منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    "دلالة الزمن الفني في قصة "ما حدث لي غدا" للقاص السعيد بوطاجين

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    "دلالة الزمن الفني في قصة "ما حدث لي غدا" للقاص السعيد بوطاجين Empty "دلالة الزمن الفني في قصة "ما حدث لي غدا" للقاص السعيد بوطاجين

    مُساهمة   الأربعاء يناير 06, 2010 5:38 am








    "دلالة الزمن الفني في
    قصة "ما حدث لي غدا" للقاص السعيد بوطاجين











    توطئة:


    يحاول المبدع السعيد بوطاجين
    تأسيس نمط مستحدث للقصة الجزائرية بعيدا عن المعمارية السردية المتعارف عليها قصد
    إحداث طفرة من شأنها أن تخرج النص القصصي الحالي من الرتابة وتكرار الأنماط
    المستهلكة.



    وهذا الهاجس الذي يسكن
    القاص نجده مجسدا في هذه القصة التي لا تحتويها قراءة بقدر ما هي فضاء نصي متشعب
    ومشبع لا أزعم أني وجدت مفتاح شرحه وإن كان شرح العمل الأدبي شهادة وفاته في
    تصوري.





    1-
    دلالة الزمن في العنوان





    يبدو عنوان القصة
    "ما حدث لي غدا" مستفزا، يحمل لغزا يصعب فكه بدون قراءة القصة كاملة
    بتبصر وتركيز، فمنظومة هذا النص متمردة على العملية السردية العادية التي نجدها في
    القصة التقليدية المكشوفة وفهم العنوان يستدعى تفكيكه إلى عناصره البسيطة فلفظة
    "حدث" توحي في العُرف الصرفي المعهود أن القاص يحكي عن أحداث مرت










    عليه وانتهى أمرها
    ولكنه اقترن الفعل الماضي "حدث" بظرف زماني يفيد المستقبل
    "غدا" فأنتج هذا القران بنية نشازية لكنها عميقة الدلالة حيث أن فعل
    الحكي مستمر في القصة لا يخضع لأبعاد الزمن، فهو لا يعترف بحدود الأزمنة وعدم
    الاكتراث بها مرده استنساخ الحاضر لنفسه وتعطل عجلة التحول والتغيير فالسكونية حلت
    محل الحركية والماضي المظلم الباقي يقود الحاضر إلى حتفه فيكرر نفسه باستمرار دون
    وعي أو دراية منتجا السآمة والإملال.











    إن القاص من خلال هذا
    العنوان لا يستشرف المستقبل بحكم أن هذا الأخير منعدم، فيعود بنا إلى الماضي الذي
    يعيش بيننا ماضي التعصب والعصبية حيث الفكر القبلي الضيق والبدع والتخلف والرجعية
    علاماته: "في الأسابيع











    الماضية ستظل جيوبي
    محفوفة بالصدى وأبي لهب.." ص49.



    يؤكد القاص من خلال
    لعبته الهادفة مع الزمن رغبته في إحداث القطيعة مع ما يجره خلفا، لأنه لم يخلق
    ليكرر نفسه والشيء نفسه ينطبق على المجتمع فيحتج رافضا المساومة مفضلا حصر وجوده
    في عالم الورقة ومخاطبة الذات: "فقد فكرت في عمل ما لتفادي الانتحار، وانتهى
    بي الأمر أن اخترت الإبداع" ص48



    لقد تعطل الزمن الخطي
    ومعه التحول الإيجابي وأصبح كل تغيير مشروعا مآله الرفض المطلق، وكل رجاء جريمة
    عارها لا ينمحي إلا بجرة قلم يرفض الموت في فضاء الورقة العذر "... أصبح وجها
    حقيقيا للزمان الجثة.." وبين الذكريات والهذيان الرسمي أرسم صورة لنوح وتحتها
    أكتب: متهم لأنك أتيت قبل الأوان" ص49. فالمستقبل غير مرسم بفعل انعدام فعل
    الحركة والتحول، فهو صورة طبق الأصل للماضي الذي يأبى الدخول في الشرعية، ماض
    مستبد، يبث مفازعه ويرهب العقلية المتفتحة التي تقاوم التحجر والانغلاق
    الهدام".. ويجب أن لا تصدوني، فأنا كذاب أفاك لا أصلح لحياة ميتة لأني ملتزم
    إنما أفضل ميتة حية ظالمة أو مظلومة." ص 50 والقاص في وسط هذا الحضور الشاذ
    للماضي البليد المتعفن يعيش نزيفا رهيبا لتطلعاته المشرْوعة التي جسدها في عالم
    النص السوي المقابل للواقع الشاذ المنهار، وفيه أعاد الاعتبار للزمن المألوف
    وحركيته وأسقط الزمن المزيف غير الشرعي الذي يمارس سلطانه على الحقيقة المروية
    والمسموعة لدى الورى والتي لا ينتمي إليها القاص لأنه خارج دائرة التعميم، فهو خاص
    بأحلامه، ووعيه المتجاوز ورؤيته الثاقبة، ولا يجد ما يحمل هاجسه المركزي إلا بكاء
    القلم وإبطال مفعول الزمن المزيف الجائر الذي تقمص الماضي البالي، فأغرق الواقع في
    فوضى وعبثية تكاد تصبح قانونا وضعيا يتحكم في العلاقات البشرية فيتفرد القاص
    بتمرده عليه كي لا يموت ونقصد الموت النفسي والفكري لا الجسدي وإن كان هذا الأخير
    أهون لأنه منحصر في الفرد لا الجماعة: "... أتأمل عباد الله وهم يدخنون
    ويبتسمون.. ويقولون السلام عليكم، وعليكم السلام كيف حالك؟ أنا بخير والحق أني
    أحسدهم لأني لا أعرف إن كنت بخير أم لا.." إنه فعل الاندهاش والانفصام من
    واقع مزيف نصبه الناس على أنه الشرعي والموجود.






    2- اللغة وعلاقتها بالذات المنشطرة




    لغة القصة مشحونة
    بدلالات الاغتراب، منشطرة، متمردة على القاموس الصرفي المألوف، تريد اختراق
    الممنوع في عالم يتحكم في مصيره المعيارية الثابتة (ماض-حاضر-مستقبل)
    (رضيع-طفل-شاب-كهل-شيخ) "تناثرت على مقعد خشبي.. قذفت رجلي.. غفرت ذنب نملة..
    وعضت يدي الشمالية (لي عدة أيد فائضة عن الحاجة)" ص47 بات من الواضح أن القاص
    غمر نصه الغرائبي بسيل من الألفاظ المروضة بحيث تجسد انشطارية الذات.. ذات منفصمة
    مع نفسها ومنفصلة مع الواقع، تعيش لحظات العبث في أقصى درجات الضجر، هذا الأخير لا
    يقاوم إلا بالعبث ورفض المنظومة الوجودية التي أوجدته فالضبابية في ملة القاص منفذ
    حر للتنفيس عن هلجات "الأنا" المقهورة والمضطهدة ولمجابهة لا معنى
    الحياة المسكونة بالنفاق والزيف لا بد من تشويه علني ومفضوح للقيم الزائغة التي
    يتعامل معها الأنام، وكأنها مصدر الاستقامة والسمو الروحي وقد وجدنا هذا التشويه
    الجريء في لغة القصة الموظفة توظيفا محكما لتعبر عن هذه الذات الممزقة التائهة
    التي لم تجد من وسيلة تفريغ مآسيها إلا اللفظة الجريئة غير قابلة للشتات، المحركة
    للمعنى والدفع بها إلى أقصى دلالاتها، فقد مارس القاص قمعا لغويا كما مارس الواقع
    قمعه الخاص عليه.



    إن القصة حقل، يحمل في
    طياته علامة الاندهاش التي نجدها عند الطفل الكائن الحي الذي لم يبرح القاص بل
    استعان به ليفهم ماذا يجري في بيئته لأنه رمز الصراحة المطلقة ومخيلته هي الوحيدة
    القادرة على احتواء الواقع وتفسيره، فالوعي في مثل هذه المواقف عاجز على ذلك
    والقاص نموذج لذلك، ولذا تقمص
    ذات الطفل وفي بعض
    الأحيان ذات الإنسان البدائي ليتعامل مع المحيط الذي يحاصره لأنه بدائي أو بالأحرى
    قاصر: "بالسبابة رسمت على صفحة الهواء دائرة صغيرة... بإعجاب ودهشة رحت أخربش
    وأمحو، إنني لعظيم حقا، في القنينة وضعت صفصافة وقمرا..." ص48



    إن الواقع صبياني غير
    ناضج، لم يعد للبلوغ فيه من الزمن تعطل، تسيره الأهواء الهابطة والرداءة المكشوفة
    القاص أمام خيارين: تصويره بمنظار المصلح وفي هذه الحالة النص غير قابل لممارسة
    عليه الشذوذ اللفظي أو وصفه برؤية الطفل التي تبيح لنفسها كل شيء حتى تكسير اللغة
    ونفي المألوف عنها إلى درجة الهلوسة: "..وأنا أنوي إصلاحك ردد "أنا"
    ... وفيها دوار موزون ومقفى."، ".. لأقيس بؤس الأرصفة.. أتلذذ بالنهارات
    التي تركلني.." ص49 ".. سلاما على الذين يعرقون من أسنانهم."ص53.
    إنها عينة من التشكيلات التعبيرية المكونة للمشاهد القصصية والتي أزاحت النمط
    التقليدي لبنية اللفظة والجملة وحلت محلها بنية النص المستفز الذي لا يستقر على
    الأشكال التعبيرية المستهلكة فهو ملغوم ومكسو بالغموض الفني وعلى القارئ الصاحي أن
    يفجر ألغامه بحذر شديد وإلا شطط وتاه.



    3- الجد ومقولة الماضي المشرق


    لقد ضمن القاص في منظومة
    نصه مقطوعة شعرية نفند ما قد نفهمه ونحن نقرأ القصة قراءة سطحية غير واعية فالقاص
    وهو محارب للماضي المنتج لنفسه لا يمانع أن يكون وجهه المشرق لا المظلم منارة
    نهتدي بها لنعبر بسلام نحو المستقبل الزاهر الحافل بالابتكار والإبداع وإنتاج
    المعرفة، فهو يحلم بأن تكون العلاقة بين الماضي والحاضر سوية وصحية بعيدة عن
    التعصب والانطوائية المهلكة فالماضي بشقه المشرق المجسد في أعلامه كالجاحظ، ابن
    خلدون، ابن رشد نقطة انطلاق يجب تفعيله وبثه، لأنه حافز للسير نحو المستقبل بثبات
    وثقة ولهذا فإن الجد الذي يعترف القاص بانتسابه له هو الجاحظ، ابن خلدون، ابن رشد،
    فهو من سلالتهم ولابد من إعمار الذاكرة بتفكيرهم
    المستنير الذي حافظ على عقلانية الأمة. إن
    التواصل بين الماضي التليد والحاضر كفيل بأن نعيد للزمن أبعاده التي غيبها الواقع
    الذي يستنسخ ماضيه البالي المظلم











    حيث الجمود والبدعة
    والهزيمة من سماته الأولى فالقاص يتمنى أن يكون امتدادا فكريا لجده وهذا لا يعني
    إعادة ما أنتجه من معرفة وإنما طرحه المنهجي والموضوعي للأشياء مع توخي المنطق
    والتأمل: "وكان جدي يقول لي:



    يا ولدي..


    لا تبك فدموع الصغر


    تمضي كالحلم مع
    الفجر..



    فانظر في قلبك ستراني


    لن يقوى القيد على
    الفكر.." ص 54



    وفي الأخير، فإن الجد
    رمز الحكي المستمر والدفء ومصدر الحكمة في العرف الإنساني، يأخذ في نظر القاص
    مكانة المتبصر والمؤسس للقيم الحقيقية التي ضيعنا بريقها ولكن ليس إلى الأبد،
    فالأمل باق مادام يعيش في صدورنا.










    "دلالة الزمن الفني في قصة "ما حدث لي غدا" للقاص السعيد بوطاجين Image007



    <table width="100%" cellpadding="0" cellspacing="0">
    <tr>
    <td>


    تنوي المجلة تخصيص أعدادها القادمة
    للمحاور التالية:




    1- العولمة: (المفهوم، الثقافة، الاتصال،
    التكنولوجيا، الفلسفة، الأخلاق، العلم، التقاليد).


    2- فلسفة التاريخ.

    3- تجربة الصحافة الجزائرية.

    4- الأدب الجزائري المعاصر.

    5- الإشكالية اللغوية في الجزائر والعالم
    العربي.


    6- الخصوصيات الاجتماعية والنفسية للمجتمع
    الجزائري.


    7- شخصيات تاريخية في الفكر والأدب.



    فعلى
    الزملاء الأساتذة والباحثين الراغبين في المشاركة بعث إسهاماتهم إلى عنوان
    التبيين.



    </td>
    </tr>
    </table>



      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 6:45 pm