منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الـصيـغ السـرديـة وآليـات اشتغالـها

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الـصيـغ السـرديـة وآليـات اشتغالـها Empty الـصيـغ السـرديـة وآليـات اشتغالـها

    مُساهمة   الإثنين يناير 11, 2010 4:33 am



    الـصيـغ السـرديـة وآليـات اشتغالـها

    في رواية "شرفات بحر الشمال" لواسيني الأعرج

    أ – زوزو نصيرة

    قسم الأدب العربي

    كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية

    جامعة محمد خيضر بسكرة



    تشكل الصيغة السردية إحدى الأصناف المشكلة للخطاب الروائي التي تنتظم وفق نمط معين يعطيها تميزها و تفردها عند كل كاتب. و هذا ما يدل عليه تعريفها التالي.

    1- مفهوم الصيغة (Le mode):

    الحديث عن الصيغة السردية أو نمط السرد كما يذكر تزفتان تودوروف (Tzvetan Todorov) هو حديث عن« الكيفية التي يعرض لنا بها السارد القصة، و يقدمها لنا بها» (1)

    و بعبارة أخرى نقول: إن البحث في نمط السرد، هو بحث يتعلق بالتساؤل التالي بخاصة: كيف يروي الراوي ما يرى، أو ما يعرف من أخبار ووقائع ؟ (2)

    ولفظة الصيغة مأخوذة أساسا من مجال النحو، خاصة نحو الأفعال (*) ومثل هذا التنوع الصيغي للأفعال موجودة في أدبنا العربي، فنجد صيغة الماضي، و صيغة المضارع، وصيغ المبالغة. ونقول « صيغة الأمر كذا و كذا؛ أي هيئته التي بني عليها» (3).

    فنحو الأفعال هذا هو ما يشير إليه جيرار جنيت (Gérard Genette) ، و يعول عليه في دراسة للخطاب السردي، إذ تستطيع الحكاية أن تزود القارئ بتفصيلات كثيرة أو قليلة، و بطريقة أكثر مباشرة أو أقل، و هي في ذلك تضع نفسها على مسافة بعيدة أو قريبة مما تحكيه(4).

    وتعرض هذه التفصيلات على طريقتين، فهناك ما يقوله السارد أو الراوي، و ينقله من أحداث ومعلومات، و ما تخبر به الشخصيات ذاتها .

    من هنا جاء تقسيـم البويطيقـي "تودوروف" لأنمـاط السرد إلى الحكي و التمثيـل أو العرض، و يضرب لذلك مثالين بالقصة التاريخية التي تعتمد على المؤلف فقط في نقل وقائعها، والدراما التي تعبر فيها الشخصيات مباشرة عن نفسها، و ما يجول بخاطرها دون وساطة المؤلف . (5)

    وإذا أرجعنا البصر إلى الوراء، نجد أن أفلاطون أول من ميز بين صيغتين سرديتين، أسمى الأولى حكاية خالصة (Diégesis) و فيها يظهر الشاعر نفسه هو المتكلم، دون أن يشعرنا بوجود شخص آخر يقاسمه الكلام، على خلاف المحاكاة (Mimésis) التي يجهد فيها الشاعر نفسه؛ ليوهمنا بأن ليس هو المتكلم بل شخصية ما . (6)

    فإذا حاولنا اسقاط ما قلناه سابقا على الخطاب الروائي، تظهر طريقتا العرض والحكي كتشكيل إبداعي، يحاول الراوي المزاوجة بينهما، فقد يتخفى أحيانا وراء شخصياته حتى لا يكاد يظهر، حين يدع المجال لها مباشرة. من هنا كانت « الصفة الرئيسية في السرد القصصي انفتاحه، فهو يرصع المشاهد بالحوار، الذي يمكن أن يمثل» (7) و قد يعمد إلى السيطرة على الأحداث ككل .

    يتضح لنا من خلال ما سبق، أن المقصود بالصيغة عامة طريقة محددة، يعمد من خلالها الراوي إلى بناء عالم قصِّه و تقديمه للقارئ في لبوس خاص، يستعين فيه بسبل شتى. و من هذا المنطق جاء تنوع الصيغ السردية الذي سنعمد إلى تحديده في العنصر الموالي.

    2- أنواع الصيغ السردية :

    انطلاقا مما ينقله السارد من أحداث ووقائع، وما تقوله الشخصيات بوساطة السارد أو دونه؛ أي بين الحكي و التمثيل أو العرض، ميز "جنيت" فيما أسماه بالمسافة بين حكاية الأحداث و حكاية الأقوال .

    ففي النوع الأول يحكى ما تقوم به الشخصيات أو ما يقع لها، ويورد لهذا النوع مقطعا سرديا مكثفا بأقوال الشخصيات لإلياذة هوميروس، يعيد أفلاطون صياغته بحذف ما يراه منافيا للحكاية الخالصة؛ أي أيّ أثر للمحاكاة .(Cool

    أما النوع الثاني، فيتعلق بكلام الشخصيات التي يجعلها السارد موضوع سرده، وفي هذه الحالة إما أن يصبح السرد شفافا أين ينمحي السارد أمام الشخصية، و يعيد إنتاج كلامها كما تم التلفظ به واقعيا، أو أن يكون أكثر تعتيما حين يدمجه في خطابه الخاص. (9)
    من ثم نجد جنيت يميز بين ثلاثة أنواع لصيغ الخطاب هي: (10)

    2-1- الخطاب المسرد أو المحكي (Le discours narrativisé) :

    و يتعلق الأمر بايراد السارد أفكار الشخصية لا أقوالها، و هو أبعد الحالات مسافة. من ذلك قول "مارسيل" بطل رواية بحثا عن الزمن الضائع "a la recherche du temps perdu" لأمه: "أخبرت أمي بعزمي على الزواج بألبيرتين" .

    2-2- الخطـاب المحـول بالأسلـوب غيـر المباشـر(Le discours transposé au style indirect)

    وفيه يعمل السارد على نقل أقوال الشخصيات بطريقة غير مباشرة؛ أي التعبير عنها بأسلوبه الخاص. مثل: "قلت لأمي إنه لم يكن لي بد من الزواج بألبيرتين" .

    وعلى الرغم من أن هذا الشكل أكثر محاكاة من الخطاب المسرد، إلا أنه لا يقدم للقارئ عموما إحساسا بأمانة حرفية هذه الأقوال؛ لأنه يخضع لتصرف الرواي فيه.

    ويدخل ضمن الخطاب المحول نوع آخر و إن كان يختلف عنه، يسمى الأسلوب غير المباشر الحر(Le style indirect libre) الذي يغيب فيه الفعل التصريحي مثل "قصدت أمي: لم يكن لي بد من الزواج من بألبيرتين" .

    على أن هذا الشكل قد يحدث خلطا مزدوجا؛ إذ قد تعبر الجملة الثانية عن أفكار مارسيل وهو قاصد أمه، والأقوال التي خاطبها بها؛ أي بين الخطاب الداخلي و الخطاب المصرح به من جهة ، و خطاب الشخصية و خطاب السارد من جهة أخرى .

    2-3 الخطاب المنقول (Le discours rapporté):

    وهو من النمط المسرحي و أكثر الأشكال محاكاة؛ ففيه يفسح السادر المجال للشخصية، لتعبر عن نفسها بطريقة مباشرة، مثل "قلت لأمي: لا بد لي من الزواج من ألبيرتين".

    فالراوي هو المؤطر العام لمثل هذه الأنواع من الصيغ، و هو المتحكم الأوحد في طريقة عرضه لها ضمن الخطاب .

    و يفترض جنيت - في الأخير - بدء رواية ما بجملة "لا بد لي من أن أتزوج بألبيرتين" لتستمر محصورة ضمن أفكار البطل و أفعاله حتى نهايته، وهو ما يقترح تسميته بالخطاب المباشر (Le discours direct) بدل المونولوج الداخلي (le monologue intérieur) وهو في ذلك يدعو إلى ضرورة التفريق بينه و بين الخطاب غير المباشر الحر، إذ يختفي السارد في النوع الأول لتحل محله الشخصية على خلاف الثاني، أين يتكلم السارد بلسان الشخصية . (11)

    هذه هي -إذن -صيغ الخطاب الروائي، التي تظهر أقصى درجات دقتها في الخطاب المباشر، كما يقول "تودوروف"؛ أي الخطاب المنقول، وأدناها في قص الوقائع غير اللفظية(12) ؛ أي حكاية الأحداث كما سماها "جنيت" .

    من هنا كان تنوع استعمال هذه الصيغ السردية عند كل روائي، هو ما يميز أعماله عن باقي الكتابات الروائية، و سنحاول فيما يلي كشف طريقة بناء هذه الصيغ في رواية "شرفات بحر الشمال"، لنقوم بمحاولة تركيب نكشف من خلالها عن خصوصية الصيغة فيها.

    3- الصيغ السردية في رواية (شرفات بحر الشمال):

    ينطلق القص قبيل استعداد ياسين (الراوي/البطل) مغادرة أرض الجزائر؛ للارتماء في أحضان إحدى مدن بحر الشمال "أمستردام" بدعوى حضور مؤتمر للفنون الجميلة، وقد وجد الفرصة سانحة، مع رغبته المحمومة في نسيان ماضيه الأليم من جهة دون محاولة الارتداد إلى الوراء.. « عندما نريد أن ننسى دفعة واحدة علينا أن نتعلم كيف نتفادى النظر إلى الخلف حتى لا نُجرّ إلى نقطة البدء. كل التفاتة هي محاولة يائسة للبقاء»(13) والبحث عن "فتنة" المرأة التي سرقت راحته بغيابها الذي أوصله إلى عتبات الجنون من جهة أخرى. لكن هيهات فذاكرته تجره دوما إلى ماضيه البعيد، فتعيد استحضار أيام طفولته مع والدته، و إخوته "زليخة" و"عزيز" وحكايته مع "فتنة" و"غلام الله" لتزيد أمطار أمستردام و لقاء حنين الشاعرة الجزائرية التصاقا بها. و هذا ما يعبر عنه في حديثـه إليهـا:« لقاؤك بي الآن هو إيقاظ لهذه الجروح التي ليست في حاجة إلى من يزيد في غورها» (14)

    ليكتشف لاحقا حقيقة هذه المرأة، التي لم تكن سوى "نرجس" ذلك الصوت الإذاعي الذي عشقه، ودفعه إلى حب الكتابة و علمه سحر الكلمات. تعرف عليها صدفة من قبل ، وبالصدفة التقى بها مجددا في المنفى، وذاتها من قادته إلى "كليمونس" ليزور برفقتها قبر والدتها عازفة الكمان، وقد ظنها "فتنة"، ليبقى رهين هواجسه حتى تسلمه الأقدار مرة أخرى إلى رجل سكير، وشيخ مغربي قاده إلى قبر "تينا الوهرانية"، وقبور منسيين آخرين تعرف على جزء من حياتهم .. لينهي رحلته بمغادرة أمستردام إلى أمريكا.

    وسنعمل فيما يلي على رصد صيغ الخطاب الروائي السابقة التي يظهر فيها تناوب صيغتي المسرود والمنقول، لينضاف إليهما المحول في مرتبة تالية من حيث الكثافة.

    3-1- الخطاب المنقول ومؤشرات توقفه:

    تشغل الخطابات المنقولة الحيز الأكبر ضمن الرواية، و تأتي على شاكلتين يأخذ الحوار جانبا منها ليكمل النقل الحرفي المباشر لكلام شخصية ما الجانب الآخر.

    أما الكلام الفردي فيتنوع من قبل شخصيات عدة حاضرة أو غائبة، تساهم في تشكيل بنية خطاب الرواية مثل فتنة وزليخة و عزيز و غلام الله خاصة، كما يكون النقل على لسان شخصيات كثر. وهي جميعا أصوات روائية تتداخل ضمن الخطابات المنقولة لتؤدي أغراضا يكفلها الموقف ذاته، على أن هذا لا يمنع غلبة بروز إحداها على الأخرى؛ فللشخصيات السابقة الحظوة والرواج على شخوص أخرى.

    يقف إلى الجانب هذا الحوار كجزء متمم للخطابات المنقولة الفردية، ويقصر الحوار في مواضع ليطول في أخرى ليبلغ صفحة أو أكثر. وقد جاء معظمـه بين ياسين و فتنة وبينه و حنين، مثل ما دار بينهما من محاورة مطولة، استرسل فيها ياسين للحديث عن أيام طفولته حين كانت أمه و زليخة تجتهدان في صنع أواني فخارية و بيعها لكسب قوتهم، وكيفية تعلم هذه الحرفة منهما، وعشقه لصوت المذيعة نرجس، و تعلقه الشديد بحصتها وحكاية موت زليخة .. (15) أو في حواراته مع شخصيات أخرى أجنبية في أمستردام، مثل كليمونس، وفيلهام "مدير المؤتمر"، و نورما "موظفة بمديرية الأرشيف"و ماريتا"مستقبلة ياسين بالمطار"

    كما نجد نمطا آخر من الحوارات تنسجها مخيلة الراوي ياسين كمحاورته مع الرسام الهولندي "فان غوخ" (**)، أثناء زيارته لمتحفه:

    « - لا شيئ. لم تعد الدنيا كما أشتهيها، لو خرجت من هذا الدم حيا سأعاود الكرة

    - ماذا فعلت في نفسك ؟

    - لا شيء سوى أني أتمنى أن أجد إنسانا يأخذ أصابعي و يرسمني و أنا في هذه الحالة.

    - ماذا فعلت يا فان غوخ ؟ » (16)

    ويمكن أن نقول: إن تداخل أقوال الشخوص الفردية مع حواراتها المختلفة، هو ما يشكل بناء الخطابات المنقولة عموما.

    تضم "شرفات بحر الشمال" علامات نستدل من خلالها على توقف المنقول فيها، للانتقال به إلى صيغة المسرد عموما أو المحول و الأسلوب غير المباشر الحر .

    ومثل تلك المؤشرات ملفوظات بعينها تختص بها المحاورة، كالمكالمة الهاتفية التي دارت بين ياسين و ماريتا، انتهت بقوله: « شكرا أنا في الانتظار» (17)

    وقد نستدل بعلامات أخرى تنتشر في غير موضع، وهي نقاط متتالية لعدم إنهاء الكلام أو قطعه، توهم بعض الشيء بانهاء المنقول، ليوحي الفضاء الطباعي إلى جانبها بذلك، وهذا دليل عليها في محاورة جمعت ياسين وحنين:

    «- إذن كليمونس كانت معك وهي تعرف حقيقتك

    -و لكنها كانت تعرف كذلك أن في الدنيا مليون كليمونس

    - ولكن بالنسبة لك لا توجد مليون كليمونس أمها عازفة كمان، و قادمة من بلد غريب ومن ثقافة أخرى .

    -و لكن ... » (18)

    وقد يتم الانتقال فجاء؛ بانقطاعات يحدثها خطاب الراوي أثناء تداعيات أفكاره خصوصا. و هذا ما سيتوضح أكثر في حديثنا عن الخطاب المسرد.

    3-2- الخطاب المسرد وطرائق تشكيله، و مؤشرات توقفه و خلوها:

    يشغل الخطاب المسرد جانبا آخر يكمل الخطاب المنقول و يتكاثف معه؛ لاستكمال بناء الرواية. وهو ما يقوم على عاتق راوي الأحداث "ياسين"و بطل الرواية في الوقت ذاته، الذي يلعب الدور الرئيس، حين يعمل ذاكرته لسرد قصته بكل تفصيلاتها، مع ما يتخللها من أخبار مختلفة. من ثم كان أول عنصر ندرجه ضمن طرائق تقديم الحكي الإخبار:

    3-2-1- الإخبار:

    تتعلق المادة الإخبارية هنا بشكل عام بسيرة الرواي- البطل وما يداخلها من أحداث هامة و تفصيلات دقيقة. و هي معلومات تتدفق بصورة غير منتظمة في ترتيبها؛ نظرا لانقطاعات تستدعيها عودة إلى حاضر، سرعان ما يرتد إلى ماض يعود إلى أيام الطفولة التي يقاسمه لحـظاتها القارئ. فنـشهد معه انتقاله إلى أمسـتردام بعد أن فقد طـعم الحياة داخل وطنه. يقول: « عندما أقرأ كومة الأيام والسنوات التي مضت، ماذا أجد؟ مرض القلب الذي يتعاظم كل يوم، ذهاب عزيز في سن مبكر، لم يتح له القتلة فرصة النوم في حجر أمه للمرة الأخيرة، اندثار عمي غلام الله، معلم المدينة الذي ظل السبع السنوات ينشد قرآنه لمن أراد أن يسمعه، انتحار الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، وقلوب معلقة على الآتي الذي يكشف كل يوم وفي كل الأوقات، عن بعض سره المخيف » (19)

    وعلى رغم من ذلك، فقد ظلت هواجس الماضي تقض مضجعه مع ملامح حاضر ومستقبل غير واضحين. فكل خطوة يخطوها بأرض المنفى تذكره بوالدته، وزليخة وعزيز و فتنة و نرجس، وتدفعه إلى ما يزيد حزنه بمعرفة قصص أخرى كانت الصدفة السبب الأول فيها خلال رحلة بحثه عن فتنه.

    كل هذا نتمكن من معرفته من خلال ما يخبر به الراوي، الذي ينزاح في كثير من الأحيان عن قصته ليحيطنا علما بجوانب حياتية لشخصيات كثيرة لا مجال لانتقاء بعض منها دون الآخر؛ إذ إنها تتضافر جميعا لتؤلف عالما روائيا متكاملا.

    3-2-2- المونولوج:

    قد يعمد الراوي إلى طريقة أخرى يولجنا بوساطتها إلى أعماق ذاته، ليعبر عن أحاسيسه وهواجسه و مكنونات فؤاده بوصفه بطل الرواية.

    ولقد أمدتنا روايات تيار الوعي بنماذج من المونولوج مثل المونولوج الداخلي(le monologue intérieur) أين يتعرف القارئ مباشرة على أفكار الشخصية الداخلية وما يراودها، و يقترب أكثر من أحلامها المتداعية و تأملاتها. (20)

    فمثل هذا النوع -إذن- قادر على استبطان دواخل الشخصية البطلة و نقل ما يراودها من هواجس دفينة، و يتجلى ذلك في تساؤلات ياسين المريرة الدائبة، وهو يعقد مقارنة بين الحياة في وطنه، وما يعيشه بمدينة أمستردام:« لماذا أوطاننا تصر على الموت والرماد والدم؟ لماذا تحرم نساؤنا من أن يكن جميلات وعاشقات؟ لماذا يصر رجالنا على ذكورة هم أول من يدرك سخافتها؟ أم هو التوحش الذي نخرج منه أم علامات مرض قديم لا نشفى منه إلا لتلد إخفاقاتنا مرضا آخر مشابها له و أكثر تدميرا منه ؟» (21)

    ويقترن هذا النوع بمستوى تكنيكي آخر يعرف بمنجاة النفس، وتعني« تقديم المحتوى الذهني، والعمليات الذهنية للشخصية، مباشرة من الشخصية إلى القارئ بدون حضور المؤلف، ولكن مع افتراض وجود الجمهور افتراضا صامتا» (22)

    ومن ذلك مناجاة ياسين فتنة وقد سكنت ذاته، ولم يعد بقادر على الفكاك منها، إذ أضحت هاجسه الأوحد على متن الطائرة في رحلة السفر إلى أمستردام و هو ما يتجلى خلال الفصل الأول خاصة. يقول:«...أهذه أنتِ؟ ياه ؟ أين اختبأت كل هذا الزمن؟ ألم يكن من الممكن أن تأتي على دفعات ؟ مجيئك هكذا دفعة واحدة يضيعني. كدت أنسى هذا الوجه الرائع .. » (23)

    فهذا النوع من المناجاة لهذه الشخصية خاصة، يتكرر في غير موضع من الرواية؛ ويكون مرد ذلك طبيعة الرواية ذاتها، التي يعمل فيها الراوي أثناء انكفائه على نفسه، محاورة ذاته "وهي المتلقي هنا" بإعمال فكره لاسترجاع ذكرياته مع فتنة.

    3-2-3- الوصف:

    يشغل الوصف جانبا من خطاب الرواية حاول الراوي بوساطته رسم بعض الملامح العامة لشخوصه باقتضاب، مثل الوصف الخارجي لكليمونس و بيدرو الفنان الأندلسي الذي التقى به أثناء إقامة المعرض، إلا في حالة واحدة عمد فيها الراوي على تتبع دقيق لتفاصيل وجه حنين بإسهاب، وما صاحب ذلك من عقد تشبيهات حاول إسقاطها عليه (24).

    ينضاف إلى هذا تشكيل لبعض الأمكنة التي مكث بها ياسين في أمستردام أو زارها، مثل غرفة الفندق ذات الطابع الكلاسيكي، ومنزل آن فرانك المزدان بلوحات مختلفة، مع وصف للوحة بيدرو، وتمثال كنزة الرخامي و لباس حنين(25)، و هي على العموم أوصاف مقتضبة، وغير مركزة و دقيقة، إلا في النادر من الأحيان.

    تستأثر الخطابات المسردة في هذه الرواية أيضا بعلامات نستدل من خلالها على الانتقال إلى المنقول غالبا، أو المحول و الأسلوب غير المباشر الحر أحيانا.

    على أن أكثر المؤشرات استئثارا دخول شخصية تنبئ بهذا الانتقال الصيغي. وقد ينعدم هذا الدليل في مواضع عدة، نستشعرها في انقطاعات يحدثها الخطاب المنقول بوساطة تناهي صوت مضيفة الطائرة إلى مسمع ياسين، و هو يعيش ذكريات تتداعى في مخيلته بشدة:

    « أنسى أنني أنا كذلك كنت في حاجة للتخبي في كمشة ريح ساخنة أو إلى يد طيبة

    تضعني داخل خزانة أو في كيس قمامة أقاتل بها القتلة

    -سيدي ...

    -من أين يأتي هذا الصوت مرة أخرى ......

    -يا سيدي ها أنذا ذي عدت مرة أخرى ....... » (26)

    فمثل هذه الانقطاعات المفاجئة تتكرر في غير موضع من خطاب الرواية، و تتضح أكثر في الفصل الأول منه.

    3-3- الخطاب المحول، و مؤشرات توقفه و خلوها:

    يتناثر الخطاب المحول في ثنايا الخطاب المنقول بخاصة أين يعمد الراوي إلى تحوير كلام شخوصه بأسلوبه الخاص، ويزاوج في هذه الحالة بين حديث شخصية معروفة الاسم أو مجهولة، أو نقل من مصدر غير محدد أو كلام أناس كثر، كهذا المقطع على لسان أشخاص حضروا المشهد الدرامي لانتحار أحد أصحاب مقبرة المنسيين:« الذين كانوا بالقرب من المشهد قالوا أنه بسرعة احترق كالحطبة اليابسة، ولم تمهله النار الحارقة حتى فرصة إخراج صرخة واحدة ».(27)

    يقف إلى جانب الخطاب المحول الأسلوب غير المباشر الحر، وهوأقل حظا من السابق، وقد جاء مكملا للخطابين المسرد و المنقول و متتما لهما.

    و يطرح الخطاب المحول دائما بعض الإشكاليات التي قد تحدث التباسا في ذهن المتلقي، فقد تتداخل مثلا صيغة هذا الخطاب مع جمل أخرى تُحدث ترددا في اعتبارها جزءا من خطاب الراوي أو شخوص روائية أخرى؛ للتداخل الشديد بين الأسلوبين.

    ومثلما جاء في الخطابات السابقة، تتشكل دلائل توقف الخطاب المحول ومعه الأسلوب غير المباشر الحر، حين تظهر كأحاديث مركزة، تختص بجانب معين حول شخصية ما أو قضية معينة، تنتهي بانتهائه، إذ بمجرد استكمال الحديث عنها ينغلق هذا الخطاب لينفتح على خطابات أخرى.

    بهذه الطرقة -إذن- تتوزع صيغ الخطاب الروائي في "شرفات بحر الشمال"، إذ كانت السيادة لصيغتي المسرد و المنقول على حساب المحول و الأسلوب غير المباشر الحر اللذين ساهما في تشكيل هيكلهما العام. وسنعمل فيمايلي على تحديد طرائق بناء هذه الصيغ؛ لاستـجلاء أبرز خصوصياتها في خطاب الرواية.

    4- خصوصيات بناء الصيغ السردية في "شرفات بحر الشمال":

    يضطلع خطاب هذه الرواية بطريقة محددة تنبني بوساطتها صيغتها السردية، مع خصوصيات تميزهما، و هذا ما سنحاول استبيانه في النقاط التالية:

    4-1- تعدد الصيغ و بناؤها:

    من بين ما تضطلع به "شرفات بحر الشمال" تعدد صيغ خطابها، مما يضمن لها تنوعا داخليا، وتفردا في طريقة بناء أساليب تقديمها، وهذا ما يميز الرواية الحديثة التي تسعى إلى تقديم الحدث بالتنقل السريع بين الصيـغ المختلفة، بل إننا قد نعثر عليها - في بعض الأحيان- مجتمعة في مقطع واحد.

    فلا شك أن ما يثير الراوي لحظة تلفظه، هو ما يدفع إلى مثل هذا التداخل وعدم الالتزام بصيغة خطابية واحدة. فللموقف ذاته ما يفسر مثل هذا التشابك.. إذ يرتضى الراوي نقل ما اضطرب في نفسه من مشاعر، وما داخلها من أحاسيس في تلك اللحظة.

    ومن شأن هذا التنوع الصيغي أن يخلق ديناميكية يختص بها خطاب الرواية، على الرغم من أن هذا الأخير يأخذ منحى خاصا يسلكه في بناء الصيغ، يستأثر خلاله الخطابان المسرد والمنقول بالجانب الأعظم. إذ ينطلق من المسرد إلى المنقول، لينقل إلى المسرد ثانية، ليليه المنقول ... وهكذا دواليك. وهو البناء الرئيس السائد الذي يؤطره الراوي ويغلبه داخل الرواية.

    من ثم كانت طريقة البناء تتخذ الشكل التالي:

    المسرد المنقول المسرد المنقول....

    ويكون هذا التناوب الصيغي أنسب لتقديم حوادث الرواية؛ باعتبار أن الراوي ياسين يعمد إلى اتباع طريقة استرجاع لمجريات الماضي البعيد مع محاولة نقله كما يفترض أنه وقع بالتكثيف من الخطاب المنقول، الذي يعقبه عودة للخطاب المسرد، وهو ما يتجسد أيضا في حوادث الزمن الحاضر، الذي تكثر فيه المحاورات وعودة إلى المسرد في معظم الأحيان، وإن كان هذا لا ينفي ظهور الخطاب المحول، والأسلوب غير المباشر الحر في ثنايا الخطاب، بالرغم من أنهما لم يشغلا حيزا كبيرا، و بروزهما يظهر على شكلين:
    مسرد محول مسرد
    مسرد محول منقول (الغالب)
    مسرد غير مباشر حر مسرد
    منقول غير مباشر حر منقول(متقاربان)

    4-2- تنوع الخطابات و تداخلها:

    تتنوع خطابات"شرفات بحر الشمال" في حد ذاتها بشكل يلفت الانتباه، مما يستدعي الوقوف عندها:

    4-2-1- الخطاب التاريخي:

    يتشكل الخطاب التاريخي داخل الرواية من خلال مؤشرات لغوية ترد على لسان الراوي أو شخصياته، توحي بوضع أحداثها في سياق تاريخي مرجعي.(28)

    ونستشفه هنا بوساطة مؤشرات زمنية تولجنا إلى تواريخ بعينها ترتبط بحياة بعض الشخوص الروائية؛ لفهم مجرياتها (أكتوبر 1988 – 1994- 1946) بل إن الرواية تحيلنا على فترة محددة يعيش الراوي لحظاتها، يعمل على التأريخ لها بقوله:« كأن تاريخ الاستقلال منذ أربعين سنة لا معنى له سوى بالعودة إلى جرح الذاكرة » (29)

    فهذه السنة ليست إلا نتيجة ذلك الماضي .. حاضر لا يتوقف عنده، بل يغيب على إثره في غيابات الطفولة، ليعيد بعثه من جديد.

    وقد يكون التركيز على هذه الفترات بالذات، اقتطاعا في الزمن الإنساني لمرحلة من مراحله التي تحفل بخصوصياتها الفكرية والاجتماعية، وتجعل منها فترة مميزة تضبط دون شك، الموضوعات المراد طرحها في سياق هذه الحقبة الزمنية، على أن هذه الحوادث لا يمكن أن تتحول إلى واقع حقيقي؛ إذ تظل محكومة بعالم متخيل.

    فما تقدمه الرواية في الواقع « يمثل جزءا خادعا من الحقيقة، جزءا منعزلا تماما مرنا تُمكن دراسته عن كثب»(30) وما جاءت الخطابات السابقة والخطابات اللاحقة إلا للإيهام بواقعيتها، واستكمال تلك الصورة المتخيلة.

    4-2-2- الخطاب الديني:

    تتشكل الصبغة الدينية في "شرفات بحر الشمال" في حديث الراوي عن فقيه القرية، الذي يظهر شخصية سلبية، لا تقوم بالدور المنوط بها. عمل الراوي على كشف كذبها وأفـعالها المموهة والمنافية للأخلاق عند مرض "فتنة" على وجه الخصوص، إثر وفاة أخيها "ميمون" و قد أخذت إليه لمداواتها.

    يتجلى الخطاب الديني أيضا من خلال شخصيات دينية أخرى، مثل زوج نادين "إحدى النساء اللواتي عرفهن ياسين "، و تراتيل غلام الله، التي تكشف عن همجية الإرهاب (31).

    4-2-3- الخطاب اليوطوبيSad***)

    تحمل "شرفات بحر الشمال" نفحات إيطوبية, تجعلها تشكل إحدى خطاباتها. وتمثل اليوتوبيا حسب "راسل جاكومي" رؤية مجتمع مستقبلي مثالي، ونظرة صافية وبسيطة، ورغبة قصوى في استخدام مفهـومات أرحب لرؤية الواقع وإمكاناته .. إنها مساحة التنفس العقلي. (32)

    يشكل هذا الحلم المثالي إحدى هواجس ياسين القابعة في مخليته، ففي رحلة سرحان الذاكرة إلى ماض بعيد يتذكر مدينته المتخيلة الفاضلة التي ينشدها بالعشق والموسيقى والأحاسيس المرهفة، وهي ما أطلق عليها عزيز اسم "مدينة الأطياف".

    يقول ياسين مخاطبا عزيز, فقد أصيب الأخير بالمرض نفسه:« أنظر على هذه الحافة التي تمتد إلى قرابة الخمسين كيلوا مترا، أترى هذه الأضواء التي تتلألأ وكأنها تأتي من وسط البحر؟ هناك لا ...لا... على يمين المنارة ... أيوه، بالضبط هناك حيث كل يوم أبني مدينة لم يفكر فيها أحد. هنا مكان العاصمة الحقيقي, خارج الأدخنة حيث لاشيء سوى الزرقة والامتداد اللامتناهي مدينتي التي أشتهي بشوارعها الجميلة وباراتها الأنيقة ومسارحها وفنونها ومساحاتها الخضراء» .(33)

    هي -إذن- مدينة وهمية يشتهي كينونتها بعوالم خلابة تنأى عما هي عليه وما يعيشه مجتمعه في الواقع. ولذلك نراه بُهر بأمستردام منذ اللحظة الأولى، و أُخذ بسحرها وجمالها فشتّان بين وطنه وبينها. يقول:« كل الناس في هذه المدينة متشابهين مثل لعب الأطفال الجميلة لاشيء فيهم من شططنا وبؤسنا(..)ربما كانت شمسهم غير شمسنا وأشواقهم غير تلك التي نتنفسها كل صباح ومساء (..) بدا كل شيء واسعا، الطرقات المحلات، الممرات, قلوب الناس، المدنية، أبهية المطار المتداخلة، العيون، في الوقت الذي تزداد فيه حياتنا كل يوم ضيقا(..)أوف...ماذا ينتظر من مريض بأرض وتربة وبلد لم ير منهم منذ سبع سنوات متتالية إلا بعض الأمتار التي توفر فرصة التخفي أو ما يسرقه من هربات نحو البحر» (34) .

    فإذا كان بطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" ترك وطنه طلبا للعلم وحاجات أخرى فإن ياسين "بطل شرفات بحر الشمال" ضاق ذرعا بما تعيشه بلاده من موت وقتل ودمار، لتكون أرض أمستردام ملاذا له وقد وجد فيها نفسه إنسانا مختلفا، يلقى محبة الآخر "الأجنبي" وتقديره؛ بوصفه فنانا قبل كل شيء وحاملا لرسالة إنسانية، بل إنه قد حظي في نهاية تلك الزيارة بجائزة لا تمنح إلا للاستثنائيين والمتميزين, ونراها إشارة هنا على قدرة الأنا - إن صح التعبير- على الإنجاب والتفوق.

    ونجد الحلم الإيتوبي ذاته يتكرر عند شخصية والد حنين الذي راح ينشد على مسامعها لحظات نشوته في جزائر آمنة بعد الاستقلال. يقول :« ستكبرين يا حنين وتعرفين كم أن الذين ماتوا أفضلنا جميعا. ستذهبين إلى الجامعة و تسكنين العمارات النظيفة، و يكبر أطفالك في حضنك، وتفرحين بهم و أنت تودعينهم كل صباح، و هم يتوجهون إل المدارس. عملك محفوظ في بلد آمن، الناس فيه يتقاسمون المحبة و المودة وحتى عندها يتخاصمون يتسابقون إلى الصلح، و كل واحد يريد أن يكون هو الأول » (35)

    لكن سرعان ما تلاشى حلمه ذاك، وهو يرى واقعا مخالفا، كان من بين أسباب إصابته بسكتة قلبية أودت بحياته في نهاية المطاف.

    فالحلم المثالي - إذن- لا يتشكل إلا في مخيلة أصحابه، ويرون هذا الحلم فسحة أمل وسط ديكور أسود ومظلم، ومعاناة كانت قدرهم الأول في الحياة، أو ربما تمظهر في عقول ممن كانوا يرون اقتراب تحقيقه، ليجد هؤلاء أنفسهم أمام وهم ليس إلا .. وعلى الرغم من ذلك، يبقى هو الأمل المتبقي الذي لا صيرورة ولا إبداع يرتسم في الأفق دونه حتى لو كان أوهاما متعالية عن حركة الوجود.

    4-2-4- الخطاب النقدي:

    و هو يتناثر في ثنايا خطاب الرواية متناولا وصف بعض اللوحات الفنية ومحاولة تحليلها وتفسيرها من قبل شخصيات روائية عدة. فنجد ذكرا للوحتي الرجل ذو الأذن المـبتورة

    ( l homme à loreille couppé) وآكلو البطاطا (Mangeures pomme de terre)

    لفان غوخ (****)عمل ياسين على تأويل الأخيرة وإسقاطها على الشعب الجزائري .

    ومثل ذلك محاولة تأويل لوحة الجزائر اليوم (Argelia hoy) لبيدرو المشاركة في معرض أمستردام من قبل ياسين وحنين. وكذا منحوتة ياسين (المرأة التي لا رأس لها) وهي تلقى تأويلات متقاربة من قبل مجموعة من الشبان زاروا المعرض يقول ياسين:« يقرأون في التمثال مأساة البلد كما قال أحدهم مع أني لم أفكر مطلقا أن أجسد مأساة البلاد.عندما أنجزت مجموعة المرأة التي لا رأس لها كنت أريد أن أنسى الموت والبلاد والعباد معا» (36)

    وهي ما تظهر بصراحة تناقص الآراء وتضاربها، فالمنحوتة ترتبط في ذهن صاحبها بأشياء مخالفة لقراءات الآخرين.

    ينضاف إلى ذلك المحاورات المختلفة حول الندوة المقامة في متحف "فان غوخ", وقد يبدو ما ذكرناه جميعا طبيعيا؛ باعتبار أن بطل الرواية نحات، وبالتالي فإن السمة الفنية تبرز بجلاء.

    يمكن أن نضيف إلى هذا التنوع منقولات أخرى تستعين بها الرواية " و هي خطاب رسائل، بُعثت من "فتنة" إلى "ياسين"، ومن "ياسين" إلى "عزيز" الذي لم يُكتب له فرصة قراءتها، وقد خُطتا بكثير من الشاعرية والإحساسات المرهفة، ومن "لكحل" إلى "زليخة" يُعلمها بزاوجه، وتشكل هذه الرسالة حافزا هاما؛ إذ كانت صدمة تلقتها زليخة وسببا في موتها.

    يمكن أن نضيف إلى هذا خطابا شعريا، يعبر عن مكنونات "ياسين" و"حنين" بعمق. وخطابا إذاعيا كان صوت نرجس المفعم بالشاعرية صاحبه. وكذا خطابان موجهان إلى ركاب الطائرة نستطيع وسمهما بالإعلامي التوجيهي، هذا أحدهما:« بدأنا النزول على مطار رواسي، شارل دوغول. الرجاء منكم أن تشدوا أحزمتكم وتمتنعوا عن التدخين، و أن تعدِّلوا ظهور مقاعدكم. شكرا » (37) ولعلنا نلحظ أنه قُدم في جمل وقصيرة ودقيقة لركاب الطائرة تؤدي غرضها المطلوب.

    4-3 – استلهام التراث العربي والشعبي:

    تغترف "شرفات بحر الشمال" من معين تراثنا العربي أنموذجين هما:

    4-3-1- السيرة: و هي تستحوذ على الشق الأكبر؛ و مرد ذلك رغبة الراوي في بعث سيرته وتتبع تفاصيل حياته منذ الطفولة، على أن هذا لم يمنع من استقصاء جوانب من سير شخصيات روائية أخرى يكون لكثير منه رابطة وثيقة بشخصيات حقيقية و واقعية، ولعل هذا ماتطلعنا به الرواية منذ صفحاتها الأولى بقولها: « عذرا لكل الذين يرون شبها لهم في أحداث هذه القصة فليس ذلك إلا من قبيل الحب، الحب فقط وليس المصادفة » (38).

    فكأننا بهذا القول أمام سيرة ذاتية- جمعية، تتعلق إما بشخصيات لها علاقة وطيدة ومباشرة بالرواي، يسعى إلى كشف جوانب من تجربتها الحياتية مثل سيرة الأم رمز الارتباط بالماضي والطفولة والولادة، و زليخة، وعزيز، وفتنة، وحنين اليد الذي تلقفته بأرض المنفى.

    أو شخصيات لارابطة بينها وبين الراوي، إنما تعرَّف على أجزاء من سيرهم بوساطة غيره أثناء إقامته في أمستردام ورحلة بحثه عن فتنة، مثل كنزة "عازفة البيانو" و تينا الوهرانية، وعبد الرحمان. ينضاف إلى هذا جوانب دقيقة من قصص بعض الأشخاص المعروفين، مثل "فان غوخ" الذي أخذ المجال الأوسع، وماياكوفسكي، وبوشكين، وفرجينيا وولف. ويحاول الراوي فيها جميعا التركيز على حادثة موتهم أو انتحارهم .

    فهذه السير مجتمعة والتي تشكل فيها سيرة الراوي جزءها الأهم، تستقطبها صيغ الخطاب الروائي الثلاثة، على أن ما تتميز به السيرة ككل يمكن ايجازه في نقطتين بارزين:

    أ- هوس الذاكرة – النحت:

    تتقد ذاكرة ياسين بماض أليم لم تستطع أرض أمستردام الفاتنة الفكاك منه، بل إن هجرته زادت الطين بلة، وكثفت أمطار أمستردام الباردة من التصاقه بذاكرة أضحت هاجسه الأوحد إطفاء جذوتها، لذا نجده يكرر في غير موضع مقولة ( أريد أن أنسى) لكن هيهات يقول:

    « كم أتمنى أن أفتح عيني عن آخرهما و أجد نفسي خارج مرض الذاكرة. لماذا لم يفكروا لنا في أخصائيين لا لاستعادة الذاكرة, ولكن لاطفاء شعلتها المتقدة والتخلص من أثقالها التي لا تدفع إلاّ إلى مزيد من الشطط والعزلة ؟»(39)

    وقد وجد ياسين متنفسا له في (النحت) ولعلها كلمة كافية للتدليل على أهمية هذا الفن، فعشق الطين والتربة يرجع إلى أيام الطفولة حين كانت أمه وزليخة تشكلان به ما شاءا، وقد تعلم هذه الحرفة منهما رويدا رويدا واكتشف سر ما تبدعه الأنامل من تعبيرات عن أحاسيسه ومكبوتاته بل وخيباته في واقع متأزم. من ثم كان الفن عالمه الجميل وملاذه الوحيد ؛ لأنه كما يقول:« طريقنا المتبقي للتحمل. الفن في بلادنا ليس ترفا، هو الحياة نفسها» (40).

    وتتضح جهود ياسين في منحوتاته التي شارك بها في مناسبات عدة منها مجموعة (المرأة ذات الرأس المقطوع) المرأة الثلاثية: زليخة ونرجس وفتنة، التي نراها تعبِّر عن هروب صاحبها من مأساة الوطن إلى حضن المرأة بكل ما ترمز إليه هذه الأخيرة.

    تتعالق صورة المرأة بالموسيقى أيضا، فكنزة عازفة بيانو وكليمونس إحدى عازفات السيمفونية الملكية، وقد كانت والدتها عازفة كمان، كما هو حال فتنة، التي دفعها أخوها ميمون إلى عشق آلة الكمان، لتورث هذه الصفة بدورها إلى ياسين...فظلت الموسيقى إحدى انشغالاته وحالة من حالات التسامي تنأى عن الخيبات المتتالية والتشوهات الإنسانية.

    وإذا كان هذا الحال فتنة, فنرجس كانت الصوت الملائكي الذي قطع خلوات لياليه الطويلة..إنه الصوت الذي عشقه قبل رؤية صاحبته..فهو من علمه سحر البيان وجعله يغترف من بحر الشعر، ويلج عالم الكتابة بعد أن كان يمقتها.

    ب- النهاية المفتوحة:

    يختم الراوي سرده بقوله:« وأنا أغلق الباب للمرة الأخيرة غامت الدنيا في عينيّ المنكسرتين، ارتعشت ساقاي ولم أسمع إلاّ زليخة وهي تهمس في أذني بحنان مخافة إزعاجي:ياسين ياخويا العزيز لازم تتعلم. عندما تحب لا تحب بكلك و إلاّ ستموت مغبونا خل دايما شويه ليك حتى تقدر توقف على رجليك »(41)

    والحق أن هذه الرواية تنتهي و لا تنتهي، إذ تبقى منفتحة على الآتي غير الجاهز، ويبقى السؤال المطروح: ما المفاجآت التي تخفيها الحياة لياسين مجددا في رحلته الثانية إلى أمريكا ؟

    إنه السؤال الذي يتكفل القارىء وحده بالإجابة عنه، عن طريق قراءاته وتأويلاته اللانهائية، وهذا سيؤدي إلى إبداع رواية ثانية يتفنن خيال القارئ في تشكيلاتها.

    يشكل لغز فتنة إلى جانب ذلك نهاية مفتوحة أخرى؛ إذا إن الراوي يحتار في طريقة اختفاء فتنة، فهي إما أن تكون قد انطفأت بين أمواج البحر في الجزائر، و إن كان عقله يرفض هذه الفكرة في مواضع أخرى، إذ يقسم أنه رأى ظلا يشبه ظلها ينكسر، ليستقل سيارة المرسيدس متوجها إلى مدينة أمستردام, كما يفترض أنها أخبرته قبيل رحيلها.

    وتبقى هاتان الفكرتان تراودان مخيلة ياسين، لتنتهي الرواية بعد عملية بحث عن هذه الشخصية بأمستردام دون نتيجة تذكر، ودون أن يُفك لغز فتنة .. سر موتها أو بقائها حية ليفسح مجال آخر أمام القارئ للأخذ بهذا الرأي أو ذاك أو تشكيل تصورات أخرى متباينة.

    4-3-2- التاريخ:

    يقتطع الخطاب جزءا من التاريخ، حين يتذكر أسماء بعض الشهداء والمجاهدين كما في حديث الراوي عن "عبان رمضان"، ويتعلق الأمر بقصة اغتياله بالمغرب، التي يحدد تاريخها بدقة في 22 ديسمبر 1957.

    ويحاول الراوي تخيل ما اعتور ذهن "عبان رمضان" أثناء تلك اللحظة القاسية، التي انتهت بعد خمسة أشهر (29 ماي 1958) بنبأ استشهاده مجللا بالسواد في الصفحة الأولى من جريدة المجاهد.

    تستعين الرواية -إلى جانب هذا- بجزء من تراثنا الشعبي الذي يوظف لأداء أغراض يعبر عنها الموقف ذاته، مثل المعتقدات الشعبية كالإيمان بالخرافات و القصص التي يتناقلها أهل القرية حول فتنة، و الاقتناع الداخلي بها:« كل ما يحكى عنها يحكى خفية، فهي تسمع كل شيء، الناس يرددون الكثير من قصصها الخارقة، روحها روح روحانية» (42)

    وكذا التقرب إلى ولي القرية الصالح بتقديم الأكل خوفا منه؛ ويبدو هذا طبيعيا في بيئة مثل القرية، أين تشيع هذه الأفكار و تلقى رواجها بين الأشخاص الأميين خاصة.

    يمكن أن نضيف إلى هذا ولع الخطاب بالرقم سبعة (7) الذي يتكرر في عدة مواضع نحاول إجمالها في الجدول الموالي:


    ص

    نوع الصيغة

    مقاطع ورود الرقم
    12


    مسرد


    باستقامة هشة أقف عند عتبة البيت، في يدي حقيبتي التي لم ترى النور منذ سبع سنوات.

    12




    مسرد


    لم أتذكر الشيئ الكثير(...) سوى وجه عمي غلام الله (...) قبل أن يعثر عليه مصلوبا في الزاوية المظلمة التي هجرها بائع الصحف منذ سبع سنوات.

    21/69/77/152




    مسرد


    منذ سبع سنوات منذ أن حل علينا الزمن الضيق الذي فشلت السماء في نعته، لم أر هذه السماء .

    24


    مسرد


    سبع سنوات و أنا كالفأر أبحث عن أكثر الطرقات ضمانا للحياة .

    29


    مسرد


    ظل [غلام الله] طوال السبع سنوات ينشد قرآنه لمن أراد أن يسمعه

    30/162/314


    مسرد


    الويسكي الساخن يرتق الجروح الصعبة،الكأس الخامسة والنصف ليست كالسابعة .

    57/58


    منقول


    إذا كانت رحمة سأسميها رحمة على اسم أختي التي ماتت في اليوم السابع من ميلادها.

    60/61/62/83


    مسرد


    لم أسمع إلا رجع الصوت و كلماتها الأخيرة التي كانت دائما تأتيني من ناحية صخرة الصيادين السبعة

    157


    منقول


    بقي [والد حنين] سبع ساعات في غيبوبة وعندما استيقظ كان مرهقا .

    207


    مسرد


    عندما عاد القتلة و غادروا مخابئهم الجبلية، واحتلوا الشوارع الخلفية التي ضيعوها منذ سبع سنوات.

    208


    مسرد


    في صباح اليوم السابع وُجد [غلام الله] مسمرا مصلوبا على الشجرة.

    219


    مسرد


    عندما كنت نطفة عمرها سبعة أشهر كان الوالد قد احترق قبل مجيئك.



    نشـهد ولوع الخـطاب بتكرار الرقـم سبعة (7) فـي عـدة مواضـع ، وفي مواقف مختلفة.

    ويجب التنويه بأن هذا الرقم الفلكلوري شديد الحضور في جميع الطقوس الدينية و الحكايات الخرافية، فعدد أيام الأسبوع سبعة، وهو الوحدة الكاملة الكبرى لحساب الزمن و قد ورد ذكر هذا الرقم في الكتب السماوية والأساطير الإنسانية، فقد خلق الله تعالى السموات و الأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم السابع، كما هو وارد في التوراة والقرآن، كما أنه يتكرر في كثير من اللغات الانسانية؛ فلليونان الحكماء السبعة و للموسيقى الطبوع السبعة، وهناك العجائب السبعة ... وهلم جرا .(43)

    فلا ضير -إذن- أن يلهج الخطاب بترديد هذا الرقم المميز. فهذه الكأس السابعة وهذه سبعة أيام قضاها والد حنين في غيبوبة، وفي صباح اليوم السابع اغتيل غلام الله، وهذا والد ياسين يموت عندما كان عزيز نطفة عمرها سبعة أشهر، و في اليوم السابع ماتت أخت فتنة، و هذه صخرة الصيادين السابعة، التي يرد ذكرها في غير موضع؛ حيث يذكر ياسين اسمها بداءة، ثم يقص علينا حكاية أصحابها، ليرتبط ذكرها في موضع ثالث بلحظة ضياع فتنة، و صدى صوتها المنبعث من هذه الصخرة.

    وإن كنا نلحظ تكرار الرقم سبعة في ذكر عدد السنوات أكثر؛ التي نراها تعبر عن أحداث متقاربة ارتبطت بهذه السنوات. فهي سنوات سبع قضاها ياسين في أرض الوطن مختبئا لا يراه النور والعيون .. سبع سنوات في عزلة وخوف شديدين .. سبع سنوات لم يكن لغلام الله فيها من أنيس غير تلاوة القرآن بعد حياة تشرد و ضياع .

    تقف الأمثال الشعبية، بوصفها جزءا بالغ الأهمية في تراثنا؛ لاستكمال بنية خطاب الرواية وتستند إليها الشخصيات الروائية؛ للتعبير عن معنى معين لا يشرحه إلاّ السياق الذي تموضعت فيه، ونحاول ايجازها في الجدول التالي:









    الصفحة


    نوع الصيغة


    المستقبل


    الباث


    نص المثل

    11


    منقول


    القارئ الضمني


    ياسين


    البس مليح لوجه الناس ، وكل الزبل فلن يراك أحد

    37


    منقول


    ياسين


    الأم


    الغيرة عمياء و الأعمى يضرب على الزهر

    168


    منقول


    ياسين


    التلاميذ


    خبزة طاحت على كلب راقد

    171


    منقول


    حنين


    ياسين


    الطمع يفسد الطبع
    242
    220


    منقول


    ياسين


    حنين


    خل البئر بغطاه
    248


    منقول


    السكير


    الرجل الأعمى


    دير روحك مهبول تشبع كسور









    4-5- تعدد مستويات اللغة الروائية:

    تعتبر اللغة أداة كل خطاب أدبي، وأي تغيير يصيبها « يسهم في تطوره المرسل و المستقبل معا للخطاب الأدبي الذي أساسه نسج اللغة، ونشاطها وتفاعلها ». (44)

    وتشكل اللغة الدعامة الرئيسة لبناء الرواية، حين تعمل هذه الأخيرة على تصوير شرائح اجتماعية متنوعة تحظى بتفاوت نسبي لمستوى تفكير شخصياتها و نوعية سلوكهم الفردي. (45)

    من ثم يتأتى تنوع أشكال اللغة الروائية في"شرفات بحرالشمال"، إذ تداخلها العامية التي جاءت على لسان شخصيات عدة في محاوراتها خاصة. على أن ما يلفت الانتباه ولوع الخطاب باستعمال اللغة الفرنسية، التي تنقل على لسان بعض الشخوص الأجنبية، بل في أماكن دون غيرها، مثل كليمونس، وماريتا، إضافة إلى فتنة، وحنين، وعزيز، وياسين على وجه الخصوص.

    وإذا كان بعض النقاد مثل عبد المالك مرتاض يرفض أن تسف لغة الرواية إلى العامية؛ لأنها تشوه بنيتها، و تسود وجهها (46) فقد تكون محاولة الإيهام بواقعية المحاورات، والتعبير عن تفكير شخوص الرواية مباشرة، مع ما قد تستدعيه المواقف ذاتها هو ما دعا إلى مثل هذا التوظيف العامي.

    لذا نجد حميد لحمداني يقول في هذا الصدد: « الواقع أن هذا الجزء لا يمثل أبدا لغة الكاتب في لحظة من لحظـاتها، بل تمثل تقمص الكاتب لأسلوب شخصية بذاتها تماما كما يفعل الممثل على خشبة المسرح ».(47)

    فهذا البناء-إذن -هو ما يضمن خصوصية الرواية، التي تعتبر طريقة تشكيل صيغها أبرز مكوناتها بتعددها، الشيء الذي يضفي عليها ديناميكية تختص بها؛ بوساطة الانتقال السريع بين صيغها المختلفة مع طغيان المنقول والمسرد واشتغالهما بطريقة تناوبية، إضافة إلى اجتزاء الصيغ من معين تراثنا العربي والشعبي مع تنوع مستويات لغتها الروائية، و تداخل خطابات الرواية ذاته، وهو ما يمنحها تنوعا داخليا.



    الهوامش:

    (1) رولان بارت و آخرون، طرائق تحليل السرد الأدبي ، ص 61.

    (2) يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، دار الفارابي ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1990 ، ص 107.

    (* ) حدد قاموس (ليتريه) المعنى النحوي لمادة صيغة (Mode) بقوله : اسم يطلق على أشكال الفعل المختلفة التي تستعمل لتأكيد الأمر المقصود . Gérard Genette , figures III , P183.

    (3) ابن منظور، لسان العرب، المجلد 8 ، ص 443 .

    (4) Gérard Genette , figures III , p 183.

    (5) رولان بارت و آخرون، طرائق تحليل السرد الأدبي ، ص 61.

    (6) Gérard Genette , Figures III , p 184.

    (7) رينيه ويليك و أوستن وارين، نظرية الأدب، ت/ محي الدين صبحي، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، ط2، 1981، ص 225.

    (Cool Gérard Genette , figures III , p 184.

    (9) جيرار جنيت و آخرون، نظرية السرد "من وجهة النظر إلى التبئير" ، ت/ ناجي مصطفى ، منشورات الحوار الأكاديمي و الجامعي ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1989 ، ص 106.

    (10 ) Gérard Genette , Figures III , p 183

    (11) المرجع نفسه، ص 193،194.

    (12) تزفتان تودوروف، الشعرية ، ص 47 .

    (13) واسيني الأعرج، شرفات بحر الشمال ، دار الفضاء الحر ، الجزائر ، ط1، 2001 ، ص 15.

    (14) المصدر نفسه، ص 136.

    (15) ينظر: المصدر نفسه ، ص 160، 187

    (**) فان غوخ: رسام هولندي ، من مبتكري الحداثة في الفن ، يميل إلى الواقعـية . كان منغمسا في االأجواء الصيفية ، وينتج روائع بالجملة ، رسم لوحات للزراع ، وهم يبذرون الحب، و لحقول الذرة، وزهر عباد الشمس . مرت عليه أوقات عصيبة؛ إذ حدث في عيد الميلاد المشؤوم بآريس (جنوب فرنسا) سنة 1888 أن قطع أذنه وأهداها لمومس تدعى راشيل فأغمي عليها.

    www.albayan .co.ae/albayan/cultur/2002/issue 115/thaskell/3HTM

    (16 ) الرواية، ص 269.

    (17 ) المصدر نفسه ، ص 113.

    (18 ) المصدر نفسه، ص 237.

    (19 ) المصدر نفسه، ص 29.

    ) 20) Michel raimond , le roman depuis la révolution , librairie Armande colin , Paris , 1968 , P163.

    (21) الرواية ، ص 274.

    (22) مراد عبد الرحمان مبروك ، بناء الزمن في الرواية المعاصرة " رواية تيار الوعي نموذجا " ، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1998، ص 16.

    (23) الرواية، ص 25 ، 26 .

    (24) ينظر: المصدر نفسه ، ص 320.

    (25) ينظر: المصدر نفسه ، ص 277.276.261.130.113.80.

    (26) المصدر نفسه، ص 25، 26.

    (27) المصدر نفسه، ص 260.

    (28) محمد أحمد مسعدي (الخطاب و دوره في تشكيل الشخصية الروائية )، مجلة علامات في النقد ، ج 40 ، م 10 ، جدة ، 2001 ، ص 460 .

    (29 ) الرواية، ص 78.

    (30) ميشال بوتور، بحوث في الرواية الجديدة ، ص 8.

    (31) ينظر: الرواية، ص 104، 206، 209.

    (***) تعني لفظة "يوطوبيا" (u-topia) في ترجمتها الحرفية اللامـكان ، أو مالا مكان له أو ما لا أين له و معناه المكان الذي لا وجود له في أي مكان. و قد قلّ ما اكتسب و أن مفهوم ما ما اكتسبه مفهوم االإيطوبيا من دقة تاريخية تعود إلى عام " 1516" تحديدا . ففي هذا العام صدر كتاب باللاتينية يحمل عنوان إيطوبيا للسير "طوماس مور" (1478-1535) المولود بإنجلترا. و يشتمل كتاب مور هذا على قسمين ، يتضمن الأول نقدا صارما لأوضاع إنجلترا ، والثاني يرسم رسما دقيقا و مفصلا الحياة المثلى على جزيرة فاضلة و سعيدة اسمها (إيطوبيا ) يعتمد واصفها على أسلوب التخيل الإيطوبي .

    من هنا كانـت لفظة (utopia) أو (outopia) في أصـله اليوناني اشتقاق ابتكره مور بتركيـب مفردتين ( لا ou= non= ) و ( المـكان =Topos=lieu ) فيـكون المـعنى جزيرة اللامكان أو ( اللاأيـن =part–Nulle)

    (32) راسل جاكومي، نهاية اليوتوبيا "السياسة و الثقافة في زمن اللامبالاة"، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب، الكويت، 2001، ص 127 .

    (33) الرواية، ص 211، 212 .

    (34) المصدر نفسه، ص 76، 77.

    (35) المصدر نفسه، ص 296.

    (****) يمكن أن نعقد مقارنة من خلال عملية البتر هذه ، بين لوحة (الرجل ذو الأذن المبتورة) و منحوتة ياسين (المرأة التي لا رأس لها) ، و قد أنجزها في لحظات يأسه القصوى.

    (36 ) الرواية، ص 127.

    (37) المصدر نفسه، ص 78.

    (38) المصدر نفسه، ص 9.

    (39 ) المصدر نفسه، ص 109.

    (40) المصدر نفسه، ص 29.

    (41) المصدر نفسه، ص 328.

    (42) المصدر نفسه، ص 35.

    (43) عبد المالك مرتاض، عناصر التراث الشعبي في اللاز "دراسة في المعتقدات و الأمثال الشعبية" ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 1987، ص 24، 25.

    (44) عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية "بحث في تقنيات السرد"، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب، الكويت، 1998، ص 123.

    (45) حميد لحمداني، أسلوبية الرواية ، منشورات النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1989، ص 17.

    (46) عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية، ص 122، 123.

    (47) حميد لحمداني، أسلوبية الرواية، ص 22.























      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 3:26 pm