منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الشخصية في السيميائيات السردية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     الشخصية في السيميائيات السردية Empty الشخصية في السيميائيات السردية

    مُساهمة   الإثنين يناير 17, 2011 5:22 am

    [center]

    الشخصية في السيميائيات السردية

    الأستاذة: معلم وردة

    قسم اللغة العربية وآدابها

    كلية الحقوق والآداب والعلوم الاجتماعية

    جامعة 8 ماي 1945 قالمة





    تمهيد:

    خلافا للمناهج التقليدية ذات الأسس الاجتماعية و النفسية والتي وقعت في النظرة الأحادية للشخصية عندما اهتمت بمضمونها، نجد أن المناهج النصانية انصرفت بطريقة جذرية للاهتمام بهوية الشخصية من خلال وظيفتها أي شكلها ، ويمكن الحديث في هذا المجال عن نظريات السرد الحديثة التي تتجاذب دراسة الشخصية بوصفها جزء لا يتجزأ من العملية السردية وتقع هذه النظريات " في ثلاث مجموعات اعتمادا على كونها تتعامل مع السرد بوصفه متوالية من الأحداث أو بوصفه خطابا ينتجه سارد ، أو بوصفه نتاجا اصطناعيا ينظمه قراؤه و يمنحونه معنى " (1)

    ويمكن إدراج داخل المجموعة الأولى أعمال كل من فلاديمير بروب –Vladimir Propp-و إتيان سوريو-Etienne Souriau- وقريماص –A-j Greimasو فليب هامون....وجميعها تمثل العقدة بمعناها التقليدي ، أما المجموعة الثانية فتمثلها الأعمال المهتمة بالرؤية السردية أو وجهات النظر مع كل من هنري جيمس-HENRI JIMS- و جون بويون-jean Pouillon-...و أما المجموعة الأخيرة وهي الأحدث فتندرج تحتها نظريات التلقي .

    و يحسن بنا هنا التوقف للتذكير بان الشخصية و هي مكون سردي هام، قد اعتبرت داخل المجموعة الأولى " بمثابة دليل ( signe ) له وجهان أحدهما دالsignifiant- - و الآخر مدلول – signifie- وهي تتميز عن الدليل اللغوي اللساني من حيث أنها ليست جاهزة سلفا و لكنها تحول إلى دليل ، فقط ساعة بنائها في النص ، في حين أن الدليل اللغوي له وجود جاهز من قبل باستثناء الحالة التي يكون فيها منزاحا عن معناه الأصلي كما هو الشأن في الاستعمال البلاغي "(2).أساس هذا التوجه كما هو بادي لساني وظيفي ، لا ينظر إلى الشخصية إلا من خلال الدور الذي تؤديه داخل التلفظ ،مثل الكلمة التي لا يكون لها معنى داخل الجملة إلا إذا تعالقت مع بقية الكلمات المكونة لها، بهذه الكيفية تعاملت البنيوية المعاصرة مع الشخصية ، وبالأخص منها الاتجاه الذي عرف بالبنيوية الوظيفية و الذي فهم الشخصية من " مبدأ البحث عن الوظائف (أو الأفعال أو الأدوار ) التي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة "(3) ومن هنا يمكننا الحديث عن سيميائية السرد الخاصة بهذا المكون ،و لنا في النماذج العاملية –LES MODELES ACTANTIELS-التي قدمها كل من بروب و سوريو و قريماص و هامون خير ممثل لهذا التوجه الذي اختار أن تكون الشخصية علامة فارغة ، تمتلئ باجتماع اسمها و صفاتها و مجموع ما يقال عنها بواسطة التلفظ أي ان كــل عنصر من عناصـــر بناء الشخصية له دور أو وظيفة مما يجعلها تشارك جميعها في صنع معناها العام بطريقة ما .إذن ،يهمنا في إطار بحثنا عن الشخصية، التطرق إلى إنجازات بروب وسوريو و قريماص وهامون لأن دراساتهم اعتبرت سلسلة من الدراسات المتميزة ، المكملة لبعضها البعض، وهذا يبرر في رأينا أهمية اختيار تلك الأسماء .



    أ-الشخصية عند بروب : لا يمكن للدراسات المهتمة بسميائية الشخصية إغفال دراسة فلاديمير بروب عن الشخصية الحكائية ، ذلك أن بروب يعتبر أحد أهم رواد الشكلانية ، و من المنظرين الأوائل في حقل الدراسات البنيوية الدلالية، وقد قدم هذا الباحث تصوره عن الشخصية في كتابه مورفولوجية الحكاية الخرافية الروسية ، و البارز في هذا الكتاب الذي يعتبر الفتح المبين للدراسات البنيوية الدلالية هو اهتمام بروب بالجانب المورفولوجي للشخصية الحكائية مع تعظيم أفعالها ومختلف الوظائف الصادرة عنها ، وقد عدت هذه الدراسة ثورة منهجية حقيقية أولت لأول مرة الاهتمام بالشكل على حساب المضمون ،و يعرف تحليل فلاديمير بروب في الدراسات الشعبية بصفة خاصة بالتحليل الوظائفي ،نسبة إلى الوظيفة لأن هذه الأخيرة وهي " فعل الشخصية تعرف من وجهة نظر أهميتها لمسيرة الفعل " (4) ، تعتبر ركيزة هذا التحليل ، ذلك ان بروب لاحظ على مدونة الحكايات البالغ عددها مائة حكاية أنها تتضمن نوعان من القيم ، واحدة ثابتة أطلق عليها اسم الوظيفة وأخرى متغيرة ،تتضمن أسماء الشخصيات و صفاتها و أسماء الأماكن التي تتنقل إليها ...ومن هنا بدأ بروب في خطة عمله القائمة في الأساس على القيم الثابتة ، أي على وظائف الشخصيات التي أعطاها أسماء مصدرية مثل المنح ، الفقد ، المنع إذ اعتبرها أهم من الشخصيات نفسها،وتوصل إلى حصر هذه الوظائف في إحدى وثلاثين وظيفة ، ثم لاحظ أن القائمين بالفعل يقومون بأفعال محددة كما لو ان لكل فاعل دائرة فعل معينة وهذه الملاحظة جعلته يقوم بتوزيع الوظائف على الشخصيات وقد سماها دوائر فعل الشخصية وهي سبعة : 1-دائرة فعل البطل 2-دائرة فعل الشرير3-دائرة فعل المرسل 4-دائرة فعل المساعد5-دائرة فعل الشخصية المرغوبة 6-دائرة فعل البطل المزيف7-دائرة فعل المانح .

    وكل دائرة من الدوائر السبع تقابلها مجموعة من الأدوار ، يمكن أن تقوم بها شخصية من الشخصيات السبع.

    بهذه الإشارات الموجزة إلى كتاب مورفولوجية الحكاية الشعبية الخرافية نكون قد أحطنا بمنهج بروب ، وهو منهج كما نرى بسيطا ، يهتم بالشكل المتمثل في وظيفة الشخصية ،و هو واحد من العناصر المشكلة لبنيتها وبالمقابل أهمل بروب تماما جانب المضمون.

    يجدر بنا القول عن بروب أنه أدرك في مرحلة متقدمة جدا أهمية فعل الشخصية بالرغم من إغفاله أهمية تحوله و تغيره ، و ذلك عندما حصره في إحدى وثلاثين وظيفة ، وقد تلقى جراء ما أغفله في دراسته عن الشخصية الحكائية مجموعة من الانتقادات من أهمها :

    -إقصاء مضمون الفعل .

    -اعتباره الوظيفة عنصر أساس في السرد أي اعتبار ما تفعله الشخصية أهم من هويتها و صفاتها .

    -اعتباره أن الأفعال أهم من الأسماء ....

    و مع كثرة الانتقادات الموجهة لبروب فإنه لا يمكن لأي دارس تجاهل تبولوجيته و الاستغنـاء عنها " ولقد بينت التطورات اللاحقة التي عرفها التحليل السردي (في الرواية و القصة و المسرح وكل الأشكال التصويرية الأخرى )أهمية الحدس البروبي في تصوره لهيكلة الحكاية العجيبة ، وتبعا لذلك مكانيزمات بناء الشخصية وتبلورها كوحدة معجمية ظاهرة من خلال التجلي النصي "(5)أي الشخصية بوصفها دالا ، وقد كان بروب يعي تماما أهمية هذا الدال (اسم الشخصية ، لقبها ،بيتها) إلا أن توجه خطة عمله نحو الوظائف جعلته يقصيه يقول بروب " لقد فصلنا بدقة فيما مضى بين السؤال عمن يقوم بالفعل في الحكاية ، والسؤال عن الأفعال نفسها ، وتسميات الشخصيات و خصائصها متغيرة في الحكاية .ونعني بكلمة خصائص كافة الخصائص الخارجية للشخصيات عمرها وجنسـها و مكانتها و مظهرها الخارجي و خصائص هذا المظهر " (6).

    ونعتقد أن التزام بروب بمنهج محدد ، مصرح به كما شاهدنا من خلال الفقرة السابقة ، يمنح لعمله الأهمية المنهجية ، ويجعل من العناصر التي لا يتضمنها التحليل هامشية وعلى قدر من الأهمية أيضا لأن النقد المعاصر وبالأخص منه النقد الفرنسي ، ثمن أفكار بروب عن التحليل المورفولوجي وبالتحديد خصائص الشخصية،وهو أي النقد الفرنسي ينزع في توجهاته المختلفة بطريقة غير مباشرة إلى منهجه و السبب يرجع إلى أن النـقاد رأوا " أن مناقشاته في النظرية والمنهج أثمن من النتائج التي أحرزها إذ أضحت نقطة البداية في نوع جديد من تحليل السرد ، وفي الوقت نفسه أسست بعض محدودياته " (7)

    إن الوقوف عند نموذج بروب البسيط ضروري لكل تحليل يبتغي النظر في بنية السرد بصفة عامة وفي مقولة

    الشخصية بصفة خاصة ، وهذه الحقيقة " تظهر خصوبة نظرية بروب في كتابات الآخرين اللذين ساروا في طريقة ويعتبر كلود بريموند-Claude Bremond- أ ج جريماص -–A-j Greimas من النقاد الفرنسيين اللذين استخدموا نظراته النافذة أساسا لنظريات أثمن "(Cool

    ب-الشخصية عند سوريو :يعتبر إتيان سوريو أول من وضع توبولوجية خاصة بالشخصية المسرحية شبيهة بتلك التي أعدها بروب عن الحكاية الشعبية ، " فانطلاقا من الدراما أعطى سوريو أول نموذج عن العلاقات بين الشخصيات "(9).

    ويتكون نموذج سوريو من ستة وحدات هي :البطل ، البطل المضاد ، الموضوع ، المرسل ، المستفيد و المساعد ، وقد أطلق على هذه الوحدات اسم الوظائف الدرامية " وتمتاز هذه القوى أو الوظائف بقدرتها على الاندماج مع بعضها فهناك البطل ، وهو متزعم اللعبة السردية أي تلك الشخصية التي تعطي للحدث انطلاقته الدينامية التي يسميها سوريو بالقوة الطيماطيقية ، وإلى جانب البطل هناك البطل المضاد،وهو القوة المعاكسة التي تعرقل تحقق القوة الطيماطيقية ، أما الموضوع فهو تلك القوة الجاذبة التي تمثل الغاية المنشودة لدى البطل ويمكن لهذا الموضوع أن يتطور و أن يجد لنفسه حلا بفضل تدخل المرسل وهو تلك الشخصية الموجودة في وضع يسمح لها بالتأثير على اتجاه الموضوع ، ويكون هناك دائما مستفيدا من الحدث هو المرسل إليه ، وهو الذي سيؤول إليه موضوع الرغبة أو الخوف ، وكل هذه الأنواع من القوى المذكورة يمكنها أن تحصل على المساعد من القوة سادسة سيميها سوريو بالمساعد "(10)

    نلاحظ مما سبق ،أن سوريو استفاد كثيرا من النموذج البروبي ، ويظهر ذلك في الدوائر الست التي تعتبر تعديلا لدوائر فعل الشخصية ،كما تظهر استفادته من نموذجه من خلال استعارة مصطلح الوظيفة التي ارتبطت هذه المرة بالمسرح ، عكس ارتباطها بالحكاية العجيبة في نموذج بروب . والجديد في ترسيمة سوريو هو التركيز على الدور التيمي للشخصية من خلال علاقاتها المختلفة مع بقية الشخصيات ، فالشخصية الواحدة يمكنها القيام بدور أو أكثر .

    ولم ينج سوريو من الانتقادات فقد وصف نموذجه العاملي بالعمومية ، وهذا لا ينفي أهميته فقد كان منطلقا حقيقيا لأعمال قريماص و بريموند .

    ج-الشخصية عند قريماص: بعد نموذج بروب وسوريو برز باحث آخر قام باستثمار جهود سابقيه وهو قريماص و يعتبر النموذج الذي قدمه الثالث في سلسلة تبولوجيات الشخصية البارزة ، وفيه تم تجاوز الوضع الداخلي للشخصية (أي الشخصية بصفتها وحدة معجمية) إلى الوضع الخارجي، أي من المستوى التركيبي إلى المستوى الدلالي.لقد أسس قريماص في مشروعه الضخم لدلائلية الشخصية وسنكتفي فقط بالإشارة إليها من خلال مصطلحين يبرزان في نموذجه العاملي، يمثلان مفهوم الشخصية و هما مصطلحا العاملactant- - والممثل -acteur -فالعامل "هو نوع من الوحدات التركيبية ذات ميزة شكلية خالصة ، يمكن ان تكون العوامل كائنات بشرية أو أشياء لها عنوان مهما كانت طريقة بنائه حتى و لو كانت هذه العناوين بسيطة فهي ذات فعالية تؤهلها للمشاركة في القضية "(11)

    و يرجع قريماص العامل إلى بعض التصورات الخاصـــة بالتركيب مثل تصـور تسنيير ( tesniere ) ، وهي أي هذه التصورات تقوم على تمفصل الملفوظ البسيط -و الذي يتكون من عناصر مثل الفاعل ، الموضوع المحمول ،- إلى وظائف ، وقد استبدل قريماص مصطلح الشخصية بالعامل في السيميائيات السردية لأنه رأى ان العامل لا ينطبق فقط على الإنسان بل يتعداه إلى الحيوانات و الأشياء و حتى التصورات عكس مصطلح الشخصية الذي يلتبس مفهومه عند التطرق إلى قضية الجنس (إنسان، حيوان ).

    و ميز قريماص داخل خطاب متلفظ به بين نوعين من العوامل، هي :

    1-عوامل التواصل: وهي خاصة بالكلام المتلفظ به وهي :الراوي و المروي له و المتكلم المخاطب (بالفتح).

    2-عوامل السرد : وهي الفاعل ، الموضوع / و المرسل و المرسل إليه و على المستوى النحوي ميز داخل هذا النوع بين العوامل التركيبية وهي تلك المسجلة في برنامج سردي مثل فاعل الحالة و فاعل منجز و بين العوامل

    الوظيفية وهي تلك العوامل التي تشكل الأدوار العاملية لمسار سردي معرف ويمثل هذين النوعين بعدي عوامل السرد .

    و أما على مستوى السيميائيات السردية يكون العامل إما فردا أو ثنائيا أو جمعيا وكل عامل من هذه العوامل قابل للتمفصل على الأقل إلى أربع وضعيات عاملية (actant-antactant,negactant-negantactant)و عند تمفصله يصبح العامل يسمى بـ protatoactant ويتحول إلى مجموعة عاملية.

    والملاحظ على العامل أنه قابل لان ينهض يعدد من الأدوار العاملية تعرف هذه الأدوار بموضعها في السلسلة المنطقية للسرد أو بمساهمتها الصيغية (12)

    وأما المصطلح الثاني فهو الممثل وهو "وحدة تركيبية من النوع الاسمي مضمنة في الخطاب و قابلة في لحظة ظهورها لتسلم الاستثمارات الخاصة بالتركيب السردي ومحتواه الدلالي يتكون داخل الحضور لمعنم تفردي . ويمكن أن يكوم الممثل فرد (بيار)أو جماعي (الجنون ) أو تصويري ، أو اسم تصويري (القدر) وهو نقطة التقاء

    واستثمار لأثنين من المكونات التركيبة والدلالية ولكي نقول ممثل يجب ان يكون اللكسيم حامل على الأقل لدور عاملي و على الأقل لدور غرضي أضف إلى ذلك ان الممثل ليس فقط مكان استثمار لهذه الأدوار، ولكن هو أيضا نقطة هامة لتحولاتها ،و يتكون الخطاب بالنظر إلى ذلك من الكسب والنقصـان في القيمة"(13)

    والممثل كالعامل قابل هو الآخر لأن يؤدي مجموعة من الأدوار الغرضية المختلفة وهو قابل أيضا للتشخيص من خلال السمة التركيبية للملفوظ والدلالية.ليصبح مفهوم الشخصية دال على فرد فاعل يؤدي دور ما في التلفظ.

    ما يمكن ملاحظته على الشخصية في اصطلاح قريماص أنها استبدلت بمصطلحي العامل و الممثل ، والعامل هو الوظيفة حسب تعبر بروب ،و هو بؤرة توتر الملفوظ السردي فمنه تتحقق العملية التواصلية بطرق متعددة أي وفق علاقة العامل الواحد بمجموع العوامل الأخرى أي ان الملفوظ السردي يتكون أساسا من مجموع هذه العلاقات ، و هو ينقسم إلى :م1- ذات +موضوع .م2-مرسل+ موضوع+ مرسل إليه . ويقدم هذان الملفوظان أربعة عناصر هي : ذات ، موضوع ، مرسل ، مرسل إليه وهي عناصر كافية لإنتاج سلسلة من الإرساليات -communication- وبالمقابل هناك عنصران سيقومان بدور تسهيل أو عرقلة هذه الإرساليات وهما المعيق أو المساعد و بتجميع هذه العناصر نكون أمام ستة أدوار : ذات ، موضوع ، مرسل ، مرسل إليه ، مساعد ، معيق ، ويمكن وضعها في المربع السيميائي القائم على عملية النفي والإثبات ، ونحصل على إثرها على مجموعة من التقابلات ، تجد هذه الأخرى ما يقابلها في الحياة الاجتماعية .وعليه "يمكن النظر إلى النموذج العاملي من زاويتين : زاوية استبدالية و زاوية توزيعية ، و كل زاوية تحيل على تنظيم معين للأدوار وعلى نمط خاص للاشتغال فمن الناحية الاستبدالية يمثل النموذج العاملي أمامنا باعتباره نسقا أي سلسلة من العلاقات المنظمة داخل نموذج مثالي ...كل علاقة قابلة لتوليد توتر خاص ، داخل النص السردي ، وبناء على هذه العلاقات نحصل على ثلاثة أزواج من العوامل : كل زوج مرتبط بمحور دلالي معين :

    ع1: محور الرغبة ذات موضـوع

    ع2: محور الإبلاغ مرسل مرسل إليه

    ع3: محور الصراع معيق مساعـد

    أما عن الناحية التوزيعية فالنموذج العاملي يمثل أمامنا على شكل إجراء أي تحويل العلاقات المشكلة للمحور الاستبدالي إلى عمليات ، تطرح بدورها سلسلة من البرامج السردية الثانوية ، والرئيسية "(14).

    إن العوامل الستة السابقة تمثل مجموعة من الأدوار الثابتة وهي المشكلة لمفهوم الشخصية عند قريماص التي يقوم بدراستها انطلاقا من هذه الأدوار .ما يمكن ملاحظته على تصور قريماص هو :

    1-اعتبر مشروعه تطوير للمشرع البروبي .فالنموذج العاملي هو إعادة تنظيم وترتيب لدوائر فعل الشخصية وما يدل على ذلك "أن التأثر ببروب يبدو واضحا :في المرسل(destinateur)نجد الباعث (mandateur)وأب الأميرة،وفي المساعد(adjuvant)نجد الظهير السحري(auxiliaire magique) و الواهب (donateur) و المرسل إليه كأنه هو البطل (héros)الذي هو بالتأكيد الفاعل (sujet)أما الغرض(objet)فهو الأميرة " (15)

    2-ينطلق قريماص مصطلح الوظيفة على حالات يعتقد أنها أفعال مثل الفقد و الإساءة وهذا ما عابه على بروب الذي أهمل في نظره الوظيفة في تحولها المختلفة .أي انه اعتبر فعل السرد متحولا عكس بروب الذي عده ثابتا.

    3-ينطلق قريماص من النص الذي يتصور أنه جهاز مبنين من القواعد والعلاقات

    4-اختصار الدوائر البروبية هي التي أسست منطق قريماص في تعامله مع الشخصية.

    5-اعتبر مفهوم قريماص للشخصية مفهوما شموليا و مجردا اهتم فيه بالأدوار و لم يهتم فيه بالذوات.

    د-الشخصية عند فليب هامون:

    1-مفهومها :تعتبر نظرية هامون عن الشخصية من أهم النظريات الحديثة المنجزة إلى غاية يومنا هذا ، وقد حدد هذا المفهوم بدقة عندما قال: " إلا ان اعتبار الشخصية و بشكل أولي علامة أي اختيار وجهة نظر تقوم ببناء هذا الموضوع وذلك من خلال دمجه في الإرسالية المحددة هي الأخرى كإبلاغ أي مكونة من علامات لسانية "(16)

    يفهم من هذا التعريف أن هامون يعتبر الشخصية بمثابة الدليل اللغوي ، يتكون من دال ومدلول أي ان الشخصية عبارة عن بنية مكونة من علامات لسانية متشابكة ( دال + مدلول ) تتسع لتصبح قادرة على احتواء جميع مكونات النص بالإضافة إلى أن مفهوم الشخصية مستقل عن المرجع لا تراعى فيه إلا المعطيات النصية المتلفظ بها عنها داخل النص . كما يفهم من كلامه أن الشخصية تؤدي وظيفة إرسال أو تبليغ شأنها في ذلك شأن اللغة التي قصر اللسانيون أداءها على التواصل فقط .

    يتضح مما سبق ان هامون يرفض النقد التقليدي و الثقافة المتمركزة حوله هذا من جهة كما يتضح انه استقي مفهومه للشخصية من اللسانيات من جهة أخرى ، ومع هذا فإن هامون شدد على القول بأن الشخصية ليست :

    1-مقولة أدبية محضة :عن مشكلة أدبية هذه القضية يقول: " إن اشتغال وحدة خاصة تسمى الشخصية داخل ملفوظ هو مشكل إذا أردنا يعود إلى النحو الوظيفي سابقة في الأهمية على الأدبية ذاتها (معايير ثقافية وجمالية )

    2-مقولة مؤنسنة: بشكل خاص ، الرئيس الدير العام ، الشركة المجهولة الاسم ، المشرع ، السلطة ، كلها تشكل شخصيات إلى حد ما مشخصة و صورية وضعها نص قانون على خشبة المجتمع ....

    3- مرتبطة بنسق سيميائي خالص ...

    4-إن القارىء يعيد بناءها ، كما يقوم النص بدوره ببنائها ....

    والمتمعن لهذه الملاحظات يستنتج مايلي :

    1-إن للشخصية وظيفتان : واحدة نحوية مستقاة من النص و ثانية أدبية مستوحاة من المنظومة الثقافية و الجمالية التي ينتمي إليها النص ، والأولى ذات أهمية خاصة فحين أن الثانية تتراجع لصالح المعايير المذكورة .

    2-إن مفهوم الأنسنة مقبول إلى حد ما بالنظر إلى فاعلية الشخصية و نوعها و مستوياتها .

    3-يمكن تحديد الشخصية في الخطاب اللساني و غير اللساني.

    4-الشخصية هي نتاج قراءة أيضا.

    وهذه الملاحظات التي أصبحت في منطق هامون بمثابة محددا تصبح مرهونة بانتمائها إلى الحقل السيميولوجي بشرطين أو أكثر :

    1-أن تتحكم هذه الظاهرة في عدد ضئيل أو تام من الوحدات التمييزية للعلامات (معجم )

    2-أن تندرج هذه الظاهرة في مسلسل قصدي للإبلاغ قابل لمراجعة .

    3-ان تكون صيغ التجميع و التأليف محددة بعدد ضئيل و ( تام ) من القواعد (تركيب) .

    4-ان يكون وجود الظاهرة مستقلا عن لا محدودية الإرساليات المنتجة أو القابلة للإنتاج كما يكون مستقلا عن طابعها التركيبي"(17)

    ويقر هامون بصعوبة الأخذ بهذه الاعتبارات التي من شأنها تحديد حقل سيميولوجي خاص بالشخصية ، ولعل من بين أكثر هذه الصعوبات هي التمييز بين الشخصية بوصفها علامة أولا ثم بوصفها تنتمي إلى ملفوظ غير أدبي ،و أخيرا بوصفها تنتمي إلى ملفوظ أدبي ، ولا يرى هامون استحالة ذلك بالنظر إلى الاعتبارات السابقة الذكر .

    2-منهج دراسة الشخصية :تبعا لتوجه النقد البنيوي المعاصر تعامل هامون مع الشخصية بوصفها شبكة من الصفات الاختلافية تنتظم لتؤدي معنى ما ، وتقوم بدور و وظيفة معينة ، ومع حرص هذا التوجه على فعالية الأثر السياقي في تحديد الشخصية و جدنا أيضا هامون يأخذ به فالشخصية عنده " وليدة مساهمة الأثر السياقي و نشاط استذكاري يقوم به القارىء " (18).و هذا الحرص يؤكد بدوره على ان الشخصية ليست شكلا فارغا ، بل هي علامة ممتلئة يتوقف تحيينه على مختلف السياقات المحيطة بها من جهة ، وعلى دور القارىء من جهة أخرى ، لأن هذا الأخير يعمل على استحضار المدلول الغائب للدال الحاضر .

    و عليه فإن احتكاك الدارس بهذه النظرية يحتم عليه الوقوف عند : مدلول الشخصية ، النموذج العاملي ، دال الشخصية .

    1-مدلول الشخصية :اعتبر هامون الشخصية " مدلولا لا متواصلا قابل للتحليل و الوصف " وهذا المدلول عبارة عن جمل تتلقظ بها الشخصية أو يتلفظ بها عنها ، و تعتبر مجموعة أوصاف الشخصية و وظائفها و مختلف علاقاتها (معايير كمية ) المكون الأساسي لمدلول الشخصية.

    أ -1-صفات الشخصية و وظائفها :أوضح هامون مفهومه لمدلول الشخصية من خلال تحديد صفاتها ووظائفها ،وقدم لنا ترسيمتين واحدة خاصة بصفات الشخصية تتضمن أربعة محاور بسيطة موضوعاتها : الجنس ، الأصل الجغرافي ، الإديولوجيا ، الثروة و هي خاصة بصفات الشخصية التي تتطابق مع صفات مميزة أخرى لشخصيات من نفس الحكاية ، ومنطقه في ذلك تكرار هذه الصفات داخل الملفوظ الحكائي ، شرط ان تأخذ هذه المحاور بعين الاعتبار مواضيعها الأربعة . و أما الترسيمة الأخرى فهي خاصة بوظائف الشخصيات ، وهي مكونة من ستة محاور : الحصول على مساعدة ،توكيل ، قبول التعاقد ،الحصول على معلومات ، الحصول على متاع ، مواجهة ناجحة و تأتي هذا الترسيمة في محاولة من هامون للحصول على شكل تراتبي داخل المحاور المحتفظ بها .

    أ-2-علاقة الشخصيات بعضها ببعض : ثم تأتي خطوة عملية أخرى هي عقد مقارنة بين صفات الشخصيات ووظائفها ، لأنه تأكد أن علاقة شخصية ما بشخصيات الملفوظ الأخرى من شانها توضيح المدلول و إبراز سماته وفق روابط التشابه و الاختلاف .

    وقد اهتدى بعد ذلك إلى ترسيمة مهمة تقوم على مجموعة من العلاقات الضدية اللامتناهية ،و قد أخذ محور من المحاور الأربعة الخاصة بصفات الشخصية ، وهو محور الجنس لتوضيح روابط التشابه والاختلاف ، وانتهى إلى أن هذا المحور و بقية المحاور الأخرى قابل للتفكك ، أي إلى مجموعة لا متناهية من العلاقات الضدية ، وهذا المثال يبين علاقة الشخصيات بعضها ببعض .





    مذكر جنس لا مؤنث





    مؤنث عديم الجنس لا مذكر



    إن الشكل السابق يفترض وجود نقاط اختلاف واضحة بين الشخصيات المتقابلة ،وفق الرسوم التوضيحية ولكن في حالة تشابه بينهما ، وهذا مشكل هام حسب هامون " يمكن أن نعطيها صفة المرادفة ، فمثلا كيف يمكن التمييز بين شخصيتين عديمتي الجنس و سياسية في نفس الوقت "(19).

    أ/.3-تصنيف الشخصيات: بعد إعداد المحاور السابقة يقترح هامون من أجل تصنيف الشخصيات- لمعرفة الشخصيات الرئيسية من الثانوية - دلاليا الاعتماد على محور تواتر(تواتر معلومة تتعلق بشخصية معطاة بشكل صريح داخل النص ) مواصفات الشخصية ووظائفها ومختلف الإشكالات التي قد نصادفها ، وقد اقترح لها حلولا تتمثل في عدم الاعتماد دائما على معايير التواتر(معايير كمية تقوم على الإحصاء ) ،فبالإمكان الاعتماد أيضا على المعايير الكيفية .

    وبالنسبة للمعايير الكمية اقترح هامون ترسيمة تضمنت ستة محاور :مواصفة وحيدة ، مواصفة مكررة،احتمال وحيد ،احتمال مكرر ، فعل وحيد ، فعل مكرر ، و بإمكان هذه المحاور تصنيف الشخصيات وفق ما إذا كان الإخبار عن هذه الشخصيات قد تم من خلال شخصية واحدة أو شخصيتين الخ ، وقد علق هامون على هذه الترسيمة موضحا ذلك بمثال عن الشخصية عديمة الجنس ومختلف أنماط التحديدات المتعلقة بها ، وهو مثال يتيح التطبيق على ما لانهاية من الشخصيات المتماثلة و غير المتماثلة التي تمكننا من إقامة نظاما تراتبيا داخل رواية ما

    إن هذه الخطوات الهامة من شأنها التمييز بين كينونة الشخصيات وفعلها ، وما بين المواصفات و الوظائف أو بين الملفوظات الوصفية و الملفوظات السردية ، ونستطيع ان نلخصها كمايلي :

    "1-تعيين المحاور الدلالية (وداخل هذه المحاور يجب تعيين الصفات العالقة )

    2 –تصنيف هذه المحاور وهذه الصفات حسب مردوديتها السردية (مواصفات أو وظائف )

    3-دراسة كيف ان هذه المحاور وهذه الصفات يحدد بعضها البعض ، ويلغي بعضها البعض ، تتبادلان وتتغيران طوال الحكاية " (20)

    وهذه النقاط الثلاثة هي التي يتمحور عليها عمل مدلول الشخصية ،لذا يتعين على كل دارس الاعتناء بها في دراسته.

    2-النموذج العاملي:بعدما عرض هامون جهود سابقيه المتمثلة في سوريو و قريماص و بروب أعلن أنه غايته من تتبع مستويات وصف الشخصية (مدلول الشخصية ) هو " إقامة نموذج عاملي منظم لكل مقطع سردي" (21) و يفترض في هذا النموذج تحديد العامل أولا من خلال مشاركته في صور عاملية /نمطية و في سديمية عاملية. ويستعين هامون هنا بمحور التواتر و المحور التوزيعي للوصول للبنية العاملية للمقطع، فعلى مستوى التواتر يلاحظ هامون أن أي موضوع يحتوي على رغبة و برنامج و إرادة في الفعل ، يحول المرسل على إثرها الرغبة إلى ذات مالكة و البرنامج إلى برنامج للإنجاز.أما على مستوى التوزيع فهناك :

    "1-توكيل (المرسل يقترح موضوعا ، رغبة في الفعل على المرسل إليه .

    2-قبول أو رفض من طرف المرسل إليه .

    3-في حالة القبول ، هناك تحويل للرغبة التي ستجعل من المرسل ذات محتملة و يتبع هذا .

    4-أنجاز لهذا البرنامج تتحول الذات على إثره من ذات محتملة إلى ذات محققة "(22) .

    و يتم ذلك بناء على المواجهة ، التبادل ، التجربة ، التعاقد ، فهذه العناصر الأربعة هي التي تشكل مقاطع سردية لنص معين وهي التي ستحدد تركيبه .

    وهذا مثال عن مقطع التعاقد :









    الموضوع المرسل المرسل إليه

    رغبة ذات مالكة لرغبة

    برنامج برنامج للإنجاز



    إرادة في الفعل



    وبإتباع هذه الخطوات سيتم الوصول إلى البنية العاملية للمقطع " وعلى هذا الأساس يكون الوصول إلى البنية العاملية لمقطع ما ( أو لمجموع النسق الروائي ) هو الوصول إلى انسجامه ليس الاستبدالي فقط (نسقه بالمعنى الضيق ، أقسام شخصياته النمطية و إنما أيضا إلى انسجامه التركيبي ( التوزيعي ) قوانين الانجاز المقطعي"(23) أي أن إتباع هذه الإجراءات سيوصل الدارس إلى مستويات وصف الشخصية-النموذج العاملي- التي عدها هامون " عنصرا أساسيا في اللسانيات وفي كل فعالية سيميائية "(24) .

    إذن ، بعدما أسند هامون للشخصية دورا و وظيفة ، انتهى إلى تحديد دقيق يمكننا من بناء نموذج عاملي، وهو يلزم على الشخصية أن تتحدد وفق:

    1-نمط علاقاتها مع الوظيفية .الوظائف (المحتملة أو المحينة التي تقوم بها ) .

    2-خصوصية اندماجها (تشابه ، تضعيف ، تأليف ) في أقسام الشخصيات النمطية أو العامل

    3-وباعتبارها عاملا فأن الشخصية تحدد بنمط علاقاتها مع العوامل الأخرى داخل مقطع نمطي ومع صور دقيقة ...

    4-بعلاقاتها مع سلسلة من الصيغ (الرغبة ، المعرفة ، القدرة ..)المكتسبة الفطرية أو غير الفطرية ، وبنظام الحصول عليها .

    5-بتوزيعها داخل الحكاية بأكملها .

    6-بشبكة المواصفات و الأدوار (التيمية ) التي تعد سندا لها (السمة الدلالية غني أو فقير ، متخصص أو لا ، دائمة التحول "(25) .

    7-استطراد الملفوظ :هناك أساليب أخرى مشابهة ( أسلوبية ) يمكنها ان تؤكد على الاستطراد العام للملفوظ كما تؤكد على توقعية الحكي أي تحديد الشخصيات ، وهذه الأساليب هي :

    1-الوصف الجسماني : الملابس ، الكلام الرنان ، عرض الدوافع السيكولوجية ....

    2-مساعدو الشخصية : ليس في اغلب الأحيان سوى تجسيد لبعض مميزاتها السيكولوجية الأخلاقية و الجسدية

    3-تشتغل الإحالة على بعض القصص المعروفة ..

    5-الأفعال المتكررة الغير وظيفية : و تكون هذه المواصفات دائمة للشخصية (26).

    3-دال الشخصية : يتم تقديم الشخصية من خلال مدلول لا متواصل يلخص صفاتها و وظائفها و مجموع علاقاتها ، كما يتم تقديمها أيضا من خلال "دال لا متواصل ، أي مجموعة متناثرة من الإشارات التي يمكن تسميتها بسمته "(27)

    و لا يمكن أن تكون أسماء الشخصيات غير دوال تحيل بالضرورة إلى مدلولاتها ، وتحتاجها الشخصيات نفسها لتلخيص هويتها ، وقد يحدث أن يعتقد البعض بأن أسماء الشخصيات لا أهمية لها ، ولكن الأمر خلاف ذلك ، فالحقيقة البنيوية بينت أن اسم الشخصية يسهم وبقدر ما في تحديد مدلولها بصفة خاصة و عملية بنائها بصفة عامة ، و قد قادت هذه الرؤية هامون إلى المراهنة على اسم الشخصية و وظائف هذا الاسم التي تستخدم كنقطة إرساء مرجعية كما تشير في نفس الوقت إلى أدوار مبرمجة بشكل سابق أو ذلك الأسلوب الذي يكمن في إدخال اسم تاريخي في لائحة من الأسماء الخيالية ( أو العكس ) " (28).

    إن الواقع أثبت ان الروائيين لا يختارون أسماء شخصياتهم بطريقة اعتباطية و إنما عملية الاختيار تتم وفق طريقة انتقائية ، مدروسة و مخطط لها من قبل ، و يدل على ذلك أنهم" كانوا يترددون كثيرا في اختيار اسم العلم (زولا تردد كثيرا وهو يهيئ ( مابين لويز و ذنيز كاسم للبطلة ، ويقوم النص العصــري (بكيت ، روب قرييه )بنقل هذه اللاستقرارية إلى النص التام الشخصية الواحدة تحمل أكثر من اسم شخصيات مختلفة تحمل نفس الاسم تغير في الديمومة ، نفس الشخصية قد تكون تباعا امرأة أو رجل أشقر أو أسمر ، ديمومة في التحــول ( شخصيات مختلفة بنفس الفعل أو تتلقى نفس الأوصاف ).(29)

    لا شك أن لاسم الشخصية سمات ، حددها هامون بأنها مجموعة من الإشارات المتناثرة "تحدد في جزء هام منها بالاختيارات الجمالية للكاتب ، فقد يقتصر المونولوج الغنائي أو السيرة الذاتية على جذر منسجم و محدد من الناحية النحوية ( JE,ME,moi ) مثلا )أما في حكاية مروية بضمير الغائب فإن السمة تتركز على اسم العلم بعلاماته الطبوغرافية المميزة و حرف البداية " (30)

    وهذا الكلام يشير بدقة واضحة إلى أهمية سمات اسم الشخصية التي يمكن ان تكون "من نوع اسم العلم وذلك باعتباره سمة إما غنيا أو منسجما أو متنافرا ، أو اختزاليا وهذه التقنية الأخيرة يلجأ إليها بعض الروائيين مثل حرف k عند كافكا ، الكونت p مدام N في بعض نصوص القرن الثامن عشر ، وقد يكون غنيا في البورتريه و الوصف مرورا باسم العلم (الاسم اللقب الكنية )وكل التنويعات التلميحية والعنونة الرسمية ، التوضيح أو الرسم البياني شجرة النسب التي يلحقها زولا ببعض رواياته ."(31)

    أن هذه السمات متنوعة على المستوى النحوي و الصوتي و مختلفة الأحجام و متفاوتة التركيب و هي تتوافق في غالب الأحيان مع طبيعة النوع الأدبي ، فمثلا لا يمكن أن تستخدم السيرة الذاتية ضمير الغائب "هو" على لسان السارد .كما أنه لا يمكن أن يشير الاسم إلا إلى على المكانة الاجتماعية للشخصية أو معبرا عن عنها حسب انفعالاتها أو طموحاتها أو أحلامها ، وهكذا . و ينبه هامون إلى أنه يمكن أن يحدث ان نصادف في عمل أدبي أسماء لا وجود لها في العرف الاجتماعي و التاريخي ، تصبح في هذه الحالة نوع من البياض الدلالي الفارغ ، ولكن سرعان ما سيمتلئ هذا الفراغ من خلال إشارة إلى مكانة أو مركز اجتماعي ، تكرار البدائل البورتريه ، اللازمة ، ووفق هذه الإمكانات سوف يتحدد لنا مدلول الشخصية الذي لا يتوقف فقط على هذه العناصر .

    ان أسماء الشخصيات بمختلف سماتها تتطلب من الروائي و القارىء معا معرفة مسبقة بها ، و بالأخص الروائي الذي يصبح ملزم ببعض الشروط لوضع الاسم وتحديد سمته ، منها :

    1-تجنب أسماء العلم التي تتشابه من الناحية الصوتية .

    2-تنوع دقيق عندما يخص الأمر أفراد عائلة واحدة .

    3-تجنب الغرف من مادة صوتية ضئيلة .

    ويبدو الأمر هنا في غاية الأهمية لأن الشخصية على ضوء هذه المعطيات ، تصبح " نسق من المعادلات المبرمجة في أفق ضمان مقروئية النص "(32) ، بمعنى آخر ان دال الشخصية سيصبح مشكلا لنسق العمل الأدبي بأكمله كما سيصبح منتميا بالضرورة لبنيته الداخلية .و هنا يتطرق فليب هامون إلى مستوى التحليل حيث يتعين على الدارس المتبصر " إبراز الحركة السيميائية التي تمتد من الأصوات المحاكية إلى المجاز مرورا بالرمز و النمط و التخصيص و بطبيعة الحال فإن هذا التعليل مبني حسب قيمة الشخصية ، أي حسب مجموع الأخبار التي تعد هذه الشخصية سندا لها على طول الحكاية ، إنها أخبار تبنى في نفس الوقت بشكل تتابعي و اختلافي أثناء القراءة كما تبنى بشــكل استعادي "(33).

    كما يفترض به أن يكون تعليله للسمة الاسمية مبني على الطرق التالية : بصرية،سمعية ، تمفصلية، صرفية.

    و إذا اكتنف الغموض بعض الأسماء فوجب عليه أن يستعين ببعض الطرق التي تعينه على فهم الأسماء مثل عزل اللواحق و السوابق : أداة التعريف ، التضعيف التعبيري ، الأسماء المثمنة ثقافيا ، تفاهة الحالة العائلية " كل هذه العناصر تشتغل كإشارات تحيل على هذا المضمون الأخلاقي أو ذاك على هذا المضمون الجمالي ، الطبائعي الإيديولوجي ، المقولب (النبالة ، الوضاعة ، الدناءة "(34).

    ويحيل هذا الكلام على القيمة الجمالية والفنية لاسم الشخصية الذي نتصور أنه مستمد من واقع النص وطبيعته و جغرافيته كما نتصور أنه جزء لا يتجزأ من واقع الأديب و رؤيته للعمل الأدبي.

    بعد هذا العرض الموجز لمجموعة من الآراء ، يجدر بنا القول بأنها كانت متنوعة ، فهي تنتمي إلى أنواع أدبية مختلفة ، حكاية شعبية ، رواية ، مسرح ..كما عدت مجالات تطبيقها أيضا متنوعة فهناك النحو و اللسانيات و السيميائيات السردية ..

    كما يمكن القول بأن أصحابها اتفقوا على عد الشخصية إشكالية لسانية ، فاهتمامهم بكيفية بناء الشخصية يؤكد على أمر واحد و هو أن الشخصية تفعل أكثر مما هي تتكلم ، فللشخصية صفات و وظائف ، أدوار اسم ، علاقات ، وضع ما ، تصرفات ، طبائع، سلوكات ، فكل هذه السمات تشتغل بناء على ما تقوم به الشخصية من أفعال .ويكون بذلك هامون و بشهادة الكثير من النقاد يكون قد أسهم في توسيع حقل السيميائيات السردية بتقديمه دراسة متميزة و خصبة ، عدت بمثابة إضافة حقيقية لهذا المجال المعرفي.



    الهوامش :

    1- والاس مارتن : نظريات السرد الحديثة ، ترجمة حياة جاسم محمد ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، المجلس الأعلى للثقافة ،ص 106.

    2-حميد لحمداني : بنية النص السردي من منظور النقد العربي ، المركز القافي العربي للطباعة والنشر و التوزيع ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط3 2000 ، ص51.

    3-الطيب دبه : مبادئ اللسانيات البنيوية ( دراسة تحليلية إبستيمولوجية ) دار القصبة ، الجزائر ، دط ، 2001 ،ص 100.

    4-فلاديمير بروب : مورفولوجية الحكاية الشعبية الخرافية الروسية ، ترجمة إبراهيم الخطيب ،الناشرون المتحدون ، الدار البيضاء ،المغرب ط1 ،1986، ص 77

    5-سعيد بنكراد : سيميولوجية الشخصيات السردية (رواية الشراع و العاصفة لحنا مينة نموذجا ) دار مجدلاوي ،عمان ، الأردن ، ط1 1423 /2003، ص31.

    6-فلاديمير بروب : مورفولوجية الحكاية الشعبية الخرافية الروسية ،ترجمة إبراهيم الخطيب ، ص 172.

    7-والاس مارتن : نظريات السرد الحديثة ، ترجمة حياة جاسم محمد ، ص118.

    8-والاس مارتن : نظريات السرد الحديثة ، ترجمة حياة جاسم محمد ، ص122.

    9- Tzvetan Todorov: les catégories du récit littéraire, ,communication 8 ,1966 ,édition du seuil , 1981 ,p139.

    10- نقلا عن حسن بحراوي :بنية الشكل الروائي ، ص219. ـ BOURNEUF.P161.

    11-Algirdas julien Griemas et Joseph courtes : sémiotique dictionnaire raisonne de la théorie du language ,hachette livre ,paris ,France ,1993 ,p03.



    Ibid,p3/4 -12

    Ibid ,p6/7. -13

    14 - سعيد بنكراد : سيميولوجية الشخصيات السردية ، ( رواية الشراع والعاصفة لحنا مينة نموذجا ) ،ص 92

    15-جمال كديك :السيميائيات السردية بين النمط السردي والنوع الأدبي ، أعمال ملتقى السيميائية و النص الأدبي ، معهد اللغة العربية وآدابها جامعة باجي مختار ، عنابة ، 15/17 ماي 1995 ، ص284.

    Barth w.kayser, w.booth ph.hamon : poétique du récit édition du seuil ,paris1977 p117 -16

    ibid , p 119 -17

    Ibid ,p126 -18

    ibid , p 133 -19

    ibid , p 136 -20

    ibid,138/13 -21

    ibid,139/140 -22

    ibid , p 140. -23

    Ibid ,p136. -24

    Ibid,p141/142 -25

    ibid , p 165. -26

    ibid, p142. -27

    ibid,p127. -2

    ibid ,p143/144. -29

    ibid. ,p142. -30

    ibid , p144 -31

    ibid ,p144. -32

    ibid ,p147. -33


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 6:29 am