منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    ( نظرية المعنى)........

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     ( نظرية المعنى)........ Empty ( نظرية المعنى)........

    مُساهمة   الأحد أكتوبر 14, 2012 2:23 pm



    ( نظرية المعنى عند شراح
    الحديث النبوي الشريف).

    د.حسام قاسم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه اجمعين.
    المقصود بدراسة نظرية المعنى دراسة القضايا النظرية المتصلة بالمعنى،
    ودراسة الإجراءات والأدوات التي استخدمت للوصول إليه، وكذلك دراسة الوسائل
    التي استخدمت للتحقق منه. وفي حضارتنا التي يُجْمِعُ دارسوها على أنها
    حضارة تقوم على القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة تصبح قضية فهم النصوص
    قضية جوهرية، فالنصوص لا تتكلم إنما يتكلم الرجال بما فهموه منها، كما
    أُثِرَ عن أمير المؤمنين عَلِىٍّ رضي الله عنه.
    وقد ذكر البحث أسبابا كثيرة تجعل قضية فهم الحديث الشريف من القضايا المعاصرة الملحة منها:
    1ـ أهمية الحديث النبوي الشريف بوصفه الأصل الثاني للتشريع في
    الإسلام،وبوصفه مفسرا للأصل الأول، مما يعنى ارتباط فهم الحديث بحياة الأمة
    ،وخطورة النتائج التي تترتب على فهمه على كافة الأصعدة.
    2ـ ما أصاب السليقة اللغوية عند العرب من ضعف، جعل الحاجة ماسة إلى منهج واضح ذي إجراءات مقررة تأخذ بأيديهم عند الفهم والتمحيص.
    3ـ كثرة المستجدات والنوازل التي توجب على المجتهد أن يعاود على نحو دائم
    قراءة السنة وفهمها،حتى يكشف عن حكم هذه المستجدات، وفي ظل هذه المعاودة
    تزداد احتمالات سوء الفهم.
    4_ تراكم المشكلات الناتجة عن سوء الفهم عبر
    المراحل التاريخية السابقة، حتى أصبحت عائقا يحول دون تحقيق حد أدنى من
    اتفاق الأمة ، مما يحتم وجود معايير واضحة تُرَاجَعُ التأويلات السابقة
    والحالية على أساسها.
    5 ـ انتشار الجرأة على تأويل النصوص الدينية في العصر الحالي على نحو غير معهود من قبل.
    6ـ ظهور تأويلات يقدمها باحثون من غير المسلمين، ويتعرض لها عامة المسلمين
    عبر وسائل الإعلام، مما يستوجب أن تصبح ثقافة فهم النصوص وضوابط التأويل
    جزءا من الثقافة المتاحة من خلال وجود تنظيرات واضحة سهلة التناول، بحيث
    تكون وسيلة للتحصين الثقافي لمثقفي المسلمين .
    ومن هنا فقد أصبحت هناك
    حاجة ماسة إلى صياغة منهج متكامل يساعد على الفهم ويضبط عملية التفسير،
    مستفيدا من حجم الإنجاز المعاصر في علم الدلالة ونظرية التأويل. ومن
    الطبيعي أن يكون التنظير لما قدمه شراح الحديث النبوي الشريف خطوة أساسية
    في هذا السياق،لا سيما أن هناك كثيرا من الإنجازات الدلالية التي طبقوها في
    شروحهم لم ينظر لها في علم الأصول . وقد قدم هذا البحث تنظيرا لجهودهم كشف
    عن تصورهم لمعنى المعنى، وآرائهم في القضايا المتصلة به، وحدد الوسائل
    التي استخدموها للوصول إلى المعنى، ومهد لوضع الجهود التي قدموها في مكانها
    بالنسبة للجهود المقدمة في إطار كيفية فهم النصوص، سواء الجهود القديمة
    المتمثلة أساسا في المباحث اللغوية لعلم أصول الفقه، أو الجهود الحديثة
    المتمثلة في النظريات المعاصرة المفسرة للمعنى.
    وتأسيسا على هذه
    الأهداف قُسِّمَ البحث إلى ثلاثةِ مباحث، خُصِّصَ المبحث الأول لدراسة
    ماهية المعنى عند شراح الحديث محاولا أن يجيب عن أسئلة من قبيل: ما معنى
    المعنى عند شراح الحديث النبوي الشريف؟ وما أنواع الدلالات التي توقفوا
    عندها؟ وما علاقة تصنيفهم للدلالة بمفهوم المعنى عندهم ؟ أما المبحث
    الثاني فقد خصص للحديث عن وسائل الوصول إلى المعنى: اللغوية والسياقية
    والعقلية،واضطلع المبحث الثالث بدراسة ضوابط التأويل التي تجب مراعاتها حتى
    لا يتحول التفسير إلى تأويل مفرط، أو إلى تبديل بالمصطلح التراثي.
    أولا :فيما يتصل بقضية مفهوم المعنى وأنواع الدلالة خرج البحث بأن أهم الأفكار المرتبطة بمعنى المعنى عند شراح الحديث هي :
    1ـ : المعنى هو مقصود المتكلم من خطابه، فإذا وصل إلى المخاطب معنى غير
    مقصود للمتكلم فذلك ناتج عن عدم دقة في التفسير، إما لأنه اقتصر على معطيات
    اللغة، أو لأنه تدخل بشكل كبير في التأويل.ولا ينفي هذا احتمال أن يتوصل
    المخاطب إلى دلالات تحتملها اللغة، دون أن تكون مقصودة للمتكلم، إذ "ليس كل
    محتمل للفظ مرادًا به فيه، وهذا من نفيس علم الأصول" كما يقول ابن العربي
    المالكي، ومعنى هذا أن هناك فرقا بين المعنى بوصفه قصدًا، والمعنى بوصفه
    معطى لغويًّا، لكن هذه الدلالات التي يحتملها اللفظ والتي لا يقصدها
    المتكلم لا يقال عنها إنها جزء من معنى النص الديني، وإن جاز أن تكون
    تفسيرا لنص أدبي. وهذا أمر طبيعي في ضوء معرفتنا بطبيعة النصوص الدينية
    وبالهدف من تفسيرها، فنحن إزاء نصوص تشريعية ترتبط بها أحكام وتكليفات. ومن
    ثم لم يكن مُتَصَوَّرًا قَبُولَ ما ليس مقصودًا للشارع حتى إذا احتمله
    اللفظ، ولا تشذ عن هذا دلالة الإشارة عند الأحناف. رغم أن تعريفها قد يوحي
    بغير ذلك .
    2 - أن الفهم مستويات وليس مستوى واحدا، يقتصر المستوى
    الأول على المعنى الظاهر الذي تؤديه العبارة، ويحلق الأخير في أفاق رحبة
    للاستنباط. وَيُشَبِّهُ ابن حجر الفرق في الفهم بين الناس رغم وحدة النص
    بالفرق بين أنواع الثمار رغم أنها تسقى بماء واحد، وفهم الظاهر هو فهم النص
    وفق ما تدل عليه لغته كما يعرفها العرب . ورغم أن كل مستويات الفهم يجب أن
    تنطلق من هذا الظاهر ولا تعارض قوانين العربية فإن الاقتصار عليه يكون
    ضارًّا في أحيان كثيرة، حتى لقد استعاذ ابن العربي منه؛ إذ قد يكون وسيلة
    لمخالفة روح الشريعة. ولذلك تعد القدرة على الاستنباط ضرورة، لسببين: الأول
    خطورة الاقتصار على الظاهر في بعض الأحيان، والثاني: تناهى النصوص دون
    تناهي النوازل . بل لقد ذهب النووي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أغلظ
    لعمر رضي الله عنه عندما أكثر من السؤال عن الكلالة وأحاله على سورة النساء
    ولم يصرح له بالحكم"تخوفًا من اتكال عمر واتكال غيره على ما نص عليه
    صريحًا، وتركهم الاستنباط من النصوص، قال: "والاعتناء بالاستنباط من آكد
    الواجبات المطلوبة؛ لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل
    الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في
    بعضها والله أعلم.". وقد قال ابن القيم :إن أهل العلم على الحقيقة هم أهل
    الاستنباط الذين مدحهم الله في كتابه.
    3: - أن الاعتماد على الاستنباط
    من ناحية، والاختلاف بين المفسرين في الثقافات والقدرات والمقاصد من ناحية
    ثانية من شأنهما أن يجعلا اليقين أمرًا صعب المنال. وقد ذكر الأصوليون
    والمفسرون وشراح الحديث أسبابًا كثيرة تجعل القطع بمراد المتكلم
    مُتَعَذِّرًا أهمها ثلاثة أسباب :
    - الأول : هو طبيعة الأداة
    المستخدمة في توصيل المعنى، وهى اللغة، فرموز اللغة ليست رموزًا منغلقة
    أحادية المعنى مثل الرموز الرياضية والكيميائية، وإنما هي رموز مفتوحة
    متعددة الدلالة، وكذلك أنظمتها الصرفية والنحوية والدلالية. والثاني هو
    طبيعة النص التشريعي: القرآن أولا ثم الحديث النبوي الشريف ثانيًا، من حيث
    استخدام لغة فنية عُلْيَا، تعتمد الأساليب البلاغية المجازية. وهى لغة
    مكثفة حمالة أوجه، والسبب الثالث الذي عَزَوْا إليه صعوبة القطع بمراد
    المتكلم هو إقراراهم بتدخل المفسر في التفسير، وعدم قدرته الكاملة من حيث
    هو إنسان له آراء وثقافة وقدرات وأهداف وأعراف وأهواء على تجنب ما يؤثر في
    تفسيره من هذه الأشياء، لا سيما أن ذلك قد يعود إلى مقدار المعلومات
    المتاحة له في عصره، لا إلى أمر يمكنه التخلص منه .
    وتعود العوارض
    التي تعوق الفهم وتؤدى أحيانا إلى الخطأ إلى أمرين: إما إلى التشويش على
    الإدراك، فلا يدرك الشارح أجزاء من النص رغم وجودها، وإما إلى خطأ في
    الفهم، فيدركها، لكنه لا يفهمها. وقد تحدث الشراح كثيرا عن هذين الاحتمالين
    في شروحهم لأحاديث من قبيل: (حبك الشيء يعمي ويصم)، (إن الغيراء لا تبصر
    أسفل الوادي من أعلاه) (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) و(رب مبلغ أوعى من
    سامع) ( ولا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان).
    4:- أنه رغم صعوبة
    الوصول إلى اليقين إلا أنه ليس مستحيلا ً وذلك بتضافر القرائن والأدلة؛ إذ
    الشك مسألة مضافة إلى المفسر لا إلى النص. وعندما تتضافر القرائن يكون
    القطع.
    5:_ أنه يجوز نسبة المعنى المستنبط إلى صاحب النص إذا كانت
    درجة اليقين كبيرة، وإن كان التأدب والحذر أولى في حالة القرآن الكريم
    والحديث النبوي الشريف.
    6:- أن هناك حدودًا يجب ألا يتجاوزها المفسر،
    وإلا تحول التأويل إلى تبديل. وهي الحدود التي حاول البحث أن يتوصل إليها
    في شرحه لقانون التأويل عندهم.
    7: _ أن الاعتداد بفهم الصحابة يعتمد
    على هذه الأفكار المرتبطة بمفهوم المعنى عندهم، وليس نابعا من أهميتهم
    الدينية فحسب، وذلك لأسباب علمية كثيرة ذكرها البحث وشرحها. وإن كان هذا
    الاعتداد لا يخرج فهمهم رضوان الله عليهم عن كونه اجتهادا، وإنما يمنحه
    أولية كبيرة على فهم من سواهم.
    ورغم أن التصريحات التي تؤكد استقرار
    هذه الأفكار كثيرة جدا في كتاباتهم فقد أضاف البحث مسلكا آخر للتدليل على
    انتشارها غير ذكر النقول التي تؤيدها، وذلك بتتبع تصنيفات الدلالة عندهم؛
    ذلك أن كل تصنيف من هذه التصنيفات إنما هو صدى لفكرة أساسية من الأفكار
    السابقة، ومن ثم فتأمله يؤكد صدورهم عن هذه الفكرة ورسوخها لديهم .

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 7:02 pm