منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قراءة فنية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    قراءة فنية  Empty قراءة فنية

    مُساهمة   الثلاثاء يوليو 16, 2013 7:52 pm




     
    قراءة فنية في مدونة "العودة الى تيزي راشد " للشاعر ازراج عمر

    بقلم : م . ز

    خطـــــــــــــة القراءة الفنية

    ـ تمهيـــــــــــــــــــــد :
    أ ) ـ عـــرض المدونــــة
    ـ المؤشرات الخارجية للمدونة الشعرية
    ـ المضامين العامة للمدونة .
    ب ) ـ تحليــل المدونــة
    المبحث الأول ـ المعجم اللغوي لنصوص المدونة
    • الحقول الدلالية و تصنيفها
    • الحقول المهيمنة للنصوص
    • طبيعتها
    • وظيفتها
    المبحث الثاني ـ الإيقــــــــــــــــــــــــــــــاع
    1 ــ الإيقاع الخارجي (الوزن ، البحر و تفعيلاته ، القافية و نوعها ، الروي و طبيعته الصوتية )
    2 ـ الإيقاع الداخلـي :
    2/1 ـ التكرار ( الأصوات ، المفردات ، الجمل ، الأبيات ، المقاطع الشعرية )
    2/2 ـ الجناس
    2/3 ـ الطبــاق
    2/4 ـ التوازي الصوتي
    المبحث الثالث : الصورة الشعريــــــــــــــــــــة
    1 ـ تجلِّياتهــــــــا :
    1/1 ـ التشبيــــه
    2/2 ـ الاستعارة
    2/3 ـ المــــــجاز
    2/4 ـ الرمــــــز
    2/5 ـ الــــتراث
    ــ استنتــــــــــاجـــــــــــــــــات


    تمهيــــــد :
    تتراوحت الفترة الزمنية التي كتبت فيها نصوص المدونة بين 1967 و1984 ، أو ما اصطلح على تسميته بمرحلة السبعينات، هذه المرحلة التي عرفت عدة تطلعات على مستوى كافة المجالات ، سواء تعلق الأمر بالمجال السياسي أو الإقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي .
    إن الظرف الذي واكبته القصائد وحاولت أن تدخله من الجهة الفنية بأدواتها، كشف لنا عن انتكاسات عميقة وعلاقات يسودها التوتر ،فلم يعد ثمة أي مبرر لمسايرة هذه الانتكاسات والعلاقات التي بدت واضحة على جميع المستويات الحياتية ،كانزلاق رهيب لواقع الإنسان الجزائري في تعامله مع محيطه،هذا الانزلاق الذي ظل مقلقا تحول إلى معاناة يومية ،غربة يدخلها الفرد مرغما ،غربة تنأى به عن مظاهر الحياة الآمنة ،تحول الواقع إلى منفى للجميع ومن ثمة انفجرت فيه تلك الطاقة الوثابة دوما،طاقة لا تسود سيادة الانتكاسات والزيف ، في غياب أي مشروع حضاري ،يعيد للواقع اليومي هويته وعلائقه الصحيحة وجماله ، فكان فعل التمرد على هذا الوضع ليس كحل وسطي ، بل كضرورة ملحة ، تمرد على جميع مظاهر الواقع المخذول ،الذي ترتكب في حقه الحماقات من شتَّى الأطراف ، لتعلن بذلك فلسفة الرفض وجودها،وفلسفة الرفض / النفي ، ليست إرادة سلبية فهي لا تنطلق من تناقض يعارض بدون أدلة ويثير جدليات فارغة وغامضة وهي لا تتهرب منهجيا من كل قاعدة،إنما تثبت فعلها في الهدم / البناء ، قانون التواصل الحضاري للحياة ،هدم ما هو غير مرغوب ، بما هو أفضل من الواقع الموجود ، بحثا عن مساحة للحرية و التنفس بعمق .
    أ ) عرض المدونة :
    ـ المؤشرات الخارجية للمدونة الشعرية
    تتكون المدونة من سبعة عشر نصا شعريا ، وهي عبارة عن قصائد مختارة من المجموعتين السابقتين للشاعر (وحرسني الظل ، الجميلة تقتل الوحش) و كما يبدو فإن أزراج عمر لم يلجأ إلى هذا الإختيار من باب الصدفة و الاعتباطية إنما عن قصد لتبليغ وجهة نظر معينة سنتحدث عنها في حينها.
    كما يوحي عنوان المدونة ( العودة إلى تيزي راشد ) للوهلة الأولى بالانهزامية و التراجع عن الاستمرار في نهج معين إلا أن القراءة المتأنية لنصوص المدونة تفضي إلى عكس ذلك تماما ، بحيث يلمس القارئ قاموسا شعريا يزخر بمظاهر الغربة / الرفض / التحريض و البحث عن الحرية في إطار حنين جارف للعودة إلى المنابع الأصيلة و القيم التي تبنتها الثورة التحريرية و ضحَّى من أجلها الشهداء ودعوى صريحة للارتباط بالأرض كوطن على ما يسود ذلك الوطن من علاقات فجَّة و صراعات خفية ، و شعارات ظل تراوح مكانها دون أن تسمو إلى مصاف الحقيقة و الملموس .
    ب ) ـ تحليـــل المدونـــة :
    المبحث الأول: المعجم اللغوي لنصوص المدونة :
    منذ الوهلة الأولى يبدو لنا تعامل أزراج عمر مع اللغة تعاملا دلاليا ، إذ انه لا يوظف المفردة من اجل المفردة ، بل يعطيها أبعادها النفسية و الدلالية ، حاملة في طياتها طاقة رهيبة من الحزن والألم تارة و تارة أخرى صارخة متمردة ، باحثة عن الإعتاق و الحرية في إطار حنين جارف للمنابع الأولى ، هي لغة المأساة والصراخ و الحنين للعودة إلى المنابع الصافية،مكونة بذلك وشائج جديدة من المفردات والعبارات والتراكيب مرتبطة بالمعانات والذات والواقع، في إطار الضياع و البحث عن مساحات للحرية و الانعتاق فجاءت في بنيتها العميقة كمغامرة جديدة فاعلة في اللغة .
    وأنتما… وأنتما أيتها العينان يا عصفورتان غنتا
    على شجر الطفولة
    مازلتما
    مازلتما ضياعي
    مازلتما في بحر غربتي إن شئتما شراعي>>(1)
    إن هذه اللغة الحزينة رغم بساطتها تعكس وجه الذات التي افترسها الاغتراب ولا نجد غير عيني هذا الوطن التي نام فيهما أيام الطفولة، هو وطن
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) : أزراج (عمر ) ، العودة إلى تيزي راشد ، لافوميك ، الجزائر ، 1985 ص 14

    الطفولة كما عاشه أزراج ووطن الحاضر كما يراه ويعيشه ،هذه المفارقة مبنية أساسا على التضاد بين زمنين ، زمن الوطن في طفولة الشاعر، و زمن الوطن في حاضره ، هذان الزمنان اختزلتهما اللغة في خمسة أشطر ، وهنا تكمن قوة المفردة التي تختزل زمنا بأكمله " فالمفردة قد تختزل سطورا قد تعني حقبا ، تغطي مفردات وفيرة ، قد تلتقط وحدها جوهرا بكامله " 1 يقول أزراج عمر :
    " عندما يبكي المطر،
    يرحل القلب الجريح
    راكبا زورق ريح
    باحثا في الليل عن وشم بلادي
    في ذراعك
    في جفونك " (1)
    هل بالإمكان القول إن هذه الأشطر المشحونة بالغربة لا تعكس تطور الشاعر مع اللغة ؟ إن الرأي الذي نراه أقرب إلى الصواب هو أن أزراج عمر قد ملك اللغة و ملكته ، أصبح تعامله معها ينم عن مقدرة فنية لما تفعله المفردة فهو حين يقول ( عندما يبكي المطر) يختزل بذلك مسافة كاملة بينه و بين الوطن / الجزائر ، الوطن المرغوب ، البلاد التي ينتظر انبثاقها وفق رؤاه ، فسقوط المطر قد اقترن بالرحيل ، كما اقترن بالبلاد المنتظرة كواقع جميل يعيد للقلب وطن الطفولة ، لكن هذا الوطن / البلاد لا ينبثق كربيع ريفي ، فتبقى اللغة هي مدينة الشاعر التي يسكنها في لحظات اغترابه و تشرده ، حتى يصير هو الأخر مدينة متعبة و حزينة :
    " أصير مدينة
    لا شيء يرحمني ، لا النعاس و لا الشجر المرتعش
    يعيش بداخل عينيَّ ، يا شجر الحلم أورق
    على جبهتي تألق
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) : أزراج ( عمر ) المصدر السابق نفسه ، ص 17


    كواكب ورد
    تشعب
    على جسدي وشم مقهى
    و بحر بعيد
    أسير وحيد " (1)
    لم يعد يملك الشاعر غير الحلم و الوحدة في مدينة تحكمها علائق سيئة و تسير وفق ما تقتضيه الفوضى على حساب اللغة الكاشفة التي يوظفها أزراج عمر ، تكتشف لنا هذه الأشطر عمق المعانات اليومية التي يحياها الشاعر في مدينة بهذا الشكل ، شأنه في ذلك شأن أي إنسان آخر ، لاشيء يريحه و يرحمه من العذاب الذي يطارده في الليل ، لا النعاس و لا البرد ، حتى صارت المقاهي مرفأه الوحيد الموشوم على جسده ، وشم متشعب ، يحمل إيحاءات


    miroulove66
    12-08-31, Aug:0
    التسكع و الاغتراب داخل " الألفاظ و تأثيراتها الفيضية ذات القانون الخاص المرتبط بلغة معبرة و تناسبات لها مع المضمون ، بحيث تحدث استجابـة طبيعيــة نحسهــا و لا نجد لها أقيسة متواترة و لكننا نبقى نحسها " (2) و نعيشها و كأنها تعنينا نحن بالضبط و تترجم واقعنا فنيا كما لو أن زمنها هو زمننا و حاضرها هو حاضرنا ، باعتبارها لغة لم تخضع لواقعها فقط ، بل كشفته لنا و كشفت عن علائق الناس مع هذا الواقع ، فكانت بذلك لغة للتعرية ، و أي لغة لها هذا التوجه فإنها تستمد طاقتها من عمق المعاناة و شتَّى مظاهر الاغتراب ، لكن هذه اللغة الكاشفة لم تبق محصورة في خانة الضياع و الحزن و التمزق ، بل انفجرت معرية الواقع الاجتماعي ، منتقدة إياه بقوة :
    " متى يجلس الغيم خلفي ،
    و أنهي مغامرتي في بلاد الضياع
    و حان لكي نسكت الآن .. يكفي الكتابة
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : أزراج ( عمر ) المصدر السابق نفسه ، ص 57
    ـ (2) : الخواجة ( دريد يحي) ، الصفة و المسافة ، ص 83 .

    عن الفقراء ،
    فهم يعشقون
    وهم ينجبون
    و هم يحرثون
    و نحن نموت ضياعا وراء كراسي المقاهي " (1)
    هذه اللغة المتمردة الرافضة لتلك النغمة التي كانت تعزف ، بدليل ان الكتابة عن الفقراء تعني التقدمية لذلك نجد أزراج عمر يفضح هؤلاء الشعراء الذين انساقوا وراء تلك النغمة و تسلموا الوظائف و بقوا يرددون الشعارات في قصائدهم بلغة خشبية ، و هنا يصرخ الشاعر في وجه هؤلاء مبرزا أن الحديث عن الفقراء بهذا الشكل الفج لا يترجم في الحقيقة ما يعانونه هم على مستوى الواقع .
    إنه يسير في هذا المقطع إلى الاضطهاد الذي يعيشه الشاعر كلما خرج على الناس بلغة تضاد مع اللغة السائدة ، فلغة أزراج تحاول هنا الخروج عن المألوف و السائد ، إلى لغة لا تخضع إلا للحظة المعاناة ، لذلك جاءت متمردة صارخة تفيض مفرداتها بفيوضات الوحشة تارة و السخط تارة أخرى مستمدة طاقتها من ثنائية الإغتراب و التمرد ، في الوقت التي استعملت فيه اللغة النمطية المتواطئة مع سلطة الواقع .
    فلغة الرفض تحاول على مستوى نصوص أزراج عمر أن تبني لها طقسا مغايرا لما هو سائد ، في محاولة جادة للخروج من تلك النمطية إلى آفاق أكثر استشرافا و حضورا ، يقول أزراج :
    " إلى البعيد يا دمي
    أ يا نبينا الصغير ،
    ابحث عن الدور
    أرض يسوسها الحجر
    ينام في عيونها التتر " (2)
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : أزراج ( عمر ) المصدر السابق نفسه ، ص 30-31
    ـ (2) : أزراج ( عمر ) المصدر السابق نفسه ، ص 47-48

    إننا نسلم هنا بكثافة اللغة المنتقدة و المتمردة التي لا تكتفي بالصراخ و إنما تقدم البديل / دم الشاعر الذي هو دمنا جميعا ليغسل الأرض و يرويها كي تستيقظ من غفوتها و تعرف أن من يسوسونها هم مجرد حجر لا غير ، فهو لم يكتفي هنا بلغة القواميس و إنما يطرح بديلا لتلك اللغة ، و ينحاز للغة الموحية التي تشير فنيا لواقع سياسي و هي خاصية تفردَّ بها أزراج عمر عن بقية شعراء مرحلته .
    " إن السحابة الوفية ،
    أذوب فيها ، أحلم الحصى يغني / أ لسحابة البغية
    أفر منها .. يا دما ليس دمي لتحترق
    أكون او أصير .. يا دمي لتنطلق
    إلى البعيد ، حيث زرقة الرياح
    تمنح هاتيك الصحاري صيحة اخضرار " (1) .
    فالشاعر يطرح هنا بديلا للغة الخطابية ، إننا نحس بصراخه و رفضه لدم غير دمه ، و عشقه للسحابة الوفية التي تحيلنا على الرجال الأوفياء الذي لم يفقدوا دمهم الحار الأصلي ، الذي بإمكانه أن يحل جدب الصحاري إلى اخضرار و نماء ، لذلك فإن " المعنى القاموسي ليس ما يريده ، و لكن إيحائية الكلمة " (2) ، هذه المفردة الموحية التي لا تفقد هدفها بالرغم مما تحمله من صراخ كون الشاعر قد يفقد خيط التوازن لما يريد قوله في حالة الغضب و الرفض ، و مع ذلك فإن اللغة قد حافظت على إيحائيتا محطمة في نفس الوقت " أبوة الكلمات و هيمنة الأنساق اللغوية ، و ضغط القنوات المعرفية و محطمة أيضا أبوة التسلــط و تطيــر بالحريـة و دخل بالتجارب من أبوابها التي لم تفتح بعد " (3) .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : المصدر السابق نفسه ، ص 47
    ـ (2) : المقالح ( عبد العزيز) ، الشعر بين الرؤيا و التشكيل ، ط 2 ، طلاس ، دمشق ،
    سوريا 1985 ، ص :90 .
    ـ (3) : الخواجة ( دريد يحي ) ، الصفة و المسافة ، ص 79 .

    * الحقول الدلالية للمفردات و تصنيفها :
    تشتمل نصوص المدونة على أربعة حقوق دلالية ، و يمكن حصرها و تصنيفها على النحو التالي :
    الحقل الأول : الاغتراب الحقل الثاني : التمرد
    الحقل الثالث : الحريـة الحقل الرابع : الحنين
    و قد أحصينا عيِّنة من المفردات الدالة على هذه الحقول و هذا حسب الجدول الإحصائي التالي حتى فاق تكرار بعض المفردات عشرون مرّة:
    الحقل الدلالي الأول الحقل الدلالي الثاني الحقل الدلالي الثالث الحقل الدلالي الرابع
    الاغتـــــراب التمـــــرد الحنيـــــن الحريـــــة
    الغربــة ،الحــزن،البكــاء
    الوحــدة ،الكآبــة،التشــرد
    الاضطهاد ،القهــر،السلاسل
    القيــد ،الســوط،الفقـــر
    الجوع ،المزابـل المدينـة،الأرصفـة،الطرقـات
    المقهــى ، الحانـات ،المنفــى،الشتــاء،البـرودة
    الشجـون ،الليـــل ،الكذب
    الخداع ،الخيانة ،القتل ،الوحل
    الخنازير ، الذئاب .

    التمرد
    الـــدم
    الرفض
    التعرية
    النار
    الانفجار
    الطوفان
    النهــر
    البروق
    السيف الأمومة
    الحبيبة
    الوطن
    التراب
    الشجر
    العصافير
    الجبل
    الرمل
    البلدة
    الوردة
    الاخضرار الحرية
    السفينة
    البحث
    الرحيل
    الاكتشاف
    الانتماء
    الطفولة
    الخيـل






















    و كما نلاحظ فإن الحقل الدلالي المهيمن على مستوى المدونة هو الاغتراب ، إذ أحصينا الكثير من المفردات الدالة على هذا الحقل فلا تكاد تخلو قصيدة واحدة من مثل هذه المفردات التي وردت لمرات عديدة حتى فاق ورودها في بعض الأحيان عشرين مرَّة ، و هذا ما يفسر حالتا الحزن و التذمر الشديدين اللتين طبعتا نصوص أزراج عمر في انتظار البلدة الآتية التي ظل الشاعر ينشدها و يحلم بانبثاقها على مستوى كل القصائد ، في إطار لغة لا تؤدي غاية خارجية أو تحقق نفسها فقط ، بل إنها تحقق الداخل و الخارج على نحو غير مشترك لبناء البلدة الآتية.
    هذا ما سوف نتعرف إليه من خلال دراستنا للإيقاع الشعري الذي وظفه الشاعر ليشدنا إلى التجربة في إطارها العام .
    المبحث الثاني ـ الإيقــــــــــــــــــــــــــــــاع
    نقصد بالإيقاع ذاك التشكيل الموسيقي للقصيدة الذي يقوم على وحدات صوتية تخضع لاختيار الشاعر نفسه في الإطار النفسي أو الشعوري الذي يجد نفسه خاضعا له أثناء الكتابة الشعرية و ليس هناك بالضرورة وزن حزين و وزن مبتهج إنما هناك لحظة شعرية " (1) ، و عن الشعراء المحدثون يعتبرون المظاهر أشبه ما تكون بوتر يحمل في قلبه آلاف الأنغام الهائجة و هي تترقب من يفك عقالها و يطلقها
    1 ــ الإيقاع الخارجي :
    تنتمي نصوص المدونة إلى ما اصطلح على تسميته بشعر التفعيلة و نلمس ذلك في( مستفعلن و فعولن ) المتكررتان و اللتان يلجأ إليها الشاعر في غالب نصوص مدونته و كمثال على ذلك نسوق هذا المقطع :
    " الآن لست راحلا إلى الفرح .
    ا0ا0اا0 /اا0اا0 / اا0اا0
    مُسْتَفْعِلُنْ / مُتَفْعِلُنْ / مُتَفْعِلُنْ
    ما دام قلبي يستعير نبض ذلكم
    ا0ا0اا0 /ا0ا0اا0 / اا0اا0 / اا0
    مُسْتَفْعِلُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ / مُتَفْعِلُنْ / فَعُو
    لأنَّ نبعي داخل السلاسل
    اا0اا0 /ا0ا0اا0 / اا0ا0
    مُتَفْعِلُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ / فَعُولُنْ
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : المقالح ( عبد العزيز) ، الشعر بين الرؤيا و التشكيل ، ص :235 .


    و التساؤل المطروح هنا لماذا لجأ الشاعر في الغالب إلى هاتين التفعيلتان ؟ يمكن أن نردَ ذلك إلى كون ما يميِّز إيقاع التفعيلتين ( مستفعلن و فعولن ) هو النقر ، فالتفعيلة الأولى متكونة من أربع نقرات ، السببان نقرتان و الوتد نقرتان ، و بين النقرتين الأولين ( مُسْ /تَفْ ) زمن أطول مما هو بين النقرتين الأخيرتين ( عِ / لُنْ ) فهذه الإيقاعات الخارجية تحدد لنا مفاصل الموسيقى الخارجية ، فضلا عن الإنسجامات الصوتية ، مما يساعد على نمو الإيقاع الخارجي للنصوص نموا سريعا داخل الشطر الشعري الواحد ، و يستمر هذا النمو حتى النهاية ، و يظل مرتبطا بالمبنى العام دون خلل أو رتابة مفضيا لنا بذلك الحزن و الرفض اللذين يلهث بهما الشاعر عبر جل نصوص المدونة في مجابهته لواقع غير فني يتسم بالذل و الصمت و الخنوع ، في حين أن تفعيلة ( فعولن ) تتكون من نقرتين ، سبب و وتد ( فعو / لن ) ، و في كثير من النصوص ، يلجأ الشاعر إلى حذف الوتد ( لُنْ ) مكتفيا بالسبب فقط .


    miroulove66
    12-08-31, Aug:0
    و باعتبار أن مجموع النصوص الشعرية المكونة للمدونة تنتمي إلى قصيدة التفعيلة فإن تعدد حرف الروي على مستوى القصيدة الواحدة هو السمة البارزة ، إذ أن النص الواحد يزخر بتعدد حرف الروي ، و مثال ذلك في نص ( تيزي راشد ) حيث نسجل استعمال تسعة حرف روي ( الكاف ، الدال ، النون ، التاء ، الهاء الساكنة ، الراء، القاف ، اللام ، الميم ) ، و يتم الاستعمال بالكيفية التالية ، حيث ينتقل الشاعر في إطار تشكيله للنص من حرف إلى آخر وفق ما تقتضيه البناء ، ثم تتم عملية العودة إلى استعمال نفس الحرف السابق استعماله و هكذا إلى أن ينتهي بناء النص بناءا إيقاعيا على وثيرة متماوجة و قد لجا الشاعر إلى هذا التعدد في إطار ما يسمح به بناء القصيدة الجديدة على مستوى الإيقاع الخارجي للنص .
    كما نشير في هذا الصدد إلى طغيان استعمال حرف الراء كحرف روي ، فلا يكاد أي نص من نصوص المدونة يخلو من هذا الحرف ، وصوتيا فإن هذا الحرف يتسم برنة قوية باعتباره حرف جهوري مكرر ، مما يوحي أن استعمال الشاعر لهذا الحرف بعينه و بهذا الشكل ، جاء على سبيل ترك إيقاع صوتي قوي في نفسية القارئ كما.
    و يمكننا الحديث أيضا عن تنوع واضح في القافية و غزير ، بحيث أن الشاعر ـ في إطار التجربة ـ قد طغت على قوافيه عدّة حروف ، من بينها ، هاء الوصل ، و ألف التأسيس ، بالإضافة لحروف أخرى منها ( الجيم ، الطاء … ) .
    2 ـ الإيقاع الداخلـي :
    2/1 ـ التكرار : إن هذا الإيقاع هو الغالب على معظم نصوص المدونة إذ نلحظ بجلاء التكرارات العديدة التي يلجأ إليها الشاعر على مستوى النص الواحد .
    2/1/1 ـ التكرار الصوتي : نلمس هذا النوع من التكرار أولا على مستوى الحروف ، فالحرف المكرر بكثرة هو حرف ( الراء ) و قد ورد في القصيدة الواحدة ـ مثلا ـ مائة و واحد و خمسون مرّة ، و على مستوى المدونة كاملة فقد ورد تسعمائة و تسعون مرّة ، كما أننا نشير إلى اختلاف الوضعيات التي ورد بها هذا الحرف ، فهو تارة يأتي في بداية المفردة اسما كانت أو فعلا و مثل ذلك ( رعود ، ربى ، ريح ، راكبا ، رعى ، رب ، رشفنا ، رصيف ، رمز ، راية ، ركض ، رعشة ، رفاق . . .) و تارة في وسط المفردة و مثل ذلك( زرزورتان ، عصافير ، شراعي ، غربتي ، القرمزي ، ذراعك ، شراييني ، أجراس ، ترحال ، فراق … ) كما ورد هذا الحرف بكثرة في آخر المفردات و مثل ذلك ( الشجر ، التتار ، القفار ، جلنار ، فجر ، بار ، حوار ،اخضرار صخور ، عمر ، مطر ، قياثر ، وتر ، نقر ، قمر ، سفر ، طير ، نار ، حجر ، تسير ، خناجر ، جسر ، . .. ) ، كما نشير أيضا إلى كون بعض الأشطر تتكون من مفردات لا تخلو واحدة منها من حضور هذا الحرف و مثال ذلك ( فأرى سحر المرايا يتكسر ) ، فهذا التكرار الصوتي لحرف الراء على مستوى مفردات الشطر ، يولِّد إيقاعين اثنين ، ايقاع خارجي صوتي و ايقاع داخلي أو ما يسمى بالموسيقى الداخلية ـ التي سنأتي إلى تبيانها في حينها ـ و إذا ما تطرقنا إلى الخاصية الصوتية التي تميز هذا الحرف عن غيره من الحروف ، فهو حرف ناري مجلجل يمتاز بالشدة .
    كما نشير أيضا إلى تكرار عدة أصوات أخرى على مستوى نصوص المدونة و منها حرف (النون) و (الحاء) و حرف (الشين) و (العين) و هي حروف كما نلاحظ تمتاز بمخرجها
    2/1/2 ـ التكرار اللفظي ( المفردات ) :
    إن مثل هذا التكرار موجود أيضا و بقوة على مستوى نصوص المدونة ، و قد أحصينا تكرار مفردات بعينها مثل ( الريح ، الضياع ، غربة ، الوداع ، دمي ، الشجر ، المطر ، عيون ، عصافير ، حجر ، اخضرار ، الشتاء ، السفينة ، غراب. . . ) بحيث لا يكاد يخلو أي نص من نصوص المدونة من تكرار هذه المفردات و مفردات أخرى من نفس الحقل الدلالي فمثلا مفردة (الوداع) نجدها مكررة أربعة عشرة مرة في نص ( العودة إلى تيزي راشد ) و مثال ذلك :
    " وداعا لكل امرأة غامضة
    وداعا لكل دالية لا تثمر إلا في الذكرى أو في الحلم
    وداعا للاستمناء
    عاصمتي قلوب الناس . لغتي تفاصيل علاقتهم بالكون
    و خصور حبيباتهم ،
    وداعا أيها النقاد
    يا من سيحتفلون هذه الليلة
    بموت العصافير في قارتي
    و هجرة الروح بعيدا عن حقوق القصيدة
    وداعا يا من سيختلفون في تحديد مساحة قبري
    وداعا لكم أيها النقاد
    وداعا يا قرَّائي القدامى
    وداعا يا غزالات الخزامى
    وداعا أيها الحكام
    الجالسون على الأرائك
    و الباحثون عن الحب خارج الأرض " (1) ص90
    فهذا التكرار المتنامي لمفردة (وداعا) يوحي بحالة اليأس التي تملكت اللحظة الشعرية في اطرادها ، فلم يجد الشاعر خلاصا من تلك اللحظة غير الانسياق للدفقة الشعرية تاركا إيقاع المفردة المكررة يصنع نغميته إلى النهاية .
    إن إيقاع هذه الأشطر يأسرنا بنموه المتدفق ، إذ نلاحظ تكرار لفظة ( وداعا ) عدة مرات ، هذا التكرار ولد نغمة ذات انسجام صوتي في حين تجد حاستنا السمعية خيبة في توقعها المبدئي ، فقد ننتظر بعد الشطر الأول (وداعا لكل امرأة غامضة) مفردة تأتي ملازمة لنهاية الشطر الثاني على شاكلة مفردة (غامضة ) لكن عمر أزراج يوقعنا في خيبة ما انتظرناه ، فيأتى الشطر الثاني (وداعا لكل دالية لا تثمر إلا في الذكرى أو في الحلم ) دون أن يكون هناك أي ربط موسيقي ظاهري ( القافية ) بين الشطرين و حتى الشطر الثالث ، و هذا ما تطرحه القصيدة الحديثة في بناء إيقاعها ، حيث يبني الإيقاع على نسيج يتألف من التوقعات و الإشباعات و خيبة الظن أو المفاجآت ، التي يولدها سياق المقاطع و لا يبلغ تأثير صوت الكلمات أقصى قوته إلا من خلال هذا الإيقاع ، و ربما كانت معظم ضروب الإيقاع تتألف من عدد المفاجآت و مشاعر التسويف و خيبة الظن " (1) .
    " خطاك على الجسر .. كنت وحيدا
    و لكنك عشت تسير
    تسير
    تسير " (2) .
    إن الحالة المضطربة التي يفجر من خلالها عمر أزراج غربته و قلقه استدعت توظيف وحدتين نغميتين ، قامتا في ارتباطهما بالانفعال الذي حكمهما هذا الارتباط عكسه تكرار النغمية الايقاعية ( كنت / عشت ) و ( تسير / تسير / تسير ) و هذا تماشيا مع قلق الشاعر .




    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : يونس ( علي ) النقد الدبي و قضايا الشكل الموسيقي في الشعر الجديد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مصر ،1985 ، ص : 81 .
    ـ (2) : المدونة ، ص : 40 ـ 41 .
    2/1/3 ـ تكرار الجمل ( الأشطر ) :


    كما عمد الشاعر إلى تكرار العديدة من الجمل الشعرية ، و نعني بالجملة الشعرية هنا ( الأشطر ) ، بحث نسجل في هذا السياق الكثير من التكرارات ، و مثال ذلك ( لماذا تهاجر ) التي تكررت مرتين في نص ( الوصية ) ، كما تكررت جملة ( لم يعد سحر الكلام ) و جملة ( متى أيها النهر تركض ) و ( الرب يسكن في الشجر ) ( ليس الشهيد ، علما على فخذِ النشيد ) ( شفة الحبيبة غيرت معنى القبل ، حصدت خصور الشيح ) .
    2/2 ـ الجنـــــاس : و قد لجأ الشاعر في بناء إيقاعه الشعري إلى ( الجناس ) ، و نلمس ذلك في كثير من نصوص المدونة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر (الجنين / الحنين ، النشيد/ الشهيد ، الصياح / الصباح ، القبل / الجبل ، ضرعا / زرعا ، أمي/ فمي . . . ) وقد ورد هذا المحسن البديعي لا على سبيل التراكم الكمي ، بل إن استعمال مثل هذا المحسن جاء ضمن التجربة الشعرية و إيقاعها الداخلي المتنامي وفق رؤية فنية لا تخضع إلا لصوت النص .


    miroulove66
    12-08-31, Aug:0
    2/3 ـ الطبــــاق : كما استعمل الشاعر الطباق ، باعتبار أن بالأضداد تتمايز الأمور ، و قد ورد هذا الشكل في كثير من النصوص مثل ذلك ( الأرض / السماء ، الشوك / الوردة ، الضوء/ الظلمة ، الليل / النهار ، اقتربت / تناءيت ، قربا / بعدا ) ، و مثل هذه الثنائية المبنية على التضاد تصنع الإيقاع الداخلي للنص و تقوي دلالاته .
    2/4 ـ التوازي الصوتي : هذا ما نلمسه بجلاء على مستوى بناء إيقاع نصوص المدونة ، إذ لاحظنا جنوح الشاعر إلى هذا المحسن كثيرا ، فلا يكاد أي نص من نصوصه يخلو هذا الإيقاع الذي يعطي نغما موسيقيا لبناء النص يقول الشاعر :
    " و امضي إلى شاعر
    و احمل هذي السماء الوديعة ،
    على راحتي .. كان يعشق تيزي راشد
    و يحضنها حجرا .. حجرا
    و لو أنها عرفت لبكت
    و أبكت جميع الصغار
    و لو أنها رجعت نخلة أورقت
    على قلبه .. تمنح السنوات اخضرارا " (1) ص 36
    فالتجربة الشعرية فرضت هنا إيقاعها الخاص بها ، ففي الشطر الخامس نجد مفردة ( لبكت ) في نهاية الشطر ، و ما يجانسها من الجانب النغمي ( رجعت ) في الشطر السابع ، لكن تغير مكان المفردة إذ أصبحت في الوسط و هذا التشكيل الإيقاعي الجديد أعطى لنصوص المدونة حسا شعريا راقيا و " الحس الشعري لا يولد إلا في جسم من النغم الداخلي ، و مع ذلك فإن النغم الداخلي ليس هو النغم الخارجي المعروف بحدوده العروضية و بصوره التي يمكن توصيلها للآخرين " (2) .
    " هل يرحم الرصيف ؟ الغناء في الليل أشرعة
    يا سفن الضنون
    و هذي الأثلام في جبيني
    ماذا أسميها ؟ بقايا أثر الغزاة ؟ أم التتار؟
    قل يا صديقي أم أساسا لبناء الدَّار ؟
    يا حارسا يهدم قلعة النعاس
    المرأة الجدار .. موجة الفرار همي
    المرأة الجزيرة .. اليباب ، أصل يتمي " (3)
    في هذا المقطع نكاد نلامس بحواسنا ذلك الإيقاع المبني على المساءلة و التكرار للوحدات النغمية المتداخلة التي لا تخضع لبناء مكاني واحد ، فهي مرة في نهاية الشطر و مرة في وسطه ، و مرة ثالثة بين الوسط و نهاية الشطر ، و الموسيقى الداخلية ( الإيقاع الداخلي ) لا تقوم إلا على هذا الأساس

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : المدونة ، ص : 36 .
    ـ (2) : يونس ( علي ) النقد الدبي و قضايا الشكل الموسيقي في الشعر الجديد ،ص:196
    ـ (3) : المدونة ، ص : 44 – 45 .

    " أساس تكرار وحدات نغمية مؤتلفة تدخل تنوعا قويا في كل وحدة … لكن هذا التنوع لا يعطل الوحدة البنائية " (1) ، بل يعطيها نموا عضويا من خلاله تستمد التجربة الشعرية تماسكها و تآلفها ، فالشاعر بتكراراته للوحدات النغمية ( أوتار / الجدار/الدار/ الفرار ) أعطى بذلك للمقطع الشعري جرسه الصاخب مبررا مساءلته ، فحالة الفرار التي يلوذ بها الشاعر ترتكز على عمق المأساة و المتناقضات التي أرقت الشاعر ، بحيث أن الرصيف لم يعد يرحمه و لا حتى السفن التي توحي بالنجاة لا تؤدي وظيفتها و دلالتها بل تنزاح إلى اللاأمان ، ومع ذلك يصر الشاعر على الفرار من وطن صار حاجزا بينه و بين أحلامه ، و يبقى السؤال المطروح إلى أين المفر ؟
    " الآن لست راحلا إلى الفرح
    مادام قلبي يستعير نبض ذلكم
    الآن نبعي داخل السلاسل
    لأني مياه أمسكم
    ماذا أغني للمسافة البعيدة؟
    مادام صوتي صمتكم
    و كيف اعبر الجحيم؟
    مادام خطوي ذنبكم " (2) .
    للرفض وجهه الصارخ في هذا المقطع ، فضح شديد اللهجة داخل إيقاع موسيقي مطرد النمو ، ليس هناك مكانا للفرح ليكون الفرار ، إن الواقع كما هو بجحيمه و قيوده يستحق فعلا التمرد عليه بشتَّى الأشكال ، و كما نلاحظ فإن الشاعر عمد في هذا المقطع إلى اللحظة الواعية من فعل الكتابة ، وهذا ليفضح المساءلة المطروحة ، كل ذلك ضمن نغمية ذات إيقاع مجلجل دونما غنائية تخديرية ، فالتجربة الشعرية هنا تعبر عن الانتقال من " الموسيقى الرتيبة المعينة ـ سلفا ـ إلى موسيقى تتفاعل مع التجربة المضمونية للقصيدة " (3) .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : يونس ( علي ) النقد الدبي و قضايا الشكل الموسيقي في الشعر الجديد ،ص : 184
    ـ (2) : المدونة ، ص 45-46 .
    ـ (3) : المقالح ( عبد العزيز ) ، الشعر بين الرؤيا و التشكيل ، ص 89 .

    ككل متكامل ، فهذه النغمية المتكررة بعد كل مساءلة ( ذلكم/ أمسكم/صمتكم/ ذنبكم) فهذا التوازي الصوتي يفجر الإيقاع الداخلي جاعلا من نموه العضوي نموا تصاعديا مطردا و صارخا ، تماشيا مع حالة الرفض و التمرد التي تستمد منها هذه النغمية تشكيلها الشعري ، لذلك نلحظ أن النمو المطرد هذا لا يخضع لنمط معين عبر حرارة التجربة الشعرية بزخمها النسيجي ، بل إننا نحسه متدفقا في إلحاح تام و قوي .
    " و راح الشجر ،
    يهاجر داخل قلبي الوحيد
    و يحكي له ما مضى و انقضى .. فبكينا معا " .(1)
    لنلاحظ ذلك الإيقاع الداخلي الذي يستمد شحنته من اللحظة الشعرية ( و يحكي له ما مضى و انقضى .. فبكينا معا )، إنه مفتاح جديد ، و صوت التجربة الشعرية الطافحة بلهات الغربة و الوحدة ، في هذا الشطر نجد أن أزراج لم تعد الأوزان الخليلية تسع دفقته الشعرية ، لذلك نجده ينصب غالبا و على مستوى كل نصوص المدونة في لجة الإيقاع الداخلي المتولد من اللفظة ذاتها ( مضى ، انقضى )، مما أعطى للنصوص " نموا عضويا فتحولت الموسيقى هنا إلى موسيقى القصيدة الخاصة لا إلى موسيقى البحر" (2) .
    و قد أحصينا على هذا المستوى العديد من الأصوات المتوازية ومثل ذلك : (بوح / روح ، صوت / وقت ، حلم / نغم ، سلاسل / جداول ، عذابي / ضياعي ، سهوب / قلوب ، عناق /فراق ، الاحتراق/الانعتاق ، الطويل/ السبيل الريح / الشيح ، القتيل / النخيل ) ، وهذه جملة من الأصوات المهيمنة داخل النص بشكل ملفت للانتباه .




    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) : المدونة ، ص : 33 .
    ـ (2) : المقالح ( عبد العزيز ) ، الشعر بين الرؤيا و التشكيل ، ص: 78
    المبحث الثالث : الصورة الشعريــــــــــــــــــــة :

    إن الحقول المهيمنة على نصوص المدونة ، لم يقتصر تجليها على مستوى توظيف القاموس الشعري والإيقاع فحسب ، إنما ذلك التجلي قد تبلور أيضا على مستوى الصور الشعرية التي أبانت عنها نصوص المدونة في بنائها و الصورة الشعرية كما يعتقد الكثير من الدارسين تعتبر العنصر الجوهري للشعر ، فهي بذلك " عمل تركيبي يقوم الخيال الشعري ببنائها مما خلفه الإدراك من خبرات " (1) و هذه الخبرات تخضع لعمل الخيال ، باعتبار أن تشكيل الصورة في القصيدة الجديدة ، ليس تسجيلا فوتوغرافيا للطبيعة أو محاكاة لها ، صحيح أن الشاعر يغلغل من خلال أحاسيسه في طبيعة الأشياء فيقع على المشهد أو الحركة الخفية كما يقول الدكتور عز الدين إسماعيل و لكنه " لا ينقلها كما هي بل يخضعها لتشكيله فتأتي صورة لفكرته و حالته هو و ليس صورة لذاتها " (2) .
    إذ أن التجربة الشعرية تفرض في غالب الأحيان تشكيلا خاصا للصور ، تشكيلا يقوم على التداعي الفيضي لجميع الخبرات ، كي يقدم بناء الصورة تقديما متكاملا ، فالشاعر لكي يبدع يجب أن يكون غائبا و مالكا ذلك الامتلاك الانسيابي المتكامل الحلقات ، بمعنى أن يفقد حواسه العادية و ينادي بأعلى صوته حواسه الغامضة ، كي يتدفق النبع الشعري بصوره ، و إذا عدنا إلى نصوص المدونة نجدها حافلة بمثل هذه الصور التي تأخذنا بسحرها كل مأخذ ، من خلال تشكلها و نموها و غرابتها في بعض الأحيان ، فما هي مظاهر تجلي الصور الشعرية في نصوص المدونة ؟ ثم ما هي الأدوات التي وظفها الشاعر في بناء هذه الصور ؟ ما وظيفتها ؟ و إلى أي مدى استطاع التوفيق فيما طرح من صور شعرية ؟ .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : البطل ( علي) ، الصورة في الشعر العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري ن دراسة في أصولها و تطورها ، ط2 ، دار الأندلس ، بدون مكان الطبع 1981 ، ص 27 .
    ـ (2) : المرجع السابق نفسه ، ص : 31 .
    1 ـ تجليات الصورة الشعرية : تتجلى لنا الصورة الشعرية عند أزراج عمر في نصوص مدونته في عدة تشكلات ، سواء تعلق الأمر بالتشبيهات أو الاستعارات التي كان يلجأ إليهما الشاعر في بناء صوره أو إلى ما عرفت القصيدة الحديثة من توظيف للرموز و التراث و الأساطير ، لذلك فإن نصوص المدونة لم تخلو في بناء صورها و تشكيلها من هذه التوظيفات ، و سوف نتطرق إلى الوسائط المستعملة لبناء هذه الصور و الكيفية التي تم على أساسها هذا البناء .
    1/1 ـ التشبيــه : لقد تجلت الصورة الشعرية عند أزراج عمر في عدد من التشبيهات ، التي وظفها في بنائه لتك الصور و مثل ذلك قوله :
    " هل يدمع الرصيف ؟ الغناء في الليل ذراع أمي
    يا أيها الوفي احملها عنِّي
    دربي معبد بورد الحزن " (1) .
    ففي هذا المقطع شبه الشاعر الغناء بذراع الأم ، و هو تشبيه بليغ ، حيث أتى بالمشبه و المشبه به مع حذف أداة التشبيه ثم ترك الصورة مفتوحة على البحث عن وجه الشبه بين الغناء و ذراع الأم ، فتشكيل الصور هنا تم بناءا على مساءلة سابقة ( هل يدمع الرصيف ؟ ) ليعقبها التعليل ( الغناء في الليل ذراع أمي ) ، فالصورة انبنت على تجربة عميقة زاخمة بالمعاناة ، تفسرها لنا العلاقة القائمة بين الغناء و ذراع الأم ، فمعاينتنا لتشكيل هذه الصورة تقودنا إلى اعتبارها صورة صارخة مشحونة بخبرات واقع حياتي لفح الشاعر بالضياع و الوحدة في ليل المدينة ، فهذا الشاعر يتساءل عن سبب بكاء الرصيف ، فهل ذلك البكاء ناتج عن شفقة رصيف المدينة لغربة الشاعر ؟ أم أنه نتاج غناء الشاعر الحزين و قدره على التأثير في الرصيف ؟ كما نتساءل عن الكيفية التي صار فيها الغناء في الليل تعويضا لذراع الأم ، الذي يحيل على الدفء و الحنان ، فهذه الوحدة و الغربة التي يكابدها الشاعر في ليل المدينـة و التـي نستشفها من دلالة الصورة الشعرية المقدمة بحرارة تبدي لنا

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) : المدونة ، ص 43 .


    فجائع الشاعر / الإنسان ، فهذه الصورة الشعرية القائمة على التشبيه هي حركة دافئة لكنها مؤلمة و قاتلة ، عندما يصبح الغناء هو المتنفس الوحيد لتعويض فقدان الأم .فالشاعر يضعنا أمام حنينه الجارف لطفولته الأولى ؟ إن وجه الشبه المحذوف هنا يتمثل في المواساة ، فهذي الصورة المركبة تتجانس عناصرها و تتآلف أجزاؤها بحيث لو فضَّ التركيب القائم بين الغناء في الليل و ذراع الأم لتضاءلت بلاغة الصورة و تناقصت قيمتها .
    غير أن نصوص المدونة لا تزخر بكثير من التشبيهات ، على اعتبار أن الشاعر يميل كثير إلى الاستعارات و الرمز و توظيف التراث من ميله إلى التشبيــــه .
    2/1 : الاستعارات : يقوم بناء الصورة الشعرية على حسن الاستعارة و المقصود هنا أن اللفظة تستعار لغير ما هي له ، إذا احتملت معنى يصلح لذلك الشيء الذي استعيرت له ، و تليق به ، لأن الكلام مبني على الفائدة في حقيقته و مجازه ، و إذا لم تتعلق اللفظة المستعارة بفائدة النطق فلا وجه لاستعارتها ، و من بين الاستعارات التي زخر بها نصوص المدونة قول الشاعر :


    miroulove66
    12-08-31, Aug:0
    " متى يجلس الغيم خلفي
    لأنهي أسباب حزن الشجر
    و أبدأ في رسم تفاحة .. خصرك البحر بيتي " (1) .
    لنلاحظ جيدا هذه الصورة الشعرية التي تستفزنا بغرابتها و خروجها عن المألوف ، فالجلوس و القعود من حركات الإنسان ، و لكن الشاعر استعارة هذه الحركة للغيم لفائدة حقيقية ( إنهاء أسباب حزن الشجر ) ، فهذه الصورة تطرح أمامنا قوة خيالها و وحدة دلالتها المرتبطة بوحدة الشعور المفجوع الذي استطاع الشاعر من خلاله أن يعيش لحظة القبض الكلي على أسباب حزن الشجر ـ الذي هو نحن ـ هذا الشجر الحزين الذي لا يمثل شيئا آخر غيرنا نحن في حالة جدب و افتقاد للعطاء ، فنهاية الحزن مرهونة بالغيم الذي يمر دون أن يمطر .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) : المدونة ، ص : 24 .

    كما أن الصورة الشعرية عند عمر أزراج تأخذ في بنائها منحى الغرابة في كثير من الأحيان ، كقوله ( خصرك البحر بيتي ) ، فهذي الصورة يغلب عليها طابع الطرافة و الغرابة ، و مع ذلك فإنها نابعة عن إحساس الشاعر بالضياع و هذا ما يفسر " الاغتراب أحيانا في تركيب الصورة ، فهذا التداخل بين خصرك ن البحر بيتي لا يساعدنا على تمثيل الصورة الشعرية في معاينتها الظاهرية " (1) ، و نع ذلك تبقى صورة حادة في دلالتها إذ تفسر ذلك الانفصال الحاد بين الشاعر و رؤاه التي تنطلق من خبراته المدركة .
    و قوله أيضا :
    " ولكنني أرسم البلدة الآتية
    و في كفها قمر يعجن الأرغفة " (2).
    1/3 : المجاز : لقد عمد الشاعر أيضا إلى كثير من التعابير المجازية في تشكيله لصوره الشعرية ، و كعينة على تلك المجازات ، كقوله :
    " وداعا يا أيها الأزراج يا نصفي الخبيث " (3) .
    في هذا الشطر ، تتشكل صورة شعرية رهيبة قائمة على التضاد في بنائها ، فكيف يمكننا معاينة هذه الصورة ظاهريا ؟فالشاعر يطرح هنا إشكالية الذات المبنية على التضاد الحامل لثنائية الخير و الشر ، إنه يتبرأ من نصفه الخبيث ، ليثبت قيمة نصفه الآخر الخير ، فهو بهذا الشكل يتمرد على ذاته ، فنلمس بجلاء ذلك الجانب المجازي للصورة هاته ، فلا وجود في الواقع لأزراج خبيث و أزراج خيِّر ، فاستعمل الشاعر هنا الصيغة المجازية ليكشف لنا أن المقصود من الأزراج الخبيث هو أزراج الوظيفة و مستشار التربية الفنية.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) : شلتاخ ( شراد عبود ) ، حركة الشعر الحر في الجزائر ، ص 185 .
    ـ (2) : المدونة ، ص : 64
    ـ (3) :المدونة ، ص : 93


    يقول الشاعر :
    " أوقظ الأرنب أدعوه إلى الحرب ضد اللص
    و القص في مجزرة المرتزقة " (1)
    هذه الصورة الشعرية تقوم على المقابلة و التضاد ( الأرنب / اللص ) ، تحريض علني على الثورة ( الأرنب / الشعب ) و ( اللص / الحاكم ) ، فلجأ إلى الاستعارة صفة الوداعة التي يمثلها الأرنب ، في مقابل اللصوصية التي يمثلها اللص و بهذا يبطل ما كان يبدو سابقا و ظاهرا رومانسيا ، فالهروب الذي ينشده الشاعر إذن ليس هروبا انهزاميا ، بل رفض صارخا للوضع الذي عرفه الشاعر و تبينه و فهم لعبته القذرة ، فقربه من المواقع الأولى في دواليب ( الوظيفة ) مكنه من معرفة أصل البلاء ، لذلك نجده يعلن رفضه لكل أشكال الاستعباد مبرزا أن الحل يكمن في معرفة الشعب للحقيقة و امتلاكها و ان يقتص من هؤلاء المرتزقة الذين يلعبون بمستقبله و لكي يعرف الشعب الحقيقة فإننا نجد الشاعر يحمل لواء التمرد و يلجأ إلى لغة المكاشفة قائلا :
    " شفة الحبيبة غيَّرت معنى القبل
    حصدت خصور الشيح " (2) .
    في هذه الصورة الشعرية ، جاء تشكيلها مكثفا و معبرا عن عمق المأساة فالتمرد لم ينطلق من فراغ ، إنما له مبرراته ، فهذي الحبيبة استعملت مجازيا ، فهي لا تعني حبيبته بالضرورة ، بل إنها تعني الوطن الذي غير جلدته و روحه ، فحصد بذلك المرارة ، فعاطفة الحب التي تطرحها الصورة عند أزراج " تتشابك مع حب الوطن و المواقف الحياتية ، بيد أن ذكر الحبيبة يرد في شعره أحيانا بشكل لا يشعرك أبدا ان ثمَّة حبيبة حقيقية ، و تحس أن لفظة سيدتي لازمة تتكرر دون أن يكون لها معادل عاطفي واقعي " (3) ، و هذا ما يجعل من الصور التي يبنيها الشاعر صورا ذات أبعاد دلالية عميقة تحمل

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المدونة ، ص :93
    ـ (2) المدونة ، ص :52
    ـ (3) شلتاخ ( شراد عبود ) ، حركة الشعر الحر في الجزائر ، ص 113.


    في طياتها بذور الغربة و الضياع و الإحساس الشديد بالفجيعة التي لا يوقفها إلا العصيان و التمرد على هذه الحبيبة / الوطن التي غيَّرت جلدها و خانت .
    و قد وردت بعض الصور الشعرية المسطحة في هذه المدونة ، مستمدة موضوعاتها من الإطار المادي المكاني ( المدينة / القرية ) ، يقول الشاعر في حديثه عن تيزي راشد :
    " على النعش أبصرت أمس الطفولة أسود أسود
    و لكن جئت عينيك .. بيتي
    على الرمش أقسمت أن أغسل الروح و الشجر المتعبا
    و كنت طلبت جناحين فيك
    غسلت مراثي يديك بعطر الندم " (1) .
    رغم بساطة هذه الأجزاء المكونة للصورة الشعرية التي تقدم لنا حالة خاصة ، فإنها أصلا منبثقة عن المفارقة الموجودة بين ماضي تيزي راشد و حاضرها مرتكزة على تجربة الشاعر الحية ، فهذا الندم حرر الصورة من سطحيتها و لامس الخلفية المأساوية التي أصبحت تعيشها القرية بحيث تبدو الأمور تتحرك ضمن مسار تنازلي ، من سيئ إلى أسوأ .
    و كما يبدو فإن تشكيل الصورة الشعرية في مدونة ( العودة إلى تيزي راشد ) انبنى على ادراكات الشاعر و خبراته ، فجل صوره الشعرية استمدت نسيجها من الحقوق الدلالية الأربعة المشار إليها سالفا ( الغربة / الرفض / الحرية / الحنين ) ، باعتبار أن النص الشعري عند الشاعر مبني على دراسة عميقة لحالات ترتبط بالإنسان و واقعه ، فالاتجاه العام للنصوص يميل إلى التشكيل المتداعي للصور بجميع أحوالها ، متقمصة بذلك الشروط النفسية و الاجتماعية للشاعر في غربته أو رفضه ، في طلبه للحرية أو في حنينه .




    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : المدونة ، ص :33

    1 / 4 : الرمــــــــز:
    لا تخلو نصوص المدونة من استعمال الرموز و هذا لتشكيل الصورة أحسن تشكيل ، و كما تبدو لنا هذه الاستعمالات فهي غير مسطحة ، بل إن الشاعر قد أحسن في كثير من المرات هذا التوظيف للرموز ، و أن تعامله معها كان ينم عن إدراك عميق لما تمثله في تشكيلها للصورة الشعرية ، و من بين تلك الرموز المستعملة قول الشاعر :
    " وداعا يا أصدقائي أو طلاقا
    و وداعا أيها الأزراج يا نصفي الخبيث
    أذهب الآن بعيدا في الهوى
    أشعل نار الغابة المختنقة " (1) .
    هذه الصورة تبين عن صورة الشاعر الهارب ، هذا ما يبدو للظاهر ( الغابة ) تقابلها الرومانسية ، لكن دلاليا ليست كذلك ، باعتبار أن الرومانسية كموقف هي فشل و إحباط ، هروب من المشخص الواقعي إلى الذاتي المثالي ، غير أن الذهاب الذي ينشده الشاعر هنا هي استعداده للتحول و إعلان حالة التمرد ، باعتبار النار رمزا للرفض و التغيير .
    و كقوله أيضا في نفس السياق :
    " سينمو على كل جرح شجر
    و تضحي الدموع على الخد عرس مطر
    و ها أنني المح الآن كل المياه تدق السدود
    و تفتح شباك حلم
    لتنسل للمرج حنجرة و نغم " (2 ) ص 35
    لقد وظف الشاعر كلمة شجر كثيرا ، و هي بلا شك تخرج من معناها الاصطلاحي إلى رمز للخير ، و أن المطر رمز للخصب ، كما لجأ إلى رموز


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : المدونة ، ص :93
    ـ (2) : المدونة ، ص :35

    أجرى لها دلالاتها العامة ، مثل ( الطوفان) رمز للتدمير والطهارة ، ( الدم) رمز للتضحية ، ( الشهداء ) رمز للوفاء ، ( العصافير ) رمز للحرية ، ( النخيل ) رمز للشموخ ، ( السلاسل ) رمز للعبودية ، (الوحل ) رمز للتدنيس ( الخيل ، الفرس ) رمز للأصل ، ( غرناطة ) رمز للملك الضائع و الفقدان ( التتر) رمز للظلم .
    كما نشير في هذا المقام ، أن الشاعر لجأ إلى عدة رموز أخر في بناء صوره الشعرية ، و تلك سمة بارزة في نصوص المدونة ، مما يعطي الانطباع بأن عمر أزراج متمكن من أدواته المعرفية و هو يوظفها حسب ما تقتضيه الحالة الشعرية .
    1/5 : التــــــراث :
    لقد لجأ الشاعر إلى توظيف للتراث الشعبي ، و مثال ذلك استعماله لبعض المقطوعات التراثية الغنائية المتداولة شفاهيا :
    " إذا طاح الليل وين تباتو
    أمان
    أمانْ " (1) .
    و الشاعر يلجأ هنا إلى توظيف مثل هذه المقاطع الغنائية التراثية ، لتقوية صورته الشعرية و تشكيلها تشكيلا فيه من الحميمية الواقعية ما يقربها من السهل الممتع ، و يعطيها سبغة محلية .
    و مثل ذلك :
    " يا رايح لبني منصور
    قل ألهم خلآَّه البابور
    وراه في القصبة يتسوَّلْ
    وينشرْ أحزانُ من سُور لسور " (2) ص 59


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : المدونة ، ص : 41
    ـ (2) : المدونة ، ص : 59


    كما يلجأ الشاعر إلى توظيف بعض التعابير العامية مطعِّما بذلك صوره الشعرية بما هو متداول و مثل ذلك :
    " على وجه ربِّي " (1) .
    غير أن مثل هذه التوظيفات لا ترتقي بالصورة الشعرية المراد تشكيلها ، إلى مستوى الصورة الشعرية لقصيدة التفعيلة ، بل تنزع بها إلى مستوى الرتابة و الخطابية التقريرية .


    miroulove66
    12-08-31, Aug:0
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) : المدونة ، ص : 59 .


    استنتاجـــــات :

    ما يمكــن أن نخلــص إليه كاستنتاجات عامة لهذه الدراسة نوجزه فيما يلي :
    1 ـ لقد اتسمت نصوص المدونة بأربعة حقول دلالية حاول الشاعر من خلالها أن يقدم لنا رؤيته الخاص للوضع الذي ساد فترة السبعينات ، سواء تعلق الأمر بجملة التناقضات التي ميَّزت المرحلة أو ما تعلق بهمومه الفردية و نظرته إلى الأشياء ، و في كثير من الحيان نجده منتقدا لتلك الأوضاع و تلك التناقضات بشكل يوحي بعدم رضاه لما كان سائدا ، إذ أننا نلمس شكواه جليا من فقدان للحرية و طغيان للرأي الأحادي الأمر الذي لم يتقبله و لم يستسغه البتــــــــة .
    2 ـ كما أن لجوء الشاعر إلى القصيدة الحديثة في حد ذاته أمر فيه تمرد على القوالب الموروثة ، و نزوعه إلى البحث عن حرية أوسع خارج إطار القصيدة الكلاسيكية .
    3 ـ أما فنيا ، فإن أزراج عمر حاول في كثير من نصوص المدونة أن يكون له أسلوبه الخاص في الطرح ، سواء على مستوى القاموس اللغوي أو الإيقاع أو ما تعلق بتشكيل الصورة الشعرية .
    4 ـ ما يؤاخذ عليه الشاعر هو لجوءه إلى بعض الأساليب التقريرية المباشرة ، و بعض الصور المسطحة .
    5 ـ كما نعيب عليه استعماله لبعض المقاطع التراثية العامية ، لأن النص الشعري الحديث كشكل سردي فهو يتميز عن الأشكال السردية الأخرى بسم

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 3:31 pm