منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الأسطورة و الشعر

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الأسطورة و الشعر Empty الأسطورة و الشعر

    مُساهمة   السبت ديسمبر 12, 2009 7:34 am

    علي حسن الفواز
    الكتابة عن اثر الأسطورة على الشعر ينحو دائما للبحث عن قرائن واشتغالات إجرائية، تلك التي تؤسس لمشروعها فهما خاصا في هذه الكتابة اولا، وفي ما تقترحه من موجهات قرائية يظل هاجسها تشكيل توصيفات واقتراح مسميات لهذه القرائن ثانيا، وبالاتجاه الذي يجعل من توظيف الأسطورة في الشعر نزوعا للتجديد،

    او تحولا باتجاه مقاربة ماهو غير شعري داخل اشتغالات الجسد الشعري.. وكتاب الشاعر والناقد د.محمد رضا مبارك(الشعر والأسطورة/استعارة السرد في نصوص خليل حاوي) الصادر عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع/القاهرة/2009 هو مدخل منهجي وإجرائي لمباحث نقدية تتعاطى مع مفهومين مفترضين للشعر والأسطورة، عبر مفهوم ثالث وهو السرد، اذ يمثل هذا المفهوم المقترح القرائي الذين يعاين مستوى اثر السرد في الشعر، والعلاقة بين السرد والشعر من خلال تفجير ما يحملانه من مثيرات وتوليدات أسلوبية لا تعنى بالسرد كسرد، بقدر ما تعنى أساسا بالتحولات التي أحدثها في الجسد الشعري، عبر مجموعة من الوظائف، والإزاحات والاغترابات التي قاربت الرمز الأسطوري والقناع الأسطوري والشخصية الأسطورية والصورة في دلالتها المحسوسة والمتخيلة.. انحنى الكتاب على مقدمة وثلاثة عشر فصلا، اقترح من خلالها الباحث قراءة الأسطورة باعتبارها فضاء اتصاليا وليس تحديدا مفهوميا يتعلق بصراعات الآلهة وبطولاتها في الحضارات البائدة، فضلا عن ما يمثله هذا الاشتغال الأسطوري من منظور يعنى بالكشف عن مستويات توظيف هذه الأسطورة في الشعر و في تجربة شعرية محددة للشاعر خليل حاوي التي انفتحت طبعا على اشتغالات شعرية واسعة منذ نهاية الأربعينيات وحتى عام 1982، وكذلك عن تمثلها لاشتغالات السرد وإشكالاته في إمكانية تفجير الكثير من المكنونات الشعرية، تلك التي(دخلت نسيج الشعر، فأصبح الاثنان النص الشعري والنص الأسطوري نصا واحدا)ص10. في الفصل الأول (الأسطورة فضاء اتصاليا) ينحو الباحث الى توصيف هذه الإجراءات التي انحنى عليها الكتاب، والتي ارتبطت بعديد القراءات التي اقترحت للنص الأسطوري شكلا وأثرا في السياق الشعري، ومعاينة الخصائص التي اعتمدها الشعراء في التعرف على الكثير من الأفكار والتصورات التي استبطنتها الأسطورة في هذا المجال عبر رموزها ودلالتها ووظيفتها في(ان تكون ملهمة للشعراء، او ان تكون موضوعا من مواضيع التجديد في القصيدة العربية) ص18. وحمل الفصل الثاني(مأساة اسخيلوس وديالكتيك سقراط) خصوصية ما أدركه الشعراء العرب من الأهمية التي تمثلها(الأسطورة والرمز) في اغناء البنية الحوارية الدرامية في القصيدة، وكسر الكثير من ايهاماتها الصوتية. واحسب ان الباحث اراد من خلال هذه المقدمات ان يوسع مجالات أكثر إجراء لقراءة البنية الأسطورية في شعر خليل حاوي، باعتباره من الشعراء العرب البارزين الذين اشتغلوا في هذا المجال. في هذا الفصل تلمس الباحث ايضا الاشكالات المفهومية التي ارتهنت للجدل حول وظيفة الأسطورة والخرافة في النص الشعري، وطبيعة مصطلحها المثير للأسئلة (اذ ان هذا التمييز هو عنصر مهم من العناصر التي تقوم عليها هذه الدراسة)ص36 ناهيك عن ان تجربة حاوي الشعرية تمثل من وجهة نظر الباحث المستوى الاكثر تعبيرا عن العلاقة مابين الوظيفة السردية والاسطورية في النص الشعري، فضلا عن ماتثيره الأسطورة عبر قصائده من علامات(ذات علاقات بالفكر، والفكر هنا يعني النظام، أي ان الشاعر يصدر في تعامله مع الأساطير من نظام فكري، له مدلولاته وأصوله عنده)26. في الفصل الثالث(حكاية العصر والزمان) يعمد الباحث الى قراءة المهيمنات التي اصطنعت السياق الثقافي لشعرية خليل حاوي، اذ ان المؤثر الواقعي وتداعياته السياسية قد اسهم بشكل خطير في تشكيل لحظة وعيه المفعل بالآخر، الآخر الاحتلالي، العنفي، صانع الحروب والازمات، مثلما هو التمثل لوعي مضاد، هو وعي الذات القومية، وعي الانتماء، وعي الثورة، الوعي الرومانتيكي، وعي الانبعاث ومواجهة عوامل الهزيمة والإحباط، واحسب ان التصادم بين تمظهرات (هذين الوعيين)هو المسؤول عن صناعة الشخصية النكوصية الانتحارية عند خليل حاوي.. في الفصل الرابع(الرواية والشعر) لايجد الباحث مجالا منهجيا للتعاطي مع إشكالات الرواية والشعر، ألا عبر ما يستقرئه في السرد من استعارات تقنية، والتي هي اقرب الى الرواية، باتجاه تلمس ما يمكن ان تثيره في الشعر من أثر حسي او صوتي. واحسب ان هذه الإثارة هي مدخل السؤال الذي طرحه الباحث( هل يوجد مونولوج داخلي في القصيدة بمثل مايوجد في الرواية)ص51 واذا كان الجواب ب(نعم) فان هذا يدل على ان المستوى التركيبي للقصيدة قد اعتمد الكثير من اشتغالات السرد، واغنى مسارها وتوترها، وبالتالي فانه اصطنع نظريا افقا جديدا للنظر في الأسطورة عبر ما استخدمه الأدب الغربي، وعبر ما إثارته التحولات من معان ودلالات فاعلة، فضلا عن اقتراحه للإجراء النقدي الذي استبطن اشتغالات خليل حاوي للبنية السردية/بنية الحكاية النفسية الرمزية في قصيدته.. وعمد الشاعر في الفصول الأخرى الى استكناه ما يمكن ان تبثه الرؤية الحضارية، تلك التي تتعلق بالمفهوم والمعنى، والتي تتسع لرؤية الشاعر وتأملاته، حيث تمنحه صفة(الرائي) وصفة صاحب النشيد، وأحيانا صفة (المغني الذي لايكفّ عن الغناء حتى في الجلجلة وسط الآلام) ص67. وفي سياق الحديث عن(متوالية الزمن)يربط الباحث بين مفهوم الزمن وبين منظور الاسطورة، حيث يتمثل الزمن لفكرة الانبعاث، وتتمثل الاسطورة الى قوة خلاقة تضع الانسان الرائي في سياق الكائن المكتشف، الفادي، الذي يستعيد وجدانه الشقي عبر ما يستحضره من صور تجسد قوته ومعاناته واحساسه المتعالي على الزمن الفيزيقي الى الزمن الأسطوري/الزمن الذي يتخيله اولا، والذي يرهنه دائما الى الزمن المستعاد ثانيا، حيث تتشكل لغته الرثائية، لغته المحلولة في توليدات ضاجة بفكرة النسيان والموت.. وفي مبحث(موت الشاعر)ينطلق الباحث من مفهوم الاغتراب بمستوياته المكانية والنفسية والفكرية لاقتراح قراءة ما يهجسه الشاعر خليل حاوي في التجاوز على مهيمنة المكان، والكشف عن التباساته وعدمية ما يحمله من علامات شعورية للموت، تلك التي يصطنع لها الشاعر مقابلات شعرية في قصيدة(السندباد في رحلته الثامنة) بكل ما تحمله من نقائض واغترابات وجودية حيث(يجد خليل حاوي ان تجربة السندباد خير وعاء لتجربة سوداوية، ترفض الواقع وتراهن على فنائه المطلق وموته الاكيد، وتتحول مدينة خليل الى مدينة يسكنها السندباد ايضا ويكون احدهما هو الآخر)ص106 وفي الاغتراب النفسي الذي طبع تجربة حاوي يجد الباحث شغفه في البحث عن ما يعادل تجربته الذاتية، التي ترهن نفسها الى ثقافته الدينية المسيحية وقراءات العهد القديم والجديد، وكذلك(تأثره بجبران خليل جبران وبعض الشعراء الاوربيين، الرومانسيين منهم تحديدا)ص108. ان موضوعة الاغتراب النفسي هي المقدمة لاغترابه الاكبر الذي طال تجربته الفكرية، تلك التي رافقت سلسلة الصدمات التي عاشها والتي انهت حياته بدءا من انفصاله عن الحزب القومي السوري ومرورا بصدمة الجرح النرجسي الذي سببه الانفصال بين مصر وسوريا وانتهاء بهزيمة حزيران عام 1967 وأحداث لبنان عام 1975 والعدوان الإسرائيلي على بيروت عام 1982وهو(اليوم الذي كان يخشاه، فيقتل نفسه ببندقية صيد احتجاجا وربما حبا بحياة اخرى، تغيب فيها الرؤيا ويضيع فيها المشهد)ص112-113 وفي حديث(قصة الانبعاث) يلمس الباحث ما تحققه رؤيته من استبصارات يمعن فيها النزوع الى التخيل، حيث يجد ان فضاءات الشاعر تؤنسن أسطورة الانبعاث وبالطريقة التي يدرك من خلالها ان عوالمه الشعرية مفتوحة(الى سرد له خاصية الانفتاح على الحدث وخاصية التصوير ايضا)ص119 اذ يكون السرد هنا هو محاولة في فك الاشتباك الشعري بين الرموز(السندباد، العنقاء، اليعازر) والتي يستدعيها الشاعر بشكل لافت، و كذلك في التعاطي مع أسطورة الانبعاث من معاناته الشخصية وليس من خلال القناع الأسطوري، أي ان الشاعر يؤسطر معاناته، ورؤيته التشاؤمية العدمية للوجود تحت هاجس الحياة ثانية من خلال سلسلة من الثنائيات المتقابلة المحتشدة كمستويات تصويرية في قصائده مثل( الجمال والقبح، والوجود والعدم، الضياء والظلمة، الحلم والواقع، السواد والبياض، الحب والكراهية) ص133. وفي مبحث(الإيقاع والسرد) في تجربة خليل حاوي يواصل الباحث اشتغالاته على موضوعة المقارنة بين انحياز حاوي للاشكال التقليدية للايقاع، وبين ما تعرض له الايقاع من تغايرات انعكست على توصيفه ومنظوره، وعلى وظيفته في السياق الشعري الحديث، ولعل انفتاح حاوي على التوظيف الاسطوري في القصيدة أسهم الى حد كبير في منح قصيدته مستويات ايقاعات مضافة، فمع استغراق هذه القصيدة في البنية الصياغية للتفاعيل غير المحددة في الجملة الشعرية، واحتفائها بشهوة الصوت الاّ ان الصوت الأسطوري اضفى شيئا من السردية على فضاءات هذه القصيدة، تلك التي وجدت في هذا الصوت وكأنه صوت الشاعر الباحث عن حريته ووجوده ولذته وموته..ويختتم الباحث فصول كتابه ب(قراءة اخيرة)تبدو وكأنها اشبه بالخلاصة المنهجية التي ارادها ان تكون عرضا لاشتغالات حاوي على البنية الأسطورية، وعلى اصواتها ورموزها، والتي استغرقت الشاعر في اغتراباته الوجودية والنفسية والقومية، حتى عدّ البعض ان هذه الرموز والأسماء هي(أقنعة) الشاعر في تعاطيه مع هذه الاغترابات، وان تحولاتها وانزياحاتها واستعاراتها هي في العمق تحولات الشاعر ذاته بمواجهة ما أنتجته من تداعيات قهرية ضاغطة ومحبطة. هذا الكتاب اطلالة مهمة على زمن شعري صاخب بالأسئلة والتحولات، ومقترح لقراءة مهمة لتجربة شاعر ظل مثيراً للدهشة دائما، فضلا عن ما يؤكده من قدرة الباحث على وعيه للكتابة المنهجية التي توظف مستوياتها الاجرائية في قراءة عوالم شاعر له خصوصيته في الكتابة الشعرية الجديدة، وله رؤياه التي تتمرد على سياقها بوعي متعال، وبمزاج نفسي مضطرب، وتتمرد على تاريخها المسكون بمعطيات ما يحوطه من تفجعات وازمات وهزائم، تلك التي تحولت الى موجهات باعثة على التبشير برحلاته الداخلية العميقة، وبتكرار موته، وتأسيه بكل الأحزان الكونية التي اقترنت بالأثر الشعري الرومانسي، والشعر المسيحي الارثوذوكسي، وبأثره الشخصي الساخط والكئيب والباعث على شهوة الانتحار..
    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 10:11 am