منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الخطاب السياسي الغربي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الخطاب السياسي الغربي Empty الخطاب السياسي الغربي

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 4:53 am

    الخطاب السياسي الغربي.. مفهومه وسماته

    [14:05مكة المكرمة ] [23/10/2007]

    إعداد: رجب رمضان السيد عبد الوهاب*



    (1)

    مقدمة

    "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم"،- أمعن النظر في الكلمات".. هاتان مقولتان تنتميان إلى ثقافتين مختلفتين؛ إذ تنتمي الأولى إلى الثقافة الإسلامية بقيمها الربانية الخالدة، وقد جاءت على لسان نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- والثانية تنتمي إلى الثقافة الغربية بنزعتها المادية التجريدية، وقد جاءت على لسان عالم اللغة الأمريكي ذي الأصل اليهودي ناعوم تشومسكي، في تعليق له على خطابٍ ألقاه الرئيس الأمريكي الحالي بوش الابن بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهما مقولتان باتتا من الأهمية بمكان، خاصةً بعد أن تدخلت اللغة- بوصفها ظاهرةً إنسانيةً في المقام الأول- في كل مظاهر الحياة البشرية التي أصبحت أكثر تعقيدًا في العصر الحاضر.



    ومن يُمعن النظر في اللغة- بعد أحداث الصراع التي برزت على الساحة السياسية العالمية بعد حادث 11 سبتمبر- يجدها قد مرَّت بمنعطف خطير؛ إذ أصبحت مهمتها في السياسة المعاصرة الدفاع عن أقبح الجرائم، مثل قتل المدنيين العُزَّل بالطائرات، والاعتقالات الجماعية والدبابات، واحتلال الأرض، وهدم البيوت، وزاد من أثر السياسة في اللغة تطوُّر أدوات التعبير عن وسائل الاتصال الجماهيري- من خلال الصحافة والإذاعة والتلفزيون- تطورًا يحقق الهيمنة على الجماهير، وأصبح النفوذ السياسي يتخذ من النفوذ اللغوي الإعلامي سلاحًا حاسمًا في الإقناع بالأفكار السياسية المختلفة والترويج لها، وتحفيز الجماهير للمشاريع السياسية المختلفة.



    ومن ثم كان على التفكير اللساني المعاصر أن ينشغل بلغة السياسة، وما ينطوي داخل الخطاب السياسي من ألفاظ وعبارات، قد يحتوي مضمونها الصدق أو الكذب، كما يحتوي أيديولوجيات تكمن وراء توجيه هذا الخطاب وجْهَتَه التي يريد تحقيقها؛ حتى يتمكَّن من كشف الزيف القابع بين جنبات هذه اللغة وما تستخدمه من حيل ووسائل للوصول إلى ما تهدف، وما تتميز به من سمات في مستوياتها المختلفة الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية.



    وفي رأينا أنه لكي يصل محلل لغة الخطاب السياسي إلى غرضه من التحليل فلا بد له من تجنب أمرين خطرين: أحدهما ألا يتناول مباشرةً المنظور التطبيقي للخطاب دون الوقوف على هويته، إذ إن الخطابات على تنوعها تتداخل، ولكل خطاب طبيعته التحليلية، فإذا وجد الدارس نفسه أمام خطاب سياسي فلا بد أن يتناوله من وجهة نظر أوسع تتجاوز ما قد يتناول به نصًا أدبيًّا أو علميًّا، أما الآخر، فهو ألا يعامل الخطاب عند تحليله كوحدة واحدة، ومن الأفضل الاختيار للنصوص القصيرة.



    وبناءً على ذلك فقد آثرنا أن نبدأ أولاً بتحديد مفهوم الخطاب بشكل عام، ثم الخطاب السياسي الغربي، واخترنا من بين اتجاهات تحليل الخطاب السياسي، الاتجاه الذي يرصد الملامح اللغوية (الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والدلالية)، وهو منهج تفرضه طبيعة هذه الدراسة.
    وعلى الله قصد السبيل..



    (2)

    الخطاب/ الخطاب السياسي الغربي

    (2- 1)

    نال مصطلح الخطاب اهتمامًا كبيرًا في الثقافة الغربية، وأول محاولة جادة تهدف إلى ضبط حدود المفهوم الفلسفي للخطاب وشحنه بدلالته الخاصة ترجع إلى أفلاطون، وذلك استنادًا إلى قواعد عقلية محددة، الأمر الذي يمكن معه القول بأن تلك المحاولة الأولى كانت بادرةً إلى بلورة ملامح الخطاب الفلسفي الحقيقي في الثقافة اليونانية (1).



    الصورة غير متاحة

    ومع مطلع عصر النهضة برز مصطلح خطاب في كتاب ديكارت (خطاب في المنهج)، للدّلالة على الخطاب الفلسفي في العصور الوسطى، وهي المرحلة التي سبقت عصر النهضة، وسرعان ما أصبح الخطاب في العصر الحديث يشكّل موضوعًا في الفكر الفلسفي الغربي واللسانيات الحديثة.



    ومع تطور حقل اللسانيات كان لتفريق فرديناد دي سوسير سنة 1959م بين اللغة (Language) والخطاب (Discourse)، دوره في تحديد المصطلح، فاللغة- كما يسمونها- تعد شيئًا اجتماعيًّا يمتلكه المجتمع بأسره، أما الخطاب فيعني بالنسبة إليه منجزًا فرديًّا، فاللغة وسيلة ممكنة بينما الخطاب يؤخذ على أنه أنشطة وممارسات فعلية اتصالية (2).



    وقد خطى اللسانيون من بعد دي سوسير خطوات عديدة نحو تحديد المصطلح، إذ حاول كثير منهم تعريفه وضبط ماهيته، ومن أبرز الذين حاولوا تعريفه "هاريس" الذي عرف الخطاب بأنه- ملفوظ طويل أو متتالية من الجمل"، وبنفنست (Bwnfisty ) الذي عرفه بأنه- كل تلفظ يفترض متكلمًا ومستمعًا، عند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما" (3).



    أما تودروف (Todrouf) فقد عرفه بأنه- أي منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المستمع بطريقة ما" (4)، وذكر ميشال فوكو (Mechal Foucott) أن الخطاب هو- النصوص والأقوال كما تعطي مجموع كلماتها ونظام بنائها وبنيتها المنطقية أو تنظيمها البنائي" (5).



    وذهب بييرف زيما إلى أن الخطاب- وحدة فوق جُمَليَّة، تولد من لغة جمالية وتعتبر بنيتها الدلالية (كبنية عميقة) جزءًا من شفرة، ويمكن تمثيل مسارها التركيبي- النحوي بوساطة أنموذج تشخيصي سردي" (6)، ورأى شولتر (Sholter) أنه- تلك الجوانب التقويمية والتقديرية أو الإقناعية أو البلاغية في نص ما، أي في مقابل الجوانب التي تسمى أو تشخص أو تنقل فقط" (7).



    وأهم ما يلاحظ على التعريفات السابقة، أن كلاًّ منها حاول أن يبرز خصيصةً من خصائص الخطاب، وعرفه على أساس منها، فعلى حين ركز هاريس على بنية الخطاب، التفت بنفست وتودروف إلى موقف التلقي وتأثير الخطاب، وما قيل عن تعريف هاريس وبنفست وتودروف يمكن ملاحظته على التعريفات الأخرى، وأمام ذلك يمكننا الحديث عن خصائص الخطاب بدلاً من محاولة تعريفه، وتبين التعريفات السابقة عدة خصائص للخطاب (Cool:-

    1- أن الخطاب- كما تتفق حول ذلك معظم التعريفات، وحدة لغوية أشمل من الجملة، فالخطاب تركيب من الجمل المنظومة طبقًا لنسق مخصوص من التأليف.



    2- أن الخطاب نظام من الملفوظات، والتأكيد على المظهر اللفظي للخطاب يتحدد أصلاً من اشتغال اللسانيين على الكلام بوصفه مظهرًا لفظيًّا خاصًا بالفرد وكونه أكثر المظاهر الإشارية تعبيرًا عن اللغة التي يعتمدون عليها بوصفها قاعدة معيارية عامة.



    3- أن مصدر الخطاب فردي، وهدفه الإفهام والتأثير، وهذه الخصيصة تقرر المصدر الفردي للخطاب، كونه نتاجًا يلفظه الفرد ويهدف من ورائه إلى إيصال رسالة واضحة المرمى ومؤثرة في المتلقي.



    4- أخيرًا، إن متلقي الخطاب لا بد أن يستشف المقصد الذي ينطوي عليه، وأن يتمثل الرسالة الدلالية التي تكمن فيه، وذلك لكي تكتمل دائرة الاتصال، وهنا لا بد أن تحضر أيضًا مكونات أخرى من عناصر نظرية الاتصال كالشفرة والسياق، لكي ينفذ قصد القائل إلى المتلقي.



    وقد جمع جاكبسون Jakobson العناصر المتقدمة في نموذجه الذي قدمه للاتصال في ستة عناصر تمثل العناصر المكونة لأي اتصال لغوي أو اتصال شفاهي على النحو التالي (9):

    الصورة غير متاحة

    وإذا كان ثمة اتفاق بين البنيويين على أن المادة الداخلية للنص هي الوسيلة والغاية في آنٍ، وأن النص بطبعه فاقد المرجعية من جهة أنه لا يحيل على أمور خارجة عنه، ولا يكاد يعترف بهذا الخارج، بل يراه موجودًا في معنى معلوم (10) فإن الخطاب Discourse مصطلح- أكثر اتساعًا من مصطلح النص بمعنى أنه يحتضن عملية التوصيل بجهازها الثلاثي (المؤلف، النص، القارئ)" (11)، ولعل ذلك ما جعل بنفست يعرف الخطاب بأنه- كل تلفظ يفترض متكلمًا ومستمعًا، وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما" والتلفظ Enunciation يختلف عن الملفوظ Enounce؛ من جهة أنه الفعل الذاتي في استعمال اللغة، إنه فعل حيوي في إنتاج نص ما مقابلاً بالملفوظ بوصفه الموضوع اللغوي المستقل عن الذات التي أنجزته.



    وهكذا فإن التلفظ يدرس الكلام ضمن مركز نظرية التواصل ووظائف اللغة (12)، ولعل ذلك أيضًا، ما جعل ازنبرج يرى الخطاب وحدة يتحقق بها النشاط اللغوي بوصفه نشاطًا اجتماعيًا تواصليًا (13)، وهو المعنى الذي حملته دلالة المصطلح في الثقافة الإسلامية، ففي القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)﴾ (14) والمعنى المقصود هو البيان والتبيان وتجنب الإبهام والغموض واللبس (15).



    ومعنى ذلك أننا إذا نظرنا إلى الخطاب من الناحية الشمولية- لوجدناه الوحدة اللغوية الأساسية التي تحمل مضمونًا معينًا في شكل جمل متوالية موجهة من باث أو متكلم (مرسل) إلى متلقٍ بقصد الاتصال به، وإقناعه بمضمون رسالة أو إبلاغه بشيء ما، وهو تفاعل مباشر بين طرفي الاتصال" (16).



    (2- 2) الخطاب السياسي الغربي

    إذا كان المفهوم العام للخطاب قد خلص إلى أن أهم خصائصه أنه تركيب من الجمل هدفه الإفهام والتأثير ولا بد أن يستشف المتلقي المقصد الذي ينطوي عليه، فإن الخطاب السياسي الذي يراد به خطاب السلطة الحاكمة في شائع الاستخدام، هو الخطاب الموجه عن قصد إلى المتلقي بقصد التأثير فيه وإقناعه بمضمون الخطاب، ويتضمن هذا المضمون أفكارًا سياسيةً، أو يكون موضوع هذا الخطاب سياسيًّا" (17)- وفي أغلب الأحيان- يلجأ الخطاب السياسي إلى استثارة الرموز في عقول ونفوس المخاطبين من أفراد الشعب؛ كي يتمكن من تحقيق هدفه" (18).



    فالخطاب السياسي تلفظ- على حد تعبير بنفست- لا يكتفي ببث رسالة فقط، وإنما يشكل الواقع؛ لأنه يصدر ممن يملك تغيير الواقع" (19) وينتج عن مرسل ويستقبله متلقٍ، ويكون المقصد سياسيًّا؛ مما يجعل المرسل في هذه الحال يتسم بسمات معينة تختلف عن تلك التي يتسم بها المرسل لأي خطاب آخر، ويشاركه في ذلك المتلقي، وكذلك الرسالة؛ باعتبارها تحوي مضمونًا ينحو بها منحىً يختلف عن مضمون الرسائل اللغوية الأخرى.



    ويهدف الاتصال السياسي في أغلب الأحيان إلى تحقيق أهداف السلطة ومقاصدها والمصالح العامة، وتقديم معلومات رفيعة المستوى، غير معروفة لدى الإنسان ثم محاولة نقلها إلى الجمهور نقلاً مدعمًا بوسائل الإقناع والتأثير من أجل تحقيق مهمات وطنية (اجتماعية- اقتصادية- ثقافية) (20).



    والنظام السياسي يمد شبكات واسعة الاتصال تقوم بين الحكام والمحكومين، فتحقق الانسجام بينهما، وتستخدم السلطة في ذلك أدوات مؤثرة مثل التوجه الإقناعي، والضغط المتعمد، والتجنيد السياسي، والتنشئة السياسية؛ إذ إن هدف السلطة السياسية الشمولي هو توجيه حياة المتلقي وسلوكه الاجتماعي ووضعه تحت تأثير المرسل وسلطته، أو وضع الجماهير في سلطة السلطة، فتصبح من ممتلكاتها الخاصة، ولها حرية التصرف فيها (21).



    ومعنى ذلك أن الهدف مقصد رئيسي في الخطاب السياسي بشكل عام، وفي الخطاب الغربي على وجه الخصوص؛ لأنه خطاب له دوافع وأسباب يأتي رد فعل لها، وأنه وليد المناسبة أو السبب، فلن يأت عن طبع أو سجية ترسله، فيعبر به صاحبه عما يجيش في صدره من حرارة العاطفة، بل قاله صاحبه ليحقق به مصالح سياسية، فأعده وصنعه على أحوال الموقف الخارجي التي تكون دافعًا رئيسًا لإنتاجه، فيدين لها بالولاء، ويكون تعبيرًا عنها وليس تعبيرًا عن صاحب الخطاب.



    ومن هذه الناحية يمثل الخطاب السياسي نشاطًا تواصليًّا موجهًا إلى تحقيق هدف، وهو ما أجمع عليه عدد من الباحثين في هذا المجال (22)، وكذلك فإنه- يهتم بالأفكار أو المضامين، ولهذا نجد المادة اللفظية قليلة في حين يتسع المعنى الدلالي لتلك الألفاظ، فالمرسل يعتني بالفكرة التي هي مقصده أكثر من عنايته بالألفاظ، فالفكرة في الخطاب السياسي هي الأساس" (23).



    (2- 3)

    إن دراسة لغة السياسة تستلزم بحث الجوانب المختلفة للخطاب السياسي؛ للوقوف على معيار الخطاب السياسي، وشكله، وخصائصه اللغوية، ونظامه، وإشاراته، ورموزه، وسماته الأسلوبية، وأدواته، أو تقنياته وآلياته ذات الفعالية في التأثير على المتلقي، وقد أشار فان دايك إلى أن تحليل الخطاب السياسي يمثِّل مجالاً خاصًّا؛ وذلك لأنه يهدف إلى دراسة وتحليل النصوص المكتوبة والمنطوقة من أجل الكشف عن السلطة والسيادة والانحياز وعدم المساواة وأن هذا التحليل يتناول هذه المصادر المختلفة ويصلح عند الحديث في الموضوعات الاجتماعية والسياسية والتاريخية (24).



    وهنا تلتقي دراسة الخطاب السياسي في إطار علم اللغة السياسي مع الدراسة اللغوية للنصوص في إطار "علم اللغة النصي" Text Linguistics أو ما يطلق عليه أيضًا "علم لغة النصوص"، وهو فرع جديد من فروع علم اللغة يُعْنَى بالدراسة اللغوية لبنية النصوص؛ فلا يتقيَّد بحدود الجملة المفردة، وإنما يتعدَّى ذلك إلى دراسة النص بأكمله؛ لإبراز الأدوات اللغوية التي تمنح النص المدروس تماسكه الشكلي والدلالي (25)، وليضع من خلال تلك الدراسة للنصوص المختلفة ضوابط كل نوعٍ أو نمطٍ من هذه النصوص وتركيباتها وبنائها، مبيِّنًا طرائق الربط بين أجزاء هذه النصوص، والعوامل الخارجية التي يمكن أن تؤثر فيها: كالموقف، والزمان والمكان اللذين كُتب فيهما النص؛ كما يهتم هذا العلم بالكشف عن وظائف النص وأهدافه، ومدى تأثيره على مستقبليه، سواء كانوا قراءً أم مستمعين (26)، وهو بذلك يؤكد على أهمية السياق، وأنه من الضروري أن توجد لدى المتلقِّي الخلفية المناسبة التي تساعده على تحليل النص (27).



    (4)

    المستوى الصوتي Phonology للخطاب الغربي

    (4- 1)

    تُعنَى دراسة المستوى الصوتي في دراسات تحليل الخطاب السياسي بدراسة عناصر هذا المستوى؛ لإيضاح ما تقوم به من وظائف في بنية الخطاب؛ إذ بات من المؤكد أن الأصوات تؤدي بعض القيم التعبيرية الدلالية، وذلك منذ لفت ابن جني (28) الانتباه إلى وجود صلة بين بعض الأصوات، وبين ما ترمز إليه.



    وهو ما أكده العديد من الدراسات والأبحاث اللسانية العربية المعاصرة، كما يتجلى ذلك في كتب رائد الدراسات الصوتية العربية الدكتور إبراهيم أنيس، الذي عالج في أحد كتبه- نعني كتاب: (الأصوات اللغوية)، وقد طُبع عدة طبعات- بعض القضايا الصوتية معالجةً علميةً واعيةً، لا يألوها تقصير، فأصبح الكتاب مددًا لكل من طلب العون في مجال الأصوات.



    وبناءً على تلك العلاقة التي باتت مؤكدة بين الأصوات وما تؤديه من قيم تعبيرية دلالية عُني الدرس اللغوي الأوروبي عنايةً كبيرةً بالدلالات الصوتية أيضًا، ولم تقلّ عنايته بالصوت اللغوي وأبعاده الدلالية والتركيبية عن جهود اللغويين العرب القدامى، بل إن الوسائل الحديثة قد أتاحت للمحدثين الوصول إلى نتائج علمية ويقينية، وهذه النتائج جعلت دراسة الصوت دراسة علمية خالصة.



    وقد أشار ماريوباي Mario pei إلى أهمية الدلالة الصوتية في كشف جوانب المعنى، فقال:- إن أصوات العلة، والأصوات الساكنة تكون ما يسمى بجزئيات الكلام Speech Segments، ولهذا توصف بأنها فونيمات جزئية أو تركيبية segmental phonemes يوجد إلى ذلك ملامح صوتية إضافية تؤثر على الأصوات الكلامية أو مجموعاتها، وهذه يطلق عليها أسماء الفونيمات الإضافية أو الثانوية، ومن أهم أنواعها النبر Stress والتنغيم Intonation والمفصل Juncture" (29).



    (4- 2)

    ويمكننا أن نرصد عددًا من السمات الصوتية الخاصة بالخطاب السياسي الغربي، فمما يميز هذه اللغة بعدها عن الأصوات المتنافرة، أو الثقيلة، أو الصعبة، بالإضافة إلى ميلها إلى انتقاء الأصوات السهلة، المتآلفة؛ لأن السهولة والوضوح من أهم ملامح لغة هذا الخطاب، وذلك بجانب الاستعانة بالمؤثرات الصوتية كالنبر والتنغيم، لإبراز الرموز الصوتية المعبرة عنها، فمثلاً جملة كـ"الحرب ضد الإرهاب" التي تتردد بكثرة في خطاب الرئيس بوش الابن، واتخذها ذريعةً لحربه على الإسلام نجده يضغط على كلمة الإرهاب كرمز لغوي يعبر عن خطورة الإرهاب، وفي جملة حماية الأمن الإسرائيلي" يُبرز الساسة الغربيون كلمة الأمن" في الجملة كرمز لغوي يعبر عن أهمية الأمن للمجتمع واشتداد الحاجة إليه (30).



    (4- 3)

    ومن أبرز الملامح الصوتية التي تميِّز الخطاب السياسي الغربي كثرة الفونيمات المجهورة، ولا شك أن ارتفاع الصوت يزيد اللفظ دلالةً وتأكيدًا؛ إذ يشتد الصوت ويحبس الهواء، ثم يحدث دويٌّ انفجاريٌّ، وهذا يتضح جيدًا في المقاطع الطويلة التي يمتد فيها الصوت" (31) في مثل الوصف الذي استخدمه برونو كرايسكي، المستشار السابق للنمسا، وهو ديمقراطي اجتماعي من أصل يهودي، خاض حملةً ضد حزب الشعب في عقد السبعينيات من القرن العشرين؛ فقد استخدم لنفسه صفة- real Austrians" وتعني- النمساوي الحقيقي".



    ويلاحظ اعتماد التركيب هنا على الأصوات المجهورة- r-l-t-n" كما يلاحظ زيادة المقاطع الطويلة على المقاطع القصيرة؛ مما يكون له الأثر في إحداث دوي انفجاري يجذب المتلقي إلى الخطاب.



    (4- 4)

    ويعتمد الخطاب السياسي الغربي أيضًا على التكرار في بعض الأحيان، وهو ظاهرة صوتية تأتي غالبًا في مكانها من الخطاب، ومن الجمل التي تتكرر كثيرًا في الخطاب السياسي الغربي- كما أشرنا سابقًا- عبارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن- الحرب ضد الإرهاب"؛ إذ كثيرًا ما يكررها للتأكيد على مشروعية الحرب على الدول التي تخالف نظام الولايات المتحدة الفكري أو السياسي، وهو تكرار يترك إيحاءً لدى المتلقِّي بمصداقية ما يقال.



    (5)

    المستوى الصرفي Morphology للخطاب الغربي

    (5- 1)

    يُعنى هذا المستوى في دراسة لغة الخطاب السياسي بتناول أبنية الكلمات داخل بنية الخطاب؛ من حيث ما يعتريها من زيادات وتحولات تغير دلالتها أو وظيفتها؛ نتيجةً لدخول عناصر لغوية معينة (32)، ومن ثم يُعنَى بدراسة المصطلحات والكلمات السياسية وما انتابها من تحوُّل بعد نحتها أو تركيبها كيفما شاء السياسي.



    ومن الواضح أن كل الكلمات والمصطلحات التي يستخدمها السياسيون أو التي تستخدم في لغة السياسية لها تبعاتها أو تنويهاتها، وتختلف هذه التنويهات بناءً على من يستخدمها أو يتحدثها، فبعض السياسيين يكون فخورًا بأن له آراءً سياسيةً تضعه في حزبه ونفس هؤلاء السياسيين يمكن أن ينقدوا المعارضين على أنهم جناح معارض، وفي نفس الوقت يستخدمون المصطلح بتعليق سلبي، وكلما ظهرت المجموعات السياسية، فإن كلمة جديدة تدخل إطار الاستخدام لوصف هذه المجموعات.



    (5- 2)

    ويمكن لنا أن نرصد مجموعةً من السمات اللغوية الخاصة بالمستوى الصرفي في لغة الخطاب السياسي الغربي، خاصةً على مستوى صياغة الألفاظ والمفردات والمصطلحات ونحتها، وأول هذه السمات الصرفية هي استخدام بعض الكلمات التي أصابها تحوُّلٌ في دلالة صيغتها، وإضفاء المفهوم الجديد على هذه الكلمات ونسيان القديم تمامًا.



    ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما نجده في الخطاب السياسي البريطاني ومصطلحاته في عقد الثمانينيات، وبالتحديد في عام 1980، أثناء حكم حزب المحافظين بأغلبية ساحقة لبريطانيا، بعد أن حدثت انقساماتٌ في الحزب؛ إذ اعتمد على هذه الظاهرة الصرفية؛ فالذين كانوا في داخل الحزب ولا يؤيدون السيدة مارجريت تاتشر" كانوا يسمون Wets" بواسطة معارضيهم، وكانت تحمل معنى الجبن وعدم الشجاعة بين شباب المدارس في هذه الفترة من الزمن.



    وأما مؤيدو السيدة مارجريت تاتشر" فكان لهم الفخر في أن يطلقوا على أنفسهم Tory"، وبعد ذلك كان الجبناء wets سعداء بهذا اللقب، وكانوا هم أنفسهم يستخدمونه؛ مما يعني أن الكلمة قد تحوَّلت دلالتها على مستوى اللفظة المفردة في هذا الخطاب؛ حيث إن مصطلحات الشباب أصبحت عادية ومستخدمة ومنتشرة وفقدت سلبيتها.



    وبإمعانٍ أكثر للنظر نجد أن كلمة Tory" كانت مستخدمةً لدى المستوطنين الإنجليز في أيرلندا للإشارة إلى الإيرلنديين الذين يهاجمونها، وبالتالي كانت في البداية مستخدمةً ككلمة تحمل دلالة الشتائم حين استخدمت مع مجموعات سياسية إنجليزية في القرن الثامن عشر، ثم أصبحت الكلمة بعد ذلك هي الاسم الرسمي للغرب، وما زالت تستخدم حتى اليوم بواسطة المحافظين وبواسطتهم.



    (5- 3)

    وقد يلجأ الخطاب السياسي الغربي إلى ما هو أبعد من ذلك في التعامل مع مصطلحاته وصياغتها وتحديد مجال دلالتها؛ إذ يقوم بتحويل بعض المصطلحات وتغيير دلالتها إلى الضد إذا لزم الأمر أو اقتضت الظروف ذلك، وقد رصد فهمي هويدي مجموعةً من هذه المصطلحات، ومن ذلك مصطلحات كـ"الجملوكية" و"الديمقراطية" و"الليبرالية" و"الأصولية" و"المحافظين؛ فمصطلح كـ"الليبرالي" مثلاً كان الانطباع المستقر والشائع عنه أنه الرجل المعتدل والمتسامح الذي يحتل موقع الوسط في التفكير والفعل، غير أن هذا مضمون هذا المصطلح اختلف تمامًا في دولة مثل الولايات المتحدة بحيث أصبحت الليبرالية تهمة في إدراك الرأي العام يتعين دفعها والتبرؤ منها بكل وسيلة، بل إنها أصبحت تطلق على المرشح غير القابل للفوز بالانتخابات في الولايات المتحدة (33).



    (5- 4)

    ومن السمات الصرفية المميزة للخطاب السياسي الغربي على مستوى استعماله للألفاظ استخدام بعض المصطلحات كعلامات أو إشارات سياسية أو أسماء على الرغم من إمكانية استخدام بعضها كصفات، ومن هذه الألفاظ:

    (أ) الحكومة– النظام– الديمقراطية– الدكتاتورية– الحكم الأوحد، تستخدم كأسماء لوصف أشكال الحكومة.



    (ب) ثوري– جزري– منشق– صهيوني– ناقد- متغرب– عسكري– منفصل- برلماني- معارض- متحرر، تستخدم كأسماء لوصف المعارضين للسلطة.



    (جـ) عسكري– صقر– حمامة– متشدد– متطرف– معتدل، تستخدم كأسماء لوصف قوة الاتجاهات السياسية بخصوص القضايا السياسية.



    وهناك نوع آخر من المصطلحات السياسية وهي التي تكون مرتبطة بالقوامات السياسية المحددة، ففي عقد الثمانينيات من القرن العشرين تمت الإشارة إلى السيدة- مارجريت تاتشر" في البداية باسم- المرأة الحديدية"، وكان هذا الوصف يعني عدم المرونة في تعاملها مع الآخرين، وتحولت دلالة المصطلح بعد ذلك إلى معنى إيجابي عندما تم فهمه على أنها تجسد معنى الصلابة والتحمل، وأحيانًا يتم نحت المصطلح من اسم من جسد معناه مضافًا إليه ياء النسب مثل كلمات- ريجاني" نسبة إلى ريجان، أو- تاتشري" نسبة إلى مارجريت تاتشر أو- بلايرني" نسبة إلى بلايرن، وغيرها (34).



    (5- 5)

    ومما يميز الخطاب السياسي الغربي على المستوى الصرفي غموض وتعقيد بعض المصطلحات والألفاظ المفردة، وهذا ما لاحظه روبرت أ. دال في دراسته لوصف النفوذ في الخطاب السياسي الغربي؛ إذ ذكر أن السياسيين يستخدمون لوصف النفوذ كلمات مثل: التحكم، القوة، النفوذ، السلطة، الإقناع، العزم، القدرة، القسر.



    وإذا كان الناس لا يتفقون على الكيفية التي تستخدم بها هذه المصطلحات في لغة التعامل اليومية العادية، فإن علماء السياسة أنفسهم لا يتفقون في استعمالها، بل إن علماء السياسة، مثلهم مثل غيرهم عادة لا يعطون تعريفات محددة لهذه المصطلحات، وعندما يفعلون ذلك عادة ما لا يتفقون جميعًا على استخدام واحد للعبارة الواحدة، فالنفوذ عند أحد الكتاب قد يصبح القوة وفقًا لكاتب آخر (35).



    (5- 6)

    وقد رصد الدكتور عبد الوهاب المسيري (36) بعض السمات التي تتميز بها المصطلحات الغربية الصهيونية، ومن هذه السمات:

    الصورة غير متاحة

    د. عبد الوهاب المسيري

    أ- تنبع المصطلحات الغربية من المركزية الغربية، فالإنسان الغربي يتحدث على سبيل المثال عن- عصر الاكتشافات"، وهي عبارة تعني أن العالم كله كان في حالة غياب ينتظر الإنسان الأبيض لاكتشافه، والصهاينة أيضًا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم- رواد"، والرائد هو الذي يرتاد مناطق مجهولة، فيستكشفها بنفسه، ويفتحها لينشر الحضارة والاستنارة فيها بين شعوبها البدائية.



    ومن أهم المصطلحات التي أحرزت شيوعًا في لغات العالم الغربي مصطلح- معاداة السامية" وهو مصطلح يعكس التحيزات العرقية والمركزية الغربية التي ترجمت نفسها إلى نظام تصنيفي (آري/ سامي) والسامي بالنسبة للغرب هو اليهودي، وهو ما لا يمكن لأي دارس للتشكيل الحضاري أن يقبله، ومع هذا شاع المصطلح وسبب الخلل، وقد أصبح المجال الدلالي لمصطلح معاداة السامية" يشير إلى أي شيء، ابتداءً من محاولة إبادة اليهود، وانتهاءً بالوقوف ضد إسرائيل؛ بسبب سياستها القمعية ضد العرب مرورًا بإنكار الإبادة.



    ب- يصدر الغرب في صياغة مصطلحاته ونحتها صرفيًّا عن رؤية إنجيلية لأعضاء الجماعات اليهودية، وحتى بعد أن تمت علمنة رؤية العالم الغربي لليهود ظلت بنية كثير من المصطلحات ذات طابع إنجيلي، فاليهود هم- شعب مقدس" أو- شعب شاهد" أو- شعب مدنس" أو- شعب ملعون" وبغض النظر عن الصفات التي تلتصق باليهود فإن صفة الاستقلال والوحدة هي الصفة الأساسية، فسواء كان اليهود شعبًا مقدسًا أم مدنسًا فهم شعب واحد، وقد ترجم هذا المفهوم نفسه إلى فكرة- الشعب اليهودي" تمامًا كما أصبح التاريخ المقدس" الذي ورد في التوراة هو التاريخ اليهودي" وتشكل مفاهيم الوحدة هذه الإطار النظري لكل من الصهيونية ومعاداة اليهود.



    ج- أن أكثر المصطلحات التي صيغت عن اليهود تستقى من التراث الديني اليهودي (بعضها بالعبرية أو الآرامية) أو من تراث إحدى الجماعات اليهودية (عادة يهود اليديشية) أو من الأدبيات الصهيونية لوصف الظواهر اليهودية والصهيونية، وكأن هذه الظواهر من الاستقلالية والتفرد؛ بحيث لا يمكن أن تصفها مفردات في أي لغة أخرى.



    ومن المصطلحات التي يظهر فيه هذا الانغلاق الجيتوي، كما يقول المسيري (37) مصطلح- الهولوكوست" و"العالياه" وهي اصطلاحات وجدت طريقها أيضًا إلى اللغة العربية، و"العالياه" اصطلاح ديني يعني العلو والصعود إلى أرض الميعاد، ولا علاقة له بأي ظاهرة اجتماعية، ومع هذا يستخدم الصهاينة الكلمة للإشارة إلى الاستيطانية، أي أنها ظاهرة لها سبب ونتيجة أصبحت شيئًا فريدًا، وظاهرة ذاتية لا تخضع للتقنين والمناقشة، و"الهولوكوست" هو تقديم قربان للرب في الهيكل، يحرق كله ولا يبقى منه شيء للكهنة.



    ومع هذا يستخدم الصهاينة هذه الكلمة للإشارة إلى الإبادة النازية لليهود، والغرض من استخدام كل هذه المصطلحات الدينية العبرية هو إزالة الحدود والفوارق بين الظواهر المختلفة بحيث تصبح- عالياه" هي الهجرة الصهيونية الاستيطانية، وتصبح الهجرة الصهيونية هي العلو والصعود إلى أرض الميعاد، أما الهجرة منها، فهي- يريداه" أي هبوط ونكوص وردة.



    ولعل مما له دلالته هنا أن العبرية توجد فيها كلمة محايدة تصف الهجرة وحسب (هجيراه)، ولكن الصهاينة استبعدوها، وهو ما يؤكد المضمون الأيديولوجي لهذا المصطلح.



    (6)

    المستوى التركيبي للخطاب الغربي

    (6- 1)

    درج الدارسون فيما نعلم في دراسة هذا المستوى من مستويات الخطاب على دراسة تراكيب الخطاب السياسي، وما بين عناصرها من علاقات، وما يحكم تلك العلاقات من قواعد، والمركب ها هنا هو ما تكون من كلمتين أو أكثر، وأصبح لهيئته التركيبية سمةً تُميِّزه (38)، أو الوحدة اللغوية التي تتشكل من فعل (محمول) بوصفه المركز التركيبي وسلسلة من مواقع أركان الجملة التي تقع كل منها في علاقات تبعية محددة للفعل (39).



    (6-2)

    والخطاب السياسي الغربي من هذه الناحية يميل إلى استعمال التراكيب والعبارات التي تقوم على التقابل فيما بينها، ومن أبرز ما يصور ذلك فيه أن حزب المحافظين البريطاني في عقد الثمانينيات من القرن العشرين كانوا يستخدمون تراكيب وعبارات تحمل معنى السوائل لوصف مواضعهم في الحزب، وكان حزب العمال يستخدم التراكيب والعبارات التي لها دلالة الصلابة؛ حيث إن الأعضاء المتطرفين كانوا ينتمون إلى اليسار الصلب- hard left- أما اليسار الأقل تطرفًا فكانوا ينتمون إلى soft left.



    وفي عام 1997م اكتسح حزب العمال البريطاني الانتخابات التي جرت بينه وبين حزب المحافظين، وكانت له الأغلبية الكبرى، وقد اصطلح قادته على تسمية أنفسهم بـ"حزب العمال الجديد"، لوصف أنفسهم ووصف سياساتهم بصورة جزئية للهروب من وصف التركيب القديم hard soft، ذي الارتباطات السلبية، أما الذين كانوا ينتمون للحزب ولكن يعارضون سياسته الجديدة، فسموا أنفسهم بـ"حزب العمال القديم" old labor لكي يصوغوا فكرة انتمائهم للأفكار من التراث والصدق الذي كان سائدًا في الحزب القديم، وهنا يتضح مدى المقابلة التي يقوم عليها التعبيران (حزب العمال الجديد، حزب العمال القديم).



    وما يجب أن يوضع في الاعتبار هنا أن هذه التراكيب تحتوي على جانب كبير من النطاق الأيديولوجي لمن يوصفون بها، كما أنها تختلف من حيث من يستخدمها، سواء استخدمت بواسطة السياسيين لوصف أنفسهم أو استخدمت بواسطة الآخرين لوصف السياسيين (40).



    (6-3)

    الصورة غير متاحة

    إيهود باراك

    ومن السمات التركيبية في الخطاب السياسي الغربي ما أكده فهمي هويدي، الذي رأى أن الخطاب السياسي الغربي يستخدم عبارات يعني ظاهرها شيئًا وباطنها يعني شيئًا آخر مناقضًا، ومن ذلك قول كان أثيرًا لدى إيهود باراك" رئيس الوزراء اليهودي السابق؛ إذ كان يردد كثيرًا أنه يسعى "للانفصال الجسدي عن فلسطين"، وهذا الانفصال خاص بالحركات الاستقلالية، غير أنه في الوضع الملموس في الضفة والقطاع مطلب استعماري (كولونيالي)، فـ"باراك" يقصد أنه يريد تحرير إسرائيل من فلسطين، مع ما يعنيه ذلك من إبداء الطمع في أرضهم، أو فيما تبقى لهم من أرض بعد اغتصاب 1948م، في الوقت ذاته فإن باراك" بتلك العبارة التي يهدد فيها بعقوبة الانفصال يريد التلويح بورقة اقتصادية مهمة في وجودهم (41).



    (6 -4)

    ومن أهم ما يميز المستوى التركيبي للغة الخطاب السياسي الغربي ازدواجية تراكيبه وتعبيراته، وتظهر هذه الازدواجية بوضوح في الخطاب السياسي الأمريكي؛ إذ تظهر في عدة تعبيرات راجت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مثل: (الحرب ضد الإرهاب)، وهو رمز لغوي يثير في النفس الكراهية والعداء لكل ما هو إرهابي؛ حيث إن الإرهاب- في نظر أمريكا- هو كل ما يخالف مصلحتها، ولا يكون تابعًا ومسلمًا لها، كما أن (الدفاع عن الحرية) رمز لغوي آخر يشد الشعب الأمريكي، وقد تم توظيفه في الإعلام الأمريكي، رغم أنه تعبير فضفاض وأحد الحجج الباطلة التي تم تقييدها في بيان وقعه- مؤخرًا- كتاب وفنانون وأكاديميون أمريكيون (42).



    (6-5)

    ومن السمات التركيبية التي يمتاز بها الخطاب السياسي الغربي بوجه عام، وخطاب الرئيس الأمريكي بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على نحو خاص، كما ترى ساندرا سلبرستن، خطابية العبارة، وهو ما يظهر من خلاله خمس خصائص تظهر في لغة الرئيس الأمريكي بوش الابن:

    أ- يظهر كل عنصر فيها أن القرارات الخطيرة التي تتعلق باللجوء إلى القوة متأنية؛ حيث إنها نتيجة لتفكير وبحث عميقين.



    ب- يتم تبرير التدخل باستخدام القوة من خلال عرض للأحداث وفقًا لتسلسلها الزمني، أو سرد للأخبار تشتق منها تصريحات جدلية تحتمل الخلاف والمناقشة.



    ج- يُنصح الجماهير بالعمل على توحيد أهدافهم والتزامهم التام بواجباتهم.



    د- لا تبرر اللغة الخطابية استخدام القوة فحسب، ولكنها تنشد تولي الرئيس سلطات قانونية استثنائية باعتباره القائد المسئول والقائم على أداء الخصائص السابقة.



    هـ- يلعب تشويه الحقائق- الذي يتم بشكل إستراتيجي- دورًا فريدًا فيما ينادي به، ومن أبرز ما يصور ذلك في خطاب الرئيس بوش، خطابه في العشرين من سبتمبر 2001م؛ إذ جاء هذا الخطاب تعليميًّا من الدرجة الأولى، ومن خلاله أظهر الرئيس تفكيره المتأني العميق قبل اتخاذ القرارات الخطيرة، وبرَّر للحرب ضد الإرهاب من خلال عرض الأحداث وفقًا لتسلسلها الزمني، وحثَّ مستمعيه على الاتحاد والاتفاق في الأهداف والالتزام بالواجبات، وذلك من خلال استخدام سلسلة من الأسئلة، يقول بوش في خطابه: "يطرح الأمريكيون الليلة العديد من التساؤلات: إنهم يتساءلون: مَن هاجمنا؟! الأمريكيون يتساءلون: لماذا يكرهوننا؟! الأمريكيون يتساءلون: كيف سنقاومهم لننتصر في هذه الحرب؟ (43).



    (6-6)

    أما شعارات الخطاب السياسي الغربي فتتسم بالتكثيف والتركيز الشديد لدلالات مقصودة؛ اعتمادًا على جمل قصيرة، أو كلمات مختصرة، أو كلمة مختصرة، أو كلمة واحدة مثل:- الحرب ضد الإرهاب أوالعدالة المطلقة" (44).



    (7)

    المستوى الدلالي للخطاب الغربي

    (7- 1)

    ويقصد مستوى التحليل الدلالي هنا إلى بيان مكونات معنى الخطاب السياسي، ووصفها وصفًا علميًّا؛ اعتمادًا على نظرية السياق التي قامت في الأصل على ما كان يطلق عليه العالم الإنثربولوجي مالينوفسكي Context of Situation أو سياق الحال (45)، ثم تطورت هذه النظرية على يد فيرث Firth وأصبحت تركز على أمرين: أولهما مراعاة المقام أو المعنى المقامي أو السياق الخارجي أو المواقف الخارجية المصاحبة للأداء اللغوي؛ انطلاقًا من النظر إلى الجملة بوصفها وحدة اتصال في الموقف الخارجي للسياق، وثانيهما مراعاة السياق اللغوي Linguistic Context للجملة (46) أو المعنى المقالي كما أسماه الدكتور تمام حسان (47)، والمقصود به جملة الوظائف اللغوية داخل الخطاب؛ بحيث يستحيل النص بناءً متكاملاً تشارك في إنتاجه عناصر الأداء اللغوي الصوتية والصرفية والنحوية التي عرضنا لتحليلها وأبرزنا أهم سماتها في الخطاب السياسي الغربي سلفًا، مع ضرورة الانتباه إلى أن هذه المستويات المختلفة ليست هي الدلالة أو المعنى في ذاته، وإنما معنى الخطاب يتحدد من خلال الربط بين النتائج التي أثمرت عنها هذه التحليلات جميعًا ربطًا يضع في اعتباره جملة عناصر سياق الحال التي تشمل الظروف الاجتماعية للخطاب وقت أدائه وقرائن الحال المصاحبة له، مثل شخصية المرسل والمتلقي ونوع الوظيفة الكلامية للخطاب، والأثر الذي يخلفه لدى المتلقي" (48)، ومن ثم فإن المعنى الدلالي للخطاب في صورته الشاملة لا يتحصل عليه إلا من خلال النظر في آنٍ إلى دعامتيه الأساسيتين، وهما: المعنى المقامي والمعنى المقالي (49).



    (7-2)

    ولبنية الخطاب الدلالية شكلان:

    1- الأبنية الدلالية الكبرى: وهي الأفكار والمضامين أو الموضوعات التي تربط بين الألفاظ والتراكيب، وتشكل بناء متماسكًا للخطاب، وهذه المضامين هي التي تعمل على تماسك الخطاب، والخطاب السياسي الغربي يهتم بالأفكار أو المضامين، ولهذا نجد المادة اللفظية قليلة في حين يتسع المعنى الدلالي لتلك الألفاظ، فالمرسل يعتني بالفكرة التي هي مقصده أكثر من عنايته بالألفاظ، فالفكرة في الخطاب السياسي هي الأساس (50)، وقد أشرنا من قبل إلى أن الاتصال السياسي يهدف في أغلب الأحيان إلى تحقيق أهداف السلطة ومقاصدها والمصالح العامة، وتقديم معلومات رفيعة المستوى، غير معروفة لدى الإنسان، ثم محاولة نقلها إلى الجمهور نقلاً مدعمًا بوسائل الإقناع والتأثير؛ من أجل تحقيق مهمات وطنية (اجتماعية- اقتصادية- ثقافية)، ويكون موجهًا عن قصد إلى المتلقي بقصد التأثير فيه وإقناعه بمضمونه، كما أنه يكون تعبيرًا عن موقف أو ظروف خارجية، وليس تعبيرًا عن صاحب الخطاب، ومن هذه الناحية يمثل الخطاب السياسي الغربي نشاطًا تواصليًّا موجَّهًا إلى تحقيق هدف، ومن ثم يهتم بالمضمون اهتمامًا بالغًا.



    (7-3)

    2- الأبنية الدلالية الصغرى: وهي المفردات داخل الخطاب، وما توحي به من معنى، ومجالاتها الدلالية المستقاة منها وغير ذلك سمات تختص بالبنى الدلالية الصغرى (51).



    وفي هذا الإطار ينطوي الخطاب السياسي الغربي على مجموعة من السمات الدلالية التي تميزه، ومن أهم هذه السمات أن ألفاظه ومفرداته مستمدة من العديد من الحقول الدلالية؛ إذ يعتمد كثيرًا على الاستعارات المستقاة من مجالات مختلفة، كالفن والتعمير والبناء، إلا أن أكثر أصناف الاستعارة تداولاً هي استعارات الرياضة والحرب، بل إن الاستعارة المهيمنة في هذه اللغة هي الاستعارة الحربية كقول بعض الساسة وضع خطوط حمراء أمام المتطرفين، و"هذا مجرد لغم سياسي" (52).



    كما أن ألفاظ ومصطلحات رياضة الملاكمة منتشرة في لغة السياسة التي يظهر بها بعض القسوة أو الصلابة، ومن ذلك أن يُنظر إلى الانتخاب على أنه- حرب بين اثنين من الأبطال" يكونان في أغلب الأحيان من الذكور، وعندما تم إعلان نتيجة الانتخاب البريطاني في عام 1997م كانت بعض الصحف تحمل عنوان "خلع الجوانتي" التي لا تعني مباراة ملاكمة فقط، وإنما تعني أيضًا وجود ضربات باليد، وفي الولايات المتحدة يتم استخدام استعارات من كرة البازبول- العب كرة جديدة للغاية"- رجل ألعاب"- يلعب الكرة"- الرجوع عند أول قاعدة".



    وهذه المصطلحات تستخدم بكثرة أيضًا في الأحاديث السياسية البريطانية، ولكن يمكن أن تدخل في ذلك ألعاب أخرى مثل لعب المضرب أن تجعل عينك على الكرة.. الضرب بلعبة مستقيمة.. أو غير ذلك" (53).



    وكذلك يستمد الخطاب السياسي الغربي من حقل الحرب الدلالي كثيرًا من مفرداته، ومن أوضح ما يمثِّل ذلك ما صرَّح به أنصار توني بلير رئيس الوزراء البريطاني بأنهم سوف يضربون الأرض جريًا"، وهي استعارة مأخوذة من قفز الجنود من الهليكوبتر وجريهم للدخول في المعركة، وذلك عندما كان مؤيدو بلير يرجحون أنه في خطر عام 1997م، فكان عليهم تأكيد أن حكومته سوف تعمل بجد في القضايا وقد استخدموا هذه الاستعارة التي أخذوها من الحقل الدلالي للمعارك.



    وفي دراسة مقارنة بين الخطابين السياسي الأمريكي والسياسي البريطاني اتضح أن الصراع والمباني والرحلات هي أكثر الحقول الدلالية التي يستمد منها الخطابان معجمهما مع اختلاف طفيف فيما بينهما بالنسبة لشيوع مجال ما في أحد الخطابين.



    وقد علَّل أحد الباحثين لهذا الانتشار الاستعاري المستمد من لغة الحرب في لغة السياسة بأن المعجم الحربي طال كل المجالات الأخرى، وأن ماهية السياسة نفسها هي ما يسمح بانتشار هذا المعجم الاستعاري في لغة السياسة دون غيرها من لغة الخطاب في مجالات مختلفة" (54).



    (7-4)

    ومن السمات الدلالية التي يتميز بها الخطاب السياسي الغربي تغيير الحقول الدلالية بتغيير الواقع، فإذا قارنَّا ما بين لغة الخطاب السياسي الأمريكي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعده، سنرى أن هذا الحدث كان سببًا في تحوُّل الخطاب السياسي الأمريكي من الحقول الدلالية الخاصة باللغة القديمة لغة حقوق الإنسان، وتوسيع فضاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه ذلك، واستبدل لغة جديدة بذلك هي لغة الأمن والمصالح المشتركة والضغط الفعال، وما ذلك إلا لأن اللغة القديمة استنفدت أغراضها وتآكلت مصداقيتها؛ بسبب الكثير من الثغرات في الممارسات الأمريكية في ملاحقة الدول والتعرض لها؛ بحجة الإساءة إليها ومعاداتها.



    أما لغة الأمن فإنها تمتلك العقول وتستأثر بالقلوب؛ لأنها تخاطب أولاً غريزة الإنسان للبقاء تلك التي تؤثر في المستمعين وتطرح عنهم اعتبارات الحرية، بالإضافة إلى أن التلفح بها يجري في خضم أحداث روعت الناس ولا زالت، كما أن هذه اللغة الجديدة تتواءم مع حالة الفزع السائدة، وتضفي على أدوات التوسل إلى الأهداف السياسية مشروعية تمنح السياسات الداخلية والخارجية معقولية ومقبولية (55).



    (7- 5)

    كما يمتاز الخطاب السياسي من الناحية الدلالية بكثرة استخدام الصور المجازية التي تصور نوايا الغرب تجاه الآخر وتفضحها، وقد رصدت بعض الدراسات العربية التي اهتمت بتحليل الخطاب السياسي الغربي بعض هذه الصور، ومنها مجموعة من التشبيهات والاستعارات التي تلجأ إليها كل من أمريكا والكيان الصهيوني، تلك التشبيهات التي تحقر من شأن الفلسطينيين، وتسلبهم كل حق إنساني، فالفلسطينيون- من وجهة نظر أمريكا والكيان- جراد بالقياس إلى اليهود، وهي استعارة تشير إلى معنى الإبادة.



    ومن ذلك ما صرَّح به شامير أثناء انتفاضة عام 1987م؛ حيث قال:- "العملاق الإسرائيلي سيسحق القزم الفلسطيني"، وهذه بطبيعة الحال صورة مجازية، ولكنها عكس الصورة التي يود الصهاينة إشاعتها عن نفسها، باعتبارها داود الصغير الذي ينازل العملاق طالوت فيهزمه بمكره ودهائه، أي أن الصورة الجديدة تقوض القديمة.



    وقد استخدم باراك صورة مجازية مماثلة ليبرر انسحابه من جنوب لبنان، فقال: إن الحرب ضد الإرهاب (أي مقاتلي حزب الله) مثل الحرب ضد البعوض، وهي صورة مَجَازية تهدف إلى تحويل المقاتلين إلى حشرات، وبالتالي تكون إبادتهم مسألة مقبولة، وهكذا يظهر أن اللغة مرآة فاضحة للنوايا والأفعال، فحين تسوء النوايا وتنتكس الأفعال تنحدر اللغة، وتسقط الكلمات (56).



    (7- 6)

    وتتجلَّى في الخطاب السياسي الغربي سمة الاستبداد تجاه الآخر المخالف له، أو الذي لا ينطوي تحت عباءته، فيسبغ عليه العديد من الكلمات التي تنقص من قدره وتجعله معاديًا لها، ومن ذلك إطلاق كلمات مثل (الأصولي، الطاغية، الثيوقراطي) على الحكام أو الشعوب التي تخالف الاتجاه الأمريكي، سواءٌ أكانت المخالفة سياسيةً أم فكريةً، وهي ألفاظ ومصطلحات تتصل بحقل التسلط والاستبداد، ومن الأمثلة الواضحة في هذا الإطار أيضًا تعامل الخطاب السياسي الغربي مع بعض المصطلحات الإسلامية التي قام بسبكها، وهي في الوقت ذاته تحمل مفاهيمه وتلخص تقريبًا أفكاره وكيفية تعامله معها، فهناك مصطلح الأصولية"، وهو المصطلح الذي يحظى بتداول كبير يكاد لا يشاركه فيه غيره من المصطلحات، ثم هناك مصطلح الإسلام السياسي"، وهو مصطلح يكاد يتوازى مع مصطلح الأصولية، ثم هناك مصطلح الإسلام الراديكالي" و"الإرهاب الإسلامي"، وهذا المصطلح يكاد يحل الآن محل مصطلح التهديد أو الخطر الإسلامي (57).



    فالثابت أن الخطاب السياسي الغربي الذي يتناول الصحوة الإسلامية لا يهدف من خلال المصطلحات التي يستخدمها إلى التعرف عليها ولا يريد الوصول إلى معرفة الحقيقة؛ إذ إن مصطلحاته لا تنتمي إلى الحقل المعرفي، بقدر ما هي مصطلحات تنتمي إلى المجال السياسي الهادف إلى ترويج سياسة معينة تجاه الحركة الإسلامية، وهي سياسة الاستبداد، وكما يقول أحد الكتَّاب الغربيين: إن الخطاب الغربي حَوْل الإسلام كثيرًا ما يشدِّد على أن الإسلام غريب عن أوروبا، والتشديد على هذه الغربة يتكرر مرةً بعد مرةٍ في الإعلام الغربي، فإذا ربطنا مفاهيم مثل: العدوان، الحرب المقدسة، الرغبة في الاحتلال، خطر، وغيرها بالإسلام؛ فإن إحساسًا بالتهديد يظهر على ثلاثة محاور: النفسية، والثقافية، والدينية.



    وفي نفس الوقت فلا ذكر لأي شيء يمكن أن يسهل من التواصل مع الثقافة الإسلامية، والخبراء يستبعدون من البداية عملية التواصل والفهم، ويشددون على الاختلافات التي لا يمكن إصلاحها (58)، وهذا ما يعني أن تعامل الخطاب الغربي مع هذه المصطلحات على هذا الفهم، إنما يأتي لتبرير سياسة العنف والاستبداد التي ينهجها هذا الخطاب مع العرب وغيرهم.



    ومما يؤكد ذلك أيضًا أن الخطاب السياسي الغربي ينحو نحو الاعتقاد بالتسليم بصحة كل ما يقال فيه، فبعد أن سقط نظام صدام حسين في العراق كانت هناك كتابات لبعض المثقفين العراقيين تندد بما كان من عدوان أمريكي سافر على العراق، فكتب أحد الساسة الغربيين، يقول:- كتابات هؤلاء تفرح الطاغية في وكره وتساعده في العودة إلى السلطة"، مشيرًا بذلك إلى موقف هؤلاء المثقفين وكتاباتهم، وهو ما يؤكد أن الخطاب السياسي الغربي وأصحابه يعتقدون عن قناعة أو عن سطحية أن خصومهم سيحملون نفس الصفات التي سيخلعونها عليهم، وأن الغرب قد آمن بهذه اللغة بعد تسييسها، أي وضعها في حقل التداول السياسي.



    وحسب وصف الأستاذ حمزة الحسن الكاتب والروائي العراقي لهذا الموقف لا يمكن أن نطلق على مثل هذه الجملة إلا شعوذة سياسية من أصحاب اللغة السحرية السياسية الميتة، في عصر القرية الفضائية وبنوك الحيامن وتأجير الأرحام والتحضير للنفق الفضائي، فوكر الطاغية ليس سردابًا أو نفقًا أو مخبأً ماديًّا، بل هو عقلية وذهنية وطريقة تفكير وسلوك يصادر ويحذف ويهمش ويحكم، إلا أن الساسة الغربيين لا يريدون للعقل العربي ولا لمفكريه أن يناقشوا ويبحثوا ويسألوا (59).



    ومما يذكر هنا أن إحدى الدراسات التي قامت على تحليل مضمون الخطاب الإعلامي الأمريكي في الحرب النفسية التي تشنها أمريكا تجاه العرب والمسلمين قد توصَّلت إلى أن (28) تصريحًا من بين 216 تصريحًا حلَّلتها الدراسة أثناء التمهيد للحرب على أفغانستان كان محور مضمونه التلويح باستخدام القوة العسكرية، وهو ما يمثل نسبة 12% من مضمون هذا الخطاب، في حين توزَّعت باقي المحاور الست التي رصدها الباحث بين الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، والعراق وأفغانستان والدول الأخرى المتهمة بالإرهاب والتحالف الدولي ضد الإرهاب،

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 1:54 am