منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الكشف والإخفاء «في فن سامية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الكشف والإخفاء «في فن سامية Empty الكشف والإخفاء «في فن سامية

    مُساهمة   الإثنين مارس 07, 2011 7:24 am

    [center]


    الكشف والإخفاء «في فن سامية أنجنيـر»

    استقبلت جمعية الفنون التشكيلية معرض الفنانة سامية أنجنير في مطلع أبريل الماضي بالكثير من الاهتمام نظرا للطرح الجديد الذي خرجت به الفنانة بعد اختفائها لمدة تقارب العشرين عاما. والدكتورة سامية أنجنير أستاذ مساعد للتربية الفنية بقسم الاعلام والسياحة والفنون بجامعة البحرين. وهي من مواليد المنامة، حاصلة على دكتوراة في التربية الفنية والفنون الجميلة من جامعة Pennsylvania State University بالولايات المتحدة عام 1992 وماجستير من جامعة Birstol ببريطانيا عام 1983، ودورات في الطباعة والسيراميك 1974 ببريطانيا.

    التحقت بجامعة البحرين عام 1982 كأستاذ للتربية الفنية، وشاركت في عدد من المعارض المحلية والعالمية بين عام 1970 وعام 1980. كان رجوع الفنانة سامية أنجنير إلى الساحة البحرينية الفنية يعلن عن تجربة فنية فلسفية متفردة هي في حاجة إلى أن ترى النور. لقد ترددت الفنانة سامية كثيرا قبل أن تفاجىء الجمهور البحريني بموضوع شديد الجرأة وهو ما عبر عنه عدد من الفنانين البحرينيين المتميزين على هامش المعرض في يوم الافتتاح ومن بينهم الفنان ابراهيم بوسعد والفنان علي المحميد وغيرهما.

    لقد استخدمت الفنانة خامات من البيئة المحلية بأسلوب في غاية التفرد، ووظفت توظيفا إبداعيا جديدا على نحو ما نجده في لوحة ورقة اللوز الجافة بخفتها عاكسة بذلك طبقات من المعاني الفلسفية التي تبوح بقوة رسالة الفنانة سامية في هذا المعرض . كما أن ورقة اللوز هذه تجسد الكشف والإخفاء بصورة ذكية توشي بمفهموم صوفي موارب. هذه النظرة الصوفية في عنوان المعرض لاحظها بعض الفنانين وأكدها الدكتور اسماعيل الربيعي، أستاذ اللغة العربية بجامعة البحرين حينما كان يتنقل بين زوايا المعرض إبان الافتتاح.

    توحي ورقة اللوز المستخدمة في 34 وحدة متماثلة ومتنوعة في الآن ذاته بمعانٍ متوازية ومترادفة كما تظهر الطبقات السيميائية التي يجسدها رداء المرأة البحرينية التقليدي «العباءة الخليجية» وعلاقة هذا الرمز بالثقافة والدين والتقاليد وبجدلية العلاقة بين المرأة والرجل كقطبين متلازمين ومتكاملين ومتنافرين في الوقت ذاته بفعل علاقات القوى ومركزية الذات بالنسبة إلى الآخر.

    يثير معرض سامية انجنير المعنى الجدلي الذي يتضمنه مفهوم العباءة البحرينية التقليدية بالنسبة إلى البيئة المحلية وبالنسبة إلى الآخر الخارج عن هذه البيئة. فمن وجهة نظر تقليدية محلية قد تعبر العباءة البحرينية عن الانتماء والولاء للتقاليد البحرينية الإسلامية و الرضوخ للنظام الأبوي او البطريقي الذي يجير جسد المرأة لصالح الرجل في الوقت الذي تتضمن فيه هذه الرمزية بالمقابل الجسد الآخر الحر الطليق الذي يستعرض نموه وفحولته في ظل استحسان التقاليد ذاتها. أما الرؤية الأخرى التي قد يلمحها الآخر الغريب عن البيئة والتي تتطابق مع النظرة الغربية ففد ترى في العباءة النسوية رمزا لاضطهاد المرأة وشرطا من شروط اخضاع جسدها لملكية الرجل وسيطرته عن طريق اثقالها بالقيود التي تعرقل حريتها و حركتها .

    وخارج ـ هذه ـ الجدلية المطروحة ، استطاعت الفنانة سامية أن تجسد خفة هذا الرداء الذي يتموج مع الريح والذي يكاد أن يتحول الى أجنحة قد تعطي للمرأة إحساسا بالحرية لا بالقيد. فورقة اللوز التي تخفي وتكشف جسد المرأة التي تقابل الداخل الى المعرض هي ورقة خريف.. ورقة الخريف بجفافها تتداعى لتحمل معها الكشف أو الانزياح من الطريق كما تنزاح الوريقات الجافة بفعل الريح ولعل الأمر نفسه مع العباءة التي كانت تشبه خفة أوراق الخريف بوصفها تنحسر بسهولة عن الجسد بفعل الريح.. وعلى الرغم من خفة هذه العباءة وشفافيتها ، إلا أنها مزدوجة المعنى... فأحيانا ترى الجسد منطلقا تحتها وأحيانا سجينا في كنفها لدرجة التعثر والسقوط وفقدان القدرة على الحركة في مواقف مختلفة جسدتها الفنانة تجسيدا بارعا من خلال استخدام فن تراثي قد اندثر مع الوقت وهو فن صناعة «الكردية» أو «الكرادي» وهي العرائس القطنية. وعلى الرغم من أن كلمة كردية قد تفيد بالتلاقح الثقافي الذي عاشته البحرين مع الشعوب المختلفة التي وطئت أرضها، أو الشعوب التي اختلط العرب الرحالة بها، إلا أن فن صناعة العرائس من القماش المحشو بالقطن صار من صميم البيئة البحرينية بمرور السنين. لقد كان الكثير من السيدات والصبايا البحرينيات يتقن هذه الصنعة الحميمة التي كانت تمتزج بالمحبة والدفء والجمال كونها تجسد علاقات المجتمع المتماسكة. ومع كل أسف لم يعد لهذا الفن أي أثر واستبدل بالدمى البلاستيكية التي تجسد الصبية الأمريكية الشقراء «باربي» أو «ساندي» مع كل مفردات حياتيهما التي لا تنتمي للثقافة البحرينية المتراكمة عبر قرون ، وبذلك فقد الأطفال بعض المفردات الحميمة التي ترتبط ببيئتهم ، وفقدت السيدات من كبار السن البهجة التي يستشعرنها عند قيامهن بصنع مثل هذه الدمى الجميلة التي يلبسنها أزياءهن التقليدية باستخدام البقايا من الأقمشة الملونة الزاهية لإهدائها إلى الحفيدات أو الصغيرات من بنات الأقارب والجيران.

    أين الرجل؟

    قد يتساءل زائر المعرض عن موقع الرجل في فن سامية أنجنير.. بينما احتلت المرأة كل المساحات في المعرض وغاب جسد الرجل فلماذا ؟ تتركنا الفنانة سامية أنجنير لنخمن الإجابة. هل يكمن الرجل في العين التي تكشف ما تريد كشفه وتخفي ماتريد اخفاءه من حقيقة المرأة؟ ربما... فعنوان الكشف والإخفاء فيه الكثير من الاحتمالات التي تجيب عن هذا التساؤل..

    الكشف والإخفاء هما أيضا يجسدان جدلية مزدوجة تفترض تفاعل الآخر الحاضر دائما في ذهن الفرد سواء شاء أم أبى. وعملية الكشف والإخفاء تفترض بالضرورة تواجد عين الرقيب التي هي أكثر حضورا في المعرض...هذا الرقيب ربما هو الرجل «الغائب الحاضر» في ذهن وواقع المرأة في كل اللحظات التي يتجلى فيها جسد المرأة بعريه أو بكشفه.. اذاً هناك حوار جدلي بين الكشف والإخفاء ضد خلفية ذكورية مهيمنة على الذاكرة.

    والرجل موجود أيضا في الجزء الآخر المكمل للمعرض. فالرجل يقتحم ضجيج الأجساد بدون رتوش في شعر الفنانة سامية انجنير الذي ظهر لأول مرة وهي تقرأه بصوتها ليسمعه زوار المعرض. هنا تكتمل اللوحة ونرى الرجل الذي لم يجسد مباشرة في المعرض قد احتل معظم أو كل المساحات في شعرالفنانة سامية أنجنير.. عندما تتحدث سامية عن وحدتها وأرقها.. نشعر بالمساحات الذي يحتلها الرجل في أعماق الفنانة... لا يمكن لامرأة أن تعلن عن أنوثتها إلا في محاورة جدلية مع ذكورة الآخر وإلا كيف يمكن أن تعرف الأشياء مادامت لا تعرف أضدادها أو الصور المقابلة لها ؟

    لشعر الفنانة أنجنير وقفة أخرى تتناولها بالعمق الذي تستحقه. إنما من الضروري أن نشير إلى أن وجود الرجل كان في معرض سامية أنجنير هو حضور عاطفي صاخب نسمعه في كلمات شعرها.. ونراه في العين المراقبة للوحات التي رسمتها وللمجسدات الفنية التي أبدعتها عن جسد المرأة وخصوبته.

    لا نستطيع أن نقول ان كلمات سامية أنجنير نالت من الاهتمام ـ حين تم إشراكها في المعرض ـ ما تستحق ، مقارنة مثلا بتجربة «وجوه» التي فاجأنا بها الثلاثي المبدع قاسم حداد وإبراهيم بوسعد وخالد الشيخ وزادها جمالا أداء الشاعر أدونيس بصوته الفخم الذي رغم جماله كان له أثر رجعي بالنسبة الى تسويق العمل جماهيريا ، نظرا لاعتبارات تتعلق بالحقوق الفكرية واعتبارات أخرى تخص منتجي العمل مما جعله حصرا على النخبة وغير معروف أو متداول بالنسبة الى العموم... ان مقارنة تجربة سامية انجنير الثنائية مع تجربة «وجوه» الرباعية قد تكون مقارنة غير عادلة خاصة فيما يخص التزاوج المتقن بين الفنون الصوتية والسمعية والبصرية التي بدت في الفيديو الذي غامر بإخراجه الفنان عبدالله يوسف مستخدما خلفيته في فن السينماتوغرافيا والذي أضفى فيه على العمل بعدا إضافيا ضروريا بالنسبة إلى المتلقي الذي لم يعايش العمل وقت العرض ويستوعب التجربة المعقدة التي خاضها الفنانون الخمسة «قاسم حداد، وإبراهيم بوسعد ، وخالد الشيخ، وعبدالله يوسف ، وأدونيس.

    وعلى الرغم من اختلاف التجربتين تجربة الكشف والاخفاء لسامية انجنير ووجوه كان من الممكن أن تأتي تجربة سامية الثنائية أكثر خصوبة لو كان الإخراج الفني للشعر والموسيقى نال العناية التي يستحقها. فالتقنيات الصوتية والموسيقية المستخدمة لإنتاج العمل كان ينقصها الاتقان ، فلم يسهم شعر سامية في إبراز جماليات العمل بالشكل المطلوب. قد يكون عامل الوقت ضروريا لنضج إخراج العمل الموسيقي بجانب العمل التشكيلي. ومع كل ذلك يبقى لنا أن نشيد بجرأة الفنانة على اقتحام المضمار الفني من أوسع أبوابه .

    ان خروج سامية انجنير من دائرة التردد والإقدام على المجازفة بإعلان فنها شعرا وتشكيلا أمام الجمهور البحريني المحافظ يستحق بحد ذاته التصفيق. ويبقى أمام سامية أن تطرح تجربتها الشعرية مطبوعة أيضا لتلقى الاهتمام الذي تستحقه، خاصة وأنها قد أفرجت عن الهم الأكبر لها ألا وهو التجربة التشكيلية الخصبة التي عاشتها أكثر من ثلاثين عاما دون أن يتعرف عليها الجمهور.

    والجمهور البحريني المتذوق للفن العالمي في حاجة الى أن يرى تجربة سامية انجنير كتجربة رائدة للكشف عن مواضيع وقيم يتردد الكثير من الفنانين البحرينيين في طرحها أمام الجمهور المحافظ. إن الخوف من مواجهة الآخر أو الخشية على الآخر من وقع الصدمة ، له أيضا تبعاته التي تفقد الفنان فرصته نحو التطور والنضج. فلا يمكن للفنان أن ينمي ويطور فنه وأدواته بمعزل عن الجمهور. العين التي تخفي وتكشف ضرورية لنجاح تجربة انجنير وتجربة أي فنان آخر.

    الصلاة في محراب الجسد

    تدخل إلى المعرض فيصدمك طابور من الأجساد الأنثوية التي أعادت الفنانة ترتيبها لتجسد فلسفتها في الكشف والإخفاء. من خلال 34 لوحة تجسد نساء من التراث البحريني تشبه أمهاتنا وجداتنا في صباهن حتى بعد منتصف القرن الماضي. ترى الثياب البحرينية البيضاء التي تدثر نساء يحملن وجوها بحرينية تحيطها هالة كثيفة مبهرة من الشعر الأسود الفاحم المظفر في جدائل طويلة مرتبة، بينما تحيط بالأجساد ورقة لوز خريفية قد لوحت بلونها الشمس. العباءة تصبح بلون الأرض وبلون أجنحة الطيور. إذ يتحول لون العباءة الأسود في الواقع إلى اللون الأسمر أو القمحي المحاكي للبشرة البحرينية. وكلاهما: لون الورقة الأخضر ولون البشرة البشرية قد تفاعل مع المؤثرات البيئية الطبيعية وأنتج لونا أقرب الى لون الأرض.

    أصبحت العباءة خفيفة كجناح الفراشات. الأجنحة الهشة تثير الفضول، فهي لا تمكن المرأة من الطيران ولكنها تجعل احتمالات الانطلاق مفتوحة على الأفق وأحيانا تصطدم أحلام المرأة بالتحليق بالواقع المرير... أجنحة تهم لكنها لا تستطيع أن تحلق بالجسد على الرغم من جمالها الغامض...!

    فماذا تريد سامية أنجنير أن تقول؟؟؟ هل المرأة التي يحلم بها رجل هذا المجتمع هي امرأة سجينة حلم بلا أجنحة؟ امرأة نقية طاهرة محاطة بالطهر والعفاف والبياض الناصع كالثلج يمثل هذا النقاء الشفاف... هذه المرأة الجميلة الوديعة للأسف هي امرأة غير فاعلة... تحاول أن تطير كما تصورها بعض المجسمات... تحلق وحيدة وتسقط من سماء الأحلام منكبة على الأرض، نراها تحاول أن تفرح وتزدهي بأنوثتها... لكنها تقع أرضا كسيرة الخاطر دون أن تجد من يجبر بخاطرها أو يعيد إليها القدرة على الوقوف مرفوعة الرأس... الثياب البيضاء الفضفاضة ... الجدائل الطويلة تجعل هذه المرأة أشبه بالحوريات الموعودات اللواتي يحلم بهم الرجال في جنة الخلد... لكن المرأة الحالمة في هذا العالم تظل عاجزة ووحيدة وغير فاعلة... تحلق وتسقط منكبة على وجهها بلا حراك..

    في أربع وثلاثين لوحة تحكي سامية أنجنير قصة هذه المرأة المجلله بالنقاء والبياض.. المرأة سجينة الصندوق الزجاجي ذي اللون الشفاف الذي يذكر بسجن جدرانه من زجاج.. وتتداعى الى ذاكرة القارئ في نصوص سامية أنجنير التشكيلية صور ونصوص أخرى تتقاطع مع الصورة التي جسدتها الفنانة في معرض الكشف والاخفاء.. فمثلا يرى المتلقي المرأة المحجوزة في العلبة الزجاجية شبيهة بجوهرة أو ماسة كما يحلو للذاكرة الشعبية أن تراها.. وقد يراها الرائي أيضا كأسيرة في سجن غير مرئي ، يجعلها عاجزة عن البوح بأحلامها أو التعبير عن أحزانها.. أو ربما هذه المرأة المستحوذة أبدا على ذاكرة الرجل وذاكرة المجتمع بشكل عام تتحول في معرض سامية أنجنير الى تحفة ليرى المتفرج بوضوح أحلامها وطموحاتها ومحاولاتها المتواصلة للتحليق... كما يرى أيضا سقوطها وارتطامها بالأرض دون أن يحرك هذا الألم المتواصل أي ساكن في هذا الآخر المراوغ، الذي يحاول ألا يرى... إلا أنه يرى كل ما يحدث بوضوح.. وهنا أيضا تفاجئنا الفنانة بجدلية الكشف والاخفاء...

    نساء ينهمرن كالمطر من بوابات خفية... نساء تنبثق منهمرة و متموجة كبحر من زوايا خفية مظلمة معتمة أحيانا ومضيئة أحيانا أخرى.. لكنها أجساد شفيفة تنساب بخفة وحنو وبدون ضجيج تماما كينابيع المياه العذبة التي كانت تزخر بها أرض دلمون ... نساء تنبثق من اليابسة ومن البحر وعلى جناح الريح وفي كل الأزمنة...نساء تملأ كل المساحات بأجسادهن العارية... لاترى عريهن النبيل.. فليس في الكشف فضح... هناك جسد وحسب... نساء طويلات... نساء قصيرات ... نساء نحيفات... نساء ممتلئات... لكنها أجساد مسالمة... لا تعلن حربا على أحد... مجرد أجساد كائنات بشرية جميلة تماثل أي كيانات جميلة أخرى أبدعها الخالق سبحانه وتعالى فلماذا جسد المرأة يخيفنا إلى هذه الدرجة المرعبة... لماذا يحتل جسد المرأة في المخيلة البشرية كل هذه المساحات التي تؤرقنا؟

    الإخفاء والكشف... الإخفاء يخفي وراءه الخوف من مواجهة المساحة التي يحتلها هذا الجسد الأنثوي في الذاكرة البشرية... والكشف هو ما تريد أدوات الفنانة أن تفضحه. لقد أبدعت الفنانة سامية انجنير مستفيدة من تركيب خامات بسيطة لتخرج بفن حديث قادر على احتلال مكانة لائقة وسط بحر الفن التشكيلي الغني. فن التركيب أصبح يأخذ طريقه في الانتشارعالميا خاصة في الثمانينات عندما أصبحت المعارض العالمية تحتفي بالتجارب الجديدة التي أضافها فن التركيب الى تاريخ الفن التشكيلي المعاصر. لم تعد المساحة المكانية مشكلة بالنسبة إلى الفنان التشكيلي. لقد أصبح بقدرة الفنان التشكيلي من خلال فن التركيب أن يقول ما يريد من خلال لوحة لا تتجاوز بضع سنتيمترات. وظفت الفنانة انجنير قدراتها وخبراتها الفنية في صياغة رسالتها العميقة من خلال السيطرة على أدواتها الفنية ببراعة وتمرس عبرت بهما عن قدرتها على التخاطب مع معطيات بيئتها والتعبير عنها كفنانة قديرة جديرة بأن تكون أستاذة للفن التشكيلي بجامعة البحرين.

    مشهد فني

    نساء محجوزات وراء أغشية حريرية أو وراء ستائر من الدانتيل الذي يبوح بقدر ما يخفي.. وراء البذخ المنمق تسجن أجساد النساء وحيدات ومهملات.. نساء ينهمرن مع معزوفات موسيقية كونية تشعر بها وكأنها تغلفك في كل زوايا المعرض.. سمفونية أجساد نسائية تنهمر من كل مكان فرادى وجماعات ... الجسد الذي يفصل عن الرأس في لوحة رائعة مجللة باللون الأحمر المثير.. وتوأم آخر مع هذه اللوحة التشكيلية الرائعة التي يتدرج فيها اللون الأحمر المثير المتوهج بدرجة صاخبة لا يملك المتذوق الا أن ينحني أمامها تقديرا... هنا يكمن السر... اللوحة الأخرى تحتل فيها علامة الاستفهام وهو الموضع نفسه الذي يحتله الرأس المفصول في اللوحة المجاورة.. المرأة المفكرة تظل لغزا... تظل رأسا بلا جسد... لماذا لا تستطيع عين الرجل الجمع بين الاثنين وكأن رأس المرأة يلغي جسدها عندما يتأجج بالفكر.. أو يلغي الجسد الفكر عندما يتأجج بالرغبة... لماذا يكون الرجل هو الذات وتكون المرأة موضوعا أزليا للتأمل دون أن يتحقق لها الذاتية الإنسانية الطبيعية التي يفترضها الرجل لنفسه؟

    لماذا لا يستطيع الرجل أن يرى المرأة بوصفها انسانا يمتلك مقومات الإنسان الكريم... الإنسان الكامل الذي له الحق في الفكر وفي العاطفة... في أن يكون عقله مكملا لجسده تماما كما يتحقق بديهيا للرجل... لمذا هذه البداهة تحتاج الى جدل؟

    ماذا تريد سامية أنجنير أن تقول؟

    ماذا تريد سامية أنجنير أن تقول؟؟؟ شئتم أم أبيتم.. الجسد الأنثوي سيطوق أعناقكم حتى تعترفوا بوجوده؟ لن تستطيعوا شجب الجسد بمجرد إخفائه جزئيا أو كليا؟؟ أنتم ترون الجسد.... ترونه بوضوح شديد حتى لو رميتم به داخل الأغطية الحالكة أو وراء الدهاليز المظلمة... أنتم فقط تتوجون هذا الجسد بقدر ما تريدون اخفاءه... انتم تكشفونه كلما ازددتم في إخفائه... هذه الحقيقة تريد الفنانة سامية انجنير كشفها دون زيف أو دون رتوش.. «هي صادقة حتى النخاع» كما وصفها البعض على هامش المعرض... وهي كذلك حتى في روتينها اليومي لدرجة ان بعض أصدقائها يخشى عليها من هذا الصدق الذي لا يهادن ولا يساوم في عالم لا يمكن أن ينجو فيه الا المهادنين!..

    تعالوا أيها المتعبون... الجسد سيؤرقكم.... وأنا لا أملك لكم الا الكشف.... فهل تغامرون برؤية الواقع المضحك أم تفضلون الإخفاء؟ سامية أنجنير... وصلت رسالتك... والثلاثون عاما التي ابتعدت فيها عن جمهورك جعلتك تبرعين في أدواتك... تنتصرين على المساحات التي تتطلبها اللوحة... تقولين ما تريدين بأسلوب في غاية الذكاء وفي غاية البساطة... تبوحين وتكشفين بكل تمكن واتقان وبراعة.. واحترام... فتحية لك.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس أكتوبر 31, 2024 6:08 pm