منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل Empty تمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل

    مُساهمة   السبت أكتوبر 16, 2010 1:05 pm

    تمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل


    في رواية « ترمي بشرر » لعبده الخال ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٠بقلم خير الدين جمعة
    تمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل Rienتمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل Rienتمرُّد الأنا ومأساة الحب المستحيل Rien
    عرفت الرواية السعودية تطورا ذا بال في الآونة الأخيرة جعلها تتبوّأمكانة مهمة في المشهد الثقافي العربي و من أهم هذه الروايات رواية "ترميبشرر…" للكاتب السعودي عبده خال.«الطريق الضيق لا يتسع بالهدم و نحن الثلاثة سلكنا طريقا ضيقا..» 2 هذاما قاله البطل عن رحلة الحياة التي عاشها مع صديقيه، إنها رواية ٌ سؤالٌ،تثير في القارئ التوتر والبحث، رواية ترمي بشرر حقا تدخلنا في عالم منالجدل والصراع والمرارة و أول سؤال يُطرح في هذا العمل السردي يرتبطبالعنوان المقتبس من القرآن الكريم سورة المرسلات و هو يذكر الآية ويصدّربها فصلا كاملا 3 و هذا ما يؤكد لنا العلاقة الوثيقة بين الآية والأبعادالإيحائية السيميائية للمتن السردي عموما، بعبارة أوضح ذلك يؤكد التواصلالوطيد بين "القصر" كحيّز روائي و ما يُلقي به من "شرر".ارتبط العنوان بالشرر فجعلنا من البداية نشعر بالمفارقة البلاغيةالعجيبة حول معنى "القصر" المقصود في نص الآية: "إنها ترمي بشرر كالقصركأنه جمالتٌ صُفْر" 4 و لعل اختيار الآية لم يكن عبثا و رغم أن كلمة القصرفي الآية هناك اختلاف في دلالتها بين المفسّرين 5 و قد كان المعنى الأكثرورودا هو النظر إلى القصر على أنه البناء العالي أما المعنى الثاني فيُقصدبهالذراع أو الشجر المقطَّع أو النخل المقطوع، ولكن لماذا لم تستقرالتفاسير على دلالة واحدة أو دلالات متقاربة خاصة وأن المعاني الثلاثةالآتية: الذراع، النخل المقطوع، البناء العالي هي معان متباعدة؟ غير أنالكاتب من خلال وضع عنوان القصر للحديث عن هذا المبنى الجديد على ساحلمدينة جدة السعودية و كأنه يريد أن يشير إلى أن القصر إنما المقصود به هوالبناء الذي يرمي بشرره وشروره مثل جهنم….غير أن الذي زاد من جماليةالاقتباس هو ما تضمنته الآية من تشبيه، هذا التشبيه الذي عادة ما يكون منأسسه الفنية أن وجه الشبه يكون أظهر في المشبه به منه في المشبه وطبعا هذايدعم القاع النظري للذائقة البلاغية العربية القديمة التي تؤكد على وجوبالتقارب بين عناصر الصورة الفنية و هو ما لم يتحقق في التشبيه الوارد فيالآية وهذا ما أدخل المفسرين في تأويلات وشروح طويلة لمحاولة فهمالآية.أما نحن فمن منطقنا المعاصر نقول إن الاقتباس كان مهما جدا واختيارالآية و التباعد بين أطراف الصورة كل ذلك زاد من جمالية اللوحة الفنية عنجهنم و من رونق النسيج الدلالي للسرد و أكد في نفس الوقت على أن المدخلإلى الرواية لا يكون إلا عبر النفاذ إلى خصائص الفضاء الروائي فقد أرادالراوي من البداية أن يُسرَّ لنا بالكلمة السحرية التي يمكن أن تفتح لنابوابة القصر ومن ثَمَّ مغلَّقات الرواية وقد تجلَّت هذه الكلمة السحريةفي المفاضلة البلاغية التي أقامها الكاتب من خلال التشبيه الوارد في الآيةو المفاضلة كانت بين مكانين هما محور الرواية : حي جهنم (المشبه) من ناحية" اسم حينا الحفرة أو الملاَّحة أو قاع جهنم أو النار " 6 والقصر (المشبهبه) من ناحية أخرى " من ايِّ جهة تدخل إلى المدينة يظهر القصر "7 ولذلكيجد القارئ نفسه في هذه الرواية متوهجا يصْلَى ناريْن لا ثالث لهمافيخترق السؤال المزمن حيرته:أيُّهما أكثر شررًا جهنم أم القصر؟؟؟! هذا يأخذنا إلى جدلية تخترق الرواية بكاملها و تختص بالحيز الروائيالمتشظِّي و المنقسم إلى وجهين مختلفين: القصر والحي. فالقصر وصفه الكاتببأنه " قصر منيف يبهر الناظر فمن يراه لا يشك بتاتا من كونه هبة نزلتْ منالسماء " 8 فهو بناء قائم على إبهار الناظر و جعله مشدوها أمام جماله وعظمته هذا الانبهار يكون من جانب أهل الحي البسطاء تجاه كل ما يؤثث القصرمن أشياء وكائنات و هذا ما جعله يرقى إلى مرتبة الجنة " من هذا القصرستخرج الحياة " 9 إن انبهار أهل الحي أمام القصر يقابله تعالٍ وازدراءضمني للحي وسكانه من قبل سكان القصر ولو دققنا النظر في المكان الثاني أيالحي سنجد أنه يمثل الأصالة رغم كل ما يبدو عليه من تخلف وفقر لأنه هوالأقدم أما القصر فهو جسم جديد رُكِّب تركيبا على شاطئ المدينة " حي يفيققبل اختراق أشعة الشمس لنوافذ منازله المتجاورة…يفيق على جلبةالصبية..لالتواء مع الأزقة في ممشاهم….و حمحمة الصيادين و أغانيالإذاعة..نحن الزراع في ارض بلادي…" 10فالحي رغم فقره واتساخه والتواءأزقته وتجاورها وروائحه الكريهة أحيانا إنما يرمز إلى الحياة الأصيلةوالصورة المشرقة البسيطة للمجتمع و هذه الصورة للصباح وبدء النهار و السعيفي الحياة متناقضة تماما مع حياة القصر التي ارتبطت بالليل والسهر والشهوةو رغما عن ذلك كانت كل الشخوص ترى في القصر جنة الأرض و لذلك كانت تسعىإلى أن تنقذ نفسها من الحفرة بأن تقفز إلى القصر و لكن كل الشخوص تقريباتتفطن أيضا بعد رحلة مضنية وتجارب مريرة إلى أن القصر هو النار الحقيقية "كنتُ ممن دخل القصر و هاهو ماء البحر يغمرني فأتوق للخروج من هذهالجنة.."11فالقصر لا يمكن أن يكون جنة و هو قد أفسد المدينة و البحر والبشر وأفقد الحياة معناها لأنه بُنيَ غصبا "اتعظ بما حدث لميمون عبد الهادي أولضحايا القصر) الذي لم يضبط حالة فوران غضبه عندما اقتحم البوابة الرئيسيةمطالبا بثمن أرضه…" 12 فالقصر اكتسح البحر ففقد أهل الحي أعمالهم وافتكأراضي الناس البسطاء و هكذا يبدو التعارض عنيفا ليس بين مكانين و إنمابين عالمين: <blockquote class="spip_poesie">الحي
    القصر
    جهنم (اسم)
    جهنم (مسمَّى)
    الجنة (مسمّى)
    الجنة (اسم)
    العبيد
    الأسياد
    الحفرة
    البناء العالي
    قديم (أصال)
    جديد (مستحدث)
    بساطة الحياة
    تعقيد الحياة
    جمال الصباح
    جمال الليل
    شعور بالظلم و الضعف
    شعور بالقوة
    سعي إلى الدخول إلى القصر ( انبهار )
    إبعاد أهل الحي عن القصر
    ( ازدراء)

    </blockquote>إن التضارب الكبير بين فضائين روائيين أدَّى إلى عالمين مختلفين على كلالمستويات و لاسيما الجانب الأخلاقي إذ يبدو القصر فاقدا لأي قيمة أومعيار فالمتحكِّم في العلاقات بين الشخوص داخله هو المال و النزوة و لذلكتبدو لنا حداثة القصر شكلية تنحصر كلها في المظهر أما وراء الأسوارالعالية فتبدو قيَمُه بالية بائدة حجرية فكأننا بقيَمِه أقرب إلى العصورالبائدة عصر الرقيق و الجاهلية والإقطاع حيث يملك السيد أجسام عبيده وأرواحهم و لذلك يعيشون في حالة من الذعر الدائم المزمن..و على هذا النحوكان السيد أقرب إلى صنم تسبِّح الرعية بحمده " هناك (داخل القصر) لا توجدحدود للمفاهيم و القيم. في كل حين ترتدي قيمة تتناسب مع اللحظة و التييمتلكها السيد، فكيفما يكون مزاجه تكون القيمة و المبدأ " 13.و لعل هذا التضارب الكبير في الحيز الروائي هو الذي أدى إلى تعارض فيسلوك الشخوص و أفعالها إذ تؤرَّخ حياة جميعهم بما قبل دخول القصر و مابعده أو بعبارة أوضح ما قبل دخول "الجنة "14 وما بعده.«عيسى الرديني و أسامة وأنا ثلاثة أرواح جمعتنا شقاوة الطفولة الأولى» 15 لقد كان التمرد على المجتمع وقيمه هو الجامع بين الشخصيات الثلاثة ولكن علاقة التواصل بينهم ستنقلب في نهاية الرواية – بعد دخول جنة القصرالمزعومة _ إلى صراع عنيف فقد أفقدهم القصر براءة الطفولة والحب والحلم،ألم يقل البطل " جيلنا ورث الأمنيات"16؟!لقد بدا طارق فاضل البطل في علاقة متوترة مع عائلته تجلّت في عدم الرضاعلى سلوك أبيه " لم أحبه أو أكرهه كان ضيفا خفيفا..عاش كل منا بعيدا عنالآخر.." 17أما علاقته بأمه فتبدو أكثر غرابة لأنه كان في البداية يدافععنها ضد عمته و لكنه في النهاية سيتنكر لها بعد زواجها من رجل آخر، هذاالتنكر سيصبح نوعا من النقمة و الحقد و لذلك تقبل خبر موتها بلامبالاةعجيبة " أخيرا ماتت.. "18 ورفض أن يحضر جنازتها فهو لم ينسَ أن زواجهاخيانة لأبيه " لم يجفّ دم أبي في قبره وهي تُخطب، ولمن؟ لمن أحبَّتْه فيشبابها "19 وكأن البطل مسكون بهذه الكراهية التي تزداد في الرواية شيئافشيئا إلى أن تصل إلى درجة الموقف المُدين الناقم و لذلك يعلن البطل رأيهفي المرأة بشكل واضح قائلا: " النساء كالإسفنج تمتص أيَّ سائل دمًا كان أوماءً " 20 بل إن البطل تصل به حالة الغضب إلى درجة نعت أمه بالعاهرة "أيًّا كان الأمر فهي الآن تدرب لسانها على نطق غيث بدلا من فاضل هذا هوعهر النساء" 21 ورغم كل الذي قاله البطل في أمه سيتكفل البطل بالانتقاملأمه من عمته بقطع لسانها و هكذا وجد البطل نفسه يحول محيطه الاجتماعي فيالحي إلى عدوٍّ و بالتالي تتحول علاقته بالحي إلى نوع من القطيعة فالأمإنما ترمز إلى قيمة اجتماعية أثَّرتْ سيكولوجيا و بشكل خطير في نفسيةالبطل و كأننا بضعف أبيه (تعبه الدائم من العمل) و موته وحلول رجل مكانهقد جعل الإحساس بالذكورة عنده مبالغا فيه عوّضه بالفعل الجنسي مع كل مايتحرك على الأرض حتى الحيوانات و ربما من أهم اللحظات في حياته هو شعورهبالوحدة بعد زواج أمه مما جعله يتأكد أنه كما تقول عمته " بذرة فاسدة " ولعل أغرب علاقة كانت بين البطل و عمته التي يبدو اسمها " خيرية " متعارضامع حقيقتها وتبدو هذه العلاقة مبنية من البداية على العداء الذي سيحتد ويتوتر إلى درجة الانتقام و التعذيب والرغبة في القتل«عليك أن تتخلص منها قبل أن تموت في يدك»22 هذا ما نصح به السيد البطل.لقد كانت علاقة البطل بالمرأة (الأم و العمّة) قائمة على الكراهيةوالنقمة والحقد و لكن هناك جانب آخر في علاقته بالمرأة قد اتخذ أشكالاثلاثة: الأول في علاقته بنساء الحي وغلمانها فقد كان رمزا للفحولة والرغبةالجنسية الجامحة إلى درجة أنه قد أَطلق عليه لقب " ماطور النفخ " فمغامرتهالطفولية مع سعاد تحت الدرج وانكشافها من قِبل نساء الحي جعلت منه بطلاتحلم به كل النساء " فمع فضيحتي تلك تناقلت النساء خبر مشاهدتهن ليوالادعاء أني أحمل قدما ثالثة " 23 و الحديث عن " القدم الثالثة " التيتبرهن عن فحولة البطل الجنسية يمكن قراءتها على أنها نوع من التعويض عنتقطع صلاته مع محيطه الاجتماعي إلى درجة الشعور بالهزيمة 24 ففحولة البطلالجنسية تبطن عجزا في إيجاد أي نوع من التواصل مع الأب (الضعيف الغائب)والأم (العاهرة) و الأخ (المتديِّن النقيض) وبالتالي فرفض الذات للمجتمعسيؤدي إلى الإيغال في تضخيم الأنا (العضو) فهو يدافع عن نفسه ويثبت وجوده بإشهار عضوه و زاده حضور عمتهومحاولاته الفاشلة في الابتعاد عن حياة الليل كل ذلك زاده تضخيما للذاتوتحديا للمجتمع فتبلورت في ذهن البطل مفاهيم جديدة بديلة عن السائد الكاذب" الحياة مشوار قذر يبدأ ناصعا..أما الواقع فعليك اقتراف الآثام كي تكونإنسانا.." 25 والدليل على أن الذات (العضو) العظيمة الباحثة عن اللذة ستظلتمعن في تأثيرها على البطل متحدية مجتمع الحي هو استعمال الراوي تعابير لاتحيل على مجتمع إنساني و إنما تشير إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ويتحول فيها الإنسان إلى حيوان قميء مقزِّز ففي هذا العالم " إما أن تكونصيادا أو فريسة " 26.في خضم هذا الفساد يبدو الشكل الثاني للعلاقة مع المرأة في شخصية تهانيالحبيبة، المنقذ، المُخلِّص القريب من الملاك أو الرمز الذي سيجعل البطليعرف شعورا جديدا يحاول فيه المصالحة مع المجتمع إذ سعت تهاني من البدايةإلى إخراج البطل من حياة الليل و الأزقة الملتوية 27 يقول طارق " و عجزتْتهاني عن تبييض سمعتي في محيطها" 28 فالبطل لم يسع إليها بقدر ما أفنتْ هينفسها في حبه و لكن البطل سرعان ما يحوِّل هذا الحب إلى عنف سيؤدي إلى موتالحبيبة (أو قتله) بطريقة مأساوية فحب البطل لتهاني كان مشوبا بالابتزاز والأنانية واللامبالاة و هكذا فشل البطل في الهروب بمساعدة تهاني من قدرهالمأساوي المحتوم بل إنه لم يقدر على تجاوز الصورة التي رُسمتْ له و هوأنه مجرّد " ماطور النفخ " يعني إير كبير، هذا العضو الذي سيتحكم في قدرالبطل و لذلك ليلة افتض بكارة تهاني وجد نفسه يخرج من حي جهنم إلى الجنة وكأننا بتهاني حواء والبطل آدم و عيسى الرديني شيطانه على الإثم و على تركذلك العالم و لهذا قال له " سأدخلك إلى الجنة " 29 في تلك الليلة الفاصلةمن حياته و رغم أنه هو الذي كان فاعلا جنسيا و صحيح أن تهاني قد خسرتحياتها كلها إلا أن البطل قد فرَّط في كل شيء لأنه ليلتها قد قتل تهاني وقتل آخر قيمة يمكن أن تشده إلى الإنسانية حين لم يستمع إلى توسّل حبيبتهالخانع " ارحمني فأنا أحبك " 30 و بالتالي يمكن القول إنه قد فرط فيتاريخه كله من أجل لحظة متعة، فتهاني لم تخرجه من جهنم (الحي) بل إن فعلتهستدخله جهنم (الحقيقية) التي ستجعله يبيع حريته للسيد و يخسر صديقيْ عمره( عيسى + أسامة ) وبالتالي يفقد شعوره بالإنسانية و هو يعترف بذلك قائلا "سقطتُ واقفا بينما سقطتْ تهاني في قبرها" 31 .الشكل الثالث لعلاقته بالنساء تبدَّى مع مرام العشيقة داخل القصر و لعلما ميّز هذه الشخصية هو الفتنة و الإغواء و الدهاء و لذلك تلاعبت بالبطل وأشعلتْ فيه الرغبة والشهوة من أجل الانتقام من صديقه عيسى الرديني لأنه هوالذي طلقها من زوجها و أدخلها القصر و حوَّلها إلى عاهرة و قد انتهت علاقةالبطل بها بتحطيمه هو بعد أن أجبره السيد على التعدي على صديقه جنسيا ثمقتَل صديقه عيسى أمام عينيه " بكل فتنتها وقفت مرام في النافذة المطلةللبوابة الرئيسية تشهد نهاية عيسى " 32و هكذا وجد البطل نفسه بين الخارج (في الحي) و الداخل (في القصر)، بينامرأتين: تهاني (الحبيبة) التي أحبَّتْه فخدعها ولم يرحمها و مرام(العشيقة) التي اشتهاها فخدعته. إن المكان في الرواية بجدلية الداخل والخارج التي تمزقه تحيل القارئعلى أننا بصدد تعرية للذات من فضح صورتها المزدوجة بين ظاهر وباطن جعلتالبطل يتفطن إلى حالة التمزق التي يعيشها " غدوت ممزقا تماما كانت الهاويةسحيقة "33 و هذه الجدلية مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلاقته بالمرأة فطارقفاضل يبدو عابثا بالنساء في الظاهر ولكن الحقيقة الباطنة أن مصيره قدتحكمت فيه أربع نساء: 1.عمَّة حاقدة 2- أمٌّ عاهرة 3- حبيبة قتيلة (تهاني) 4- عشيقةقاتلة (مرام) لقد كان طارق فاضل رمزا للذات العربية التي ترى الوجود فعلا جنسيا ذكورياحيوانيا ولكنهذه الذات مسلوبة الإرادة مغلوبة على أمرها تسلك دائما السلوك الخطأ غيرواعية بما تفعل لأن تلك الفحولة تبطن هزيمة وتيها لا حدود له فخارج القصركان البطل غير رحيم أمام فيض حب تهاني أما داخل القصر فقد اتخذ صورة العبدالمخصي الذي باع عضوه لسيده حتى يكون أداة انتقامه من أعدائه ولذلك كانيظن أنه الفاعل وإذا به مفعول به، كان يرى نفسه ضاحكا على النساء مغرِّرًابهنّ و إذا به يقع فريسة مرام التي تلاعبت به حتى حصلت منه على ما أرادت ولذلك يهشِّم عبده خال صورة المجتمع العربي الآسنة الذي يُشيِّءُ المرأة ويعتبرها مجرد منتج للذة، مجتمع يسخِّر كل المؤسسات و القوانين والشرائعلخدمة " ماطور النفخ" العربي، فحين ندخل القصر نشعر وكأننا في العصورالبائدة التي تهيمن عليها قيم الثأر والفحولة والإخصاء والنخاسة وأسواقالعبيد و كأننا بالكاتب يشير إلى مجتمعات عربية ليس لها من الحداثة إلاالظاهر المخادع الكاذب.لا يمكن أن نحيط ببناء الرواية الفني و دلالته السيميائية دون تتبععلاقة البطل ببقية الشخوص ولا سيما شخصية عيسى الرديني التي تظهر غيرمختلفة عن شخصية البطل من خلال حياة الرفض التي عاشها فهو يتقاطع تماما معأبيه إلى درجة التحدي والعنف و في المقابل تبدو علاقته بأمه (وخالته) ودفاعه المستميت عنهما أقرب إلى الشخصية الأوديبية " في أحد الصباحات تسللعيسى بعد أن أيقن من مغادرة أبيه لمنزلهم و أخذ أمه معه.."34 عيسى الرديني مثل البطل بين أربعة نساء : الأولى أمه التي منحته الحياةفدافع عنها لآخر لحظة في حياته و الثانية خالته و أخته من الرضاعة التيساندها وانتقم لها من زوجها وحافظ على مالها و الثالثة مرام التي حقدعليها فأدخلها إلى القصر عاهرة و الرابعة موضي التي أحبها بعنف و لقداجتمعت مرام (بقصد و سوء نية) وموضي (بغير قصد وعن حسن نية )على جنونهوقتله: مرام ثأرا وانتقامًا وموضي حبًا و هيامًا " بعدها كان عيسى يسيرفي الطرقات عاريا يوزّع الشتائم على كل رجالات البلد " 35 لقد كان عيسىالرديني شخصية صارمة مناضلة و محبوبة من النساء (أمه – خالته – شهلا –موضي) 1- أم ضعيفة 2- خالة محِبَّة 3- موضي حبيبة، قاتلة 4 – مرام عدوّة،قاتلة و لكن امرأة واحدة مثل مرام كانت قادرة على تحويله إلى أنقاض و رغما عنذلك بلورت شخصية عيسى الحب بما هو قيمة إنسانية ترقى عن القيم الاجتماعيةالبالية لقد حاول أن يواجه التفاوت الطبقي بالمال والعلم و لكنه فشل وأصيب بالجنون و ظل يتسكع عاريا في المدينة و كان مصيره الاعتداء عليه منقبل طارق أعز أصدقائه ذاك الذي كان شاهدا على عقد قرانه على موضي و هذاالأخير سيواصل مهمته التي من أجلها دخل القصر بأن اعتدى بالفاحشة علىصديقه عيسى انتقاما لشرف سيد القصر، لقد هتك طارق كرامة صديقه و لذلك كانمشهد اللقاء بين الصديقين العاريين من أروع المشاهد المأساوية في الروايةو لهذا السبب كرّره الراوي لمزيد توتير السرد و إمعانا في تقوية المنحىالدرامي " كان كل شيء خاطئا هذه المرة، المكان الشخص و التوقيت…انهرتُ فوقظهر عيسى..لم أعد قادرا على أداء المهمة…"36فذلك العراء المادي إنما يظهر الشخصيتين عبدين يرضيان نزوات السيدولذلك كان صوت الآذان مع حركة الجسدين المقززة و جدلية فوق وتحت كل ذلككان بلورةً لمأساة مريرة، كان البطل يجازي صديقه الذي أنقذه مرتين علىالأقل و لذلك انهار ولم يستطع أن يتم مهمته كما تعوَّد أن يفعل، لقد ضحَّىالبطل بتاريخه مع صديقه المنقذ وهو بذلك يفقد آخر شخص يشده إلى الحياة بعدموت تهاني وهرب أسامة: لقد كان عراء الجسدين عراءً لشخصيتين متناقضتينتماما: <blockquote class="spip_poesie">طارق فاضل: بطل الرواية
    عيسى الرديني: بطل الواقع
    خائن لصديقيه: عيسى + أسامة
    وفيٌّ لصديقيه: طارق + أسامة
    معذِّب لعيسى
    مُنقذ لطارق
    تابع لسيد القصر عبدٌ له
    منقذ لسيد القصر مُتحدٍّ له
    مُهمِل لأمه
    منقذ لأمه
    معذِّب لعمته
    مساند لخالته
    راغبٌ في "مرام "
    كارهٌ لـ"مرام "
    قاتل حبه " تهاني "
    قتيلُ حبّه "مُوضي"
    </blockquote>لم يكن طارق فاضل إيجابيا في فعله إلا بعد مقتل صديقه عيسى و على نحومغاير كان هذا الأخير(عيسى) أقرب إلى البطل الإشكالي 37 و تبدو بطولته فيسعيه إلى الخروج من الواقع الذي نشأ فيه و ثقته في نفسه من إدخال كل شبابالحي إلى القصر و رغبته الدائمة في إنقاذ الآخرين و كأن عقدة المسيح38 تتلبّسه ويتجلى ذلك في الكم الهائل من الشخصيات التي أنقذها أو وهب نفسهلخدمتها (أمه – خالته – طارق – شهلا – السيد) ولذلك جعل الراوي من نهايةعيسى بطولية بأن رحِمَهُ من العذاب بالقتل أما طارق فاضل فقد أمعن فيتعذيبه بالحياة، فليس عبثا إذن أن تكون نهاية عيسى مأساوية مريعة ولكنهانهاية لا تليق إلا بالأبطال العظام: " وصل عيسى لقراره الأخير و رفض تنفيذأيّ طلب يطلبه السيد ووصل السيد إلى قراره الأخير فصوّب نحوه عياريْننارييْن…" 39 لقد كان عيسى بطلا في حياته بإنقاذ أصدقائه و مساندة الضعفاء من أهله(أمه وخالته ) وكان بطلا في جنونه بأن فعل ما لم يستطعه العقلاء (سبّرجالات البلد) و كان بطلا في موته أيضا لقد أحالت شخصيته على انقلاب القيمو انعدام الأخلاق فعشْقُه الطاهر و شهادته العلمية لم تستطع أن تواجه سطوةالطبقية و استغلال النفوذ و شراء الذمم و التلاعب بأسواق المال من أجل لذةانتقام شخصية. كل ذلك لخصه لنا في لغة شرسة مُستفِزّة الكاتب عبده خال……هيحرب بين القيم الأصيلة (الحب) في مواجهة الفساد بكل وجوهه و لذلك انتبهالبطل و تفطّن وهو يرى صديقه يُقتل عاريا إلى أن" المال يجفّف الأخلاق….حياة العوز أكثر قدسية مما أجد هنا لاشيء مقدسهنا كل شيء مباح.."40و هكذا فهم البطل الدرس متأخرا فقد كان لعيسى بطولة الحب و التحديوالانتماء و كان لطارق بطولة الخداع و الخيانة والوحدة والانزواء فيعترفقائلا: " في البدء كانت حياة آسنة راكدة لم تمكن أحدا من أبناء الحي منرفع رأسه…و أول من عبث بتلك القناعة كان " عيسى الرديني " الذي قلب تربةالخدر و غرس راية الحياة الرغدة.."41 في المقابل لن يتوقف البطل عن الخداعو الغدر بالمحيطين به مثل تهاني وعيسى فحسب بل سيتواصل ذلك مع أسامة صديقهوهذا الأخير لن يختلف في شيء عن عيسى و طارق في التصادم العنيف مع أهله وانغماسه في حياة الليل والتمرد و لكن صداقته للبطل ستنقلب إلى عداء إذ إنهسيدخل القصر محاولا الثأر لابنة خالته تهاني وقد اعترف أسامة بذلك لطارققائلا:" جئتُ هنا كي أقتلك " 42 غير أن أسامة لن يختلف عن البطل خاصة فيفقدان ذاته داخل القصر إذ كانت حياته أيضا صيرورة انهيار فهو سيفشل فيمهمة الثأر بل سيتحوّل إلى مدمن على الخمر و إلى " قوادٍ" ثم عشيقٍ لنادرأخو سيد القصر و هكذا وجد نفسه يلبي نزوات أخي السيد تمام مثل طارق الذيكان بدوره رغبةً للسيد و هما وإن كانا فاعليْن جنسيا فقد كانا في الواقعمخِصيّيْن مسلوبيْ الإرادة و لهذا هرب أسامة 43 إلى قبر حبيبته طلبا للموتهربا من الحياة و هو نفس ما قام به طارق حين عاد إلى أسرته باحثا عن ذاتهوالحياة بروح ميتة " أقبل إبراهيم نحوي عاصفا جمعني في حضنه، لمّ عظامي،أعاد أنفاسي الهاربة مني " 44و هكذا يمكن القول إن الرواية تشكلت من خلال إبراز العلاقة التي تربطبين شخصيات ثلاث في مستوى أول (طارق- عيسى – أسامة ) و تبدو في المستوىالثاني في علاقة هذا الثالوث مع شخصيات نسائية ثانوية في أغلبها..و لكنالمرأة في الرواية رغم أنها كانت أقرب إلى الشيء الممتع منه إلى الكائنالبشري فقد كانت هي الراسمة لأقدار الشخوص الذكور فتهاني هي التي فجّرتالصراع بين البطل وأسامة ومرام هي التي تلاعبت بطارق لتحطيم عيسى، لقدكانوا ذكورا مهزومة فاقدة للإرادة والحرية في حين أن المرأة لئن بدتْ أقربإلى جارية في العصور الغابرة فإنها كانت فاعلة بحبها وانتقامها و أثرها فينفوس الشخوص سلبا وإيجابا…و هذه الصورة لا تختلف عن صورة الرجل والمرأة فيالسرد العربي القديم ولا سيما في ألف ليلة وليلة فشهريار الرجل القويببطشه وقتله استطاعت أن ترّوضه شهرزاد المرأة بالحكايات العجيبةفحوَّلتْه إلى طفل صغير…فالسرد دائما يغازل الأحلام و ينكأ الخيال….وفي النهاية نجح عبده الخال إلى حد بعيد عبر بناء سردي متماسك من تخييلأزمة جيل كامل من المهمَّشين وجد صعوبة كبيرة في تفهّم تراكم الثروة بشكلمفاجئ فجعل ذلك من الهوة بين الطبقات تتعاظم و أدى إلى هشاشة البناءالنفسي للأفراد لشعورهم بالظلم والمهانة والتهميش الأقرب إلى العبودية.هذا التراكم الجائر للثروة لدى شريحة من المجتمع جعل الأخلاق و الشرائعكذبة يتلاعب بها الأقوياء من ذوي السلطة والنفوذ. فالسيد و قصره رمز لطفرةالمال الخليجي التي حطمت كل القيم ومسخت المجتمعات الخليجية بأن أخرجتهاعن صيرورتها التاريخية إلى مفارقة عجيبة تجمع بين بداوة الاجتماع والقيممن ناحية وحداثة سيولة المال المتفاقمة من ناحية أخرى و في مثل هذا الواقعالاجتماعي لابد أن ينهزم الحب وتتآكل القيم..إن جدلية القصر والحفرة لا تمزق مجتمعا فحسب بل كانت تمزق ذوات تائهةبين الثروة والثورة بين الرغبة والحب بين حداثة البناء و قدامة القيم وترهّلها.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت مايو 11, 2024 11:17 am