منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تحديث النص الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تحديث النص الشعري Empty تحديث النص الشعري

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 10:16 am

    ((المقدمة))
    لقد كان للقصيدة الحديثة دور معرفي كبير في ابراز المنعطف السحري والجمالي ، ان جاز التعبير . وبقي الشعر الحديث ينشد الانفتاح على كل المناهج الشعرية ليستطلع قيم ومفاهيم جمالية جديدة تسهم في رفد عملية الاتصال الدائمة بالمطلق في المشروع التفكيري المطلق الذي يؤكد مساره القصدي ، وهو التفجر المفهومي عند الشاعر بشروطه الجمالية لكي يضع النهايات الحقيقية بشأن الاحتدام والالتحام في اجمل متصل رؤيوي يقرب بين الذات – والموضوع أو نحو ذلك المنحى التأريخي الذي ينتسب له الشعر والوقوف عند تركيبته الفكرية بأعلى درجة من العبقرية لتشكل الوقائع من عناصر ابتكارية مبدعة ترسم فضاء القصيدة بأدق ما عُرِف من ألوان وفرشاة ومن صفة جمالية للعبقرية الشعرية ووراء كل ذلك المطلق المتعين في الشعر الحديث ينطلق هذا الكتاب المتواضع ليكشف عن التفاصيل الدقيقة بالحس وبالمعنى التحديثي لرائد الشعر الحديث وشاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب ، إنطلاقاً من آفاق جديدة في الدراسة للوصول الى بعض أعماق هذا الشاعر المرهف الحس وبالحدود المعرفية والجمالية في النسيج الشعري في وصف اللا نهائية من خلال اشياء حسية – مركبة – ومتركبة من تمثيلات سسيولوجية – وسيكولوجية كان قد غمرها النص الشعري ودفعها باتجاه البحث عن مجسها الاختباري ولنضع النماذج الجمالية في أدقّ تعبير حسي مرهف تسكنه العناية الجمالية بالصورة – والاسطورة – والاصوات الدفينة داخل النص الشعري والتأويل المركب في المطلق للنص ، الى المشاكلة في اللقطات الشعرية المتعددة والتي ستضع خواص التحديث في معرفة هذه التراكيب باتصال تعبيري وانفعالات تستقل بقصدية لتشترك بخواص من المعاني تكون متفردة في احيان كثيرة ، ومن الملاحظ أنّ السياب يعتبر هو خلاصه لمظهر فكري متنوع في خواصه العصرية والواقعية ، وهذا الموضوع يدعونا الى استخلاص معنى هذه العصريه والقصديه التي تضعنا امام تساؤل تأريخي للشعر الحديث بصورته الحاضرة وخواصه القائمة على منطق سسيولوجي يطرح المسأله الاجتماعية في امتدادها الاولي وشكلها اللانهائي بلا ادعاء . وباختصار شديد كان للسياب دور ريادي وكبير في الكشف عن هذا المنطوق السسيولوجي في الشعر الحديث . اخيراً وليس آخراً :- هذا الكتاب هو جهد متواضع لاضاءة جوانب خفية في بواطن النص الشعري للسياب.



    الفصـل الأول
    القصيدة الحداثية ولإشكالية الانفعال في التعبير

    إنّ المواجهة في افهام حيثيات النظرية الشعرية من خلال تاريخ ومرحلة ، وزمكان ارتبط برؤية فلسفية وعصرٍ جدّد خواص القصيدة الشعرية عبر مفاهيم ، نقدية ، ومستويات ، ومجالات … وخواص المنظور ، يقع في دائرة للبديهيات التي تضع عملية الابداع الشعري في مقدمة عمليات التنظير ، التي تخلّف داخل الفنان ، انساقاً من التعبير ، بانفعال يساوي عملية الانطلاق ، لفعل منطقي يهديه ، الى ان يعتمد ، الانفعال الايجابي داخل تيار فكري ، خالص لا ينقطع الوعي فيه ، حتى يشكل نسقاً جدلياً مترابطاً ، عبر اجابة لكل الاسئلة ، والفروق التي شخصت هذه المداخلات ، وحاجاتها ، وما اعقبتها من صيغ للمناهج التاريخية ، والفلسفية والمنطقية لمنهج القصيدة الشعرية .

    (( المعنى والمنهج ))
    ضمن دائرة المعنى ، لمناهج النظرية الفكرية داخل القصيدة الشعرية ، وما رافق هذا الانطلاق .. من تفجّر ، وخلاف في مستويات ، وحدود التعبير وما تحدده عملية الانفعال ، داخل شخصية ، كل شاعر … فهو تحديد تنظيري ، لنظرية الشعر والتدقيق في إطلاق ، وتحرير الشخصية ، في النص الشعري ، من خلال تأكيد ، العملية الابداعية للنص ، والكشف عن الشخصية الجوهرية للشاعر ، " فالسياب " على سبيل المثال حدد ابعاد عديدة للقصيدة من خلال التعلل بالموضوع الشعري ، ومن عدة قنوات في اطلالة الحبيبة .
    وطوفي أناشيد في خاطري *** يناغين من حبي الضائع فكانت المرأة معنًى ومنهجًا، وحافزًاشخّص أشياء كثيرة في شعره ، وهذا ما لمسناه ، في (أزهار ذابلة ) ، ( وأساطير ). ففي منطق النص الشعري عند السياب … نعثر على ضوء ، خافت نكتشف من خلاله الحب الذي شغل الشاعر وحدد منهجه الرومانتيكي .
    سيّان عندي متُ من الظمأ * مادمت عبد هواء او غرق
    فصرخت سوف أسير * ما دام الحنين الى سراب
    في ليلة العرس التي تترقبين
    ولا ظلام
    فالسياب ، كان الانطلاقة لتحديد ، خصوصيات الحلقة المفقودة في القصيدة الشعرية الحديثة .. فكان الشخصية المتفجرة ، والخلاصة التي لا تحدها حدود فهو القاعدة التعبيرية لتفصيل النص ، من خلال الانطلاقة التنظيرية ، الى تصاعد الفعل ، ورد الفعل في الشخصية الفردية ، من خلال تأكيد الابداع ، الرومانتيكي ، وتفرده ، عند السياب ، وبشكل مكثف وعبر أهمية الخطاب الشعري الذي لازم منطقه الابداعي وكشف عن الحلقات التعبيرية الدقيقة من جهة اخرى ، كان الفعل التعبيري ، يتجه ، بالكشف عن التفرد ، والغرابة في انسجة القصيدة ، من خلال الاستلاب ، والقهر ، عبر مفاهيم الواقع الاجتماعي في (( العراق)) .. وما يعانيه المواطن العراقي من قهر .. فالقصيدة كانت هي المعيار في الكشف عن المستور ، من خلال المحور السياسي، والطبقي ، وهما العاملان الاساسيان ، اللذان دفعا " السياب " للتدقيق في وعي ، حقيقة الواقع ، المر ، وما ينتظره من خراب اجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي .
    والقصيدة الحديثة ، كانت تجري عبر سواقٍ متعددة لتجرف ما يقع ، امامها في الطريق .. فهي طفرة ، مناهضة وكبيرة ، لما كانت عليه … الكلاسيكية ، التي اكدت الركود ، وابتعدت عن تفاصيل الحياة المتطورة .. والمعقدة .. فكانت القصيدة الحديثة ان ، اطلقت الخيال ، وصيغ العاطفة وأطلقت المفردة الشعرية ، لكي تأخذ مداها الارحب من خلال التزام القيمة الفكرية ، والاجتماعية ، والسياسية وقد تبلور المفهوم الفكري ، والتعبيري ، في اطار منهج ومعنى القصيدة الحديثة ، وفي تأكيدها على الجانب الفكري ، والاجتماعي ، والسياسي .. وأخذت الطريق المنطقي والمنهجي في الاستجابة، والتعبير ، عن مفهوم القيمة والابداع الفردي والجماعي للقصيدة الشعرية .. وما حددته من ابداع عبر الكشف عن ملكات وسمات جمالية وفاعلية منطقية ، قدمت الى الحياة صيغ من المنهج ، الفكري الملتزم ، والمبدع .. وفي هذا المجال يقول " محمود درويش "
    عيونك شوكة في القلبِ
    توجعني .. وأعبدها
    وأحميها من الريحِ
    وأغمدها وراء الليلّ والاوجاع أغمدها
    فيشعلُ جُرحُها ضوءَ المصابيحِ
    ويجعل حاضري غَدُها
    أعزَ عليَّ من روحي
    ان دور القصيدة الشعرية الحديثة .. وهي تسعى للفهم والتكوين النفسي ، من خلال القدرة على عملية التكوين ، والتعبير ، بشكل جوهري ، وفريد ، ومتقد داخل وهج الشخصية ووفق قاعدة ومغامرة لا تقف عند حد معين … بل تؤكد عملية انفعالية ، بخصوصية ابداعية، تربط صيغ الابداع في المتلّقي ، والمبدع ، وبالعكس .. فتأتي الحداثة لتؤكد عملية الابداع وعبر صيغ لا مشروطة ، بقوانين النص ، والنفس أزاء الواقع .. الموضوعي الذي يحيط بنا ، والسيطرة الفعلية للشاعر وبالنص الشعري . والاتجاه الحداثي في القصيدة ، وتحرير الشكل ، من الموروث في شطرين، فكانت ( نازك الملائكة والسياب) هما اللذان أدخلا عنصري عملية التحرر من الشكل في البناء، وصياغة الاسطورة في القصيدة الحديثة.. وما رافق ذلك من منعطف للحياة بعد الموت .. وهذا ما حصل في (( انشودة المطـر )) للسياب كما اكد السياب ، من خلال هذا العمق الابداعي في استخدام النماذج الاسطورية من التراث ، والتاريخ العربي ، ليثبت قوة ومقدرة هذا الانموذج في بناء القصيدة الحديثة .. وكذلك موضوع المدينة فهي تعني رمز من رموز الحداثة ، والشاعر (( عبد الصبور )) هو الشاعر الذي كشف ووضع صيغ من الحداثة ، داخل النص الشعري ، لنستمع الى " صلاح عبد الصبور" في قصيدته " اغنية من فينا "
    كانت تنام في سريري
    والصباحْ منسكب كأنه وشاحْ
    من رأسها لردفها
    وقطرة ومن مطر الخريفْ ترقد في ظلال جفنْها
    والنفس المستعجل الحفيف
    يشهق في حلمتها
    وقفت قربها ، احسّها ، ارقبها ، اشمها
    النبضُ نبضُ وثني
    والروح روحُ صوفيٍّ ، سليب البدنِ
    اقول ، يا نفسي ، رآكِ اللهُ عطشى حين بلَ غريتكْ
    جائعةً فقوتك
    تائهةً فمد خيط نجمةٍ يضيء لكْ
    يا جسمها الابيض قلْ :- اانت صوت؟
    فقد تحاورنا كثيراً في المساءْ
    يا جسمها الابيض قلْ :- اانت خضرة منورَّهْ ؟
    يا كم تجولتُ سعيداً في حدائقكْ
    يا جسمها الابيض قلْ :- اانت خمره؟
    فقد نهلت من حوافِ مَرمركْ
    سقايتي من المدام والحباب والزَبَدْ
    يا جسمها الابيض مثل خاطر الملائكة
    تبارك الله الذي قد ابدعكْ
    واحمد الله الذي ذات مساء
    على جفوني وضعكْ ( )
    ويأتي دور الشاعر " أدونيس " الذي هو الفيصل الكبير في أشكالية .. القصيدة الحداثية ، وماشكلته من رمز ، في لغة الشعر الحداثي .. وكانت مجموعته الشعرية " اغاني مهيار الدمشقي عام 1961" وما احدثته من تعقيد في الصورة ، واللغة والرمز ، الى ما فيها من ناحية جمالية وفنية والتي شكلت المدخل التطوري للغة الشعر الحداثي .. ولا بد من تأكيد ، الدور الكبير والرئيسي لعملية الانفعال والتعبير ، من خلال اطار
    القيمة الفكرية ، التي يتأسس عليها مؤشر الانفعال عقلياً وليس .. ((فيزيقياً )) كمــــا عنـد " هنري برجسون " و " كولردج " يرد العملية الشعرية الى نوع من الانفعال ، يشبه تركيب العناصر العقلية التي تكون زلزالاً من الانفعال تندفع كل أجزاءه الى أمام ، من ناحيته (( يؤكد برجسون .. ان كولردج يصيب التوازن في عملية وعمق الانفعال ، ويربط بينه وبين التفكير العميق)) وان التوتر الذي يحدث في الشخصية ويصيب عملية التوازن بالخلل العميق " يتم احداث تغيير في الحواجز والمسالك بحيث يطابق هدف الآخرين هدفاً جديداً وتقلع احياناً في احداث تغيير طفيف في هدفهم مقابل تغيير طفيف في هدفنا أيضاً "( ) .
    ان الجواب الذي ، يقوم عليه ، المنطق الفعلي .. هو التفرقة بين الوهم والخيال ، فالحركة ، داخل الخيال .. هي لتحقيق ، هدف صهر المدركات الحسية في وقدة حسية إنفعالية ، عميقة ، توهج الحركات الوهمية ، داخل الاحساس ، فيستطيع المدرك الفعلي ان يربط عملية التوازن ، داخل هذه العناصر فلا يستطيع ان يحدد منعطف معين .. وتأتي الصور الحسية مبعثرة ومشتتة وغير مترابطة ، من ناحية البناء .. وان عملية التوتر الانفعالي تأتي ، في وقدة انفعال ، تؤشر الموضوع الحسي الصحيح ، وتفضي بالمشاعر ، والاحاسيس ، الى الكشف عن الحقائق المنطقية في افضل صورة للانفعال الحدسية ، وهي تتصاعد .. وتتسامى ، خارج التفكير المنطقي .. لان الفعل الخيالي ، ينفد الى داخل الاشياء ، والامور .. وهو الذي يكشف الاشياء والمعنى ، من خلال القدرة ، على كشف الحقيقة الثابتة التي ينشدها ويستطيل فيها الشاعر .. فكانت الوقدة نفسها هي التي حققت للسياب شيء من التوازن النسبي ، في عملية الاضداد ، وعمليات التطابق في جوهر الصراع ، من خلال منهج ، للخلط الطبيعي عبر جسور سيكولوجية تتحدد من خلالها مواقف الشاعر .
    لقد كان السياب محطات ، من المتناقضات .. تفرزها عملية الاضداد .. المستمرة والمتعسرة احياناً بين الشاعر ، والآخرين .. يفضي به هذا الهوس . من خلال هذه المتناقضات الى التصلب والتوتر في انهزامية في هذه الحياة ، والذي يبحث دوماً عن عملية تخلصه من أسرين
    (( الاسر الذاتي والاسر الموضوعي )) وهذا ما أشره وثبته السياب في العديد من القصائــد مثل (( المومس )) و (( حفار القبور )) وهذه مقاطع مــن قصيدته (( المومس العمياء )) .
    جيف تستر بالطلاء ، يكاد ينكى من رآها ان الطفولة فجرَّتها ، ذات يومٍ ، بالضياء كالجدول الثرثار – او ان الصباح رأى خطاها في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء ، ويكاد ينكر ان شقاً لاح من خلل الطلاء قد كان – حتى قبل اعوام من الدم والخطيئة – ثغراً يكركر ، او يثرثر بالاقاصيص البريئة لاب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء : لاب يقبّل وجه طفلته الندى او الجبين او ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء ، ما كان يعلم ان الف فم كبئر دون ماء ستمضي من ذاك المحيا كل ماء للحياء حتى يجف على العظام – وان عاراً كالوباء يصم الجباه فليس تُغسل منه الا بالدماء سيحل من ذاك الجبين به ويحلق بالبنين والساعدين الابيضين ، كما تنور في السهول تفاحة عذراء ، سوف يطوّقان ، مع السنين كالحيتين ، خصور آلاف الرجال المتعبين ، الخارجين خروج آدم ، من نعيم الحقول ، تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين يا انت ، يا احد السكارى ، يا من يريد من البغايا ما يريد من العذارى (( ما ظل يحلم ، منذ كان ، به ويزرع في الصحارى زبد الشواطئ والمحار .. مترقبـاً ميلاد " أفروديت "( ) ليلاً او نهار ))
    أتريد من هذا الحطار الادمي المستباح .. دفئ الربيع وفرحه الحمل الغرير مع الصباح ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح المال شيطان المدينة . لم يحظ من هذا الرهان ، بغير أجساد مهنية .
    فالعملية التعبيرية .. هي انساق من الافعال ، يفصح بها الشاعر عن مكنونه الذاتي بعمليات انفعالية ، متعددة .. لكي يحدد اكتمال التجربة ، عبر حافز ، من العبارات ، يحدد فيها قوة الايقاع في عملية الانفعال .. وهو ، الذي يضع المبدع وجهاً لوجه مع الاشياء لكي نقبل هذا الوجود .. المخزون ، في الداخل عبر نفثات نفسية الى وجود موضوعي متجسداً في القصيدة الشعرية او أي عمل فني ، وهو الانفعال العميق لشد عملية الخيال ، الكاشفة عن الحقيقة ، من خلال الحدس والانفعال ، والتعبير .. وهو الايصال الحقيقي عند " كروتشه " لانه تأكد من ان الانفعال ، هو الذي يهب الحدس وحدته وتماسكه .
    لان الحدس ، يتفجر ، بفعل العمليات الانفعالية .. الناتجة عن تحول لصور تمخضت عن الحدس التعبيري - ، في غنائية ، لعملية التعبير الشعري .. فلنستمـع الى ( الجواهري – في هذه الابيات )
    قيل لي مات أمس ، عفواً فلان
    قلت كبا على يدٍ وفمٍ
    كان فقراً رمانُهُ والمـــكان
    فازدهتهُ توافه النِّعمِ
    فانه من شبــابها العنفوانُ
    فكيف بفضله الهرمِ
    قل لمســـتنكفٍ من العدمِ
    مهدُ عيسى (( حظيرةُ الغنمِ )
    ان هذا المستوى من التمييز في العملية الانفعالية يصبح وجوداً في مستوى الروح في القصيدة .. وتكون اللغة هي التجسيد الفعلي للنص الشعري.. وهو المظهر العلمي الدقيق ، لحقيقة الصورة التعبيرية ، من خلال الفعل الحدسي لان قضية التعبير ، في فلسفة اللغة تكون مرادفة ، من الناحية المنطقية لفلسفة البناء داخل القصيدة الشعرية .. فالموقف الشعري ، هو التجربة الحية من خلال المنظور ، في الادوار العديدة التي تتصل جميعاً بحلقات اجتماعية .. وبالضمائر الجمعية ، وفي حركة تبغي الى تعميق الوعي واحتوائه لاواصر الوجود ، ذات المنحنى التاريخي المباشر او غير المباشر وكذلك العلاقة بالغير ، تكون عبر شبكات من التقابلات في صيغ من الضمائر ، ينبني عليها ، مستويات ، من الرؤيا العلمية الدقيقة ، وهي تقوم بدور حاسم ، وتاريخي .. وترتبط بمواقع ذات اسناد من القيم الوجودية .
    فالعملية الشعرية هي ضمير العصر ، فالحوار في هذه المستويات هو في أقصى،درجات التوفيق في عملية الخطاب الشعري وتجسيد ، شروط التلقي ، من خلال منطق العملية الشعرية ، في الخطابات العديدة ، والمتشابهة وفي مواقف عديدة " فهو التقاء بين خطابين كما يقول تودروف " ولنستمع الـــى " ييتس " خاصة في قصائده الاخيرة :
    ان تياراً من البرق
    من الرجل العجوز في السماوات
    يستطيع ان يلهب ذلك العذاب ويمحوه
    أمر لا ينكره انسان مثقف حقا …
    فهو تأكيد العمق الحقيقي للحساسية ، وما يفرزه الانفعال الموضوعي بتوتراته الذاتية وما يجسده من استقراء للنص الشعري ،وتأكيد لرؤية " نيتشه" على قمة جبل .. وكذلك لوحة " فان كوخ " " ليلة للنجوم " وكذلك ، السمفونية التاسعــــة " لبتهوفن " إضافة الى الصوفية التي يتمتع بها " غوته " في آخر الكلمات " " لفاوست "
    (( كل الاشياء المحتملة
    هي ظن وحسب
    والنقض في كمال الارض
    يبلغ هذا الكمال … ))
    وفي مقطع آخر
    ((أيتها الارض ، ليس ما تريدين : البعث الجديد
    اللامرئي فينا ؟ اليس هو حلمك
    ان تكوني يوماً غير مرئية ؟ الارض ! غير مرئية !
    وما الذي تفعلينه أبداً ، غير التحول ؟ ))
    ان ما يحدث في النص الشعري ، ياتي من خلال حلول حاسمة في الحدس ، والتعبير عن نتائج منطقية مترابطة ، والكشف عن عدة انفعالات غامضة تحدد مستويات عديدة ، من التقنية التي تدفع حالات من ، الانفعال ، تلتبس وتكون قلقة ، وتقترن بالتخصيصات ، محاولات الادراك ، والفهم، والتفرد الحسي او بالتعبير عن عدة انفعالات عشوائية ولكن بحدة متميزة، ولا تتحقق الا من خلال ممارسات وقوى تغير .. ذاتية وموضوعية ، حين تستحيل الى فعل وممارسة ومشاركة حتى .. تتضح قدرات الشاعر وتكون الذات في لهيب الدور الرئيسي والآخرين يكونون ميدان ، للتعبيرات … فالشاعر هو الحس والصيغة ، التعبيرية ، في التضحية ، من خلال الموقف من القضيتين " الذاتية والموضوعية " ومن خلال تأكيد فعل الاخرين ونجد هذا في الفصل الذي كتبه .. " وليم جيمس " بعنوان " النفس المقسمة " يعتبر توضيحاً لهذا النص ، وكما شعر " ريلكـة وهيرمان هيس " بان البشر يفقدون الحياة دائماً في سأم وشقاء أوشك فلنستمع رامبو ..
    ومتسع أخضر حيث يغني النهر
    ناثراً على الحشائش ندفاً بيضاء كالفضة
    وتصب الشمس من علاها السامي الروعة
    ويـتألق الوادي بالضياء
    تتساقط الدموع في قلبي
    كالمطر على المدينة
    ترى ما هو هذا الشعور الكئيب
    الذي يمزق قلبي
    والمبدع هو الوارف شجرة الحياة ، من خلال حبة لها وإيغاله في التعبير عنها بشكل جنوني .. وهذا التوتر في عملية التعبير .. هو تيار وعي مصحوب برائحة تعبر عن الق المبدع وما يعانيه من ماهيات الانفعال بتجريبية خصوصية للتفرد الغريب عند الشاعر … فروحه لا تهدأ الا بعد الفهم .. وامتلاك الروح التي لا تهدأ الا بالفهم .. والكشف عن كل القيم المجهولة .. وادراك ما يحيط بالمبدع وادراك الهوية بفعل العمليات التعبيرية ، واكتشاف ما هو ضروري ، من المعاني ، بالوعي وماهيته وحضور التعبير ، بولادة الشاعر ، والقضية .. والحوار الدائر ، بين الشاعر وذاته عبر نتائج مترتبة وسابقة ليكون التعبير عملية كشف ، وتوضيح ، ونزوع الى اشكالات عامة واحكام ، من الانفعال غير دقيقة إذا لم تحتكم الى خصوصيات التعبير .

    الفصل الثاني
    بدر شاكر السياب
    الريادة واستكمال المبنى
    في
    القصيدة الحديثة

    ان الابتداء في عمليات التردد ، والسببية في النسيج للعلاقة التي تؤكد .. التجديد في : انماط البناء وفي النواظم الشعرية وفي عمق الوعي .. ومداه في اللاوعي .. ومدى خضوعه للاندفاع الداخلي ليصبح النمط في البناء ، وهو يستند الى صدى الماضي وتصبح "الصورة الشعرية" ما هي الا انعكاس لحالة متصلة بالماضي .. من هنا يغيب العمق في النسيج الشعري ويصبح اسهاباً لا نصاً شعرياً.
    فالمعرفة الدقيقة "للنص الشعري" يكون مشار اليها ضمن اطار الانماط الموصلة (الى المطلوب من التصور) ليكون معرّفاً : ليصبح حداً … وهو المطلوب في الصورة الشعرية ليخرج بحالة الحدس … وما يحصل بالالزام .. فانه الإكتساب .. والمعرف الشعري يجب ان يكون مميزاً عن بعضه ، من انواع السرد … وبدر شاكر السياب وضّح المعّرف "للنص الشعري" قبل المعّرف بغيره – لان المعرّف اخذ الطريق والانفعال والمطلوب : هو التأمل … والبحث عن الحد … بدل الغزارة في السرد خاصة في بناء الاسطورة –والرمز... وكان لابد من التسوية .. في العموم – والخصوص ، في بناء القصيدة.. ولولا المداخل الكثيفة في القصيدة … والتي اصبحت انعكاساً لحالات الاطّراد في القصيدة .والسياب : منذ الاخفاقات التي تعرض لها العقل العربي – وانهيار مرتكزاته الاجتماعية والسياسية وانسحاق التقاليد السلفية المتخلفة كان لابد من تسمية هذا : المركّب المعقد – والمتناقض –وكان لابد من هزة ثقافية جديدة للخطاب الادبي "والشعري" بشكل خاص و"تحقيق منعطف في البنية" في ادق المسلمات تحديثية والكشف عن اشكالية معرفية … وتشاكيل: من خواص التراث .. للخروج..بمؤشر .. يحافظ على الاقل على الدينامية الشعرية وجماليتها المطلوبة .. والانبعاث المطلوب في النصوص الشعرية.. هو لشد اواصر التجربة والمحافظة على الفاعلية السيكولوجية . والرؤية المنهجية في الحوار ، والتفاعل مع الثقافات الاخرى من اجل عملية التواصل المعرفي … واذا كانت دراسة الشعر الغربي "والانكليزي – والفرنسي بشكل خاص" والتأثر الذي حصل بمدارسه ومذاهبه الادبية "والشعرية حصراً " هي من السمات التي ميزت "الشعر العربي الحديث" في بداية الخمسينيات .. لكن ارهاصات هذه الجذور .. قد بدأت قبل العام 1948 على يد بعض الكتاب العرب الذين كتبوا الشعر في فترة مبكرة امثال الدكتور لويس عوض في – بلوتلاند وقصائد اخرى … وترجمة علي احمد باكثير لمسرحية شكسبير( ) لانها احدثت تطوراً تخطى المفاهيم المتعارف عليها "في الشعر العربي" في ابتكار "اوزان حديثة" مستفيداً من "الشعر الانكليزي – والقصائد كانت فصيحة – وبالعامية … واكثرها قصائد نثر" .
    وكان "بدر شاكر السياب" واضح منذ البداية … شاعراً موهوباً جمع ارث السلف من الشعراء العرب … والتراث العربي بشكل عام وكان تأثر السياب واضح كذلك منذ البداية بعدة من الشعراء العرب امثال "علي محمود طه – والياس ابي شبكة" ، وفي بداية الخمسينيات تأثر "بالشعر الانكليزي" وهذا رأي الدكتور عبد الواحد لؤلؤة .. غير الرأي الذي كتبه ناجي "علوش" في مقدمة ديوان السياب من ان السياب في مرحلة الواقعية : قد تجاوز "شلي … وكيتس الى ستيفن سبندر – وروبرت بروك ووليم هنري دافيس – وادجار الن بو … حصل هذا ما بين عام 1948 الى عام 1950 … بعدها تجاوز هؤلاء الى ت . س اليوت – واديث ستويل"( ) .. في حين ان السياب قد بدأ كتابة القصيدة الحديثة التجديدية في العام 1947 ... أي في السنة الثالثة في دار المعلمين العالية و قصيدة " هل كان حباً " التي ظهرت في ديوانه أزهار ذابلة ... والذي صدر في منتصف كانون الاول للعام 1947 ( ) والرأي الذي طرحه "ناجي علوش" فيه شيء من "اللبس" في حين يرى الدكتور عبد الواحد لؤلؤة – الى –العام 1950-1951 .. كان بدراً لم يقرأ .. بل ربما سمع باسم "اليوت" اواديث ستوبل – او باوند … ايام دار المعلمين العالية لكنه ربما اطلع او تعلم شيئاً من اللغة وهو واضح في بداية الخمسينيات في قصائده "حفار القبور 1952 و المومس العمياء في العام 1954- كذلك الاسلحة والاطفال في العام 1954 "( ) .
    وتأتي انشودة المطر : لتشكل حدثاً يحفل بالانطباعات والتشكيل البنائي المتعدد النواظم في : الصوت – والحضور – والظاهرة … والقصيدة من النماذج الشعرية التي تحوي عدة من الخلاصات.. من تصنيف من العلاقات – والعلامات.. حيث كانت قصيدة "المومس العمياء " عبارة عن تشاكيل اجتماعية … وتنوع التفعيلة والتشكيل من الابيات ، التي تلتقي في عدة من الابيات المتساوية .. وتعج بالاساطير .. طابعها اجتماعي مباشر … كذلك الحال في "حفار القبور" ايضاً اما "الاسلحة والاطفال" فهي عبارة على نواظم من الاتصال في الواقع الفعلي . لقد كان بدر شاكر السياب قلقاً بالمعنى "السيكولوجي" فهو يرى في التطابق في القصيدة من الناحية السيكولوجية ليستخدم هذا التطابق … في تأسيس منطق يحتوي "ايقونة" فكرية يشير اليها ، وتشترك معه في تلابس من العوامل ، المشتركة المتعددة الاوجه وبالقابلية – الواحدة … ليربط بين النص ، وحركة الواقع ، الاجتماعي .. ولذلك ، فان هذه الايقونة تتجاوز حدودها الى ادراكها – بصفة الحواس .
    يقول السياب في قصيدته (( انشودة المطر ))
    اكاد اسمع النخيل يشرب المطر
    واسمع القرى تئن والمهاجرين
    يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع
    عواصف الخليج والرعود منشدين
    مطر …
    مطر …
    مطر …
    وفي العراق جوع
    وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
    لتشبع الغربان والجراد
    وتطحن الشوان والحجر
    رحى تدور في الحقول حولها بشر
    مطر …
    مطر …
    مطر …
    وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
    ثم اعتللنا – خوف ان نلام – مطر
    مطر …
    مطر …
    ومنذ ان كنا صغارا ، كانت السماء
    تغيّم في الشتاء
    وكل عام – حين يعشب الثرى – نجوع
    ما مر عامٌ والعراق ليس فيه جوع
    مطر …
    مطر …
    مطر …

    ونحن نستطلع … الفكرة المركزية في خواص الخيال السمعي … ليتجاوز الادراك بالحواس الى منطق الاشياء .. ليصدح النص الشعري بالتحديث في النص.. وهو ان السياب يعي الازمة السياسية المستعصية في العراق حد التقيء وحسابها – ((الملاحظة – والشد)) و (( الوحدة في الحس الاجتماعي)) والسياب وجه العناية
    (( بالملموس .. الى الصورة – والصوت – والظاهرة – وحتى بالرسم البياني .. ليحدد المستوى الدقيق للعلامة ودراسة مقوماتها الاجتماعية لكي تفصح عن منطقها السياسي – والفكري … وصيغ العلاقة المنطقية .. بين الوجود – والحقيقة .. وايقونة السياب الفكرية : هي مجس يحيل العلامة الى شيء يشار اليه بشكل واقعي – وقانوني وعلى حدود التشابه وهي تمتد الى عمق التاريخ السياسي في العراق …
    في كل قطرة من المطر
    حمراء او صفراء من اجنَّة الزهر
    وكلَّ دمعةٍ من الجياع والعراة
    او حُلمةٌ تورّدتْ على فم الوليدْ
    في عالم الغد الفتيّ واهب الحياة !
    مطر …
    مطر …
    مطر …
    وقلق الحالم (( في اختلاف اوزانة الحدثية )) والتطور الذي حصل في هذه الصناعة ، كان موضوعاً قديماً عند الاندلسيون … كذلك شعراء – المهجر .. وهذا واضح من خلال نمط قصائده في : (( حفار القبور – المومس العمياء – والاسلحة والاطفال )) المارة الذكر قبل قليل .. وفي كل هذا لم يتجاوز (( بدر شاكر السياب )) خصائص وقوانين التراث – والعروض العربي وشهادته على ذلـك
    (( نصوصه الشعرية )) والمركب الجديد في الشعر الحديث الذي : اختلف فيه من ناحية (( السبق التاريخي )) … والاشكالية القائمة في هذا الموضوع هي ((الريادة الشعرية من الناحية الذاتية – والموضوعية )) . هناك اشبه بالاتفاق : على ان ما قام به الدكتور (( لويس عوض – وعلي احمد باكثير )) في مجال اكتشاف ((الاختلاف في خصائص الوزن – كما يقول الدكتور – عبد الواحد لؤلؤة .. وهي التسمية التي ترشح الارجح من ناحية وصف الشعر الحديث .. والراي الذي يقول : ان بدرا .. هو المجدد الفعلي للشعر في هذا الموضوع .. ومنهم من قال (( ان نازك الملائكة : هي التي بدات بالاكتشاف في قصيدتها الكولير في 27/10/1947 )) وهي الرائدة .. وعلى الارجح : ان الدكتور لويس عوض وعلي احمد بالكثير لم يخوضا المعركة التي نشبت على صفحات مجلة الاداب في اواسط … الخمسينات .. كذلك ان هذه المحاولات لم يك لها اثر يذكر في الساحة الشعرية في العراق … من جهة اخرى كان السياب في اكثر معاركه في هذا الموضوع لم يتطرق الى اسبقية (الدكتور لويس عوض .. ربما مر مرورا سريعا بعلي احمد باكثير .. اما بالنسبة الى الشاعر صلاح عبد الصبور من جانبه لم يذكر ريادة الدكتور عوض ). ( )
    ومن الواضح … ان بدر شاكر السياب كتب (( هل كان حبا)) قبل الدكتور لويس عوض – وعلي احمد باكثير .. واذا كان لنازك الملائكة القدرة على توضيح – إشكالية التجربة الشعرية الجديدة (( في اختلاف الاوزان )) فمن الطبيعي ان يكون (( لبدر شاكر السياب السبق في التفوق والجدارة في بناء القصيدة الحديثة .. وبفضل المعاني التي اكتشفها السياب .. وبالرجوع الى الرمز الذي – يربط الدال – والمدلول الايحائي.. اضافة الى العلامة .. وتوظيفها في الحياة العملية .

    (( في استكمال المبنى في القصيدة ))
    لقد اشتملت ، النصوص الشعرية على الرؤيا وطريقة المزج في البناء التقني للصورة ، والنظم .. وصياغة الجمل ، ودلالاتها في مبنىً عضويا يقضي الى طريقة .. ينقل فيها صيغة المعنى : وهي الابيات المحررة .. في صياغة بيانية .. وهي مزية تشرح دلالات الالفاظ – واختلاف مواضيعها – ومواقعها في الجمل .. وهذا موضوع يتعلق بالنظم : أي علم التراكيب وهو كلام : في نص مركب يقتضيه (( المرّكب الشعري )) ويقتضيه علم المعاني في عملية (( الفصل – والوصل )) والمحسنات التي تُظهر
    (( البيان – والبديع – والمزاوجة في المعاني )) .
    يقول السياب في قصيدته (( اغنية في شهر اب ))
    تموز يموت على الافق
    وتفور دماه مع الشفق
    في الكهف المعتم والظلماءْ
    نقّالة اسعافٍ سوداءْ
    وكأن الليّل قطيع نساءْ :
    كحلٌ وعباءاتٌ سودٌ
    الليل خباءْ
    الليل نهار مسدودٌ
    ناديت مربّية الاطفال الزنجية :
    الليل اتى يا مُرجانة
    فاضيئي النور . وماذا ؟ اني جوعانة .
    و .. نسيت – اما من اغنيّة ؟
    بم يهذر هذا المذياع ؟
    في لندن ، موسيقى جازٍ ، يا مرُجانة ،
    فاليها .. اني فرحانة
    والجاز من الدم ايقاعٌ
    تموز يموت ومرُجانة
    كالغابة تربض بردانة ..
    في القصيدة اعتمد السياب على الموازنة.. بين المشاهد في المبنى الحسي والارق الذي يحدث في البناء الموسيقي : وهي صنيعة تتعالق بالنسيج الشعري .. وهي معلولات لصفة معلومة المعنى عند السياب – وتتعلق : بالنظم الذي لا يظهر في تلافيف المفردة – والجملة بحسب الموقع المؤثر في الصورة الشعرية .. واغنية في شهر آب إئتلفت في مزواجتها مع الصياغات التي تتعلق بالجملة – والمعنى وهو يتألف من مداخلات هذه الجمل : صورة تعمل على ظهور (( رؤيا – وبؤر )) في الكلام والنظم كما يقــول :
    (( الجرجاني )) وهو السبيل الذي يفضي في علاماته – الى تلاحم في المعاني .. والاحساس بالايقاع .. يعيد السياب الى ، مستويات تتعلق بالفكرة – والاسطورة – والصوت – والصورة – والشعور .. وهي اشد الاشياء تعلقاً بنسبية الاصل .. والشيء الباعث عن البداية والنهاية .. في القصيدة ، وهو احساس يتعلق بالمعنى – ولا يستطيع المحاور في القصيدة ان يعمل بغير المعاني المألوفة (( في لندن موسيقى جاز – والغابة تربض بردانه – وتموز يموت على الافق )) فالمزية في مدخلات النص الشعري – ومتون لفظه : هو الكلام – ومدارات الحس – والنظم وما نراه من مصنفات داخل النصوص الشعرية ، حتى تكون قد استدركت صواب المعنى .. لان الصياغة في النظم تكون متأثرة ومتآزرة مع أواصر الصيرورة للصورة الشعرية .. والاسطورة التي اصبحت ملازمة للنص الشعري وقد بنى السياب .. نصه الشعري على المعاليل .. والعوارض المتعلقة بالوجود من حالات التقابل في الامكان وعمليات الوجوب وتلاقي الاشياء مع بعضها .. هو شيء متفق عليه .. فالعّلة تبدأ عند السياب بالنص الشعري أي ((في جزء النص)) أي في التشكيل الذي يحوي الكل او الجزء .. فالصورة ربما تتكرر في النص .. والنص يتحمل عملية التكرار كما هو الحال في قصيدته ((انشودة المطر)) ويكون النص مستعداً لابتداء التراكيب في النظم والتحليل وهي .. علّة الماهية في النص – وعلّة الوجود - والوجوب – فالنص الشعري عند السياب مقر مألوف ، ومباشر احياناً كما هو الحال في ((قصيدة المومس العمياء)) فهو يمزج – اشياء كثيرة ابتداء من حالة الاندهاش – الى التشاكيل في العملية الذهنية عند الشاعر واشدها نسجاً لحالات الواقع المتهدم : لكن الفكرة الرئيسية عند السّياب عن مجريات الحياة .. فهو لم يتحدث بشكل كاف رغم العمق الذي لف النص الشعري ورغم الاغراق والاسفاف في الاسطورة والسيّاب كان يدرك عمق المسؤولية – " والاحساس بالايقاع " فاخذ يتسلل الى مستويات فكرية اعمق من المد " الايديولوجي " الذي كان يصور به كوميديا الجحيم في جيكور – وبويب – ومنزل الاقنان " في تلك الفترة الا ان الشعر بقي هو الموصل الرئيسي للبؤر المؤثرة في حركة الواقع الاجتماعي … السياب كان يمتلك عمقاً في بناء النص : هذا العمق ، مكوناته : الصوت – الصورة – الاسطورة الظاهرة – التفكيك للنص الشعري " كذلك الحركة المتواصلة في ربط الصورة بالاسطورة – رغم كثافتها احياناً " دون جدوى " وهذا ما حصل في قصيدته " من رؤيا فوكاي " ويتواصل النص للتعرف على الماهية الشعرية المطلقة التي تبدأ بالحس وتنتقل الى مداخلات النموذج الشعري … وتمتد الى التراكيب ، ومقدار الشحنات وما تتضمنه من شمولية منطقية حين تكون عملية الاختيار هي المدى المنجز في عملية : الايقاع المتفرد .. هذا الموضوع توصل اليه السياب من خلال استلهامه للتراث العربي … والشعر العالمي – والاسطورة الاوروبية … وشعر ما سبقوه من الشعراء العرب ومن مختلف الاجيال .
    والسياب قد انجز التفرد .. فيما توصل اليه … واشتمل على الصيرورة والانجاز الدائم – والتفرد الذي تطلب انعطافة في المحتوى وهو يلقي مزيداً من الضوء على هذه القضية التي تتعلق بالايقاع – والكيفية التي لا بست بين " الانجاز المتفرد – والذهنية الكبيرة التي تعبر عن الحرية بكل اشكالها " حين يعبر الشعر عن .. الصوت بسحر بدائي ليتواشج مع الحس الذي يأخذ مجاله المنجز في الحياة العصرية .. وعبر موسيقى الكلمات وبمضامين تعبر عن ايقاع العصر في موجة ايقاعية متشابكة في الصورة - والاسطورة " وهي تتخذ من البدايات مجالاً تعج به القصيدة … والنص يتكون بالدلالة .. ومن الدلالة عبر الاحساس بالايقاع – والبدء بتفصيل الصورة يعطينا فكرة عن قدرة السياب في تكوين المداخلات في البناء للصورة الشعرية يقول السياب في قصيدته قافلة الضياع :
    النار تتبعنا ، كأن مدى اللصوص وكل قطّاع الطريق
    يلهثن فيها بالوباء ، كأن السنة الكلاب
    تلتز منها كالمبارد وهي تحفر في جدار النور باب
    تتصبب الظلماء كالطوفان منه ، فلا تراب
    ليعاد منه الخلق وانجرف المسيح من العباب
    كان المسيح بجنبه الدامي ومئزرة العتيق
    يسد ما حفرته السنة الكلاب
    فاجتاحه الطوفان : حتى ليس ينزف منه جنب او جبين
    الا دجىً كالطين تبني منه دور اللاجئين
    النار تركض كالخيول وراءنا . اهم المغول
    على ظهور الصافنات ؟ وهل سألت الغابرين
    اروّضوا امس الخيول ؟
    ام نحن بدء الناس : كل تراثنا انصاب طين .
    وقصيدة قافلة الضياع .. تعطينا قراءة كاملة .. واستقراءً دقيقاً الى اكثر المصادر دقة .. وهي مصادر التراث " المفتعل " في النص : ويقدم لنا السياب في خواص تشترك فيها عدة من المهارات الثقافية .. ليسجل الحدث الشعري ، ثم ينتقل الى خواص الصورة المكثفة .. بعد ذلك ترك النص ساكناً بعد الوصف والهتاف الدخلي الذي يظهر ويختفي داخل النص … ويترك ايقاعاً من النذير … وهذا النوع من النسج في النصوص … يذّكرنا بكتابات الجاحظ المتشابكة في ايقاع يطغي عليه .. الوصف وبؤر البلاغة لتتلابس مع هذه المداخلات .. او يتركب النص عبر الوصف ، والغرابة في عملية التركيب اما : الاستخدام للاستعارات ، والمجاز .. فهي تجري في الالفاظ ، ولا تجري الا من خلال الوجه الجمالي للنص في الصياغة ، والتصوير والسياب يهدف من وراء ذلك باطنياً : الى توضيح المعنى في عملية النظم – وابراز " الصورة الشعرية " .. وترجع الاستعارة احياناً الى خواص اللفظ للدلالة ، على خواص المجاز … دون النواظم الشعرية … وقيمتها تكمن في قرب موقعها من الجملة الشعرية … والنظم يضيف لها جمالاً آخر اذا بلغت احكاماً في الجملة الشعرية ، مثل قول السياب " النار تركض كالخيول وراءنا . اهم المغول " هذا الاحساس لدى السياب والمرسوم بالكلمات – لتمنحه صفة التميز المطبوع " بالصراخ - والهجرة " والكلمات عند السياب : هي مواجهة صامتة مع الالوان .. لتتفاوت درجة ومقدار ارهاصاتها ، والاستعمالات التركيبية المتعلقة بالجملة … والقرينة الشعرية … وكان " اليوت " يدرك الصياغات المتعلقة بهذا الموضوع الا ان " ريتشاردز : كان مكتشف نواحي الغموض في الصياغة الشعرية .. وهي تستقل عدة من المعاني … وان مضامينها تتبسط حسب العلاقة التي تربط المحرك وما يقدمه النص من صيغ تركيبية " يقول اليوت في قصيدته " لعبة الشطرنج "
    والكرسي الذي كانت تجلس عليه ، كأنه عرش متلألئ
    يتوهج فوق الرخام ، حيث المرآة
    التي تحفها اطر منعشة بعساليج كرمه ذات قطوف
    وقد تبلج منها لوبيدون ذهبي محملقاً
    " بينا واحد آخر قد اخفى عينه وراء جناحه "
    فضاعت الشعل المنبعثة من شمعدان ذي سبع شعب
    وعكس النور فوق المائدة ، حين
    امتد لألاء جواهرها ليلاقيه ،
    وقد انسلت من علب ساتانية ثراً غزيراً .
    تبقى خواص التعبير التي تتعالق بالمعاني.. والتراكيب الدقيقة للجملة كما هو الحال في " جرونشن " والانتقال الاطلاقي في الابيات ، ليولد التعبير في حضرة الجملة السمعية من اخيلتنا … قالتعبير ياتي عبر المقطع الشعري ليبين تركيب ، متعدد المعاني ، وهو الذي يقيم التوازن .. والعلاقة الوثيقة – والتأثير الذي يحدث في النص الشعري .
    ومن المعروف : ان قواعد التركيب في النص الشعري – عند السياب اضحت وسيلة متطورة في هندسة النص .. وتركيباته .. ووسائل صياغاته وهو مقياس سيهتدي اليه الشعراء من بعده .. وان محاميل النظم ووجوهه ما هي الا تعبيراً عن معنىً سمعي وبصري ورؤيا تتلبس الشاعر لتحرك مجساته .
    ولنقرأ ((عبد الصبور)) في ((احلام الفارس القديم))
    لو أننا كّنا كغْصنَيْ شَجَرهْ
    الشمسُ ارضعتْ عروقنا معاً
    والفجرُ روّانا ندىً معاً
    حين استطلنا فاعتنقنا أذْرُعاً
    وفي الربيع نكتسي ثيابنا المُلوّنهْ
    وفي الخريفِ ، نخلع الثياب نعري بَدَنا
    ونستحم في الشتا ، يُدْفئُنَا حنوُّنا
    لو اننا كنا بسطِّ البحر موجتينْ
    صغيّتا من الرمال والمحارْ
    توّجتا سبيكةً من النهار والزَبَدْ
    اسلمنا العنان للتيارْ
    يدفَعُنا من مهدنا للحّدنا معاً ( )
    ان المجس الحسي : يقوم بالتركيز على ((الخواص الغزير)) من الشفافية واذا اجرينا هذه المعادلة بين .. المنطق الحسي في الوصف للمشاعر وهي تكتمل في المعاني … وبين الوصف الذي قدمه ((عبد الصبور)) في صياغته للمعاني .. وهو يعلق الصياغة ، في الالفاظ –والنظم المتعلق بالتركيب والصور المراد اظهارها … وما صاحبها من معان والفاظ لتستقر في .. منحى الفهم – والجوهر … والنظم اخذ من خلال الصور للمعنى باعتبارها مدلول في الصياغة .. لكي يكون الجمال في الصورة ذات خواص للمعنى ووضع الصورة الشعرية في موضع يؤشر : سلامة النظم ، اضافة الى المسحة اللفظية.. كالمنطوق – والاستعارة - والصوت – وهي صياغات شعرية في انساق توجه مجرى الالفاظ ( )
    فالنظم : يتشكل في الصورة – والصياغة والتي لا تكتمل الاّ بالمعنى اللفظي .. واختيار التراكيب الدقيقة ، والمواضيع التي تتعلق بالواقع من خلال صياغات الجمل المتشكلة بعضها مع البعض الآخر... عندها تتألف الصور الشعرية لتتعدد بالصياغات والامتداد المستمر من حيث الدلالة في المعنى .
    ان القدرة على عملية التواصل في نسج : الصورة – والصيرورة - لواقعية تعود ، بالسياب الى انشطة متعددة وهي تثير عدة من المتعلقات السيكولوجية لتستحيل الى وسائل من التحليل .. لتحيل هذه الضغوطات وفق مناقشة ((الحدث الشعري)) باتجاه يوجد وينقل حالة الوعي الشعوري عند السياب الى وعي النتائج المترتبة في حالة الوجود الاجتماعي .
    هناك مجموعة خلاصات تجعل السيّاب يأخذ في تفصيل الحدث : وحرية الموقف الاجتماعي باطاره الموضوعي من الذات وقدرة الشاعر على تحريك مجسات الواقع باتجاه يظهر الالزام الشعري باعتباره تفسير يعكس حالة المنهج الذي تكون عبر عملية الحث الواقعية التي حددت ديناميات لصور تبنت منحى تتفق عليه جملة من التقاليد الشعرية : وهي تحرك مسارات من الخواص بنتائج تأثيرية من حالة الكل رغم الأزمة القائمة بين الانسان والحياة.. وتبدو ان الكثافة الشعرية في عملية النظم تعود الى نوع من القياس لتفسير عملية الاكتمال في صياغة النظم.
    يقول السيّاب في قصيدته ((حفارالقبور))
    فانجاب عن ظل طويل
    يلقيه حفار القبور:
    كّفان جامدتان أبرد من جباه الخاملين
    وكأن حولهما هواء كان في بعض اللحود
    في مقلة جوفاء خاوية يهّوم في ركود
    كّفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين
    وفم كشّق في جدار
    مستوحد بين الصخور الصّم من انقاض دار
    عند المساء .. ومقلتان تحدقان بلا بريق
    وبلا دمعوع ، في الفضاء :-
    هو ذا المساء
    يدنو واشباح النجوم تكاد تبدو والطريق
    خال – فلا نعش يلوح على مداه .. ولا عويل –
    الا النعيب
    لا ريب : ان السياب اراد ان يضرب على الوتر الحساس من ناحية رسم التشاكيل المتباينة في الحس المفهومي .. والتطور الذي يعي ايقاع الحياة ، وبروز التشكيلات البشرية المنتفعة على حساب الكل الاجتماعي … هذه التشكيلات الطفيلية .. كان لها اثرها البالغ في انعطافة الحياة والسياب ادرك العمق الكبير والخطير في شعور هذه التشكيلات البشرية التي لاهم لها سوى الجشع الذي ينطوي على شعور خسيس .. وحس ينفصل عن احاسيس البشر … والفكرة الرئيسية في القصيدة : هو تحديد هذا الانفصال البشري ، وتجسيد هذا – الاختلاف وفق حس يتحقق بانبثاق الصورة التي تعبر عن وعي الاكتمال الاجتماعي وقوته باستعادته للقياس ..
    وتحديد اولويات هذا المنطق .. وبترددات توضّح خواص العملية ((الشعرية – والصوت- والوجود الاجتماعي )) ليتحدث الشاعر عن خواص الصورة – والاسلوب – والتحليل الفني لكي تتجذر في داخل النص ..ويبدو ان عملية الموازنة للوصول الى حقيقة مفادها ان السيّاب اراد ان يبين خواص نظم الألفاظ … هي غير خواص رسم الصور في الرؤية الشعرية … كذلك كان النظم متوازن بين ((اللفظ والرؤية)) .. وعليه تمت عملية الانتقال من اللفظ الى الصورة والصيرورة – والمعاني .. حتى لو كانت انسجة النظم من المترادفات .. فالصور للمعنى تكون متطابقة مع نسيج جمل اللفظ – والصورة والمعنى .. ولا يغيران تكنيكهما اثناء عملية الربط – والانتقال من لفظ الى آخر … والألفاظ كما هو معروف يراد منها تمتين الصورة – وصيرورتها بالاشارة الى المعاني المتركبة داخل تركيب الجمل الشعرية .. فاليدان الباردتان : دلالة على تفصيل ((الحالة السيكولوجية – والحس السكوني المنزوع القاسي)) وهي تأكيد لتراكيب الصورة في النص الشعري – لأن البرودة والقساوة يلتقيان طردياً في هذا القلب الميت .. كذلك المقلتان .. بلا بريق دلالة على جفاف النبع فيهما .. والسيّاب اراد ان يصل الى نقطة تلاق بين ((الاستعارة – واللفظ والمجاز في بوتقة المـعنى في النص الشعري))( ) .
    ان عملية التسلسل في المنطق الحساس.. يؤكد التوثب لصياغة عملية التباين داخل التشكيل في القصيدة .. ويعتقد السياب ان الرؤية الشعرية تأتي من ممكنات عديدة في الحس – والالهام الذي يتحول الى وقائع بواسطة ((اللّغة)) وهو التطور الرئيس في العملية الشعورية وان جملة من الافكار – والالفاظ هما عاملان يلتقيان لانهما يحكمان الصيرورة السيكولوجية... والسياب احكم اجوبة الاستطلاع السيكولوجي بمعنى أشد في المفردة والاشياء التباساً عند الشاعر هو الرجوع الى العمق السحري والامكانية الكامنة في النص الشعري .. وهو الاسهاب في المرجعية .. واحساس بالتطور الذي يحدث في مرتكزات العصر .. والسياب ادرك هذه المحاولة والقيمة السيكولوجية والفنية التي تكمن وراءها الضرورات الابداعية .. ولنقرأ مقاطع من قصيدة ((الاسلحة والاطفال))
    ومن يفهم الارض أن الصغار
    يضيقون بالحفرة الباردة ( )
    اذا استنزلوها وشطّ المزار ؟
    فمن يتبع الغيمة الشاردة ؟
    ويلهو بلقط المحار؟
    ويعدو على الضّفة الجدولِ؟
    ويسطو على العش والبلبل ؟
    ومن يتهجّى- طوال النهار-
    ومن يلثغ الراء في المكتب؟
    ومن يرتمي فوق صدر الأب؟
    اذا عاد من كده المتعب ؟
    ومن يؤنس الأم في كل دار ؟
    اسًى موجع ان يموت الصغار
    اسًى ذقت منه الدموع ، الدموع
    أجاجاً ومثل اللظى في الفمِ
    اراد السيّاب ان يفصح عن الاحساس الضروري في تشكيل البدايات التي اكدت النواظم الشعرية عمليات الوعي الموضوعي بطبيعة المركب الذي انعشته المؤثرات ((بالشعر الإنكليزي)) والدقة والصرامة والمألوف الذي حل في ((الانعدام - والجوهر)) والحيثيات المستمرة لعصر ساد فيه التردد ، والانحسار للانسان – والازمة الحادة في (( الحرية – والضياع الذي لحق بالبشرية))وقصيدة ((الاسلحة - والاطفال)) من القصائد التي كتبت في منتصف – الخمسينات .. نجد تأثيراتها واضحة (( بالشعر الانكليزي – واليوت ، واديث سيتويل)) في هذه القصيدة كان السياب يركز على المجاز والهوامش وهذا يوضح تأثره البالغ ((باليوت وسيتويل)) وتبرز الصورة الشعرية كلما تركز المجاز في المعنى بدل حدود الجمال المحض ((كما يقول الجرجاني)) والسيّاب ، وازن بين الحدود في الحكمة – والخلق من خلال النظم .. والصورة السيّابية غايتها المعنى ، والسياب كان يستوحي عدة من الطرق في عملية البناء الفني.. فياتي الى (( السياق ليصهره في بوتقته الشعرية)) ومصدره الرئيس في ذلك هو((اليوت – واديث سيتويل)) والسيّاب تأثر بمن سبقوه، من(( اصحاب الصياغات اللفظية والمعنى – خاصة "الجاحظ" )) في بناء الجملة اللفظية والغاية بالطبع هو المعنى كما قلنا .. والسيّاب وازن بين الصياغة ، اللفظية – وا

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 9:42 am