منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تجليات المكان فى السرد

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     تجليات المكان فى السرد  Empty تجليات المكان فى السرد

    مُساهمة   الجمعة مارس 11, 2011 7:05 am




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[/b]
    (1) تجليات المكان فى السرد
    مقدمات نظرية [/center][/center]
    د/ محمد محمود أبوعلي
    مدرس النقد والبلاغة آداب دمنهور
    رئيس المؤتمر
    لا ينكر أحد أن المكان من الأعمدة الأساسية التي يقوم عليها الهيكل البنائي للنص الروائي، فالرواية في أساسها فن من الفنون الزمكانية ليس لأن الزمان والمكان متلازمان متضافران فيها فقط ، وإنما لأن المكان مكون أساس من مكوناتها، فلولا الحركة في المكان ما كان للعمل الأدبي أن يوجد، فالزمان والمكان عنصران حاكمان في العمل الأدبي عامة والسرد على وجه الخصوص، فهما كشقي المقص لا وجود لأحدهما منفردًا حيث "يمثل المكان والزمان في الرواية وحدة عضوية واحدة لا تنفصم ، ثم تأتي الحركة بعد ذلك لتكمل هذه الوحدة، وتضفي عليها الحياة، فالمكان بدون حركة لا يصبح مكان وإنما قطعة أرض فضاء، فالذي يعطي المكان حياته هي الحركة ، والمكان هو ذلك البقعة من الأرض أو المبنى الذي يُمكّن للإنسان على الأرض ، أي أن يجعله مكينا قادرًا على الحياة على الأرض"([1]).
    إن الشخصية دون مكان هي شخصيته في الفراغ ، ولذلك غدا المكان هوية لكل شخصية مهما صغر حجمها على صعيدي الزمان والحدث، ولا فرق في ذلك بين شخصيات رئيسة، وأخرى ثانوية، سوى أن الأولى ترتبط بالمكان أكثر من ارتباط الأخرى به، من خلال وجودها في قلب الأحداث، وغياب الأخرى عنها ([2]).
    وهذا يعني أن الارتباط بين الزمان والمكان
    أمر جوهري، وتأكيدًا لذلك فإننا في بعض الأحيان نعتقد أننا نعرف أنفسنا من
    خلال نسبنا إلى حقبة زمنية معينة في حين أن كل ما نعرفه هو تتابع في أماكن
    مختلفة لاستقرارنا فيها، إننا نتذكر الزمن بالمكان وليس المكان بالزمن، إن ذكرياتنا وكل ما مر بنا إنما هي ذكريات مكانية في الأغلب للزمن فيها بعد غير منكور وغير مساوٍ للمكان .

    وعليه يمكن القول إن الزمان والمكان
    يأخذان بعدًا دراميًا في صنع الفضاء الإبداعي ويكونان دورًا – أساسيًا ،
    ويصبحان رمزًا إنسانيًا له دلالاته الجمالية في العمل الأدبي، ومن ثم
    فالأعمال الإبداعية لا تكتسب البعد الإنساني إلا من خلال تشابك عناصر
    التجربة في بعدها الزمكاني .

    ولا ينكر أحد هذا الحراك الجدلي بين الزمان والمكان ، وإن كان المكان له تجليه وحضوره في كل عناصر العمل الروائي فالمكان " ليس عنصرًا زائدًا في الرواية، فهو يتخذ أشكالاً ويتضمن معاني عديدة، بل إنه قد يكون في بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل كله "([3]).
    وهذا يعني أن المكان في الرواية عنصر شديد الأهمية كمكون للفضاء الروائي
    لأن "الأمكنة بالإضافة إلى اختلافها من حيث طابعها، ونوعية الأشياء التي
    توجد فيها تخضع في تشكلاتها أيضًا إلى مقياس آخر مرتبط بالاتساع والضيق أو
    الانفتاح والانغلاق .

    إن كثرة الأمكان تقدم مادة أساسية للروائي لصياغة عالمه الحكائي ، حتى إن هندسة المكان تسهم أحيانًا في تقريب العلاقات بين الأبطال ، أو حلق التباعد بينهم "([4]).
    المكان بطلا
    ولهذه الأهمية ينفرد المكان في العمل الأدبي بالبطولة ومن ذلك روايات علاء الأسواني، وصنع الله إبراهيم وغيرهما ممن لا نجد المكان – معهم – مجرد انتشار للأحداث، ولحركات الشخوص، بل بوصفه بطلاً من الأبطال، ومحورًا محركًا للشخوص والأحداث فلم يعد المكان مع الروائيين أحجارًا أو ترابا وكومة غبار .
    "لقد أصبح الكائن الذي نألفه ، نحبه، ندافع عنه، نشعر بالأسى لفقده"([5]).
    إن
    ظروف المجتمع الجدية لا تسمح للأديب بأن يقف مكتوف اليدين معصوب العينين
    أمام الأحداث التي تمر بالبلاد من حوله، وإن عليه أن يشارك في تنمية الوعي
    لدى الطبقات القارئة أو يسهم في حل مشكلاتها… لقد أصبح مطالبًا لتحويل أدبه
    إلى قوة فعاله تتأثر بحياة الشعب فتؤثر فيه "(
    [6]).
    وذلك لأن النص الروائي يمثل بنية دلالية تمتاح مادتها من البنيات الثقافية الحضارية للبيئة التي أنتجتها .
    ومن هنا تتمايز الروايات من مكان لآخر، ولو أن النص الروائي تزامن مع البني الحضارية، والواقع المعيش فإنه سيمثل نموذج التفاعل الذي يعكس قدرًا كبيرًا من التميز ([7])
    أقول ذلك لأن لمطروح بنيات ثقافية حضارية خاصة لا توجد عند غيرها تتمثل في عدة أمور منها :
    1- سكان مطروح الذين ينقسمون إلى مسلمين ومسيحيين .
    2- بيئة مطروح الجميلة التي اختصها الله سبحانه وتعالى بها والبيئة تشمل المكان من ناحية العمران والجغرافيا ، والبيئة هنا تتجلى فى البيئة الصحراوية التى تغرس في أبنائها خصائص معينة وأخلاقيات
    متنوعة ، والبيئة المطلة على البحر بما تتركه فى الفنان خاصة والإنسان
    عامة من أثر السحر ، وبيئة الحضر ، والبيئة التجارية بما تحمله من عادات
    وتقاليد وثقافات متنوعة .

    3- لهجة السكان الأصليين المختلطة بلهجات متعددة وافدة إليها مع المتنقلين من ليبيا وغيرها .
    4- خصوصية بعض العادات المسيطرة على السكان ومن ثم، فلا أعتقد أن أديبا يكتب رواية في مطروح إلا ويكون كل ما سبق خلفية شفافة لعمله الروائي ، وهذا ما سنتبين صحته من عدمه مع فعاليات المؤتمر
    ولأن للمكان تجليه وحضوره في كل عناصر العمل الروائي فهناك علاقة بين المكان وتشكيل الشخصية الروائية؛ حيث تتحدد العلاقة بين الشخوص والمكان الروائي على أساس من المعايشة الصادقة أو الزائفة بين شخوص العمل والأمكنة المعاشة .
    ومن ثم، فالمكان لا يقصد به – ونحن نتكلم عن تجليات المكان
    الناحية الجغرافية أو البيئة فحسب، وهذا ليس بالقليل كما سيجيء، بل يقصد
    به الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية والنفسية والفنية لمجتمع ما ، فالمكان
    لا يعني الشارع أو البيت أو القرية ، ولا يعني الأوصاف الميتة المنثورة ،
    وإنما يتسع فيشمل الرقعة ومحتواها الجغرافي والتاريخي والبيئي والطبيعي،
    ومن هنا يتحول إلى ملامح ، وإلى شخصية نحس بوجودها في القصة ، وبضغطها على
    سير الأحداث، وتشكيل النتائج "(
    [8]) .
    وهذا يعني من وجهة نظري أن المكان
    يتعدى دوره الجغرافي المحدود بوصفه حقيقة جغرافية وكونية حاوية للأشياء ،
    هذه البيئة الحاوية، أو قل الوعاء الذي يعمل داخله باقي عناصر العمل الروائي لها أثر عظيم في كل هذه العناصر حيث يُسهم المكان / البيئة في رسم طبائع وملامح العلاقة بين الشخوص والمكان ، بل يسهم في تشكيل طبائع الشخوص نفسها .

    إن المكان هو الوعاء الذي يحتوي الحدث الروائي "ففي المكان تولد الشخوص وتتحرك نحو النمو الروائي،
    وتتدافع الأحداث نحو التعقيد والذروة، وبحسبك أن تتصور أشخاصًا يولدون في
    اللامكان ، يتحركون في فراغ، وبحسبك كذلك أن تتصور أحداثا تتم فضلا عن أن
    تتشابك وتتنامى في اللا شيء ، ثم عليك أن تحكم بعد تصور هذا ما يمثله المكان من أهمية "(
    [9]).
    قد يهيمن المكان في بعض الأحيان على كل عناصر الرواية لاعبا دور البطولة ، فنجد الروائي في مثل هذه الحالة مستغرقا في وصف المكان وجمالياته كى يؤكد على واقعيته ناقلاً الأمر من على الورق إلى عالم الواقع، كما كان يفعل طه حسين في نصوصه الروائية وعلاء الأسواني في جل رواياته .
    ومن ثم نجد المكان مع كبار الروائيين عنصرًا مهيمنًا على باقي عناصر الرواية .
    وهذا لا يعني أن الروائي مجرد كاميرا تجول في أنحاء المكان مجردًا النص من الحيوية أو معتمدًا على الواقعية الصرفة، إنه يصور المكان من خياله وتصوراته "فالمكان في الرواية "هو المكان اللفظي المتخيل ، أي المكان الذي صنعته اللغة انصياعًا لأغراض التخيل الروائي وحاجاته"([10]).
    وهذا يعني أن النص الروائي "يخلق عن طريق الكلمات مكانا خياليا له مقوماته الخاصة وأبعاده المتميزة "([11]).
    وعليه فالمكان أشبه مع الروائيين – بالخلفية الرقيقة الشفافة للأحداث ، ومن ذلك تكتسب الأمكنة عمقها وتأثيرها في الأعمال الروائية
    "إن الكاتب عند يصف لا يصف واقعًا مجردًا، ولكنه واقع مشكل تشكيلاً فنيًا،
    إن الوصف في الرواية هو وصف لوحة أكثر منه وصف واقعي موضوعي"(
    [12]).

    لقد قلنا إننا لا نقصر المكان
    في الرواية على البيئة فحسب وحتى لو فعلنا فالبيئة هنا تعمل عمل السحر في
    شخوص الرواية وتوجهاتهم ولغتهم وأنماط التصرف والسلوك التي يقومون بها،
    وهذا الكلام أمر غير منكور ، ولا هو بجديد فقد تناوله كثير من أعلامنا
    القدماء والمحدثين ورأوا أن الفنان إنسانٌ لابد أن يظهر في
    شعره – بقصد أو بغير قصد – أثر البيئة التي عاشها، ومن ثم نجد طه حسين
    يكابر – وهو محقٌ في ذلك - بأثر هذه البيئة، يقول : »لأول
    مرة تعلمنا أن الأدب مرآة لحياة العصر الذي ينتج فيه لأنه إما أن يكون صدى
    من أصدائها، وإما أن يكون دافعاً من دوافعها، فهو متصل بها على كل حال،
    ولا سبيل إلى درسه وفقهه إلا إذا درست الحياة التي سبقته فأثرت في إنشائه
    والتي عاصرته فتأثرت به، وأثرت فيه، والتي جاءت في أثر عصره فتلقت نتائجه
    وتأثر بها. فللأدب مظهران إذن: مظهره الفردي لأنه لا يستطيع أن يبرأ من
    الصلة بينه وبين الأديب الذي أنتجه ، ومظهره الاجتماعي لأن هذا الأديب نفسه
    ليس إلا فرداً من جماعة، فحياته لا تتصور ولا تفهم ولا تحقق إلا على أنه
    متأثر بالجماعة التي يعيش فيها، هو في نفسه ظاهرة اجتماعية فلا يمكن أن
    يكون أدبه إلا ظاهرة اجتماعية«(
    [13]).
    »فالصحاري
    والمراعي تغرس في أبنائها خصائص معينة وأخلاقيات مثل الشجاعة والإقدام ،
    والفخر العنيد للرجل الحر، واليقظة والحيطة ، والشعور بالانتماء ، وقوة
    الملاحظة الحادة التي أوجبتها رتابة البيئة عديمة الملامح«(
    [14]).
    وكذلك
    فإن كثيراً من صفات العرب المرتبطة بالفروسية كان نتيجة البيئة التي فرضت
    صفات حميدة كالكرم، والنجدة، وإغاثة، الجار وكل ما له علاقة بالبطولة
    والفروسية »ولم يكن هذا الاتجاه
    البطولي إلا نتيجة الواقع الحتمي الذي وجد الشاعر نفسه فيه … فالبطولة
    العربية شيء نابع من صميم البيئة العربية الجاهلية، ومن استعداد الأفراد
    أنفسهم … فالبيئة مع الاستعداد الشخصي هما العنصران الأساسيان المكونان
    للبطل«(
    [15])، حتى اتجاه الصعلكة وما يرتبط بها من صفات السلب والنهب والسرقة والإغارة كان نتيجة البيئة التى دفعت كثيرين إلى هذه الصفات .
    وبذلك كان للبيئة أثرها على الإنسان وعلى الشاعر وشعره(**). وعلى الروائى ، ومن دلائل صحة ذلك خبر
    علي بن الجهم مع الخليفة الذى يؤكد على أثر البيئة في حياة الشعراء، وطرق
    التصرف والسلوك عندهم، فقد قدم على بن الجهم على الخليفة المتوكل العباسي
    فأنشده منها :

    أَنْتَ كَالكَلْبِ فِي الحفَاظِ عَلَى الوُدِّ وَكَالتَيْسِ فِي فَرْع الحُرُوبِ
    أَنْتَ كَالدَّلْوِ، لاَ عَدِمْنَاكَ دَلْــــوًا مِـنْ كِبَارِ الدِّلاَ كَثِيرُ الذَّنُوبِ
    مثل
    ذلك المدح لا يليق بخليفة، ولكن الشاعر شبه بما رأى من نماذج الوفاء
    والكرم والشجاعة في البادية، فهو ابن بيئته، وقد فطن الخليفة إلى ذلك فأمر
    له بعيشة هانية يتنعم فيه بنسيم الحاضرة، وطعامها الطيب، وزهور بساتينها،
    وأقام على هذا الحال ستة أشهر ثم طلبه الخليفة للإنشاد فقال قصيدته :

    عُيُونُ المَهَا بَيْنَ الرُّصَافَةِ وَالجِسْرِ
    جَلَبْنَ الهَوَى مِنْ حَيْثُ أَدْرِي وَلاَ أَدْرِى
    يتضح من ذلك أثر المكان / البيئة فى شخصية الشاعر وشعره ، وهذا الأمر لا يقتصر على الشعر فقط وأنما يتصل أيضا بالسرد.
    إن العمل الروائي رصد لبعض المواقف الإنسانية من خلال تكتيف نقاط المعايشة بين الشخوص والأمكنة، ومن ثم أصبح على الكاتب الروائي أن يعمق هذه العلاقة على المستوى الفنى ، وذلك بما تحمله الشخوص من تجسيد لبيئاتها المكانية، وما تحويه من عناصر، ولا يعني هذا جعل الشخوص في العمل الروائي
    تتخطى الأدوار المرسومة لها بعناية لتصبح في نهاية المطاف مرايا عاكسة
    لواقعها البيئي أو الجغرافي أو الإقليمي متجاهلة دورها الفني الذي أراده
    لها الكاتب"(
    [16]).
    وظيفة المكان في الرواية
    تختلف وظيفة المكان في الرواية حسب نوعها فنجد المكان في الرواية التقليدية مجرد خلفية تتحرك أمامها الشخصيات ، ولا يلقى المكان اهتمامًا أو عناية من الروائي فهو مجرد مكان بمعناه اللغوي الصرف أو الهندسي.
    أما المكان
    مع الرومانتيكية فهو المعبر – كغيره من مفردات الرومانسية – عن نفسية
    الشخصيات والناقل للأفكار ويظهر الارتباط والتعاطف بين الشخصيات والأماكن
    ديدن الرومانسية في تعاطفهم مع كل مفردات الحياة .

    فيبدو المكان معهم كما لو كان خزانا حقيقيا للأفكار والمشاعر .. حيث تنشأ بين الإنسان والمكان علاقة متبادلة يؤثر فيها كل طرف على الآخر "([17]).
    وفي كلتا الحالتين – التقليدية والرومانسية - لا يلعب المكان دور البطولة حيث لم يسهم في بناء الرواية ، وحين يسهم المكان في فعل ذلك – كما سبق واستشهدنا فإن المكان يتسع ليشمل العلاقات بين الأمكنة والشخصيات والحوادث ، ويحل فوقها كلها ليصبح نوعًا من الإيقاع المنظم لها "([18]).
    إن الوضع المكاني
    في الرواية يمكنه أن يصبح محددًا أساسيًا للمادة الحكائية، ولتلاحق
    الأحداث والحوافز، أي إنه سيتحول في النهاية إلى مكون روائي جوهري"(
    [19])
    وهنا يصبح عنصرًا مهيمنا في تطور الرواية وبنائها وكذلك الشخصيات التي تتفاعل معه .
    وفي هذه الحالة "يمكننا النظر إلى المكان بوصفه شبكة من العلاقات والرؤى ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها لتشييد الفضاء الروائي ، فالمكان
    يكون منظما بنفس الدقة التي نظمت فيها العناصر الأخرى في الرواية، لذلك
    فهو يؤثر فى بعضها، ويقوي من نفوذها ، كما يعبر عن مقاصد المؤلف "(
    [20]).
    أما الفضاء الروائي فأكثر شمولاً واتساعًا من المكان "فهو أمكنة الرواية كلها إضافة إلا علاقاتها بالحوادث ومنظورات الشخصيات"([21]).
    وهو ينشأ من خلال وجهات نظر متعددة لأنه يعاش على عدة مسويات، من طرف
    الراوي بوصفه كائنا مشخصا وتخيلييا – أساسًا – ومن خلال اللغة ، ثم من طرف
    الشخصيات الأخرى التي يحتويها المكان ، وفي المقام الأخير من طرف القارئ الذي يدرج بدوره وجهة نظر غاية في الدقة "(
    [22]).
    ومن ثم يصبح المكان ليس مجرد مكان لوقوع الأحداث فحسب وإنما فضاء يتسع لبنية الراوية ويؤثر فيها .
    إن المكان الروائي
    لا يتشكل إلا باختراق الأبطال له، وليس هناك أي مكان محدد مسبقًا، وإنما
    تتشكل الأمكنة من خلال الأحداث التي يقوم بها الأبطال ومن المميزات التي
    تخصهم (
    [23]).
    ولذلك ميز أحد النقاد بين ثلاثة أنواع من المكان بحسب علاقة الرواية به وهي :
    1- المكان
    المجازي : وهو الذي نجده في رواية الأحداث وهو محض ساحة لوقوع الأحداث لا
    يتجاوز دوره التوضيح ولا يعبر عن تفاعل الشخصيات والحوادث .

    2- المكان الهندسي: وهو الذي تصوره الرواية بدقة محايدة ، تنقل أبعاده البصرية ، فتعيش مسافاته ، وتنقل جزئياته ، من غير أن تعيش فيه .
    3- المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات وأفكارها ورؤيتها للمكان وتثير خيال المتلقي فيستحضره بوصفه مكانًا خاصًا متميزًا ([24]).
    [font=Times New Roman]ومن ثم فالروائي المبدع الخلاق هو الذي يصل إلى النوع الثالث المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات ، المكان بدوره بطلا عنصرا مهيمنا لا الذي يتوقف عند [url=http

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 5:04 am