الجمعة مايو 07, 2010 2:38 pm شجرة العائلة البشرية ....
يذكر سفر التكوين ثلاث من أبناء آدم و حوّاء , لكن أخصائيي علم الوراثة , و عن طريق تعقُّب عينات DNA من شعوب مختلفة في العالم , قد تعرَّفوا على عدة أنساب بشريّة تنحدر من 10 أبناء وراثيين من آدم و 18 ابنة من حوّاء .
هذه المورثات البشريّة تتحول لأرشيف جديد بالنسبة للمؤرخين , حيثُ يصل مداها إلى أوقات مبكرة قريبة من ظهور الجنس البشري .
لقد وجد المنقبون في أرشيف الـDNA دلائل على هجرات بشريّة في عصور ما قبل التاريخ من آسيا الغربيّة إلى أمريكا الجنوبيّة , و تعرَّفوا بذلك على الشعوب التي تبدو أكثر قرباً من السكان الأصليين . و هذا أعاد الأهميَّة للشائعات التي تقول بأن توماس جيفيرسون (Thomas Jefferson) قام بتأسيس عائلة مع عبدتهِ سالي هيمينجس (Sally Hemings).
في كتابه "The Isles"(Oxford University Press), يقوم نورمان دايفز (Norman Davies) بوضع تاريخ جديد لبريطانيا و إرلنده و يبدأ حساباته من فترة الـ Cheddar Man, الهيكل العظمي الجديد الذي تم العثور عليه , و عُمرُهُ 8980 سنة و قد تم تحديد الـDNA الخاص به .
لقد تبيَّن أن الـDNA الخاص بهذا الهيكل قد تطابق مع ذلك الخاص بأدريان تارجيت و هو أستاذ في مدرسة موجودة في Cheddar .
و هذا ما أثبت أن الاستمراريَّة الوراثية قد بقيّت خلال تسع ألفيَّات (millennia) بالرغم من العديد من الغزوات .
على عكس اختبارات الـDNA المستخدمة في القضايا الشرعيِّة و التي صُمِّمَت للتعرُّف على الأشخاص , يُركز تحليل الـDNA , الذي يسعى إلى العودة إلى الماضي , على الأنساب و ليس على الأفراد .
يستطيع علماء الأحياء غالباً أن يُقدِّروا , من الأنماط في بيانات الـDNA , حجم الكثافات السكانيّة القديمة و حتَّى أن يقتربوا من معرفة تاريخ انفصال مجموعة ما عن مجموعة أخرى بشكلٍ تقريبيّ .
بالرغم من ارتباط الـDNA بالأسئلة التاريخيَّة غالباً عن طريق اختبار الأبوّةِ البعيد المدى , لقد كان الاستخدام المدهش له في ما قبل التاريخ حيثُ أضافَ بُعداً جديداً للإطار الفارغ الذي منحنا إياه علم الآثار .
إن أكثر شجرة مفصلة للعائلة البشريَّة متوفرة لحد الآن (Human Family Tree) قد تم بنائها على طول سنوات كثيرة مِن قِبَل د.دوغلاس س.والاس (Dr. Douglas C. Wallace) و زملائهُ في كليَّة الطب-جامعة إيموري في أتلانتا (Emory University School of Medicine in Atlanta) .
شجرة الدكتور والاس مستندة على الـDNA المُستخرج من جسيمات صغيرة موجودة في الجسم (تم استخراج DNA من Cheddar man بنفس الطريقة) و هذه الجُسيمات عبارة عن حلقات صغيرة من مواد وراثيَّة تُورَّث بواسطة خليَّة من بيضة فقط , و هكذا خلال الخط الأمومي (maternal line).
شجرة عائلة بشرية مماثلة مُستندةً على تحليل كروموسوم Y , قد تم تحضيرها من قِبَل د.بيتر ا.أندرهل (Dr.Peter A.Underhill) و د.بيتر ج.أويفنر (Dr.Peter J.Oefner) من جامعة ستانفورد (Stanford University) .
يعتقد أخصائيي علم الوراثة بأن المجموعة البشريَّة الأقدم كانت صغيرة جداً , مجرد 2000 فرد قادرين على التناسُل , و ذلك طبقاً للحسابات التي نُشِرت في كانون الأول الماضي .
لا تصل شجرة الأنساب المبنيَّة على الـDNA البشريّ , خلال تتبعها للنسب , إلى آلاف النساء في تلك المجموعة البشريَّة , بل تصل إلى جذرٍ وحيدٍ لها و هو: "Mitochondrial Eve"-(الجمع من mitochondria: و هي بنية موجودة في عدد كبير في أكثر الخلايا,حيثُ يظهر إنتاج الطاقة و التنفس) , و ذلك لأن كل الأنساب الأخرى سقطت منقرضةً .
يصح نفس الشيء على شجرة كروموسوم Y , نتيجة لحقيقة أنه في كل جيل سيكون لبعض الرجال أطفال إناث فقط أو لن ينجبوا أطفال أبداً ... لذلك قد تقل كروموسومات الـY المختلفة تدريجيَّاً , حتى بحفاظ الكثافة على الحجم نفسه .
عاشت هذه المجموعة البشريَّة القديمة في مكانٍ ما من أفريقيا كما يعتقد أخصائيي الوراثة و بدأت بعض الأزواج تنفصل في وقتٍ ما منذ 144000سنة مضت .
و قد استغرق الأمر 10000سنة أخرى , الوقت المقدَّر لِكِلا الشجرتين لكي تصنعا فرعهما الأولى .
الـMitochondria, السائل العضوي الذي يوجد داخل الخليَّة البشريّة و لكن خارج نواتها , ينجو من خلط الجينات الظاهر بين الأجيال و يُمرَّر بدون تغيير من الأم للأطفال .
من حيث المبدأ , كل الناس يجب أن يمتلكوا نفس تسلسل الأحرف في DNA الـMitochondria الموجود في خلاياهم . لكن عملياً DNA الـMitochondria قد راكمَ بثباتٍ تغييرات خلال القرون السابقة بسبب أخطاء النسخ و الضرر الناتج عن الإشعاعات .
لأن النساء كُنَّ ينتشرن على سطح الكوكب عندما ظهرت الكثير من هذه التغييرات , فبعضُ التغييرات تُوجَد في قارات ومناطق معيَّنة فقط .
اكتشف الدّكتورَ والاس أنّ تقريباً كُلّ الهنود الأمريكان عِنْدَهُمْ Mitochondria تنتمي إلى أنساب , و هي كما أسماها: A,B,C و D .
ينتمي الأوروبيون إلى مجموعة مختلفة من الأنساب و قد عيَّنَها على الشكل التالي : H خلال K , و T خلال X .
الانشقاق خلال الفرعين الرئيسيين في الشجرة الأوروبيَّة يقترح أنَّ البشر المعاصرين (Modern Humans) وصلوا إلى أوروبا منذ 39000 إلى 51000 سنة , كما توضِّح حسابات الدكتور والاس , و هو الوقت الذي يتطابق و يتوازى مع التأريخ ألآثاريّ (Archaeological Date) قبل 35000سنة على الأقل .
في آسيا هناك نسبٌ قديم معروف بـM و فروع متسلسلةٌ منهُ و هي E,F و G ... بالإضافة إلى AخلالD الموجود في الأمريكيَّتَين .
يوجد في أفريقيا نسبٌ رئيسيّ معروف بـ L و مقسوم إلى ثلاثة فروع . L3 , الفرع الأصغر (youngest branch) منتشر في شرق أفريقيا و يُعتَقَدْ أنهُ مصدر الأنساب في أسيا و أوروبا .
أنسابُ الدكتور والاس ,المُحدَّدة عن طريق الـDNA الموجود في سائل الـMitochondria , تُعرَف بـHaplogroups و لكن الاسم الأكثر انتشاراً هو
"بناتُ حوَّاء" (Daughters of Eve) , و ذلك لأنهم جميعاً (أي الأنساب) فروع من الجذر الذي نشأ عن "Mitochondrial Eve".
الشجرة التي تستند على كروموسوم Y لم يتم نشرها بعد , لكن قام د.لوكا كافالي (Dr.Luca Cavalli-Sforza) بعرضٍ موجز عن الاكتشافات الجديدة في كتاب (Genes, People and ********s) الذي نُشِرَ في آذار/2000. تتجذَّر الشجرة في آدم فردي كروموسوميّ لـY
(Single Y Chromosomal Adam) , كما ورد في تقرير د.لوكا .
وُجِدَ الأبناء الثلاثة الأوائل لآدم في أفريقيا بشكل خاص . هاجر نسب الابن الثالث إلى آسيا و أنجبَ الأبناء الرابع-X (sons IV-X) , و الذين انتشروا عبر بقيّة العالم إلى بحر اليابان- الابن الرابع (son IV) , و إلى شمال الهند- الابن الخامس (son V) , و إلى جنوب كاسبيا (Caspia)-(sons VI and IX) .
يعتقد د.لوكا أنَّ أنساب الكروموسوم Y قد تكون مرتبطة بمجموعة اللغات الرئيسية في العالم . سكان جنوب كاسبيا , كمثال , لربما تكلموا أوراسيوي (Eurasian) و هي اللغة القديمة المشتركة بين أوروبا و الهند ( و التي تنتمي لها اللغة الإنكليزيّة) , و أكثر عائلة اللغات الأخرى في القارة .
و لكن يتساءل د.والاس إذا كانت أنسابُهُ المستندة على DNA الـMitochondria تقابل أيضاً مجموعات اللغات الرئيسيّة في العالم , و كما قال : "أميل لأن أكون أكثر حذراً من د.لوكا".
لقد كان الدكتور والاس مؤخراً يتحرّى عن جذر الشجرة المستندة على Mitochondria . و في مقالة نُشرت في آذار في المجلة الأمريكيَّة لعلم الوراثة الإنساني (The American Journal of Human Genetics) , قام هو وبعض الزملاء بتعريف شَعْبُ الـVasikela Kung في صحراء شمال غرب Kalahari في جنوب أفريقيا , كالسكان الذين يجلسون بأقرب مكان من جذر الشجرة البشريَّة . مجموعة أخرى أيضاً تبدو قديمة بشكل موازي للمجموعة السابقة و هي قبائل أقزام الـBiaka (Biaka pygmies) في وسط أفريقيا .
كِلتا المجموعتين تعيشان في مناطق معزولة , و هذا قد يكون السبب في أن DNA الـMitochondria يبدو أقل تغيُّراً من ذلك الخاص بمجموعات الجد الأعلى . قال د.والاس: "نحنُ ننظر إلى بداية ما قد ندعوه Homo Sapiens" .
إحدى أكثر القضايا المُختَلف عليها بين العلماء بالنسبة لما قبل التاريخ , هي توقيت و عدد الهجرات الأولى إلى الأمريكيّنين . د.جوزيف غرينبورغ (Dr.Joseph Greenberg) , و هو عالم لغات في جامعة ستانفورد , قد أقترح حصول ثلاث هجرات , ما يُقابل وجود ثلاث مجموعات لغوية في الأمريكيَّتين (Amerind و Na-Dene و Eskimo-Aleut) .
تدعم بيانات الدكتور والاس هذه الأطروحة العامة بشكل واسع , بالرغم من أنَّ وُصول من يتحدث بلغة Amerind يبدو أكثر تعقيداً من أن يكون بسبب هجرة واحدة .
من أنساب A خلال D التي وُجِدَت في الهنود الأمريكان , و ظهور أنساب A , C و D أيضاً في سكان سيبيريا , يُستَنتَج أن أسلافهم كانوا المصدر الرئيسي لهجرة متكلمي لغة Amerind . لكن نسب B , بالرغم من وجوده في مكان آخر في آسيا , لم يظهر صدفةً في سيبيريا و هذه إشارة إلى أنَّ شعوب النسب B لربما سلكوا طريقاً بحريَّاً إلى الأمريكيتين و ثم اندمجوا هناك مع أبناء عمومتهم المنتمين للأنساب الأخرى,A-,C-,D- .
في عام 1998 , اكتشف د.والاس و زملائهُ النمط X , و هو نسب أوروبي نادر , بين السكان الأصليين الشماليين في الأمريكيَّتين , مثل: Ojibwa و Sioux . افترضوا في بادئ الأمر أنه جاء من التزاوج مع الأوروبيين الحديثين . و لكن تبيَّن أن النسب X الأمريكي هو سابق لنسب الكولومبيين , و مالكيهِ ربما وصلوا إلى القارة الأمريكيَّة منذ 15000 إلى 30000 سنة مضت و هذا الاستنتاج اعتماداً على بعض الفرضيات الوراثيّة .
يبدو أنَّ نسب X الأوروبي قد نشأ في آسيا الغربيَّة منذ حوالي 40000 سنة مضت . الدّكتور والاس يَقترحُ أن جزءً من هذه المجموعة ربما شَقّ طريقه إلى أمريكا عن طريق سيبيريا ، حتى لو لم تظهر آثار لنسب X في آسيا الشرقيَّة لحد الآن . طريق عبر الأطلنطي هو بديلٌ مُحتمل أيضاً .
عندما بدأ البشر الحديثون (Modern Humans) يغادرون أفريقيا قبل حوالي 50000 سنة بالتقدير الحالي , كانوا يشتملون على مجموعات صغيرة من الصيادين و الجامعين , بضعة مئات أقوياء . لا بدَّ و أنهم خلال استكشافهم العازم للعالم أمامهم قد تغلَّبوا على المناخ القاسي , و تجاوزوا مناطق كثيرة , و رُبما تجاوزوا أيضاً الجماعات البشريَّة القديمة مثل إنسان النياندرتال المُخيف , و ذلك بواسطة الوسائل الأوليَّة المتوفرة لديهم .
يقول عالم الأحياء إدوارد و.ويلسون (Edward O. Wilson) متأملاً , في مقابلة مع صحيفة وول ستريت (The Wall Street Journal) , بأنَّه قد نكون وجدنا قاعدة جديدة للقيم الروحيَّة , ليس في المصادر الدينيَّة المعتادة و لكن في القصة الملهمة للتاريخ و الأصول البشريَّة .
"نحتاج لإبداع ملحمة جديدة مستندة على الأصول البشريَّة" كما قال , و أضافَ " يا لهُ من تاريخٍ كان لدى الجنس البشري (Homo Sapiens)! و أنا أتكلم عن التاريخ القديم جداً , تاريخ وراثي تطوري , و من ثم , مُضافاً إلى ذلك و متفاعلاً معهُ , التاريخ الثقافي المُسجَّل للسنوات الـ10000 الماضية تقريباً ".
العديد من علماء الأحياء الذين يقومون بإعادة بناء الماضي الإنساني , يعتقدون أن عملهم يمتلك قيمة تتجاوز علم الوراثة .
بالرغم من أنَّ أشجار الأنساب التي وضعوها مُستندةٌ على الاختلافات الوراثيَّة , أكثر هذه الاختلافات تتعلَّق بالـDNA الذي لا يساهم في تشفير الجينات و ليس له تأثير على الجسم .
"نحن كُلنا أفارقة على مستوى كروموسوم Y , و في الواقع كلنا أخوة " قال د.أندرهل (Dr. Underhill) .
أشار الدكتور والاس بأنه منذ أن بدأ العمل على الـMitochondrial DNA في أواخر السبعينات:
"الذي وجدتُهُ مثير للدهشة و يُظهِر بكل وضوح أننا ننتمي لعائلةٍ بشريَّةٍ واحدة . التأريخ العرقي في أفريقيا يعودُ بنا إلى أصول نوعِنا , و لكنَّ أصابع L3 تمسُّ أوروبا و آسيا , و هذا يعني أننا كلنا مرتبطين بشكل وثيق" .
سواءُ أكان التاريخ الوراثي يتناسب مع الأسطورة الحديثة لأصل لنوعنا أم لا , فهو على وشك أن يُجعَل متوفراً للجمهور الواسع .
في الشهر الماضي , بدأت شركة تُدعى أسلاف أكسفورد (Oxford Ancestors) بتقديم عرضها الذي يتضمن إخبَار الزبائن من أي واحدة من بنات حوَّاء السبع ينحدرون . (ينتمي كل الأوروبيون تقريباً إلى سبعة فقط من التسعة أنساب التي وُجِدت في أوروبا).
يتطلب الاختبار إرسال عيّنة من الخلايا مأخوذة من الجهة الداخلية للخدّ . مُقابل 180$ فقط , يستطيع أي إنسان أن يعرف بداية نسبهِ من الأقدم ... رجوعاً حتى شارلمان (Charlemagne).
مؤسس الشركة هو د.براين سايكس (Dr.Bryan Sykes) و هو عالم وراثة بشريّة (Human Geneticist) في جامعة أكسفورد في إنكلترا .
على أسسٍ معقولة نستطيع القول أن مؤسسي الأنساب التي وضعها د.والاس كُنَّ نساء حقيقيَّات . و قد أعطاهن د.سايكس أسماء و وضع مخطط لتفاصيل تواريخهن المحتملة و أصولهن . و هكذا وُجِدَ أن الناس الذين ينتمون إلى مجموعة U (haplogroup U) , سيُقال لهم أنهم ينحدرون من Ursula التي عاشت قبل حوالي 45000 سنة في شمالي اليونان . و سلفُ أحفاد نسب X هو Xenia التي عاشت قبل 25000 سنة في جِبال القوقاز .
و لإنجاز اقتراح د.والاس , قال د.سايكس بأنهُ: "عَمِلَ على نطاق أسطوري بالنسبة لهؤلاء النسوة السبع" فيما يتعلَّق بالأوقات الصعبة التي لا بدَّ أنهن عايشوها و بالنسبة للاحتفال بنصر انتشار الـDNA في مادة الـMitochondria خاصتهم إلى كل سكان أوروبا تقريباً .
إنهُ يعملُ الآن على اختباراتٍ لتحديد الأنساب الأخرى حول العالم , يتضمن ذلك 14نسب في أفريقيا و 16نسب في أوروبا و آسيا و الأمريكيَّتين . "لا أعتقد أن هذا الأمر يجب أن ينحصر في الأكاديميين " كما قال.
__________________
يذكر سفر التكوين ثلاث من أبناء آدم و حوّاء , لكن أخصائيي علم الوراثة , و عن طريق تعقُّب عينات DNA من شعوب مختلفة في العالم , قد تعرَّفوا على عدة أنساب بشريّة تنحدر من 10 أبناء وراثيين من آدم و 18 ابنة من حوّاء .
هذه المورثات البشريّة تتحول لأرشيف جديد بالنسبة للمؤرخين , حيثُ يصل مداها إلى أوقات مبكرة قريبة من ظهور الجنس البشري .
لقد وجد المنقبون في أرشيف الـDNA دلائل على هجرات بشريّة في عصور ما قبل التاريخ من آسيا الغربيّة إلى أمريكا الجنوبيّة , و تعرَّفوا بذلك على الشعوب التي تبدو أكثر قرباً من السكان الأصليين . و هذا أعاد الأهميَّة للشائعات التي تقول بأن توماس جيفيرسون (Thomas Jefferson) قام بتأسيس عائلة مع عبدتهِ سالي هيمينجس (Sally Hemings).
في كتابه "The Isles"(Oxford University Press), يقوم نورمان دايفز (Norman Davies) بوضع تاريخ جديد لبريطانيا و إرلنده و يبدأ حساباته من فترة الـ Cheddar Man, الهيكل العظمي الجديد الذي تم العثور عليه , و عُمرُهُ 8980 سنة و قد تم تحديد الـDNA الخاص به .
لقد تبيَّن أن الـDNA الخاص بهذا الهيكل قد تطابق مع ذلك الخاص بأدريان تارجيت و هو أستاذ في مدرسة موجودة في Cheddar .
و هذا ما أثبت أن الاستمراريَّة الوراثية قد بقيّت خلال تسع ألفيَّات (millennia) بالرغم من العديد من الغزوات .
على عكس اختبارات الـDNA المستخدمة في القضايا الشرعيِّة و التي صُمِّمَت للتعرُّف على الأشخاص , يُركز تحليل الـDNA , الذي يسعى إلى العودة إلى الماضي , على الأنساب و ليس على الأفراد .
يستطيع علماء الأحياء غالباً أن يُقدِّروا , من الأنماط في بيانات الـDNA , حجم الكثافات السكانيّة القديمة و حتَّى أن يقتربوا من معرفة تاريخ انفصال مجموعة ما عن مجموعة أخرى بشكلٍ تقريبيّ .
بالرغم من ارتباط الـDNA بالأسئلة التاريخيَّة غالباً عن طريق اختبار الأبوّةِ البعيد المدى , لقد كان الاستخدام المدهش له في ما قبل التاريخ حيثُ أضافَ بُعداً جديداً للإطار الفارغ الذي منحنا إياه علم الآثار .
إن أكثر شجرة مفصلة للعائلة البشريَّة متوفرة لحد الآن (Human Family Tree) قد تم بنائها على طول سنوات كثيرة مِن قِبَل د.دوغلاس س.والاس (Dr. Douglas C. Wallace) و زملائهُ في كليَّة الطب-جامعة إيموري في أتلانتا (Emory University School of Medicine in Atlanta) .
شجرة الدكتور والاس مستندة على الـDNA المُستخرج من جسيمات صغيرة موجودة في الجسم (تم استخراج DNA من Cheddar man بنفس الطريقة) و هذه الجُسيمات عبارة عن حلقات صغيرة من مواد وراثيَّة تُورَّث بواسطة خليَّة من بيضة فقط , و هكذا خلال الخط الأمومي (maternal line).
شجرة عائلة بشرية مماثلة مُستندةً على تحليل كروموسوم Y , قد تم تحضيرها من قِبَل د.بيتر ا.أندرهل (Dr.Peter A.Underhill) و د.بيتر ج.أويفنر (Dr.Peter J.Oefner) من جامعة ستانفورد (Stanford University) .
يعتقد أخصائيي علم الوراثة بأن المجموعة البشريَّة الأقدم كانت صغيرة جداً , مجرد 2000 فرد قادرين على التناسُل , و ذلك طبقاً للحسابات التي نُشِرت في كانون الأول الماضي .
لا تصل شجرة الأنساب المبنيَّة على الـDNA البشريّ , خلال تتبعها للنسب , إلى آلاف النساء في تلك المجموعة البشريَّة , بل تصل إلى جذرٍ وحيدٍ لها و هو: "Mitochondrial Eve"-(الجمع من mitochondria: و هي بنية موجودة في عدد كبير في أكثر الخلايا,حيثُ يظهر إنتاج الطاقة و التنفس) , و ذلك لأن كل الأنساب الأخرى سقطت منقرضةً .
يصح نفس الشيء على شجرة كروموسوم Y , نتيجة لحقيقة أنه في كل جيل سيكون لبعض الرجال أطفال إناث فقط أو لن ينجبوا أطفال أبداً ... لذلك قد تقل كروموسومات الـY المختلفة تدريجيَّاً , حتى بحفاظ الكثافة على الحجم نفسه .
عاشت هذه المجموعة البشريَّة القديمة في مكانٍ ما من أفريقيا كما يعتقد أخصائيي الوراثة و بدأت بعض الأزواج تنفصل في وقتٍ ما منذ 144000سنة مضت .
و قد استغرق الأمر 10000سنة أخرى , الوقت المقدَّر لِكِلا الشجرتين لكي تصنعا فرعهما الأولى .
الـMitochondria, السائل العضوي الذي يوجد داخل الخليَّة البشريّة و لكن خارج نواتها , ينجو من خلط الجينات الظاهر بين الأجيال و يُمرَّر بدون تغيير من الأم للأطفال .
من حيث المبدأ , كل الناس يجب أن يمتلكوا نفس تسلسل الأحرف في DNA الـMitochondria الموجود في خلاياهم . لكن عملياً DNA الـMitochondria قد راكمَ بثباتٍ تغييرات خلال القرون السابقة بسبب أخطاء النسخ و الضرر الناتج عن الإشعاعات .
لأن النساء كُنَّ ينتشرن على سطح الكوكب عندما ظهرت الكثير من هذه التغييرات , فبعضُ التغييرات تُوجَد في قارات ومناطق معيَّنة فقط .
اكتشف الدّكتورَ والاس أنّ تقريباً كُلّ الهنود الأمريكان عِنْدَهُمْ Mitochondria تنتمي إلى أنساب , و هي كما أسماها: A,B,C و D .
ينتمي الأوروبيون إلى مجموعة مختلفة من الأنساب و قد عيَّنَها على الشكل التالي : H خلال K , و T خلال X .
الانشقاق خلال الفرعين الرئيسيين في الشجرة الأوروبيَّة يقترح أنَّ البشر المعاصرين (Modern Humans) وصلوا إلى أوروبا منذ 39000 إلى 51000 سنة , كما توضِّح حسابات الدكتور والاس , و هو الوقت الذي يتطابق و يتوازى مع التأريخ ألآثاريّ (Archaeological Date) قبل 35000سنة على الأقل .
في آسيا هناك نسبٌ قديم معروف بـM و فروع متسلسلةٌ منهُ و هي E,F و G ... بالإضافة إلى AخلالD الموجود في الأمريكيَّتَين .
يوجد في أفريقيا نسبٌ رئيسيّ معروف بـ L و مقسوم إلى ثلاثة فروع . L3 , الفرع الأصغر (youngest branch) منتشر في شرق أفريقيا و يُعتَقَدْ أنهُ مصدر الأنساب في أسيا و أوروبا .
أنسابُ الدكتور والاس ,المُحدَّدة عن طريق الـDNA الموجود في سائل الـMitochondria , تُعرَف بـHaplogroups و لكن الاسم الأكثر انتشاراً هو
"بناتُ حوَّاء" (Daughters of Eve) , و ذلك لأنهم جميعاً (أي الأنساب) فروع من الجذر الذي نشأ عن "Mitochondrial Eve".
الشجرة التي تستند على كروموسوم Y لم يتم نشرها بعد , لكن قام د.لوكا كافالي (Dr.Luca Cavalli-Sforza) بعرضٍ موجز عن الاكتشافات الجديدة في كتاب (Genes, People and ********s) الذي نُشِرَ في آذار/2000. تتجذَّر الشجرة في آدم فردي كروموسوميّ لـY
(Single Y Chromosomal Adam) , كما ورد في تقرير د.لوكا .
وُجِدَ الأبناء الثلاثة الأوائل لآدم في أفريقيا بشكل خاص . هاجر نسب الابن الثالث إلى آسيا و أنجبَ الأبناء الرابع-X (sons IV-X) , و الذين انتشروا عبر بقيّة العالم إلى بحر اليابان- الابن الرابع (son IV) , و إلى شمال الهند- الابن الخامس (son V) , و إلى جنوب كاسبيا (Caspia)-(sons VI and IX) .
يعتقد د.لوكا أنَّ أنساب الكروموسوم Y قد تكون مرتبطة بمجموعة اللغات الرئيسية في العالم . سكان جنوب كاسبيا , كمثال , لربما تكلموا أوراسيوي (Eurasian) و هي اللغة القديمة المشتركة بين أوروبا و الهند ( و التي تنتمي لها اللغة الإنكليزيّة) , و أكثر عائلة اللغات الأخرى في القارة .
و لكن يتساءل د.والاس إذا كانت أنسابُهُ المستندة على DNA الـMitochondria تقابل أيضاً مجموعات اللغات الرئيسيّة في العالم , و كما قال : "أميل لأن أكون أكثر حذراً من د.لوكا".
لقد كان الدكتور والاس مؤخراً يتحرّى عن جذر الشجرة المستندة على Mitochondria . و في مقالة نُشرت في آذار في المجلة الأمريكيَّة لعلم الوراثة الإنساني (The American Journal of Human Genetics) , قام هو وبعض الزملاء بتعريف شَعْبُ الـVasikela Kung في صحراء شمال غرب Kalahari في جنوب أفريقيا , كالسكان الذين يجلسون بأقرب مكان من جذر الشجرة البشريَّة . مجموعة أخرى أيضاً تبدو قديمة بشكل موازي للمجموعة السابقة و هي قبائل أقزام الـBiaka (Biaka pygmies) في وسط أفريقيا .
كِلتا المجموعتين تعيشان في مناطق معزولة , و هذا قد يكون السبب في أن DNA الـMitochondria يبدو أقل تغيُّراً من ذلك الخاص بمجموعات الجد الأعلى . قال د.والاس: "نحنُ ننظر إلى بداية ما قد ندعوه Homo Sapiens" .
إحدى أكثر القضايا المُختَلف عليها بين العلماء بالنسبة لما قبل التاريخ , هي توقيت و عدد الهجرات الأولى إلى الأمريكيّنين . د.جوزيف غرينبورغ (Dr.Joseph Greenberg) , و هو عالم لغات في جامعة ستانفورد , قد أقترح حصول ثلاث هجرات , ما يُقابل وجود ثلاث مجموعات لغوية في الأمريكيَّتين (Amerind و Na-Dene و Eskimo-Aleut) .
تدعم بيانات الدكتور والاس هذه الأطروحة العامة بشكل واسع , بالرغم من أنَّ وُصول من يتحدث بلغة Amerind يبدو أكثر تعقيداً من أن يكون بسبب هجرة واحدة .
من أنساب A خلال D التي وُجِدَت في الهنود الأمريكان , و ظهور أنساب A , C و D أيضاً في سكان سيبيريا , يُستَنتَج أن أسلافهم كانوا المصدر الرئيسي لهجرة متكلمي لغة Amerind . لكن نسب B , بالرغم من وجوده في مكان آخر في آسيا , لم يظهر صدفةً في سيبيريا و هذه إشارة إلى أنَّ شعوب النسب B لربما سلكوا طريقاً بحريَّاً إلى الأمريكيتين و ثم اندمجوا هناك مع أبناء عمومتهم المنتمين للأنساب الأخرى,A-,C-,D- .
في عام 1998 , اكتشف د.والاس و زملائهُ النمط X , و هو نسب أوروبي نادر , بين السكان الأصليين الشماليين في الأمريكيَّتين , مثل: Ojibwa و Sioux . افترضوا في بادئ الأمر أنه جاء من التزاوج مع الأوروبيين الحديثين . و لكن تبيَّن أن النسب X الأمريكي هو سابق لنسب الكولومبيين , و مالكيهِ ربما وصلوا إلى القارة الأمريكيَّة منذ 15000 إلى 30000 سنة مضت و هذا الاستنتاج اعتماداً على بعض الفرضيات الوراثيّة .
يبدو أنَّ نسب X الأوروبي قد نشأ في آسيا الغربيَّة منذ حوالي 40000 سنة مضت . الدّكتور والاس يَقترحُ أن جزءً من هذه المجموعة ربما شَقّ طريقه إلى أمريكا عن طريق سيبيريا ، حتى لو لم تظهر آثار لنسب X في آسيا الشرقيَّة لحد الآن . طريق عبر الأطلنطي هو بديلٌ مُحتمل أيضاً .
عندما بدأ البشر الحديثون (Modern Humans) يغادرون أفريقيا قبل حوالي 50000 سنة بالتقدير الحالي , كانوا يشتملون على مجموعات صغيرة من الصيادين و الجامعين , بضعة مئات أقوياء . لا بدَّ و أنهم خلال استكشافهم العازم للعالم أمامهم قد تغلَّبوا على المناخ القاسي , و تجاوزوا مناطق كثيرة , و رُبما تجاوزوا أيضاً الجماعات البشريَّة القديمة مثل إنسان النياندرتال المُخيف , و ذلك بواسطة الوسائل الأوليَّة المتوفرة لديهم .
يقول عالم الأحياء إدوارد و.ويلسون (Edward O. Wilson) متأملاً , في مقابلة مع صحيفة وول ستريت (The Wall Street Journal) , بأنَّه قد نكون وجدنا قاعدة جديدة للقيم الروحيَّة , ليس في المصادر الدينيَّة المعتادة و لكن في القصة الملهمة للتاريخ و الأصول البشريَّة .
"نحتاج لإبداع ملحمة جديدة مستندة على الأصول البشريَّة" كما قال , و أضافَ " يا لهُ من تاريخٍ كان لدى الجنس البشري (Homo Sapiens)! و أنا أتكلم عن التاريخ القديم جداً , تاريخ وراثي تطوري , و من ثم , مُضافاً إلى ذلك و متفاعلاً معهُ , التاريخ الثقافي المُسجَّل للسنوات الـ10000 الماضية تقريباً ".
العديد من علماء الأحياء الذين يقومون بإعادة بناء الماضي الإنساني , يعتقدون أن عملهم يمتلك قيمة تتجاوز علم الوراثة .
بالرغم من أنَّ أشجار الأنساب التي وضعوها مُستندةٌ على الاختلافات الوراثيَّة , أكثر هذه الاختلافات تتعلَّق بالـDNA الذي لا يساهم في تشفير الجينات و ليس له تأثير على الجسم .
"نحن كُلنا أفارقة على مستوى كروموسوم Y , و في الواقع كلنا أخوة " قال د.أندرهل (Dr. Underhill) .
أشار الدكتور والاس بأنه منذ أن بدأ العمل على الـMitochondrial DNA في أواخر السبعينات:
"الذي وجدتُهُ مثير للدهشة و يُظهِر بكل وضوح أننا ننتمي لعائلةٍ بشريَّةٍ واحدة . التأريخ العرقي في أفريقيا يعودُ بنا إلى أصول نوعِنا , و لكنَّ أصابع L3 تمسُّ أوروبا و آسيا , و هذا يعني أننا كلنا مرتبطين بشكل وثيق" .
سواءُ أكان التاريخ الوراثي يتناسب مع الأسطورة الحديثة لأصل لنوعنا أم لا , فهو على وشك أن يُجعَل متوفراً للجمهور الواسع .
في الشهر الماضي , بدأت شركة تُدعى أسلاف أكسفورد (Oxford Ancestors) بتقديم عرضها الذي يتضمن إخبَار الزبائن من أي واحدة من بنات حوَّاء السبع ينحدرون . (ينتمي كل الأوروبيون تقريباً إلى سبعة فقط من التسعة أنساب التي وُجِدت في أوروبا).
يتطلب الاختبار إرسال عيّنة من الخلايا مأخوذة من الجهة الداخلية للخدّ . مُقابل 180$ فقط , يستطيع أي إنسان أن يعرف بداية نسبهِ من الأقدم ... رجوعاً حتى شارلمان (Charlemagne).
مؤسس الشركة هو د.براين سايكس (Dr.Bryan Sykes) و هو عالم وراثة بشريّة (Human Geneticist) في جامعة أكسفورد في إنكلترا .
على أسسٍ معقولة نستطيع القول أن مؤسسي الأنساب التي وضعها د.والاس كُنَّ نساء حقيقيَّات . و قد أعطاهن د.سايكس أسماء و وضع مخطط لتفاصيل تواريخهن المحتملة و أصولهن . و هكذا وُجِدَ أن الناس الذين ينتمون إلى مجموعة U (haplogroup U) , سيُقال لهم أنهم ينحدرون من Ursula التي عاشت قبل حوالي 45000 سنة في شمالي اليونان . و سلفُ أحفاد نسب X هو Xenia التي عاشت قبل 25000 سنة في جِبال القوقاز .
و لإنجاز اقتراح د.والاس , قال د.سايكس بأنهُ: "عَمِلَ على نطاق أسطوري بالنسبة لهؤلاء النسوة السبع" فيما يتعلَّق بالأوقات الصعبة التي لا بدَّ أنهن عايشوها و بالنسبة للاحتفال بنصر انتشار الـDNA في مادة الـMitochondria خاصتهم إلى كل سكان أوروبا تقريباً .
إنهُ يعملُ الآن على اختباراتٍ لتحديد الأنساب الأخرى حول العالم , يتضمن ذلك 14نسب في أفريقيا و 16نسب في أوروبا و آسيا و الأمريكيَّتين . "لا أعتقد أن هذا الأمر يجب أن ينحصر في الأكاديميين " كما قال.
__________________
