منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مخلفات البنيوية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مخلفات البنيوية Empty مخلفات البنيوية

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 30, 2009 6:26 am

    اضواء - مخلفات البنيوية في النقد العراقي - النص يتحرك بين منطقي الكشف الحتمي والشعري - ناظم عودة
    اختار سعيد الغانمي (منطق الكشف الشعري) عنواناً لكتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام 1999، واخترت أنا: منطق الكشف الحتمي، عنواناً لهذه الدراسة، وقبلنا اختار كارل بوبر: منطق الكشف العلمي، عنواناً لدراسته المعروفة عن نظرية المعرفة العلمية، وبين هذه المنطقيات الثلاث والكشوف الثلاثة يقف القارئ كأنه في مختبر من مختبرات العلم التجريبي، أو في تعمية من التعميات النظرية، بَيْدَ أنّ القضية علي قدر كبير من الأهمية في دراسة تريد تجلية المنطق النقدي لعَلَمٍ من أعلام النقد العراقي الحديث، ويعنيني أبداً تجلية الأصول المنطقية للخطاب، والصورة الاقناعية التي يقدم نفسه من خلالها. لا ريب في أننا نريد من خلال ذلك أنْ نتحدث عن إشكالية خلقها العنوان بوصفه موجهاً من موجهات القراءة.
    إنّ هذا العنوان المستعار من كارل بوبر كان قد أوجد طائفة من المشاكل المنهجية، فقد أوحي ذلك للناقد سعيد الغانمي أنْ يخطو خطوات إجرائية باتجاه تقديم منطق حتميّ للشعر، ويبدو أنّ مجموعة الفروض التي كان بوبر يبني بها منطق الكشف العلمي قد حفّزت عند الغانمي الفروض الحتمية للمنهج البنيوي وبعض المناهج المتصلة به، هذا المنهج الذي تسرّب بطريقة واسعة إلي النقدي العراقي في الثمانينات. وسوف توجه هذه الفروض عمل التطبيقات النقدية التي أجراها الغانمي علي النص الشعري الذي كان مجالاً تطبيقياً في هذا الكتاب. ولكي نحدد تلك المشاكل المنهجية الحادثة بسبب استعارة العنوان ينبغي أنْ نحدد ماذا يعني منطق الكشف العلمي عند بوبر؟ ولماذا يكتشف فرضية تنطوي علي ذلك الكشف المنطقي وتسهم في حلِّ مشكل من مشاكل نظرية المعرفة؟
    فالقضية لا تقتصر علي مهمة تأليف كتاب وإنما هي غاية ذات أبعاد ستراتيجية بالنسبة لنظرية الإدراك، وتطور المعرفة، ومن هنا لابد من فهم فرضية كارل بوبر في إطارها المعرفي والإشكالي. إنّ نظرية كارل بوبر ترمي إلي تخليص العلم من تفسيرات الفلسفة ومن تأملات الميتافيزيقا، وتشييد منطق علمي يقوم علي التمييز بين (العلم واللا علم) (17) وعلي التميز بين" منطق المعرفة وسيكولوجية المعرفة (18) فهو يريد أنْ يستبعد في التمييز الأول مشكل الميتافيزيقا، وفي التمييز الثاني يريد أنْ يستبعد مشكل الذاتية، وعلي هذا الأساس سوف يهاجم التحليل النفسي، والماركسية ويصفهما بالعلم الكاذب الذي (لا يتجاوز كونه صوراً ميتافيزيقية تعدنا بأنْ تقدم لنا قضايا كلية وصفية، لكنها لا ولن تفي بالوعد) (19) ويضرب كارل بوبر مثلاً علي ذلك فيقول (خذ علي سبيل المثال حالة رجل يدفع طفلاً إلي الماء ليغرقه، وحالة رجل آخر يضحي بحياته في محاولة لإنقاذ الطفل فإنه تبعاً لوجهة نظر فرويد فإنّ الرجل الأول يعاني من كبت (أو من عقدة أوديب)، بينما الرجل الثاني قد أرضي نزعة الغرور في نفسه) (20) وبسبب هذا النوع من التحليل فإنّ كارل بوبر يعتقد أنّ (النظام أو التركيب النظري للتحليل النفسي قد يتم تأويله علي أنه لا وصفي، ومن ثم فإنه أجوف خاوٍ، وتنحصر وظيفته في تزويدنا بتفسير لحالة الأشياء الممكنة، ومن ثم لا يمكن تكذيب التحليل النفسي بالمراقبة لأنه لا يشير إلي حالة الأشياء الملاحظة، ولذا فهو لا علم) (21). إنّ كارل بوبر يفترض أنّ النظرية العلمية (تتكون من قضايا كلية، وهذه القضايا هي ما نطلق عليه أحياناً قوانين للطبيعة، فإذا ما أيدت النظرية بقضايا إمبريقية جزئية فإنّ من الممكن اشتقاق تنبؤات بالنسبة لما قد نلاحظه في قطاعات مخصوصة من الزمان والمكان.
    علي سبيل المثال: القضية الكلية القائلة: (كلّ البجع أبيض) بالإضافة إلي القضية الشخصية (توجد بجعة في المنطقة كذا وكذا) هاتان القضيتان معاً تتضمنان التنبؤ (توجد بجعة بيضاء في المنطقة كذا وكذا)(22). ومن خلال ذلك يتضح أنّ مهمة منطق الكشف العلمي تتمثل في (تقديم تحليل منطقي للإجراء الذي يقوم به العالم في ميدان هذه العلوم) (23)، أي العلوم الامبريقية، علي النحو الذي أظهره كارل بوبر في القضية المنطقية الآنفة. وطبقاً لهذه الفروض المنطقية، هل من الممكن استعارة عنوان بوبر لكتاب يبحث في النصّ الشعري؟
    إنّ القضية لا تتعلق هنا بالاستعارة وإنما بتبني فروضٍ لمنطقٍ آخر مضادٍ لطبيعة الشعر الجمالية، إذ إنّ تلك الدراسة لا تبحث في القوانين المعيارية للشعر، وإنما في قضايا لا تتعدي أنْ تكون أسلوبية تتعلق بالصوت أو التركيب أو الدلالة، وهذه القضايا لا تتعدي أيضاً أنْ تتقولب في إطارين هما:
    1 ــ حتمية التلاقي بين المقدمات النظرية والنتائج التطبيقية.
    2 ــ طريقة انتهاك القاعدة الشعرية، وما يترتب عليها من تفسير جمالي.
    إنّ معضلة عنوان كارل بوبر تكمن في أنّ فروضه المنطقية الخاصة بالعلم قد تسربت بطريقة لا لاشعورية إلي المخيلة النقدية للغانمي، فتحولت القضايا الشعرية إلي قضايا علمية، وهذا ضرب من الاغتراب المنهجي الذي أضحي مزية من مزايا الخطاب النقدي العربي المعاصر، فثمة فروض في جانب، وثمة تطبيقات في جانب آخر.
    إذن كيف تمّ تسرّب تلك الفروض العلمية إلي الإجراءات التطبيقية في كتاب سعيد الغانمي؟ وقبل ذلك، أريد أنْ أعود إلي كتاب الغانمي (أقنعة النصّ) الصادر في عام 1991، وإلي الدراسة الأولي الخاصة بالمنهج البنيوي علي نحو خاصّ، فثمة فكرة مركزية تتعلق بعملية تكريس الفرضيات البنيوية في النقد التطبيقي العربي المعاصر هي أنّها أصبحت موجّهاً لكثيرٍ من الممارسات التطبيقية، البنيوية وغير البنيوية، وهذا يعطي انطباعاً بغياب الفكر النقدي المؤسس علي إشكاليات النصّ، وعلي نظرية المعرفة، وعلي النظرية النقدية، إذْ إنّ الممارسة التطبيقية لم تكن عملية آلية محضة أبداً، فثمة تضافر بين العمليتين لا يمكن تجاهله البتة. يشير الغانمي في الدراسة الأولي التي يفتتح بها كتابه: أقنعة النص إلي أنّ تناوله للبنيوية (لن يكون تناول مؤمن بها أو كافر بما لديها) (24) ويعني ذلك أنه يقنع بمنزلة بين المنزلتين، طالما أنّ النقد الأدبي يفتقر في الثقافة العربية المعاصرة إلي فكرٍ نقديّ مصاحبٍ، فكرٍ أكثر شمولية من المفاهيم والفرضيات المشتتة، فكر مغامر شبيه بفكر المعتزلة في نقد العقل العربي السابق المثقل بالميتافيزيقا باقتراح العقل المنطقي، وشبيه بخطاب المتصوفة اللاعب بأنظمة اللغة المتداولة كيما يبرهن علي حدسية المعرفة، ففي كلا الخطابين (المعتزلي والصوفي) ثمة تجانس بين الآلة والخطاب، في الخطاب الأول فرضية عقلية وآلة منطقية، وفي الخطاب الثاني فرضية حدسية وآلة لغوية غير متوقعة، وشبيه أيضاً بفكر نيتشه في اقتراح الإنسان المتعالي، إذْ تتجانس الخصائص النوعية لذلك الإنسان بالأداة: زرادشت المسافر المثير للقلق المعرفي. إنّ هذه القضية تتجاوز الحديث عن أحد نقاد العراق الذي لا يغفل إسهامه في تطور الحركة النقدية في العراق، إنّ هذه القضية معرفية أكثر منها نقدية، وعلي هذا الأساس يمكن طرح القضية علي أنها مشكل معرفي في المقام الأول. إنّ تلك المنزلة بين المنزلتين التي أشرنا إليها سلفاً ينضاف إليها اعتقاد الغانمي بأنّ أهم ما يميّز البنيوية (أنها تهتم بتقعيد الظواهر وتحليل مستوياتها المتعددة في محاولة للقبض علي العلائق التي تتحكم فيها) (25) هما ما سيكونان موجهاً آخر تحفّزه فرضيات كارل بوبر ليصبح وجهة نظر يتبناها الغانمي في تطبيقاته في نقد الشعر المعاصر.

    النظرية والتطبيق

    لا يُصنِّف كتاب الغانمي نفسَه تصنيفاً منهجيّاً محدداً، فهو يتراوح بين النظرية والتطبيق تارة، وبين تاريخ النظرية والتطبيق تارة أخري، ويتراوح أيضاً بين العرض والرغبة في الطرح والافتراض، وبسبب ذلك فهو يضم أكثر من نظرية، وأكثر من فكرة وأكثر من نصّ شعري، بيدَ أنّ إلماعاته الواعية إلي شعرية النصّ لم تكن في إطار يجمع بين الاعتقاد النظري (دون محاولة تكرار طرائقه في التحليل) وطريقة مجلوبة للكشف عن الطابع الشعري والجمالي لنصّ يرغب في عدم تكرار تجارب نوعه، ولم تكن أيضاً منطويةً علي خطّ نظري موحّدٍ من الوجهة المنهجية، فالكتاب يتنقل بين الشعرية والبنيوية اللسانية والأسلوبية والسردية والتحليل النفسي وبعض التأويلات، غير أنّ القضية التي لا يُفرَّطُ بها هي أنّ ثمة ترابط حتميّ يَحْكم البني المفترضة في تلك النصوص، كما يتبين في هذه الملاحظات:

    1 ــ في دراسته (شعرية المرآة، طبيعة الصورة المرآوية عند السياب) يلجأ إلي ضرب من التحليل ترفضه نظريات علم النفس قبل أن ترفضه نظريات ما بعد البنيوية، فهو يعتقد أنّ التواتر اللغوي لصورة المرآة في شعر السياب يفضي إلي نتيجة سيكولوجية هي أنّ السياب يعرف من خلالها أنّ (الآخر الذي تحققه الصورة المرآوية علي سطح النهر هو الوجه الآخر للذات التي يبحث عنها) (26)، وهذه، طبعاً، فرضية جاك لاكان أحد تلامذة فرويد وأهم شراح نظرياته والداعين إلي العودة إلي قراءته مرة أخري، وكان سعيد الغانمي قد قولب المرآة السيابية علي الرغم من اختلافها من الوجهة الدلالية، ومن الوجهة الزمانية التي كتبت فيها تلك النصوص الشعرية، فهو مثلاً يجعل الأنهار الجافة مرآة تعكس محمولاً سيكولوجياً يتعلق بالذات في أطوار تشكلات الشخصية، وفي أطوار تشكلات الوعي والعلاقة بالآخر، ومن ناحية أخري يظن أنّ كل صورة مرآوية تنطوي علي توجه قصدي من لدن السياب، وتحمل في الوقت نفسه فحوي سيكولوجياً، فهو ينمط الصورة والوضعية النفسية، ويغفل شيئين أساسيين هما:
    نقد كارل بوبر لآليات التحليل النفسي التي أشرنا إليها سلفاً، ويغفل التطورات الحديثة في النظريات السيكولوجية التي توجه نقداً شديداً للقولبة والتنميط، فمنذ فالتر ليبمان (الذي استخدم لأول مرة مصطلح المقولبة في عام 1922) فإنّ الجدل يحتدم حول (نسبة خصائص الجماعة إلي كل فرد من أفرادها، دون أنْ يؤخذ بنظر الاعتبار وجود الفروق الفردية الشاسعة في هذا الشأن.
    فمن الأشياء التي يعرفها علماء النفس وغيرهم من المهتمين بالعلوم الاجتماعية عبر مسيرة خبرات شاقة أنه لا يوجد شيء اسمه الجماعة المتجانسة التي يكون لكل أفرادها سمات وتصرفات متماثلة، فالفروق الفردية تبرز وتهيمن بشكل مطرد، وهي تعتم علي أوجه الشبه التي يمكن أنْ توجد في الجماعة) (27).
    2ـ في معظم التطبيقات الشعرية يفترض الغانمي أنّ التكرار ينطوي علي ترابط دلالي بين عناصر التكرار ومعني مفترض سلفاً، علي النحو الذي بينه في تفسير العناصر الفنية في نصّ عبد الرحمن طهمازي (البرعم والرعد).
    يقول (علي مستوي الصوت تعطينا الأبيات شعوراً متسارعاً بالمرارة، حيث يتكرر حرف الميم مولداً فينا الإحساس بالإغلاق والاختناق:
    الجمرةُ التفّتْ وبين رمادها انعدمتُ وأكملتُ الرمادا والغريب أنّ تكرار الميم ثم الراء لا يقتصر تأثيره علي تفجير الحس المبهم بالمرارة، بل انه يكتبها. فلو جمعنا الميم والراء لكانت كلمة (مرّ).
    ونحن نلتقي بهذين الحرفين في وسط كلمة (جمرة) وفي مقلوب بداية (رماد) وفي أول (مردت).
    بل اننا لو عدنا إلي المرجع الذي يمكن أن تحيلنا إليه قصيدة (البرعم والرعد) ــ وهو سورة الرعد في القرآن الكريم، لاشتراكهما في الاسم ــ لوجدنا أنّ أول آية في هذه السورة هي الحروف: آ ــ ل ــ م ــ ر. ولا يوجد التوتر الدلالي علي مستوي المعاني حسب، بل أن توليد المعاني يمكن أن يعتمد علي الأصوات نفسها.
    فوسائل التنميط الصوتي لا تقلّ فاعلية عن وسائل التنميط الدلالي في توليد المعاني في الشعر) (28).
    لا يخفي هنا الذكاء النقدي في معاينة البنية اللغوية للنصّ وما يمكن أن تعطيه من مرونة تحليلية تمنح نصّ القراءة نفسه القدرة علي الكشف ولنعترف أنّ الأستاذ الغانمي بارع في ذلك، بيد إنّ الترابط بين تكرار عناصرٍ بعينها في نصّ ما وتوليد المعني قضية علي قدر كبير من الحساسية في تاريخ تلقي النصّ، وربما كانت هذه الحساسية إحدي المشاكل التي واجهتها البنيوية والأسلوبية، إذ تفترضان حتمية ما بين العناصر اللغوية الأصلية للنصّ ودلالة ما تحمل معني عقلياً معيناً أو تحمل بنية أسلوبية خاصة.
    وهذا المأزق المنهجي نُقل إلي تطبيقات النقد الأدبي العربي دون الالتفات إلي نتائجه التي تؤدي إلي طريق مسدود في تقدير القيمة الفنية والجمالية للأعمال الأدبية، تلك القيمة التي أُهمل الحديث عنها بسبب الانشغال بقضية الربط بين عناصر لغوية معينة وبعض الدلالات المحتملة.
    3 ــ في تحليله لـ(أرض فقيرة) للشاعر محمد علي شمس الدين، يشدد الغانمي علي قضية سيرة الرأس الأولي ووضعه بين القدمين(29)، وهو يفسر كلّ شيء لكنه يغفل دلالة مركزية ألمع إليها النصّ وهي أنّ سيرة الرأس الأولي ذات ارتباط مرجعي بافتراض تشارلز دارون من أنّ الإنسان أصله قرد، وعند ذلك سينقلب المعني، إنّ الإنسان، في أصله، يمشي كما الحيوان وأسه بين قدميه، وما تلك سوي إشارة إلي السيرة الأولي للإنسان.
    وهي ذات دلالة ظاهرة لارتباط تلك السيرة بالبراءة الوجودية وبالفطرة وبالحرية وبأشياء أخري يريد أن يبرّزها النصّ الذي يقارن بين حالين هما:
    الحاضر المتحضر المدنس، والماضي الفطري المتمدن.
    4 ــ في تحليله قول السياب: مثلما تنفض الريح الغبارْ
    عن جناح الفراشة، مات النهارْ
    يري أنّ السياب يشبه شيئين بشيئين علي غرار بيت بشار بن برد:
    كأنّ مُثارَ النقعِ فوق رؤوسنا
    وأسيافَنا ليلٌ تهاوي كواكبه
    وعلي غرار بيت أبي العلاء المعري: ليلتي هذهِ عروسٌ من الزنـجِ عليها قلائدٌ من جمانِ (30).
    إنّ السياب، هنا، لا يشبّه شيئين بشيئين أبداً، وإنما هو تشبيه واحد، كما يتبيّن من تحليل عناصر التشبيه علي النحو الآتي:
    المشبه ــ أداة التشبيه ــ المشبه به ــ وجه الشبه
    موت النهار مثلما نفضُ الريح ذرّ الغبار عن جناح الفراشة سهولة النفض
    وبعد ذلك يمكن أن نتساءل: إذا ما كان السياب يشبه بهذه الطريقة التقليدية أين يكمن تجديده في بناء الصورة الشعرية؟
    5 ــ يقول الأستاذ الغانمي في تحليل نصّ السياب (الموت والنهر):
    إنّ السياب ينقسم إلي قسمين هما، (بدر شاكر) و (السياب) وهو يريد من خلال ذلك أن يوحّد بين الاثنين، أي بين المؤلف في فترة صمته عن الكتابة، والنصّ المكتوب، ولنتذكر هنا أيضاً إشارته السابقة إلي التوحيد بين رمز المرآة عند السياب والمحمول السيكولوجي الذاتي.
    ويتبني في ذلك مقولة بارت عن موت المؤلف (31)، ويكشف هذا التبني عن تناقض صريح بين ما يدعو إليه بارت وما يدعو إليه الغانمي، إذ أنّ بارت نفسه يقول معرّضاً بالنقد:
    وما زال النقد يردد في معظم الأحيان بأنّ أعمال بودلير وليدة فشل الإنسان بودلير، وإنّ أعمال فان غوغ وليدة جنونه، وأعمال تشايكوفسكي وليدة نقائصه، وهكذا يبحث دوماً عن تفسير للعمل جهة من أنتجه، كما لو أنّ وراء ما يرمز إليه الوهم، بشفافية متفاوتة، صوت شخص وحيد بعينه هو المؤلف الذي يبوح بأسراره (32).
    6ــ يري الأستاذ الغانمي أنّ البنيوية ليست بفلسفة(33)، ولا أظنّ أنّ لذلك الجزم من تبرير سوي تطويع مفاهيم البنيوية وجعلها صالحة للتحليل النصيّ المحايث، والحقيقة هي أنّ البنيوية، علي الرغم من تحدرها من لسانيات سوسور ومن انثروبولوجيا شتراوس، إلا أنها أصبحت فلسفة محددة بمنطق يدعو إلي" نسف فلسفة الكوجيتو، أي الاستغناء عن فلسفة الذات ومحاولة إقامة فلسفة ليس فيها للفاعل دور، ونحن نلمس مثل هذه الفلسفة المستغنية عن الذات في مفهوم الابستمية عند ميشيل فوكو ومفهوم الفلسفة التي بدون مركز عند جاك دريدا) (34). إنّ التحول في مفهوم الفلسفة في الفرضيات المعاصرة يجعل من منظومة الأفكار، التي تُشيّد علي وفق مقدمات منطقية كالمنطق البنيوي، فلسفة في مجال معرفي محدد، وهكذا تصبح البنيوية، في أضعف الإيمان، فلسفة نقدية تعمل علي إظهار الذات والتاريخ من خلال اللغة، وليس من خلال الوثائق التي كانت في يوم من الأيام منهجاً شائعاً في دراسة الظواهر، وهنا يعني ظهور البنيوية ظهور اقتراح يعي الإشكالية المنهجية والفلسفية في آن، لأنّ شيوع المنهج التاريخي، أو المناهج الفيلولوجية بعامة،كما يسميها سوسور، هو توجه فلسفي لعصر من العصور.

    حواشي الدراسة

    (17) د. ماهر عبد القادر محمد علي ــ نظرية المعرفة العلمية ــ ص32ــ دار النهضة العربية ــ بيروت ــ 1985.
    (18) المصدر نفسه ــ ص 32.
    (19) المصدر نفسه ــ ص 36.
    (20) المصدر نفسه ــ ص37.
    (21) المصدر نفسه ــ ص37.
    (22) المصدر نفسه ــ ص 34.
    (23) المصدر نفسه ــ ص33.
    (24) سعيد الغانمي ــ أقنعة النصّ ــ ص 11ــ دار الشؤون الثقافية ــ بغداد ــ ط1 ــ 1991.
    (25) المصدر نفسه ــ ص12.
    (26) سعيد الغانمي ــ منطق الكشف الشعري ــ ص67 ــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ بيروت ــ ط1ــ1999.
    (27) جوردون ر. إمسلي وآخرون ــ اتجاهات علم النفس المعاصر ــ ص33ــ ترجمة د. عبد الله امحمد عريف ــ منشورات جامعة قاريونس ــبنغازي ــ ط1 ــ ليبيا 1993.
    (28) أقنعة النصّ ــ ص 11.
    (29) المصدر نفسه ــ منطق الكشف الشعري ــ ص 176.
    (30) المصدر نفسه ــ ص87.
    (31) المصدر نفسه ــ ص 109.
    (32) رولان بارت ــ درس السيميولوجيا ــ ص82ــ ترجمة ع. بنعبد العالي ــ دار توبقال للنشر ــ ط3 ــ 1993
    (33) أقنعة النصّ ــ ص12
    (34) جورج زيناتي ــ رحلات داخل الفلسفة الغربية ــ ص 106 ــ دار المنتخب العربي ــ بيروت ــ ط1ــ 1993

    AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1522--- Date 4/6/2003

    جريدة (الزمان) --- العدد 1522 --- التاريخ 2003 - 6 - 4

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 13, 2024 2:30 am