منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    البنية العميقة في الشعر

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    البنية العميقة في الشعر Empty البنية العميقة في الشعر

    مُساهمة   الأربعاء يناير 20, 2010 5:20 am



    الشاعر عبدالله رضوان في >>كتاب الرماد<<: البنية الشعرية العميقة بين الانزياح النصي والدلالات المتشابكة

    تعتمد بنية القصيدة وتشكيلاتها, على مستوى التركيب والدلالة والصور والايقاع, عند الشاعر عبدالله رضوان, في مجمل أعماله التي نشرها على عمليتي (الازاحة والتحويل) الاسلوبي وانعكاسهما في بنية النص الشعري الذي يستوعب عنده امكانات وهيئات واستضافات لمظاهر أسلوبية وتقنية وآليات شعرية تجسد القصيدة من خلالها هويتها الشعرية وخصائصها الفنية والجمالية والتعبيرية التي يحقق الشاعر فيها تنمية المدلولات واللغات والصياغات مظاهر النصية في فضاءات النصوص بحيث تنصهر هذه المكونات في مجمل تركيبة ونظام التأليف الشعري, ومكوناته التي تنتقل من مستوى البنية السطحية الى مستوى البنية العميقة, من خلال انتهاك قوانين اللغة المعيارية, ومجموع علاقاتها البسيطة والعادية, نحو اللغة المنزاحة والمخترقة التي تبني شعريتها, من خلال علاقات جمالية أو صياغية او دلالية في العمق الموظف لدلالات النص, من أجل خلق الفاعلية والدينامية المنظمة لعملية الرؤية الكلية للنص, والذي يتحول فيه الخطاب الأدبي عن سياقه الاخباري- بتعبير د.عبدالسلام المسدي- الى وظيفته التأثيرية والجمالية حيث يستطيع الشاعر من خلال عملية دفع التركيب اللغوي ودلالاته ومفرداته ومرجعياته الخارجية والقاموسية عبر توكيد وتعميق الدلالة, غير الملائمة والمتنافرة, وتحويلها في تشكيله الاسلوبي, وانعكاس ذلك في تمركز وترتيب وضم هذه العناصر والعلاقات في بؤرة النص, أو مولده, وتنسيقها ضمن رؤية النص الكلية, والتي يحاول الشاعر فيها الهروب من سطوة اللغة ونظامها المعجمي وهيمنة الشكل الشعري التقليدي, وسلطته الوزنية والعروضية التي تتشكل في داخل وأعماق التجربة الشعرية التي تدفع بالدلالات الكلية للقصيدة لامتلاك رؤية مغايرة وتشابك نصي ودلالي لا يستكين الى نمطية محددة ومألوفة داخل النوع الشعري اضافة, وانما من خلال توسيع جسد القصيدة الجديدة وتعيناتها البنائية والتشكيلية, وصلتها المتينة القوية بالمكون الشعري, وهيئاته الفنية وابنيته التي تحتضن هذه الدلالات, وتآزر الانفعالات التي تمتد وتتسع حتى تشمل مستويات البناء والتركيب والدلالات لنصبح أمام نص شعري متماسك ومتطور ونام يحمل نزوعه التجديدي والتحديثي, وجماليته وشعريته.

    واذا كان النص الشعري عند الشاعر عبدالله رضوان يمتلك طاقات انفعالية وتأثيرية غنية وحضورية ومتألقة من خلال تعميق رؤيا القصيدة, وعناصرها المهيمنة التي تشع على أطراف النص وأجزائه, فانما شأن كل بنية شعرية متماسكة عفويا تمتلك عناصر حضورية, وأخرى غيابية(بتعبير تزفطان طودوروف) فالعلاقات الحضورية هي علاقات تشكيل وبناء, وهي بهذا تكون على مستوى البنية السطحية للنص, أما العلاقات الغيابية فهي علاقات معنى وترميز ودلالة, فهذا الدال يدل على ذلك المدلول, وهي بهذا تتكون وتتمثل في مستوى البنية العميقة للنص من خلال تنوعها وتعددها,وتحقق استعاناتها النصية والملفوظية في أقصى قدر ممكن من المشاركة والمشاكلة في تشكلات وتركيبات النص وانزياحاته واختراقاته الجزئية والكلية, والتي توفر بثرائها الحضوري والدلالي غطاء تركيبيا يحتضن انفعالات الشاعر وانثيالاته الذاتية, واستجاباته الفردية والجماعية, والتي تصبح مركز الثقل الانفعالي في القصيدة وبؤرتها, وما تحققه من وجود فني وتعبيري وأدائي داخل النص, اذ يتعمق التصور البنائي, ويتضاعف اثر الانزياحات الدلالية, والتحويلات التشكيلية على مستويات الشعور والوعي والارتباط والانعكاس الذي يستكمل فيه الشاعر شعرية نصوصه, والتي تقدم بدورها قاعدة التشكيل الشعري والبنائي والفني الذي تتكئ عليها النصوص في حركاتها ودوراتها وانتقالاتها ومواقفها وحالاتها, فيؤدي الى انصهار هذه البنيات داخل النظام اللغوي للنص والنسيج النصي المتميز, والفاعلية اللغوية والتصويرية التي يؤسسها داخل وحدات البنية, والتي يجعلها وسيلة فنية في استكمال عناصر الشعرية, ومعبرا بذلك عن حجم وقدرة وتركيز الشاعر في تشظيه وتناثر دلالاتها وايحاءاتها وظلالها على وجود النص المتفاعل في مستوياته المختلفة من خلال اضاءة الرؤيا التي تؤثر في كثير من قصائد الشاعر عبدالله رضوان من التجربة والواقعية والشعبية والذاكرة والصوفية- بمعناها الوجودي والكوني- ورؤياتها الاستبطانية التي تريد انتهاك حجب الواقع ومواقفه ومكامنه السرية والمسكوت عنها, اذ ينبني النص عنده معتمدا على كليته وارتباطاته وتعيناته, وعلى خلق ايقاعات ومظاهر وانساق متوازية ومتشاكلة, تحاول استبدال الانساق البلاغية والدلالية القديمة (كالتشبيه والمجاز والكناية والاستعارة) بأنساق وتقنيات شعرية واسلوبية ودلالية مغايرة, تفيد من الابعاد المكانية والزمانية والذاكرة والصور الاستعارية والكنائية الترميزية المعبرة في اطار من التشاكل التركيبي والصوري والصوتي الكلي التي يحشدها الشاعر, ويحقق من خلالها انجازه التعبيري, ليكون وحدة نصية متكاملة, ونسيجا شعريا يكرس هذه الوحدة, وصولا الى تكوين رؤية شمولية ومعرفية, يوظفها الشاعر في ثنائيات ضدية, ويلائم بها بين رؤية القصيدة وتشكيلها ولغتها وعناصرها البنائية التي يستند اليها في السياق النصي الحامل لهذه التقابلات البنائية التي تدخل النص في أفق ترميزي واحتمالي وتأويلي متعدد ومتنوع وثر, تؤدي فيه مختلف هذه العناصر والمكونات والدلالات السياقية دورا مهما في نمو النص الشعري واكتمال أدواته السياقية, وتنويع تشكيلاته ولغاته وضمائره التي تحوله الى بنية دلالية عميقة ذات ابعاد بنائية وتشكيلية وحوارية وتعددية نسقية وتركيبية وصوتية, لتستكمل بها القصيدة شعريتها. وتسعفنا أعمال الشاعر عبدالله رضوان السابقة وانجازاته الابداعية في تلمس خصائص هذه الشعرية التي تنبني على مجموعة من الخصوصيات السياقية والاستبدالات اللغوية, والانزياحات الاسلوبية, وتحويلاتها وتحويراتها التي أقامها الشاعر في تكوين عالمه وتجربته الشعرية منذ ديوانه الأول (خطوط على لافتة الوطن- عم ان- 1977) مرورا بكل دواوينه (أما أنا فلا أخلع الوطن- عم ان- 1979) و(قصائد أردنية- عمان- 1891) و(الخروج من سلاسل مؤاب- بيروت- 1982) و(أرى فرحا في المدينة يسعى- ليبيا- 1948) و(يجيئون يمضون وتظل الحياة- عم ان- 1995) و(عروس الشمال- عمان- 2000م) و(شهقة الطين- عمان- 2000) وأخيرا ديوانه الجديد الذي صدر حديثا, والذي تكاملت فيه هذه التجربة (كتاب الرماد- عمان- 2001م) التي بنى فيه انشغالاته ومكابداته الشعرية, بكثافة وحضور أساسي قد تم عبر تشكيل نصي وبنائي ودلالي متماسك وعفوي, كشف من خلاله الشاعر عن قدرة شعرية متميزة, تحقق المزيد من الانزياحي والانحراف الدلالي عن النسق الشعري العام, بلاغيا وتركيبيا ونحويا وتنسيقها ضمن رؤية النص ومنظوره التي تتحرك وتنمو وتفيض برؤياها وترابطاتها وتعيناتها المختلفة على التفاعل النصي والدلالي لهذه النصوص, اذ تكتسب بها أبعادا جديدة, وعبر خلق معطيات التحول الدلالي والانزياحي النصي الذي تنفتح القصيدة به كليا حيث تظل العلاقة بين البنية الشعرية العميقة, والانزياح النصي, والدلالات المتشابكة, والتقنيات والأساليب الشعرية هي المحرك الاساسي للنص الذي تتكامل فيه عناصر التشكيل البنائي لقصيدة الشاعر في مجمل العلاقات النصية التي تولد بدورها أسئلة الواقع, وأسئلة النص, وتتعانق وتتمازج في مكوناتها وأصواتها وأفعالها وأحداثها كل تناقضات هذا الواقع, ومفارقاته ومأساويته, وطاقاته النفسية المكبوتة ليؤكد الشاعر من خلالها تمسكه بالشعر وبالقصيدة وبالكلمات وبالاحلام كمنقذ وحيد, وكمخلص يؤكد هويته المتحققة في عمق المشهد واضاءاته وثرائه وحضوره البهي المتألق في التجلي والرؤيا التي تنطلق منها قصائد الشاعر في ديوانه الجديد, والذي ابتدأ بقصيدة (الرمادي- في وصف أيامنا) السود هذه:

    والرمادي,

    هذا الخواء الذي نتنفس

    هذي العواصم... هذا الهبوب

    الجفاف الجديب... الـ

    جفاف الذي يأكل العمر

    والعمر يمضي وليس لديه سوى سلة من

    نواح.

    هل ينوح عليكم?

    علي ?

    على وطن فاتن يستباح

    والرمادي أن لا يوسوس في الصدر برعم شك

    وأن الحقائق... كل الحقائق

    في جعبة الغيب

    حاو تربع في عرشه

    لم يرح أحدا غيره... واستراح

    - 2 -

    لعل من أبرز الكيفيات البنائية, والتناظرات الصياغية في معمار قصيدة الشاعر عبدالله رضوان في مجموعته الشعرية الجديدة (كتاب الرماد- عم ان- الأردن- 2001م) انها تبني فضاء نصوصها واكتناه شعريتها على مجموعة من العلائق الدلالية والنظم التركيبية, والمنظورات الرؤيوية الجديدة, والثيمات المركزية, والاستعانة بالرموز والاقنعة والمرايا وأحداث التاريخ والوقائع المروية الشعبية والاسطورية بحيث يفتح نصه لمزيد من التعدد, ويتيح له فرصا كثيرة لتعميق فضاء الرؤيا الاساسية, وهي تتكون داخل تجربة الشاعر التي تصل في معمارها ولغاتها وبنائها التركيبي الى ذروة من التوتر والتآزم والامساك بمعطيات الادراك الحسي والواقعي الذي يجوس في أبعاد ذا الواقع, وفاعليته وتأثيراته في ادراك النصوص ومصادرها ومؤثراتها, الى جانب شبكة واسعة من الاحتمالات التأويلية والتضادية والتناقضية والصراعية التي تظل تربط هذه التجربة في عالمها الواسع بالأشياء, والوسائل والامكانات في عالم الواقع والاسطورة والذاكرة والمكان عن طريق تجميع هذه الترابطات وتنميتها وتنوعها, لتكون وحدة كلية نامية في حركتها, وخاضعة لسياق لحظتها الراهنة, وتكويناتها الرامزة, ومحققة لعلاقاتها النصية بين البنية والسياق والرؤيا والتركيب واللغة والصورة والايقاع ومن ثم اعادة ترتيبها في بنية العمل الفني الكلية, ووحدته العضوية المتماسكة التي ترتكز عليها عملية التحويل الدلالي في بنية القصيدة حيث تنتشر الدلالات وتتسع وتنفتح لتغطي كل سياقات البنية عبر الضغط والتكثيف والخرق في شحن اللغة دلاليا وتقديم رؤية جمالية وجديدة ومتحركة للواقع, لا تخضع له بقوانينه وكيفياته المألوفة والعادية, ولكنها تقدم جوهر هذا الواقع وكينونته وسيرورته وفاعليته ومستوياته التناصية المختلفة التي تنجح في توليد وتوصيل استجاباتها الانسانية للمتلقي عبر هذه الانزياحات والانحرافات الأسلوبية والتركيبية في قصيدة الشاعر عبدالله رضوان, وهذا ما نجده واضحا في قصائد المجموعة الاحدى عشرة التي توزعت عليها, وقدم لنا فيها جهدا مضاعفا في تأصيل البناء النصي والتشكل الشعري الذي عمل فيه على تنمية فضاء الشعرية, غير أن قصائده (ما تيسر من أحوال الرعية) و(من يوميات مواطن فلسطيني) و(حجر على حجر سنبني حلمنا) و(القمر يبدأ مشاويره في الغناء) و(وردة وحذاء على قبر رضوان) من بين قصائد المجموعة التي تثير عدة تساؤلات نصية وبنائية وتركيبية تنطوي على حضور دلالات الشعرية وأنساقها في تقديم وظيفتها الدلالية المرتبطة بعملية التأليف الشعري والمعنوي متعدد المستويات, والذي ينتظم عملية التشكيل البنائي للنص على مستوى التقنيات الخاصة والآليات الشعرية وخصائص التركيب, وتؤدي بدورها الى إتاحة ظهور العديد من الوحدات الشعرية والنسيجية المتكاملة بنائيا ودلاليا وعفويا مما يجعلها قادرة على احتضان المعنى الشعري الذي ينسجم مع كلية هذه الدلالات ومولدتها, إذ ليست هذه الممكنات والكيفيات البنائية في شعر عبدالله رضوان شكلا من أشكال العلائق التي تؤلف كيان القصيدة ودوراتها ومستوياتها البنائية والاسلوبية وحتى الخطية, وعلاقاتها بالتحول والتنقل والانحراف في عالم النص وخفاياه حسب, بل هي شكل من أشكال التعبير الفني والجمالي يعبر عن بنية الكون الشعري والرؤيوي وعبر بنية القصيدة كلها التي تبثها لتجسيد تلك العلاقة الحميمة بين الشاعر وواقعه وذاكرته وأرضه ووطنه الفلسطيني ومحيطه العربي والانساني, ولتستمر فيها القصيدة في استنفار امكاناتها في بلورة واضاءة وتشكيل الوجود الخارجي والداخلي لعالم الشاعر, اذ تتخذ العلاقة التشاكلية بين طرفي الثنائية الشعرية في مجمل نصوصه الاستغراق الدلالي والبنائي الممتد على سطح القصيدة وعمقها ورموزها واقنعتها وأزمتها وأمكنتها وتاريخها وحكاياتها وسيرتها وحواراتها.

    ففي قصيدته الطويلة, والتي حققت تراكما نوعيا آسرا وثرا وعميقا, في التقنيات والأساليب والمعالجات وافاد من التشكل الفني والهيئات النصية للفنون والانواع الأدبية الاخرى التي تندمج في مستويات القصيدة الكلية كما في قصيدة (ما تيسر من أحوال الرعية) التي تنزع الى مهيمنات القص والسرد والحوار والدراما التي تتنوع بها تجربة القصيدة بتنوع تجارب الشاعر الانسانية, ويحولها الى عناصر شعرية ضاغطة باتجاه علاقة الشعري بالواقعي, وقد يكون حضور صوت الشاعر الغنائي (أنا الشاعر) طاغيا عبر توظيف ضمير المتكلم, وقد يكون هو الاكثر بروزا في هذه القصيدة منذ بداياتها حيث تتجلى ظهور هذه الأصوات ومنذ المقطع الاستهلالي ثنائية (أنا/ نحن) الذي يستبطن فيه الشاعر موقف الفاعل/ المتكلم/ الراوي الذي يصل من خلاله الى ملء الفراغات الدلالية في النص بين هذا الواقع, وكائنات المسكوت عنه, لهتك حجبه, وافراغ الطاقة النفسية المكبوتة في أصواته وشخصياته وحركاته, ومواقعها ومواقفها ضمن المستوى الظاهر الذي ينطوي على بروز هذه الكيفيات الثنائية التي تفصح عما يكتنزه الشاعر في أعماقه من مأساة ومكابدات وصراعات وتناقضات:

    قلبي مثقل بالصحو

    لست متيما بالفقر

    لكن المخيم راود العشاق دهرا عن نضارتهم

    فما وهنوا

    كأن الشمس تغسل وجههم بالعشق

    هم كبروا...

    وتناثروا ... مثل النجوم

    تجمع الفرح المشتت في الخريطة

    ... فابتدأت

    ... ها وطن من البترول يغرقني...

    فامحو فوق حلم ناغل بين الأزقة

    خفرة في المهد, أم ولد من (الوحدات)

    عانقني... ففرقني... وعانقني... فجمعني

    وتستمر القصيدة في امساكها لحضور الذاكرة والواقع والماضي والرموز التي تتأطر بشخصية المنقذ المتخيلة, وصولا الى تجلياتها التي تؤدي فيها دور الرمز الاستعاري لتراجيديا هذا الواقع في ذروة تصاعده. ثم يختتم قصيدته بهذا المقطع الذي يستمر فيه ضمير المتكلم ايضا بالبروز والتمركز (الأنا أو النحن) بطريقة اعترافية (اتوبيوغرافية) على طريقة السيرة الذاتية. وقد يستخدم هذا الضمير لسرد متن آخر يتعلق بحياة شخصية قصصية أخرى لا علاقة لها بهذا الواقع, ولكنها عملية انتخاب أخرى تشير الى وقائع موظفة في بناء النص, على أساس المغايرة في أفق المتلقي كما في قوله:

    - لماذا تحب القراءة

    للعرب أحزانهم

    - والنجوم,

    وللبرتقال تعاويذه الساحلية

    - تفاجئك المفردات

    لزيتونة في ؛الجليل« حضور يفاجئ

    - أسمع صوت صهيل,

    ندائي البعيد الى الارض

    - والأرض فيك

    تشكلها في العشية بيتا صغيرا .

    ودالية من عصير

    فللحلم أشكاله... بـ... بـ... د... ي...

    وبين هذه المقطعين (الاستهلال والنهاية) يوظف الشاعر عددا من الضمائر والأصوات والشخصيات الشعرية والرمزية والرؤى المختلفة التي تؤدي في النهاية الى ترابط هذه الأحداث وتقابلها والى اضعاف هيمنة العناصر الغنائية والذاتية والمظاهر العاطفية, وبروز الرؤية الدرامية والقصصية والسردية والحوارية التي يتعمق فيها وعي الشاعر بمعطيات الفن الدرامي ومسرحة القصيدة, ومحاولة توظيف عناصرها في شعره التي تحتويها مثل هذه التجارب أو الاقتراب منها, وما تنطوي عليه من أساليب سرد ورواة وراو ومروي له والافادة من الحدث النامي والصراع وتقابل المواقف والشخصيات وظهور الأصوات الداخلية المتضادة بين الشاعر وواقعه وذاكرته ومأساوية هذا الواقع وتراجيدياته حيث تنهض القصيدة بمهمات الصراع وتطور الحدث وتوظيف الحوار المركز والمكثف والحوار الداخلي والالتفات الى تعدد الأصوات والشخصيات وتقابلها واصطراعها على ساحة القصيدة ومظاهرها اللسانية واللغوية والتركيبية من خلال عنصري الصراع والتناقض والتضاد بين المواقف والرؤى, وبين (أنا الشاعر) وبين (الآخرين - نحن) والتي تفيد من عناصر فنية ومكونات بنائية في الفن الدرامي الذي يستثمره الشاعر, وتكتمل به بنية القصيدة الموضوعية, ليكشف لنا حضور الموقف الفكري للشاعر في مساحة القصيدة ورمزها ودلالاتها:

    أينا عاشق?

    مال نحوي وعذبني صمته

    قلت: يا رزق

    رزق هذا مديد كما نخلة الله

    يشبه سمرة أيامه في المخيم

    محروقة وجنتاه

    ويعشقه الفقر

    مثل المحبين يركض حيث يحل

    وقد قالت الوالدة

    نسميه رزقا لتخضر كفاه

    يا رزق

    من اين يأتيك هذا التوجع

    من وطن ضيعته الكهولة

    أم بلد أنهكته الفحولة

    وسد في الكف خديه, قال: المخيم ذاكرة... وانحنى

    فالشاعر ومن خلال استثمار واستخدام مختلف هذه التقنيات الشعرية والآليات الاسلوبية والتركيبية الجديدة التي تنتظم نسيج القصيدة من مطلعها وحركاتها وحتى خاتمتها يهيئ مسرح القصيدة لمشاهد (بانورامية) متعددة وكثيرة بعضها من الواقع, وبعضها قادم من الذاكرة, وأخرى شعبية واسطورية, ولكنها ترتبط بعقدة واضحة, وبؤرة متمركزة, استطاع الشاعر/ الراوي أن ينقلها لنا, وان كانت بلغة الشاعر وصوته الطاغي لا صوت الشخصية التي تتكرر, والتي تنتمي الى نسق البناء المشهدي الموضوعي الذي ينفتح بدوره على مجموعة من الرموز والهموم والمسميات والشخصيات الوطنية والتاريخية والشعبية التي تندمج في هموم الثوري العربي والفلسطيني المقاوم من خلال مجموعة من مفردات هذا الواقع التي تتحول فيه القصيدة الى رؤية وموقف واستدعاء تندمج في السياق الشعري الذي يتسع لوجود الاضداد ونقائضها واضطراباتها ولحظاتها المفارقة فيها, ويجعل فضاءها ممتلئا بالاحلام والاحزان والهزائم والاوهام في بنية القصيدة التي تتوحد رؤياتها محتضنة كل أسئلة الوجود التي تصل فيه الذات الفردية والجماعية الى ذروة نشوتها في استبطانها للغد الآتي, ويربط كلا من عنوانها وبداياتها ونهاياتها في وحدة نصية وملفوظية مجسدة لهذه الرؤيا وهذه المواقف والحيوية والفاعلية والولادة الجديدة التي تنتشر في سياق التجربة الكلية للقصيدة في مسيرة خطية متنامية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 10:09 pm