منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الاتجاهات السيميائية المعاصرة

    سامية الزمردة الخضراء
    سامية الزمردة الخضراء


    عدد المساهمات : 42
    تاريخ التسجيل : 23/12/2010

    الاتجاهات السيميائية المعاصرة Empty الاتجاهات السيميائية المعاصرة

    مُساهمة  سامية الزمردة الخضراء السبت سبتمبر 24, 2011 7:07 am

    [center]الاتجاهات السيميائية المعاصرة

    نموذج غريماسي على مقطوعة نزارية

    الدكتور: بومعزة رابح

    قسم الأدب العربي

    كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية

    جامعة محمد خيضر بسكرة







    تمهيد :

    إن ارتباط اللغة بالإنسان بوأها مكانة عالية ، فكانت جديرة بالدرس و التحليل . و لقد حاول الباحثون على مر العصور إبراز أسرارها و كشف غموضها و سبر أغوارها و معرفة أدوارها التي تؤديها في مختلف مناحي الحياة ، و ذلك بالاعتماد على أسس علمية انطلاقا من أن اللغة نشاط إنساني معقد يصعب تفسيره بنظرة أحادية . فكان من اللزوم البحث عن تضافر عدة مناهج . و لعل أخصب المناهج و أنسبها و أشدها تعلقا بالأدب هو المنهج الوصفي اللساني ، و مرجع ذلك إلى النتائج العلمية التي حققها في دراسة اللغة التي تعد ظاهرة إنسانية اجتماعية قوامها عناصر لغوية محكومة بقوانين محددة و معقدة .

    و قد مكنت هذه الوجهة التحليلية من دراسة العمل الإبداعي لأنها تساعد على استكناه أسراره وكشف بهائه . ومما قوى الارتباط بين اللسانيات و الأدب هو التقاؤهما من حيث الموضوع و الهدف . و إذا كانت اللسانيات تعتمد اللغة مجالا للدراسة ، فتكشف الغطاء عن بنيتها و تفاعل عناصرها و قواعدها التي تحكمها ، فإن الأدب يستعمل هذه اللغة أداة للتعبير عن فنون الحياة المختلفة .

    ثم إن اقتراب اللسانيات من الأدب من شأنه أن يوسع النظريات اللسانية

    و مناهجها و يزيدها تطورا و انفتاحا و دقة و موضوعية ، إذ إن الأدب هو الذي يمدها بالمادة الثرية التي تسهل الوصف وتعين على التحليل ..بيد أن التحليل اللساني قد يقف عاجزا عن الوصول إلى السمات اللسانية العالية المجسدة في النص الأدبي فيلجأ حينئذ إلى بديل آخر قد يدرك هذه الخصوصيات و هو السميائية .

    قبل أن ونعرض للاتجاهات السيميائية نلفت الانتباه إلى ملاحظتين خطيرتين.

    مؤدى الملاحظة الأولى هو أن لغة النص الأدبي ليست هي اللغة نفسها التي نجدها في غير النص الأدبي ، ذلك أن النص الأدبي يوظف نوعين من البنى اللغوية،بنى لغوية مغلقة دواليها على أقدار مدلولاتها . والكلام فيها هو من قبيل ما سماه سيبويه بالمستقيم الحسن.

    ويوظف النص الأدبي بنى لغوية مفتوحة يتطلب استكناه معانيها اللجوء إلى بنياتها العميقة.والكلام فيها هو من قبيل ما سماه سيبويه بالمستقيم الكذب

    " والشعر أعذبه أكذبه" ، سواء أكانت هده البنى اللغوية مفردات أم تراكيب.

    لذلك ينبغي للناقد الذي يتصدى لتحليل النص الأدبي. ابتداء أن يكون مدركا لهده البنى اللغوية الموظفة في هذا النص الإبداعي وهو في حاجة مسيسة إلى التسلح بذلك .

    سواء أكان التحليل بنويا أم تفكيكيا أم موضوعيا أم أسلوبيا أم سيميائيا.

    والملاحظة الثانية التي نلفت الانتباه إليها هي أن المنهج السيميائي منهج يحاول أن يعلن المعطى الفني .أي أنه يريد أن تكون دراسة للعمل الإبداعي موضوعية بعيدة عن الذاتية والارتسامية والانطباعية والأحكام المسبقة التي تصدر عن النص..

    ولذلك يسجل أن أهم خصيصة نجدها في أحد اتجاهات هذا المنهج السيميائي هي أنه منهج " داخلي " محايث يلح على استقلالية النص الأدبي عن المرجع .ممثلا في العالم الخارجي الذي قد يكون له انعكاس سلبي على تجانس الوصف. اللغوي.ويعني ذلك أنه يركز على داخل النص.

    الاتجاهات السيميائية المعاصرة :

    المنهج السيميائي في مجال النقد الأدبي لم يكد يستوي على سوقه حتى سلك عدة اتجاهات ، في تناول العمل الأدبي كان من أهمها :

    أ – اتجاه يرى أن السيمياء هى دراسة الأنظمة الدالة من خلال الظواهر الاجتماعية و الثقافية الملابسة للنص ، من منظور أنها جزء من اللسانيات – على خلاف ما يرى

    دي سوسير – و هو اتجاه ساعد في تطوير هذا العلم و ضبط أسسه و مصطلحاته مثله في ذلك مثل أي فرع من فروع اللسانيات ، يؤكد على دراسة أنظمة الاتصال غير اللغوية بخاصة .

    و قد حبذا هذا الاتجاه كثير من الدارسين و النقاد من بينهم رولان بارت .R

    - BARTHES و بيير جيرو P.GUIRA ، و غريماس GREIMAS. A. J و كورتيس .J COURTES و محمد عزام ، و رشيد بن مالك ، و عبد الكبير الخطيبي في بعض أعمالهم ) 1 (.

    و هؤلاء جميعا ركزوا في أعمالهم على تطبيق مفاهيم اللسانيات في شكلها البنوي ، ووجهتها الدلالية الموصلة بالحياة الاجتماعية للأفراد و الجماعات ، حيث يرى بارت أن النص الأدبي ليس نتاجا ، بل هو إشارة إلى شيء يقع وراءه ، لتصبح مهمة الناقد هي تفسير هذه الإشارة و استكشاف حدودها و تأويلها ، و بخاصة الحد الخفي أو المعنى العميق )2 (.

    و تشمل الإشارة في هذا الاتجاه كلا من القرينة و الرمز و السمة و الأمثولة . و هي كلها تحيل إلى علاقة بين طرفين مرسل و مستقبل في شكل تنظيم صوري للمحتوى فيما بين المدلولات )3( ، و يتم التوافق في هذه الحال بين أشكال التلقي من حيث فهم المحمولات الإشارية و تعدد القراءات وفق عملية استكشاف للمعاني المصاحبة ،

    و هي معان لا توجد في المعاجم ، و إنما تستنطق من السابق و اللاحق و المتشاكل و المتناقض و المتناص و غيرها من المظاهر التي تزخر بها وحدات النص القرائية و يركز غريماس في ضوء الدراسات الأنثروبولوجية على تحديد عناصر فاعلية الخطاب المرسل و المتلقي و الفاعل و الموضوع و القيمة و المساعد و المعارض . و هي عناصر تمثل أقطاب الصراع الدرامي في النص ( 4 )

    ب – الاتجاه الثاني ، و يرى أن السمياء دراسة لأنظمة الاتصال اللغوية منها و غير اللغوية ، و يسعى إلى تحديد هذه الأنظمة المختلفة وفق عدد من الإشارت التي من ضمنها الألفاظ اللغوية .و قد تبنى هذه الوجهة كل من جورج مونان G.MOUNIN و بريتو PRIETO ، و بيرنز E.BUYSSE NS و غيرهم .

    و يذهب هذا الفريق إلى أن السيمياء دراسة لأنظمة الاتصال عامة ، و ليست خاصة بالأنظمة الدالة فحسب ، حيث يرى مونان أن بارت حينما عمل على دراسة أنظمة اللباس و الغذاء ....إلخ ، فإنه نظر إليها بوصفها أنظمة دالة ، مقدرا أن مشكلة الرسالة بين المرسل و المرسل إليه قد حلت ، في حين أن المشكلة بالذات هي التي كان سويسر قد آثرها على أنها موضوع للسيمياء ، و بذلك يكون بارت قد أغفل المشاكل الأساسية المرتبطة بانطلاقه من الدلالة الاجتماعية )5.(

    و يتضح من هذه المقولة أن السيمياء إنما هي أساس للتواصل عامة ، و بذلك تصبح اللغة أو الرموز اللغوية جزءا من أنظمة التواصل مثلها مثل الإيماء و الإشارة

    و الأمثولة . ليكون أصحاب هذا التوجه التفسيري قد أعادونا إلى النقطة التي انطلق منها دي سوسير )6 .(الذي يتبدى منه أن هذا المنهج محايث ، يقصي المرجع .

    ج – أما الاتجاه الثالث ، فحاول أن يوفق بين الاتجاهين السابقين ، أي بين الرمز اللغوي و الرمز غير اللغوي باعتبارهما يتكاملان مع اللسانيات ، ويذهب إلى أن هناك تضامنا نظاميا بين الدلالة و التواصل في السيمياء ، على أساس أن دلالة الاتصال قائمة على نظرية إنتاج العلامة . و اللافت للنظر أن العلامة لا يمكن فصلها عن نظرية الشفرات CODE التي هي أساس الدلالة) 7 (.

    و قد برزت في هذا المنحنى جملة من المقاربات النظرية و التطبيقة تندرج تحتها أعمال كل من الباحث الإيطالي أمبرتو ايكو U.ECO و جوليا كريستيفا J.KRISTEVA و محمد مفتاح و عبد الحميد بورايو و غيرهم )8 (.

    و يستمد هذا الاتجاه مفاهيمه النقدية من مرجعيات و مدارس لسانية مختلفة و متباينة ، فإذا كانت اللسانيات البنوية تعد مرجعا أساسا لأصحاب هذا الاتجاه في التحليل النقدي ، فإنهم سرعان ما تجاوزوا هذه اللسانيات البنوية من حيث العمق في استنطاق علامات الفضاء الخارجي للنص و تأويلها . تقول جوليا كريستيفا " إن النص ليس نظاما لغويا كما يزعم البنويون ، أو كما يرغب الشكليون الروس ، و إنما هو عدسة مقعرة لمعان و دلالات متغايرة و متباينة و معقدة ضمن أنظمة اجتماعية و دينية و سياسية سائدة )9 ( .

    و يفهم من هذه الرؤية أن مرجعية هذا الاتجاه السيميائي لا نهاية ، لسانية ، فلسفية ، اجتماعية ، دينية ، سياسية ، نفسية ... الخ ، بحيث لا يمكن الفصل بين ما هو لساني أو اجتماعي ، بل هو كل مجتمع ، أو عدسة مقعرة مفتوحة على كل المراجعات و القراءات ، ليصبح النص في هذه الحالة مثل هوائيات الاستقبال ترد عليها برامج شتى المحطات . و على المتلقي أو الناقد أن يقوم بفرزها و تحليل رسائلها و تفسير محمولاتها ، و فك شفراتها ، بعد استنطاق النص أو الكاتب الذي هو ذلك المداد الموزع على ورقة )10 (، مستعينا بكل وسائل التلقي من إدراك و فهم و تأويل .

    و من هنا نجد هذا التوجه يلتقي و يتكامل مع النصانية أو علم النص ، من حيث استثماره لوسائل التحليل المختلفة من أجل تأويل النص) 11 (.

    و مهما يكن من أمر ، فإن الاتجاهات المذكورة آنفا تضعنا أمام عدة استنتاجات من ضمنها أن تعدد الاتجاهات و الآراء و تباينها و تشبعها حول تحديد السيميائية و ضبط مفاهيمها دليل على وجود تعارض يقف حاجزا أمام نموها و تطورها .. يضاف إلى ذلك أن التوجهات النظرية والقرائية في الدرس السميائي المعاصر على اختلافها تستنجد – غالبا – بالنظريات اللسانية ، و هو مسار يحتم على المتصدي للنص الإبداعي أن يكون مدركا تمام الإدراك أن هذا النص يوظف بنى لغوية مفتوحة و بنى لغوية مغلقة ، سواء أكانت هذه البنى اللغوية إفرادية أم تركيبية ، و سواء أكانت هذه البنى اللغوية توليدية أم محولة ، ومن ثم فإنه لايمكنه استكناه معانيها إلا باللجوء إلى بنياتها العميقة المتوارية خلف بنياتها السطحية .

    تحليل سيميائي لمقطوعة من قصيدة " اختاري" للشاعر الملقب " بشاعر المرأة "

    نزار قباني على ضوء النهج السيميائي .

    و حيث إن المنهج يعني الوقوف على آلة التحليل ، أو ما يسمى بأدوات التحليل لم يكن مناص من أن تحاول هذه المداخلة إيضاح هذه الآلية الإجرائية ممثلة في المربع السيميائي المتكئ على الثنائيات الضدية .

    في هذه المقطوعة يعرض الشاعر لمشكلة عصية لطالما عانتها المرأة العربية،وهي الحرية التي هي مظهر من مظاهر الرشد الذي يعد أحد مبادىء الحداثة.

    هذه الحرية المسلوبة المصادرة بقرار قد يكون اجتماعيا ،وقد يكون سياسيا .

    إذا ما ذهبنا إلى أن المرأة في هذه المقطوعة هي رمز مشفر يقصد به فلسطين أو أي دولة عربية قرارها ليس بيدها .

    و ينطلق نص القصيدة بلافتة العنوان اختاري(12) ممثلة مفتاحا أوليا هو بمثابة بؤرة تتولد و تتنامى و تتفرع لتبوح عن مكنونات تثير عددا من الإيحاءات و التأويلات على مستوى البنية العميقة .

    ثم يبتدئ النص بأمر موجه إلى المرأة العربية لتمارس حق حرية الاختيار ، و هي إشارة تنم عن فضاء ضمني يقف بين حرية الاختيار و حتمية الإجبار ، فالمخاطب ممثلا في المرأة العربية مأمور لا ليختار سبيلا أو منهجا ، بل ليسلك أحد النجدين لا ثالث لهما ، وهو موقف ينبئ عن استلاب كامل لحرية الإرادة ، تفسره الخلفية الثقافية و التقاليد الاجتماعية المترسبة في مرجعيات و خلفيات الناص في شكل وصاية أبدية فهل تستطيع المرأة العربية التي اعتادت على الأمر أن تتمرد لتختار أو لتكسر قيود حتمية الاختيار ؟ إن نزار قباني لا يمهل المرأة لتختار ، بل يتوجه إليها بالاختيار المحدد ، و هي التي لم تختر مصيرها يوما . أيست هي التي تختار لها دميتها و هي طفلة ، و تختار لها جبتها و هي مراهقة ، و يختار لها بيتها و عريسها و هي راشد؟ و هو اختيار جبري يلزمها باتباع أحد النجدين كلاهما جبر .

    اختاري

    إني خيرتك فاختاري

    ما بين الموت على صدري

    أو فوق دفاتر أشعاري

    و تتأكد حتمية جبرية الاختيار في معتقد الشاعر ، إذ تأتي الجملة الابتدائية الافتتاحية للقصيدة بعد العنوان جملة اسمية مركبة مؤكدة للدلالة على ثبات الحالة و استمرارية الانقياد ، متبوعة بجملة فعلية حركية تؤكد تثبيت قرار الاختيار في الماضي ، ليكون الاختيار فيما اختير مسبقا ، مما يشكل ثنائية ضدية لا تتلاءم وواقع الاختيار الحر المعلن عنه في البنية السطحية ،"ما بين الموت على الصدر" التي تعني كسر قيود الماضي و مواكبة العصر ، " و الموت على دفتر الأشعار" التي يقصد يها الرسوف في قيود التقاليد . و هو قرار يصدره الشاعر دون أن يترك للمرأة فرصة في الحاضر لتبدي رأيها أو تقول كلمتها ( إني خيرتك ) و ليس ( إني أخيرك ) في المضارع . فالخبر في هذه الجملة الاسمية المركبة في بنيته السطحية طلبي ، و لكنه في بنيته العميقة إنكاري ، لأن البنية العميقة للوحدة الإسنادية الماضوية (13) المؤدية وظيفة الخبر هي " قد خيرتك " المحولة بحذف الوحدة اللغوية " قد " المفيدة التوكيد .ذلك أن الشاعر لئن تظاهر بأنه غير متفائل من حيث استجابة هذه المرأة لمطلبه ، فإنه لا يفتأ يكرر محاولاته للوصول بهذه المرأة وهي مفتكة لحريتها ، ذلك أن الحرية مظهر من مظاهر الرشد الذي يعد أحد مبادئ الحداثة و تستشف الوصاية الراسمة للمعالم المحددة على مستوى البنية العميقة التي تتقاطع ضديا في ثنائيات تسفر عن الإجبار اللاشعوري كما يتضح من المربع السيميائي الآتي :

    اختيار إجبار

    ( حرية ) ( قيد )














    لا اختيار إجبار

    ( خيرتك ) ( اختاري )



    إن استنطاق الثنائية الضدية ( خيرتك – اختاري ) تظهر تناقضا في تكريس الوهم المنشود المتمثل في إظهار حرية الإرادة التي هي مسلوبة و مصادرة بقرار لا شعوري ، اجتماعيا و سياسيا ، حيث يلغي الاختيار المسبق من الآخر فمفعول الفعل الاختياري (اللا فعل ) يصبح معادلا لموضوع ( الحرية ) التي تبدو منبثقة عن اللاحرية . و تتماهي الحرية في القيد معلنة اللا اختيار .

    و في المقطع الموالي يقدم الشاعر عرضا يلغي فيه كل الحلول النسبية ضمن ثنائية ضدية ذات بعد ديني اجتماعي ، تكمل الثنائية السابقة و تؤكدها .

    اختاري الحب أو اللا حب

    فجبن ألا تختاري

    لا توجد منطقة وسطى

    ما بين الجنة و النار

    و يظهر على مستوى الحوار التواصلي الأفقي حذف المخاطب ضمنيا من البنية السطحية، حيث جاءت ذاكرة الناص لتمثل مرجعية واقع المرأة العربية في معطى باهت ، إذ لم تنبس هذه المرأة ببنت شفة ، بل ظلت مغيبة و صامتة مستمعة ، لم تمنح فسحة للتعبير عن الرأي ، وظلت متلقية سلبية صاغية تتلقى ركاما من الأفعال الأمرية المبثوثة على مستوى الفضاء البصري الخطي في أحياز مستقلة .

    ارمي أوراقك كلها و سأرضى عن أي قرار

    قومي ...

    انفعلي ...

    انفجري...

    لا تقفي مثل المسمار .

    فالمرأة العربية التي يريد لها الشاعر أن تتحرر يسجل أنها لا تسعى من الثاب

    إلى المتحول ، فهي ما زالت خلف الستار تتلقى الأوامر و النواهي ( قومي، انفعلي...) ، و هو ما يشير ‘إلى أن حريتها مرهونة بنطقها ، و هي لا تقوى على النطق ما لم تتعلم و تمزق ستار الجهل ، و تتجاوز حدود قيد الماضيو ذلك شرط لبداية تحررها . و يلاحظ أن الناص لم يمنحها حتى حق الرغبة في إبداء الرأي .

    و على مستوى الحوار الخارجي جاء الحوار أحادي القطب،أي ( نيابيا )عموديا حيث لم يسمع للمرأة كلمة واحدة عبر أبيات القصيدة كلها . .فالحوار يسير واصفا واقع المرأة المشدودة إلى الماضي طورا ، و أمرا ناهيا تارة أخرى .

    و تتعادل مرجعية الشاعر و ترسبات واقعه ( لا يمكن أن ابقي ...كالقشة ...) ، مع واقع المرأة ( لا تقفي مثل المسمار ) الفاقد لحرية الإرادة و المشدود بأغلال التقاليد مما يمنع تحول العطالة إلى حركة لإزاحة الثبات و عدم الركون إلى المقدر.

    لا يمكن أن أبقى أبدا

    كالقشة تحت الأمطار

    مرهقة أنت و خائفة

    و طويل جدا مشواري

    غوصي في البحر أو ابتعدي

    لا بحر من غير دوار

    الحب مواجهة كبرى

    إبحار ضد تيار

    صلب ، و عذاب ، و دموع ، و رحيل بين الأقمار يقتلني جبنك يا امرأة

    تتسلى من خلف ستار ....

    وفي هذه المقطوعة المشتملة على الجملة الطلبية " يقتلني جبنك يا امرأة " المحولة بتقديم المفصح عنه من النداء ، و هو الجملة المضارعية " يقتلني جبنك " يلاحظ فيها أن المنادى و هي المرأة العربية المعنية بالخطاب قد جاء نكرة غير مقصودة منصوبة .و التوجيه الدلالي لذلك يسفر عن أن هذه المخاطبة هي امرأة أيا كانت هذه المرأة ، فهي مخاطبة مطلقة لا متناهية ، وهي ليست امرأة بعينها ، ومن ثم فالمعنية بالخطاب هي كل امرأة موصوفة بأنها تتسلى من خلف ستار . و هو يرى أن هذه المرأة المعنية بالنداء التي يفصح عن أن جبنها يقتله ، و أنها لا تقوى على التسلي إلا من خلف الستارهي امرأة تشكل السواد الأعظم من المجتمع العربي . و هذا بخلاف ما لوجاء المنادى " امرأة " مبنيا على الضم ، حيث تصبح هذه المخاطبة محدودة معروفة بالإمكان تجاوز الإشكالية العصية التي تعانيها ، ومن ثم احتواؤها ، وحينئذ يتحول الناص من متشائم إلى متفائل .و ذلك مدعاة لأن تتحول الوحدة الإسنادية الماضوية" قد خيرتك " المؤدية وظيفة الخبر إلى وحدة إسنادية مضارعية " أخيرك " . ولكن لما لم يحصل ذلك ظلت المسحة التشاؤمية ملقية بظلالها على لغة هذه المقطوعة .

    إن الانفتاح على ثقافة العصر و إبداعاته و مستحدثاته ، و كسر حدود الزمان المجتمعات الأحادية الزمن من مواجهتها ، و هو انفتاح مس كل القيم الحضارية سواء أكانت وضعية أ و شرعية ، و مس حتى صور و أنماط السلوك و العيش لمواكبة البشرية في مسارها الحضاري أحدث صدمة حضارية عنيفة لم تتمكن و العادات و التقاليد . و لقد استطات بعض المجتمعات أن تخوض بشجاعة التصدع المتبدي في كيان الحضارة و التراث ، كما أصيب البعض الآخرمن المجتمعات بصدمة فلم يميز حيالها بين الهوية الشرعية و الهوية التقليدية.

    فالسطر المبتدأ بالجملة المضارعية " تتسلى من خلف ستار"يعززذلك ، و يبين أن طائفة من الرجال المثقفين في مجتمعاتنا ، و في عصرنا هذا ما زال الرجل منهم يترفع على نحو يستحيفيه من مرافقة زوجته في الشارع ، و كثيرا ما يتركها تسير خلفه ، بل ظل إلى وقت قريب مثل هذا السلوك مدعاة للوقار و الهيبة ، وتعد مخالفته مناطا للسخرية و التندر. فقد قدر للمرأة العربية في سجل التقاليد ألا تشتري حاجتها بنفسها ، و ألا تجلس إلى مائدة الضيوف و لو كانوا من الأقارب ، و ألا تتحدث معهم ، و إنما يكون كل ذلك كان يتم من خلف ستار حجرتها ، تسترق السمع ، و تتسلى بأحاديثهم و مسامراتهم .

    و تأتي الوحدة القرائيةالآتية :

    يقتلني جنبك يا امرأة

    تتسلى من خلف ستار

    لتطرح معنى خفيا و مسكوتا عنه ، و هو قضية اللباس العربي التقليدي ، و بعض الألبسة الأخرى الوافدة على مجتمعاتنا العربية و الإسلامية ، مثل النقاب و اللحاف و الحائك. وهي ملابس فرصتها النظام التركي على المرأة العربية ، و بذلك انقلبت القيم ، فبات الدخيل أصيلا ، و الأصيل دخيلا ، كما هو الشأن بالنسبة إلى السروال الطويل المضبوط على الجسم ، حيث صمم في بغداد في أوج الحضارة العربية الإسلامية أيام المأمون ، و أصبح درجة سائدة إلى أن تفككت الخلافة الإسلامية ، و سرعان ما انتشر في أوربا بدل الجبة بسبب ملاءمته و مناسبته لحركة الجسم ، و مع ذلك وجدنا بعض البيئات العربية تعتقده دخيلا ، بل و صل الأمر إلى اعتبار مرتديه خارجا عن التقاليد و القيم و الأعراف الاجتماعية .

    لذلك تبدو أقطاب الصراع في هذا الخطاب غير متكافئة ، و أحادية التأثير، فجاء التوتر من جانب واحد هو جانب المرسل الذي يملي على المتلقي ، مما يؤكد الوصاية و الأمر السلطوي الذي ما انفك يمارسه العقل الذكوري على الأنثى.كما تبرز الثنائيات الضدية مشكلة صراعا دراميا بين تقاليد الماضي الجاثمة على مصير المرأة العربية و قدرها ( اللآ حب ، الموت فوق الدفتر ،الخوف ، النار ، التسلي من وراء ستار ...) و بين حرية الإرادة ة ، القدرة على التغيير و التجديد ( الحب ، الموت على الصدر ،الجنة ، الغوص ، المواجهة .

















    حرية الاختيار







    - حتمية التجديد - حتمية التقليد

    - الموت على الصدر - الموت على الدفتر

    - الحب - اللا حب

    - الجنة - النار

    -الغوص - الخوف

    -المواجهة -( خلف ستار)



    صراع الثنائيات الضدية



    نهاية = التحسر و التمني



    أما الإيقاع الموسيقي فجاء خارجيا محمولا على تفعيلة الخبب التي جاءت سريعة متلاحقة مترددة يواكبها صوت الراء التكراري . و على الرغم من إهمال نظام البحر و القافية و حرف الروي جاء النص متشاكلا ملتزما بروي واحد تتوازى فيه إيقاعات القوافي التي تتعانق دون أن تتقاطع ، لتحاضر داخلها إيقاعات أخرى ثانوية تقاطعها و لا تشكلها ، كما يتضح من الرسمة الآتية :



























    اختاري

    أشعاري

    وسطى

    النار

    قومي

    انفعلي

    انفجري

    المسمار

    الأمطار

    خائفة

    مشواري

    ابتعدي

    قرار

    كبرى

    الأقمار

    امرأة

    ستار

    الإعصار

    و قد أضفى هذا التوازي على النص مسحة ترددية توحي بعدم ثقة الشاعر في حصول ما يدعو إليه ، و هو دخول المرأة الأنثى أو المرأة الرمز إلى العالم الذي حاول أن يرسم فضاءاته المؤملة ، لتنتهي القصيدة بحسرة و تشوق إلى روح التغيير ، و لكن عن طريق التمني اللامتناهي في اتجاه الأنا الساعية إلى مغادرة الواقع في نفس الآخر رغم الانشداد الدائم إليه .

    أه لو حبك يبلعني ..

    يقلعني مثل الإعصار .

    و أخلص إلى أن هذا المنهذج الذي يدعى منهجا سيميائيا (14) لم يحظ باتفاق بين الدارسين (15) ، و أدى هذا الأمر إلى غياب نظرية شاملة تقوى على استكناه النص الأدب بما يشفي الغليل ، وما نجده سوى آراء تسعى إلى إضاءة بعض جوانب النص دون بعضه الآخر، و مرجع ذلك إلى أن الخطاب الأدبي تتحكم فيه نوازع كثيرة : نفسية ، و اجتماعية ، و ثقافية ، و حضارية ، تعمل على اتجاهات فكرية في الدراسة و كلها تسعى إلى كشف الجوانب الغامضة في العمل الأدبي للوقوف على مواطن الإبداع ، و الجمال فيه ، و نسجل أن هناك من لم ينظر في المبادئ ، و إنما نظر إلى مسلمات التطبيق ، ومن ثم فلا عجب أن نرى تمحل بين حين تحليله لنص إبداعي قد لاتلائمه هذه الآلة السيميائية أو تلك .





    الهوامش الإحالات :



    1- انظر على سبيل المثال كتابة / الاسمالعربي الجريج 1980 و غيره .

    2- محمد عزام م . س . ص 42 .

    3- رولان بارت – مبادئ علم الأدلة ، ت / محمد البكري دار الحوار ، اللاذقية 1990 ص 66.

    4 –J . COOUET . SEMANTIOUE DE PARIS . H . P . PARIS 1970 ? P 54.

    5- مونان جورج ، مقدمة للسيميولوجيا ، باريس 1970 ص 196 .

    6- دو سوسير ، محاضرات في الألسنية العامة ، ت / صالح القرمادي و آخرين ، الدار العربية للكتاب طرابلس ليبيا 1985 ص 36 .

    7- محمد عزام ، م . س . ص 17 .

    8- انظر / محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري ، استراتجية التناص ، مركز التعاون العربي بيروت 1980 ص 110 و ما بعدها .

    9- فؤاد منصور – حوار مع جوليا كريستيفا ، مجلة الفكر العربي ، عدد 18 / 1982 بيروت ص 122 .

    10- العدسة المقعرة فيزيائيا تعمل على تشتيت الأشعة و توسيع الرؤية على عكس العدسة المحدبة أو اللامعة التي تعمل على تجميع الأشعة في بؤرة واحدة .

    11 – جوليا كريستيفا ، برنامج حساء المعرفة ، قناة التلفزة الفرنسية الأولى ، أبريل 1998

    (12) ينظر جان كوهن ، بنية اللغة الشعرية ، ترجمة محمد الولي

    و محمد العمري ، ص 75 ، دار توبقال للنشر ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط1 ، 1986 ، و د / محمود أحمد

    نحلة ، لغة القرآن الكريم في جزء عم ، من ص 334 إلى 346 ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1981 ، و عباس محمود العقاد ، أشتات مجتمعات في اللغة و الأدب ، ص 49 ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 5 ،

    (13) ينظر بومعزة رابح : تصنيف لصور الجملة و الوحدة الإسنادية الوظيفية و تيسير تعلمها في المرحلة الثانوية ، رساة دكتوراه ، جامعة الجزائر ، 2004-2005، ص 152..

    (14)- سعيد حسن بحيري ، علم لغة النص ، مكتبة لبنان ناشرون 1997 ، بيروت ، ص 33 .

    و ينظر نزار قباني ، قصائد متوحشة ، مطبعة منشورات نزار قباني ، بيروت ، ط 4 / 1973

    . وأنظر ، مثلا ، مارسيلو داكسال ، الإتجاهات السيميولوجية المعاصرة ، ترجمة حميد لحمداني ، و أخرون ، إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، 1987 ، و بيير جيرو ، علم الإشارة ، السيميولوجيا ، ترجمة د / منذ عياشي ، طلاس للدراسات و الترجمة و النشر و دمشق ، ط 1 ، 1988 ، ورولان بارث ، مبادئ في علم الدلالة ، ترجمة محمد البكري ، الدار البيضاء ، 1987. و ينظر تحدث د / شكري عزيز الماضي عن هذه الخلافات ، أنظر كتابه ، في نظرية الأدب ، ص 9 ، و تواليها ، دار الحداثة ، لبنان ، بيروت ، ط1 ، 1986 .

    (15) ينظر ، في قضايا الدال و المدلول ، ابن جني ، الخصائصض ، ج 2 ، ص 152 ، تحقيق محمد علي النجار ، دار الكتاب العربي ، وفردينان دي سوسير ، دروس في الألسنية العامة ، تعريب صالح القرمادي و آخرون ، ص 109 ، الدار العربية للكتاب ، تونس ، 1985 ،










      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 9:16 am