منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحليل السيميائي لرواية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحليل السيميائي لرواية Empty التحليل السيميائي لرواية

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 01, 2010 12:22 pm


    التحليل السيميائي السردي لرواية
    "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ

    عبد المجيد العابد
    أصبح من الشائع اعتبار السيميائيات(Sémiotique)عند المهتمين بهذا الحقل المعرفي علما موضوعه دراسة العلامات، والعلامة، كما حددها بورس( CH.S.Peirce)، كل شيء يحل محل شيء آخر ويدل عليه، سواء كانت علامة لفظية أم علامة غير لفظية، طبيعية أم اصطناعية؛ هذا بالرغم من أن أمبرطو إيكو(U.Eco) ذهب إلى أن موضوع السيميائيات ليس العلامة، وإنما الوظيفة السيميائية، وهو في ذلك يستند إلى يلمسليف (Hjelmslev)في هذا التوجه.
    ارتبطت السيميائيات ابتداء بالعالم الأمريكي تشارلز سندرس بورسمنخلال كتابه "كتابات حول العلامة"، وهو عبارة عن محاضرات لبورس جمعت بعدوفاته؛ فقد أرسى قواعدها منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرنالعشرين، جعلها مناط دراسة التجربة الإنسانية عامة، منطلقا بالأساس مناعتبارها محرك باقي العلوم الأخرى، سواء كانت علوما إنسانية أم غير ذلك،وبورس إذ يراها كذلك، ينطلق من إبدالات نظرية أملتها التخصصات المتعددةالتي أقام عليها نموذجه النظري السيميائي(الرياضيات والمنطقوالفيزياء...). وفي الوقت نفسه الذي كان يبني بورس فيه هذا النموذج النظري،افترض اللساني السويسري فرديناند دوسوسور(F.De Saussure) وجود علم جديد سماه السيميولوجيا(Sémiologie)،سيكون جزءا من علم النفس العام، وسيدرس كل العلامات الدالة التي لا تدرساللسانيات إلا اللفظية منها، حيث تعنى أساسا باللسان، وستكون اللسانياتبذلك ضمن علم أشمل هو السيميولوجيا.
    وقدأدى الاختلاف في الإبدالات النظرية التي يستند إليها كلاهما إلى اختلافهمافي البناء التصوري لهذا العلم الجديد استقبالا، لأن كل واحد منهما ينطلقمن أسس إبستيمولوجية مختلفة، فبورس منطقي رياضي فيزيائي، أما دوسوسورفلساني،كان اهتمامه الرئيس بلورة علم للغة متأثرا بعلم الاجتماع خصوصا، وهذا مايبرر اختلافهما في العلامة الموضوع نفسها، فهي ثلاثية عند بورس(مأثول يحيلإلى موضوع عبر مؤول) ثنائية عند دوسوسور(دال أو صورة سمعية، ومدلول أو صورة ذهنية). فلا ضير إذا في نعت هذا العلم بالسيميولوجياوفقاللتصور السوسوري، باعتباره منتجا فرنسيا، أو وسمه بالسيميائيات استناداإلى بورس؛ لكن يبقى هذا الاختلاف في التسمية اليوم شكليا.
    تعددتاتجاهات النظرية السيميائية، واختلفت نماذجها، وأطرها المرجعية بحسبالتحاقل المعرفي الذي شهده هذا العلم خصوصا في أواسط القرن الماضي،بموازاة تطور مجموعة من العلوم التي تفاعلت معها السيميائيات تأثيراوتأثرا، إذ يمكن الحديث عن سيميائيات التواصل(بويسنسBuyssens وبرييطو PrietoومونانMounin)، وسيميولوجيا الدلالة (رولان بارت RolandBarthes)،التي أخذت على عاتقها دراسة الأنساق الدالة غير اللفظية من خلال الاستثمارالمتميز للمصطلحات اللسانية (الدال، والمدلول، والتقرير، والإيحاء،والشكل، والمحتوى...)، وسيميائيات الثقافة مع الإيطالي أمبرطو إيكو (U.Eco)وغيره،ثم السيميائيات البصرية، وسيميولوجيا الأشكال الرمزية، ومدرسة باريسالسيميائية (السيميائيات السردية) مع رائدها اللتواني الأصل ألجرداسجوليان غريماص (A.J.Greimas) وأتباعه:جوزيف كورتيس(J.Courtés) وجون ماري فلوش(J.M.Floch)وجاك فانطاني (J.Fantanille) وغيرهم.
    تبلورت نظرية السيميائيات السردية(Sémiotique narrative)منذ كتاب مؤسسها الأول غريماص"الدلالة البنيوية"(1966)، حيث أرسى أولى قواعدها، لكن توالت النماذج السميائية بعد ذلك بدءا من:"في المعنى"(1970) وفي المعنىII(1982)، ثمالمعجمين السميائيين اللذين أنجزهما بالاشتراك مع تلميذه جوزيف كورتيس وغيرها.
    عرف هذا الاتجاه المعرفي بالمدرسة الفرنسية (مدرسة باريس السميائية)، أسست نموذجها النظري ابتداء على الخرافة والحكاية الشعبية، مستثمرة العمل الهام لفلاديمير بروب(V.Propp)في"مورفولوجية الخرافة"، ثم استدراكات ليفي ستروس (C.Levistraus) وغيرهما، لتنفتح المدرسة بعد ذلك على حقول معرفية أخرى، مثل سميائيات الأهواء مع جاك فونتاني، ونظرية الكوارث مع روني طوم(R.Thome) وجون بيتيتو كوكوردا،(J.P.Cocorda) ومفهوم التناظر(Isotopie) مع فرانسوا راسيتي(F.Rastier) وغيرهم؛ وقد أغنت هذه الإبدالات النظرية السيميائية السردية، وجعلت منها إطارا حاضنا لنصوص ذات أبعاد مختلفة اجتماعية وسياسية ودينية.
    وهذاالتوجه الأخير هو الذي نتبناه في تحليل رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ،لكن هذا لا يعفي من الاستفادة من توجهات سيميائية أخرى في التحليل،وسنحاولاستنادا إلى ذلك استثمار مقتضيات وإجراءات السيميائيات الغريماصية، التيتضع في صلب اهتمامها الرئيس دراسة شكل الدلالة في كل الخطابات السرديةبحثا عن المعنى، علما أن مؤسسها يرىأن السردية تحضر في كل الأفعال والخطابات الإنسانية بكامل تمفصلاتها، سواءتعلق الأمر بالرواية أم بالقصة أم بالصورة، وهلم جرا. وبناء على ذلك سيتخذتحليلنا السلمية الإجرائية الآتية:
    1- في عتبات النص
    ينظر إلى الغلاف في النظرية السيميائية، خصوصا مع أعمال فانتاني الأخيرة، بوصفه لوحة (Tableau)ضمن معمار النص، تشتغل باعتبارها صفحة تتميز عن الصفحات المشكلة للنصالمتن بطابعها الدلالي الأيقوني، وبتنظيم العلامات البصرية بكيفية تجعلهاترسخ(Ancrage) المتن النصي بأكمله، وتبرز كيف يأتي المعنى إليه.
    يخضع معمار النص (Architecture de texte) منحيث تحديده، وطريقته في التدليل والاشتغال، إلى الجهاز النظري الذي يرومدراسة النص، أي مختلف المفاهيم الإجرائية التي تحدد المنهج الذي تتبناهالنظرية بوصفها جهازا واصفا، له كفاياته المخصوصة، وطريقته في الاستدلالعموما؛ ويختلف المعمار من هذا المنظور باختلاف الإطار النظري الذي يستندإليه في التحديد، ومن تم فهو، منظورا إليه من وجهة سيميائية سردية، يحددباعتباره تركيبا للنص، أي بوصفه لوحة تنتظم فيها المعطيات البصرية،والمعطيات اللسانية، بشكل يجعل من اندماج النسقين اللفظي والبصري أمراواردا ومهما في بناء النسق الدلالي العام.
    إنالتساؤل حول المعنى، عن طبيعته، وعن شروط إنتاجه في علاقته بالنص، هوتساؤل عن طبيعة التدليل نفسه، أي الكيفية التي يأتي بها المعنى، مادامالنص يشتغل بوصفه تدلالا(Sémiosis)، ويقصد به السيرورة التي يحيل من خلالها المأثول على الموضوع عبر مؤول بحسب الطرح البورسي(نسبة إلى تشارلز سندرس بورس).
    تنتظم الغلاف مجموعة من العلامات البصرية الأيقونية(Iconiques) والتشكيلية(Plastiques)، والعلامات اللسانية(Linguistiques).يقع في أعلى اللوحة اسم كاتب الرواية نجيب محفوظ، وفي وسطها يدانممدودتان؛ في اليد اليمنى منهما مسدس مصوب، وأمام هذه العلامات كلبان بلونأسود، لكنهما يوجدان في خلفية الصورة أو عمقها(Fond)،وفي أسفل الصورة على اليمين امرأة تلبس لباسا شفافا يكشف عن أسارير جسدها،وتضع في فمها أحمر الشفاه، كما أنها تحمل علبة تحيل إلى الهدية، ويوجد فيأسفل الغلاف على اليسار عنوان النص "اللص والكلاب" كتب بلون أبيض، وبخطمنحرف تماما، توجد اليدان في الأعلى، وكأنهما فوق عمارة، بينما ترزحالمرأة بحركتها الملتوية تحت هاتين اليدين.
    هذاكل ما يقوله المؤول المباشر لهذه العلامات البصرية واللسانية، وهذا ما لايرتضيه الذهن السيميائي المحلل، إننا وقفنا فقط عند حدود ما تقوله هذهالعلامات في صورتها التقريرية(Dénotatif)، لكنه لا يسعف في استكناه دلالات الغلاف إلا باستدعاء مؤول دينامي، ننتقل بوساطته من المعاني المباشرة إلى المعاني الإيحائية(Connotatives)، إذ نستدعي تجربة جانبية سابقة في الوجود والاشتغال عن ما هو متحقق نصيا، وهي الكفيلة بتناسل المعنى وطرحه لمتاهات التأويل.
    فلايمكن سبر أغوار دلالات الغلاف المائعة والدفع بمعانيها نحو ساحة التداولإلا باستدعاء هذا المؤول، بحسب المفهوم البورسي للتأويل، هو بمثابة مؤولثان غير مباشر كفيل بالانطلاق في متاهات التأويل إلى حدود الرسوخ عند مؤولنهائي باعتباره نهائيا داخل التدلال.
    يرى رولان بارت(Roland Barthes) في هذا الصدد أن الصورة تقرأ على شكل z،وهي في ذلك تتبع سيرورة العلامات اللسانية، وبارت في ذلك يقصد اللغةالفرنسية التي تتجه في كتابتها من اليسار إلى اليمين، لكن نحن في اللغةالعربية نقرأها إذا بالعكس على شكل s.
    يوجد في الأعلى اسم الكاتب نجيب محفوظ، لماذا كتب بلون غير بارز، ومن دون أي حلية مثل "الدكتور"؟ إن الأمر يتعلق بنمط نموذجي(Prototype)، بتعبير روش(Rosch)، فمحفوظ أكبر من أن يحلى أو يكتب بلون بارز، إذ هو أشهر من تضاف إليه اللغة الكرافية(Graphique)، لذلك كتب بخط غير بارز مادام اسمه سابق لنصه.
    وتمتدفي وسط اللوحة يدان، في اليمنى منهما مسدس مصوب، فلماذا اختفى صاحبالمسدس؟ ولماذا المسدس مصوب نحو الفراغ؟ وما علاقة الكلبين الموجودين خلفالصورة بتصويب المسدس؟
    تلكأسئلة تنقدح انقداحا على الذات السيميائية القارئة للصورة، وتجعل القارئيربط الظاهر بالباطن والكائن بالممكن والمحال، إن غياب صاحب المسدس غيابللتبئير(Focalisation)،وغياب للتحديد أيضا، لأن الأمر مرتبط بشيء مشين ابتداء، فاللص يتخفى عنالأنظار لأنه يعي بما يفعل، وكان بإمكانه استبدال القناع بالتخفي، فغيابهرهين بغياب أهلية العامل الذات/اللص، غياب للتنظيم، وكأن هذا اللص لا يدريهدفه أو موضوع القيمة(Objet de valeur) بالنسبة إليه بوصفه عامل ذات(Sujet)، يطلق رصاصه نحو الفراغ، كما أن الرصاصة لن تصل إلى الكلبين الموجودين أمام المسدس، بقرينة أن المسدس مصوب إلى العدم.
    لماذايحضر الكلب باللون الأسود؟ ولماذا هما اثنان وليس أكثر؟ إن الأسود فيالثقافة المصرية مرتبط بالحداد والخيانة والتشاؤم، وفي ذلك نستحضر أندلالات الألوان تخضع للمعيار الأنتروبولوجي أكثر من غيره، كما وضحت ذلكدراسات سيميائية مهمة، كدراسات كاندنسكي(Kandinsky) وإيتن(Itten) وكوكيلا(Coucula) ومجموعة مو(Groupeµ) البلجيكية.
    إنالكلب، استنادا إلى هذه المعطيات، سينصرف عن مدلولاته الحيوانية المتعلقةبالألفة والوداعة والوفاء، ليفيد الكون القيمي المرتبط بالكلب الإنساني،الذي من سماته المميزة(Traitsdistinctives)، بالتعبير الياكوبسوني(Jakobson)، العربدة والخيانة والمكر والخديعة، فمن يكون هذان الكلبان الإنسانيان إذن؟
    إذاكان اللص الذي يرمي بالمسدس نحو الفراغ هو "سعيد مهران" العامل الذات بلاشك، فالكون القيمي للكلب الإنساني لا ينطبق إلا على شخصيتين اثنتين/عامليناثنين في الرواية، هما "رؤف علوان"، و"عليش سدرة"، لأنهما خانا معا "سعيدمهران" مع زوجه "نبوية"، إنه إذن يصوب نحوهما لقتلهما انتقاما لشرفه،واعتدادا بكرامته، وإكبارا لمروءته؛ فغيابه عن الأنظار مرتبط إذا بعدمتحقيق الرغبة، مما يحيل تلقائيا إلى فشل البرنامج السردي(Programme narratif)، وعدم حصول العامل الذات على موضوع القيمة نهاية: القتل.
    تدلصورة المرأة الموجودة أسفل الغلاف من خلال شكلها الخارجي (شفاه حمراء، قدممشوق، لباس كاشف كلبسة المتفضل...)، وكذلك الشيء الذي تحمله، والزمانالليلي، تدل كل هذه البديهيات المزيفة، حسب بارت، على كون نسائي مخصوصمرتبط ببائعات الهوى، تمثله في النص "نور" خليلة "سعيد مهران"، وهي وإنكانت تمثل الرذيلة، فقد وجد فيها البطل المأساوي سعيد ملاذه. فكيف يتغيرمجتمع تختفي فيه المروءة حتى تغدو فيه المومسات حاضنات، وكريمات، وصانعاتللخير؟
    إن هذه التناقضات التي حبلت بها نتائج ثورة يوليوز1952 فيأم الدنيا، الثورة التي كانت أقوالها أقوى لها وأفعالها أفعى لها، تختزلهاالرواية في البناء الرمزي للنص، سواء من خلال التداعيات أم من خلال علاقاتالعوامل(Actants) فيما بينها.
    فشلصاحب المسدس في درء الخيانة واسترجاع ابنته، ومن ثم أصبح بطلا مأساويابامتياز، لأنه اختار الحل الفردي في ذلك، وأصبح ينظر إلى الناس جميعهمبوصفهم خونة إلا ابنته "سناء"، وهذه سبيل غير مجدية في مجتمع متناقض.
    يرزحفي أسفل الغلاف على يسار اللوحة" اللص والكلاب" عنوان الرواية، والمشةالتي تقدم للقارئ حتى يزدرد النص، هي علامة بصرية تشكل النسق اللساني الذييحد من تعدد دلالات (Polysémie) الصورة، وهذه العلامة اللغوية هي بمثابة ترسيخ(Encrage) للنص بأكمله.
    إنالأمر يتعلق إذا بلص "سعيد مهران"، وكلاب تدل أحيانا على الكون القيميالإنساني فتحيل إلى الكلاب الإنسانية التي تحبل بها الرواية (رؤوف علوان،عليش سدرة، المخبر، بياظة....)، وأحيانا تدل على الكلب الحيواني، فتتعلقبكلاب البوليس التي طاردت سعيد مهران بعد خروجه من السجن، وقتله لشخصينبالخطأ عندما أراد في الأولى قتل "عليش" وفي الثانية قتل "رؤوف".

    2- تقطيع النص الروائي
    يعدتقطيع النص عملية إجرائية مهمة بحسب مقتضيات المنهج السيميائي السردي،فالتقطيع هو السبيل الوحيدة في فهم النص والأخذ بتلابيب تشكل دلالاته، وكلمقطع سردي قادر أن يكون لوحده حكاية مستقلة بذاتها، كما يمكنه أن يدخل ضمنحكاية أوسع؛ يرتبط تقطيع النص، حسب غريماص، بمعايير أهمها: الفضاءاتالنصية، والثيمات المتتالية في تناسل خطاب النص، والمكونات الخطابيةالمختلفة مثل: التزمين، والتفضيء، وبنية الممثلين، وكل ما من شأنه أن يضيءدلالة الخطاب، ويخلق آثار معنى يسهم متضافرا في بناء دلالة النص.
    نشير من خلال المحددات السالفة للمقطع إلى وجود ثلاثة مقاطع رئيسة في النص مناط التحليل، يمكن تقسيمها وفق ما يلي:
    -المقطعالاستهلالي: يرتبط بخروج "سعيد مهران" من السجن عفوا بمناسبة عيد الثورةالرابع إلى رجوعه من البيت ذي الأدوار الثلاثة بـ"عطفة الصيرفي"، حيث كانيريد استرجاع ابنته "سناء" وكتبه والانتقام من غريمه "عليش سدرة" وزوجه"نبوية" اللذين خاناه بعد دخوله إلى السجن. وهو مقطع يتضمن برنامجا سرديافاشلا، حيث لم يسترجع مهران ابنته التي نفرت منه، ونكرته وأوجست منه خيفة؛وقد حاول سعيد تبديد فشله باستعادة كتبه رغم تفاهتها لكي يبين للحاضرينبأنه ليس، كما يحسبونه، لصا؛ إن هذا المقطع الاستهلالي يشكل بدايةلإخفاقات سعيد مهران المتتالية.
    -المقطع الوسطي:تتخللهذا المقطع مجموعة من تداعيات "سعيد مهران" كسرت الترتيب المنطقي للأحداث،كتذكره، وهو في مقام الشيخ "علي الجنيدي"، لطفولته وللطريقة التي مات بهاوالداه، وتذكره للأيام الخوالي مع "نبوية"، وتقديره السابق لـ"رؤوف علوان"الذي كان بمثابة أستاذ له"علي أن أبدأ الحياة يا أستاذ علوان" ص27.
    تعرف"سعيد" من خلال جريدة الزهرة أن "علوان" صحافي بها، لكن بعدما نكره أيضاأصبح يفكر في سرقته ثم قتله، مادام تخلى عن أستاذيته، وكل المبادئ التيكان يؤمن بها، ويشبعها سعيد مهران، فقد أصبح من المستفيدين من ثورة الضباطالأحرار" قمة النجاح أن يقتلا معا، نبوية وعليش. وما فوق ذلك يصفى الحسابمع رؤوف علوان، ثم الهرب، الهرب إلى الخارج إن أمكن" ص59.
    وبعدذلك أصبح سعيد مهران متسللا في بيت "نور" المومس التي حضتنه، وأخفته، لايخرج إلا ليلا لابسا بذلة بوليسية، كانت قد أخاطتها له بنفسها قناعا،وأصبح رهين مطاردة البوليس وكلابهم، بعدما فشل في قتل عليش سدرة وعلوان،ففي المرة الأولى أصاب "شعبان" (بالمسدس الذي اقتناه من "المهرب" بمقهىطرزان) الذي سكن بيت عليش بعدما غادره خوفا من اقتفاء سعيد مهران له، وفيالمرة الثانية قتل حارسين لرؤوف.
    -المقطعالنهائي: يرتبط باختفاء سعيد مهران في بيت "نور"، فبعد أن خرج يوما إلىمقهى "المعلم طرزان"، رجع لتوه ولم يجد نورا، جاءت صاحبة البيت تطلب تسديدالإيجار، فاضطر سعيد إلى مغادرة البيت في منتصف الليل خائفا يترقب، قاصداالشيخ "علي الجنيدي"، ليتبين له أنه نسي البذلة في بيت نور، فكر راجعاإليها، وإذا به يجد صاحب البيت، ثم رجع هاربا إلى مقام "الشيخ عليالجنيدي، لا يعقب ولا يلوي على شيء، كانت الليلة ليلة ذكر، وفجرا سمع بخبرحصار الحي، ليخرج هاربا نحو المقابر، فتمت مطاردته، حاول المقاومة، لكنهانتهى إلى الاستسلام.

    3- المسار التوليدي للنص
    إنضبط المسار التوليدي لكل نص بغية البحث في تشييد دلالاته، والكيفية التييأتي بها المعنى إلى النص استنادا إلى البناء النظري السيميائي الغريماصييخضع ضرورة لتتبع المسار التوليدي السيميائياتالسردية، بدءا بالبنية الخطابية التي تعد، كما يراها غريماص وأتباعه منالمدرسة الفرنسية، بنية متجلية متمظهرة، وهي بذلك البنية الأخيرة في سلميةالمسار التوليدي عينه. ثم ننتقل إلى تحليل الرواية استنادا إلى البنيةالبينية بين المحايثة والتجلي، يتعلق الأمر بالبنية العاملية، وهي أساساتحليل للحالات والتحولات في المسار السردي عموما؛ وأخيرا البنية الموغلةفي التجريد المرتبطة ابتداء بالمربع السيميائي الذي يعد بنية منطقية أوليةللدلالة.
    إنهذه السلمية المنتقاة في التحليل إجرائية، تفرضها طبيعة النص، فنحن لاننتقل إلى ما هو موغل في التجريد إلا قبل المرور أولا عبر ما هو متجلمتمظهر مؤنسن(Anthropomorphe)، وثانيا إلى ما هو بين التمظهر من جهة، والتجريد من جهة ثانية وفق المسار الآتي:
    3-1- البنية الخطابية
    تقومالبنية الخطابية على مكونين اثنين: المكون التركيبي والمكون الدلالي، إذتعد هذه البنية بالأساس تجل للبنية السيميائية السردية وتحويلها إلى بنيةخطابية بوساطة عملية التخطيب (Discursivation)؛إن الخطاب نتيجة تحويل للأشكال المجردة. وتستند عملية التخطيب، فيالانتقال من المجرد إلى المحسوس، إلى ثلاثة مستويات: مستوى صوغ الممثلين،ومستوى التفضيء، ومستوى التزمين.
    3-1-1- بنية الممثلين
    إذا كان العامل يتميز ببنيته التركيبية، فإن الممثل يتميز ببنيته الدلالية بالأساس، بوصفه وحدةمعجميةمنتمية إلى الخطاب، وهو قادر أن يقوم بدور أومجموعة أدوار من خلال موقعه.إن الممثل على المستوى الخطابي هو بؤرة التحليل، لأن في برنامجه الخطابي2 (الذييزين البرنامج السردي) يؤثر في انتقاء الأفضية (السجن، والبيت ذو الأدوارالثلاث، وعطفة الصيرفي، ومقهى المعلم طرزان، وقصر رؤوف علوان، ومقام الشيخعلي الجنيدي، وبيت نور، والمستشفى، والقرافة...) والأزمنة (فترة الطفولة،والشباب، وثورة الضباط الأحرار في يوليوز1952وما بعدها، وأربع سنوات في السجن، والخروج من السجن...). وعموما يقومالممثلون، (سعيد مهران، ونبوية، وعليش، ورؤوف علوان، ونور، وسناء، والكتب،وعلي الجنيدي، والمخبر، وطرزان، والمهرب، والكلاب، والبوليس، والبذلة،والمسدس...) بدورين هامين على المستوى الخطابي:
    - دور ثيماتي (Thématique)
    - دور تصويري (Figuratif)
    وللتمييز يرى جوزيف كورتيس (J.Courtés)3أن البعد التصويري يعود إلى الحواس، أي إلى كل ما يدرك مباشرة من خلالالمدركات الخمس، وهو بذلك قابل للمعاينة في العالم الخارجي؛ ويتحدد البعدالثيمي بوصفه كونا مجردا، أي: بصفته مضمونا لا رابط بينه والعالم الخارجي،وبعبارة أخرى لا وجود للشيء إلا من خلال النسخ المتولدة عنه. وينظر إلىالبعد الثيمي بوصفه وجودا معايشا لقيم تولد ثيمات، لتتحول هذه الثيمات إلىسلوك، أي إلى معطى تصويري.
    أ- الدور التصويري: يقوم التصويري على سلمية محددة في التحليل:
    مسار سيمي صور مسارات تصويرية تشكلات خطابية
    - الصورة (Figure) : تعد الصورة وحدة قارة تعرف من قبل نواتها الدائمة، والتي من خلالها تحقق الإمكانات بطرق مختلفة بصدد السياقات عبر مسارات سيمية (Parcours sémique). والصورة هي المعنى الذي يقدمه المدخل المعجمي(4.نجد بين أيدينا في النص صورا متعددة يمكن أن نجملها في كل العناصر التيلعبت أدوارا عاملية مخصوصة (سنشير إليها لاحقا)، ويمكن النظر إلى الصورةمن خلال الذخيرة المتعلقة بحدود الإمكان، أي بمختلف الدلالات الممكنة لأيصورة قبل استعمالها، ثم من حيث الاستعمال، الذي يتعلق بتحقق هذه العوالم،أو بجزء منها؛ وعند تداخل هذه الكلمات، وارتباطها بعلاقات داخل تتابعالجمل، أمكننا دمجها في حقول:
    –الحقل المعجمي: هو المجموع المكون من خلال الكلمات (اللكسيمات)، تصنفهالغة معينة من أجل تعيين التمظهرات المختلفة لفكرة أو موضوع أو تقنية ما:يمكن للحقل أن يتطابق مع اختبار التمظهر المحتمل للصور؛ إن الحقل المهيمنهنا هو الانتقام والمطاردة.
    -الحقل الدلالي: وهو مجموع استعمال كلمة في نص معطى، يقدم لهذه الكلمةحمولة دلالية: يمكن للحقل الدلالي أن يتعلق باختبار المسارات السيميةلصورة أو لتمظهر محقق لصورة، مثل الانتقام الذي قد يفيد في حدود الإمكانكل المعاني الواردة الدالة عليه، وعلى المطاردة سواء كانت حقيقية أممتخيلة، وذلك ما تبرره الصورة (الكلاب) إذ تفيد حينا الكلاب الحيوانيةالبوليسية، وتفيد حينا آخر الكلاب الإنسانية وغير ذلك.
    نلاحظإذا أن اختبار الصور في ذاتها ولذاتها يظل قاصرا في التحليل السيميائي،لأن أي نص لا يتضمن صورا منعزلة، بل يشمل تعالقا بينها، يسمح بالانتقال منالمعجم إلى التركيب، أي من الصور بوصفها وحدات معجمية إلى المساراتالتصويرية (Parcours figuratifs) باعتبارها علاقات تركيبية جامعة بين هذه الصور، ومن تم الانتقال من البسيط إلى المركب من خلال البعد التحليلي للمستوى التصويري.
    - المسار التصويري:إن ترابط هذه الصور فيما بينها بشكل منسجم، وديناميتها بصفة متناظرة5 يولد مسارات تصويرية متجلية في المقاطعالسردية التي أشرنا إليها سالفا. إننا هنا أمام برنامج منتظم ومنسجم، ممايخول لنا القول إن المسارات التصويرية تلبس وتزين البرامج السردية علىالمستوى السطحي، وتبين كيف تتجلى البرامج السردية على مستوى الخطاب6.
    رأيناسالفا أن المسارات السيمية تولد الصور، والصور في تعالقها المتناظر تولدمسارات تصويرية، ومنه توجد عناصر ربط واضحة داخل النص بين هذه المسارات،تبدأ بخروج سعيد مهران من السجن وتتوسط بالجرائم والمطاردة وتنتهيبالاستسلام.
    - التشكلات الخطابية: نجد بين هذه المسارات الواردة في النص نقط التقاء مشتركة، يمكن أن نجمعها في تشكلات خطابية، حيث تظهر التشكلات الخطابية(Configurations discursives) بوصفها مجموع دلالات محتملة قابلة لأن تكون محققة عبر مسارات تصويرية متمثلة في الانتقام والمطاردة والاستسلام. نجمل إذا ما قلناه عن البعد التصويري في ما يلي:

    مستوى خطابي
    مستوى لكسيمي
    جهة الإمكان
    تشكلات خطابية واردة من قبل قاموس الخطاب
    صور لكسيمية واردة من قبل قاموس جملي
    جهة التحقق
    مسارات تصورية محققة في الخطاب
    مسارات سيمية محققة في جمل
    يمكنمن خلال الجدول تقسيم البعد التصويري إلى مستويين اثنين: مستوى لكسيمييقوم على الوحدات المعجمية التي تتكفل بها الحقول الدلالية والحقولالمعجمية، نميز فيها بين جهة للإمكان، أي ما يمكن أن يتحقق، وجهة للتحقق،أي ما ندركه متحققا فعلا عبر المسارات السيمية، والصور والمساراتالتصويرية؛ ثم مستوى خطابي يتعلق بجماع المسارات التصويرية الناظمةللتشكلات الخطابية، من خلال الإمكان أولا، ثم من خلال التحقق ثانيا.
    ب- الدور الثيماتي
    يقومتحليل جماع ما هو محقق نصيا من خلال المسارات التصويرية إلى أنواع منالأدوار الخطابية يمكن تسميتها بالأدوار الثيماتية، فإذا كنا نرى أنالأدوار العاملية التي يقوم بها عامل في المستوى السردي السطحي، تختزل إلىدور عاملي محدد، فإن المسارات التصويرية التي يتفاعل معها الممثل يمكن أنتختزل وتستثمر دلاليا في أدوار ثيماتية. والثيمات الثلاث المهيمنة، كماأشير إلى ذلك، هي الانتقام والمطاردة والاستسلام المرتبطة بالخيانة،والنكران، والحرية المسترجعة، وتطبيق القانون الزجري.
    نلاحظأنه إلى حد الآن نتحدث عن مسارات غير محددة بتخوم، مما يفرض علينا إجرائياالحديث عن التفضية والتزمين المرتبطين إلى جانب الممثل بالتركيب الخطابي.
    3-1-2

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 11:44 am