، وفي بناء النظريات والمناهج في الحياة العملية، ويتجلى هذا الاهتمام في مناحٍ عدّة أهمها، التآليف اللغوية والقواميس والمعاجم والكتب المختصة، وهي التآليف التي اهتمت بدراسة الكلمات والمفاهيم والمصطلحات وحاول أصحابها التفرقة بينها.
في هذا المجال، وإن شئنا ضبط العلوم التي بينها وبين المصطلحية شجرة نسب فإننا لا نستطع تحديد شكل هذا التوافق لفرط كثرته واختلاف نسب التقارب بينهما. فمن باب التنظير لـهذا العلم المستحدث يمكننا القول بأن الدراسات الجادة والمهتمة بالمصطلحية عائدة إلى حداثتها، فقد ذكر فوستر Wuster بأن تقويم النظرية المصطلحاتية ومبادئها واستعمالها لم يبدأ إلا في السبعينيات في جامعات دول بينها: النمسا وكندا وتشيكوسلوفاكيا والدانمارك وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول (...) 52.
من خلال ذلك، حدث التقدم العلمي وحدث أن تزايد الاهتمام بقضية المصطلحات، وأدرك العلماء الكبار في الحضارة الأوروبية عملية توحيد المصطلحات في تخصص مهم، ثم حدث التقدم في عدة دول أوروبية، وعرفت كل دولة مواقع عديدة للبحث والتطبيق في هذا المجال، بحيث كثر الباحثون وزادت الحاجة إلى مصطلحات جديدة وزاد الاهتمام بتوحيد لـهذه المصطلحات من أجل تحسين عملية التواصل بين الباحثين.
ولعل أولى مظاهر الإرهاصات في علم المصطلح أو المصطلحية تتجلى في أول خطوة جدية ظهرت مع ظهور معجم شلومان schlammen المصور للمصطلحات التقنية A.schammans illustrated technical vocabularies. في اللغة الإنجليزية، وهو المؤلف الذي ظهر في 16 مجلداً وبست لغات بين عامي 1906 و1928 ـ 53.
وبالفعل، فقد أفاد هذا المعجم الباحثين كثيراً وأغنى مجال المصطلحية لا سيما في طريقة ترتيب المواد التي تمت على أساس المفاهيم، وأوضح مدلول المصطلح، كوعاء يوضع فيه مضمون من المضامين وأداة تحمل رسالة جد خطيرة، تسهم في تطور العلم والمعرفة النظرية منها والتطبيقية على امتداد الحضارات المختلفة والأنساق الفكرية المتعددة والعقائد والمذهبات المتميزة 54.
ودائماً في مساق التأريخ لعلم المصطلح، يجدر بنا القول إن العرب هم كذلك لـهم باعهم في مجال التأليف في المصطلحية من مثل كتاب (التعريفات) للشريف الجرجاني و(مفاتيح العلوم) للخوارزمي، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي.
في العصر الحديث يجدر التنويه بالمجهودات المصطلحية التي قام بها بعض العلماء والتي قامت وتقوم بها المجامع العربية مثل: ما ذكره الباحث رشاد الحمزاوي في منهجية التنميط (المبادئ والتطبيقات) بحيث اشترط في المنهجية وفرة قائمة المصادر والمراجع، ثم ذكر الاطراد واليسر في التداول والملاءمة أي عدم التداخل ثم تحدث عن الاشتقاق ودعا إلى تجنب الغرابة. وفي سياق التنميط الكمي فقد صوره في أربع نقاط هي: الشيوع، ويسر التداول، والملائمة، والحوافز 55.
ومن جملة مجامع اللغة العربية نذكر المجمع المصري 1932 والمجمع السوري 1979 والمجمع العراقي 1937 والمجمع الأردني 1976 والمجمع الهندي 1976 فضلاً عن بعض الهيئات التي أسست في خدمة المصطلح مثل: مكتب تنسيق التعريف بالرباط 1969 ومعهد العلوم اللسانية والصوتية بجامعة الجزائر 1966.
أما بنوك المعلومات فنذكر من بينها البنك التابع للمجموعة الاقتصادية الأوروبية Eurodicaution وبنك مكتب اللغة الفرنسية b.t.q الكائن بكندا وبنك Normoterm التابع لمؤسسة afnor وبنك terminum الكندي وبنك Le xar 56 .
ولا يقتصر الأمر على مجهودات البنوك والمجامع بل تعداها إلى بعض المنظمات من مثل: المنظمة الدوليّة للتقييس I.S.O كلجنة تقنية خاصة تحمل رقم 37 وهي المنظمة التي أسهمت في إرساء هذا العلم وأثرت مجال المعجمات. ومنذ سنة 1951 قامت لجنة المصطلحات بالمنظمة الدولية للمواصفات القياسية بمتابعة العمل في وضع الأسس والتنسيق بين الجهود.؟
كما يبدو جلياً تتبع بعض الهيئات لقضايا المصطلح عالمياً كما هو الحال لدى الاتحاد الدولي لعلم اللغة التطبيقي الذي أرسى دعائم لجنة خاصة بالمصطلحية تضم كثيراً من المتخصصين، حيث عقدت مؤتمرها الأول مرة في كندا عام 1978، تناول فيها أعضاؤها نظرية علم المصطلح وتعليم المصطلحات 57.
وبما أن العمل قد بدأ، كان جد الجاد من رجال العلم واللغة هو الذي سد المسدّ فأغنى اللغة وأثرى الثقافة وفتح الباب عريضاً للتأليف والكشف والإبداع في مؤتمرات أخرى دولية في علم المصطلح عقدت والتي اهتم فيها أصحابها بالأسس المنهجية لعمل المصطلحات في دول العالم المختلفة مع بيان القضايا اللغوية من ذلك، ومنها قضايا التجديد المعجمي في المصطلحات.
في ضوء كل ما سبق حول المصطلحية أو علم المصطلح، يتجلى للرائي أن أولى المنطلقات التي يستوجب عليه الشروع فيها بخصوص هذا الحقل هو تبيان القواعد العامة في صياغة المصطلحات العلمية والفنية، ثم تأتي المرحلة الموالية، وهي البحث في القواعد الأساسية المتحكمة في صياغة المصطلح ضمن اللغة المحددة.
وبناءً على ذلك، يقع استقراء الآليات التي تتوافر في بنية اللغة العربية ويسمح لـها بتوليد الألفاظ وتركيب المصطلحات مع مقارنتها بالآليات التي تتضمنها اللغات الأخرى لا سيما تلك التي يأخذ عنها اللسان