منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره Empty التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره

    مُساهمة   الأربعاء فبراير 24, 2010 1:40 am

    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره في حــــازم القرطـــاجني ابن سلام الجمحي وابن قتيبة أنموذجين د.م
    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره Pdf_button


    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره PrintButton


    التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره EmailButton




    الكاتب/ الإدارة

    15/04/2009


    طابع الشفوية هو الصفة الغالبة على التلقي بمختلف صوره في بيئة العرب في الجاهلية
    وفي
    الإسلام ؛لأن العرب قالت الشعر بفطرة وسليقة، بديهة وارتجالا،كما تلقت
    الشعر أيضا بفطرة وسليقة، ولهذا فـ"الناقد القديم متلق فائق، وطريقته
    الشفوية ذهبت به إلى تمثل سريع للنص والتعامل معه بأقصى ما يمكن من
    الانتباه، فالنص الشفوي يمر كلمحة على مخيلة الناقد.. وغالبا ما يؤدي
    النقد الشفوي إلى حوار مباشر، بين الشاعر والناقد أو المتلقي"(
    1).





    طابع الشفوية هو الصفة الغالبة على التلقي بمختلف صوره في بيئة العرب في الجاهلية
    وفي
    الإسلام ؛لأن العرب قالت الشعر بفطرة وسليقة، بديهة وارتجالا،كما تلقت
    الشعر أيضا بفطرة وسليقة، ولهذا فـ"الناقد القديم متلق فائق، وطريقته
    الشفوية ذهبت به إلى تمثل سريع للنص والتعامل معه بأقصى ما يمكن من
    الانتباه، فالنص الشفوي يمر كلمحة على مخيلة الناقد.. وغالبا ما يؤدي
    النقد الشفوي إلى حوار مباشر، بين الشاعر والناقد أو المتلقي"(
    1).
    ويمكن
    أن نطلق على تلقي المرحلة اسم التلقي التلقائي أو العفوي، ساهمت في بلورته
    حسب الدكتور إدريس بووانو خمس وسائل، فالقصيدة القديمة تلقاها العربي "أول
    ما تلقاها عبر شكل القراءة.. وتلقاها عبر وسيلة الرواية.. بمختلف قنواتها
    وأهدافها.. وعبر وسيلة السماع.. وتلقاها عبر وسيلة الإنشاد.. وتلقاها عبر
    وسيلة الغناء"(
    2).
    تحيلنا
    هذه الوسائل الخمس على البعد الشفوي في عملية التلقي عند العرب، ولكن
    التلقي تطورت وسائله وقنواته بعد هذه المرحلة، حيث انتقل الشعر و النقد
    معه إلى طور التدوين، مما جعل التلقي يقتبس كثيرا من سمات وخصائص هذا
    الانتقال.

    فما ملامح التلقي عند النقاد المصنفين؟ وما أثره في المنهاج؟
    إذا كانت مرجعيات حازم القرطاجني نوعين، بعضها ظاهر مسفر عن وجوده وحضوره، فبعضها الآخر، خفي غير مصرح به.
    وإماطة اللثام عن مرجعيات المنهاج، ذات الصلة القوية بالتلقي، يقتضي استنباط المضمر منها، لأجل محاورته، وتحديد حجم أثر في ناقدها.
    وإذا
    عدنا إلى فهرس الأعلام كما صاغه محقق المنهاج الأستاذ محمد الحبيب ابن
    الخوجة، وجدنا في مصنف حازم حضورا لعدد وافر من أسماء النقاد العرب
    الماثلين بأثرهم في فكر حازم. نذكر منهم الجاحظ وقدامة بن جعفر والخليل بن
    أحمد والآمدي،.. لكن هل هؤلاء النقاد، هم من مارس أثره في تفكير حازم
    النقدي؟

    لا
    أظن الأمر كذلك، لأن عدد النقاد العرب غير المصرح بهم، يفوق بكثير عدد
    المذكورين، وإذا أضفنا هذا العدد للشعراء النقاد، مثل البحتري، أبي تمام،
    المتنبي،... إلخ صارت لدينا قاعدة عريضة من المساهمين في اكتمال رؤية حازم
    النقدية المتمركزة حول التلقي خاصة.

    -1- ابن سلام الجمحي والتلقي:
    أول ناقد نرى البدء به ههنا، هو ابن سلام الجمحي (231هـ) لأنه "أول من نص على استقلال النقد الأدبي فأفرد الناقد بدور خاص"(3).
    كما أن فضله ثابت بعدما "دون المادة: النقدية السابقة، وجمع شتاتها ووضعها
    في قالب تأليفي منظم، فبدأت الحقائق تتضح وتبرز والأفكار النقدية تنتظم
    وتتحدد"(4).

    وأول
    صيحة أطلقها ابن سلام الجمحي، تتصل بمجال التلقي الشعري ذلك أنه نبه على
    ما أصاب الشعر العربي من انتحال وتلفيق ذهب بجمال الشعر وبريقه، يقول:
    "وفي الشعر مصنوع مفتعل، موضوع كثير لا خير فيه، ولا حجة في عربية، ولا
    أدب يستفاد، ولا معنى يستخرج ولا مثل يضرب، ولا مديح رائع، ولا هجاء مقذع،
    ولا فخر معجب ولا نسيب مستطرف"(
    5).
    يكشف
    نص ابن سلام، وصيحته، علمه بالشعر، ومستواه الفائق في تلقيه، و "الناقد
    القديم لم يكن إلا حائزا على ميزتين هما علمه بالشعر ثم قدرته الخاصة على
    تلقيه"(
    6).
    وقد
    برهن ابن سلام عن علمه بشكواه من انعدام المديح الرائع والهجاء المقذع
    والفخر المعجب.. وهي ولا شك صفات كان ابن سلام يجدها في الشعر الجيد الذي
    انتهى إلى علمه وذوقه.

    وإذا
    سألنا ابن سلام عن دواعي ذلك الوضع، أجابنا قائلا: "وقد تداوله قوم من
    كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية ولم يعرضوه على العلماء"(
    7).
    يشير ابن سلام إلى أنهم لم يأخذوا الشعر عن أهله الجديرين به، وإنما أخذوه
    ممن لا علم لهم به. وهذا يبين لنا وعي ابن سلام بالتلقي الجيد، ورغبته في
    السمو بالتلقي من خلال دعوته إلى وجوب نهل الشعر من ينابيعه الأولى التي
    من شأنها أن تمد هذا المتلقي بما يجلبه ويحدث لديه الإعجاب.

    لقد
    سعى ابن سلام إلى إحاطة الشعر بسياج وقائي للحفاظ على جمال الشعر وروعته،
    من هنا أناط مهمة البث في جيده ورديئه إلى العلماء به بقوله: "وليس لأحد
    –إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه- أن يقبل من
    صحيفة ولا يروى عن صحفي. وقد اختلفت العلماء في بعض الشعر.. فأما ما
    اتفقوا عليه، فليس لأحد أن يخرج منه"(
    8).
    يوكل ابن سلام أمر الشعر لأهله العالمين أسراره، وينادي عموم المتلقين للالتزام بإجماع العلماء المثقفين. وابن سلام بهذا التصريح يجعل لتلقي الشعر قانونا من شأنه أن يحمي المتلقي من الوقوع فريسة الشعر الفاسد.
    وإذا
    علمنا أن العلماء بالشعر لن يؤشروا إلا على ما كان صحيحا من الشعر وجيدا،
    عرفنا آثار ذلك الإنجاز في المتلقي، حيث سيضطلع الشعر بمهمته الأولى، ألا
    وهي إحداث الهزة والتحريك المأمول.

    لقد
    سعى ابن سلام إلى صياغة أذواق المتلقين السديدة والتي استوت واكتمل نضجها
    منذ عهد الفحول الأوائل حيث كانوا يستحسنون الشعر الجيد ويأخذون أنفسهم
    بالانفعال لمحتواه. وبهذا الإنجاز، كشف ابن سلام وعيه التاريخي والفني
    بالشعر العربي فجاء نقده خطابا مدويا ينذر من سولت لهم أنفسهم الارتكاس
    بمستوى الشعر وتلقيه إلى الدرك الأسفل.

    لقد غدا الشعر مع ابن سلام "صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات"(9).
    -1-2 بين ابن سلام وحازم:
    يعتبر
    ابن سلام كما سلفت الإشارة، من أوائل النقاد الذين دونوا بصماتهم في مضمار
    النقد، وقد جل إنجازه، الطبقات بنظرات ثاقبة في مجال التلقي، أتى بعضها
    مصـرحا به، وبعضـها الآخر

    محالا عليه وملمحا إليه. ولا أدري، لماذا لم يشر حازم القرطاجني إلى ابن سلام الجمحي؟
    وتكشف لنا مقارنة المنهاج مع الطبقات، وجود مجالات التناظر في عدد هام من القضايا ذات الصلة بقضية التلقي.
    1-3 سؤال التلقي وأزمة الشعـر:
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; width: 447.7pt; border-collapse: collapse;" dir="rtl" width="597" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 197.9pt;" valign="top" width="264">ابن سلام الجمحي

    </td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 249.8pt;" valign="top" width="333">
    حازم القرطاجني</td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 197.9pt;" valign="top" width="264">
    "وفي
    الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه، ولا حجة في عربية، ولا أدب
    يستفاد، ولا معنى يستخرج، ولا مثل يضرب، ولا مديح رائع، ولا هجاء مقذع،
    ولا فخـر
    معجب، ولا نسـيب مستطـرف"(10)</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 249.8pt;" valign="top" width="333">
    "هو
    الذي ران على قلوب شعراء المشرق المتأخرين وأعمى بصائرهم عن حقيقة الشعر
    منذ مأتي سنة فلم يوجد فيهم على طول هذه المدة من نحا نحو الفحول.. فخرجوا
    بذلك عن مهيع الشعر، ودخلوا في محض التكلم"(11).</td></tr></table>


    نلاحظ
    تناظر ظروف إنجاز ابن سلام مصنفه مع حازم القرطاجني، فكلا الرجلين نهض
    عملهما بتأثير بوادر الأزمنة التي نشأت بفعل تردي الشعر وانعكاس ذلك على
    تلقيه.

    صحيح أن معضلة ابن سلام تمثلت في قضية الانتحال خاصة، عكس حازم الذي واجه مشكلة فوضى الأحكام والمعايير واضمحلال الشعر.
    إذ
    ما يجمع بين الناقدين هو نهوض مصنفيها بديلا لمأزق الشعر وتلقيه على
    اختلاف بين زمان كل واحد منهما. فحازم عانى في القرن السابع الهجري من نفس
    المشكلة التي عانى منها ابن سلام، أي تدهور أحوال الشعر، وإذا كانت
    الأزمنة تلد الهمة كما يقال، فقد قام كلا الناقدين بإشهار سيف التأليف
    لمناهضة مفسدي الشعر.

    وإذا كان على ابن سلام الجمحي أن يحارب أمثال محمد بن إسحاق بن يسار الذي أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه(12)، وأمثال حماد الرواية الذي كان ينحل شعر الرجل غيره، وينحله غير شعره ويزيد في الأشعار(13).
    فإن حازما القرطاجني لم تكن مهمته يسيرة وقد أناطته أجواء عصره المضطربة بواجب التصدي لأنذال العالم والزعانفة(14) والمغالطين في دعوى النظم والأخساء(15).
    ومما يؤكد تناظر دواعي التصنيف وحوافزه لدى الناقدين، ابن سلام وحازم تصورهما للحل بعدما قاما بتشخيص الأزمنة وأسبابها.
    إن التناظر حاصل بدون شك بين الرجلين، وجهدهما انصب في إطار محاولة إعادة القيمة للشعر ورد الاعتبار له. فكيف تم ذلك عند الناقدين؟
    1-4 أزمة الشعر وتلقيه وتصور البديل:
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; border-collapse: collapse;" dir="rtl" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.7pt;" valign="top" width="344">ابن سلام الجمحي

    </td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.7pt;" valign="top" width="344">حازم القرطاجني

    </td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.7pt;" valign="top" width="344">
    "...
    وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه
    على العلماء وليس لأحد- إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال
    شيء منه- أن يقبل من صحيفة، ولا يروى عن صحفي، وقد اختلف العلماء في بعض
    الشعر، كما اختلفت في سائر الأشياء، فأماما اتفقوا عليه، فليس لأحد أن
    يخرج منه"(
    16)</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.7pt;" valign="top" width="344">
    "ولأن
    النفوس أيضا قد اعتقدت أن الشعر كله زور.. وكان يجب على هؤلاء.. وإن كانوا
    ممن ليس لهم به علم.. أن يتعلموا أولا يتكلموا فيما لم يعلموا.."(
    17)
    "وليس
    كل من يدعي المعرفة باللسان عارفا به في الحقيقة.. وإنما يعرفه العلماء
    بكل ما هو مقصود فيه، وهؤلاء هم البلغاء الذين لا معرج لأرباب البصائر في
    إدراك حقائق الكلام إلا على ما أصلوه"(
    18)</td></tr></table>


    إذا
    كانت أزمة الشعر كامنة في التصحيف لدى ابن سلام، وراجعة إلى الفوضى زمن
    حازم واضطراب المعايير، فإن الناقدين قد اتفقا معا على أن الحل هو إسناد
    أمر الشعر ونقده إلى العلماء به، ليس هذا فحسب، بل أصر الناقدان على وجوب
    خضوع عموم المتلقين لإجماع العلماء وانقيادهم له.

    لقد
    أعلى ابن سلام وحازم من شأن المتلقي وجعلاه طرازا متميزا حين قصراه على
    العلماء، وليس في هذا الأمر إجحاف لأن "جودة الشعر.. لا تظهر إلا للذين
    توفرت فيهم صفة الخبرة والمعاينة وكثيرة المدارسة، ومن هنا تصبح الأدبية
    أقل استعصاء، لأنها صارت في متناول الناقد"(
    19).
    وإلحاح
    الناقدين على ضرورة إسناد مهمة تقويم الشعر إلى العلماء راجعة لخصوصية
    الشعر نفسه وإلى لغته التي تنقلت من قارئها وتتمنع عن البوح في لحظات
    كثيرة يحار أمامها" الناقد العالم نفسه ويتيه في غياهب الانبهام والغموض
    ولا ينتشله منها سوى الطبع الرائق المدرب، وهذه فكرة ابن سلام يبدو أن
    حازما قد تلقفها منه.
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; border-collapse: collapse;" dir="rtl" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 206.9pt;" valign="top" width="276">
    ابـــن سـلام</td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.4pt;" valign="top" width="343">
    حــــازم</td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 206.9pt;" valign="top" width="276">
    وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم،... من ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا تعرفه بصفة ولا وزن، دون المعاينة ممن يبصره...(20)</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 257.4pt;" valign="top" width="343">
    وحسن
    المآخذ في المنازع.. يكون بلطف المذهب.. فيكون للكلام بذلك طلاوة وحسن
    موقع من النفس لا توجد مع وضعه على خلاف تلك الهيئة والإثلاج إليه من غير
    ذلك المدخل وهذا النوع من الكلام لا يكاد يميزه إلا الناقد(
    21)</td></tr></table>

    هذه بعض الأمثلة فقط، سقناها للبرهنة على حضور المرجعية النقدية العربية في إنجاز حازم واحتفائه بالتلقي.
    والمقارن بين الطبقات والمنهاج، يكتشف ولا شك، تناظرا، وتقاربا كبيرين، بين أفكار ابن سلام وحازم، انظر إلى كلامهما الآتي وتأمله.
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; border-collapse: collapse;" dir="rtl" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 224.9pt;" valign="top" width="300">
    ابـن سلام</td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 239.4pt;" valign="top" width="319">
    حــازم</td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 224.9pt;" valign="top" width="300">
    "وللشعر
    صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم.. ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، لا
    تعرف جودتهما بلون ولا لمس.. ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهجرجها
    وزائفها"(
    22)</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 239.4pt;" valign="top" width="319">
    "لا
    يجب أن يقبل شيء يخالف ما قلناه لأنا وضعنا هذه القوانين بحسب ما شهدت به
    أصول علوم جليلة، بها يتميز الصريح المحض من الزائف البهرج.."(
    23)</td></tr></table>


    ألا يشبه هذا الكلام بعضه؟ ألا يردد حازم مقولة ابن سلام؟ ولماذا لم يشر إليه؟
    هذه كما قلنا، بعض أوجه التشابه، بين حازم وابن سلام، توخينا فيها الإيجاز بدل الاستقصاء لتعدد النقاد وكثرتهم.
    ويلوح
    بدون شك، أن حازما لم تفته أفكار ابن سلام الهامة التي تضمنها أول مصنف
    نقدي عربي، بل اتخذها نبراسا يضيء عتمات طريق النقد والتلقي. فهل كان صاحب
    المنهاج عالة على كتاب الطبقات؟

    إذا كان صحيحا وثابتا اتكاء مشروع حازم على ابن سلام، فليس صحيحا خلو رؤية حازم للتلقي من ابتداع.
    إن
    الرجل وإن نهل من معين ابن سلام في طبقاته، وذلك من خلال ضمه جهوده على
    جهود أول صوت نقدي مدون، من خلال نقد أوضاع الشعر وتلقيه، ومهاجمة من تسبب
    فيها، وتسليم زمام التلقي، والنقد، وتوجيه المتلقين، إلى العلماء، وهم
    طراز عال في مجال التلقي، فإن حازما أضاف الكثير إلى مشروع التلقي، حيث
    انطلق من خلال موقعه، باعتباره عالما متصرفا، فأغنى التراث العربي الشعري
    والنقدي بمشروعه المتكامل، والمتمركز حول التلقي خاصة، وذلك من خلال إبداع
    مفهوم في التخييل والمحاكاة واعتمادهما آلية لتحقيق التلقي وبلوغه.

    فإذا
    كان ابن سلام، الناقد المستفهم، الذي تجرأ على طرح أصعب الأسئلة على
    تراثنا، ومهاجمة المتورطين في إنزال الشعر والتلقي إلى الحضيض، قد قعد به
    هاجس التصدي للانتحال والمنتحلين، عن التنظير للبديل، الذي يعيد لأحوال
    الشعر وتلقيه ألقها وسالف مجدها، فإن حازما تمكن بعدما عمل عنصر الزمن
    لصالحه، من ابتكار الوسائل الكفيلة بإصلاح أوضاع الشعر لجعله ذا أثر في
    النفوس.

    ونهوض
    حازم، أو بالأحرى مشروعه، على عملتي الهدم والبناء، وتقديم البديل هو الذي
    نأى بمصنفه عن السقوط في أسر التقليد والاتباع، وتسامى به نحو آفاق
    التجديد والابتداع.

    2- التلقي عند ابن قتيبة وأثره في حازم:
    يعتبر
    ابن قتيبة 276هـ من أوائل المصنفين، وفي كتابه الشعر والشعراء عناية
    ملحوظة بالتلقي وشروطه. بعدما تحرر من ما راج في عصره لدى بعض المحافظين
    أنصار القديم. لذا، ألفينا هذا الناقد يسقط جميع المعايير التي كانت في
    الغالب أحكاما مسبقة، خلال تقويم الشعر والمفاضلة بين الشعراء،و أعرب عن
    تشبثه بجوهر الشعر.

    وفي
    طليعة هذه المعايير، معيار الزمن الذي كان سيفا مسلطا على رقاب كثير من
    الشعراء، ذنبهم الوحيد أنهم تأخر بهم الزمان عن حلبة الفحول الأوائل.

    وعقد
    علاقة مباشرة مع العمل الإبداعي بغض النظر عن زمان قائله، تأكيد لفاعلية
    الشعر نفسه، واحتكام لسلطانه، ولا استحسان أو استهجان إلا بعد القراءة،
    ومواجهة النص، وهذا تطوير لأفق التلقي عند المتلقي العربي وترسيخا لقيم
    الجودة.

    ولا يخفى مدى الإساءة التي أصابت الشعر والتلقي خاصة، حين اختار بعض أنصار
    القديم و المتعصبين الأوائل، نصوصهم ورفضوا شعر غيرهم من الذين أتوا
    بعدهم. لقد جعلوا أبواب التلقي موصدة، وحقها أن تفتح لتعانق الأشعار
    الفصيحة وتتذوق الأبيات الجميلة، وتتلذذ بالكلام الساحر.

    وحين
    نطالع المنهاج، نجد حازما يعتنق الفكرة نفسها، ويذهب المذهب ذاته، الذي
    أعلن عنه ابن قتيبة، أي نقل بؤرة الاهتمام من خارج النص إلى النص نفسه.
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; width: 470.6pt; border-collapse: collapse;" dir="rtl" width="627" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 206.9pt;" valign="top" width="276">
    ابن قتــيبة</td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 263.7pt;" valign="top" width="352">
    حـــازم</td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 206.9pt;" valign="top" width="276">
    "ولم
    أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارا له سبيل من قلد أو استحسن باستحسان
    غيره ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه وإلى المتأخر منهم
    بعين الاحتقار لتأخره"(
    24).</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 263.7pt;" valign="top" width="352">
    "وأما
    من لا ذوق له فقلما يتأتى له التوصل إلى تمييز ما يحسن من مجاري الأوزان
    ومباني النظم مما يقبح فيهما، إذ أكثر من ألف في هتين الصناعتين مشفق من
    أن ينسب إلى العرب قبحا في مجرى من مجاري كلامها.. فهم يتلقون كل ما روي
    لهم صحت الرواية أو لم تصح بالتسويغ والتحسين"(
    25).</td></tr></table>


    يكشف النصان عن تناظرهما، فابن قتيبة يبرز نظرات الإجلال التي نظر بها المتلقون إلى المتقدمين ناسبين الإبداع لهم دون من أتى بعدهم.
    وحازم يشير إلى الأمر نفسه من خلال نقده من لا ذوق لهم، لقصورهم وفشلهم في التلقي، لعدم إبصارهم قبح العرب لسلطانهم على فكرهم.
    يتبين
    لنا أن حازما قد تلقف هذه الفكرة، وهذا الحكم المتقدم جدا في مضمار
    التلقي، من ابن قتيبة، ويبدو اتباع حازم ابن قتيبة من خلال اقتراح البديل
    والحل.
    <table class="MsoNormalTable" style="border: medium none ; margin-left: -11.3pt; width: 490.9pt; border-collapse: collapse;" dir="rtl" width="655" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0"><tr><td style="border: 1pt solid windowtext; padding: 0cm 5.4pt; width: 238.9pt;" valign="top" width="319">
    ابـن قتـيـبة</td><td style="border-style: solid none solid solid; border-color: windowtext -moz-use-text-color -moz-use-text-color; border-width: 1pt medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 252pt;" valign="top" width="336">
    حــازم</td></tr><tr><td style="border-style: none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 238.9pt;" valign="top" width="319">
    لم
    أسلك.. ولا نظرت.. بل نظرت بعين العدل على الفريقين.. وأعطيت كلا حظه..
    فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله.. ويرذل الشعر
    الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه أو أنه رأى قائله ولم يقصر
    الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن ولا خص به قوما دون قوم"(
    26).</td><td style="border-style: none none solid solid; border-color: -moz-use-text-color; border-width: medium medium 1pt 1pt; padding: 0cm 5.4pt; width: 252pt;" valign="top" width="336">
    ..فهذا
    رأي في الطرف مما يراه البلغاء من ألا يتسامح في وقوع ما يقبح وقبوله على
    أنه غير قبيح لعربي ولا محدث ولا يعتبر الكلام بالنسبة إلى قائل ولا زمان
    البتة. وإنما يعتبر بحسب ماهو عليه في نفسه من استيفاء شروط البلاغة
    والفصاحة بحسب ما وقع فيه أو استيفاء أكثرها أو وقوع أقلها فيه أو عدمها..
    في هذا النحو يصح الاعتبار"(
    27).</td></tr></table>


    لقد استمد حازم هذا الموقف الغني بالدلالات العميقة والقوية من ابن قتيبة، وهي تصب كلها في مجال التلقي بخاصة.
    إن
    ابن قتيبة وحازما كليهما، أرجعا الاعتبار للشعر، وسعيا إلى استرداد قيمته
    التي ظلت في السماء عصورا وآمادا بعيدة، وهما بتأكيدهما وجوب التركيز على
    الشعر نفسه، لا على قائله، أو زمانه، قد حولا مجال النظر إلى العنصر
    المحرك للتلقي، والمؤثر في المتلقي.

    ولاشك
    أن الرجلين كانا ينشدان توسيع دائرة التلقي، وإغناءها بجيد الشعر، وقد سمح
    لهما بعد نظرهما واتساع أفقهما بترك أبواب التلقي مشرعة في كل عصر ومصر،
    وذلك برفع قيود الزمان عن الجودة، وجعلها مطلبا وغاية يمكن تحقيقها على
    الدوام وباستمرار.

    وحازم
    القرطاجني ناقد القرن السابع الهجري، استطاع بخاطره النافذ وذهنه الثاقب،
    أن يبين معيار الجودة أين يكمن؟ عكس ابن قتيبة الذي اكتفى بالإشارة إلى
    عامل الرصانة فقط.

    إن
    حازما القرطاجني، الذي يبدو كلامه اتباعيا في بيان قصور العامل الزمني عند
    تحديد جودة الشعر، وتفاضل الشعراء، أبان عن مكامن الابتداع في نقده، ويتضح
    ذلك من خلال البديل الذي طرحه. وهو بديل يصب ويتمركز حول التلقي خاصة،
    وذلك من خلال قوله إن اعتبار الشعر يكون باستيفاء شروط البلاغة والفصاحة.

    وحين نعود للمنهاج باحثين عن هذه الشروط، يطالعنا حازم دون عناء بقوله: "من شروط البلاغة والفصاحة حسن الموقع من نفوس الجمهور"(28).
    فإذا
    كانت الجودة عند ابن قتيبة هي تحقيق الشعر بعض عناصر الفنية التي تنأى به
    عن السخف، فإن حازما رحـل بنا مباشرة إلى عالـم التـلقي، وأجـواء المتلقي،
    من خـلال تركـيزه على شروط البلاغة والفصاحة.

    إن
    حازما ينظر إلى الإبداع من منظار التلقي، كما أكد البحث مرارا، لذا، فهو
    حين يضع للمبدعين شرطا أو حين يصدر نقدا، يتجه دون مواربة نحو التلقي
    باحثا عن أحوال المتلقي. ودون أن نغفل طبعا، اشتراط حازم لعنصري التخييل
    والمحاكاة في الشعر، لإبداع الأشعار الفصيحة والابتعاد عن الأبيات
    المضمحلة.

    ونرى
    عند كل حديث عن مجالات الابتداع الحازمي الرجوع إلى نظرية التخييل
    والمحاكاة واجبا، فهي مفتاح الابتداع لديه وأقوى أسباب حيازته قصب السبق.

    وإذا انتقلنا إلى بناء القصيدة وما يجب على الشاعر فيه، وجدنا لابن قتيبة كلاما شافيا كله انصباب في التلقي وعناية قصوى بالمتلقي.
    يقول
    ابن قتيبة: "قال أبو محمد: وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد، إنما
    ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف
    الرفيق ليجعل ذلك سببا لذكر أهلها الظاعنين (عنها)، ثم وصل ذلك بالنسيب
    فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب ويصرف
    إليه الوجوه ويستدعي (به) إصغاء الأسماء (إليه)"(
    29).
    يكشف
    الناقد في هذا النص إحساسه القوي نحو المتلقي، وحرصا شديدا على جعل بناء
    القصيدة في خدمة التلقي. ويبدو من تفسير ابن قتيبة لهذا البناء، أن مقصد
    القصيد كان مستحضرا المتلقي عند تنظيره، آملا في إثارته وجذبه وهذا طبيعي،
    فـ"الوجود القبلي للمتلقي المتخيل، ومحاولة تخمين ردة فعله، عنصران هامان
    من عناصر عملية الإبداع نفسها"(
    30).
    ويكشف
    لنا نص ابن قتيبة نزوعا نحو التلقي من خلال تعليل أسباب توجيهه الشاعر نحو
    وصف مشاعره نحو المرأة، لأن "التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما
    (قد) جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء"(
    31).
    فالقصيدة بمقتضى تنظير ابن قتيبة خطاب مرسل نحو النفوس ملزم بتحريكها، وبعث انفعالها.
    ويمضي ابن قتيبة في هذا الحديث مبرزا عناصر القصيدة الأخرى قائلا: "فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه والاستماع له
    عقب بإيجاب الحقوق فرحل في شعره وشكا النصب.. وإنضاء الراحلة والبعير،
    فـإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء.. بدأ في المديح فبعثه على
    المكافأة"(
    32).
    يسيطر
    المتلقي على بناء القصيدة بموجب رؤية ابن قتيبة، فهو إما امرأة أحبها
    الشاعر يستميل بها وبأخبارها سامعه أو ممدوحا ينتظر عطاءه بعد تأثير الشعر
    في نفسه وإجباره على السخاء.

    يقدم
    ابن قتيبة من خلال هذا النص "خطاطة عامة وشاملة للقصيدة -المدحة يستمدها
    من متلفظ أول، لا يكشف عن اسمه مقصد القصيد. وهي عبارة غامضة، تسحب على
    خطاطته الشكلية "شرعية نقدية وشعرية ملموسة"(
    33).
    وابن
    قتيبة بعدما أعطى لخطابه أعلاه شرعيته التاريخية، انتقل يبين للشعراء
    مخاطر الانحراف عن ما قيل راهنا جودة الشعر بمدى الالتزام بالمقول، وعليه،
    "فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام"(
    34).
    بنـاء عـلى ما ذكر، نتساءل، هل الشـاعر يمتلك الحـرية في القـول؟
    يجيب
    الدكتور محمد المبارك بالنفي، لم يكن الشاعر "يمتلك الحرية المطلقة في
    كتابة النص، فهو يرجع إلى عدد معين ومعـروف من سنن الكتـابة، ويشكـل
    الخروج عليها أو التغاضي عنها مساسا بنظام الكتابة وأعرافها"(
    35).
    وإذا انتقلنا إلى منهاج البلغاء، ومنهجه في بناء القصيدة، "وجدناه يفصل القول في ذلك، وينظر إلى الأمر نظرة شمولية، يصدر في جانب منها عن آراء سابقيه، ويصدر في جانب آخر عن تصوراته الشخصية"(36).
    يقول
    حازم في هذا الإطار: "فأما ما يجب في المطالع على رأي من يجعلها استهلالات
    القصائد فمن ذلك ما يرجع إلى جملة المصراع، وهو أن تكون العبارة فيه حسنة
    جزلة، وأن يكون المعنى شريفا تاما.. وأن تكون الألفاظ. مستحسنة غير كريهة
    من جهة مسموعها ومفهومها. فإن النفس تكون متطلعة لما يستفتح لها الكلام
    به. فهي تنبسط لاستقبالها الحسن أولا، وتنقبض لاستقبالها القبيح أولا
    أيضا"(
    37).
    نلاحظ
    أن حازما قد اتبع ابن قتيبة في وجوب التماس تأثير مطلع القصيدة في نفس
    المتلقي، ولكنه نظر إلى المسألة نظرة فيها كثير من العمق والإبانة. ويلفت
    الانتباه في نظرة حازم، تصريحها بهذا المتلقي، وفعل التلقي من خلال قوله
    باستقبال النفس، وقد رأينا عند دراسة مادة استقبل في الباب

    الأول اشتراكها مع مادة تلقى من جهة الترادف.
    كما
    أن كلام حازم أكثر تفصيلا ودقة وشمولية لمكونات مطلع القصيدة من كلام ابن
    قتيبة، يقول حازم مبينا هذا الأمر: "فأما ما يرجع إلى مفتتح المصراع فأن
    يكون دالا على غرض القصيدة، وأن يكون مع ذلك عذب المسموع ولا يكون ذلك مما
    تردد على ألسنة الشعراء في المطالع حتى أخلق وذهبت طلاوته"(
    38).
    يتضح
    لنا إذا، تميز حازم في تصوره لمطلع القصيدة، من خلال حرصه على وجوب إبداع
    الشعراء في مواد هذا المطلع والابتعاد عن الاجترار والتقليد. وقد كشف لنا
    حازم عند مقاربته القصيدة، تشبثه الصريح بالتلقي، من خلال دعوته الشعراء
    إلى تجويد الاستفتاحات، لتحريك النفس لتلقي ما يأتي بعد المطالع، لأن
    "الحذاق من الشعراء.. اعتنوا باستفتاحات الفصول وجهدوا في أن يهيؤوها
    بهيآت تحسن بها مواقعها من النفوس وتوقظ نشاطها لتلقي ما يتبعها ويتصل
    بها"(
    39)
    ولكن، كيف هيؤوها بتلك الهيآت؟ لقد "صدروها بالأقاويل الدالة على الهيآت التي من شأن النفوس أن تتهيأ بها عند الانفعالات والتأثرات"(40).
    وحازم،
    لم يجتهد في تفسير كيفية حصول الإجادة في هذه المطالع والاستفتاحات فقط،
    بل إننا نجده يبدع مصطلحات يجعلها أسماء مبتكرة لتدل على فعل التجويد
    والتهيئة، يقول "ولما كان اعتماد ذلك في رؤوس الفصول.. أعلاما عليها..
    وكان لفواتح الفصول بذلك بهاء.. رأيت أن أسمي ذلك بالتسويم"(
    41)
    ولم
    يقتصر حازم على إيجاد مصطلح خاص بالإبداع في المطالع وما يعقبها من فصول،
    بل قام بابتداع مصطلح خاص بأواخر الفصول، وأطلق عليه اسم التحجيل(
    42).
    والتحجيل
    لدى حازم، هو تذييل أواخر الفصول بالأبيات الحكمية، والاستدلالية، بناء
    على ما ذكر، نخلص إلى أن حازما القرطاجني لم يكن مستهلكا وناسخا لابن
    قتيبة في آرائه حول بناء القصيدة.

    لقد
    أتى الرجل ذو المعرفة بتصاريف الكلام، الذكي الألمعي، بنظرات ثاقبة،
    ومصطلحات محدثة، نمت كلها على علو كعبة، وامتداد آماده في التصرف فيما وقع
    بين يديه من كلام البلغاء والفصحاء والنقاد سالفيه.

    واللافت
    للانتباه حقا، جنوح حازم عند معالجة هذا الموضوع، إلى استعمال ألفاظ
    التلقي ومصطلحاته الصريحة والدالة عليه، مثل الفعل تلقى واستقبل. ويدل ذلك
    على أن قضية بناء القصيدة عند حازم، تقع في صلب التلقي إذ عليه مداره
    ومرتكزه.

    وبهذا الاعتبار، انفسـحت مجالات الابتـداع، وتـوارت جوانب الاتبـاع.










    <!--[if !vml]-->التلقـــي عند النقاد العـرب وأثره Clip_image003<!--[endif]-->

    (1)- استقبال النص عند العرب, للدكتور محمد المبارك,10، المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, ط 1/ 1999.
    (2)- كيف تلقى العرب القدامى الشعر، للدكتور إدريس بووانو، مجلة عالم الفكر، ع 2، م: 32، أكتوبر 2003، 7
    (3) تاريخ النقد الأدبي عند العرب للدكتور إحسان عباس،78، دار الثقافة، بيروت، ط.4 .1992.
    (4)-
    الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين،العربيين, للدكتور عباس ارحيلة,
    301،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ط.1 / 1999.

    (5)- طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي, قرأه وشرحه محمود أحمد شاكر دار المدني بجدة،1/4
    (6)- استقال النص عند العرب، 110.
    (7) - طبقات فحول الشعراء، 1/ 4.
    (Cool- نفسه.
    (9) - نفسه، 1/5.
    (10)-طبقات فحول الشعراء، 1/ 4.
    (11)- منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لأبي الحسن حازم القرطاجني، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة،10، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط.3 / 1986.
    (12)- نفسه، 1/7 – 8.
    (13)- نفسه، 1/48.
    (14)- المنهاج، 124.
    (15)- نفسه، 125.
    (16)- الطبقات، 1/ 4.
    (17)- المنهاج، 125-126.
    (18)- نفسه، 144.
    (19)- مفهوم الأدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع، لتوفيق الزبيدي, 25 ،النجاح الجديدة. الدار البيضاء ط2/1987.
    (20)- الطبقات، 1 /5.
    (21) - المنهاج، 371.
    (22)- الطبقات، 1/ 5.
    (23) - المنهاج، 259.
    (24)- الشعر والشعراء لابن قتيبة تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، 62، دار المعارف بمصر ،1966
    (25)- المنهاج، 265.
    (26)- الشعر والشعراء، 10.
    (27) - المنهاج، 265.
    (28)- الشعر والشعراء، 25.
    (29)- نفسه، 18.
    (30)- في العلاقة بين المبدع والنص والمتلقي للدكتور فؤاد المرعي, 336،عالم الفكر, ع1,2 1994
    (31)- الشعر والشعراء، 18.
    (32) - نفسه
    (33)-
    ابن قتيبة محاور الماضي ومبرمج المستقبل من خلال مقدمة الشعر والشعراء،
    للأستاذ نزار التجديتي، 50، مجلة دراسات سيميائية أدبية لسانية، ع 7/ 1992.

    (34)- الشعر والشعراء، 18-19.
    (35)- استقبال النص عند العرب، 200.
    (36)- مناهج
    النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق خلال القرنين السابع
    والثامن للهجرة، الدكتورعلي لغزيوي (تقرير عن رسالة دكتوراه)
    206 المشكاة ع17, 1413 / 1993.
    (37) - المنهاج، 282.
    (38) - المنهاج، 284.
    (39)- نفسه، 295، 296.
    (40)- نفسه، 296.
    (41)- نفسه، 287.
    (42) - نفسه، 300.





      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 1:33 pm