منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مقولة الرؤية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    مقولة الرؤية Empty مقولة الرؤية

    مُساهمة   الأربعاء يناير 20, 2010 5:14 am

    مقولة الرؤية:
    ارتبط مفهوم الرؤية في الأذهان بِـ"لوسيان كولدمان" مؤسس البنيوية التكوينية وموضح معالمها، لكن هذا المفهوم له جذور فلسفية ودينية تتجاوز البنيوية التكوينية بزمن طويل، إذ يكاد يجمع الدارسون أن هذا المفهوم من نحت "ديلكي" في كتابه "مدخل لدراسة العلوم الإنسانية"، وقد استعمل هذا المفهوم أيضا "ياسبرس" و"لوكاتش"( )، وقد ارتبط هذا المفهوم بنظرة غيبية تنظر إليه لاعتباره محتوى تجريدي، يتجه نحو ما ينبغي أن تكون عليه الحياة المادية، عبر استغلال الطاقة الإبداعية في كشف خبايا الحياة، وهو تحقق نلمسه عند الفلاسفة الأوائل كأفلاطون وأرسطو في ما بعد، إن الرؤية من هذه الزاوية تتعلق بالحقائق غير المنجزة والتي لا يمكن أن تكون إلا في عالم المثل، عالم الحقيقة الخالصة، في ما بعد سيصبح هذا المفهوم مرتبطا أكثر بمفهوم اجتماعي صاغه "لوكاتش" هو مفهوم "الطبقة" باعتبارها العامل الذي باستطاعته تحريك عجلة التاريخ البشري، والواقع أن ما تخوف منه "جان دونينيو" من كون الرؤية تخلصت من الطابع الإيديولوجي، هو نفسه ما نجده يتكرر في كتابات الشكلانيين على اختلافات طبقاتهم( )، وعلى الأخص في فترة التأسيس، إذ تتقاطع الرؤية إلى العالم مع مفهوم الإيديولوجيا، وبالتالي يتخذ المفهوم بعدا ضيقا بما يجعله غير قادر على استيعاب العالم نفسه، على أن مفهوم الرؤية لم يستقر في هذه الدائرة الضيقة بل ارتبط في مرحلة أخرى بالإبستيمولوجيا، أي بالمعرفة العلمية الحدسية كما نجد ذلك في ما بعد عند "بركسون".
    إن مفهوم الرؤية إلى العالم تحكمت في صياغته مجموعة من العوامل بعضها علمي وأكثرها إيديولوجي، ومن هنا نفهم التعقيد والاختلاف الكبير بين النقاد والفلاسفة، فبينما يصر الفلاسفة، إلى اعتماد معايير ميتافيزيقية على شاكلة ما رأيناه عند الفلاسفة الأوائل، فإن النقاد يحاولون اعتماد اللغة وما توفره من إمكانيات قرائية، ولذلك تميزت نظرة كولدمان في الرؤية إلى العالم بأنها انطلقت من فروض لغوية ومن قاعدة نظرية تعتمد المخزون الأسلوبي في الرواية، وهذه النظرة التي كانت مهمة في وقتها، والتي أنارت في نفس الوقت مجالا جديدا في البحث النقدي، تعتمد فرضية أساسية هي كون الرؤية شبكة من العلاقات المتشابكة لا تظهر بشكل عفوي وإنما ينبغي الكشف عنها بتفتيت بنيتها تبعا للمنظور الذي نقيم بواسطته القراءة، وهو ما يجعلنا، على غرار ملاحظات قدمها نقاد البنيوية التكوينية، نتساءل عن مشروعية استعارة مفهوم المنظور من المجال البصري إلى مجال الرواية اللغوي، وما يتبع ذلك من اختلاف العوامل وطرق الدرس، على أن كولدمان لا تهمه هذه الفروقات الدقيقة بين المنظور البصري والمنظور اللغوي، فهما في نهاية المطاف أسلوبان تعبيريان يوصلان إلى الهدف، وعليه فإن الرؤية إلى العالم عند كولدمان هي مزيج من العوامل الذاتية والخارجية، فالرؤية للعالم هي كل الأفكار التي توحد فكر الجماعة بما يجعلها تدخل في صراع أو تعارض مع مجموعات بشرية أخرى، إن الرؤية للعالم إذا هي موقف جماعي من الحياة، أو بنية عقلية تخص فئة بشرية بما يجعلها تنظر إلى علاقتها بالآخر نظرة مختلفة، وهو ما عبرنا عنه في الفقرات السابقة بكون النقد الروائي في المغرب ينبغي أن يركز على البيات أي: على الثوابت وليس على المتغيرات المحكومة بزمنها وظروفها الآنية، مما يجعل البحث في الثوابت كما رأينا مع الشكلانيين [ولا نقصد بالضرورة الشكلانيين الروس]، أساس العمل النقدي لأنه يتجاوز المعنى الحرفي إلى محاولة تأويله وقراءته، ومن هنا إصرار "كولدمان"على أن "الرؤيات للعالم ليست وقائع فردية بل وقائع اجتماعية"( ) ، مما يجعل التفكير في وجهة النظر هو في الواقع تفكير في أهم قضايا المجتمع، لكن السؤال الذي يطرح هنا أن الرواية ليست تعبيرا مباشرا عن الواقع إلا إذا فهمنا أن اللغة هي في طبيعتها انعكاس لصور المجتمع وأنماط تكونه، فالرواية بما هي نص لغوي علائقي تمتلك مقدارا لا يستهان به من التخييل، بل إن التخييل هو الذي يشهد لطابعها الأجناسي، ومن هنا نؤكد أن وجهة النظر ينبغي أن تشمل البنيات غير اللغوية كالإشارات بما هي مستودع للعقل البشري وخزان للتجربة العالمية، وليس فقط على الثوابت التي أشرنا إلى بعضها في الفقرات السابقة، مما يعطي لوجهة النظر بعدا شموليا.
    يركز "كولدمان" على أن وجهة النظر تتميز بخصائص ثلاث:
    - كل رؤية هي ظاهرة اجتماعية لا فردية.
    - كل رؤية تتميز بالشمول والإحاطة. (نسقية الرؤية).
    - كل رؤية هي عالم منسجم ومتماسك ( ).
    هذه الخصائص تؤكد بوضوح أن الهم الذي كان "كولدمان" يصدر عنه هو ضرورة أن يخضع مفهوم الرؤية إلى نسق فكري يرجع إليه، وهو ما يذكرنا بأعمال المناطقة وأعمالهم في ضبط الخطاب، وهكذا يصل إلى نتيجة وجودية هي كون الرؤية إلى العالم رؤية مأساوية تحكمها ثلاث ضوابط هي الله والعالم والإنسان.
    وبعد هذا التقديم الموجز لمفهوم الرؤية عند الشكلانيين، فإننا نتساءل عن مفهومها في الرواية العربية، كيف ننظر إلى هذا المكون من خلال الممارسة النقدية والإبداعية، هل الأبطال الروائيون في الرواية المغربية والعربية قادرون على تكوين رؤى تتصف بالحد الأدنى من الشروط المذكورة؟
    للإجابة على هذه الأسئلة المركزية في الرواية العربية يشدد يقطين على العلاقة الوثيقة بين المنظور والصوت، فهو يضمن الرؤية كل الأبعاد وليس فقط البعد البصري الذي يؤكده فعل الرؤية في اللغة العربية ( )، فباعتماد معيار الراوي نجد أنفسنا أمام وضعيتين :
    1- الوضعية البرانية: وهي وضعية الراوي غير المشارك في الحكي.
    2- الوضعية الجُوانية: وهي وضعية الراوي المشارك في الحكي.( )
    في حين إذا اعتمدنا معيارا آخر هو مكون "التبئير" في علاقته بالصوت، فإننا سنحصل على أربع أنواع من المنظورات أو الرؤى وهي على التوالي:
    1- رؤية برانية خارجية= التبئير في الدرجة الصفر.
    2- رؤية برانية داخلية= التبئير الخارجي.
    3- رؤية جوانية داخلية.
    4- رؤية جوانية ذاتية.(الرؤية الثالثة والرابعة تقابل التبئير الداخلي.)( ).
    ورغم التفاصيل الكثيرة التي أوردها يقطين كمحاولة منه لإقناعنا بانسجام رؤيته إلى مفهوم الرؤية في الرواية العربية، فإننا نسجل الملاحظات المنهجية التالية إيمانا منا بأن تعميق النقاش في هذه القضايا الجوهرية في النقد المغربي من شأنه أن يوضح الرؤية ويدفع الإبداع إلى الأمام.
    إن التقسيم الذي اقترحه يقطين لم يقدم شيئا جديدا للرواية المغربية والعربية، فهذا التقسيم معروف بالنسبة لنا في كتابات كولدمان ولوكاتش وتودوروف، مما يدفعنا للتساؤل عن إمكانية تطبيق وجهات النظر السابقة (النظرة المأساوية مثلا في كتابات لوكاتش)، على الرواية العربية، وهو تناقض منهجي صارخ، إذ كيف يعقل إذا صرحنا مع باختين بأن الرواية شكل غير مكتمل، وأن ليس هناك شكل روائي، كيف يمكن أن نتحدث عن رؤية متكاملة في شكل ناقص، خاصة وأننا نعلم أن الرواية العربية لم تزل بعد في مرحلة البحث عن الهوية( )، على أن مفهوم الرؤية بالشكل الذي قدمه يقطين لا يشمل كل الرؤى الممكنة، رغم أنه يشير منطقيا إلى كل الحالات الرياضية عن طريق القلب والجمع بين الحدود، لكن في المقابل فإن الرؤية التي نتحدث عنها تتميز بالوحدة من جهة على أساس أنها تعبر عن بنية جماعية ،لكن في الوقت نفسة فإن النص الروائي حافل بوجهات نظر مختلفة بسبب التعارضات والصراعات التي أشار إليها "كولدمان"، في حين يظهر الموقف العربي في نسخة يقطين سكونيا، وكأنه يرضخ للواقع المهين الذي تعيشه الأمة، فليس هناك تطور لفهم الرؤية وليس هناك صدامات تفرضها اللغة الروائية، وهو توجه تكذبه التجارب الروائية المغربية والعربية، بل تكذبه حتى النصوص الروائية التي قام يقطين بدراستها، مما يورط الجهاز المفاهيمي الذي استعمله سعيد يقطين ويجعلنا نعيد النظر في الأسس النظرية التي انطلق منها.
    إن الرواية العربية مطالبة في هذه المرحلة بتكوين رؤية نحو العالم، أو صياغة منظومة فكرية لتفسير الظواهر الاجتماعية بعيدا عن التوجهات المفروضة من سلطة اللغات الأجنبية، وهو ما نكرره دائما، إن السرديات العربية عليها أن تعود لاستغلال المكونات الجمالية للغة العربية، وصياغة أشكال تنبع من العمق الإستراتيجي العربي وليس اختزال النظرات البعيدة عن خصوصياتنا، وبهذا التوجه فإننا نستفيد من النتائج المهمة في مجال السرديات العالمية، ولكن ليس بالشكل الذي نبحث فيه عن رؤية عربية معاصرة، بعيون أجنبية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 6:15 am