منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات Empty مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات

    مُساهمة   الأحد ديسمبر 19, 2010 12:50 pm

    [center]
    أكتوبر
    2010







    مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات ـــ رولان بارت/ ت: د. غسان السيد





    رولان بارت/ ت: د. غسان السيد
    مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات Roland_barthes-300x197
    يعد الناقد الفرنسي رولان بارت أحد أعمدة النقد العالمي في النصف
    الثاني من القرن العشرين. وما زال تأثيره يثير جدلاً بين المؤيدين
    والمعارضين لتوجهاته النقدية والفكرية. ومع ذلك يبقى مرجعاً أساسياً، لا
    يمكن تجاوزه سواء اتفقنا معه أو خالفناه. وتعود مقالته التي أقدّم ترجمتها
    هنا، إلى منتصف الستينيات حيث كان الاتجاه البنيوي في النقد يمتد على
    مساحة واسعة من الحركة النقدية العالمية.‏

    وهناك أكثر من ترجمة لهذه المقالة: منها ترجمة أنطوان أبو زيد المنشورة
    في كتاب بعنوان (النقد البنيوي للحكاية) ضمن منشورات عويدات في بيروت، في
    سلسلة (زدني علماً). أما الترجمة الأهم فهي ترجمة د. منذر عياشي الصادرة
    عن مركز الإنماء الحضاري، في حلب، عام 1993. وعلى الرغم من الجهد الكبير
    الذي بذلـه الدكتور منذر إلاّ أنه ابتعد أحياناً عن روح النص، وخرج بذلك
    عن المعنى المقصود، بالإضافة إلى بعض الأخطاء في تقديم المصطلح البديل
    للمصطلح الفرنسي.‏

    وسأترك للقارئ أمر الموازنة، والتأكد من أهمية هذه الترجمة، والمادة العلمية التي تقدمها.‏
    مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات*‏
    لا يمكن حصر المحكيات في العالم. فهناك أولاً تنوع كبير في الأجناس،
    والتي تتوزع، هي نفسها، على ماهيات مختلفة كما لو أن كل مادة كانت مناسبة
    للإنسان لكي تمنحه محكياته: يمكن أن يدعم المحكى من خلال اللغة الواضحة،
    سواء كانت مكتوبة أو شفهية، ومن خلال الصورة الثابتة أو المتحركة، ومن
    خلال الحركة، أو من خلال خليط منظم من هذه المواد كلها، والمحكي حاضر في
    الأسطورة، والحكاية الخرافية، والحكاية، والقصة، والملحمة، والتاريخ،
    والتراجيديا، والدراما، والكوميديا، والمسرحية الإيمائية، واللوحة
    المرسومة (ونحن نفكر بالقديسة يورزول لكارباستو)، والرسم على الزجاج
    الملون، والسينما ومجالس الشعب*، والوقائع المختلفة، والمحادثة. بالإضافة
    إلى ذلك، وتحت هذه الأشكال التي لا تعد تقريباً، فإن المحكى حاضر في
    الأزمنة، والأمكنة، والمجتمعات كلها؛ لقد بدأت الحكاية مع تاريخ الإنسانية
    نفسه، لا يوجد، ولم يكن يوجد قط شعب من دون حكاية؛ فلكل الطبقات
    الاجتماعية، ولكل الجماعات البشرية حكاياتها الخاصة بها، وغالباً ما يتم
    التذوق الجماعي المشترك لهذه الحكايات من خلال ناس من ثقافات مختلفة، وحتى
    متناقضة1: المحكى يسخر من الأدب الجيد أو الأدب الضعيف: المحكى حاضر، مثل
    الحياة، فهو عالمي، ومتجاوز للتاريخ، والثقافات. أيجب أن تقود مثل هذه
    الشمولية للمحكي إلى ضياع معناه؟ وهل هو عام إلى هذا الحد الذي لا يبقى
    لنا فيه شيء نضيفه إلا وصف بعض أصنافه الخاصة جداً بصورة متواضعة، مثلما
    يفعل أحياناً التاريخ الأدبي؟ ولكن كيف يمكن السيطرة على هذه الأصناف
    نفسها، وكيف نؤسس قانوننا لتمييزها، والتعرف عليها؟ كيف نضع الرواية مقابل
    القصة، والحكاية مقابل الأسطورة، والدراما مقابل التراجيديا (وحدث ذلك ألف
    مرة) من دون العودة إلى نموذج عام؟ هذا النموذج مشترك في كل كلام عن الشيء
    الأكثر خصوصية، وتاريخية في الأشكال السردية. ولكي لا يقال إننا نهرب من
    الحديث عن المحكي، بحجة أن الأمر يتعلق بشيء عام، فإنه من المشروع، إذن،
    الاهتمام، بين حين وآخر، بالشكل المحكي (منذ أرسطو)؛ ومن الطبيعي أن تجعل
    البنيوية حديثة الولادة، من هذا الشكل من أوائل اهتماماتها: ألا يتعلق
    الأمر دائماً بالنسبة للمحكي، بحصرٍ مطلق أنواع الكلام، عبر الوصول إلى
    تحديد اللغة التي انبثقت منها هذه الأنواع، والتي يمكننا، انطلاقاً منها،
    توليدها (الأنواع)؟‏

    أما العدد المطلق للمحكيات، وتعدد وجهات النظر التي يمكننا الحديث عنها
    في هذه المحكيات (تاريخية، ونفسية، واجتماعية، وعرقية، وجمالية، إلخ…)،
    يجد المحلل نفسه، تقريباً وبالتدريج، في موقع سوسور الذي وقف أمام الشاذ
    في اللسان وبحث عن استخلاص مبدأ تصنيف، ومكان للوصف ضمن هذه الفوضى
    الظاهرة للرسائل. منذ أجل الوقوف، في هذا المجال، عند المرحلة الحالية،
    لقد علمنا الشكلانيون الروس، وبروب، وكلود ليفي شتراوس، تحديد البرهان
    التالي:‏

    المحكي إما مجرد كلام فارغ عن أحداث لا يمكننا، في أي حالة، الحديث
    عنها إلا إذا عدنا إلى الفن، والموهبة أو عبقرية السارد (المؤلف) وكل
    الأشكال الأسطورية للمصادفة2، أو أنه يمتلك بصورة عامة، مع محكيات أخرى،
    بنية قابلة للتحليل، وتحتاج إلى بعض الصبر لكشفها؛ لأن هناك هوة بين الشيء
    الصدفوي الأكثر تعقيداً، والشيء التركيبي الأكثر بساطة، ولا يستطيع أحد
    تركيب أو (إنتاج) حكاية من دون العودة إلى منظومة خفية من الوحدات
    والقواعد. أين نبحث، إذن، عن بنية الحكاية؟ الجواب هو، دون شك، في
    المحكيات. ولكن هل في المحكيات كلها؟ كثير من الشارحين الذين يوافقون على
    فكرة البنية السردية، لا يستطيعون، مع ذلك، التسليم بأبعاد التحليل الأدبي
    عن أنواع العلوم التجريبية: إنهم يطلبون، بجرأة، أن يطبق على السرد منهج
    استقرائي خالص، وأن يبدأ بدراسة كل المحكيات في جنس، وعصر، ومجتمع، من أجل
    الانتقال، بعد ذلك، إلى تقديم نموذج عام. هذه النظرة ذات المعنى الجيد
    مثالية. فاللسانيات نفسها التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف لغة لم تصل إلى هذا
    النموذج العام؛ وبعقلانية، جعلت اللسانيات من نفسها استنتاجية، بالإضافة
    إلى أنها لم تستطع إلا إلى اليوم أن تتشكل بصورة حقيقية، وأن تتطور، وأن
    تتنبأ بأشياء لم تكن معروفة من قبل3. ما الذي يقال، إذن، عن التحليل
    السردي، الموضوع أمام ملايين من المحكيات؟ إن التحليل محكوم عليه اللجوء
    إلى الطريقة الاستنتاجية، وهو مجبر، أولاً، على تصور نموذج افتراضي للوصف
    (والذي يسميه اللغويون الأمريكيون نظرية)، وعلى النزول، بعد ذلك،
    بالتدريج، وبالاعتماد على هذا النموذج، نحو الأنواع التي تسهم فيه، وتبتعد
    عنه في الوقت نفسه: وهو في مستوى هذه المطابقات والانزياحات فقط، سيجد
    تعددية المحكيات وتنوعها التاريخي، والجغرافي، والثقافي4، وهو يمتلك وسيلة
    وحيدة للوصف.‏

    من أجل تحديد التنوع المطلق للمحكيات وتصنيفها، يجب، إذن، امتلاك نظرية
    (بالمعنى البراغماتي الذي تحدثنا عنه منذ قليل)، ويجب العمل أولاً على
    البحث عنها، ووضع خطوطها العريضة. يمكن أن يكون تأسيس هذه النظرية سهلاً
    جداً إذا خضعنا منذ البداية، لنموذج يقدم لها مصطلحاتها ومفهوماتها
    الأولى. ضمن الواقع الحالي للبحث، يبدو منطقياً، أن تقدم اللسانيات نفسها
    كنموذج مؤسس للتحليل البنيوي للحكاية.‏

    1-لغة المحكي‏
    1-1-ما وراء الجملة.‏
    إننا نعرف أن اللسانيات توقفت عند الجملة: إنها الوحدة الأخيرة التي
    تعتقد اللسانيات بأحقية الاهتمام بها، في الواقع، إذا كانت الجملة منظومة
    وليست سلسلة، ولا يمكن اختزالها إلى مجموعة من الكلمات التي تؤلفها، وتشكل
    بذلك، وحدة أصيلة، فإن الملفوظ، بالعكس، ليس شيئاً آخر غير تتابع للجمل
    التي تؤلفه: من وجهة نظر اللسانيات، لا يمتلك الخطاب شيئاً خارج الجملة:
    “يقول مارتينيه: الجملة هي أصغر وحدة ممثلة للخطاب بصورة كاملة6. “لم تهتم
    اللسانيات بموضوع أعلى من الجملة، لأنه لا يوجد بعد الجملة إلا جمل أخرى:
    إن عالم النبات الذي يصف الزهرة، لا يستطيع الاهتمام بوصف الباقة. ومع
    ذلك، من الواضح أن الخطاب نفسه (بوصفه مجموعة من الجمل) منظم، ويبدو، من
    خلال هذا التنظيم، كرسالة من لغة أخرى متفوقة على لغة اللسانيين7: للخطاب
    وحداته، وقواعده، ونحوه: وفيما وراء الجملة، فإن على الخطاب أن يكون، على
    الرغم من تركيبه من جمل فقط، موضوع لسانيات ثانية بصورة طبيعية. كان
    للسانيات الخطاب هذه، وخلال حقبة طويلة عنوان معروف هو: البلاغة؛ ولكن،
    وكنتيجة للعبة تاريخية، انتقلت البلاغة إلى جانب الآداب الجميلة، وانفصلت
    الآداب الجميلة عن دراسة اللغة، ووجب حديثاً إعادة طرح المشكلة من جديد:
    لم تتطور لسانيات الخطاب الجديدة بعد، ولكنها، على الأقل، مسلم بها من قبل
    اللسانيين أنفسهم8. هذا الأمر ذو دلالة: على الرغم من أن الخطاب يشكل
    موضوعاً مستقلاً، إلا أنه يجب أن يدرس بالاعتماد على اللسانيات؛ إذا كان
    يجب تقديم فرضية عمل لتحليل مهمته كبيرة جداً، ومواده لا يمكن حصرها، فإنه
    من المنطقي أن نبحث عن علاقة متماثلة بين الجملة وبين الخطاب، إلى الحد
    الذي يكون فيه التنظيم الشكلي نفسه هو الذي يتحكم بكل المنظومات
    السيميائية، مهما تكن ماهياتها، وأبعادها: الخطاب هو جملة كبيرة (ليس
    بالضرورة أن تكون وحداتها جملاً)، مثلما أن الجملة تشكل خطاباً صغيراً.‏

    تنسجم هذه الفرضية، جيداً، مع بعض مقترحات علم الإناسة الحالي، لاحظ
    جاكبسون، وكلود ليفي شتراوس أن الإنسانية تستطيع أن تعرف عن نفسها من خلال
    القدرة على خلق منظومات ثانوية “كابحة” (أدوات تفيد في صنع أدوات أخرى،
    لفظ مزدوج للسان، موضوع المحرم الذي يسمح بتفريع العائلات)، يفترض اللساني
    السوفياتي إيفانوف أنه لا يمكن اكتساب اللغات الاصطناعية إلا بعد اللغات
    الطبيعية: تكمن الأهمية بالنسبة للناس في القدرة على استخدام أنساق عديدة
    للمعنى وعلى مساعدة اللغة الطبيعية في تشكيل لغات اصطناعية. من المشروع،
    إذن، التسليم بوجود علاقة “ثانوية” بين الجملة والخطاب، وستسمى هذه
    العلاقة تماثلية، من أجل احترام الصفة الشكلية الخالصة للتطابقات. من
    الواضح أن اللغة العامة للمحكي ليست إلا إحدى الاصطلاحات اللسانية المقدمة
    للسانيات الخطاب9، وتخضع، بالنتيجة إلى الفرضية التماثلية: المحكي،
    بنيوياً، شريك الجملة، دون إمكانية أن يختزل إلى مجموعة من الجمل: المحكي
    جملة كبيرة، مثلما أن كل جملة محققة هي، بطريقة معينة، بداية حكاية قصيرة.
    على الرغم من أن الأنواع الرئيسية للفعل تمتلك في المحكي دوالاً أصيلة
    (وغالباً معقدة كثيراً) فإننا نجدها فيه، في الواقع، وهي متضخمة ومتحولة:
    مثل الأزمنة، والصيغ، والنماذج، والشخصيات، بالإضافة إلى ذلك، تعارض
    “الموضوعات” نفسها المحمولات الفعلية، ولا تترك نفسها للخضوع للنموذج
    الجملي (من الجملة): لقد وجد التصنيف الفاعلي الذي اقترحه غريماس10 وظائف
    أساسية للتحليل القواعدي عبر كثرة شخصيات الحكاية. إن التماثل الذي نشير
    إليه هنا لا يحمل فقط قيمة استكشافية: إنه يفترض وحدة الهوية بين اللغة
    والأدب (على الرغم من أنه نوع من الناقل المفضل للمحكي): لم يعد ممكناً
    تصور الأدب كفن لا يهتم بأي علاقة مع اللغة، منذ أن يستخدمها كأداة
    للتعبير عن الفكر، والعاطفة، أو الجمال: لا تتوقف اللغة عن مرافقة الخطاب
    عبر تغطيته بمرآة بنيتها الخاصة: ألا يصنع الأدب، خاصة اليوم، لغةً،
    بالشروط نفسها للغة؟‏

    1-2-مستويات المعنى:‏
    تقدم اللسانيات إلى التحليل البنيوي للمحكي، منذ البداية، تصوراً
    حاسماً، لأنها تهتم مباشرة بكل ما هو أساسي في أي نظام للمعنى، أي طريقة
    تنظيمه، وتسمح، في وقت واحد، بالتعبير عن كيفية أن المحكي ليس مجموعة
    بسيطة من العبارات، وبتصنيف الكمية الكبيرة من العناصر التي تدخل في تركيب
    المحكي. هذا التصور هو تصور مستوى الوصف12. إننا نعرف أن الجملة يمكن أن
    توصف على مستويات عديدة (صوتية، من حيث العناية بالأصوات الإنسانية شرحاً
    وتحليلاً، والقيام بالتجارب عليها دون نظر خاص إلى ما تنتمي إليه من لغات،
    وإلى أثر تلك الأصوات في اللغة من الناحية العملية، أو من حيث البحث في
    الأصوات ذات الوظيفة الدلالية في إحدى اللغات كالبحث في السين والصاد مثل
    سبر وصبر، ونحوية وسياقية)، تقع هذه المستويات ضمن علاقة تراتبية، لأنه
    إذا كان لكل مستوى وحداته وعلاقاته الخاصة به، مما يجبر كل مستوى من هذه
    المستويات على وصف مستقل، فإن أياً منها لا يستطيع لوحده أن ينتج معنى: كل
    وحدة تنتمي إلى مستوى معين لا تمتلك معنى إلا إذا استطاعت الاندماج بمستوى
    أعلى: الظاهرة في ذاتها، لا تدل على شيء على الرغم من أنها قابلة للوصف
    بصورة كاملة؛ وهي لا تشارك في المعنى المندمج في كلمة، وعلى الكلمة نفسها
    أن تندمج في الجملة13.‏

    تقدم نظرية المستويات (مثلما عبر عنها بينفنست) نموذجين من العلاقات:
    العلاقات التوزيعية (إذا كانت العلاقات متموضعة على مستوى واحد)،
    والعلاقات الاندماجية (إذا كانت منقولة من مستوى إلى مستوى آخر). ينتج عن
    ذلك، أن العلاقات التوزيعية لا تكفي لإدراك المعنى. من أجل القيام بتحليل
    بنيوي، يجب أولاً، تمييز أحكام عديدة للوصف، ووضع هذه الأحكام ضمن منظور
    تراتبي (اندماجي). المستويات هي عمليات14. من الطبيعي، إذن، أن تحاول
    اللسانيات الإكثار منها، خلال عملية تطورها. ما زال تحليل الخطاب غير قادر
    على العمل إلا على مستويات أولية كانت البلاغة قد حددت للخطاب، بطريقتها،
    خطتي وصف: هما التنظيم والبيان.‏

    قرر كلود ليفي شتراوس، في تحليله لبنية الأسطورة، أن الوحدات المكونة
    للخطاب الأسطوري لا تحمل دلالة إلا لأنها مجموعة ضمن مجموعات، وهذه
    المجموعات نفسها تتحد فيما بينها16، ويقترح تودوروف، وهو يعيد أخذ فكرة
    الشكلانيين الروس، العمل على مستويين كبيرين، ينقسمان بدورهما إلى أقسام
    صغرى: القصة (البرهان) المتضمنة لمنطق الأفعال، و “علم تركيب كلام”
    الشخصيات، والخطاب المشتمل على أزمنة الحكي، وصيغه،‏ونماذجه17.‏

    مهما يكن عدد المستويات الذي نقترحه، والتعريفات التي نعطيها عنها، لا
    يمكن أن نثق إلا بأن المحكي هو ترتيب للأحكام. إن فهم حكاية معينة، لا
    يعني فقط متابعة فك خيط القصة، ولكنه يعني أيضاً التعرف على “الطبقات”
    فيها، وإسقاط العلاقات الأفقية “للخيط” السردي على محور عامودي ضمني، إن
    قراءة حكاية (أو الاستماع إليها) لا تعني فقط الانتقال من كلمة إلى كلمة
    أخرى، ولكنها تعني أيضاً الانتقال من مستوى إلى مستوى آخر.‏

    سأسمح لنفسي هنا بانتهاج نوع من الدفاع: في “الرسالة المسروقة” يحلل
    الشاعر الأمريكي “بو” بدقة فشل مدير الشرطة العاجز عن إيجاد الرسالة: كانت
    حملاته التفتيشية دقيقة وكاملة، مثلما يقول، “ضمن دائرة اختصاصه”: لم يهمل
    ضابط الشرطة أي مكان، و”أشبع بصورة كاملة مستوى التفتيش”، ولكن من أجل
    العثور على الرسالة التي يحميها بيقظته؛ كان يجب الانتقال إلى مستوى آخر،
    واستبدال حصافة رجل البوليس بحصافة مخفي الرسالة. وبالطريقة نفسها، إن
    “التفتيش” الذي تم على مجموعة أفقية من العلاقات السردية، لم يكتمل، ولكي
    يكون فعالاً، يجب أن يتوجه أيضاً، “عمودياً”: لا يتموضع المعنى في “نهاية
    الحكاية”، إنه يتجاوزها؛ وهو واضح أيضاً كالرسالة المسروقة، ولا يمكن أن
    يضيع إلا في البحث وحيد الجانب.‏

    وهناك دراسات ما زالت ضرورية لكي يمكننا التأكد من مستويات المحكي. وما
    سنقترحه هنا يشكل صيغة مؤقتةً، وأهميتها تعليمية حصراً: إنها تسمح بتحديد
    المشكلات وتجميعها، من دون أن نختلف، كما نعتقد، مع بعض التحليلات
    السابقة. إننا نقترح التمييز بين ثلاثة مستويات للوصف ضمن العمل السردي:
    مستوى الوظائف (بالمعنى الذي تحمله هذه الكلمة عند بروب وعند بريمون)،
    ومستوى الأفعال (بالمعنى الذي تحمله هذه الكلمة عند غريماس عندما يتحدث عن
    الشخصيات كشخصيات فاعلة)، ومستوى “السرد” (الذي هو، بوضوح، مستوى الخطاب
    عند تودوروف). نريد أن نذكر أن هذه المستويات الثلاثة ترتبط فيما بينها
    وفق نموذج الاندماج التدريجي: لا معنى للوظيفة في ذاتها إلا إذا أخذت
    موقعها ضمن العمل العام لفاعل معين؛ وهذا العمل نفسه يأخذ معناه الأخير من
    حقيقة أنه مسرود، ومعهود به إلى خطاب له قانونه الخاص به.‏

    2-الوظائف‏
    2-1-تحديد الوحدات:‏
    تتألف كل منظومة من وحدات طبقاتها معروفة، ولذلك يجب، أولاً، تقطيع
    الحكاية، وتحديد أقسام الخطاب السردي التي يمكننا توزيعها على عدد صغير من
    الطبقات؛ وبكلمة واحدة، يجب تعيين أصغر الوحدات السردية. ووفق المنظور
    الاندماجي الذي عرفناه هنا، لا يمكن للتحليل أن يكتفي بتعريف توزيعي خالص
    للوحدات: يجب أن يكون المعنى، منذ البداية، هو معيار الوحدة: إن السمة
    الوظيفية لبعض أجزاء القصة هي التي تصنع الوحدات فيها: من هنا يأتي اسم
    الوظائف الذي أعطي مباشرة لهذه الوحدات الأولى. يقسم كل جزء من القصة، منذ
    عهد الشكلانيين الروس18 إلى وحدة، ويقدم هذا الجزء كنهاية علاقة. إن روح
    كل وظيفة، هي بذرتها، إذا جاز التعبير، مما يسمح لها بزرع عنصر في الحكاية
    ينضج لاحقاً، على المستوى نفسه، أو على مستوى آخر: إذا كان فلوبير قد
    أخبرنا في عمله (قلب بسيط)، وفي لحظة معينة، أن بنات معاون قائد الشرطة في
    مدينة leveque Pont كن يمتلكن ببغاء، فذلك لأن هذا الببغاء سيكون له أهمية
    كبيرة، بعد ذلك، في حياة فيليسيتي: إن التعبير عن هذا التفصيل (مهما يكن
    الشكل اللساني)، يشكل، إذن، وظيفة، أو وحدة سردية. هل لكل شيء في الحكاية
    وظيفة؟ وهل لكل تفصيل مهما صغر معنى؟ هل يمكن أن تقسم الحكاية إلى وحدات
    وظيفية، بصورة كاملة؟ سنرى هذا لاحقاً، ولكن مما لا شك فيه أن هناك نماذج
    عديدة من الوظائف: لأن هناك نماذج عديدة من العلاقات. ولا نجافي الحقيقة
    إذا قلنا إن بناء الحكاية يقوم دائماً على وظائف: وكل شيء فيها يحمل
    دلالة، بدرجات مختلفة. وهذه ليست مسألة فن (من قبل السارد) ولكنها مسألة
    بنية: إن ما يسجل، ضمن نظام الخطاب، يستحق الذكر، في الأصل، عندما يبدو
    تفصيل معين دون معنى، ومتمرداً على أي وظيفة، فإنه يحمل، على الأقل، معنى
    العبث أو اللا فائدة: إذا لم يكن للشيء معنى انتفى وجوده. يمكننا القول
    بطريقة أخرى إن الفن لا يعرف الضجيج (بالمعنى الإخباري للكلمة)19: إنه
    نظام خالص، ولا وجود للوحدات الضائعة20، وسواء كان الخيط طويلاً أم
    واهناً، أم متماسكاً، فإنه هو الذي يربطها بأحد مستويات القصة21. إن
    الوظيفة، من وجهة نظر لسانية، هي وحدة من المضمون: هذا يعني أن الملفوظ هو
    الذي يشكل المضمون ضمن وحدات وظيفية،22 وليس الطريقة التي عبر بها عن هذا
    المضمون. هذا المدلول التأسيسي يمكن أن يمتلك عدداً من الدوال المختلفة،
    مراوغة غالباً: إذا قيل لي في (غولدفينجر) إن جيمس بوند رأى رجلاً في
    الخمسين من عمره، فإن هذه المعلومة تنطوي على وظيفتين، في وقت واحد،
    وتأثيرهما غير متوازن: إن عمر الشخصية يندمج، من جهة، ضمن نوع من الصورة
    الشخصية (وفائدة ذلك ليست معدومة في الحكاية، ولكنها منتشرة، ومؤجلة)، ومن
    جهة أخرى، إن المدلول الآني للملفوظ هو أن بوند لا يعرف محاوره المستقبلي:
    تتطلب الوحدة، إذن، علاقة قوية جداً، (انفتاح خطر معين، وإلزام بالتحقق).
    من أجل تعيين الوحدات السردية الأولى، من الضروري، إذن، ألا نضيع، أبداً،
    من أمامنا السمة الوظيفية للأجزاء التي نفحصها، وأن نقبل، مسبقاً، أن هذه
    الأقسام لا تتطابق، بصورة قدرية، مع الأشكال التي نعرفها، تقليدياً، في
    مختلف الأقسام من الخطاب السردي (أفعال، مشاهد، مقاطع، حوارات، حوارات
    داخلية إلخ..)، وبصورة أقل، مع طبقات ((نفسية)) (مثل التصرفات، والمشاعر،
    والأهداف، والدوافع، وعقلانية الشخصيات).‏

    وبالطريقة نفسها، عندما لا تكون لغة السرد هي لغة الكلام الملفوظ على
    الرغم من أنها تدعمها غالباً، فإن الوحدات السردية ستصبح جوهرياً مستقلة
    عن الوحدات اللسانية: من المؤكد أن هذه الوحدات يمكن أن تتطابق، ولكن ليس
    باستمرار؛ وستُقدم الوظائف، تارة، عبر وحدات أعلى من الجملة (مجموعات من
    الجمل بمقاييس مختلفة، وحتى إلى العمل في كليته)، وتارةً أخرى عبر وحدات
    أدنى من الجملة (مثل التركيب التعبيري، والكلمة، وحتى ضمن الكلمة بعض
    العناصر الأدبية فقط)؛23 عندما يقال لنا إن بوند يناوب في مكتبه، ويعمل في
    قسم سري، وفجأة يرن الهاتف (يرفع بوند إحدى السماعات الأربع)، فإن الرقم
    أربعة يشكل لوحده وحدة وظيفية، لأنه يحيل إلى تصور ضروري لمجموعة القصة
    (وهو التقنية البيروقراطية العالية)؛ في الواقع، إن الوحدة السردية هنا
    ليست هي الوحدة اللغوية (الكلمة) ولكن فقط قيمتها الدلالية (لغوياً، لا
    تهدف الكلمة أربعة أبداً التعبير عن ((الأربعة))؛ هذا يفسر أن بعض الوحدات
    الوظيفية يمكن أن يكون أدنى من الجملة، مع بقائها تابعة للخطاب، إنها
    تتجاوز، عندئذٍ، ليس الجملة التي تبقى مادياً أدنى منها، ولكنها تتجاوز
    مستوى الدلالة الذي ينتسب، مثل الجملة، للسانيات بالمعنى الدقيق للكلمة.‏

    2-2-طبقات الوحدات:‏
    يجب تقسيم هذه الوحدات الوظيفية إلى عدد قليل من الطبقات الشكلية. إذا
    أردنا تحديد هذه الطبقات دون العودة إلى جوهر المضمون (مثل الجوهر
    النفسي)، فإنه يجب، من جديد، النظر إلى مختلف مستويات المعنى: ترتبط بعض
    الوحدات بوحدات أخرى في المستوى نفسه، ولكي يتم إشباع الوحدات الأخرى، يجب
    على العكس من هذا، الانتقال إلى مستوى آخر. من هنا تأتي، منذ البداية،
    طبقتان كبيرتان من الوظائف، الوظائف الأولى هي وظائف توزيعية، والوظائف
    الأخرى هي وظائف اندماجية. تتطابق الأولى مع وظائف بروب، والتي أعاد
    بريمون أخذها، خاصة، ويطلق على هذه الوظائف التوزيعية اسم “وظائف” (على
    الرغم من أن الوحدات الأخرى هي أيضاً وظيفية)؛ ونموذجها كلاسيكي منذ تحليل
    توماشفسكي: إن شراء مسدس حربي يرتبط باللحظة التي سنستخدمه فيها، (وإذا لم
    نستخدمه، فإن الإشارة ترجع إلى علامة ضعف إرادة)، وإن رفع سماعة الهاتف
    مرتبط باللحظة التي نعيدها فيها إلى مكانها؛ وإدخال الببغاء إلى بيت
    فيليسيتي مرتبط بحادثة الحشو بالقش، والعشق الهيامي، الخ. تتضمن الطبقة
    الكبيرة الثانية من الوحدات، ذات الطبيعة الاندماجية، كل الإشارات
    (بالمعنى الشامل جداً للكلمة) 24، وبهذا لا تحيل الوحدة إلى فعل تكميلي
    يكون فيها نتيجة، ولكنها تحيل إلى تصور موسع، إلى حد ما، وضروري لمعنى
    القصة: مثل الإشارات الطبيعية المتعلقة بالشخصيات، والمعلومات النسبية عن
    هويتهم، وأخبار الطقس، الخ؛ إن علاقة الوحدة بلازمتها لم تعد علاقة
    توزيعية (تحيل إشارات عديدة غالباً إلى مدلول واحد، ولم يعد نظام ظهورها
    في الخطاب متعلقاً بالموضوع، بالضرورة) ولكنها علاقة اندماجية؛ ولكي نفهم
    فائدة العلامة الإشارية يجب الانتقال إلى مستوى أعلى (أفعال الشخصيات أو
    السرد)، لأنه هنا فقط يُفك رمز الإشارة، إن القوة المؤسساتية الداعمة
    لبوند، والواضحة من خلال عدد أجهزة الهاتف، ليس لها أي انعكاس على توالي
    الأفعال التي ينخرط فيها بوند عبر قبول الاتصال؛ ولا تأخذ معنى إلا على
    مستوى تصنيف عام للفاعلين (بوند من جهة النظام)؛ إن الإشارات هي وحدات
    دلالية حقيقية، من خلال الطبيعة العامودية، إلى حد ما، لعلاقاتها، لأن هذه
    الإشارات، وبعكس ((الوظائف)) بالمعنى الدقيق للكلمة، تحيل إلى مدلول، وليس
    إلى ((عملية))؛ إن صحة الإشارات ((أعلى))، وقد تكون أحياناً افتراضية،
    خارج التركيب التعبيري الواضح (يمكن ألا يسمى طبع شخصية معينة أبداً،
    ولكنه مع ذلك، يشار إليه باستمرار)، وهذه صحة نموذجية، في مقابل ذلك، إن
    صحة ((الوظائف)) بعيدة دائماً، فهي صحة تركيبية دلالية. تتضمن الوظائف
    والإشارات، إذن تمييزاً كلاسيكياً آخر: تتطلب الوظائف علاقات كنائية،
    وتفرض الإشارات العلاقات الاستعارية؛ تتطابق إحداها مع وظيفية العمل،
    وتتطابق الأخرى مع وظيفية الوجود.‏

    يجب أن تسمح هاتان الطبقتان الكبيرتان المتعلقتان بالوظائف والإشارات بنوع من التصنيف للمحكيات.‏
    بعض المحكيات وظيفية بقوة (مثل الحكايات الشعبية)، وفي مقابل ذلك، هناك
    محكيات إشاراتية بقوة (مثل الروايات النفسية)؛ وبين هذين المحورين، يوجد
    سلسلة من الأشكال الوسيطة، والمتعلقة بالقصة، والمجتمع، والجنس. ولكن هذا
    ليس كل شيء: داخل كل طبقة من هاتين الطبقتين، من الممكن، مباشرةً، تحديد
    طبقتين فرعيتين من الوحدات السردية.‏

    إذا أخذنا طبقة الوظائف، ليس لوحداتهما الأهمية نفسها؛ فبعضها يشكل
    مفاصل حقيقية للمحكي (أو المقطع من المحكي)؛ وبعضها الآخر ((يملأ)) الفضاء
    السردي الذي يفصل الوظائف المفصلية: تسمى الأولى الوظائف الرئيسية (أو
    المركزية)، وتسمى الثانية وظائف تحضيرية، بالنظر إلى طبيعتها التكميلية.
    لكي تكون وظيفة معينة وظيفة رئيسية، يكفي أن يفتح الفعل الذي تستند إليه
    (أو يحافظ أو يغلق) نهاية متكررة بالنسبة إلى تتمة القصة، أي أن يدشن أو
    ينهي الشك؛ إذا كان الهاتف يرن في جزء من الحكاية، فإنه من الممكن أيضاً
    أن نجيب عليه أو لا نجيب، مما يقضي بتوجيه القصة ضمن طريقتين مختلفتين. في
    المقابل، من الممكن دائماً امتلاك إشارات تحضيرية، بين وظيفتين رئيسيتين،
    تتجمع حول قطب أو آخر دون تعديل طبيعتها التناوبية: إن الفضاء الذي يفصل
    ((الهاتف رن)) و ((بوند رفع السماعة)) يمكن أن يملأ بكمية كبيرة من
    الحوادث العرضية الصغيرة، والأوصاف الصغيرة: ((بوند يتوجه نحو المكتب،
    يتناول السماعة، ويضع سيكارته))، الخ. تبقى هذه المحفزات وظيفية، ضمن الحد
    الذي تدخل فيه بارتباط مع مركز معين، ولكن وظيفتها مخففة، وأحادية الجانب،
    وهامشية: يتعلق الأمر هنا بوظيفية تاريخية خالصة، (إننا نصف ما يفصل بين
    لحظتين من لحظات التاريخ)، في حين أنه في المكان الذي يجمع وظيفتين
    رئيسيتين، تتجلى وظيفية مزدوجة، فهي تاريخية ومنطقية، في وقت واحد: إن
    الوظائف التحضيرية ليست إلا وحدات تعاقبية، والوظائف الرئيسية هي وحدات
    تعاقبية ومنطقية في الوقت نفسه. في الواقع، كل شيء يبعث على الاعتقاد أن
    باعث النشاط السردي هو تداخل التعاقب والنتيجة، إن ما يأتي -بعد- يقرأ في
    المحكي على أنه حدث عبر…؛ يصبح المحكي، في هذه الحالة، تطبيقاً نظامياً
    للخطأ المنطقي، المفروض من الفلسفة المدرسية تحت صيغة (بعد هذا، بسبب قربه
    من هذا) والذي يمكن أن يكون شعار القدر والذي يكون فيه المحكي، بصورة
    عامة، هو ((اللغة))؛ وهذا (السحق) للمنطق وللزمن هو دعامة الوظائف
    الرئيسية التي تكملها، من النظرة الأولى، يمكن أن تكون هذه الوظائف عبر
    دلالية بقوة؛ وما يشكلها، ليس المشهد (الأهمية، والمجلد، والندرة وقوة
    الفعل الملفوظ)، ولكن، إذا أمكن القول، الخطر: إن الوظائف الرئيسية هي
    لحظات الخطر في الحكاية؛ بين هاتين النقطتين من التعاقب، وبين هذين
    المركزين للتوزيع، تمتلك المحفزات الفرعية مناطق أمان، واستراحة ورفاهية؛
    مع ذلك، لهذه (الكماليات)) فائدة: من وجهة نظر القصة، يجب تكرار أن
    المحفّز يمكن أن يمتلك وظيفة ضعيفة ولكنها ليست قط معدومة: هل هو زائد
    (بالمقارنة مع مركزه)، ويشارك في اقتصاد الرسالة؛ ولكن ليست هذه هي
    الحالة: إن الإشارة الزائدة في الظاهر، تحمل دائماً وظيفة استدلالية: إنها
    تسرع الخطاب، أو تؤخره، أو تعمل على دفعه، وهي تلخص، وتستبق، وأحياناً
    تضيع27: يبدو المؤشّر إليه دائماً شيئاً يستحق الذكر، والمحفز يوقظ
    باستمرار التوتر الدلالي للخطاب المقول: وكان لهذا المؤشّر إليه، وسيكون
    له دائماً معنى في الخطاب؛ إن الوظيفة الدائمة للمحفّز، إذن، وفي كل
    الحالات، هي وظيفة تنبيهية (إذا استخدمنا تعبير جاكبسون)؛ فهي تحافظ على
    التواصل بين السارد والمسرود له. لنقل إنه لا يمكن إلغاء مركز معين دون
    تشويه القصة، ولا يمكن أيضاً إلغاء محفّز دون تشويه الخطاب. أما فيما
    يتعلق بالطبقة الكبيرة الثانية من الوحدات السردية (الإشارات)، الطبقة
    الاندماجية، فإن الوحدات التي توجد فيها تشترك في أنها لا تستطيع أن ترمم
    نفسها (أو أن تكتمل) إلا على مستوى الشخصيات أو على مستوى السرد؛ إنها
    تشكل جزءاً من علاقة معلمية28، يستمر تعبيرها الثاني الخفي، والتوسعي في
    حدث، أو شخصية، أو في العمل كله؛ مع ذلك، يمكن أن نميز في هذه الوحدات
    إشارات بالمعنى الدقيق للكلمة، تحيل إلى طبع، أو إحساس، أو جو معين (مثل
    الشك) أو فلسفة، أو معلومات، والذين يفيدون في التموضع ضمن الزمن والفضاء.
    إن القول بأن بوند مناوب في مكتب مفتوح النافذة يفسح المجال لرؤية القمر
    بين غيوم كثيفة تتحرك، وفي هذا إشارة إلى ليلة صيف عاصفة، ويشكل هذا
    الاستنتاج نفسه إشارة مناخية تحيل إلى المناخ الثقيل، والمقلق لفعل لم
    نعرفه بعد. تحمل الإشارات دائماً، إذن، مدلولات خفية؛ وفي المقابل، فإن
    المخبرين لا يحملون هذه المدلولات، على مستوى القصة على الأقل: وهذه
    معطيات خالصة، ودالة مباشرة. تتطلب الإشارات نشاطاً لفك الرموز: يتعلق
    الأمر بالنسبة للقارئ، بالتعرف على طبع ومناخ: يقدم المخبرون معرفة جاهزة؛
    إن وظيفتهم، مثل وظيفة المحفزات، ضعيفة، إذن، ولكنها ليست عديمة الفائدة:
    إن الخبر، مهما كانت “كمدته” بالنسبة إلى بقية القصة، (مثل العمر الدقيق
    لشخصية معينة)، يفيد في إعطاء مصداقية لواقعية المرجع، وفي تجذير التخييل
    في الواقع: إنه عامل واقعي، وبهذه الصفة، يمتلك وظيفية أساسية، ليس على
    مستوى القصة، ولكن على مستوى الخطاب29.‏

    يبدو أن النويات المركزية، والمحفزات، والإشارات، والمخبرين، يشكلون
    الطبقات الأولى التي يمكن أن نوزع عليها وحدات المستوى الوظيفي. يجب إلحاق
    هذا التصنيف بملاحظتين. أولاً، إن أي وحدة يمكن أن تنتمي، في الوقت نفسه،
    إلى طبقتين مختلفتين: إن شرب الويسكي (في سوق في مطار) هو فعل يمكن أن
    يفيد كمحفز للإشارة “الرئيسية” للانتظار، وهو أيضاً، وفي الوقت نفسه،
    إشارة إلى نوع من الوسط المكاني (مدنية، استرخاء، ذكريات، الخ): بقول آخر،
    يمكن أن تكون بعض الوحدات مختلطة. إنها لعبة الشكل الممكن في اقتصاد
    الحكاية؛ في رواية “غولدفينجر”، يتلقى بوند، قبل التفتيش في غرفة عدوه،
    موافقة على التفتيش من رئيسه: الإشارة هي وظيفة “رئيسية” خالصة؛ لقد تغيّر
    هذا التفصيل، في الفيلم: يختطف بوند صرة الخادمة وهو يداعبها، دون أن
    تعترض، لم تعد الإشارة وظيفية فقط، ولكنها علاماتية أيضاً، حيث تحيل إلى
    طبع بوند (مثل جرأته ونجاحه مع النساء).‏

    وفي المكان الثاني، يجب ملاحظة أن الطبقات الأخرى التي تحدثنا عنها
    يمكن أن تخضع لتوزيع آخر، أكثر انسجاماً مع النموذج اللساني. في الواقع،
    تمتلك المحفزات، والإشارات، والمخبرون سمة مشتركة. فهم يشكلون امتدادات
    بالنسبة إلى النويات المركزية: تشكل النويات (مثلما سنرى) مجموعات منجزة
    من التعبيرات القليلة إلى حد ما، ويتحكم فيه منطق معين، فهي ضرورية
    وكافية، في الوقت نفسه؛ تأتي الوحدات الأخرى لملأ هذه البنية المعطاة، وفق
    نموذج التزايد المطلق، من حيث المبدأ؛ إننا نعرف أن هذا هو ما يحدث
    بالنسبة للجملة المكونة من جمل بسيطة، المركبة باستمرار من إضافات، وملأ
    فراغات، وتغليفات، إلخ…: والمحكي، مثل الجملة، قابل للتحفيز باستمرار.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 7:46 pm