منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Empty المقاربة الأسلوبية للنص الشعري

    مُساهمة   الجمعة ديسمبر 09, 2011 12:38 pm

    محاضرات






    في
    مناهج تحليل النصوص


    [center]المقاربة الأسلوبية
    للنص الشعري




    التطبيق/ قصيدة الخنساء يؤرقني
    التذكر



    المحاضرة الأولى:



    ظهر مصطلح "الأسلوبية "أو علم الأسلوب كترجمة للمصطلح الغربي stylistique s خلال القرن التاسع عشر؛غير أن
    مفهومها لم يتحدد إلا في مطلع القرن العشرين، وكان من أهم مؤسسيه اللغوي السويسري
    شارل بالي
    Charles
    Bally(1865-1947) وتعدّ
    الأسلوبية فرعا من اللسانيات غير أن هدف الدرس فيهما يختلف؛ ذلك أن اللسانيات تهتم
    باللغة في عمومها وفي نمطها العادي مما يستخدمه المتكلمون منطوقا في التواصل
    اليومي .أما الأسلوبية فتدرس الخصائص الفردية في الكلام



    وهذا بأن تتولى الإجابة عن الكيفية
    التي يقول بها الأديب اللغة أي دراسة النموذج الخاص الذي تصاغ فيه اللغة وتوظّف
    وبهذا تكون الأسلوبية وصفية تقييمية تحاول الالتزام بالموضوعية منطلقة من تحليل
    الظواهر اللغوية والبلاغية للنص.






    مفهوم الأسلوب:




    لعلّه لم يشهد مصطلح تعريفات مختلف فيها ومتنوعة مثلما شهده مفهوم الأسلوب، ذلك أنه خضع لتعريفات متنوعة المشارب بحسب المنظور
    المعرفي الذّي يعرّف من خلاله،
    ففي علم النفس يعد الأسلوب هو السلوك وفي الفقه
    اللغوي هو الشيء المتضّمن في الكلام وفي البلاغة هو المتحدّث وفي الأدب هو الفرد
    وفي اللسانيات هو اللغة.



    وأمام هذا الكم الهائل من التعريفات وتوخيا للإيجاز الملم نورد مجموع
    التعريفات التي ساقها الدكتور صلاح فضل قصد الإلمام بالمفهوم في أبعاده المتنوعة:



    أولا: مجموعة
    التعريفات التي ترد الأسلوب طبقا للنموذج التواصلي المعروف في الدراسات الإنسانية
    إلى المرسل ابتداء من تعريف "دي بوفون" الشهير المختزل لدينا في عبارة
    يسيرة وهو "الأسلوب هو الرجل نفسه" على ما فيه من طابع مجازي إلى تلك
    التعريفات الأخرى التي تميّز الأساليب باعتبارها خواص للكتابة المحددة المجسّدة
    للطابع الشخصي للكتابات والممثلة لملامحهم التعبيرية المميزة مثلما البصمة ممثلة
    للشّخص ... وتتصل بذلك أيضا مجموعة التعريفات التي تنظر إلى الأسلوب باعتباره
    اختيارا لغويا بين بدائل متعددة، إذ إنّ الاختيار سرعان ما يحمل طابع صاحبه ويشي
    بشخصيته ويشير إلى خواصه.



    ثانيا: تعريفات
    تتركز حول الخواص المتمثلة في النص ذاته بغض النظر عن قائله كما تتجسّد موضوعيا في
    الأعمال الأدبية،
    وعندئذ تبرز تعريفات الأسلوب باعتباره انحرافا عن
    قاعدة يمكن أن تتمثل في المستوى العادي المألوف، أو بروزا واضحا لخواص نوعية في
    جسد الكتابة تتبلور المعالم المميّزة له وترتبط بذلك أيضا تعريفات الأسلوب
    باعتباره محصلة مجموعة من الملامح المرجعة بنظام خاص في النص الأدبي،
    بمعنى أنّ
    الملمح الوارد مرة واحدة لا يشكل سمة أسلوبية. لكنها عندما تتجلى بالتكرار بإيقاع
    محدد يصبح حينئذ سمة أسلوبية.






    ثالثا: تعريفات
    تحاول أن تمسك بالأسلوب بالنظر إلى الطرف الثالث في التواصل وهو
    "المتلقي" وترتبط بشكل ما بالطرفين السابقين مع التركيز على المتلقي
    باعتباره هو الذي يميّز بين الخواص الأسلوبية ويدركها ويكشف انحرافها وبروزها على
    طريق ما تحدثه من أثر وما تقوم به من وظيفة وحينئذ يتجلى مفهوم القارئ النموذجي
    الذي قدّمه "ريفاتير" لكي يصبح هو محور التّعرف على الخواص الأسلوبية
    وتصبح الاختيارات المتعلقة به والتحليلات المرتبطة بردود فعله هي منطقة تحديد
    المعالم الأسلوبية وإخضاعها للتعليل والتفسير.1



    انطلاقا من هذه التعريفات المعبّرة عن تعدد المنطلقات النظرية يكون بمقدورنا
    تحديد مجال الأسلوبية على اعتبار أنّ ما هو مطلوب منها محاصرة وقائع الأسلوب لا
    إبداء أحكام قيمة أي أن اهتمامها ينصبّ على وصف شعرية النصوص الأدبية مبرزة بذلك
    خصائصها الفنية مما يجعلها تقف عند حدود حمالية القول وتهتم بالمعنى اللغوي سواء
    أكان حقيقياأم مجازيا وهذا أمر طبيعي إذا ما اعتبرناها وريثة البلاغة
    الإنشائية.





    موضوع الأسلوبية :




    إنّ الأدب هو نمط خاص من التواصل اللساني وخصوصيته هذه تمثل الكلمة المفتاح
    حيث إنّ الموضوع الرئيس للأسلوبية هو الكشف عن خصومية النص الأدبي المتمثلة في
    أسلوبه حيث يرى "ريفاتير" أن الأسلوبية قد أخذت على عاتقها دراسة الفعل
    التواصلي في بعده الأدبي " لا كنتاج خالص لسلسلة لفظية،
    ولكن باعتباره حاملا لبصمات شخصية المتكلّم وملزما
    لانتباه المرسل إليه. وخلاصة القول
    ، إنّها تدرس المردودية اللسانية عندمايتعلّق
    الأمر بتبليغ شحنة قوية من الخبر"2
    .بمعنى أن اللغة بالإضافة إلى تعبيرها عن الأفكارفهي
    تعبّر بصفة أساسية عن العواطف .



    وحتى نتبيّن وظيفة اللغة الأدبية علينا أن نستعرض خطاطة نظرية التواصل
    لرومان ياكبسون التي استثمرها اللسانيون كثيرا حيث إنّها فتحت المجال نحو تحليل
    خصب لها خاصة فيما يتعلّق بالمعينات
    Les embrayages:





    الشفرة (اللغة)


    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image001الباث أداة النقل أو القناة (المتلقي





    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image002المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image002المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image003 الرسـالةؠ قارئ ،مستمع)


    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image004 (الكاتب)كتاب، جريدة راديو ،منبر


    المقاربة الأسلوبية للنص الشعري Clip_image005





    المحتوى أو الموضوع (أفكار - موضوعات)





    تتيح لنا هذه الخطاطة الوقوف على عدة وظائف تؤديها اللغة حيث هناك رسالة (نص، ملفوظ، مؤلف) لها شكل مميز يصنع أسلوبها وتنجم عن هذه
    الخصوصية من كون الشفرة (اللغة) هي نظام من العلاقات متعددّة المعاني إذ يمكن
    للمفهوم نفسه أن يعبّر عنه بطرق مختلفة بواسطة أشكال تكون التعيينات فيها متطابقة
    غير أن التضمينات مختلفة
    ، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء احتمالية اختيار تجميعي
    للأسلوب. ويتحدّد هذا الاختيار انطلاقا من جملة من الشروط:



    أولا: من
    المضمون (الأفكار
    الموضوع القائل ... إلخ) حيث لا يتم توظيف العلامات نفسها للتعبير عن ملاحظة علمية أو إصدار أمر أو رثاءعزيز
    .. إلخ.



    ثانيا: من وظيفة
    الرسالة حيث يتطلّب الأمر غاية ووسائل وتحدّد الغاية بالنظر إلى مقاصد المتكلّم
    اتجاه المخاطب فهو إما يريد إعلامه أو تثقيفه أو إقناعه أو إثارته أو مواساته ...
    إلخ،
    أما أداة النقل فهي إما شفوية أو كتابية ممثلة في كتاب أو جريدة أو سرح أو
    منبر أو سرد أو شعر. غير أنّ الوظيفة الأكثر أهمية للأدب هو تحديد موضوع الملفوظ
    في علاقته بالكلام فإذا أخذنا على سبيل المثال جملة من نوع الشمس تشرق من المشرق
    فإنّ هذا الملفوظ الأدبي يكوّن قضية يؤول معناها انطلاقا من شفرة (اللغةالعربية)
    أو كلمات هي الشمس
    تشرق من - المشرق أي
    إنها تحيل إلى مضمون موضوعي مستقل عن الباث وعن الظروف التي صاحبت بث الرسالة.
    إلاّ أنه في المقابل إذا قال أحدهم
    "أعد بالحضور غدا إلى هنا " فإنّ هذا الملفوظ يكون غير مقابل لأن
    تحلّ شفرته إذا ما عدمنا المعيّنات المحدّدة للباث (الشخص المتكلّم) والمكان
    المتواجد فيه في أثناء التلفظ وزمن التلفظ. وبهذا فإنّ اللغة تمتلك جملة من
    العلامات لها خصوصية وهي ألاّ تكون دالة إلا بالنظر إلى فعل التواصل "وخلاصة
    القول إنّ الرسالة تتحدد انطلاقا من مضمونها بالنظر إلى شفرتها المعجمية والنحوية
    من جهة ومن" فعل الكلام" (أو الكتابه) أي انطلاقا من الفواعل المتكلّمة
    والظروف التي أحاطت عملية التكلّم من جهة أخرى: ذلك أن للكلام زمن ومكان وللملفوظ
    زمن ومكان كذلك وتتعقّد هذه العلاقة في حالة ما إذا أنطق الفاعل المتكلّم الشخص
    الذي يتكلّم عنه وحيث يدمج ملفوظا في ملفوظه. وهنا يتعيّن لنا أنّ توظيفا
    المعيّنات يشكل أحد أهم الوسائل للكاتب بما أنها تسمح له بتحديد العلاقة بين المؤلف
    (الملفوظ)
    énoncé وكاتبه (التلفظ) énonciation
    (3)"(


    المحاضرة الثانية


    معايير تحليل الأسلوب:


    إنّ الحديث عن الأسلوبية هو في واقع الأمر حديث عن أسلوبيات متنوعة المشارب
    ومختلفة الرؤى وقد تختلف فيما بينها تارة وتتفق أخرى أو تتقاطع أحيانا. على أن
    اهتمامنا ينصب على أسلوبية اللغة التي لها كهدف تصنيف آثار الأسلوب حسب الأصناف
    التي تحتويها وهنا نكون أمام أسلوبية ثلاثية:



    أ أسلوبية وظيفية Stylistique Fonctionnelle :وتتمثل في دراسة القيم الأسلوبية تبعا للاحتياجات
    الخاصة للتواصل.



    " ودراسة الأسلوب هنا تقرر أن كل كلمة إنما هي جزء في جملة و أن كل
    جملة جزء في فقرة وأن كل فقرة جزء في موضوع .وعلى الباحث أن يدرس وظيفة كل هذه
    الأجزاء في "سياق " العمل الفني .ويمكن أن تتسع دوائر البحث في
    السياق في قصيدة واحدة أو في قصة إلى البحث في ديوان كامل أو في أعمال المؤلف كلها
    أو في فن برمته حتى إنه يمكن الوصول إلى الخصائص الأسلوبية لثقافة بذاتها "4



    ب أسلوبية توليدية Stylistique génétque : والتي تتولى دراسة الإمكانات الأسلوبية الخاصة بكاتب ما أو بجماعة كتاب
    حيث إنّ اختيار بعضا من هذه الإمكانات اللغوية دون الأخرى يتحدّد انطلاقا من
    ثقافته ورؤيته للعالم ومزاجه .. إلخ.



    وتصنف الأسلوبية التوليدية اللغة في بنيتين أساسيتين هما مستوى البنية السطحية (الشكل ) ومستوى البنية
    العميقة (المضمون) . والفرضية الأساسية التي تعتمد عليها دراسات الأسلوبية
    التوليدية هي، مكانية فصلالبنيتين



    والنظر إلى الصيغ التوليدية المتعددة باعتبارها دوالا شكلية متنوعة لمدلول
    واحد ؛حيث يربط بين البنيتين مجموعة من التحويلات الإجبارية



    والاختيارية التي لا تحدث تغييرا على
    المعنى (المدلول) في أساسه وإنما تحدث مجرد تنويع شكلي له 0 وبهذا يعد اختيار
    الكاتب لتحويل معين



    واستغلاله لاختيار بعينه من جملة الاختيارات التي تتيحها له اللغة معيارا من
    المعايير التي تشكل أسلوبه 0"ولعلّ النظرية التوليدية تتميّز عن النظريات
    البنيوية بأنها تقدم نموذجا للقدرة الكلامية ويعني ذلك أنها تستطيع توصيف التعبيرات
    أو العبارات القائمة فعلا، بل تتجاوز ذلك إلى توصيف المبادئ التي تتحكم فيما نقول، أي أنها تقدّم تفسيرا للقواعد
    اللغوية التي تتحكم في إصدار الكلام وفهم المتلقي له
    وتتميز النظرية التحويلية التوليدية بتفضيلها المنحى
    الفلسفي العقلاني
    ويعني ذلك أن اللغويين التحويليين يهتمون بدراسة
    اللغة كنظام عقلاني، أي كأنموذج يظهر المبادئ اللغوية الشاملة



    وليس كنمط في الاتصال."5 و لقد أدى ابتعاد الأسلوبية التوليدية عن المنحى السلوكي الذي تبنته الاتجاهات الأسلوبية
    الأخرى إلى تجاهل العديد من المتغيرات الدلالية العميقة الناجمة عن المتغيرات
    الشكلية السطحية مما أدى إلى قصورها في مقاربة الظاهرة الأدبية وبالتالي عجزها عن
    أن تكون بديلا للنقد الأدبي .



    أسلوبية وصفية Stylistique descriptive :وتتمثل في إحصاء القيم الأسلوبية للغة (المشتركة)
    ومن ثمة إحصاء الإمكانات التي تمنحها هذه اللغة ل
    اختيار الكاتب بحسب التأثيرات الخاصة التي يريد
    إحداثها في النص
    () ويعدّ هذا النوع من الأسلوبية أكثر الأنواع حداثة
    وتعقيدا تتولى الإجابة عن التساؤل التابع:



    كيف تؤثر النصوص الأدبية القرّاء؟ وحتى تتمكّن من وصف النتائج الناجم عن فعل
    الكتابة من خلال مردوديتها على القراء عليها أن تقدّم أداة إجرائية للعمل والتي هي
    أساس كل أسلوبية بما هي تطبيقية إجرائية. وهنا يقوم الأسلوبي بعملية استبطان
    للقارئ ويجد نفسه ملزما بتقديم المفاهيم الدامغة لما يمكن أن يشكل ظاهرة أسلوبية.



    ومن بين الإجراءات المحدّدة للأسلوب والراصدة له ما يلي:


    1- الأسلوب باعتباره انزياحا (عدولا): (écart) لا يمكن تحديد الانزياح في الأسلوب إلاّ بمقارنته
    بالقاعدة اللّسانية المتعارف عليها أي مقارنة الاستعمال الأدبي للغة بالاستعمال
    المعياري لها.



    ويتحقق الانزياح بزيادة المضمون المعلوماتي في الرسالة ورفعه حيث إنّ
    المعلومة المقدّمة بواسطة وحدة لسانية هي عكس احتمالية ظهورها في الخطاب إذ نكها
    كانت المعلومة غير متوقعة الظهور حدثت الزيادة في المضمون المعلوماتي فبدل أن يقول
    الشاعر مثلا "البحر أزرق" ومن ثمة لا يأتي بأي مفاجأة أو معلومة فإنّ
    الشاعر الرمزي يبدع عندما يقول "البحر بنفسجي" وبهذا يعمل على رفع كمية
    المعلومة وزيادتها**.



    ولقد قام الدكتور منذر عياشي في كتابه "الأسلوبية وتحليل الخطاب بتقديم
    صورة مبدئية عن الانزياح وهذا بعرضه لأربعة أنواع منه أوردها وفق ما يأتي:



    1- انزياح عنصر من العناصر
    المكوّنة للنص عن مقصود عنصر سابق عليه مما يؤدي إلى قطع التتابع الدلالي،
    وكسر
    السياق وتمزيق التناغم الداخلي
    ، وتفتيت الوحدة المعرفية الأساسية لتنامي النص، وجعلها
    وحداتيربط بينها عنقود الوزن وعقد الإيقاع. وقد تسمى العرب هذا الضرب من
    الانزياح: "المتنافر". ومثال ذلك قول حبيب بن أوس:



    محمد إن الحاسدين حشود * وإنّ مصاب المزن حيث تريد


    2- انزياح النص عن وحدته
    المنطقية،
    واحتواؤه على المتناقضين كقول أبي تمام:


    لعب الشيب بالمفارق بل * جدّ فأبكى تماضرا ولعوبا


    يا نسيب الثغام ذنبك أبقى *
    حسناتي عند الحسان ذنوبا



    ولئن عين ما رأين لقـد *
    أنكرن مستنكرا وعبن معيبا



    حيث نجد النص يضع أمامنا صورة لحسان يبكين مشيب الرجل أولا، ثم يفاجئنا فيكشف عن معنى آخر يعبن فيه الرجل على
    مشيبه.



    [و من أمثلته أيضا قول الخنساء
    في رثاء أخيها صخر



    فلم أر مثله رزءا لجن ولم أر مثله رزءا لإنس ()


    ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسـي


    فالشاعرة بعد أن نفت مطلقا مشاركة الخلق لها في مصابها المتمثل في فقد الأخ
    تعود لتثبت أن تصبرها على المصاب إنما تأتى بسبب مشاركة الكثير من الناس الشاعرة
    مصابها ]



    3 - مخالفة النص لنفسه وانزياح العبارة فيه عن غاية
    المتكلم
    ، فقد ذكر المرزباني أن أبا تمام قال مادحا:


    وكن كريما تجد كريما *
    تخطى به يا أبا المغيث



    وقوله "كن كريما إنما يقال للئيم".


    4- انزياح النص عن الشيفرة
    اللغوية المتعارف عليها،
    كقوله تعالى: "وهوجعل لكم الليل
    لباسا" فلفظ "اللباس" ليس من خواص الليل
    ، كقولنا: "الليل مظلم أو أسود، أو مخيف إلى آخره. والجدير بالذكر، أنّ كل
    هذه الأمثلة ما كانت لتؤدي وظائفها لو لم تكن قائمة على هذا النوع من الانزياح أو
    ذاك،
    وهذا يعني أن الوظيفة هي التي تعطي الأسلوب الذي يتجلى التعبير فيه هيئته
    المخصوصة التي فيها المعيار وانزاح عنه"(6).






    2الأسلوب باعتباره اختيارا:


    منذ القديم، تفطّن البلاغيون العرب لهذا الإجراء الأسلوبي فأولوه
    عناية خاصة وهذا بأن بحثوا سمات أسلوبية من شأنها أن تحدث أثرا في المتلقي وتخلق
    فرادة أسلوبية لدى المرسل وذلك من خلال دراستهم الظواهر اللغوية المختلفة من مجاز
    وكناية وتقديم وتأخير وحذف وذكر وفصل ووصل وغيرها خاصة عند القاهر الجرجاني في نظرية
    النظم.



    أمّا عن المحدثين فقد حدّد Vender Gabelentzموضوع الأسلوبية بأنه دراسة الاختيارات التي يمنحها المؤلف لإمكانات لغوية
    معيّنة في حين رأى "ما روزو"
    Marouzou بأنها تدرس "المظهر
    والنوعية الناجمين عن اختيار واحدة من بين هذه الإمكانات اللغوية التي تصنعها
    اللغة في خدمة كل باث ويمكن الانتباه لهذا الاختيار بمقارنته بما يسميه
    "ماروزو" الحالة المحايدة أو الدرجة الصفر للأسلوب. ويذهب "ليو
    سبتزر"
    Leo
    Spitzer إلى أن
    الأسلوبية تحلّل التفعيل الإجرائي للعناصر المقدّمة"(7)



    3- الأسلوب باعتباره تضافرا: Convergence والمقصود بالتضافر "الإركام لكثير من الإجراءات
    الأسلوبية المستقلة في نقطة واحدة معطاة بحيث يكون كل واحد منها معبّرا في ذاته
    بمفرده. وكل إجراء أسلوبي معالمجموع يضيف تعبيريته إلى تعبيرية الإجراءات
    الأسلوبية الأخرى. وعلى العموم فتأثيرات هذه الإجراءات الأسلوبية تتضافر حول تقوية
    مثيرة للانتباه بطريقة متميّزة"8
    ذلك أنه يمكن مثلا ألاّ نتفطّن لتوظيف كلمة مهملة
    غير أنّ تأليفها مع كتابة مهملة وبناء لغوي مهمل من شانه أن يؤدي إلى ملاحظتها
    كسمة أسلوبية مما يجعل التضافر منبّها أسلوبيا.



    من خلال هذه المعايير المحدّدة للسمات الأسلوبية في النص الأدبي نتبيّن أنّ
    هذا النوع من الأسلوبية موجه نحو القارئ بالدرجة الأولى حيث أن "كل إجراء
    أسلوبي حدّدت هويته بادئ ذي بدء بواسطة القارئ النموذجي
    ، يمتلك كسياق خلفية ملموسة دائمة، وكل من
    الإجراء الأسلوبي والخليفة لا يوجد أحدهما بدون الآخر"(9)






    ). وتشكل هذه الإجراءات الأسلوبية
    متغيرات أسلوبية تقدّمها اللغة للمنشئين كإمكانيات موجودة بالقوة لتتحوّل في
    نصوصهم إلى خاصيات أسلوبية متحققة بالفعل ومحاولة منا لذكر أنواع المتغيّرات
    الأسلوبية الأكثر إلحاحا في البحث الأسلوبي نقدّم بعضا منها كما ساقها الدكتور سعد
    مصلوح في كتابه "في النص الأدبي"( مع بعض التصرف والأمثلة الموضحة ).



    1- المتغيّرات الصوتية:


    - التشاكل المقطعي، الكلمات
    الموحية -
    أنساق نبر الكلمات - الوزن العروضي، قافية الصدارة - الجناس بأنواعه "التام والناقص".


    - السجع نظم التقفية ومنها:


    أ - القافية التامة "ويراعي فيها التطابق التام".


    ب - لزوم ما لا يلزم.


    جـ - القافية البصرية "وتقوم على التطابق في الرسم الكتابي دون
    النطق".



    د القافية الناقصة "وتقوم على التشابه والتطابق في النطق ومنها ما يسمى
    بمصطلح العروضيين الأكفاء والإجازة والسناد بأنواعه".



    هـ - القافية السمعية "ويراعي فيها تطابق الانطباع السمعي دون الرسم
    الكتابي".



    - القلب الإحالة طول الكلمة حسن الوقع تماثل الصوائت تماثل الصوامت انسجام الصوائت.


    2 - من المتغيّرات الصرفية:


    - أقسام الكلم "الاسم، الفعل، الصفة، الظرف، الضمير، حروف المعاني".


    - الصيغ الصرفية "الأفعال، الجموع، المصادر، المشتقات".


    - مبتكرات الصيغ.


    3- المتغيّرات التركيبية:


    - المركبّات النحوية:
    "المركّب الجرّي/ الظرفي/ النعتي / البدلي / العطفي".



    - أنواع الجمل: "اسمية /
    فعلية / بسيطة/ مركبة/ معقدة/ إنشائية/ خبرية".



    - التنافر والتعقيد التركيبي.


    - جمع مباحث علم المعاني في
    البلاغة العربية.



    - المجاز بالحذف "من مباحث
    علم البيان".



    - البعد التركيبي من المقابلة.


    - البعد التركيبي من التشبيه
    والاستعارة والمجاز المرسل.



    - الصحة النحوية.


    - التقديم والتأخير.


    4- من المتغيّرات الدلالية:


    - الوحدات المعجمية.


    - المفردات المهجورة (المهملة).


    - المفردات الدخيلة.


    - التركيز والتشتت في توزيع
    المفردات.



    - المولد.


    - تنوّع المفردات.


    - البعد الدلالي للاستعارة
    بأنواعها.



    - البعد الدلالي للتشبيه والمجاز
    المرسل والكناية.



    - فنون بديعية في التراث البلاغي
    مثل الطباق -المبالغة -
    الغلو-... إلخ.10






























    المحاضرة الثالثة :



    الأسلوب والتكرار:


    أ تكرار حرف أو أكثر:


    في كثير من الأحيان يعمد الكاتب إلى تكثيف كمّ من الحروف ذات صفات ومخارج
    واحدة "وينطلق جان بيار شومري لابري من مبدأ أساسي هو أن بعض القصائد تستمد
    إيقاعها موسيقاها من وجود نظام داخلي ضمني غير معلن من التواترات الصوتية
    والدلالية المميّزة ،
    مستقل تمام الاستقلال عن التنسيق التركيبي
    النحوي لهذه القصائد ويضاف نظام التواترات هذا إلى نظام القافية الخارجي الصارم
    والمقنّن"(11) وينجم من تكرار حرف أو أكثر هندسات صوتية تسهم في إحداث أثر
    وإيقاع خاصين كما تعمل على شدّ انتباه المتلقي إلى كلمات مخصوصة محدثة بذلك تضافرا
    دلاليا. ويكون من المفيد هاهنا عرض الهندسات الصوتية الستة التي أوردها الدكتور
    جوزيف ميشال شريم مستعيرا إياها من الحدث التي توصل إليها "شومري
    لابري":






    1- الهندسة الإيقاعية (وهي تكرار الفونيمات في
    مقاطع نبرية) :



    // ت ـــ ت ـــــــــ / ت
    ــــ ت ــــ //



    نثـر الخـريف على الثرى أوراقه *
    فتناثرت كتناثـر العبرات



    ث +ر ث+ر ث +ر ث +ر





    2 - الهندسة الخاتمة (وهي تكرار الفونيمين في آخر كل
    شطر):



    // ـــــــــــــ ت /
    ــــــــــــ ت//



    وعلى الثرى الأوراق يشبه نثرها *
    آمال هذا العمـر منتثـرات



    ث +ر ث + ر


    3 - الهندسة الفاتحة (أي تكرار
    الفونيمين في اوّل كل جزء أوشطر)



    // ت ـــــــــــــ / ت
    ــــــــــــ //



    والسـر وملتفـع بثـوب حداده *
    والصمت منتشر على الأموات



    و + س و
    + ص






    4- الهندسة المحيطة (أي تكرار الفونيمين في أول الجزء
    أو الشطر وفي آخرهما):



    // ـــــــــــــ/ ت ــــــــــــ ت //


    وتناثري يا خافقات في الهوا * فحيـا
    تـكنّ قصيرة كحيـاتي



    ح + ك + ت
    ح +ي+ت






    5- الهندسة الرابطة (أي تكرار الفونيمين في آخر الجزء
    وأوّل الجزء التالي
    ، أو في آخر الشطر وأوّل الشطر التالي):


    // ـــــــــــــ ت / ت
    ـــــــــــــ//



    يتركن أغصانا ألفـن عناقـها
    * ويقعن فوق الأرض مضطربات



    ع+ن+ق
    ق+ع+ن






    6- الهندسة التأليفية (أي انتشار التنسيق على جزء عروضي
    بكامله):



    // ـــــــــ ت (ف) ت /
    ــــــــــــــ //





    وإذا الطبيـعة وجهـها متجّـهم
    * عربت من الأزهار والبسمات(






    ح + هـ / ج هـ



    ب تكرار كلمة:


    "وهذه قضية هامة لأن الشاعر
    يستطيع بتكرار بعض الكلمات أن يعيد صياغة بعض الصور من جهة،
    كما يستطيع أن يكثف الدلالة الإيحائية للنص من جهة
    أخرى"(12)






    جـ تكرار الجملة:


    إنّ تكرار الجملة هو الملمح
    الأسلوبي الأكثر بروزا لتلاحم النص. فهو يدخل في نسيجه لحمة وسدى
    ، ويشد أطرافه بعضها إلى بعض ويعطي شكله نوعا من
    الحركة يدور فيها الكلام على نفسه ويتكرر دون أن يعيد معناه. والمثل الجلي الذي يمكن
    أن يعطي في هذا المجال هو "سورة الرحمن". حيث تتكرر الآية فيها
    "فبأيّ آلاء ربكما تكذبان" إحدى وثلاثين مرة مع أنّ عدد آياتها لا
    يتجاوز ثمانيا وسبعين آية بما في ذلك الآية المكررة
    ، أي أن التكرار يتجاوز الثلث إلى النصف
    تقريبا"(13))كما نسوق كمثال على تكرار المعنى قول حسان بن ثابت في رثاء
    الرسول- صلى الله عليه و سلم
    و ما فقد الماضون مثل
    محمــد ولا
    مثله-حتى القيامة
    يفقـد()


    فجودي عليه بالدموع، وأعولي لفقد الذي لا مثله الدهر- يوجد


    نلاحظ أن حسانا في هذين البيتين قد جمع بين نوعين من التكرار هما تكرار
    المعنى حيث نجد معنى تفرد الرسول - صلى الله عليه وسلم
    بنموذج لا يتكرر أبد الدهر حاضرا في البيتين وتكرار
    النمط النحوي أي البناء الشكلي للجملة (لا مثله
    )


    ولا تفوتنا الإشارة في هذا المقام إلى أن القرآن الكريم والحديث النبوي
    الشريف يكثر فيهما لدواعي مختلفة ومتباينة يحددها السياق عادة . وكنموذج لتكرار
    الجملة في الحديث النبوي نأخذ حديث الشفاعة العظمى فقد جاء في آخر المقطع الأول من
    المتتالية الأولى على لسان بعض الناس :" ألا ترون ما أنتم فيه ، ألا ترون ما
    قد بلغكم " لتتكرر هذان الجملتان عند
    نهاية كل المتتاليات لكن بتغيير طفيف يتمثل في استبدال ضمير المخاطبين (أنتم)
    بضمير المتكلم الجماعي(نحن ) مع إسناد الفعل إلى ضمير المخاطب (أنت) "ألا ترى
    ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا " وتنجم عن هذه الألفاظ المتواترة جمل تتواتر
    بدورها فيما يسمى بالتكرار التام كإجابة عن الطلب من قبل الأنبياء المتشفع بهم
    "نفسي ،نفسي اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى [..]"



    وكلما تواترت هذه الألفاظ فإنها
    تؤزم المشكلة وتعمق وقع الإحساس بها لأنها تسير في خط بياني تصاعدي يشعر الناس أن
    الموقف عظيم ورهيب ناس أن الموقف عظيم ورهيب إلى أن يصلوا إلى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم
    إن المتتالية تتكرر خمس مرات وفق مراحل ثلاث :


    [ياما قد بلغنا ] [إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده
    مثله
    نفسي نفسي ]


    المرحلة الأولى المرحلة الثانية


    [ اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى]


    المرحلة
    الثالثة



    إن تقيد خطاب الأنبياء بهذه المراحل الثلاث والتزامهم بها يحمل شحنة دلالية
    تعلّل أمر سيادة الرسول الكريم محمد وتؤكدها ،إذ كلما تواترت عادت الجماعة من
    الناس إلى نقطة الانطلاق التي ابتدأ منها سعيهم .ومن هنا نستخلص أن وظيفة
    التكرار في حديث الشفاعة العظمى تتمثل في إبراز موضوع القصة بشد انتباه المتلقي
    إليه وكشف مشروعية السابقة الإعلان التي ابتدأ بها السرد
    أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك ؟بتحرر السرد من الذاتية المتواترة في الوحدة الأولى
    "نفسي ،نفسي"



    واستبدالها بالغيرية "أمتي، أمتي" لتكون بذلك الوحدة الثانية
    متفردة من حيث البناء الشكلي ومغايرة دلاليا [فأنطلق
    ]


    من خلال ما نقدم، يمكن إجمال هذه المتغيرات الأسلوبية في نموذج تحليلي ذي
    مستويات ثلاثة:



    أولا: المستوى الصوتي.


    يتطلب هذا المستوى الإلمام بالخصائص الصوتية في اللغة العادية ومن ثمة العمل
    على رصد الظواهر المنزاحة عن النمط التي تشكل حدثا أسلوبيا والبحث في دلالتها فيما
    يفيد دراسة الأسلوب،
    وهنا يكون استثمار الهندسة الصوتية والوقف والوزن
    والنبر ذو وظيفة حيوية.



    ثانيا: المستوى المعجمي.


    ينعكس اختيار معجم النص مباشرة على المعاني وبالتالي ينصبّ الاهتمام أعلى
    دراسة الحقل الدلالي الذي تنتمي إليه الكلمات وصيغها الاشتقاقية وتأثيرها على
    الفكرة والإيحاءات اللغوية حيث تستصحب بعض الألفاظ بمجرد تلفظها ألفاظا أخرى تثري
    الحقل الدلالي وتحليل الألفاظ من حيث الحقيقة والمجاز. ومثال ذلك تواتر كلمة
    "التذكر في قصيدة الخنساء " السالفة الذكر ومرادفاتها تشير إلى المعنى
    المقابل "النسيان المغيب " في النص غير أن ظلالها المبثوثة في حنايا
    النص تعمل على الإرشاد إليه فكلمة "نكس" مثلا التي تعني عود المرض بعد
    النقاهة تصرّح بهذا المعنى وتشي به وكذا التماس المواساة في قولها :



    ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي


    كل هذه المعاني تتضافر لتكشف عن إرادة فعل النسيان ومقاومتها لضغط الماضي .


    ثالثا: المستوى التركيبي.


    ونعمل في هذا المستوى على تحليل الجملة وأنماطها وهذا ببحثها من حيث الطول
    والقصر
    ، التقديم والتأخير، الجملة الاسمية والفعلية، المركب الإضافي والصيغ والبناء للمعلوم والمجهول والفضائل
    النحوية كالتذكير والتأنيث والتعريف والتنكير .. إلخ بالإضافة إلى ما جاء في الجرد
    الذي قدّمه الدكتور سعد مصلوح.إن استثمار الإٌيحاء الدلالي الذي يحمله البناء
    النحوي



    والصرفي ضروري لأن المعنى يتمظهر
    فيه فصيغة " فعّل " المتواترة في قصيدة الخنساء وتحديدا في الصدور
    تشي بالمبالغة في الفاعلية؛ فاعلية الماضي الذي يلاحق الشاعرة "يؤرقني
    التذكر ، يذكرني طلوع الشمس "



    وترد الأفعال المجردة مهيمنة في الأعجاز لتكشف بدورها عن معنى المفعولية أي
    الاستسلام لضغط الماضي الممارس على الشاعرة "فأصبح ،بليت،أذكر ،لن
    أنساك،" ومن خلال هذه الهندسة يبرز
    عنصر الصراع الذي تقوم عليه القصيدة ممثلا في الثنائية الآتية :



    ماضي[زمن+صخر] /مقابل / حاضر [زمن- صخر]


    كما أن مساءلة التنظيم الذي ترد وفقه أفكار النص يعدّ فعّالا وهذا بربط
    أفكار النص بعضها ببعض واكتشاف ما بينها من وشائج لما يحمله تنظيمالأفكار من
    أثر في جلاء المعنى المضمر، ذلك أن السؤال عن جدوى قطع الشاعرة بكاءها على صخر
    لتعدّد مناقبه لتعاود البكاء عليه وهي أكثر إصرارا من ذي قبل يصبح ملحا و مشروعا
    إذا ما استندنا إلى وعي الخنساء بالزمن حيث إن إحساسها به لا يحصل إلا بوجود صخر
    كونه فاعلا عاملا فيه والغير



    والخنساء من بينهم- فاعل حالة فهو مغيثهم وحاميهم ومؤمنهم من الروع
    وويلات الدهر .



    يؤرقـــني التذكر حين أمسي
    فأصــبح قد بليت بفرط نكس



    على صخــر وأيّ فتى كصخر ليوم كريهة وطعان خـــلس


    أشد على صــروف الدهر أي دا وأفضل في الخطوب بغير لبس


    وضيف طـــــارق أو مستجير يروّع قلـــبه من كل جرس


    فأكرمه وأمّنه فأمـــــــسى خلــــيا
    باله من كل بؤس



    ومن ثمة فتوظيف الاستفهام من بين أساليب الإنشاء يكون مبررا إذ يعلن رفضها
    المطلق للزمن الحاضر الذي يخلو من فاعله واستحالة استمرار حياتها فيه في قولها
    "وأي فتى كصخر ؟"



    فيا لهفي عليه ولهف أمي أيصبح في التراب وفيه يمسي؟


    إن انتصار الماضي يبدو جليا في نهاية القصيدة إذ تصرح بموتها الروحي وهذا
    بإعلانها الاعتزال و الزهد في انتظار الموت الحسي بواسطة القسم



    والاستعارة المكنية:


    فلا والله لا أنســاك حتى أفارق مهجتي ويشق رمسي


    فقد ودذعت يوم فراق صخر أبي حسّــان لذاتي وأنسي




    ولعلّ استثمار الوظيفة الشعرية لجناس القلب في كلمة "نكس" الواردة
    في نهاية البيت الأول وقراءتها على أنها "نسك " أي ذبيحة و"سكن
    " يكون ذا فائدة لما ينكوي عليه من تكثيف دلالي يسهم في ثراء النص فتغدو
    الكلمة هي المحور الذي تدور حوله البنية الساسية لدلالة القصيدة :



    ماضي=حياة /مق/ حاضر=موت




    بوسعنا أن نقول في ختام هذا البحث أن الأسلوبية تبقى منهجا يسعى إلى يمدّ
    النقد الأدبي بجملة من الأدوات الإجرائية من شأنها أن تسهم في توجيه التأويلات
    المفسّرة للظاهرة الأدبية ويضع أساسا يطمح إلى العلمية والموضوعية ليتجاوز
    الجزئيات إلى السمات الأسلوبية الكلية وبهذا تضع الأسلوبية الأدوات الإجرائية أمام
    الناقد مصنفة بذلك النص الأدبي تضيفا علميا قصد مساعدته على فهم العمل الأدبي
    ومقارنته مقارنة موضوعية.




    ثبت المراجع :


    1- د. صلاح فضل: مناهج النقد المعاصر/ إفريقيا الشرق
    2002 ص 88
    – 89.





    2-ميكائيل ريفاتير: معايير
    تحليل الأسلوب. ت. د.حميد لحمداني، منشورات دراسات سال. 1993 ص66.






    3-) Pierre Guiraud: Essais de stylistique. Paris
    Edition
    S K Lincksieck P 67


    * الملفوظ في اللسانيات هو
    متتالية دالة تكتفي بذاتها وينظر إليها خارج المقام مما يجعل الملفوظ مقابلا
    للتلفظ حيث يراعي المقام أو السياق.





    4- عبده
    الراجحي /علم اللغة والنقد الأدبي"علم الأسلوب"مجلة فصول ج1ع 2 يناير 1981 ص 117



    5-محمود عياد :الأسلوبية الحديثة : محاولة تعريف ص 128-129


    6-للمزيد من التفصيل أنظر لمرجع أعلاه ص 27 – 28.


    7-للمزيد من التفصيل أنظر Georges Mounin: Chefs pour la Linguistique Editions
    Sighers P 173 – 174.


    ** أنظر المرجع السابق ص 176 – 177.


    8-د. منذر عياشي: الأسلوبية
    وتحليل الخطاب
    ، مركز الإنماء الحضاري 2002 ص 76 – 77..


    9-انظر: George Mounin: Chefs pour la linguistique, P 175.


    10-ميكائيل ريفاتير: معايير
    تحليل الأسلوب ص 60.



    11- المرجع نفسه، ص 54.


    12-للمزيد من التفصيل أنظر سعد
    مصلوح: في النص الأدبي
    دراسة أسلوبية إحصائية لا عين للدراسات والبحوث
    الإنسانية والاجتماعية ط1
    ، 1993، ص 29 وما بعدها.


    13-د. جوزيف ميشال شريم: دليل
    الدراسات الأسلوبية / المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت
    ، لبنان، ط1، 1984، ص90.


    14-المرجع نفسه ص 93 وما بعدها.


    15-د. منذر عياشي: الأسلوبية
    وتحليل الخطاب ص 80.



    16-المرجع نفسه ص 84.





    [/center]

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 9:58 am