منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دلالات الأصوات

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دلالات الأصوات Empty دلالات الأصوات

    مُساهمة   الخميس يونيو 30, 2011 7:12 am

    وفي
    سياق دلالات الأصوات، ينبغي الانتباه إلى المحدد الآتي، وهو "أن ليس هناك
    معان جوهرية للأصوات، ولكن المرسل هو الذي يمنحها إياها بناء على التراكم،
    وعلى السياق العام والخاص" ([30]) ومن هنا انطلق الباحثون الأسلوبيون من
    أحد ثلاثة اختيارات "بعضهم يبدأ من المرسل، فيدرس اختياراته، حال ممارسته
    عملية الإبداع، وبذاك فإن الأسلوب عند هؤلاء هو الاختيار أو الانتقاء..
    وبعضهم من المتلقي، لذلك يدرس ردود، الأفعال والاستجابات التي يبديها
    المتلقي حيال المنبهات الأسلوبية في النص، وينطلق بعضهم من مبدأ عزل المرسل
    والمتلقي من دراسة الأسلوب، لذلك تراهم ينطلقون من النص ذاته" ([31]).
    وهذا النظر النقدي في النص الشعري ذاته، يتركز في الإمكانات التعبيرية
    الكامنة في المادة الصوتية، لأنها تأثيرات صوتية "تظل كامنة في اللغة
    العادية، حيث تكون دلالة الكلمات التي تتألف منها والظلال الوجدانية لهذه
    الكلمات بمعزل عن قيم الأصوات نفسها ولكنها تنفجر حيثما يقع التوافق من هذه
    الناحية، وإذن فثمة مجال– بجانب علم الأصوات بمعناه الدقيق –لعلم أصوات
    تعبيري" ([32]).

    وعلم الأصوات التعبيري، ينظر في أسلوبية الكلام الشعري، في مستواه الصوتي،
    كونه "أول المنطلقات الأسلوبية التي تلتقي منهجياً بالوصف البلاغي، لصوتية
    المفردات اللغوية، وأنساقها التعبيرية، وإقرار الأثر الصوتي في تكثيف
    العلاقة، بين الدال والمدلول وإحداث المتغيرات اللغوية لأداء المعنى...
    فالصوت يختلف باختلاف ذات الشيء المحدث له" ([33]) وأصوات الألفاظ "دالة
    على جهات الكلام، كحروف الشيء وجهاته" ([34])، وفي هذا الاتجاه كان اختيار
    الأسلوبية الصوتية للتكرار المنظم للوحدات الصوتية، نابعاً من نهجها في وصف
    "صوتية المفردة اللغوية، بوصفها رمزاً دالاً بالمحاكاة، وعلى مستوى
    التركيب المتسم بالتردد الصوتي المولد للإيقاع المشحون بطاقة السياق
    الدلالية ([35]) لأن الأسلوبية الصوتية تنطلق من "تصورات موضوعية للأنساق
    الصوتية التي يعمد الشعراء إلى إشاعتها في قصائدهم" ([36]).

    وفي مجال صوتيات التعبير نلحظ الأسلوبية الصوتية تميز بين ثلاثة أشكال صوتية:

    الأولى هي الصوتية التمثيلية التي هي الصوائت بوصفها عناصر لغوية موضوعية.
    الثانية هي الصوتية الندائية أو الانطباعية التي تعنى بدراسة المتغيرات
    الصوتية الهادفة إلى دراسة التأثير في السامع، والثالثة هي الصوتية
    التعبيرية التي تعنى بدراسة المتغيرات الصوتية الصادرة عن مزاج أو سلوك
    عفوي لمتكلم معين ([37])، وفي هذا الإطار فإن الأسلوبية الصوتية "تعتمد على
    مفهوم المتغيرات الصوتية الأسلوبية وبمقدار ما يكون للغة حرية التصرف ببعض
    العناصر الصوتية للسلسلة الكلامية، بمقدار ما تستطيع أن تستخدم تلك
    العناصر لغايات أسلوبية" ([38]) ذلك أن اللغة تمتلك "نسقاً كاملاً من
    المتغيرات الأسلوبية الصوتية، ويمكن أن نميز من بينها: الآثار الطبيعية
    للصوت، المحاكاة الطبيعية للصوت، المد، التكرار، الجناس، التناغم،..."
    ([39])، وفي هذا لا ينظر للصوت منفرداً، أي "ليس الصوت نفسه كشيء منعزل
    بالتفاصيل العضوية لنطقه ولفظه، وإنما هو الصوت من حيث تميزه عن مجموعة
    الأصوات الأخرى. ودخوله في تشكيل أنظمتها، ومن هنا، يمكن وضع خصائص لغة ما،
    لا على أساس الدور الذي تقوم به الحبال الصوتية وسقف الحلق، وإنما على
    أساس التقابلات الصوتية التي تميز بعض الكلمات عن بعضها الآخر، فكل صوت في
    لغة ما، يدرس على أنه مجموعة الملامح التي تميزه عن بقية أصوات اللغة
    نفسها، وتضعه في مكان من جداول القيم الخلاقة في علاقاته بها، وبهذا تصبح
    بنية الأصوات هي محور الدراسة لا طريقة إنتاجها" ([40]).

    ويمكن أن نلحظ هذه المقولات الأسلوبية في مقومات عمود الشعر، ولا سيما تلك
    التي تخص أسلوبية النص الشعري. فعلى الصعيد الصوتي نجد في، جزالة اللفظ
    واستقامته حيثيات صوتية، من جهة أن العنصر الصوتي لم يحتل مكان الصدارة، في
    فصاحة اللفظ المفرد إلا من جهة ما يحققه من خصوصية أسلوبية ولهذا كان ابن
    سنان حريصاً على تقعيده، في خلال ما اشترطه لفصاحة الألفاظ من خفة اللفظ،
    وحسن وقعة في السمع، وتجنب الكلمات الكثيرة الحروف، وتجنب العامي الساقط أو
    السوقي المبتذل، وهو يحبذ التصغير الذي لا يخلو من مزية صوتية وإن كان
    دلالياً في أساسه ([41]).

    أما الجرجاني فقد حاول الاجتهاد في إبراز "عنصر المعنى فيما اعتبره غيره
    لفظاً خالصاً، وفي هذا الصدد تناول التجنيس، وهو المقوم الصوتي الحر الوحيد
    الذي آثار انتباهه، مشيراً إلى أن لا مزية له في نفسه، أي باعتباره
    أصواتاً مسموعة، بل لما يدخله من اعتبارات ووظائف فنية" ([42]).
    ويرى أحد الباحثين أن الجرجاني "لم يطرح قضية المعنى كمبدأ متحكم في كل
    مكونات الفصاحة، ومنها المكون الصوتي، بل إنه جعل الصوت عوضاً لغيره، وجعل
    حضوره في غيره كافياً لإبعاده، ولو نظر إلى تفاصيل العنصرين: الصوت
    والدلالة. من دون أن يغمط أحدهما حقه، لكان لنظريته قيمة كبيرة" ([43]).
    وهذا الملحظ عند الجرجاني سبقته إشارات في عمود الشعر، في باب التحام أجزاء
    النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، من جهة أن الوزن يسهم في الشعرية
    كونه من "الأمور التي تجعل القول مخيلاً" لاتصاله بزمن القول وعدد زمانه
    "أي أن التخلي عن الوزن الفاعل يجعل القصيدة تخسر مناطق في نفس المتلقي لا
    يمكن الوصول إليها إلا عبر الوزن" ([44]) ذلك أن القصيدة "بترابطها الشفوي
    بين التحول الدلالي والإيقاع ومنه الوزن، أقدر على تجسيد ذبذبات الروح"
    ([45]) فكلما كان الوزن عنصراً دلالياً في النص الشعري، كلما ساعد على
    تعميق البنية الدلالية، وتزداد قيمته الفنية حين "يلصق فوق خط الاختلاف
    الدلالي سلاسل من التمثلات الصوتية" ([46]) وفي ضوء هذا القول نفهم إشارة
    هيجل إلى "أن الشعر يحتاج إلى الوزن أو القافية اللذين يمثلان هالته الحسية
    الوحيدة، بل يمكن القول أنه يحتاج إليهما، أكثر من حاجته إلى القول
    المخيل" ([47])، وفي تركيب أجزاء النظم تشكيل موسيقي "يؤثر في النفس
    البشرية.. يلطف الخلق، ويسهل القياد" ([48]) من قبيل الفصل والوصل كونه
    "وزناً ما، للكلام، وإن لم يكن وزناً عددياً، فإن ذلك للشعر، وهذا هو الذي
    يتحدد بمصاريع الأسماع" ([49]) وهذا ما ألمح إليه (كروتشه) من أنه "كلما
    قمنا بتحليل قطاع من التعبير، وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة جمالية، فاللغة
    نفسها في جميع مظاهرها، إنما هي تعبير خالص، ومن ثم فهي علم جمالي وهي
    أصوات منظمة مهيأة من أجل التعبير، هذا التصور للغة، إنما هو تصور أسلوبي"
    ([50]) لأن علم الأسلوب ملتقى لدراسة كل الوسائل التعبيرية والجمالية في آن
    معاً ([51]).

    ونلحظ المقوم الصوتي في قول المرزوقي بـ "التحام أجزاء النظم والتئامها على
    تخير من لذيذ الوزن "وقد جعل عياره" الطبع واللسان، فلما لم يتعثر الطبع
    بأبنيته وعقوده، ولم يتحبس اللسان في فصوله ووصوله، بل استمرا فيه
    واستهلاه، بلا ملال ولا كلال، فذلك يوشك أن يكون القصيدة منه كالبيت،
    والبيت كالكلمة، تسالماً لأجزائه وتقارناً.. وإنما قلنا "على تخير من
    أللذيذ الوزن" لأن لذيذ يطرب الطبع لإيقاعه، ويمازجه بصفائه، كما يطرب
    الفهم لصواب تركيبه، واعتدال نظومه" ([52]).
    فصحة النظم تتأتى من التحام أجزاء النظم والتئامها، وهذا يولده الاختيار
    الأمثل للوزن، أي المناسبة، ومن هذا كله تتولد اللذة التي تطمح إليها
    النفس، فالوزن الجميل والحسن، هو المطلوب، والاختيار تتحكم به الطبيعة
    النفسية للشاعر والمتلقي معاً، أي أن الشاعر يريد أن يسمع ما يتفاعل مع
    حالته النفسية، وهذا يؤيده كلام المرزوقي، فالاختيار الذي يقوم على أساس ما
    يلائم الحالة النفسية، يولد اللذة، ومن هنا كان الخلل في مكونات الشعر،
    وزناً أم غير وزن، يكشفه الذوق والحس، لأن العروض قد يعرف بالهاجس ([53])،
    "والشعر كلام موزون تقبله الغريزة على شرائط، إن زاد أو نقص أبانة الوزن"
    ([54]).

    وقد يبدو أن حديثه عن لذيذ الوزن، دعوة على نحو غير مباشر إلى أن يكون
    الشاعر حراً في اختيار تجربته الإيقاعية، في خلال الألفاظ والصياغات التي
    تقدمها، ومثل هذا التصور نقرؤه عند الجاحظ في قوله: "أنشدني خلف الأحمر:
    وبعضُ قريضِ القوم أولادُ علةٍ
    تكد لسانَ الناطقِ المتحفظِ




      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:15 am