منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    قراءة في رواية «الخيول الشاردة»

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    قراءة في رواية «الخيول الشاردة» Empty قراءة في رواية «الخيول الشاردة»

    مُساهمة   الإثنين يناير 04, 2010 12:52 pm

    قراءة في رواية «الخيول الشاردة»
    لبهي الدين عوض (1)

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد

    (1)
    يقول الدكتور سهيل إدريس في مقالة بعنوان «تجربتي الروائية »: «أكره الشروط فنية أو غير فنية، يشرعها النقاد. لكل كاتب شروط يفرضها مزاجه وحساسيته، أعطني حساسية متفردة وأطح بكل نظريات النقاد.
    لم أكتب ما كتبت تحت مسطرة المنظرين، أكره المنظرين، وأُحب المحللين، أحب هؤلاء لأنهم يأخذون ما أكتب، فيستخرجون منه ما لم أكن أعيه، يقرأون ما لم أكتب، بل ما أوحي به، كل ما يستطيعون أن يطلبوه مني أن أكون صادقاً مع نفسي، فلأكن كذلك، وليتدبّروا هم بعد ذلك أمرهم مع النص» (2).
    وكتابات القاص بهي الدين عوض في القصة القصيرة والرواية تنطق بهذه الفقرات التي نقلناها آنفاً.
    وقد أصدر بهي الدين عوض ثلاث مجموعات قصصية، هي: «الفارس الآتي إلينا» (1980م)، و«سنوات الحب والموت» (1988م)، و«ثأر الموتى» (1988م)، وأصدر أربع روايات، هي: «أنشودة البطل» (1981م)، و«عيون في وجه القمر» (1987م)، و«رائحة النبع» (1995م)، و«الخيول الشاردة» (2000م).
    وتثير كتابات بهي الدين عوض إشكالية في التصنيف النوعي، فهي مما يُمكن أن نسميها «نصوصاً عبر النوعية»، (وتسميها زينب العسّال في دراستها للماجستير التي نوقشت منذ أسبوع «تفاعل الأنواع»، ويسميها آخرون بـ «تعدي النص»، وسنرى نحن أنها «رواية» من نوع خاص، تثير إشكالية في التصنيف.
    وإذا كان الأدب تفاعلاً بين الكاتب وموضوعه، فلا شك أن «الذاتية تخلق في العمل الفني تميزاً، بقدر ما تهيئ له الموضوعية تقويماً صادقاً للتجربة الإنسانية» (3).
    وتتضح ذاتية الكاتب التي لاحظناها في رواياته ومجموعاته القصصية السابقة، من ميلٍ إلى معالجة موضوعات روائية تتسم بقلة الأحداث، مع عدم الاهتمام الدقيق ـ أحياناً ـ برسم الشخصيات، الذي يوضح ملامحها الفارقة، لكنها ـ أعماله القصصية جميعاً ـ تتميز بشعرية اللغة.
    الرواية كلها تسير في هذا الإطار، فاللغة مقطرة، لا يهمها التعبير عن الأحداث والأشخاص بحيادية كنجيب محفوظ في «زقاق المدق» الذي يرسم كل شخصية بصورة لا يُمكن أن تنطبق على غيره، فمثلاً يقول في وصف «عم كامل» صانع البسبوسة «هو كتلة بشرية جسيمة، ينحسر جلبابه عن ساقين كقربتين، وتتدلّى خلفه عجيزة كالقبة، مركزها على الكرسي ومحيطها في الهواء، ذو بطن كالبرميل، وصدر يكاد يتكوّر ثدياه، ولا ترى له رقبة، فبين الكتفين وجه مستدير منتفخ، محتقن بالدم، أخفى انتفاخه معالم قسماته. فلا تكاد ترى في صفحته لا سمات ولا خطوط ولا أنف ولا عينان، وقمة ذلك كله رأس أصلع صغير لا يمتاز عن لون بشرته البيضاء المحمرة. لا يزال يلهث ويشخر كأنه قطع شوطاً عدواً، ولا ينتهي من بيع قطعة بسبوسة إلا حتى يغلبه النعاس. قالوا له: ستموت بغتة، وسيقتلك الشحم الضاغط على قلبك، وراح يقول ذلك مع القائلين، ولكن ماذا يضيره الموت وحياته نوم متصل؟!!» (4).
    لكنك تبحث عن ملامح فارقة بين صفوان ومصباح، أو قوت القلوب وروح الفؤاد فلا تجد، لأن الكاتب انشغل في تصوير أجواء القرية الساحرة (كأنه يرمز بها إلى مصر) والوافدين الجدد (كأنه يرمز بهم إلى إسرائيل، وأدار الصراع التجريدي بين أبناء القرية والوافدين الجدد في حروب مشتعلة، يقترب تصويرها من لغة الشعر:
    «مدَّ صفوان نظراته في الأنحاء المترامية، لمعت أمامه حقول الذهب، وتموجت أمواجها في جمال وبهاء، وتألقت باسقات النخيل في شموخ وكبرياء، كل شيء في الطبيعة يحن إلى فطرته. الأبقار تخور في المراعي الخضراء، والأغنام تثغو على الشطآن، وأسراب الطيور تزف نفسها وهي تتواكب جماعات جماعات، والفلاحون تجذبهم الفئوس إلى الأرض العفية.
    صهل الحصان، التفت إليه صفوان، وما أن رآه حصانه حتى رفع خصلات رأسه، وتفرقت خصلات شعره على الجانبين، عاود الحصان صهيله .. ذهب إليه صاحبه، وداعب خصلات شعره. اهتز الحصان ... » (5).
    إن بهي الدين عوض في روايته هذه يقدم عالماً مترعاً بالجمال، تُحس فيه بوحشية الجمال البدائي، وهذا ما ساعد الروائي / أكاد أقول الشاعر في تقطير هذا الجو، وتحويله إلى أطياف، وكأننا نرى العالم من خلف ستارة شفافة، أو نراه في مرآة الروائي / الشاعر.
    لقد قسّم صلاح فضل الرواية إلى ثلاثة أقسام: الرواية الملحمية، والرواية الغنائية، والرواية السينمائية (6).
    وهذه رواية بهي الدين عوض تتأبّى على تصنيفه، وتكاد تكون رواية شعرية، يصور من خلالها الحياة الجميلة التي كانت تعيش فيها القرية آمنة مطمئنة، حتى أتاها أبناء بلاد المياه المالحة بنواياهم السوداء، وخططهم الشريرة، وحاولوا أن يقضوا على نسغ هذه الحياة الخضراء، ولكن هيهات!.
    وبرغم نجاح الكاتب في هذه الرواية ـ التي تكاد تخط مع رواياته الأخرى ـ مساراً جديداً في الرواية العربية، إلا أنه وقعت في بعض الأخطاء منها خطآن ظاهران. الأول: التعقيب على بعض الأحداث والمواقف بطريقة تقريرية مباشرة، والثاني: أنه كرّر كثيراً من التفصيلات الزائدة عن الحاجة، وبخاصة ما يخص الخيول، ومزمار مصباح الذي لا يُفارقه!
    ـــــــــــــــ
    الهوامش:
    (1) ألقيت في مركز إعلام الجنوب بالزقازيق، في 15/8/2001م، وكانت تحت عنوان «رواية الخيول الشاردة وإشكالية التصنيف».
    (2) د. سهيل إدريس: الحي اللاتيني، سلسلة «آفاق عربية» العدد (43)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2001م، ص(و).
    (3) د. سيد حامد النساج: بين الرومانسية والواقعية، ط1، مكتبة غريب، القاهرة 1981م، ص125.
    (4) نجيب محفوظ: زقاق المدق، ط11، مكتبة مصر، القاهرة 1985م، ص6.
    (5) بهي الدين عوض: الخيول الشاردة، منشورات اتحاد الكتاب (12)، مركز الحضارة العربية، القاهرة 2000م، ص10 ،11.
    (6) انظر د. صلاح فضل: أساليب السرد في الرواية العربية، سلسلة «كتابات نقدية»، العدد (36)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1992م.




    مدونتي:
    http://hamohd99.maktoobblog.com/

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 12:25 pm