منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الإيقاع في الرواية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الإيقاع في الرواية   Empty الإيقاع في الرواية

    مُساهمة   الجمعة مارس 11, 2011 6:22 am


    الإيقاع في الرواية
    بقلم : د. حسين المناصرة
    جامعة الملك سعود


    "دراسة الإيقاع في الرواية تكشف عن عمق العلاقات بين الناس والأشياء، وحركة الأشياء، ومعنى "جديد" للزمان والمكان والعلاقات..." .

    نورثروب فراي

    لا
    خلاف إطلاقاً حول حرية أي قارئ في مقاربة الرواية من الوجهة التي يريدها ،
    حتى لو وصل الأمر بهذا القارئ إلى الادعاء بأنه فاتح لمنهجية لم يسبقه
    إليها أحد رمياً بـ " هل غادر الشعراء من متردم …" بعرض الحائط
    الإسمنتي..إنما من الضروري أن تكون هذه القراءة المشروعة مبدئياً أو تلك في
    أساسها الديموقراطي منجزة ( وواهبة للمحار لا للردى )عندما تتحول بدورها
    إلى خطاب مقروء على مستوى " قراءة القراءة " أو "قراءة النقد " ، وإلا
    فإنها تصبح مضللة ، واستعراضية واستغفالاً بطريقة أو بأخرى ...

    عنوان
    كتاب أحمد الزعبي " في الإيقاع الروائي نحو منهج جديد في دراسة البنية
    الروائية "يثير على المستوى التنظيري قضية مألوفة في القراءات الشعرية
    المهتمة بالموسيقى والإيقاع في القصيدة المحدودة المساحة والغنائية ، وإلى
    حد ما قضية مألوفة في القراءات الشعرية للرواية من المنظورات الكلاسية التي
    تختصر وتختزل الرواية إلى مجموعة من الجمل والأساليب الإيقاعية ، لكنه
    عنوان يتمطى "الجديد"،وهو يعلن أنه قراءة للإيقاع
    في سياق " البنية الروائية "، وهذا ما جعلني على الأقل أترصد الفرصة
    المناسبة لأدخله ضمن الثقافة المنهجية السردية ..وفي الجماليات تحديداً.

    وفي
    تصور القارئ المتجدد الواعي أن البنية الإيقاعية للرواية يجب أن تكون
    مخالفة إلى حد كبير لما يمكن أن ينتج على مستويات الشعر أو التشكيل أو
    الدراما، دون أن تلغي هذه المخالفة التقاطع فيما بين هذه
    الأجناس من جوانب متشابهة متعددة، لأن الأجناس بطبيعتها متواصلة ومتراسلة
    ومتفاعلة بعضها مع بعض.. ومعنى هذا أن الخطورة تكمن - وكما أنجزت في النقد
    التقليدي الأكاديمي - في رصف المقولات الخاصة
    بالإيقاع من فضاء الشعر لتنجز بطريقة إسقاطية في فضاء الرواية دون الأخذ
    بعين الاعتبار الخصوصية التي تتمتع بها الرواية أو السرديات عموماً في هذا
    المجال ، وقد حارب باختين في" الخطاب الروائي " بشكل خاص
    هيمنة المقولات الشعرية على الفضاء السردي ، وأيضاً عالج حميد لحمداني هذه
    الإشكالية في كتاب مستقل بعنوان "أسلوب الرواية" ، إذ لديهما ( باختين
    ولحمداني) سياق إيقاعي لغوي ورؤيوي خاص بالرواية، و هو سياق متميز عن إيقاع الفنون الأخرى كالشعر والتشكيل و الدراما ...

    في المدخل والمقدمة النظرية يحاول
    الزعبي في كتابه التنظير للإيقاع في الرواية تمهيداً لدراسة هذا الإيقاع
    في خمس روايات عربية مشهورة ، هي : السفينة ، والمستنقعات الضوئية،وموسم
    الهجرة إلى الشمال ، واللص والكلاب، وتلك الرائحة. وما نكتشفه فعلاً في
    الخمس والعشرين صفحة لا يتجاوز تكرار ثلاثة أو أربعة أفكار، بحيث يمكن
    تلخيص مساحات الصفحات كلها في ثلاث أو أربع صفحات فقط ...ومع تقديري لبعض
    كتابات أحمد الزعبي الأخرى إلا أنه في هذا الكتاب تحديداً يجسد حالة من
    الضياع المؤدية إلى طريق اللغة المجانية ..ربما بسبب عدم وضوح فكرة الإيقاع
    عموما كإشكالية سردية.

    هذا
    ما وجدته في المدخل والمقدمة السالفين ،حيث يوجد تكرار لتعريف ضبابي
    للإيقاع ، وتكرار لتميز كل رواية بإيقاعها الخاص ، وريادة دراسة الباحث في
    مجالها، وتثبيت لبعض المقولات الخاصة بالإيقاع في الشعر لجرها على السرد
    تحت الشعار " الرواية فن كفن الشعر "، المقولة الكلاسية ذات الإيقاع
    الثقافي الرسمي الاحتكاري .

    ولعلي أشير إلى نمطية تكرارية تعريف الإيقاع الذي يذكره المؤلف بين
    الفينة والأخرى محاولة منه لتعريف الإيقاع الروائي ، لكنه يصل في النهاية
    -ربما- إلى الفشل واللاجدوى والعجز عن الوصول إلى تعريف مقنع ، ومن تعريفاته المتكررة ما يلي:

    · " ..تحاول هذه الدراسة أن تحلل وتركز على الإيقاع الروائي من خلال حركة الأحداث وتطور الشخصيات وتغيرها وتعاقب الأزمنة وتغير الأمكنة وتوظيفها" .
    · "
    إن المقارنة التي تقدم في هذه الدراسة ما بين حركة الزمان والمكان
    والأحداث من جهة ، والتغير الذي يطرأ على الشخصيات سواء في عالمهم النفسي/
    الداخلي أو عالمهم المرئي الخارجي من جهة ثانية ستكون مصدر إغناء وتعميق
    لفهم الرواية على المستويين الفني والمضموني.. " وهذا هوالإيقاع .

    · "
    الإيقاع في الرواية يشكل ويرصد عالم الأمكنة والأزمنة والأحداث في حركتها
    وتغيرها وبنائها ومدلولاتها ،ويرسم هذه الخطوط الإيقاعية المنتظمة فيما
    بينها التي هي بناء الرواية ومعمارها وهندستها . كما يشكل الإيقاع في
    الرواية ويرصد العالمين : الخارجي / المرئي الظاهري للشخصية
    نفسها والحدث نفسه .. الخ . حركة العالم الخارجي تلتقي / تنفصل / تتداخل مع
    حركة العالم الداخلي للشخصيات ، وتشكل إيقاعاً معيناً وعلاقة معينة ما بين
    داخل الشخصية وخارجها..".

    · "
    الإيقاع في هذه الحالة يرصد هذه العلاقة الجدلية ..هذه الخطوط / هذه
    الحركات صعوداً وهبوطاً / داخلاً وخارجاً فيما بين الشخصيات وعوالمها
    المختلفة وأزماتها المتصادمة " .

    · "
    دراسة الإيقاع في الرواية تكشف عن عمق العلاقات بين الناس والأشياء( ..عن)
    حركة الأشياء(..).يشكل (..) معنى جديداً للزمان والمكان والعلاقات .يعمق
    أيضاً معرفة بناء العمل الأدبي /الروائي . يرصد الحدث (..)برصد إيقاع حركة
    الحدث .. الشخصية .. المكان .. الزمان .. الفعل.. ردة الفعل..النظام / كسر
    النظام/المفهوم / تغير المفهوم إلخ ( نوروثروب)".

    · "الإيقاع الروائي إذا ، يعنى بشكل رئيسي بالأحداث من حيث وقوعها وتشكلها (..إحالة إلى بارت)كما
    يعنى بالشخصيات من حيث تشكل عالمها الداخلي والخارجي ( ..إحالة إلى سي
    ماينلي)كما يعنى الإيقاع الروائي بالمكان والزمان حيث توظيفهما لرصد حركات
    الشخصيات عبر الأمكنة(..) كما يعنى الإيقاع الروائي أيضا بتشكيل علاقات
    منتظمة إيقاعية..".

    · "الإيقاع
    الروائي يضبط ويشكل ويجسد البنى الروائية المختلفة في ترتيبها وهندستها
    وتواصلاتها الظاهرة والخفية، كما أنه يرسم ويرصد بدقة وانسجام عمليات
    التنسيق والتحرك والضبط والتكرار والترتيب والتوظيف والتوافق والتعارض
    والتغير والتصادم في الأحداث والمفاهيم والأزمنة والأمكنة والعواطف
    والشخصيات والعقد والحلول .." .

    · "
    كل هذا يعني أن الإيقاع الروائي بعناصره المختلفة وأشكاله المتعددة ، من
    إيقاع الشخصيات إلى إيقاع الأحداث إلى إيقاع الأزمنة والأمكنة.. إلى غير
    ذلك .." .

    · " إن الإيقاع الروائي(..) يعتمد
    على عناصر البنية الروائية ، كالأحداث والشخصيات والحوارات والمواقف
    والأمكنة والمشاهد والتحولات .. إلى غير ذلك من عناصر البناء الروائي
    ومعماره الفني الدقيق " .

    · " يتحدث الناقد ( عبد الرحمن ياغي ) عن إيقاع الزمان والمكان والحوار والشخوص والأحداث في كتابه كنفاني .." .
    · "
    الإيقاع الروائي يعنى بوضع ومواضع وعناصر البنية الروائية والشكل الروائي
    والمحتوى الروائي. إنه يعنى بهذه العناصر - الشخصية ، الحدث، المكان ،
    الزمان ، الموقف و الحوار ..- من حيث تشكلها ونظامها واتساقها وتحويلها
    وتواصلها والتقاؤها وتعارضها وتزامنها " .

    · " الإيقاع الروائي بالتالي هو أنظمة وتنظيم وترتيب وهندسة ذلك النسيج الداخلي لكل عناصر الرواية الذي يربط كل جزئياتها بخيوط دقيقة متينة خفية أو ظاهرة ، ذلك النسيج بما فيه من توزيع وإيقاع وتشابك هو الذي يشكل عالم الرواية الفني والمضموني ".
    · .. الخ .
    حيث
    يمكن الوصول إلى اثنتي عشرة عبارة أخرى تعريفية مندسة هنا وهناك، في حين
    كان بإمكان الباحث أن يقدم تعريفاً واحداً فقط لا غير في حالة عدم وجود
    تعريفات متناقضة إلى حد كبير .. وأن يخلص إلى أن الإيقاع الروائي يتشكل من حركية الزمن والمكان والشخصية والحدث والعلاقات فيما بينها ضمن تيمات معينة يجدر التحول إلى الكشف عنها لتوضيح آلياتها..

    لكن
    الكتابة هنا تبقى متشبثة بدائرة التعريف التهويمي من جهة، ويتعريفات شعرية
    للإيقاع لا علاقة جذرية لها بما ينوي المؤلف الحديث عنه في الرواية ،
    لنجده أحياناً يهرب من التنظير إلى التطبيق على بعض الروايات في مقدماته
    النظرية مما يدلل على ارتباك إشكالية الدراسة من جهة ، وهذا ما يساعد على الاستطراد والدخول في إشكالية أخرى غير معني الكتاب بدراستها تحت هذا العنوان ..لأنها فضاء
    آخر لا علاقة له بالإيقاع، كأن يقول عن نهاية إحدى الروايات " قد يحتاج
    البحث في رموز هذه النهاية الغامضة ودلالاتها العميقة إلى دراسة متأنية
    تحليلية طويلة هي ليست مجال هذا البحث الذي يركز على الإيقاع الروائي فيها،
    ولكننا سنشير إلى واحد من التفسيرات المحتملة المتعددة لهذا الرمز والذي
    نظن أنه الأقرب إلى عالم الرواية وسياقاتها وأبعادها ، ثم نمضي لمتابعة
    الإيقاع فيها ".

    على أية حال يبدو أن اللغة التهويمية المجانية فائضة في المدخل والمقدمة ، وهي بكل تأكيد لم تعط مفهوماً إشكاليا ممنهجاً وواضحاً للإيقاع في الرواية ، حتى أغلب الفقرات التي يقتبسها من الآخر تبدو كأنها في مجال آخر غير مجال الإيقاع الروائي المعني كبنية شاملة في الرواية ، وذلك على طريقة الاقتباسات التالية : " الإيقاع هو الفن " /" الرواية فن
    كفن العمارة أو الشعر " لألبير يس. و" لتكن معانيك وإيقاع كلماتك صدى
    لعالمك الداخلي" لبولسلافسكي. و" أعني بالإيقاع المعنى الواسع للصورة أو
    الشكل المتكرر.."لريشارد.و" الإيقاع يعني التكرار بالدرجة الأولى "ليوجين
    راسكين " وإيقاع الخطوط - مثلا- هو الأهم في الفن " لهربرت ريد...إلخ.

    وإذا
    انتقلنا من فوضى التنظير إلى إمكانيات إيجاد البنة الإيقاعية السردية عن
    طريق التطبيق ، فإننا في هذا المجال سنكتفي بقراءة القراءة التطبيقية
    الأولى ، وهي عن " السفينة " لجبرا إبراهيم جبرا. فكيف تم تفعيل الإيقاع في هذه القراءة التي تشكل حوالي عشرين صفحة ؟!.

    لا
    أريد مصادرة مشروعية القراءة مهما كان نوعها ، لكن ما يجدر قوله هو أن
    الإيقاع في التطبيق جاء بمعنى " قراءة " أو "مقاربة " أو " دراسة " ، فلا
    يعني قول " إيقاع المكان" على سبيل المثال ، سوى دراسة المكان وطبيعته
    وتوظيفه في الرواية ، ومن ثمّ لم تخالف هذه القراءة أغلب القراءات التي
    قرأت السفينة من خلال تشابك عناصرها الأربعة ( الشخصية ، والزمن ، والمكان،
    والحدث )، على اعتبار أن هذا التشابك هو الرواية في أية منهجية ثقافية
    نقدية .

    إلا
    أن ما فعله المؤلف في تكوينات الرسوم التخطيطية، يكاد يشكل بطريقة ما ،
    صورة من صور الإيقاع التي كان من المفروض أن تطرح نظرياً ، ثم أن توجه
    تطبيقياً؛ ليغدو معنى الإيقاع فاعلاً من خلال ما يمكن وصفه بـ " الحركية السردية الإيقاعية "، مما ينجز الكتابة
    المنتظمة ، وقد قدم المؤلف " رحلة عصام السلمان عبر الأمكنة والأزمنة
    وإيقاعها "و" رحلة وديع عساف عبر الأمكنة والأزمنة وإيقاعها "و " رحلة
    الدكتور فالح عبد الواحد عبر الأمكنة والأزمنة وإيقاعها " و" إيقاع حركة
    الشخصيات عبر الأمكنة والأزمنة نحو نقطة التجمع ( السفينة )"و " إيقاع
    الأحداث في عالم الشخصيات الداخلي / النفسي عبر الأزمنة الثلاثة " و "
    إيقاع الجنس والعاطفة عند الشخصيات " .. وكلمة الإيقاع في هذه العناوين
    مطابقة تماما لكلمة " صورة "!!.. وهذا يعني أن الإيقاع الذي قدم عن الرواية
    ما هو إلا قراءة شعرية تعاملت مع الرواية من منطلق تجريدها من كينونتها
    السردية ، وتحويلها إلى كينونة تجريدية بلغة شعرية وحيدة ، علما بأنه كان
    من الأجدر أن تعمق مسألة الإيقاع السردي نظرياً ، لتصبح ذات رؤى مخالفة ،
    بحيث يصبح الإيقاع ذا بنية احتفالية باللغة السردية العنصر المفقود في
    الدراسة ، وذلك من أجل تتبع تعددية الأصوات والرؤى الإيقاعية في رواية تبدو
    من الوجهة الظاهرية كأنها ذات إيقاع شعري واحد يفعل أزمة الشخصيات المثقفة
    عبر التنوع في حركيتها الزمكانية غير المستقرة !!.

    وتنتهي
    القراءة الخاصة بالسفينة بحكم معياري تعميمي أيضاً مشابه لما سلف في
    التنظير ،إذ يقول " إن إيقاع المكان والزمان والأحداث وعالم الشخصيات
    الخارجي وعالمها الداخلي ثم إيقاع الرغبات والجنس والعواطف يشكلان بناء
    روائياً متميزاً لسفينة جبرا، ويجعلن من أسلوب " وجهات النظر " الذي اتبعه
    المؤلف في روايته شكلاً أدبياً مبدعاً غاية في الإتقان والعمق".وليس في هذه
    المقولة بكل تأكيد سوى لغة تعميمية إلى حد كبير !!




      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:26 am