منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الدراسة الرمزية النموذجية و الترميزية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الدراسة الرمزية النموذجية و الترميزية Empty الدراسة الرمزية النموذجية و الترميزية

    مُساهمة   الإثنين يناير 18, 2010 2:42 pm


    ترجمة باقر جاسم محمد

    إن الدراسة الرمزية النموذجية أو المجازية لتفسير الكتاب المقدس قد بدأها القديس بولس، و تطورت على أيدي آباء الكنيسة بوصفها طريقة للتوفيق بين التاريخ اليهودي و شرائع العهد القديم من جهة و ما يوحيه العهد الجديد من جهة أخرى.و قد عبر القديس أوغسطين عن ذلك المبدأ بالقول:” في العهد القديم قد أخفي العهد الجديد، و في العهد الجديد يتكشف العهد القديم”. ففي نظرية الدراسة الرمزية النموذجية، ينظر إلى الشخصيات و الأفعال و الأحداث الأساسية المسرودة في العهد القديم على أنها نوع من ( figurae)، و هي الكلمة اللاتينية المقابلة لكلمة ( figures) أي الرموز أو الصور المجازية التي هي صورة حقيقية من وجهة النظر، و لكنها أيضا ً مجازية استباقية لتلك الشخصيات والأفعال و الأحداث اللاحقة التي تماثلها في العهد الجديد.

    إن مجازات العهد القديم تعامل على أنها نبوءة أو وعـدا ً بالحقيقـة العليا التي (تحققت)

    في العهد الجديد استنادا ً إلى خطة خالدة و تامة في عقل المنشئ الأول، و لكنها ( أي الخطة) تكشف عن نفسها للكائنات البشرية عبر امتداد الزمن فحسب. إذ أن آدم مثلا ً، قد قيل عنه أنه صورة مجازية ( أو وفقا ً لمصطلحات بديلة: رمز، و مثال، و نمط) أو ظل للمسيح. و أحد التناظرات الكائنة بين الاستباق المجازي و التحقق هو ذلك الذي نراه في خلق حواء من ضلع آدم و تدفق الدم من جنب المسيح المصلوب، و التناظر الآخر هو بين الشجرة التي تحمل ثمرة كانت مناسبة لخطيئة آدم الأصلية و الصليب الذي يحمل جسد المسيح بوصفه ثمرة له و بوصفه فاديا ً لتلك الخطيئة، و على نحو مماثل، ذلك المـَنُّ الذي أعطي لأطفال بني إسرائيل في برية الشتات ( سفر الخروج: الإصحاح 16) قد قيل أنه استباق مجازي للقربان المقدس، و العلاقة بين الخادم المصرية هاجر و سارة ( سفر التكوين الإصحاح 16) قد قيل أنه استباق مجازي لمدينة القدس الأرضية في العهد القديم و القدس السماوية في العهد الجديد. و لقد قام بعض المفسرين بتمثيل عناصر العهد الجديد بوصفها نظائر منذرة بأحداث ستأتي في الأيام الأخيرة قبيل العودة الثانية للمسيح و يوم الحساب الأخير.3

    إن للتفسير الترميزي (allegorical interpertation)4 للكتاب المقدس أصوله عند المفكرين الإغريق و الرومان الذين تعاملوا مع الأساطير على أنها رموز استعارية و مجازية للحقائق الكونية و الفلسفية و الأخلاقية المجردة. و قد طـبق المنهج ذاته الفيلسوف فيلو ( توفي في العام 50 م.) على سرد العهد القديم؛ كما استخدم المنهج نفسه للتفسير المسيحي على يد أوريجن في القرن الثالث الميلادي. لقد قيل أن التفسير المجازي ، في بعض الأحيان، يكون أفقيا ً، وبذلك فإنه يربط عناصر في نصين أثنين يعودان إلى زمنين منفصلين، أما التفسير الترميزي للكتاب المقدس للكتاب المقدس فقد قيل أنه عمقي، و بذلك فإنه يكشف المعاني المزدوجة المعبر عنها في فقرة نصية مفردة. و التفريق الأساسي بين المعنى الحرفي ( أو ” التايخي” أو “الجسدي” للنص – أي الحقيق التاريخية التي تنطوي على معنى تعبيري - و المعنى الصوفي أو الرمزي الذي يدلُّ عليه بوساطة التناظر بين الاثنين.

    و يقابل ذلك أن الجانب الروحي للنص يقسم، عادة، اثنين أو ثلاثة مستويات، و في القرن الثاني عشر الميلادي، اتفق مفسرو الكتاب المقدس، على نحو واسع، على وجود المعنى ذي المستويات الأربعة للكثير من فقرات الكتاب المقدس. و قد اختلف عريف المستويات الأربعة هذه، على أن المجموعة النموذجية لتعريفها، كما اقترحها القديس توما الأكويني و آخرون هي تلك التي بين:(1) المعنى الحرفي أو التاريخي التي تروي فقط ما حصل و تؤخذ على أنها( المعنى الأولي الذي تؤسس عليه كل المستويات الأخرى؛(2) المعنى الرمزي الأصلي الذي هو حقيقة العهد الجديد، أو الرجوع إلى الكنيسة فيما يتعلق بما تعبر عنه أية فقرة في العهد القديم؛ (3) المعنى المجازي الأخلاقي الذي هو الحقيقة الأخلاقية أو المبدأ معبرا ً عنه في الفقرة ذاتها؛ (4) الإيمان بالبعث المسيحي، أو بالأحداث التي ستقع في الأيام الأخيرة من مصير المسيح، و حياة كل روح فردية بعد موتها.

    إن منهجي الدراسة الرمزية النموذجية و الترميزية غالبا ً ما يستعملان على نحو متزامن على يد مؤولي الكتاب المقدس. و قد ازدهر المنهجان خلال القرن السابع عشر كما طـُبـِقا على إشارات الكتاب المقدس في المواعظ، و على كتابات على درجة كبيرة من الاختلاف بحثت في قضايا دينية، كما أنهما قد جرى كيفهما حتى يتلاءما مع حاجات التفسير الأيقوني للشخصيات المأخوذة من الكتاب المقدس لإحداثه في الرسم و النحت. لقد تبنى شعراء القرون الوسطى و من جاء بعدهم منهجي الدراسة الرمزية النموذجية و الترميزية في بناء الكتابات خاصتهم التي تدور حول الموضوعات الدينية. ذلك أن دانتي، مثلا ً، و في رسالة إلى صديقه و راعيه ( و كان اسمه جرانده ديلا سكالا)، يصرِّح معلنا ً أن لملهاته الإلهية The Divine Comedy موضوعا ً مزدوجا ً، فهو حرفي و رمزي في آن واحد. و يمكن أن يقسَّم الموضوع الرمزي تقسيما ً ثانويا ً إلى المعاني الآتية:ترميزي، و وعظي، و أخلاقي.و قد قام الدارسون المتخصصون بتحليل استعمال المنهجين لدى عدد من الشعراء المتأخرين الذين كتبوا حول موضوعات دينية، بمن فيهم سبنسر و جورج هربرت و كذلك ( في النزعة التي ظلت حية إلى وقت متأخر) عند وليم بليك. و في الوقت الراهن، اقترح الباحث الأمريكي دي. دبليو. روبرتسون و آخرون، فضلا ً عما سبق، أن الكثير من القصائد ذات المظهر الدنيوي للقرون الوسطى ، بما في ذلك ( Roman de la Rose) ( حكاية الوردة) و أعمال تشوسر و تشريتون دي ترويز و قصائد الحب الغنائية قد كتبت لتجسيد و إدماج النماذج المجازية و الرمزية للإشارات و المرجعيات الدينية و الأخلاقية؛ على أن موثوقية التوسع في هذه الصيغ التفسيرية للأدب الدنيوي قد جرى حولها نقاش و جدل ساخنان. ففي عمل حديث عنوانه ( تكوين النزعة السرية: حول تفسير السرد) الذي صدر في العام 1979م. قام الناقد الإنجليزي فرانك كيرمود بتكييف التفريق الموغل في القدم بين المعنيين الجسدي و الروحي لحاجات تحليل النثر القصصي الحديث أيضا ً.

    —————————–

    ملاحظات المؤلف:

    حول مختلف صيغ تفسير الكتاب المقدس، أنظر أف. دبليو. فارار (تاريخ التفسير) الصادر في العام 1886م.، و كذلك كتاب بيريل سمولي ( دراسة الكتاب المقدس في القرون الوسطى) الذي صدرت طبعته الثانية في العام1952م.، أما المعالجة الكلاسيكية للتفسير المجازي أو الصوري فنجدها في مقالة أريك أويرباخ (الرموز) أو (Figurae) في كتابه (مشاهد من الدراما في الأدب الأوربي) الصادر في العام 1959م. أما التطبيق الأمريكي الحسي للصيغ التفسيرية القديمة في القرن الثامن عشر فنجده في كتاب جوناثان أيدواردز (صور الأشياء الإلهية و ظلالها) الذي قام بتحقيقه بيير ميلر في العام 1948م. و حول استعمال مختلف الشعراء للتلميحات المجازية و الرمزية، أنظر كتاب روزاموند توف ( قراءة في أدب جورج هيربرت) الصادر في العام 1952م. و كذلك كتاب ( الصورة المجازية) الصادر في العام 1966م.، و كتاب جي. أتش هاجسترم ( وليم بليك: الشاعر و الرسام) الصادر في العام 1994م. و كتاب بي. جي البرز (شعر ملكة الخرافة) الصادر في العام 1967م.

    و للتوسع في هذه المناهج و تطبيقاتها حول الشعر الدنيوي في القرون الوسطى، أنظر: دي. دبليو. جي آر ( النقد التاريخي) ضمن مقالات معهد اللغة الإنجليزية 1950، و قد حررها أي. أس. داونر في العام 1951م. و كذلك ( مقدمة لدراسة شعر تشوسر: دراسات في منظورات القرون الوسطى) الصادر في العام 1962م. و قد ناقش بعض المتخصصين الأكاديميين في كتاب (مداخل نقدية لأدب القرون الوسطى) الذي حررته دوروثي بيثوروم في العام 1960م. و قد أوضح سكفان بيرفيتش أهمية هذه الصيغ التفسيرية في الفكر الأمريكي المبكر في كتاب ( الأصول البيوريتانية للذات الأمريكية) الصادر في العام 1975م.

    هذه الترجمة مأخوذة من كتاب:

    M. H. Abrams (1999) ” A Glossary of Literary Terms”. 7th edition. New York. Holt Rinehart and Winston. ( pp 127 – 134 ).



    ملاحظات المترجم:

    1. بالألمانية في النص.

    2. أود الإشارة إلى موقف مماثل عبرت عنه الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاج في مقالتها المهمة (ضدَّ التأويل). أنظر ترجمتنا لهذه المقالة المنشورة في محور خاص حول التأويل الأدبي نشرته مجلة ” الثقافة الأجنبية ” العراقية في العدد الثالث الصادر في العام 1992.

    3. يظهر تحليل خطاب المؤلف، في هذا الموضع، شكا ً عميقا ً في طبيعة التأويل الذي يقدمه مفسرو العهد القديم؛ فهو يستعمل صيغة ” قد قيل…” للنأي بنفسه عما تنطوي عليه هذه الأقوال من مزاعم. و قد يسمح ذلك لي بأن أفسره على أن المؤلف يرى بأن هؤلاء المفسرين قد قولوا النصوص ما لم تقله.

    4. ينبغي أن نشير بأن الترميزية، و هي بالإنجليزية allegory، و تشتق منها صفة الترميزي allegorical هي غير الرمزية، و هي بالإنجليزية symbolism، و تشتق منها صفة الرمزي symbolic. فالأولى تمثل علاقة ثنائية بين دال مفرد يتجاوز مدلوله المباشر في النص إلى مدلول خارجي مفرد في الطبيعة و المجتمع، فهي إذن علاقة مقيدة. أما الرمزية فهي علاقة متعددة بين دال مفرد في النص و مدلولات متعددة اجتماعية أو سياسية أو فكرية أو نفسية أو ذوقية. فهي إذن علاقة حرة. و يمكن الاستنتاج بأن احتمالات التأويل تضيق في الكتابات الترميزية و تتسع في الرمزية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 12, 2024 1:41 pm