منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    موضوع المدينة في شعر منيرة سعدة خلخال

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    موضوع المدينة في شعر منيرة سعدة خلخال Empty موضوع المدينة في شعر منيرة سعدة خلخال

    مُساهمة   الثلاثاء ديسمبر 07, 2010 1:52 pm


    المحرر | مقالات و دراسات أدبية | 2010.12.4 1tweetretweet


    موضوع المدينة في شعر منيرة سعدة خلخال %D8%AE%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%84
    يحتل المكان في المتون الشعرية المعاصرةمكانة هامة، أيا كان نوعه،و المدينة واحدة من الموضوعات المكانية التييرسم من خلالها الشاعر بيئته مرتكزا إلى معالم مرجعية أو حتى لأفكارمثالية، أقرب إلى الحلم منها إلى الفلسفة.أو يتخذها مطية لتمرير مواقف أومشاعر أو حتى إيديولوجيا معينة،لذا تتعد دلالاتها،حتى أنها لم تعد تقنعبالقراءة الانطباعية العجلى، بل إنها بكثافة دلالاتها تفرض على القارئمعاملة النص كقيمة «موضوعية،و من حيث هو صورة عفوية و بنية صغرى لبنيةكبرى هي العالم بكل تجلياته»[1] و قد اختزلها الناص في بضع كلمات أو أسطر لتحمل العالم بوجهيه المتداخلين زمانا و مكانا.
    غير أن التجليات الشعرية للمدينة لاتقتصر على الشعر المعاصر، بل على العكس تماما فقد ظهرت المدينة في أقدمالمدونات الشعرية، لا يمكن القفز عليها و نحن نفتش في هذه الوحدة عندشاعرتنا منيرة سعدة خلخال،فبالمعرفة المتعلقة بالوحدة يتجلي تفرد هذهالتجربة في تعاملها و هذه الموضوعة؛ملامح الإبداع و نقاط التقاطعها وتجارب شعرية أخرى، من أجل ذلك نقتطف أهم المحطات التي قطعت المدينة على خطالشعر، ونبدؤها من البداية،تحديدا من أشعار الإغريق الذين تغنوا بها،فكانت مدينتهم الأثيرة ذات« وحدة حضارية متكاملة “تسوّرها أصول المنطقوالعقلانية” ،وتكثّفها وتسمو بها الإبداعات الشعرية. لقد كانت موضوعاأثيرا لدى شعرائهم، فـ “الشاعر الإغريقي لم يجد موضوعا أشدّ وقعا في النفسمن رؤية احتراق مدينة أو الوقوف على أطلالها»[2]فقد كانت ذاتً يتغنون بها و يبكون خرابها،و على رأسهم هوميروس الذي نقل ماتعرضت له بعض المدن من حرائق و خراب. غير أنهم لم يقتصروا على الافتتانبها ، بل وصفوها في جانبها السلبي حين تحولت إلى تكدسات للأحياء والتجمعات البشرية، و طغى عليها سوء خلق الجواري، و حتى لا يصطدم بمدينتهالقدسية اتجه صوب الحقول غير معترض على النظام الإلهي الممثل في صورةالمدينة ، ثم إن الحقول الصق بعاطفة الحب من المدينة.
    غير بعيد عن هذه الصورة القدسية، نجدالمدينة في الفكر المسيحي في العصور الوسطى ترتبط بالقدسي فهي عند القديسأغسطيوس “دير الرب” اكتسبت جلالا و قدسية، بجمعها بين الكنائس الدينية، والجامعات العلمية، لتنزاح عن هذه الصورة الجليلة، في القرن التاسع عشر،رغم احتلالها مساحة كبرى من جسد الشعر في هذا العصر،لترتبط بالضياع والاغتراب، و العزلة و الجدب الروحي«المدينة البودليرية هي موطنالمتناقضات، والفوضى و القبح و البؤس و الضوضاء و البشاعة، إنها الموطنالذي فيه يلاقي اله الحب تحولا قاسيا …و يتجلى تحت شعار الدعارة »[3]ثم يوسع بودلير نظرته من خلال ما يسميه “ملذات الرعب” و اعتماد عبارات ذاتدلالة غير محددة مثل “المتاهة الموحلة”، “اختلاط المدن الحية” “المحيطالأسود للمدينة النجسة” و ربطها بعبارات مثل جحيم و جهنم، و ألفاظ من نفسالعائلة اللغوية. هذه النظرة التي أثرت في الشعراء المحدثين فتأرجحوا بينموافقته و الاختلاف معه.
    أما ويتمان الشاعر الأمريكي «فقد وقفموقفا مغايرا من المدينة،بحيث منحها ثقته، و مجد ما فيها من عمال و أزقة،و زحمة خانقة،إنه كان نبرة معاصرة راضية»[4] تحاول النأي بالمدينة عما ألحقه بها بودلير، فهي لم تعد “متاهة البذخ و جهنم اللذات” بل يصورها صناعية تجمع الأنشطة الإنسانية.
    أما نهاية القرن فساقت ديوانا يجمع بينالمدينتين و يتجاوزهما في الوقت نفسه، بما يقتضيه منطق التطور، إنه “نتفالعشب في المدن ذات الأذرع المميتة” لصاحبه “فيرهاردن” حيث يسقط عنالمدينة اسمها و صفاتها وتقاليدها ، لترتبط بفرع جديد لم نصادفه قبلا إنهالاعتداء على العالم و افتراسها إياه، تشع منها الغربة والوحدة و الغم،وتمتد عدائيتها إلى ما يجاورها من البراري و القرى فتقتل مظاهر البهجةبها.هي مرة أخرى مدينة صناعية لكن بحس أعمق هذه المرة فأدواتها ليستامتدادا طبيعيا للجسم، و ماديتها تقتل إنسانية الإنسان، و تفرغ عاطفة الحبمن كل مضامينها، و تحولها إلى تضاجع لا لكائنات حية بل لكتل لحم عديمةالشكل، غير مميزة الملامح.
    يُقطع هذا القدح في شخص المدينة عندفيرهاردن ليفسح المجال لموقف حماسي مشع بالأمل ، فتغدو مطرحا لألوهيةمبهمة، و هي تتفرع لتلامس موضوعا آخر هو أعمالها العظيمة التي تحققالحاجات الأساسية لإنسان يعيش هذا العصر.هكذا تستمر المدينة موضوعا أساسياعنده، فتتأرجح بين التأليه و الانحدار إلى حضيض الحيوانية.
    يمتد تأثير هؤلاء الشعراء الثلاث علىشعراء آخرين، فيفرز موقفين متناقضين،حيث تبنى البعض فكرة العصرنة، وانتصرللمدينة الصناعية ، بينما ثار عليها آخرون و أخذوا يفضحون شرورها، منأمثال جون وين، رومانن، و رامبو في أمريكا ، و التعبيريون بألمانيا الذينربطوها بالعظمة القاتلة ، و الخراب الشامل، أما بانجلترا فإن الهجاء المرو التهكم اللاذع يبلغ ذروته عند ت.س.اليوت « فالتيمة الأساسية التي تترددفي شعره،هي ضياع الإنسان في صحراء المدينة الهائلة،المشعة للإحساس بالزوالو الفناء، المضخمة للشعور بالوحدة و الغربة»[5] التي لا تعثر بها إلا على الضجيج المتعالي، و الغبار،و أناس ينفثون حسراتهم.
    هذه الصورة المفجعة للمدينة لم تقف عندحدود التأثير على موضوعات القصيدة بل تعدتها إلى لغتها، التي أغرقت فيالاضطراب و الفوضى، و الميل الواضح إلى التعقيد. فكما هو العلم الطبيعيللمدينة، القصيدة أيضا فقدت الشعور بالارتياح النفسي و الجسدي.
    أما من شعرنا العربي فنقتصر على الشعرالعباسي و الأندلسي لازدهار المدن في عهدهما،من الشعر العباسي يبرزالمتنبي منتصرا للبداوة مفضلا لها على الحضر الذي يرتبط بالتصنع والتكلف،غير أنه لم ينطو على نفسه بل وقع في صدام عنيف مع مجتمع المدينةكلفته شعورا عميقا بالغربة ؛هي غربة فكرية أكثر منها نفسية.
    أما بالأندلس فقد بلغت المدنية ما لمتبلغه في غيرها من الحواضر،فقد افتتن بها أهلها فكانت جنة الخلد كما يقولابن خفاجة، فارتبطت بالخضرة و العذب من المياه، و نعيم العيش…و لما انقلبالحال و سارت إلى الحروب و غزاها الصليبيون ، تحولت إلى موضوع رثاء، فصارتالفردوس المفقود، و انقلب حبها اشتياقا لها ،حنينا جارفا.
    بين الأسى و الإعجاب يطفوا موقف سلبي منالمدينة الأندلسية، التي غرق أهلها بملذاتها، و اللهو و المجون، حتى تسطحتالتجربة و خلت من المعاني العميقة، و تبعت الزينة الشكلية تماما كالمدينةالأندلوسية، هذه الحياة أشعرت عددا من الشعراء بالاغتراب و هم في حضنالوطن الأم فـ « يتكثف الحزن و تتعمق المأساة،ليبرز التشكي طورا،والانعزال و النفي الذاتي أطوارا أخرى»[6]،و قد عبرت الذات الشاعرة عن وعيها بالغربة التي تعيشها في هذه المدن، وحاولت رفع هذا الشعور بالاتجاه إلى النقد الاجتماعي الذي مس في جانب منههندسة المدينة، فالغزال مثلا يعترض على مظاهر الترف في بناء القبور التيتشبهت أشكالها بالقصور.
    أما في الشعر المعاصر فإن المدينة موضوعبارز، فما من شاعر إلا و أدلى بدلوه فيه، متخذا موقفا منها، أي كان سلبياأو إيجابيا.هي عند الشعراء النازحين من الريف مرتبطة بالضياع و التوجس.كان الجدار أول ما عاينه منها السياب، والبياتي،و فاروق شوشة و حجازي،الذي سحقه و خنقه الجدار ليمثل رمزا للمعاناة التي تخلقها المدينة،التي لمتمنحهم الشعور بالارتياح فجاءت في أشعارهم «موسومة بسمات التضايق،فهيحزينة،شاحبة،مؤلمة، وهي صفات نابعة من داخل الشعراء»[7]لا مما تلمح أعينهم من مظاهر ، بل مما انطبع في النفس بعد لقاء المدينة، وسنجد في البدايات الأولى للتطرق لموضوعة المدينة الملامح التي كنا وجدناهاعند الشعراء الغربيين، من تبرم بالضجيج و رفض لوسائل النقل السريعة، وتفاقم للفقر، الكثافة السكانية..و غيرها.
    ثم يأتي تعامل أكثر نضجا و الموضوع أسسأصالة الرؤيا و التشخيص، كاشفا للصراعات الاجتماعية و السياسية والحضارة،فهي عند سعدي يوسف عالم مزيف مرعب “مدنه تتسول النور”، ترتبطبموضوع القهر الاجتماعي عند عبد الصبور، وهي القاهرة الرافضة عند أحلاممستغانمي،وهي المدينة الغابة يأكل القوي فيها الضعيف،إنها القبح و الخوف والجريمة في قصيدة “في الليل و المدينة و السل” للبياتي. ثم هي التدليس والتزوير عند حمدي بحري، و ربيعة جلطي، و خليل حاوي.[8]
    لم تغب الموضوعات السياسية عن ثيمةالمدينة بل إنها كانت سبيلا لطرح موضوعات القهر السلطوي السياسي، ورضوخالشعوب، و افتقاد الكرامة الإنسانية، و تردي الأوضاع ، و مرة أخرى التدليسو التزوير لكن هذه المرة في علاقة السلطة بالشعب، لا كما تجسد سابقا فيالعلاقات الاجتماعية، غير أنها لم تأت صريحة بل لبست القناع الأسطوري رمزامرة ، و التهكم مرة ثانية كما هو الحال و الشاعرة المغربية مليكة العاصميو هي تصور المفارقات التي تحكم الواقع المغربي.
    هذه الموضوعات السياسية و الاجتماعيةارتبطت غالبا بالإحساس بالاغتراب، الذي هيمن على غالبية القصائد المتمحورةحول المدينة،و الذي يرى بعض النقاد أنه لا يعدو كونه تأثرا بشعراء الغرب،في نقمتهم على حضارتهم المادية، في حين تثبت القراءة المتأنية للشعرالعربي أن « الوعي المغترب لدى الشاعر العربي المعاصر نابع من محنة ذاتيةو واقع قهري، و وعي بالوجود تعيس »[9]و هو يواجه انشطاره بين عالمين العربي المتراجع المتقهقر باستمرار، و عالميتقدم برؤاه المستقبلية الواعدة،فلا هو متجذر في الأول بسبب رفضه لماضيه وحاضره الذي يظلم و يجوع و يقهر فئة لتنعم أخرى، و لا هو منسجم مع الثانيلأنه الآخر القاهر العدو المستعمر.
    المدينة في شعر منيرة سعدة خلخال:
    تفر الأبيات في هذا المتن الشعر مبتعدةعن نطاق الحواس حتى و هي تستجلي المدينة ، هذا الفضاء الذي يطوق حواسنا ويحاصرها، فإذا منيرة سعدة خلخال تطوقه بمشاعرها، و سبحاتها في عوالم الروح، تحاصره بكونها الداخلي لتعيد تشكيل المدينة،فتنقلب مرآة لنفسية الشاعرة، فتتقلب بين التفاؤلية ، و التشاؤم ، بين منح الأمان و التيه في الشعوربالغربة، متقلبة بتقلب مزاجات الشاعرة، المرتبطة في أحايين كثيرة بمزاجالوطن، الموضوعة اللصيقة غالبا بثيمة المدينة. فإن نحن عدنا إلى الظرفالتاريخي ألفينا هذا الوطن هو خالق تلك الحالات النفسية التي سيطرت علىعدد من قصائد منيرة سعدة خلخال.
    قصائد تتوارى فيها التفاصيل الحسية تماماكما اختفى الجسد، و كأن الشاعرة تؤسس لكتابة نسوية من نمط مغاير، كتابةالروح في تحليقها ..لكن بالأجواء الداخلية للنفس. هي ذي شاعرتنا إذن و هوذا أيضا موضوعنا الذي حاولنا الإمساك بحدوده الطبوغرافية، و هندسته، فلمنعثر عليها بل وجدنا أنفسنا نعالج الفضاء الجغرافي معالجة الحالة النفسيةفما هذه الثورة على المحسوس منيرة،و أي مدينة مغيبة المعالم، مكشوفةحضاريا و عاطفيا.
    و لعل السؤال الأهم هو ما سر هذا الهوس بالمدينة، فالمطلع على أعمال منيرة سعدة خلخال :
    -لا ارتباك ليد الاحتمال 2002
    - أسماء الحب المستعارة 2004
    -الصحراء بالباب 2006.
    يلحظ من القراءة الأولى تواتر لفظة المدينة،حتى أنها تبدو موضوعا رئيسيا،هي بمثابة مركز الثقل الموضوعاتي في أشعار شاعرتنا[10]، فقد تكررت ست و عشرين (26) مرة بهذه اللفظة، و حضرت في عدد من القصائدباسم المدينة فتكرر اسم “سيرتا”و هو الاسم القديم لمدينة قسنطينة ثلاث (3)مرات، أما اسمها الحالي فلم يرد سوى مرة واحدة في عبارة مقتبسة، مما يفتحباب التساؤل حول اختيارات الشاعرة نعود لها بعد حين ، وأما اسم “بونة” وهوالاسم التاريخي القديم لمدينة عنابة فذكر مرة.
    تزداد أهمية تواتر الموضوع بإضافةالألفاظ التي تنتمي إلى نفس العائلة اللغوية،تحديدا تلك التي تجمعها بلفظالمدينة قرابة معنوية،من مثل: الجسر المكرر ست(6) مرات و هو أبرز معالممدينة قسنطينة، المدينة مسقط رأس الشاعرة. و لفظة شوارع التي تكررتخمس(5)مرات، و مثلها لفظة أرصفة، ثم لفظة مكان معرفة و نكرة ذات التواترالأعلى بثماني (Cool مرات.و إن كانت لفظة عامة لا تقتصر فقط على المدينة، معذلك فإنها ترتبط بها كما ترتبط بغيرها.
    هذه الكثافة في توظيف لفظة المدينة، وألفاظ من عائلتها اللغوية تجعلنا نصنفها في خانة الموضوعات الرئيسية فيشعر منيرة، تلك التي «تشكل هندسته المعمارية غير المرئية، و يمكن أنتزودنا بمفتاح تنظيمها، توجد فيه بصورة متطورة غالباً، وبتواتر واضحواستثنائي. التكرار هنا، وفي أماكن أخرى، مؤشر على الهاجس»([11]) الذي لا تكاد تبارحه الشاعرة إلا لتتوسع في مواضيع متفرعة عنه.
    تكتسي الكلمة/الموضوع “المدينة” أهميةخاصة في المدونة، فهي تتجاوز كونها موضوع تجربة لتصبح موضوعا و أداةتعبيرية عند شاعرتنا، التي تسقط مشاعرها على مدينتها مرة ، و تستكشفأعماقها ممتطية مدينتها في مرة أخرى، فالمدينة عندها وسيلة كشف للأعماق،ثم هي الوعاء الحسي الذي تسكب فيه مأساة وطنها الجريح،وهي جسد لنفْسشاعرتنا التي تبتعد كثيرا عن الكتابة بشرط الجسد كغيرها «مغيبة معالمالأنوثة التي غالبا ما يجسدها الشعر النسوي» [12]و منكفئة على نفسها حتى و هي تكتب الوطن،و حتى و هي تكتب المدينة،الموضوعة التي لا تغيب في قصيدة إلا لتعود و تظهر في التالية، فقد وردتباثنين و عشرين قصيدة من مجموع سبع و خمسين قصيدة،هذا في المدونة كاملة،أما في “الصحراء بالباب” فقد ظهرت بثماني قصائد من أصل أحد عشرة.
    و هو الديوان الذي يتبلور فيه الموضوعبوضوح، ليمثل نضج التجربة عند شاعرتنا، و انتقالها إلى التعامل الواعي معموضوعها،تحاصره بمشاعرها و تستجيله حضاريا و فنيا، مع ذلك تبدو المدينة في“أسماء الحب المستعارة” أكثر توسعا في طرق الموضوعات الفرعية، و أعمقإحساسا بها.
    تمثل المدينة قالب التجربة عند شاعرتناالتي تسكب مشاعرها و حلم الحب في جسد المدينة، و إن كانت حددتها بالاسمسيرتا، فإنها استعارت لها معالم غريبة عن هندسة المدينة المرجع، لتصبحسيرتا داخل القصيدة فضاء تخييليا منفصلا تماما عن المكان الواقعي، تتوحدبه على طريقة شعراء المدرسة الرومانسية، فتخرج في صورة الوفاء :
    كي تعرف أن لسيرتا موانئ و أشرعة
    و حبات رمل و شمس محرقة
    و أصيل متيم
    و نوارس لا تهجر إذا جاء المساء شطآنها[13]
    فأنــّا لسيرتا و هي التسمية التاريخيةالقديمة لمدينة قسنطينة الشطآن و الأشرعة ، إن لم تكن معالم أوجدتهاالقصيدة،لتجسد الحلم الحب بدوام الوفاء “نوارس لا تهاجر …” الوفاء الذييمنح المحبين، و خاصة الطرف الأنثى الإحساس بالأمان المجسد في الموانئ والأشرعة، ألم تكن الأشرعة ضمان الأمان و فقدانها في السفن القديمة كانالموت المحتم، أما الموانئ فإنها ختام المسير، و أي امرأة لا تتمنى أنيكون حبيبها خاتمة مسيرها،وتقلبها بين مشاق الحياة،لترسو عند الحب ، هكذاتخلق منيرة من معالم المدينة التخييلية جسدا لمشاعرها.
    ثم هي تعود في عدد من القصائد لتجتاف صورة مدينتها[14]«و إذا كانت وظيفة الاجتياف امتصاصية على الدوام، مما يجعل الرمز الشعري يدخل بالضرورة في تعالق نصي مع رموز أخرى»[15]فإن قصيدة “الزنزانة 25″ (التي لا نحسبها غير قسنطينة) تتناص و عدد منالأعمال الأدبية بدء بأغنية المالوف، إلى رواية الزلزال، فتبعث الشخصيةالروائية “بولرواح” و هي الشخصية الرمز التي اختزلت إيديولوجيا فئة معينة،الشخصية التي قطعت شوراع قسنطينة و قدمت قراءة الروائي لها في تلك الفترة،هاهي تبعث في القصيدة، لتحيين أحزان هذه المدينة وتقدم قراءة الشاعرةللمدينة:
    و المدينة مقلوبة
    عزيز خطبها,أخاذ !
    عائم في صقيع الصمت المسنون
    خوذة الكرنفال على القلب مشدودة
    لتنعم فراشة الروح العنيدة
    بجور المكان
    ….
    و من جديد
    يعود “بولرواح” مجلجلا صوته
    محمولا على رحيق الصدى المهزوم
    يستدرج القوالين إلى ساحة الشهداء
    عند الزنزانة 25
    لمبايعة أبابيل الكلام
    ياء الحكمة في وصف النعام
    غراب قابيل يدفن هواه
    يجتلي تراب السلام[16]
    لينفتح موضوع المدينة لدى شاعرتنا متوسعاإلى أكثر من فرع، غير أن هذه الفروع تأتي متشابكة متداخلة.فموضوع الغربةالتي تكررت كثيرا عند الشعراء المعاصرين كما مر بنا ،لم تغب عن المدونةلكن باختلاف مرده خصوصية التجربة عند شاعرتنا، التي اتخذت المدينة بؤرةتنطلق منها عدة موضوعات فروع، أهمها الغربة، ، الخوف، ،الحب،الموت،ويضافإليها الهجر الذي يتكرر بشكل واسع، الهجر الذي يمارسه الحبيب و تمارسالمدينة على الأنثى.
    هكذا إذن تأتينا الموضوعات الفرعيةمتشابكة متداخلة، يستدعي أحدها الآخر. فالمدينة نفسها تخلق الشعوربالغربة، اللفظ الذي تكرر عشر (10) مرات، بلفظه لتطالعنا الشاعرة بقاموسواسع التكرار لألفاظ تصب في هذا المعنى أهمها ” التيه، الضياع، التشتت،الغريب…و غيرها” ناهيك عن العبارات المجازية التي تكني ولا تصرح بالغربة،التي تبدو في قصيدة “عائد إلى جنوني” مزدوجة، فالعائد لم يتوطن بالمكانالذي كان به، والموصوف بـ “عوالم المجهول المستفحلة..” ولا هو كان حقق ذلكبمدينته:
    أبشري مدينة السكون
    عدت
    لم ترمني حدود الغاب
    لا، طوعا جئتك
    آمل إعادة توطيني [17]
    تقترن المدينة في هذه القصيدة بالرجوعبعد غياب، أما في عدد معتبر من القصائد فإن الرحيل هو الموضوع المهيمنالذي تكرر ست عشرة (16)مرة ،خاصة الرحيل المقترن بموضوعة الحب إذ يقترنالاثنان ليخلقا الإحساس بالغربة في مدينة غاب عنها الحبيب،و هنا أيضاتتعدد مفردات معجم هذا الموضوع منها “الوحدة، الذهاب، الرحيل،التشظي،الاختفاء، الغياب، البون،الزوال، تباعد…” ترد بتكرار كبير، كما تتنازعالنص مجموعة من الثنائيات الضدية تفتح الرحيل على احتمال الرجوع منها:رحلوا/عائد، منفاي/توطيني، لا تهجر/ الهجر، انزوت/تعود، غدوك/رواح،غبت/أقبل… غير أن الهيمنة المطلقة من حيث التكرار تبقى للمفردات الدالةعلى الرحيل،و حتى من حيث المبنى يمكننا ملاحظة الفرق فمثلا الثنائيةالأولى جاء الفعل بصيغة الجمع،أما اسم الفاعل فجاء مفردا،في الثنائيةالثانية المكان “المنفى” منسوب إلى المتكلم،في حين توطينه يقوم به غيرهلأجله،في الثنائية الرابعة غدوك منسوب إلى الحبيب بينما تسقط كاف المخاطبفي الرواح.
    يتنوع المعجم المعتمد في موضوعة الحب ذاتالتواتر الكبير بلفظها حيث تتكرر إحدى و عشرين(21) مرة،غير أن الوحداتالمعجمية التي تصب في هذا الموضوع اقل من غيرها فلا نطالع إلا”متيم،العشق، القلب”، مع ذلك لا تكتسب أهمية خاصة كونها القاعدة التي يبنى عليهاموضوع “الهجر أو الرحيل” الذي لا تظهر أهميته إلا في ظل موضوع الحب،غير أنالشاعرة لا تفصل الموضوع، و لا تقدم تجربة الحب، بل تنتقل مباشرة إلىالغياب و رحيل الحبيب و الغربة التي يوقعها بالنفس.
    ثم لا يقف الشعور بفقد الحبيب عند خلقإحساس بالغربة بل يتعداه إلى خلق حالة من الخوف،و هو الموضوع الذي لاأخاله يرد عند شاعر رجل، لأنه يختص بالمرأة التي يمنحها الحبيب الشعوربالأمان، وفي غيابه، ينقلب الأمان افتقادا للأمان أو “خوفا ورعبا” بتعبيرالشاعرة:
    كأنك غبت
    فجادت المدينة بالطعن،
    بوابل من التجريح يكتنزه الصباح الواحد
    سريره الجسر
    و عند «سيدي راشد» يهوي
    على القلب يصفعه
    .
    .
    .
    و يشقق ظل الأصيل
    على تغريبه للسفر
    عند بئر الكلام
    شوكية سيرة الحب
    و الخوف أروع ما تصدح به
    صحراء في منتهى التعب[18]
    لا تقف سيدة المجاز[19]عند التجربة المألوفة بل تفاجئنا بتجربة فريدة، تسلك فيها المدينة دروبالرحيل مخلفة للشاعرة أوزارها، لتطرق التيه ، الخوف،و الوحدة:
    عن مدينة تحل بي
    توقظ في جرحها الأول
    تفرد لي سحنة البجع الرائد
    في السفر الكاسر
    و النواح
    مدينة أعارتني اسمها المكبل بالتيه
    و المواويل الحزينة
    أجازت لي الوحدة
    كل الوحدة..
    و اشرأبت بالغياب
    لم أكن غير طفلة يخيفها الضباب
    غير موجة يرعبها الليل و السراب
    إذ يدنو من سماواتها[20]
    على عكس تجربة الحب التي تجيء مقتضبة،رحيل المدينة يسوق تفاصيل تكشف للقارئ هوية المدينة موضوع التجربة فيتعددالمعجم الواصف للمدينة و بتنوعه تكثر الإشارات المرجعية، لترسم وجهالمدينة،و انعكاسها على نفس الشاعرة.
    تبقى المدينة واحدة سواء في الموضوعالأول (رحيل الحبيب) أو الثاني(رحيل المدينة) و إن كانت الشاعرة لا تذكراسمها فإنه لا يبدو عسيرا استنتاجه،بتجميع بعض الإشارات المرجعية، مثلالجسور ، سيدي راشد ،الريميس، كلها أماكن من قسنطينة، و إذا أضفنا إليهاكناية “الزنزانة 25 “و الاسم التاريخي “سيرتا” لم يبق شك في هوية مدينةالشاعرة، لكن السؤال الذي لا يمكن إغفاله هو لماذا لم يرد اسمالمدينة”قسنطينة” في هذه الأعمال الشعرية باستثناء مرة واحدة حيث جاء فيعبارة مقتبسة ؟
    أ بالشاعرة غضب على مدينتها يصعّب عليهاحتى لفظ الاسم الحالي لها، و يجعلها تحتمي بالاسم القديم مستكينة إليه،يمنحها الإحساس بالأمان الذي فقدته بين شوارع قسنطينة،فلم توقف البحث عنسيرتا، بكل ما هي وسط قسنطينة،لذا تكتب المدينة الماضي بكل ثقلها الحضاري،و لا تلفظ حتى اسم المدينة الحالي، فها هي ترسم المدينة منشطرة بين ماكانت عليه و ما سارت إليه:
    تعلقت ببال العمر أسئلة جسور سبعة
    توارثت أجيال النسيان أسرار النجمة
    أفل المجيء إليها
    و شاع الدوار المقصور على غواية السباحة
    نصب طموحات “الريميس”
    و “سيدي مسيد” يرفع تواشيح البلسم
    عن أماني اللواتي تكحلن بماء “النشرة” (الصحراء بالباب ص 12،11 )
    في أصداء الزنزانة 25 تتعالى أنات الحسرةعلى المدينة التي ملكت من الخصوصية و السحر ما أهلها لامتلاك القلوب، فإذاهي اليوم “مقلوبة عزيز خطبها” تأتي الشاعرة على تصوير حالة من اختفاء كلما كان لقسنطينة خاصية مميزة،الطقوس،القدسي،براءة الأمنيات،و الدعوات،فيحين طفت على وجه المدينة نبوءات عمي الطاهر، و هو الروائي الجزائري الطاهروطار في روايته الزلزال التي تبعث الشاعرة بطلها بولرواح لتجعل منه واجهةمأساة تلملم فجائعها بعبارات مجازية، إلى أن ينقطع نفس الكناية فتصرخ:
    من يذكر سيرتا؟
    من علمها كل هذا الاختفاء؟
    من أخرس الوهج في دقاتها؟
    من سمح بتقطير الدفلى في عروقها؟
    من انتحل زرقة صباحاتها و أدماها؟
    ثم من أفناها؟
    و أضرم في الكون كل هذا الحريق؟ (الصحراء بالباب ص)12
    بتوضيح علاقة الشاعرة بالكلمة – الموضوع“المدينة” يتضح للقارئ سر تكرار ثيمة رحيل المدينة عند الشاعرة،وإحساس هذهالأخيرة بالغربة في مدينة هي ما عادت هي، فقسنطينة المغيبة على مستوى النصاسما الحاضرة مأساة هي سبب تنامي الشعور بالغربة، و الدافع لبحث الشاعرةالدائم عن مدينتها وسط مدينتها.
    في غياب المدينة يطرق الخوف قلب الشاعرة،فتلتفت تفتش عن الأمان، فلا تجده إلا في الذكريات؛ ذكرى مدينة تبدل حالها،وذكرى الحب السالف الذي غاب أيضا و ما عاد من جدوى منه:
    -و تنصرف المدينة عني
    تحملني صمتها و الغياب
    و أنصرف إليّ
    تعودني الذكريات
    قمم البهاء ..
    فأحتمي بالدروب،
    ظلك بوصلتي
    و لا جدوى منك! (لا ارتباك ليد الاحتمال ص47)
    في بحثها عن الأمان المفتقد تحيلناالشاعرة على موضوع فرعي آخر هو الخوف الكلمة التي تتكرر في المدونةسبع(07) مرات،الإحساس الذي يعاود شاعرتنا و هي تفقد مدينتها كما أحستهسابقا و هي تفقد الحبيب، والخلاص أو الاحتماء هو نفسه، إذا تطالعنا فيالمقطع السابق بأنها تحتمي بالدروب ،في فقدها الحبيب أيضا تلجأ إليها:
    آن أن ترحل الآن
    إلى عش الحلم المتآكل..
    إلى حضن الأحرف الأمنية
    و آن أن ترتديني الأرصفة و المحطات ( أسماء الحب المستعارة ص 46)
    كاشفة عن مكانة خاصة جدا تربطها بالمكانفهو الجرح و هو العلاج، بل هو العلاج من كل جرح، يعوضها فقدها، و به تحتميمن الخوف إذ تفقد الإحساس بالأمان في غياب من يحتويها،و يشعرها بالانتماء،هكذا تخلق مدينة منيرة سعدة خلخال الغربة و الخوف بعد أن تعلمت سيرتاالاختفاء لتحل محلها الزنزانة 25.أما المعجم الذي تعتمده في هذا الموضوعفلا يتسع بقدر ما يتكرر فهي تعتمد الخوف و الرعب،الفزع الذعر لكن بتكراركبير.
    الموضوع الفرعي التالي هو الموت بأعلىنسبة تواتر حيث تكرر بلفظه خمسا و عشرين مرة،بهذا اللفظ تحديدا، ناهيك عناقترانه بالمعجم الأكثر اتساعا في مدونتنا هذه و منه ” القبر، الميتة،التلاشي، سكاكين، النكبات، الشهداء، الجماجم، يوارونك، انتهيت، ينقض، يدق،يقتلع،جنازة،خوذة،مناورة،يدفن، ألغام، الغدر، الاندثار، الفناء، التوابيت،الاحتضار، الانتحار…و غيرها. موضوع القتل يرتبط بالوطن في صورتين مأساةالجزائر في الفترة المسماة عشرية سوداء،وبالقضية الفلسطينية.
    و إن كانت الأولى تحتل مساحة نصية أكبريتساوى فيها الوطن و المدينة فيغيب ذلك الرفض للمدينة، ليصبح هذا الاتحاد«من دواعي القبول بها، بل إيمانا مطلقا »[21] بها ،فتصف الشاعرة الموت المزروع بالمدينة بأنه لا مشروع،بل إنه:
    أهازيج رصاصات طائشة
    و تارة مرتبة وفق رزنامة
    مهرجان المسدسات المفاجئ؟! (أسماء الحب المستعارة ص 91)
    هذا الموت هو بكلمة أدق قتل مرتب معدمسبقا، غير أن برنامجه، لشدة كثافته يشبه الفوضى فيلتبس على الشاعرة،مابين ترتيب و طيش، أو هو طيش مرتب، في مدينة تغيرت فيها “أسماء الأسماء” وتبدلت الأدوار،وحتى معنى الحب تبدل في اتساع معاني قاعدة الاختلاف رحمةالتي لا تتسع إلا على مستوى القول ، لأن الفعل لم يكن يشبه الرحمة في شيء،حتى البشرى التي تسوقها الشاعرة للوطن طرأ عليها تبدل الاسم ،و بتعبيرالشاعرة استعارت الاسم لا أكثر:
    بشرى للوطن
    يوارونك خلف الجماجم
    كي تحرس أعين الشهداء
    ينصبون لك الاختلاف
    رحمة
    يعيدون حبك
    تسجيلا و ذكرى
    و أنت الوطن
    منهم، إليك، قرابينهم
    لا يعبدون سواك
    بشراك
    وقد جمعهم هواك (أسماء الحب المستعارة،ص 57-58)
    بسخرية فيها من المرارة أكثر بكثير ممافيها من التهكم تسرد منيرة للوطن بكل ” مدن الضياع” التي تشكله، تسرد لهالموت الذي يحل بأبنائه، تحت شعار حبه، حتى صار موتهم قرابين تقدم له.
    غير أن حقيقة القرابين هذه تتكشف عارية ونحن نتجه صوب موضوع فرعي أخر و هو الظلم الذي يختفي خلف الشعاراتالبراقة،نجده خاصة مع ذكر القضية الفلسطينية حيث نعثر على تغير فيالمفردات من أهم مفردات المعجم “يستوطن،الضحايا،الزحف، المدججة ،الوطنالمسلوب ،الدمار، الغارات،الغضب، الغصة،السخط، التنكيل. و هو معجم لا يدلعلى التضحية من أجل الوطن قدر ما يدل على استباحة أهله وظلمهم و”الظلم” هوتحديدا موضوعنا الذي أُنزل بأهل الأرض،بأهل المدن المقدسة، لتتخذ الشاعرةمن أسماء الشهداء رموزا تحقق بمرجعيتها دلالات لا يحققها المعجم مهما اتسع:
    يعز علينا المقام في الصمت
    حكمة تتضاءل، تتهلهل و تتذلل
    في زمن الدبابات الفصيحة و هي تهزج ببلاغة التسلل
    إلى شرعية التنكيل بأشجار الزيتون
    براءة “شهيد”و “ملاك”..
    و “أحلام”محمد”،”فاطمة”،”آيات”و”ميسون” (الصحراء بالباب ص48)
    فإذا كان الصمت حكمة و بلاغة فإنهبفلسطين تحديدا لا يمكن أن يمثل أيّا من كل هذا، لأنه سيجلب الذل و الهوانلأهل الأرض،مع ذلك فإنه واحد من مفردات الثنائيات الضدية التي تحكمالموضوع الفرعي من الدرجة الثالثة،و هو المقاومة لا تتكرر كثيرا بلفظهاحيث ظهرت مرتان فقط، معوضة ذلك بالانشطار بين عدد من الثنائيات أهمها:تجلد/الانهزام، مقاومة/تراجع، صمت/صراخ، فرح/قرح، بسمة/ عبرة، و يبقىالمعجم زاخرا بعدها بجملة من الوحدات المعجمية منها: التوطن،الأمل،الرجاء،الصفح،الثورة،و لم ندرج الوحدتين الأخيرتين ضمن ثنائيةلأنهما برأيي ليستا متضادتين،و يبقى أن الغلبة من حيث التكرار هي للصمتالذي ورد أربعا و ثلاثين(34) مرة،و هو الرقم الذي يعكس وعيا سياسيا كبيراعند شاعرتنا، و إحساسها العميق بهيمنة الصمت على الواقع العربي،و وقع هذهالهيمنة على هذه الأمة، و إن كانت لا تجاهر بوعيها السياسي بل تخرجه فيثوب مجازي جميل،آخذت برأي جورج لوكاتش الذي يرى أن «الجمال ينقد الإنسانمن الانحطاط الإنساني المميز للمجتمع»[22]فهروبا من هول الواقع العربي تعتمد الشاعرة الرمز و تكني و لا تصرح، محلقةفي فضاء خاص مازجة موضوعاتها و متشعبة في طرح قضاياها، يحررها تحليقها علىأشرعة المجاز من الترتيبات المنطقية الدقيقة فتقرأ إذ تقرأ شعرا.
    يمكننا بعد هذا التتبع للموضوع الرئيسي والموضوعات الفرعية أن نضع مخططا يجمل القول و لا يَفصِل فيه،لأن النص يبقىمنفتحا على أكثر من قراءة. لنرصد التشجير الموضوعاتي لثيمة المدينة عندمنيرة سعدة خلخال:





    الغربة: التيه، الضياع، التشتت، الغريب
    الرحيل: الوحدة، الذهاب، الرحيل،التشظي، الاختفاء، الغياب، البون،الزوال،تباعد
    الخوف: الرعب، الفزع، الذعر
    المدينةالحب: متيم، العشق، النبض.
    الظلم: يستوطن،الضحايا،الزحف، المدججة،الوطن المسلوب الموت الدمار، الغارات،الغضب، الغصة،السخط،التنكيل
    المقاومة:التوطن، الأمل،الرجاء، الصفح ،الثورة،التجلد، الصمت
    تتوسع المدينة في الأعمال الشعرية لمنيرةسعدة خلخال لتغطي موضوعات إنسانية و قومية متنوعة، ذات وزن في ساحة الفكرو الثقافة العربية،لتخرج عن الصورة التي اصطنعها لها بعض الشعراءالمعاصرين، و تلامس وجدان المتلقي، و رغم أن شاعرتنا تخفي ذاتها الأنثىخلف مدينتها، و إلا أن هي المدينة و ما توسعت إليه من موضوعات فرعية، تعريجانبا من أنوثة الشاعرة، التي يتخطفها الضياع أمام هول ما ترى فتفتش عنالأمان ، أكاد أقول تركض حبرا على الصفحات بحثا عن الإحساس بالأمان، و هيالمشاعر التي تلح المرأة في طلبها خاصة في حياتها العاطفية أيا كانإطارها،و التي تطالب بها منيرة في حياتها داخل مدينة بالكاد تتقبلها، بللا تتقبلها إلا ذكرى، و تفتش عن الأمان داخلها، حتى يصبح ذلك اهتمامها:
    و همنا نبحث عن ألق
    و أسوار تشبه الأضلع السميكة
    تقينا الأسى و بشاعة الشمس (أسماء الحب المستعارة ص 64)
    فإذا كان الجدار معذب الشعراء النازحينمن الريف إلى المدينة فإنه الحماية التي تفتش عنها الأنثى، تريدها أسواراسميكة،تحقق لها المنعة، فتطمئن، لكنها لا تعثر عليها:
    - أخاف المطر
    جدران بيتنا مبعثرة
    و لا سقف لنا إلا الآه (أسماء الحب المستعارة ص29)
    - فكيف أغمض عيني
    عن سقوط كل السماوات
    وسقفنا مهيأ لمزيد من التمزق
    وجدران بيتنا مبعثرة (أسماء الحب المستعارة52)
    فإذا كانت «كل الأمكنة المأهولة حقا تحمل جوهر فكرة البيت»[23]و هو منح الإنسان الهناءة و ألفة المكان،فإن المدينة لابد أن تمنح شاعرتناهذه الفكرة و تجعلها تحس بالحماية،غير أن المدونة الشعرية تبرز العكستماما، فيطفوا الإحساس بالخوف،و تغيب الحماية فيشرع «الخيال يبني “جدرانا”»[24] تقيه هذا الفقد الذي يبدو فضيعا لكثرة تكراره،حتى أنه تكرر بالعبارة ذاتها في المقطعين السابقين.
    أما الصانع لهذه الأجواء النفسية التيصنعت بدورها النص الشعري، فإنها جلية في النص ذاته، حيث يستفحل الموتاللامشروع، الموت المباغت للقتلى، المرتب بدقة للقاتل.

    * استاذة بالمدرسة العليا للأساتذة ـ قسنطينة للتواصل معها :
    m.bechlem@gmail.com

    الهوامش:

    [1]: قادة عقاق،دلالة المدينة في الخطاب الشعري العربي المعاصر،دراسة فيإشكالية التلقي الجمالي للمكان،منشورات إتحاد الكتاب العرب،دمشق،2001 ،ص9(نسخة الكترونية)
    [2]:مرجع نفسه ،ص26
    [3]: المرجع نفسه،ص 94
    [4] : مختار علي أبو غالي،المدينة في الشعر المعاصر،سلسلة عالم المعرفة،الكويت،1995 ،ص 76
    [5] : المرجع السابق،ص106
    [6] : قادة عقاق،دلالة المدينة في الخطاب الشعري العربي المعاصر ،ص 75
    [7] :مختار علي أبو غالي،المدينة في الشعر المعاصر، سلسلة عالم المعرفة، الكويت ، 1995، ص19
    [8] :ينظر : قادة عقاق،دلالة المدينة في الخطاب الشعري العربي المعاصر.
    [9] : المرجع نفسه،ص 212
    [10] : يوسف وغليسي، التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري، دار ريحانة، الجزائر،2007 ، ص 51
    ([11]):ميشيل كولو، النقد الموضوعاتي، تر: غسان السيد، الآداب الأجنبية، ع93،سنة 1997، اتحاد الكتاب العرب،دمشق، ص106،نقلا عن: جان بيير ريشار،العالم الخيالي لمالارميه.
    [12]:يوسف وغليسي، خطاب التأنيث ،دراسة في الشعر النسوي الجزائري و معجم لأعلامه، محافظة مهرجان الشعر النسوي ، قسنطينة،2008ص312
    [13] :منيرة سعدة خلخال،أسماء الحب المستعارة،منشورات أصوات المدينة،2004،الجزائر،ص33
    [14] :ينظر:م.ن، ص313
    [15] :محمد جمال باروت،بنية الرمز الديناميكي و دلالاته في شعر خليل حاوي،مجلة نزوى(نسخة إلكترونية)،العدد الرابع، 17/6/2009
    [16] :منيرة سعدة خلخال،الصحراء بالباب،منشورات أصوات المدينة،2006،الجزائر،ص ص 17،18
    [17] : منيرة سعدة خلخال، أسماء الحب المستعارة،منشورات أصوات المدينة، 2004، الجزائر،ص 21
    [18] : منيرة سعدة خلخال، لا ارتباك ليد الاحتمال، منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين ، 2002، الجزائر، ص ص 80-82
    [19] : ينظر: يوسف وغليسي ، خطاب التأنيث، ص308
    [20] :أسماء الحب المستعارة ،ص ص .75،76
    [21] : مختار علي أبو غالي،المدينة في الشعر المعاصر، ص81
    [22] :مجاهد عبد المنعم مجاهد، جدل الجمال و الغترابن دار الثقافة للنشر و التوزيع،القاهرة ،1986،ص130-131
    [23] :غاستون باشلار،جماليات المكان، تر:غالب هلسا،المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع،لبنان،1984،ص36
    [24] :المرجع نفسه،الصفحة نفسها.
    

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 3:06 pm