منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    سيميولوجيا الخطاب البصري وإنتاج المعنى

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    سيميولوجيا الخطاب البصري وإنتاج المعنى Empty سيميولوجيا الخطاب البصري وإنتاج المعنى

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 01, 2010 8:46 am



    سيميولوجيا الخطاب البصري وإنتاج المعنى


    كتبهااحمد امرير ، في 22 نوفمبر 2006 الساعة: 23:00 م


    الفصل الأول
    اللسانيات والسيمائيات الطرح النظري والمفهومي

    » ونستطيع إذن أن نتصور علما يدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط المجتمعي … ونطلق عليه مصطلح علم الدلالة Semiologie [...] وهو علم يفيدنا موضوعه الجهات التي تقتنص بها أنواع الدلالات والمعاني «
    [دي سوسير

    الفصل الأول:
    اللسانيات والسيمائيات الطرح النظري والمفهومي.
    المبحث الأول : البعد التاريخي في نشوء الظاهرة اللسانية :
    1. نشأة المدرسة والدراسة اللسانية :
    ويبقى البعد التاريخيلدراسة من الدراسات أمرا إجرائيا بغاية حصول تأسيس و تأصيل للعمل المرادإنجازه. ولما كانت اللغة محط دراسة كان لابد من الوقوف عند أهم المحطاتالتي أثرت وأطرت مجال بحثها (اللغة الخطية)، فأين تتجلى أهمية المسألةالتاريخية والتأسيسية والتأصيلية لهذه الدراسة ؟ أو ماذا تشكل الإجرائيةالتاريخية بالنسبة للدراسة اللغوية ؟ وهل من الضروري معرفة الجانبالتاريخي لفهم هذه الدراسة ؟ ثم ما المقصود بالمدرسة اللسانية ؟
    إن معرفة الجانبالتاريخي لدراسة من الدراسات أو علم من العلوم المكتشفة من لدن العقلالبشري ليتجاوز كونه إخبارا بما اكتشفته عقلية بشرية ما، في فترة زمانيةمعينة، ذلك "أن التأريخ لمجال من مجالات المعرفة الإنسانية هو أجل من أنيكون محض إعلام بأس كان، أو سردا يساق إلى قارئه للتفاكه والمتاع. ولكنالأخلق به أن يكون تصويرا لرحلة العقل مع الظاهرة المدروسة منذ تفتحتعليها الحواس البشرية ووعتها الأذهان، وعالجها العقل بالفحص والاختبار…والتجريب والتعميم والتجريد كشفا لمخباتها وصياغة للقوانين الحاكمة عليها.
    لذلك كان التأريخ لعلم ما، تأريخا لعمل العقل… والتأريخ للعلم ليس بلاغا للناس بما كان ولا يزيد، ولا عرضا لما هي عليه حال العلم"[1].
    ولما تساءلنا عنأهمية الجانب التاريخي، كان هدفنا تتبع المراحل والخطوات الكبرى_ وإنبإشارة قصيرة نظرا للمستوى المعرفي والمنهجي المتوافر لدينا وأيضا لضيقالحيز الزماني_ التي مر بها الدرس اللساني ومن ثم أن نطل على مدرسة لسانيةأولى أرست أسس الدرس اللساني، وأمكننا بالتالي القول : إن الدرس اللسانيبدأ منذ هذه الفترة أو تلك.
    ولما كانت اللغةظاهرة إنسانية واجتماعية، ووعاء لحمل المضمون الفكري، والسياسيوالاقتصادي، وأداة للتواصل بين الشعوب بامتياز، من الضروري، أن ينصباهتمامهم (الشعوب) حولها (اللغة) بالدرس والتحليل وأصل المنشأ وكيفيةالتداول. فكان الإغريق من الشعوب الأوائل الذين أبدوا اهتماما بالغابالدراسة اللغوية، وأنجزوا بحوثا رصينة جدا بالقياس مع هذه الفترة وهيبحوث متقدمة و"كانوا أول المنظرين اللسانيين في العالم، وانفردوا بذلكلزمن طويل وكانوا أيضا أول من اهتم من الأوروبيين بالدراسة المنضبطةللنصوص المدونة"[2].
    وقد أقصى اهتمامهمبالنصوص المنضبطة المدونة الجانب الشفوي في اللغة، ولم تعترف نزعتهم هذهبأهمية وسلطوية اللغة المنطوقة والمسموعة وكان اهتمامهم باللغة مؤطرا منطرف فقه اللغة الذي ارتبط "كارتباط العبد باللغة المكتوبة و نسى اللغةالحية المنطوقة. وفضلا عن ذلك فإن العصر الإغريقي واللاتيني هو الذي كانيستغرقه استغراقا كاملا"[3].إذ " تجاوزت بحوثهم اللسانية الحدود الضيقة للأهداف العملية الخالصة،وصارت [اللغة] جزءا من مجال البحث الفلسفي … وقد ارتكزت الأفكار الأساسيةالأولى عن الفصائل اللغوية، والأسس التي حكمت تركيب الجمل، والارتباطالواقع بين الفكر وعمليات الكلام، على أساس من هذا الاهتمام اللساني الذيانبثق في إطار الدراسات الفلسفية"[4].
    وكانت الفلسفةالأفلاطونية مبنية على إشكال العلاقة بين الحدث الكلامي والمضمون الفكريفقد " كان منطلق أفلاطون الاقتناع بأن الكلمة هي الشكل المادي للفكرة"[5].
    إن الاهتمام باللغةتؤطره عوامل إيديولوجية : الأفضلية اللغوية، فلليونان نظرة تفاضلية للغتهمعلى حساب لغات شعوب أخرى كما الشأن بالنسبة إلى اليهود فيما بعد، جعل ذلكفيما قبل القرن التاسع عشر، إذ كان المشروع اللساني يعالج اللغة خارجا عنهموم وأوضاع غير لسانية و"أن العمل اللساني جميعه مما تم إنجازه قبل بدايةالقرن التاسع عشر كان إما مكرسا لحل المشكلات العملية للغة في مجتمع بعينهوإما أنه كان إنجازا قد تم في إطار فلسفة أكثر اتساعا، أي هموم غيرلسانية، ويمكن أن نقول اختصارا، إنه فيما قبل التاسع عشر لم يكن للسانياتوجود بوصفها مجالا معرفيا متميزا، له منهجه العملي ونظريته العامة الراسخةالأساس"[6].إذ كانت كل أمه تنظر إلى لغتها بوصفها الأفضل من لغة أخرى. وكانت هذهالنظرة الأحادية، الضيقة الأفق والمنكفئة على نفسها هي التي توجه وتحكمالعمليات الأدائية اللغوية، و"قد تطلب الأمر آفاقا أوسع من المعرفةالعامة، واتصالا بين الأمم المختلفة أكثر رسوخا، لإيجاد الأسس العقليةالضرورية لقيام بحث لساني منهجي أصيل" …، وذلك بهدف دحض الأفكار المسبقةغير العملية عن الدراسة اللغوية. وهي مهمة سيتولاها الدرس اللساني ابتداء،من ق 19 مع الأبحاث التنظيرية والتأسيسية للعالم السويسري "فردناند سوسيرferdinand de saussure‘.
    أما في عهد الرومان وعصر النهضة، فظهر اهتمام كبير بالجانب اللغوي أكثر عملا، فعرفت هذه الفترة نحاة كبارا أنجزوا دراسات في النحو اللاتيني ولعل أبرزهم ‘بريشيان Priscian حوالي القرن 6 صاحب مؤلف ‘المنظومات النحوية Institutiones Gramatical ‘.وقد كان لهذه الأبحاث أثر كبير على الدراسات النحوية التي عاصرتها. ويبقىالعصر الوسيط متقدما لتأريخ ظهور الدراسة اللسانية حتى في مناطق جغرافيةغير الناطقة باللغة الهند أوروبية "وفي العصر الوسيط ازدهرت الدراساتاللسانية أيضا في المجتمعات التي لا تتحدث باللغات الهندية الأوروبية،فازدهرت بين العرب واليهود، الذين يمثلون مجموعة اللغات السامية"[7].
    ولقد كان الدافع إلىالاهتمام بالدراسات اللغوية لدى العرب واليهود فهم النص الديني في كلتاالعقيدتين، وأن "وراء البحث اللساني دافعا عمليا: هو الحاجة إلى دراسة القرآن [الكريم[8]] وهو الشأن أن الثوراة قبله فلقد "كان لليهود فضل الريادة في الدراسات اللسانية المقارنة "[9]. إلاأنه على الرغم من هذا التحليل على مستوى الاهتمام بالدراسة اللغوية، نجدغيابا على مستوى المنهج فقد "أخذ اليهود مناهج التحليل اللساني عن العربمطبقين إياها على لغة الكتاب المقدس".[10]
    وإذا كانت الشعوبالأوروبية قد عرفت الدراسات اللسانية مبكرا، فإن العرب واليهود لم يحصلعندهم وعي بالاهتمام باللغة "إلا في أواخر عصر النهضة"[11] . إن ما يطبع الدراسة اللسانية قبل القرن19 هوطغيان البعد الفيلولوجي (نقد النصوص اللغوية)، وهو ما يجعلنا نقول إنالدراسات اللسانية خرجت من رحم فقه اللغة، "إذا استخدم فقد اللغة منهاجاخاصا هو النقد. فإذا أراد أن يتناول المسائل اللسانية فإنما يفعل ذلك خاصة من أجل أن يقارن بين نصوص مختلفة و أن يحدد اللغة الخاصة لكل مؤلف كتاب"[12]. ولاشك أن هذه الأبحاث مهدت الطريق وهيأتها إلى اللسانيات التاريخية: فإن أعمال ‘رتشل Ritschl‘ المتعلقة بالشاعر الروماني ‘بلاوتوسPlaute‘ يمكن أن تسمى بالأبحاث اللسانية"[13].
    ورغم كل هذا المنجزفي مجال اللغة، فإن "اللسانيات في معناها الحقيقي، هي التي قد نشأت مندراسة اللغات الرومانية والجرمانية" وحصل ذلك مع الباحث ‘فريديريككريستيان ديز FRIEDICH ‘CHRISTIAN DIEZ (1914-1876) ‘ نحو اللغات الرومانية 1838-1836 ، فقد أسهمت على الخصوص في تقريب علم اللسان من موضوعه الحقيقي (…) وأما العالم الأمريكي ‘ويتيني WHITNY ‘ صاحب كتاب ‘حياة اللغة 1875‘ فهو الذي كان بدأ الإنطلاقة الأولى وبعد حين تكونت مدرسة جديدة هي مدرسة النحاة الجدد" [14].
    إن البحث اللساني مر بمرحلتين حاسمتين :
    أ‌. مرحلة نشوء الدراسات اللسانية و غياب المدرسة اللسانية و تشمل :
    1. محطة الإغريق (اليونان).
    2. محطة الإمبراطورية الرومانية وتمتد إلى نهاية عصر النهضة.
    3. محطة عصر النهضة حتى نهاية القرن الثامن عشر.
    ب. مرحلة نشوء المدرسة والدراسة اللسانية وتضم هي الأخرى :
    1. محطة القرن التاسع عشر.
    2. محطة القرن العشرين.
    وحسب ‘سوسير’ فإن: العلم الذي تأسس حول ظواهر اللسان مر بمراحل ثلاث متتابعة"[15]، نجملها فيما يلي :
    * ظهور دراسة (علم النحو) مع الإغريق والفرنسيين.
    * ظهور دراسة (فقه اللغة) مع ‘فريديريك اجوست وولف Fridirich August Wolf‘
    * ظهور (الدراسة المقارنة) مع ‘فرانز بوبFranz Bopp ‘ 1816، وقد سبقته إلى ذلك العالم الانجليزي ‘وليام جونزW.JONES‘.

    2. اللسانيات وموضوعها :
    لكل علم مجال اشتغاله، وكون اللسانيات علما، فإن لها مجالها الخاص. فاللسانيات هي الدراسة الوصفية للغة وفق منهجية ومصطلحية مضبوطة.
    و"يتكون موضوع علماللسان أولا من جميع مظاهر اللغة الإنسانية وتعبيراتها، سواء منها لغةالشعوب البدائية أو الشعوب المتحضرة، وسواء تعلق الأمر بالعصور المغرقة فيالقدم، نقصد العصور الكلاسيكية أو عصور عهد الانحطاط"[16]. ولم يكن مقياس ‘سوسير’ لدراسة لغة من اللغات تقدما ولا تخلفا، بل هو المؤدى الصوتي والدلالي.
    فقد أعلن ‘سوسير’ صراحة، أن موضوع اللسانيات، هي " دراسة اللغة لذاتها و لحد ذاتها"، مما يلزمه على أن يصطلح مفاهيم لدراسة هذه اللغة، فاقترح أربع ثنائيات لوصف اللغة/الكلام: الدال/المدلول والتزامني/ التعاقبي والتراصفي/ العمودي".[17]
    وتم اعتبار المشروع التأسيسي السوسيري منطلق اللسانيين لتتوالى أبحاثهم في خدمة اللغة، إذ " ما لبثت أن اتسعت دائرة البحث مع بروز أسماء أعطت لهذا الحقل المعرفي مشروعيته وسعت إلى تأكيد علميته ضمن العلوم الإنسانية: بنفنسيت،هاليداي، يمشليف، تشومسكي وآخرون ممن ركزوا على اللغة والشروط التي تسهمفي إنتاجها، بما هي أداة للتواصل على المستوى السيمولوجي"[18].
    إذ " إن المسألة اللسانية هي قبل كل شيء مسألة سيميولوجية وكل بحثنا في تقدم هذا العلم وتطوره، إنما يأخذ مغزاه من هذا الحدث الجليل".[19]
    لقد تميز الدرس اللساني " عند بداية القرن التاسع عشر ب [ ] تعلق البحث … أساسا بالمعطيات اللسانية الملموسة، وظل هذا الاهتمام الشديد بالحقائق الملموسة خاصية لافتة في لسانيات القرن التاسع عشـر

    بوجه عام… وأن القضايا اللسانية في اللغات غير الهندية الأوروبية لم تدرس دراسة جادة إلا بحلول نهاية القرن التاسع عشر"[20].
    إن هذا الطرح هو ما يجعلنا نقول: إن الدرس اللساني في معناه الحق لم ينشأ إلا بحلول ق 19، وتطور على مداه إلى نهاية القرن20 ومايزال، حيث أصبحت اللغة تعالج بمنطق علمي موضوعي، بعيدا عن كل التأثيراتالفلسفية والإيديولوجية، وأن لاشيء يستحق الدراسة بوجه محايث غير النصاللغوي، في حد ذاته، وهذا ما أسس له ‘سوسير’ في قولته المتواترة " اللسانيات هي دراسة اللغة لذاتها ولحد ذاتها" . وبعد هذا الحسم في موضوع اللسانيات أصبح موضوع المنهج الهم الثاني والقضية الكبرى" وقد شهد القرن العشرون الاتجاهات العامة لوضع الأساس لمنهج علمي جديد"[21]. وقضيةالمنهج هذه لم تطرح فقط لدى اللسانيات واللسانيين، بل هو الطابع المميزللبحث العلمي في القرن العشرين، حيث المعرفة وإشكال المصطلح يفرض نفسهبإلحاح"،" وهكذا صار القرن العشرون عصرا للتعاون بين المجالات المعرفية المتداخلة الاختصاص… وتتسقالخصائص الأساسية لتطور اللسانيات مع خصائص العلم في القرن العشرين علىوجه الإجمال، وتتمثل هذه الخصائص في تحقيق إنجازات ثورية في مجال المنهجالعلمي، وسعت آفاق التفكير العلمي إلى حد كبير. وأدى ما تحقق من تقدم عظيمومتميز للنظرية اللسانية إلى نتائج علمية تقدم إسهامها المتميز لثقافتناوبيئتنا.
    وتختلف اللسانية الآن [ القرن 20] عن لسانيات القرن التاسع عشر على النحو التالي :
    اختلاف في التنظيمالمنهجي للمعرفة، وفي التفسير للحقائق المعروفة على نحو جديد، وفي توسيعمجال اهتمامها توسيعا ملحوظا، وفي انغماس دارسيها في تعاون يتسم بتداخلالتخصصات لإنجاز مهمات واسعة النطاق وفي نقل إجراءات منهجية من فروع العلمالأخرى وإعادة غرسها في مجال اللغة لتحليل الظواهر اللسانية".[22]
    إذ، إن" لعلم اللسان علاقات وثيقة بعلوم أخرى، تارة تأخذ من معطياته وتارة تقدم له بعضها" [23]وإنما

    تنفرد بهذه الميزة" باعتبارها تنتمي إلى الفيزيائي والبيولوجي والنفسي والاجتماعي" [24].
    فاللغة إذن، تجمع بين الجانبين :
    أ‌. السيكولوجي (التصورات الذهنية المتمثلة من لدن الذهن البشري).
    ب‌. الفيزيولوجي (عملية إحداث الأصوات وسماعها) ويوجز ذلك الرسم التالي :

    م

    ص
    م

    ص
    تصويت
    سماع
    م = مفهوم أو تصور.
    ص = صور سمعية.
    [وفي تعليق على هذاالرسم يشير إلى] " أننا لم نهتم إلا بالعناصر التي حكمنا بأنها أساسية،غير أن هذا الشكل يسمح بأن نميز فيه دفعة واحدة الأجزاء الفيزيائية(التموجات الصوتية) المرتبطة بالجانب الفيزيزلوجي (التصويت والسماع)،والأجزاء السيكولوجية (الصور اللفظية والتصورات)"[25].
    و"تتضمن دراسة اللغة قسمين: قسم أول وهو جزء أساسي، وموضوعه اللسان الذي هو مجتمعي في ماهيته ومستقل عن الفرد. وهذهالدراسة هي على وجه التحديد سيكولوجية. أما القسم الثاني، وهو جزء ثانويوموضوعه ذلك الجانب الفردي في اللغة أي الكلام ويدخل فيه التصويت: وهذا القسم الأخير دراسته سيكولوجية وفيزيائية معا".[26]
    المبحث الثاني: البعد النظري والمفهومي للدراسة السيميائية :
    1. نشأة المدرسة والدراسة السيميائية :
    إن ما يميز العلومالإنسانية عن العلوم البحثة الحقة التجريبية، كونها تخضع لتجربة ذاتيةوموضوعية في الآن ذاته، والذات الإنسانية يطغى عليها الجانب العاطفي،والحضور الإيديولوجي، ومن ثم فهذه العلوم الإنسانية لابد أثناء دراستهااستحضار البعد الإيستمي بوصفه القالب أو المعيار الذي تقاس به جدتها: موضوعها، منهجها، نتائجها.
    إن السيمائيات، بوصفها علما من العلوم الإنسانية، لا تشذ عن هذا الثابت. فخاصيتها الاندماج ضمن مجالات المعرفة الإنسانية. وإذن، سنقوم [بحفر جينيالوجي] في الأصوليات الأولى لها والمسار الذي قطعته، والتوجه الذي اختارته. ومن تم معرفة إنشاء مدرسة أو مدارس سيميائية لها منطلقاتها الفلسفية والإبستيمية ولها مبادئها ومفاهيمها.
    يعد ‘سوسير’ (1857-1913) أول المبشرين بهذا العلم الجديد " السيميولوجيا" في مشروعه التأسيسي: محاضرات. "و نستطيع أن نتصور علما يدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط الاجتماعي. وهذا العلم يشكل جزءا من علم النفس المجتمعي، ومن ثم يندرج في علم النفس العام ونطلق عليه مصطلح علم الدلالة Semiologie من الكلمة الإغريقية Semion وهو علم يفيد موضوعه الجهة التي تقتنص بها أنواع الدلالات والمعاني. كمايهدينا إلى القوانين التي تضبط تلك الدلالات، وما دام هذا العلم لم يوجدبعد فلا نستطيع أن نتنبأ بمصيره غير أننا نصرح بأنه له الحق في الوجود وقدتحدد موضوعه بصفة قبلية، وليس علم اللسان إلا جزءا من هذا العلم العام".[27]
    وعلى الرغم من هذا السبق المعرفي والتنبؤ العلمي لعلم ستكون من مهماته : [دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية]، فإنه - سوسير - لم يحدد هذه العلامة ولم يوجد لها مسارا ولا منهجا يؤدي إلى مدلوليتها، كما أنه أكد أن هذا العلم يمارس وصاية على اللسان." ويظهرمما سبق أن ‘سوسير’ في حين يعرب بوضوح عن ضرورة ارتباط علم اللغةبالسيميولوجيا فإنه يتمنع عن تعريف طبيعة العلاقة التي تربط بينهما، فيماعدا مبدأ اعتباطية العلامة الذي يهيمن على مجموع الأنظمة التعبيرية " وهو موضوعنا" وفي مقدمتها اللغة. إن السيميولوجيا- كعلم للعلامات- عند ‘سوسير’ لا يتعدى كونها رؤية مستقبلية، تتشكل في خطوطها العريضة على شاكلة علم اللغة.
    أما عن الأنظمة التي تنتمي إلى السيميولوجيا- بالإضافة إلى اللغة- فإن ‘سوسير’ يقتصر على ذكرها، دون أن يحاول حصرها في قائمة، إذ لا يقدم أي معيار يصلح لتحديد طبيعتها".[28]
    وإنما اكتفى بالقول : " إن اللسان نسق من العلامات المعبرة عن أفكار، وهو بذلك شبيه بأبجدية الصم والبكم والطقوس الرمزية وبأشكال الآداب والإشارات العسكرية".[29]
    " وبهذا المعنى، يمكن القول إن ‘سوسير’ لم يتجاوز التنبؤ المبدئي بوجود مثل هذا العلم. ولهذاالسبب، بقى موضوع السيميولوجيا، عنده، غير محسوم في أمره بل إنالسيميولوجيا لم تعمل على أن تبنى نفسها ابستيمولوجيا وإنما اعتمدت فيتأسيسها لنفسها على البناء الإبستمولوجي للسانيات.
    ذلك أن أدواتها المعرفية ومفاهيمها ووحداتها(…) لا تعدو أن تكون غير ما أمدتنا به اللسانيات السوسيرية"[30]. وهذاإن هو إلا مؤشر على قصور النظرية السيميولوجية عند ‘سوسير’ في نظر ‘بيبرس’والذي من دون شك، سيأخذ على عاتقه تصحيح مكمن هذا الخلل، وهذا الهجرالمعرفي والمنهجي لعلم من خواصه، الشمولية والوصاية على الأشكال التعبيرية. وذلكبأن اعتبر المسألة السيميائية فينومينولوجية، تأويلية وبالتالي فلسفية،مما يلزمه بخلق منهج واضح، له من الآليات ما يؤهل الباحث للتأكد من صياغتهالنظرية، واعتبر أن أي دلالة إنما تتشكل من علامة، وعليه، فإن أي علامةتنتمي إلى مجال ما، دالة في سياقها الذي ساهم في إنتاجها.
    أما عن [جينيالوجيا] أصلالتسمية اللفظ ومدلوليته فإننا نجد أن ‘سوسير’، قد وضع لفظة ‘سيميولوجيا’قاصدا بها العلم الذي يعنى بعموم الدلائل، واللفظة مشتقة من الأصلاليوناني Semeion وتعني "الدليل ". أما بورس فقد وضع لفظة سيميوطيقا للدلالة على العلم نفسه، وأصل هذه اللفظة Semiotiké اليوناني الأصل. وقد تم وضعه من قبل " جالينوس" ليعنى بها " علم الأعراض" في الطب.

    وعن علاقة اللفظةومدلولها في التراث العربي، فإنه لا يتوافر فيه لفظ يعني بهذا الغرض. لقدتم اقتراح لفظة سيمياء ويقصد بها الخيال. وأصل هذه اللفظة عبري: سيم يه ومعناها اسم الله.[31]
    "وإذا مضينا إلى المجال العربي وجدنا قضية تسمية هذا المفهوم مطروحة بحدة.ذلك أن القارئ يواجه تعددا وتباينا مصطلحيا يسقطه في الحيرة والارتباك. فإذا كان بعض الدارسين لجأوا إلى اقتراض لفظة La sémiologie منالحقل الفرنسي. وتعريبها عن طريق إضافة مقطع في آخر الكلمة، متكون من ياءمزيدة بعد الجيم المكسورة، ثم إشباعها بمد مفتوح، لتجانس الصيغة المألوفةفي تعريب أسماء العلوم شأن البيولوجيا والسوسيولوجيا… فقد آثر فريق آخر تعريب اللفظة الإنجليزية ‘Semiotics ‘عن طريق قلب كافها قافا وتائها طاء بحكم الجوار الصوتي، وطلبا للمجانسةالصوتية بين الإطباق الصوتي والإستعلاء، تم إشباعها بمد مفتوح، فجاءتتركيبة المصطلح كالآتي : ‘سيميو طيقا’.
    ومال فريق ثالث إلى البحث عن مقابل للمصطلح الأجنبي بناء على تركيبه الاشتقاقي، فاقترحت مقابلات عديدة، نذكر منها: علم العلامات وعلم الأدلة. وآثرتمجموعة أخرى من الباحثين التنقيب عن كلمة عربية أصيلة تفي بالغرض، وتؤديالمعنى المراد بالمصطلح أحسن أداء، فوجدوا ضالتهم في مادة لغوية عربيةتتضمن معنى الإشارة والعلامة، وهي لا تقترب من اللفظة العربية في دلالتهافحسب، بل حتى في تركيبها الصوتي. إنها مادتا السين والميم تعضدهما حروف اللين، والهمزة أحيانا.
    فالمادة في تقليباتها المختلفة، تقوم على نواة دلالية هي (التعليم) و (الوسم). فمادة ‘ س و م’ وتدل في أحد وجوهها على ‘ التسمية’ والإسم كما هو معلوم يوضع للتمييز شأنه شأن العلامة. ومادة ‘ وسم’ تحيل من ضمن ما تحيل عليه- على وضع العلامات المميزة، ومنها وسم البعير بالكي ليعرف ويتميز. وتحيل مادة ‘ س و م’ على السومة وهي العلامة، ومنها سوم الفرس… هكذا تتركب من هذه المادة صيغ خمس هي: السيمة والسيمى والسيمياء والسيماء تتضمن كلها معنى العلامة.
    وبذلك اقترح بعضالباحثين لفظة سيمياء مقابلا للمصطلحين الفرنسي والإنجليزي، لاسيما أنصيغته الصرفية ليست غريبة عن صيغة أسامي العلوم في العربية، كاستعمال لفظةالكيمياء للدلالة على المادة، والفيزياء للدلالة على علم الطبيعة، لكن خوفاللبس دفع بعض الدارسين إلى استعمال اللفظة في صيغة الجمع (سيميائيات). و ذلك لتتصرف دلالتها إلى العلم، مثلما هو الشأن مع ‘ رياضيات’ و ‘طبيعيات’".[32]

    ذلك إذن، كان تصنيفا للاتجاهات العلمية التي عرضت للمصطلح (سيميولوجيا) و (سيميوطيقا) حيث حاول كل واحد التمسك بالتسمية التي اقتنع بها، ورأى أنها تفي بالغرض والمفهوم الدلالي، وأن ما يميزها- الاتجاهات- كونها توافقت على مدلولية واحدة للمصطلح، " علم العلامات وعلم الدلالة" ،مع إخضاع المصطلحين معا، كل من موقعه، لصيغ صرفية عربية أو إضافة أحرفتناسب المقام الصيغي أو استبدال أخرى متقاربة الأداء الصوتي (المخرج)، أوالحفر في الذاكرة اللغوية والرصد القاموسي لتبرير التسمية، فعل وسم،سيميولوجيا، سيميوطيقا، سيميائيات.
    وإذا ما رجعنا إلى السؤال عن ماهية اللفظ/المصطلح وما يثيره من قضايا معرفية والنشوء الفلسفي في بيئته الأوروبية: (سوسير) والأمريكية : (بيبرس)، ومن تم معرفة الفروق التي يثيرها هذا المصطلح في مدرستيه اللتين سنقف عندهما.
    فإذا كنا قد حسمنا مع (سوسير) في مدلولية اللفظ Semiologie على أنه [دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية]، فإننا مع ‘بيبرس’ نقف على إشكال كبير في مدلول لفظ Semiotics إذ [هو] [العلم الذي يدرس كل شيء]، وبناء على ذلك، فإنه يشدد على أن "لم يكن بوسعي أن أدرس أي شيء: الرياضيات، الأخلاق، الميتافيزيقا…، البصريات، التشريع المقارن، الفلك، السيكولوجيا، علم الأصوات، علم الاقتصاد، تاريخ العلوم، الرجال والنساء، الخمر،… إلا دراسة سيميائية".[33]
    وهو بذلك يجعل (السيميوطيقا)، منهجا للدراسة، كما الشن عند الفلاسفة من قبله. ف" قد استمر اهتمام [هم]، على وجه الخصوص، بأنساق الدلائل. ونذكر من بينهم ‘لوك’ الذي استعمل مصطلح ‘سيميوطسيقا Semiotics ‘ ليعنى به العلم الذي يهتم بدراسة الطرق والوسائط التي يحصل من خلالها على معرفة نظام الفلسفة والأخلاق وتوصيل معرفتهما".[34]
    إن من يعتبر ‘سوسير’ المؤسس الأول، للسيميولوجيا، إنما مرد ذلك إلى "حكم انتشار اللسانيات، انتشارا واسعا"[35]. وإلا فإنه " يعتبر سوسير مع بيرس (…) ، الواضع الأول للسيميولوجيا" لأنه" في نفس الفترة تقريبا، التي أفصح فيها سوسير عن هذه الأفكار في محاضراته بجنيف، أعلن ‘تشارل سندرسربورس’ بأنه رائد " السيميوطيقا" : " إني في حدود ما أعلم، رائد في العمل الهادف إلى إعداد حقل وفتحه، حقل أسميه ب " سيميوطيقا"، أي نظرية الطبيعة الجوهرية لكل سيميوزيس ممكن ونظرية تنوعاته الأساسية".[36]
    و"فيالفترة التاريخية التي كان يصوغ فيها سوسير تصوره الجديد للسانيات ويداعبهحلم في تأسيس علم جديد أطلق عليه السيميولوجيا، كان الفيلسوف والسيميائيالأمريكي شارل سندرس بورس ( 1839-1914)سماع

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 12:24 pm