منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    أسئلة من : د.مازن الوعر

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    أسئلة من : د.مازن الوعر Empty أسئلة من : د.مازن الوعر

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 4:42 am

    أسئلة لسانية لنقاد الأدب ـــ د. مازن الوعر
    العدد 712 تاريخ 10/6/2000 | 2009-03-30



    أسئلة لسانية لنقاد الأدب ـــ د. مازن الوعر

    ما زلت أذكر في السبعينات –عندما كنت طالباً في جامعة دمشق- نصيحة أستاذي الكبير الدكتور حسام الخطيب بضرورة دراسة فرع جديد من العلوم المعرفية (الإبستيمولوجية) يسمى اللسانيات (Linguistics) وقتها كنت منغمساً تماماً في الأدب والنقد الأدبي، وكنت في أوج طموحاتي الأدبية والنقدية- وهو الذي عرفني من خلال هذه الطموحات التي أدت بي إلى الالتحاق بالدراسات العليا- الشعبية الأدبية. ولكن نصيحة أستاذي ما لبثت أن شحذت بنصيحة أكثر دفعاً وحماساً جاءت من خلال استقطاب هذا الباحث الكبير كوكبة العلوم اللسانية في الوطن العربي لإلقاء محاضرات في العلوم اللغوية الحديثة على طلبة الدراسات العليا (الأدبية واللغوية) وذلك عندما كان رئيساً لقسم اللغة العربية في جامعة دمشق ومعاوناً لوزير التعليم العالي.‏

    في تلك الأيام الحلوة الجميلة والمفعمة بالعلم والثقافة والطموح، دعا أستاذنا الدكتور حسام الخطيب أستاذاً فاضلاً من الجزائر، يعتبر في رأيي ورأي الكثيرين ممن عرفوه حق المعرفة الأب الحقيقي للسانيات العربية في الوطن العربي ألا وهو الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح، رئيس الوحدة اللسانية التكنولوجية في جامعة الجزائر ورئيس تحرير مجلة اللسانيات، ذلك الرجل العبقري الذي جمع ثقافتين لسانيتين في آن واحد، ثقافة عربية قديمة ورثها عن جامعة الأزهر عندما كان طالباً يحضر درجة الدكتوراه، وثقافة لسانية غربية حديثة ورثها عن جامعة السوربون عندما كان طالباً يحضر درجة الدكتوراه الثانية.. وقد تفاعلت الثقافتان اللسانيتان القديمة والحديثة تفاعلاً عجيباً استطاع الرجل من خلالهما أن يكتشف ما لم يستطع أحد اكتشافه حول العقل العجيب والفذ الذي كان يتمتع به علماؤنا العرب الأوائل في الثقافة اللغوية بكافة مستوياتها الصوتية والنحوية والدلالية ولا سيما عند سيبويه والخليل والرماني والإستراباذي والجرجاني وابن جني وابن قتيبة والغزالي وعند علماء التجويد الأفذاذ. حتى أن هذا الاكتشاف دعا أستاذنا الجليل لأن يؤسس مدرسة قائمة برأسها تعد استمراراً للمدرسة القديمة أسماها "المدرسة الخليلية الحديثة" التي يشرفني أن أكون واحداً ممن يؤمنون بقواعدها وضوابطها وأسسها.‏

    وهكذا، وبعد أن فتح هذان العالمان مستفيداً من منحة مقدمة من المكتب الثقافي والتربوي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية إلى جامعة دمشق ضمن برنامج يعرف بـ "التبادل الثقافي والتربوي للطلاب المتفوقين في العالم".‏

    ذهبت وعانيت وحصلت ما شاء لي الله من التحصيل من جامعة جورج تاون في اللسانيات عموماً ومن معهد ماستشوستس للتكنولوجيا في اللسانيات التوليدية والتحويلية خصوصاً.‏

    النتيجة التي خرجت بها أنني كلما تعمقت في تحصيل هذا العلم الحديث والعجيب والذي أصبح مفتاح العلوم المعاصرة التي تسعى إلى التماسك والانسجام والدقة والعلمية في نظريتها ومناهجها اكتشفت أن النقد الأدبي، لكي يكون علماً قائماً برأسه ومستقلاً عن بقية العلوم الأخرى ويسقط في الوقت نفسه الرؤى الجديدة على نظرياته ومناهجه النقدية، لا بد أن يعتمد على المدارس اللسانية بكل اتجاهاتها وفروعها ولا بد أن يستفيد من النتائج العلمية والموضوعية التي توصلت إليها المدارس اللسانية الحديثة.‏

    هذه الحقيقة هي واحدة من الحقائق العلمية التي كان قد طرحها عالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي والتي تذهب إلى أنه ليس هناك فصل بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية الدقيقة الصارمة وإذا كان هناك من فصل فهو لأسباب تقنية أكاديمية وليس لأسباب حضارية.‏

    وهذا يعني أننا نحن العرب- عندما نريد لنظريات النقد الأدبي رؤى جديدة- لا بد أن نطمح واقعياً وشرعياً لتحقيق تفاعل صحي سليم بين اللسانيات والنقد الأدبي ولا بد من تسليط الأضواء اللسانية الحديثة المختلفة على النظريات والمناهج النقدية وذلك من أجل سد الفجوات التي تنقصها على مستوى التنظير ومستوى التطبيق ثم من أجل تطويرها تطويراً يجعلها تحترم العملية الإبداعية احتراماً موضوعياً عند كل من شاء له الله أن يبدع في عالم الأدب والفن والكلام.‏

    من هنا كنت أتمنى من النقاد العرب أن يتجنبوا التعصب الدوغمائي لمذهب معين أو مدرسة بعينها أو شخص بنفسه.. وأن يجعلوا من أنفسهم بوتقة فاعلة ومتفاعلة لإنتاج مشروع نقدي عربي حديث قائم على فهم عميق ودقيق للنقد العربي القديم ومتجاوز في الوقت نفسه ذلك النقد القديم، بالمفهوم العلمي التراكمي لبناء النظريات الفيزيائية. وبكلمة أخرى، إن هذا المشروع النقدي العربي الحديث يجب أن يتضمن النقد القديم ويتجاوزه في الوقت نفسه مستفيداً من كل العلوم المعرفية الحديثة ولا سيما اللسانيات والتي يمكن أن تدفع بعجلة هذا المشروع إلى الأمام ليشكل علماً قائماً برأسه يستطيع أن يدرس العملية الإبداعية دراسة راوية ودراية وموضوعية تنطلق من لب النص المبدع (يفتح الدال) كرسالة لتشمل منتج الرسالة ومتلقيها في الوقت نفسه.. كاشفة كل السياقات الزمانية والمكانية المحيطة بهذه العملية.‏

    لقد كنا نطمح من النقاد العرب أن يبينوا للدارسين الاتجاهات اللسانية النقدية المعاصرة أولاً، ثم أن يبيّنوا كيفية استفادة النقد الأدبي الحديث من هذه الاتجاهات بكل مقاييسها وموازينها ومدارسها المختلفة ثانياً، لقد كنا نطمح من النقاد أيضاً أن يبيّنوا للدارس أنواع النقد الأسلوبي للنصوص الأدبية وغير الأدبية كالنقد الأسلوبي الأدبي والنقد الأسلوبي اللساني والنقد الأسلوبي الإحصائي ثم النقد الأسلوبي الاجتماعي (السوسيولوجي) الذي انبنى عليه ما يسمى اليوم بـ علم تحليل الخطاب (Discourse Analysis). فحسب معارفنا أن كل هذه الاتجاهات النقدية الأسلوبية كانت قد استفادت من اللسانيات المعاصرة ولا سيما الاجتماعية منها وامتزجت معها لتشكيل وحدة نسيجية واحدة من أجل تفسير العملية الإبداعية تفسيراً موضوعياً.‏

    ذلك أن العملية الإبداعية من وجهة نظر اللسانيات هي عملية دلالية خلاّقة تتشكل مكنوناتها في الدماغ البشري لتنقل عبر شيفرات وأساليب مختلفة الألوان والأشكال سواء أكانت لغوية أم مجازية أم معجمية أم إشارية (سيميولوجية).‏

    وأخيراً كنا نطمح من النقاد أن يجيبوا الباحثين وطلاب المعرفة عن أسئلة مشروعة ومرجوة لبناء ما يسمى بالمشروع النقدي العربي الحديث والمتكامل:‏

    كيف يمكن لنظريات النقد الأدبي أن تستفيد من الرؤى الحديثة للسانيات النظرية (Theoritical Linguistics) بفروعها الصوتية والنحوية والدلالية؟ وكيف يمكن لهذه النظريات أن تستفيد من الرؤى الحديثة للسانيات التطبيقية (Applied Linguistics) في اختيار الأساليب الأقل صعوبة وغموضاً في النصوص الأدبية التي تتناسب والقراء الذين يقرأونها؟ بل كيف يمكن لنظريات النقد الأدبي أن تستفيد من الرؤى الحديثة للسانيات الأنثروبولوجية (Anthropological Linguistics) من أجل صياغة المكونات النقدية الأسلوبية تلك المكونات التي تصوغ الأساليب عموماً معتمدة على الخلفيات الثقافية والاجتماعية والتاريخية والدينية التي يتبناها كل جنس من أجناس البشر؟ وكيف يمكن لهذه النظريات النقدية أن تستثمر الاتجاه اللساني الرياضي الحديث (Mathematical Linguistics) من أجل قياس الأساليب الأدبية لمعرفة مدى سهولة الأسلوب وصعوبته، ومدى معرفة شيوع كلمات معينة في أسلوب كاتب معين، ومدى معرفة استخدامه لنسب لغوية معينة، مقارنة مع نسب أخرى كنسبة الاسم إلى الصفة أو نسبة الصفة إلى الفعل أو نسبة التركيب إلى الجملة أو نسبة تداخل الجمل فيما بينها؟‏

    وأخيراً وليس آخراً كيف يمكن لنظريات النقد‏

    الأدبي أن تستفيد من الرؤى اللسانية الاجتماعية (Sociolinguistics) التي شكلت في الآونة الأخيرة ما يسمى (مدرسة تحليل الخطاب) الذي أصبح بقواعده ومبادئه وضوابطه ينافس النظريات النقدية نفسها للحكم على العملية الإبداعية واللاإبداعية، العملية الأدبية وغير الأدبية، العملية اللغوية المنطوقة وغير المنطوقة (المكتوبة).‏

    إننا –طلاب معرفة- كنا نطمح من النقاد العرب أن يكون من أحد أهدافهم- ونحن في بداية الألفية الثالثة- الخروج بصيغة علمية موضوعية لمشروع نقدي عربي حديث يستمد جذوره من تاريخنا العربي النقدي الأصيل، ومن حاضرنا الذي هو استمرار لكينونة هذا التاريخ، مستفيداً من التيارات والرؤى النقدية العالمية المعاصرة بكل تقنياتها القادرة على تطوير هذا المشروع ودفعه لتحقيق المبدأ العلمي التراكمي الصارم في بناء النظريات العلمية ذلك المبدأ الذي تقوم على فهم القديم وهضمه ثم تضمينه في الحديث الذي يجب أن ينطلق نحو ما هو أحدث منه في حركة التاريخ.‏

    Cool

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 3:36 am