منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة (دراسة سميائية)

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة (دراسة سميائية) Empty الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة (دراسة سميائية)

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 08, 2010 12:33 pm

    ناشر الموضوع : naseem


    الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة (دراسة سميائية) - محمد يوب


    كثيرا ما يخلط القارئ بين الشخص والشخصية في الكتاباتالقصصية، فيجزم ويحكم على القاص ويعتبره هو البطل في القصة،وذلك من خلالالأدوار التي يقدمها البطل عبر مراحل القصة المختلفة.ونحن كباحثين نريدالوقوف على هذه النقطة المفصلية للتمييز بين الشخص الكاتب و الشخصيةالبطل،لإزالة اللثام عن الغموض الذي يحوم حول هذه الإشكالية.

    و أهم الدراسات التي أزالت الغموضواللبس عن هذين المصطلحين هي الدراسات السميائية التي ميزت بين الشخصالذات المكون من لحم ودم، والشخصية الفاعل التي تتشكل حسب موقعها فيالمقطع القصصي حسب الزمن و المكان،بمعنى التمييز بين الشخص كذات ثابتةعاملة،لها نظرة فوقية ، تحرك الشخصية كفاعل ورقي عبر سطور و مجريات القصة.
    الدلالة المعجمية:
    في لسان العرب ورد لفظ الشخص بأنه كلجسم له ارتفاع وظهور،و الشخيص، العظيم، ورجل شخيص إذا كان سيدا،بمعنى أنالشخص له علاقة بالهيئة والصفة التي يشكلها في الفضاء الذي يعيش فيه .
    وفي اللغة الفرنسية نجد بأن كلمة شخصpersone وشخصيةpersonalite كلمتان مشتقتان من الكلمة اللاتينيةpersonaالتي تدل على القناع الذي كان يضعه الممثل على وجهه من أجل تأديةالدور المنوط إليه.
    وبهذا المعنى نستنتج بأن الشخص والشخصية يحملان معنى الإظهاروالإخفاء ،فالكاتب وهو يلتقطالظواهرالاجتماعية بشكل أدبي،ينقل منها ما يريد ويخفي ما لا يريد ، ويتركللقارئ السلطة لكشف الجوانب الخفية التي قررإخفاءها.
    وهذه السلطة و القدرة على كشفالمستور،يمتلكها القارئ/الناقد الذي يتسلح بأدوات وميكانزمات لفض ستارهذاالمخفي،الذي يبقى راسخا في لاشعور الشخص،وبهذا يكون الكاتب قد خرج من حالةالكاتب الشخص ليأخذ صفة الكاتب الشخصية.
    فالشخص بهذا المعنى هو الذات التي يمكنأن ننسب إليها مسؤولية أفعالها،بمعنى أن الشخصية تبدأعندما يعي القاص شخصهليس كذات محسوسة،ولكن كذات مجردة تجريدا خالصا،أي أن القاص عندما يكتبيعبر عن جوانب باطنية لاشعورية ينقلها إلى القارئ، وهذه الجوانب الباطنيةفي الشخص القاص هي التي تحدد شخصيته في الكتابة،وهذا ما سنعرفه من خلالالنماذج التطبيقية التي تحدد لنا شخصية كل قاص على حدة.
    فالشخص بهذا المعنى ليس هو كل ما يظهرعند القاص من تلوينات على مستوى شكل الكتابة أو ذاك القناع الذي يخرج بهللقارئ،وإنما هو ما يعكسه من إحساسات داخلية التي تقابل المظاهر الخارجيةوتعكسها في صورة تليق بالداخل، وهذه الصفات الداخلية الباطنية هي التيتضفي صفة الوحدةعلى الموقف والمبدأ على أفعالنا الخارجية،ولهذا فإنالخاصية الأساسية للشخص و التي تنتقل إلى الشخصية هي الهوية،أي ما يبدوواحدا لا متعددا وراء الكتابة بالرغم من تعدد مواضيع الكتابة القصصية.
    و الشخص عند السميائيين كائن حيواقعيله إحالة ودلالة في الواقع،أما الشخصية فهي ما يحمله الشخص من تخيل وتصورعن طبيعة الشخصية التي ينيط بها دورا من الأدوار في القصة.
    وهنا تطرح علينا مسألة الأدوار التييكلف بها الشخص شخصيات القصة، فالقاص ينطلق من مبدأ أساسي هو اعتبارالشخصية أو الفاعل بمثابة الممثل الذي يقوم بالدورفي فضاء ونسيج القصةاللغوي و التركيبي و الدلالي. و الشخصية (الفاعل) عند القاص تكون عبارة عنعلامات يسند إليها مجموعة من الدلالات، لأن الشخصية هي (العلامة اللغويةحيث ينظر إليها كمورفيم فارغ في الأصل سيمتلئ تدريجيا بالدلالة كلماتقدمنا في قراءة النص).
    والشخصية (الفاعل) يقوم بدور وظيفيداخل القصة يختلف باختلاف الوظائف أو الأدوارالتي تقوم بها باقيالشخصيات.ونقصد بذلك أن وظيفة الشخصية تكون من حيث المنطق عبارة عن ملفوظنحوي ولغوي،لكنه يتمفصل و يأخذ دلالة مرجعية في الواقع من خلال الشخصالعامل.وبهذا ينظر إلى الشخصية من منظور بنيوي يتحرك في إطار منظومة عامةو شاملة،وأي خلل في هذه المنظومة يتسبب في انهيار بناء القصة ككل.ولهذاينبغي التعامل مع الشخصية من عدة زوايا اجتماعية،ثقافية،نفسية.والتعامل معالشخصية في ضوء هذا التصور يدفعنا إلى الاهتمام بالأدوار(الوظائف) التيتقوم بها،وهذه الوظائف ليس بالضرورةهي نفس الوظائف التي يؤمن بهاالشخص،ولهذا السبب تكون الشخصية قابلة للتطويع حسب مجريات القصةلأنهاشخصية من ورق تتمطط وتتلون حسب الأدوار،فأحيانا تجد الشخصية تؤمن ببعضالأفكاروالأيديولوجيات،لكن هذا الإيمان وهذا الاعتقاد،ليس بالضرورة هو مايؤمن به القاص(الشخص).
    و الشخص (العامل)يحرك الشخصية(الفاعل)في إطار بنية عاملية قائمةعلى مستويين،مستوى عامل الفعل وعاملالحالة،وكلا المستويين متلازمين،فالعامل الفعلي عندما يتحرك في سياقاتلغوية تركيبية تتجه في خط عمودي ليلامس عامل الحالة التي تعكس الحالةالنفسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي تؤثر سلبا و إيجابا فيالشخصية(الفاعل).ولهذا نجد الأفعال تتحرك بشكل متوازمع الحالات النفسيةلتخلق هذه البنية الخطابية في فضاء زمكاني يشعر القارئ بجدية وواقعيةالعمل القصصي،حيث تساهم في خلق رؤية للواقع قد تتلاءم أو تتضارب مع رؤيةالقاص،المهم هو هذا التحفيز الايجابي لخلق الرؤية و المساهمة في طرحالبدائل الممكنة.
    و الشخصية الفاعل تقوم بدورالممثلacteur فتلبس أقنعة مختلفة باختلاف الأدوار،فمرة تعبر عما في داخلهامباشرة بأسلوب يتصف بالتقريرية،ومرة تنزاح عنده اللغة وتنزاح معها الأدوارفيصبح ممثلا بأسلوب آخر،أو ممثلا تحت الطلب يعبر بلسان الآخرين،و الذييسند له هذه الأدوارهو الشخص(العامل).
    وبعد التمييز بين الشخص (العامل)و الشخصية (الفاعل)لابد من الوقوف على أنواع الأدوار التي تقوم بها الشخصية.
    تقوم الشخصية بدور عاملي وهو الدورالذي تقوم به الشخصية التي تنهض على تقمص دور الشخص نفسه،وذلك عندما تتحركالشخصية متقمصة الأحداث بضمير المتكلم وبشكل يكشف فيه القاص عنهويته،ويظهر هذا في السير الذاتية و إلى حد بعيد في التخيل الذاتي،ففيالسيرة الذاتية حينما يلتقط القاص فترات من حياته ويعبرعنها في قالب أدبي،يسترجع فيه جل ذكرياته وينقلها إلى القارئ ليشارك معه هذه الهموم. وهذهالأحداث كانت في الماضي و اقتصرت أفعالها على الماضي الذي انتهى لحظة دخولزمن الكتابة،وبهذا يكون زمن الماضي هو زمن الشخص ويكون زمن الكتابة هو زمنالشخصية،تحركه بالطريقة التي تريد بل أحيانا تحاول نقل هذا الواقع وتجعلهيسير في عكس الاتجاه الذي كان عليه ونقله في اتجاه آخر كما تأمله الشخصية،وهو ما يسميه النقاد بالتخييل الذاتي الذي يزبح اللثام عن مجموع التخيلاتالذاتية التي تمنى الشخص تحقيقها في الواقع لكن اعترضته مجموعة من العوائقأو العوامل المعاكسة.
    فعبد السلام االمودني في قلق الصفحة 25من مجموعته (بقايا) يريد الانطلاق عاليا محاولا الدخول في زمنالمستقبل،لكن مجموعة من الموانع تمنعه من التحليق في فضاء المتخيل الفرديالمستقبلي(أعترف ألا شئ يطاردني هنا حيث الهدوء المطلق في المكان شبهالخالي إلا من حركات نادل تقدم به العمر،وهمسات محمومة لبعض العاشقينالفارين مثلي تماما إلى زوايا معتمة يبسطون مشاعرهم خلسة عن أعينالرقباءبيد أن وجود هذا الكائن القلق قبالتي جعل كل أجوائي صاخبة)
    كما أن القاصة فاطمة بوزيان تعبرعنماض مرير فيه معاناة مع فراق الأب المهاجر متمنية معانقته والعيش معهوتقديمه لقريناتها في المدرسة (أبي و الصيف توأمان معا يذهبان معايأتيان…استوضحته مرة لماذا لا يزورنا شتاء؟ارتسم على شفتيه شبح ابتسامةمبهمة كشعر سوريالي وتدثربالصمت،ابي عد شتاء كي ترافقني إلى المدرسة…ضحكأبي من قلقي الصغير…جعل كفي حشو كفه وقال:أخاف ألا يذوب ثلج مفاصلي…لمأقتنع وحين ابتلت أهدابه و أنا عصفورة في أغصانه صدقته فنسيت سؤالي ونسيتجابه)
    من خلال هذين النموذجين يتبين لناالدور العاملي الذي تقوم به الشخصية عندما تسائل النفس،ويصطدم السؤال معالعامل المعاكس لأنه لايجد الفضاء متاحا للبوح عما تحس به الشخصية،فتنتقلهذه الحركة من التحقق على مستوى الواقع،إلى محاولة تحقيقها على مستوىالتخييل الذاتي،فتخرج وكأنها رغبات حبيسة اللاشعور تتمنى تحقيقها لاحقا فيواقع غيرهذا الواقع الملئ بالمنغصات و المتبطات.
    في كثير من الأحيان يتدخل القاص العاملفي تحريك الشخصية في إطار منظومة من الأحداث المختلفة شكلا و المتقاربةمضمونا،و الشخصية تتغير بتغير هذه الأحداث لتقوم بتأدية وظائف و أدوارتسير وفق النموذج الذي سطره لها القاص،فتظهر الشخصية بمظاهروأقنعةمختلفة،وتتقمص الأدوار بشكل احترافي وكأنها على خشبة المسرح،إنها فيالحقيقة تنظر إلى الحياة وكأنها مسرح كبيريؤدي فيه الأشخاص أدوارهم كل حسبموقعه في هذه الحياة.
    ففي بيت النعاس لإدريس الخوري تتقمصالشخصيات المؤثثة لفضاء المجموعة القصصية أدوار مختلفة،بل أحيانا يوظفشخصيات بأسماء أجنبية ليحيل القاص إلى شخصيات بعيدة عن الواقع،لكنها فيالحقيقة تعالج واقعا مغربيا،فتشعروكأن القاص إدريس الخوري يعيش في زمانغيرزمن القصة،ومكان غير مكان الأحداث،لكن الألفاظ الدارجة التي تتخللالسياقات اللغوية تثبت بأن القصة مغربية(حك أريناس قنة رأسه وهويخمم:هل هوفخ بصيغة إغراء؟….وفي هذه اللحظة الحرجة من التأمل و التفكير لم يجدأريناس بدا من أن يصب لنفسه كأس نبيذ أبيض،حتى يعود إليه مجاجه الهارب)
    غير أن الدور الوظيفي للشخصية يبقىمرهونا بذاكرة القاص وبمرجعيته،وبرؤيته إلى العالم،هذا العالم الكبير الذييحتوي الكائن البشري ويربكه،مما يدفعه إلى التساؤل عن جذوى الكتابة والتأليف(مافتئ الكاتب الكبير يكبر،يتوغل في الزمن،مافتئ يكتب نفسه ويكتبالآخرين،وبين الاستغراق في الزمن الصعب،حيث إنه مجرد مكترلاغير،وبينالكتابة كملاذ أخير،حبل مشدود يقفز فوقه الكاتب متسائلا،لمن أنتمي؟لزمنيأم لزمن الكتابة؟ الله كبير وهو يمسد لحيته الفيتنامية) بيت النعاس ص63إدريس الخوري.
    وهكذا يقسم القاص الوظائف والأدوارعلىشخصياته الذكورية و النسوية كل حسب موقعه في المجتمع( كان شابا وسيما،لمترسم الأيام على تقاطيع وجهه الجميلة أثرا للسنين،سلم ثم وقف ينتظر كتلميذعليه أن يستظهردرسا لم يحفظه جيدا،لحظته تكسل ثم طلبت منه الجلوسجنبها،تردد قبل أن يفعل،انفتح باب البراكة من جديد لتدخل ربة العمل،قالتوهي تغطس البيرة في سطح الثلج: بيضائي كوني أعهر مما عهدتك هذهالليلة،وخذي ضيفنا المأخذ الذي يجب،لا تقولي لا لأي طلب) هي والخطيئة منمجموعة “هي وأشياء أخرى” للقاص عبد السلام عبلة.
    هنا تظهربشكل جلي الوظيفة البارزة التييسنها غالبا القاص المغربي لشخصية المرأة وهي الدعارة و العهر،حيث يقتصردور المرأة في إشعال الشموع في الليالي الحمراء،وإضفاء البهجة والسرورفينفسية الرجل،وهذه اللقطة الساخنة تعود إلى تأثير الموروث الثقافي العربيالقديم.
    و الملاحظ في القصة المغربية المعاصرةأن القاص يحرك الشخصيات في إطار علائقي تكاملي تجمع بينهم اللغة في حالةدياكرونية،تتحرك في شكل وظيفي من اللفظة في شكلها المعجمي لتتشكل علائقيامتجهة صوب التركيب،لتتخذ الشخصيات موقعا نحويا فاعلا مؤثرا في بنيةوبناءالجملةالقصصية،متوجهة في نفس الآن إلى التعبير ليتموقع في سياق دلاليله مرجعية وحمولة فكرية،تحيل القارئ إلى الواقع بكل تجلياته،حيث يصبحالقارئ بدوره عنصرا فاعلا في ترتيب آثاث القصة.
    فعندما نقرأ قصة”رؤوس في المختبر”للقاصة مالكة عسال فإن لفظ الرأس لم يعد له ذاك المعنى المعجمي السكوني بلتحول في فضاء القصة ليتخذ مجموعة من الحمولات الفكرية (تسند رأسها الملغومبالتّعب على المتكأ….. ماأصعب الرأس حين يتمفصل عن الجسد….. حاملا رأسه فييده…. رأس الدرب…. ليوجعوا رؤوس أوليائهم….. رأس الحانوت…. رأس الخيط…..الرؤوس هي سبب البلوة…..).
    وأحيانا تختلط الأجناس لينتقل القاص منحالة القاص إلى حالة الشاعر،عندما تتلفظ الشخصيات بملفوظ يمزج بين العمقالفكري للقصة وجمالية وشعرية الشعر(أين كنت ذاهبة و الليل يمتص بقيةالنهار،كنت في طريقك…إلى عاشق فتنه كل شئ فيك،تورد خديك،وسواد الليل فيعينيك،وحمرة الشفق المتراقص على شفتيك،وروعة قدك وتبرعم صدرك،الحق إنكجميلة)أفعى في الصدر لعلي أفيلال
    و القاص هنا يفكك بنية اللغة لإعادةبنائها في إطار جدلي هيجلي،ليس الغرض منه التفكيك من أجل التفكيك بل الغرضمن ذلك إعادة البناء و إشراك القارئ في هذا الهدم/بناء لتخرج القصة في حلةجميلة صادمة بنهايتها المدهشة(أتدرين من هذه المرأة التي كسرت القيد وفكتالحلقة التي كانت تشدك إلى أيامي؟انها زينب صديقتك الودود،المرأة التيكانت زوجة لمن علمك كيف ترقصين أمامه عارية)أفعى في الصدر لعلي أفيلال
    وتمزج القصة المغربية أحيانا بين السردالقصصي والسرد الحكائي السيرذاتي الذي تختلط فيه الأجناس بين القصةوالخاطرة كما نجد في بطاقات حياتي /مدرسي لصفية أكطاي فنراها ترقى عاليابالقصة القصيرة لتحن مرة أخرى إلى فصول الدراسة،وتشرع في التعبير عنمجموعة من الخواطر النابعة من تجربتها الطويلة في مجال التدريس.و القسمالأخير من هذه المجموعة القصصية ينحى هذا المنحى التربوي،فتشعر بتماهيالشخص مع الشخصية بأسلوب تقريري مباشر اعتمدت فيه أحيانا على الصورة وكذلكاعتمدت على رسائل التنويه و التقديرات التي شرفتها بها الأكاديمية والثانويات .
    و المتمعن في الشخصيات في القصةالمغربية المعاصرة يلاحظ بأنها شخصيات بسيطة تقوم بأداء أدوارها بكل عفويةوتلقائية،غير أنها ذات حمولة فكرية ونفسية و أيديولوجية،(دخل الحمام بقفتهالفوطة الملابس الداخلية صابونة مشطا محكا وشامبوان)قصة بدون عن( حب علىطريقة الكبار) لعز الدين الماعزي.
    وفي مشهد كوميدي يعكس الماعزي حالة منحالات المنتخبين الذين يمثلون الشعب ويعبرون عنهم في البرلمان(نجح فيالانتخابات،طاف ذات اليمين…لبس فيستات وسراويل.بان في التلفزيون علقت صورهفي الدواوير ….لم يعد يظهر في المقاهي و الحفلات،رأسه يطل من زجاج سيارتهالسوداء..الرباط في اليد الرباط في الجيب…)
    وبهذا تكون هذه الشخصيات هي لسان حالعامة الشعب فبعدما كانت الرواية ملحمة البورجوازية أصبحت القصة سانفونيةالطبقة المتوسطة،التي حملت لواء الثقافة في المغرب وعبرت عن متغيراتالمجتمع في شكل ومضات وشذرات لاقطة،تتجول بين ردهات المجتمع ناقلة إياهبشكل أدبي هارموني،يتناغم أحيانا ويتصادم أحايين كثيرة،و الغاية من ذلكخلق تصورعن مجتمع تأمله هذه الفئة من المجتمع التي تحررت فكريا وأيديولوجيا ونفسيا،وحاولت التعبير عن مجموعة من الطموحات التي تأملتحقيقها في الواقع،و إزالة قيود عتيقة حاولت مرارا كسرها،لكن أعداءالثقافة و حرية الفكر كانوا دائما حجر عثرة أمام هذا التحرر الفكري.
    ومن هنا يبدو هذا التحررالفكري والنفسيللشخصية في القصة المغربية المعاصرة ذا دلالة هامة،حيث استطاع القاصالمغربي المعاصر التقاط هذا التلوين والتنويع في نفسيات الشخصيات(هناك فيأعماق المحيط حلقت نورسة جائعة…عبثا ترقبت ظهور سمكة…قوة الرياح أنهكتهافهدها التعب فجأة لاح لها من بعيد مركب صيد صغير يتقاذفه الموج،تمنت لوتستطيع أن ترسو عليه هنيهة لتستجمع أنفاسها وتحلق من جديد …لمحها الصيادوقد أنهكه تقلب الموج …تمنى لحظتها لو كان له جناحاها لغادر المحيط فيلحظات) (مظلة في قبر) لمصطفى لغتيري.
    نلاحظ هذا التقلب في نفسية كل منالنورس المنهك من كثرةالتحليق، ونفسية الصياد العالق في عرض البحر،حيث إنالنفسيتين تتجاذبهما الرغبة والأمل في الحياة والاستمرارفي العيش،ويبدوهنا القاص مصطفى لغتيري وقد التقط هذه الصورة الدرامية المعبرة لكائنينحيين هما:الصياد وهو يغرق و النورس وهو منهك القوى،ويظهر أن أقرب الكائنينإلى النجاة هو النورس لأن حجم المعاناة ضئيل مقارنة مع حجم معاناة الصياد.
    وعندما طور جريماس البنيوية بإخراجهامن مجالها اللغوي السانكروني إلى مجالات سميائية أوسع حيث اشتغل علىالايحاءات و الدلالات والمرجعيات والصورة والمجسم،وزاد في تعميق البحثالسميائي بأن اشتغل على الأهواء،التي كانت إلى زمن قريب من المجالات التييصعب الخوض فيها لما لها من خصوصيات دقيقة،بعيدة كل البعد عنالملموس،بمعنى أنها تنهض على كل ماهو مجرد،فالسميائيات الاستهوائية بهذاالمعنى تلتقط اللحظات السعيدة والحزينة التي تعرفها الشخصيات أثناءالتعبير لغة أو إيحاءأو صورة…عن هذه اللحظات،وما على الناقد إلا الاشتغالعلى هذا الجانب الخفي و المنزوي في الشخصية،ومحاولة إظهاره إلى القارئ.
    والشخصية الاستهوائية تظهر بشكل جليعندما يشتغل عليها القاص في السيرةالذاتية،وفي التخييل الذاتي بشكلخاص،حيث ينقل العلاقات الحميمية التي تربط الشخصيات الفاعلة من خلالالرسائل التي تنتقل من الشخصية المرسلة إلى الشخصية المستقبلة،وما تحدثههذه الرسائل من تقلبات نفسية لحظية،فأحيانا تكون هذه الرسائل مبعث حب وشوقوأحيانا تكون مبعث حزن وألم،فالشخصية في قصة القطط تلد في أي مكان منمجموعة (رعشات من معطف الليل) للقاصة مليكة صراري حيث إن الشخصية الرئيسيةاستهوت أن تكون كالقطط في عملية الإنجاب بعدما يئست من جميع الوسائل والمحاولات للحمل و الولادة،رغبة في الامتداد في الحياة عبر الأبناء،وتمنتأن تتخلص من الرحم الذي بات يجلب لها الازعاج(ما العائق في أن يتخلصالانسان من أعضاء تجلب له الازعاج؟)(أيدري الانسان معنى أن يفقد قدرته علىالامتداد،بعدغد سوف يطويني النسيان،القطة محظوظة إذن فبعد غد سيذكرهاأبناؤها الموزعون على القمامات)
    وأحيانا يحفر القاص المغربي المعاصرفيعمق التاريخ،ليتذكر قسما من هذا الماضي الجريح الذي يعكس رائحة الحزنوالألم،ينقله ليس من أجل الاستهواء الحميمي الجميل ولكن من أجل الاستهواءالحزين(وجاء زمن الجوع،ينهشبأنيابه الحمراء كل حي،فقد أهل الدوار ماتبقىمن مواشيهم وآدميتهم،يحفر الرجال و النساء جذور يرني ويضعونها وقتا تحتالشمس اللاهبة حتى إذا يبست هرسوها هرسا جيدا وصنعوا منها خبزا يخمد الجوعالقاتل) عن قصة الجوع من (فنطازيا) لعبد المجيد جحفة.
    نلاحظ كيف استرجع القاص ذكريات حزينةمن الزمن الماضي؟ وكيف تتبع صورها؟ وكيف اختار الألفاظ المناسبة لهذاالتشظي النفسي و الانكسار المشاعري؟ الذي انعكس على اللغة حيث إن القاص قداستخدم لغة مكسرة من حضيض الواقع،والتقط بها الصورة الحية لنفسية هذهالشخصيات.
    ويبلغ التشظي منتهاه في (ذكريات منمنفى سحيق) للقاص صخر المهيف حيث يصدمنا هذا التشظي من عتبة العنوان،الذيينطوي على حمولة ودلالة ذهنية غارقة في الانكسار وحالة من الحزن والألم،ويزداد هذا الانكسار عمقا في الكشف عن أهواء الشخصيات،من خلال سميأةالغلاف الذي يعكس حالة من التشرذم و التفكك على مستوى صورة الإبريق والقوسالمتماهي في الضبابية و التعتيم،صورة حية من صميم هذه المجموعة القصصيةالتي عبر فيها عن الشخصيات ومعاناتهم أثناء التذكر وكأن هذه المعاناة لعنةمن السماء(موج البحر عات،لعتوه رهبة في نفسي،الأشياء المتعبة تبدأ صغيرةوتتكاثر كالفيروسات،اللحظة النتنة تطفو فجأة كلعنة من لعنات السماء…)
    هي لحظات تعيسة في اختيارالألفاظودلالات هده الألفاظ،لحظات من زمن القهروالتعذيب الجسدي و الفكري(تنهدبعمق وقال:لقد اختفى قبل عشر سنوات،اختطف من الحي الجامعي ولم يظهر له أثرمنذ ذلك الحين)ذكريات من منفى سحيق لصخر المهيف.
    و المتتبع لهذه القصص التي ترصد الواقعالأليم في زمن القهروالظلم،يلاحظ أن الشخصية فيها تتحرك وتتكلم بضميرالغائب،لكي لاتظهر حقيقة في الصورة(صعد درج العمارة…سمع صوتا عميقا….تناهىإليه في جلبة..كان الصوت دفينا)ذكريات من منفى سحيق لصخر المهيف.
    و الشخصية هنا تتحرك وتتحرك معهاالأفعال،وهي تحسب حركاتها وسكناتها،وفي نفس الوقت تتعدد الأصوات بينالظاهروالخفي،الظاهر يعبر عن المكشوف والخفي يعبرعن المستورالذي تسرب إلىمسامع وأبصار القراء بين سطور القصة.
    ولكن هذه الصورة في السرد القصصيالمتصفة بالقتامة وتعكير الجو،ليست هي الصورة الغالبة في الأعمال القصصيةالمغربية المعاصرة،بل هناك انفراجات واضحة بين الفينة والأخرى،تلوح فيالفضاء الخارجي لتنشر الأمل والرغبة في الحياة رغم قسوتها ورغم القهر الذيتعيشه الشخصيات الفاعلة،حيث تظهر الرؤية إلى العالم مستبشرة نيرة،تفوحبعبق الأمل في المستقبل القابع بين ثنايا الكلمات التي تخرج من حين لآخرعلى لسان شخصيات هذه القصص(يغمرني الخوف…أضطرب…تسود الدنيا أمام عيني…سوادظلام دامس..أتحسس الحاجز أمامي…أبحث عن مخرج..هذا باب..باب موصد…
    افتح يارفيق..
    افتح يا أخ ..
    افتح ياسمسم
    وينفتح الكون…وينجلي السواد…وتنقشعالظلمة عن رجل وطفلي )في( انتظار الصباح) لمحمد سعيد الريحاني.تشعر منخلال هذه اللقطة الصادمة،وهذه الطلقة المعبرة،أن محمد سعيد الريحاني يتخطىالنظرة السوداوية بحثا عن أبواب أخرى محاولا طرقها من أجل وضع هذا الواقعوهذه الرؤية في الطريق الصحيح ولو بمساعدة من أسطورة شمشون العظيم الذياستمد منه الريحاني القوة و العزيمة على تجاوز المحن و الصعاب.
    وفي الأخير يمكن أن نرصد مجموعة من الملاحظات التي تساعدنا على فهم الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة.
    فالشخص(العامل)أو القاص يحرك شخصياتهانطلاقا من رؤية خاصة إلى العالم،فمرة يحركها لتنهض بأدواروظيفية تكونفيها الشخصية بمثابة البطل في القصة ،تجده يدخل عالم القصة لكنه يضع بينهوبين الشخصية حدا فاصلا أو مسافة بعيدة توهم القارئ بحقيقة ما يسرد منأحداث، وفي هذه المسافة يرى الشخص واحدا من قرائه ويخلق هذا القارئ ليسشبيها له ولا نظيرا له ولكنه قارئ خفي يقيس نبض القصة ويتابع مجراها،بلأحيانا يحرك مجرى الحوار بين الشخصيات محاولا التأثير في تمريرالأيديولوجيا و الرؤية إلى العالم من خلال بنية وانزياحات اللغة،وعندماتنهار هذه المسافة تنهار معها بنية النص القصصي وتتحول إلى بنية أخرىبعيدة عن الفنية والجمالية ،إلى بنية أخرى قريبة من السرد التاريخي أوالانتربولوجي…
    ونراه يمررهذه الأيديولوجية بشكل مباشرويعبر عنها بلسان المتكلم،فيشعر القارئ بالشخص وهويسرد أحداث القصة بضميرالمتكلم (أنا) وبالتاء المتحركة،وبياء المتكلم(ترددت كثيرا على فندقالحرية و الكائن فوق مقهى الشعب) أوبياء المتكلم(بعد عودتي من الفصل…كانتعيون التلاميذ ترصد حركاتي وتتفرس في لباسي) أوكار التماسيح لعبد اللطيفصردي
    وفي أغلب الأحيان يتخذ السرد القصصيأساليب ترميزية ليهرب عن التقريرية والمباشرة،ويعبر عن هذه الترميزيةبأساليب مختلفة سواء أكانت على شكل حكايات خرافية وأساطير قديمة،أوتختبئالشخصيات وراء ضمائر معينة كضمير (نحن) الذي يموه الخطاب ويدخل فيه شخصياتأخرى مجاورة ومساعدة،أو يستخذم(نا) الدالة على الجماعة(بعد عودتنا منالشاطئحيث قضينا النهار نجلس على صخور نراقب الصيادين)أوكار التماسيح.أويستخذم ضمير الغائب(ظل يردد نفس الجملة طوال الطريق إلى السجنيزفر،يستسلم،يرفع ٍاسه إلى أعلى يغسل وجهه بماء مقدس…)ذكريات من منفى سحيقلصخر المهيف.
    بهذا المعنى لم تعد القصة هي رصدللواقع بعدسة القاص بل أصبحت تعبر عن هذا الواقع والذات المتكلمة بالومضةوالإشارة،التي تدفع المتلقي إلى التفاعل و التأثر في صياغة الصورة التيينوي القاص إيصالها للمتلقي.وبهذا تصبح للقصة الدور الهام في إثارةالمشاهد المحيطة بنا،وتعطي كذلك مجالا أوسع لاكتشاف الأحداث الغامضة وغيرالمرئية التي اعتمد فيها القاص على الترميز و التمويه لخلخلة تفكيرالقارئ،ومحاولة دفعه إلى التأمل و التصور لخلق عالم تخيلي يرقى بالمجتمعويسمو به من الواقع المتدني إلى الواقع المنشود، من خلال رؤية أشملتتجاوزواقع النص إلى رؤى متغيرة ومتحركة توحي بأن واقع النص واقعي.
    ثبت المراجع
    حركية الابداع……………………خالدة سعيد
    في القول الشعري………….. يمنى العيد
    في معرفة النص………………يمنى العيد
    الثابت و المتحول……………أدونيس
    مقالات……………………..جميل الحمداوي
    مقالات……………………. سعيد بنغراد
    محمد يوب

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 6:03 am