منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع التداولية....1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع  التداولية....1 Empty تابع التداولية....1

    مُساهمة   الأربعاء فبراير 24, 2010 3:04 am

    أنها منتجات أساسية توضع فيها الموارد اللغوية موضع الاستعمال الذى يتضمن ـ من جانب ـ إثراءً لهذه الموارد نفسها ، ومن ناحية أخرى أن الخطاب لا يمكن تعريفه خارج نطاق استخدام السياق ، وبالتحديد لا توجد ظاهرة لغوية على أى مستوى من المستويات تستطيع النظرة التداولية أن تتجاهلها ، ثم يضرب مثلاً بأن عالم أنثروبولوجيا اللغة من الممكن أن يكتشف أن أعضاء جماعة معينة ( مجتمع ) يتبادلون النظام الصوتى للغتهم سواء أكانوا يتصلون بأعضاء أخرين من نفس المجتمع أو من غيره ، وهذه الملاحظة تشير إلى ظاهرة استعمال اللغة ، ومن ثم تعد من أساسيات التداولية ." (47)
    وبذلك يتضح لنا أن وظيفة التداولية وموضوعاتها تتسم باتساع المجال ورحابته إلى حد يدفع إلى القول بأن المخاوف من التوسع غير المضبوط ـ الذى يذهب أبعد من حدود ما يمكن أن نطلق عليه لسانيات ـ ليست كلية بلا أساس ، على حد تعبير فيرستشيرن (4Cool .
    وفى النهاية يمكننا القول بأنه لا يمكن حصر التداولية فى وحدة معينة من الوحدات التى تنطلق من التقسيم المرتبط بالمكونات التقليدية للنظرية اللغوية ، فالظاهرة اللغوية لكى يمكن دراستها حال استعمالها لا يمكن حصرها فى أى مستوى من التراكيب ، أو يمكن أن ترتبط بأى نمط فيما يتعلق بالشكل والمعنى ، إن التداولية لا تعد مكوناً إضافياً للنظرية اللغوية بل تقدم نظرة جديدة ومختلفة " (49)
    يأتى هذا الاتساع فى بيان وظيفة التداولية من قِبَل فيرستشيرن Verschueren إيذاناً بفتح أبواب للرؤية التداولية تتناسب مع تشعبها وتداخلها فى رؤى ومعارف أخرى مرتبطة بدراسة الظاهرة اللغوية ، ولكنها تتعداها إلى أبعاد اجتماعية ونفسية وفلسفية تؤثر فى الظاهرة اللغوية ، أو تؤثر فى توجيه عمليات الفهم والتأويل والتحليل ، وقبل أن نتعرض لهذه المعارف التى تتلاقى مع النظرة التداولية نعرض أولاً للرؤية المتعارضة معها .

    ثانياً : التداولية من الانغلاق السيميولوجى عند دى سوسير
    إلى الانفتاح التداولى عند موريس
    1 ـ لعله قد أصبح من الذيوع بمكان تعريف السيميوطيقا بأنها دراسة العلامات ، وهو التعريف الأكثر اختصاراً فى الوقت نفسه ، ولكنه لا يطرح التفسيرات على نحو محكم ، إذ يدفع إلى التساؤل عن المقصود بكلمة " علامة " ؟ والواقع أن أنواع العلامات التى من المتوقع أن تقفز مباشرة إلى الذهن هى تلك التى تعرفها الحياة اليومية مثل علامات الطريق والعلامات البصرية ، كما أن العلامات يمكن أيضا أن تكون لوحات تصويرية أو رسومات أو صوراً فوتوغرافية ، كما تتضمن العلامات أيضاً الكلمات والأصوات ولغة الجسد ، ومن ثم يتولد الدافع عن السؤال عن هذه الأشياء الكثيرة ، وكيف يمكن لأى إنسان أن يدرس مثل هذه الظواهر المتباينة ؟ لقد أشار العالم اللغوى السويسرى دوسوسير ( 1857 – 1913 ) ، وهو ليس مؤسس اللغويات فحسب ولكنه أيضا مؤسس ما يشار إليه على أنه السيميولوجيا ، إلى أنه يمكن " أن تتصور أن العلم الذى يدرس دور العلامات هو جزء من الحياة الاجتماعية ، ولكن ذلك العلم فرع من علم النفس الاجتماعى ومن ثم علم النفس العام أيضا ونحن نسميه السيميولوجيا ، وهو علم يبحث فى طبيعة العلامات والقوانين التى تحكمها ، ولأن هذه القوانين لم توجد بعد فإن أحداً لا يستطيع أن يقول على نحو مؤكد أنها سوف توجد ، وإن كان من الصواب أن توجد ، إن اللغويات هى فقط جزء من هذا العلم العام ، أما القوانين التى سوف تكتشفها السيميولوجيا فإنها ستكون قوانين قابلة فقط للتطبيق فى اللغويات وعندئذ تصبح اللغويات منتسبة إلى مكان محدد بوضوح فى حقل المعرفة الإنسانية ." (51)
    ثم مقدمات تمهيدية مهَّد بها سوسير للحديث عن السيميولوجيا التى قصد به علم العلامات ، عرض لها رامان سلدن على النحو التالى : " إذا استطعنا تجميع كل صور الكلمة فى عقل كل الأفراد يمكننا إدراك الرابط الاجتماعى المكون للغة ، إنه عبارة عن مخزن ملئ بأعضاء مجتمع معين من خلال استخدامهم النشط للكلام ، إنه نظام قواعدى له وجود داخل كل عقل أو أكثر تحديداً داخل عقول مجموعة من الأفراد حيث أن اللغة ليست كاملة عند أى متحدث وتوجد كاملة فقط داخـل المجتمع ، وعند فصل اللغة عن الكلام نفصل فى الوقت نفسه : 1 ـ ما هو اجتماعى عما هو فردى ، 2 ـ ما هو أساسى عما هو تكميلى .
    ومن ثم فإن اللغة ليست وظيفة المتحدث ولكنها منتج يتم استقباله بواسطة الفرد ، إنها لا تتطلب تفكيراً مسبقاً ، وتدخل الانعكاسات والمشاعر فقط لتحديد نوع اللغة وهذا سوف يتم تناوله فيما بعد ، ولكن التحدث ـ على النقيض ـ يعد سلوكاً فردياً إرادياً وذهنياً ، وأثناء هذا السلوك لابد أن نميز بين : التراكيب التى يستخدم بها المتحدث شفرات اللغة للتعبير عن أفكاره والآلية السيكولوجية التى تسمح له بإخراج هذه التراكيب ." (52)
    ثم ينفذ سوسير إلى رؤيته للغة بوصفها نظاماً من العلامات إذ يرى أن " اللغة هى نظام من العلامات التى تعبر عن الأفكار ومن ثم يمكن تشبيهها بنظام للكتابة ، نظام الهجاء الخاص بالصم ، الرموز ، الصـيغ المهذبة ، الإشارات العسكرية وغيرها ، ولكنها أهم هذه الأنظمة .
    ويمكن إدراك ملامح العلم الذى يقوم بدراسة العلامات داخل المجتمع حيث إنه سيكون جزءاً من علم النفس الاجتماعى ومن ثم جزءاً من علم النفس العام وسوف أسميه علم العلامات نسبة إلى كلمة ( Seamam ) الإغريقية والتى تعنى (علامة) وسوف يوضح علم العلامات مكونات العلامة والقوانين التى تحكم هذه المكونات وبما أن العلم لم يوجد حتى الآن فلا يمكن لأى شخص أن يقول ما هو ولكنه له الحق فى الوجود وله مكان معد مسبقاً ، واللغويات ما هى إلا جزء من علم العلامات ، ومن ثم فإن القوانين التى سوف يكتشفها علم العلامات سوف تطبق على اللغويات وسوف تشغل اللغويات حيزاً معروفاً بين الحقائق الأنثروبولوجية ." (53)
    ورأى سوسير أن تحديد موقع علم العلامات بالتحديد يعد مهمة علماء النفس ، بينما مهمة عالم اللغة أن يكتشف ما الذى يجعل اللغة نظاماً خاصاً من بين بيانات علم العلامات الكثيرة ، ولكنه ذهب يركز الانتباه على شىء واحد هو : إذا كنت نجحت فى تحديد مكان للغويات بين العلوم فذلك لأننى قد أرجعتها إلى علم العلامات ، ثم يتساءل : " ولكن لماذا لم ينظر إلى علم العلامات كعلم منفصل له موضوعه الخاص كغيره من العلوم ؟ إن علماء اللغة يدورون فى حلقة مفرغة : اللغة ـ أفضل من أى شىء آخر ـ تعرض أسساً لفهم المشكلة العلاماتية ولكن اللغة لابد أن تُدرس فى نفسها ومع ذلك فقد دُرست اللغة فى معظم الأحيان مرتبطة بشىء آخر ، بدراسة العادات والتقاليد كعلامات أعتقد أننا سوف نلقى الضوء على حقيقة احتياجنا إلى إدراجها داخل علم للعلامات ودراستها من منطلق قوانينه .
    أما فى البنية الداخلية للغويات فالأمر مختلف تماماً حيث أنه لا يصنع أى نمط لأن اللغة نظام له ترتيبه الخاص ، ويمكن إظهار هذه النقطة عن طريق مقارنة اللغويات بلغة الشطرنج ، فيمكن فصل ما هو خارجى عما هو داخلى فى لعبة الشطرنج فكون اللغة قد انتقلت من بلاد فارس إلى أوروبا يعتبر عامل خارجى أما عدا ذلك من قوانين اللغة وأنظمتها يعد داخلياً وأساسياً ، وإذا استخدمت مثلاُ قطع شطرنج من العاج بدلاً من الخشب فإن هذا لن يغير شيئاً فى اللعبة ولكن إذا قمت بزيادة أو إنقاص عدد القطع فإن هذا سوف يؤثر على قواعد اللعبة ، فلابد للإنسان أن يميز دائماً بين ما هو خارجى وما هو داخلى ." (54)
    2 ـ وقد أنجز آخرون غير سوسير دراسات أسهمت فى التطور المبكر للسيميوطيقا مثل معاصره الفيلسوف الأمريكى تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce ( 1839 – 1914) وتشالز وليام موريس Charles William Morris (1901 – 1979) ، ورولان بارت Roland Barthes ( 1915 – 1980 ) ، والجيرداس جريماس Algirdas Greimas ( 1917 – 1992 ) ويورى لوتمان Yuri Lotman ( 1922 – 1993 ) وكريستيان متز Christian Metz ( 1931 – 1993 ) وأمبرتو إكو Umberto Eco ( المولود فى عام 1932 ) وجوليا كريستيفا Julia Kristeva ( المولودة 1941 ) .
    وقد ارتبط مصطلح ( السيميولوجيا Semiology) بسوسير إذ يستخدم ليشير إلى العرف السوسيرى Saussurean tradition ، بينما مصطلح ( السيميوطقيا Semiotics) يشير أحياناً إلى العرف البيرسى Peircean tradition ، على أن المتوقع على نحو أكثر هذه الأيام هو أن مصطلح السيميوطقيا سيكون أكثر استعمالا كمظلة تشمل المجال بأكمله .
    والسيميوطقيا لا تدرس ما نشير إليه بوصفه علامات فقط فى كلامنا اليومى وإنما هى كل شىء يرمز إلى شىء آخر ، والعلامات تأخذ شكل الكلمات والصور والأصوات والايماءات فى جوهر السيميوطقيا ، بينما كانت السيميولوجيا عند اللغوى سوسير علماً يدرس دور العلامات بوصفها جزءاً فى الحياة الاجتماعية ، أما بالنسبة للفيلسوف تشارلز بيرس فإن السيميوطيقا كانت مبدأ شكلياً للعلاقات يتصل بعلم المنطق اتصالا وثيقا ، وبالنسبة لبيرس فإن العلامة هى شئ ما يقف أمام شخص ما ويتصل بفهم شىء ما فى محاولة استيعاب لهذا الشىء ، وهكذا أعلن بيرس أن كل فكرة هى علامة . (55)
    إن السيميوطقيا لم تتأسس على نحو واسع بوصفها فرعاً معرفياً أكاديمياً بل هى حقل دراسى يتضمن مواقف عقلية نظرية كثيرة وأدوات متصلة بعملية المنهج ، إن أحد التعريفات الأكثر اتساعا هو هذا الذى قدمه أمبرتو إكوا الذى يقرر أن السيميوطيقا تتصل بكل شئ يمكن أن يكون علامة .
    ولقد تعرضت السيميولوجيا إلى عدة مراجعات من قِبَل السيميولوجيين أنفسهم ، فإذا كانت السيميولوجيا عند سوسير قد حصرت اهتمامها فى العلاقة بين الدوال والمدلولات فإن عناصر أساسية متصلة باللغة ـ وفق هذه النظرة السوسيرية ـ " كانت بمنأى عن المعالجة العلمية التى تنوِّر معرفتنا بهذا الجهاز الذي هو اللغة ، إن النزوع السوسيرى المتسم بنزعة المحايثة قد أغفل المرجع أو الأشياء التي تحيل عليها الكلمات كما ترك المبهمات أو الإشاريات فى الظل ولم يلتفت إلى العناصر النصية التى تتخطى الجملة ناهيك عن العناصر النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية التى لا يمكن بدونها التمكن من الفهم المناسب لنسق اللغة ." (56)
    ومن هنا كانت الرؤية المغايرة لرؤية دى سوسير التى جاءت على لسان السيميائى الأمريكى شارل موريس morris Charles (1938م ) ، والتى راح فيها ـ متداركاً هذا النقص فى الرؤية السيميوطيقية ـ يؤسس ثلاثة أجزاء من السيميوطيقا استمدها من بيرس و تعانق فيها السيميوطيقا علم الدلالة على امتداد المجالات اللغوية التقليدية الأخرى ، وقد جاءت على النحو التالى :
    ـ الدلالة Semantics : صلة العلامات بما ترمز إليه
    ـ التركيب أو النَّظْم Syntactics (or Syntax) : العلاقات الشكلية أو البنيوية بين العلامات
    ـ التداولية Pragmatics: علامة العلاقات بالمؤول . (57)
    وبذلك تدخل عناصر أخرى خارج اللغة فى عملية التحليل السيميوطيقى " والواقع أننا بالعودة إلى إدراج عناصر الباث والمتلقى أى المستعملين نُدْخِل من النافذة كل العناصر التي سبق لسُوسُورْ أن استبعدها بدعوى أنها عناصر مشوِّشة على الدراسة المحايثة والتمييزية. والحقيقة هي أن سُوسُورْ لم يقْصِ هذه العناصر الخارجية إلا لتأمين الدراسة السيميولوجية من الآثار السلبية لعلوم الاجتماع والنفس والتاريخ التى كانت آنذاك تداهم كل المجالات بطريقة غير مشروعة ، كان المشروع السُّوسُورِي هو التسييج العام للموضوع وحصر هذه المادة المدعوة لغة ، وفى المرحلة الثانية نلاحظ عودة هذه العناصر بعد أن تبين للدارسين تعذر فهم هذه المادة اللغوية أو اللفظية بدون مراعاة العناصر الخارجية ، وكنا هنا شهوداً على الثورة الثانية فى السيميولوجية ، أو هو تحول السيميولوجية إلى نظرية فى التواصل ." (5Cool
    ولقد بدأت السيميوطيقا تأخذ طريقها فى أن تصبح المقاربة الرئيسية فى الدراسات الثقافية فى أواخر 1960م ، وذلك ـ إلى حد ما ـ نتيجة لعمل رولان بارت ، وبخاصة عندما تُرجمت أعماله الذائعة إلى الإنجليزية مثل مجموعة الأساطير 1957م المتبوعة بعدد كبير من الكتابات تزود الدارسين المتطلعين إلى هذه المقاربة ، فلقد صرح بارت 1964م بأن السيميوطيقا " تهدف إلى أن تؤخذ فى أى نظام من العلامات مهما كانت مادته وحدوده كالصورة والإيماءات والأصوات الموسيقية وسائر الأشياء والتداعيات المعقدة لكل هذه الأشياء ، على اعتبار أنه يشكل إرضاء لشعيرة أو عرف أو أدوات ترفيه عامة : إن ذلك يشكل ـ إن لم يكن لغة ـ فإنه على الأقل يؤلف أنظمة من المعنى ." (59)
    إن مقر السيميوطيقا فى بريطانيا قد تأثر بشدة فى أعماله فى مركز الدراسات الثقافية المعاصرة Contemporary Cultural Studies the Centre for (CCCS) فى جامعة برينجهام Birmingham حين كان المركز تحت إدارة عالم الاجتماع الماركسى الجديد ستيورات هال وكان مديرا له من ( 1969م حتى 1979م ) وعلى الرغم من أن السيميوطيقا ربما تكون أقل مركزية الآن فى الدراسات الثقافية والدراسات الإعلامية ( الذائعة ـ الشهيرة ) ـ على الأقل بالنسبة لوضعها المبكر وبالنسبة للصيغة البنيوية ـ فإنها ـ مع ذلك ـ ستظل أساسية بالنسبة لكل إنسان فى أى مجال ليفهم هذا المجال وما يجب على الأفراد من الدارسين أن يقيموه هو : هل السيميوطيقا نافعة لهم فى إلقاء الضوء على أى ظاهرة متصلة بهم ؟ وكيف ؟
    إن مصطلح النص عادة يشير إلى رسالة تم تسجيلها بطريقة ما ( كتابية أو تسجيل صوتى أو تسجيل تلفزيونى ) لذا فهى رسالة مستقلة فى وجودها المادى عن مرسلها ومستقبلها . إن النص هو مجموعة من العلامات ( مثل الكلمات والصور والأصوات وأحيانا الإيماءات ) وهذه الرسالة مبنية ( ومؤولة ) بالإشارة إلى ملابسات عرفية فى نوع أدبى أو وسيط خاص من الاتصال .
    إن مصطلح الوسيط قد استُعمِل بطرق مختلفة من قِبَل منظرين مختلفين ، وربما اشتمل على تصنيفات واسعة من كلام شفهى أو مكتوب أو مطبوع وحديث مذاع ، أو تم تأديته خلال وسائل إعلام فى أشكال تقنية محددة خلال وسيط محدد ( كالتلفزيون أو جريدة أخبار أو مجلات أو كتب أو صور أو فيلم أو جهاز تسجيل ) ، أو خلال وسائل الاتصال بين الأفراد ( الهاتف ، الرسائل ، الفاكس ، البريد الأليكترونى ، الفيديو كونفرانس ، اجتماع بواسطة الكمبيوتر ، اتصالات الدردشة عبر شبكة الاتصالات ) ، إن بعض المنظرين يصنفون الوسيط طبقاً للقنوات التى تتضمن البصرى والسمعى والملموس ، وهكذا .
    والتجربة الانسانية ، وكل تمثيل لخبرة خاضع لأشكال كبح الانفعالات والعواطف من ناحية ، وللقدرات المتضمنة فى الوسيط ، وكل وسيط محكوم بالقنوات التى تنقله ، فعلى سبيل المثال حتى فى الوسائط المرنة للغة فإن الكلمات تجعلنا نفشل فى محاولتنا لتمثل بعض الخبرات ، ولا نملك حيلة على الإطلاق فى تمثل الرائحة أو اللمس بوسائلنا على نحو متفق عليه .
    هناك وسائط وأساليب مختلفة تزودنا بأطر مختلفة للعمل من أجل تمثيل الخبرة وتيسير بعض أشكال التعبير ومنع أشكال أخرى ، إن الاختلافات بين الوسائط تقود إميلى بنفينست أن تعلن أن المبدأ الأول لأنظمة السيميوطيقا هو أيضا ليست مترادفة ولا نملك القدرة على أن نقول ( نفس الشىء ) فى الانظمة المؤسسة مع وحدات مختلفة ، على حين يرى هيلمسلف Hejlmslev أنه بالتدريب فإن اللغة هى السيميوطيقا التى يمكن ترجمة الأشكال السيميوطيقية الأخرى إليها .
    إن الاستعمال اليومى للوسيط بالقياس إلى الشخص الذى يعرف كيف يستعمله على نحو نموذجى ، هذا الاستعمال يمر بدون إثارة تساؤلات ودون أن يثير أية إشكالية ، وإنما يمضى طبيعيا تماما ولا يؤدى هذا إلى الدهشة أبدا ، إذ نستنبط الوسيط كوسيلة لإنجاز الأهداف المقصود إنجازها اتفاقيا .
    والوسيط المستعمل على نحو متكرر أو أكثر طلاقة أو على نحو أكثر خفاء أو أكثر وضوحا ، هذا الوسيط يميل إلى أن يكون ملائما ، وبالنسبة لأكثر الأهداف إمعانا فى تكرارها المنتظم فإن الوعى بالوسيط ربما يعوق تأثيره كوسيلة إلى النهاية ، وفى الواقع يصبح الأداء نموذجيا عندما يكتسب الوسيط درجة الوضوح التى تملك قدرة كامنة فى تأدية وظيفتها الأولية على نحو أعظم .
    السيميوطيقا غالباً يتم توظيفها فى تحليل النصوص ( هذا على الرغم من أنها قد تكون أكثر ابتعاداً من أى نظام للتحليل النصى ) وهنا من المفيد أن نلاحظ أن النص يمكنه أن يتواجد فى أى وسيط ، وربما يكون لغوياً أو غير لغوى ، أو يتحقق فيه المستويان معاً وذلك على الرغم من النزعة اللفظية فى هذا التمييز . (60)
    هناك ـ بطبيعة الحال ـ مقاربات للتحليل النصى تختلف عن السيميوطيقا بشكل ملحوظ : التحليل البلاغى ، تحليل الخطاب ، وتحليل المضمون ( المحتوى ) 'content analysis' ، ففى حقل الإعلام ودراسات الاتصال يكون التحليل المضمونى منافساً بارزاً للسيميوطيقا بوصفه تحليلاً نصياً . وبينما تنضم السيميوطيقا بانغلاق إلى الدراسات الثقافية فإن التحليل المضمونى يؤسس ضمن التقليد السائد لأبحاث علم الاجتماع ، وبينما التحليل المضمونى يتضمن نظرة كمية إلى تحليل المحتوى الظاهر للنصوص الإعلامية , فإن السيميوطيقا تنشد تحليل النصوص الإعلامية بوصفها هيكلاً بنائياً كلياً وتتحرى معانى تلميحية مستترة .
    إن السيميوطيقا أحياناً كمِّية ، وغالباً تتضمن رفضاَ لكافة المقاربات ، إن تكرار حدوث موضوع ما فى النص لا يكفى أن يكون سبباً وحيداً فى جعله ذا مغزى ، إن السيميوطيقيين البنيويين structuralist semiotician يولون أكثر اهتمامهم لعلاقة العناصر ببعضها البعض ، أما السيميوطيقيون الاجتماعيون فيؤكدون أهمية المعنى الذى يرتبط به القراء عاطفياً داخل النص .
    وبذلك نرى أن السيميوطيقيين المعاصرين لا يدرسون العلامات فى عزلة ، وإنما بوصفها جزءاً من أنظمة العلاقات السيميوطيقة ( وسيط أو وسيلة ) ، إنهم يدرسون كيف تتكون المعانى بوصفها وجوداً لا يتعلق بالاتصال فحسب وإنما يتعلق أيضاً ببناء الواقع والإبقاء عليه ، ومن ثم كان للسيميوطقيا و علم الدلالة Semantics ( السيمانطيقا ) اهتمام معروف بمعانى العلامات ، ولكن بينما يركز علم الدلالة على ماذا تعنى الكلمات ، فإن السيميوطيقا تهتم بـ كيف تعنى العلامات ؟ أو كيف تؤدى العلامات المعنى ؟ (61)
    إنه ثم اتفاق نسبى بين السيميوطيقيين أنفسهم بالنسبة إلى مجال السيميوطيقا ومنهجها ، وبالرغم من أن سوسير Saussure تطلع إلى اليوم الذى تصبح فيه السيميوطيقا جزءاً من علوم الاجتماع , فإن تعيين حدود السيميوطيقا بوصفها ممارسة نقدية ما تزال نسبياً قلقة وغير مستقرة بدلاً من أن تكون طريقة تحليلية تامة أَو نظرية موحدة .
    وقد عرض دانيال شاندلر عدة آراء تنتقد السيميوطيقية البنيوية من وجهات نظر متعددة ومختلفة الرؤى ، فذهب إلى أن السيميوطيقا تنتقد فى أغلب الأحيان بأنها استعمارية ، فمنذ ظهر من بعض السيميوطيقيين أخذها بوصفها تهتم بأى شىء وكل شىء ، وقابلة للتطبيق على أى شىء وكل شىء ، تتجاوز تقريباً كل انضباط أكاديمى ، ويعلق جون ستوروك John Sturrock ( 1986م ) بأن امتداد حقل السيميوطيقا لتشمل الثقافة كلها ، أمر منظور إليه من قِبَل المرتابين فيها على أنه نوع من الإرهاب الفكرى intellectual terrorism .
    يتطلب الاختبار التجريبى للادعاءات السيميوطيقية طرقاً أخرى ، فإن المقاربات السيميوطيقية تصنع أنواعاً من الأسئلة الجديرة بالانتباه : فالسيميوطيقيون لا يسلطون الضوء على كيفية تأويل الناس للنصوص فى خصوصيات سياقها الاجتماعى فى الواقع ، التى قد تتطلب رؤى إنثوغرافية ethnographicو ظاهراتية phenomenological
    السيميوطيقيون لا يصرحون دائماً بقصور تقنياتهم ، والسيميوطيقا تُقدَّم أحياناً بشكل غير ممحص بوصفها أداة عامة ، السيميوطيقية السوسيرية تستند على نموذج لغوى لكن ليس كل شخص يوافق بأنه يمكن معالجة التصوير الفوتوغرافى والصور المتحركة ـ على سبيل المثال ـ بوصفها لغات ، ومن ثم أُخذ على السيميوطيقا أننا نحتاج للتعلم من أجل قراءة الرموز الرسمية للصور الفوتوغرافية والصور السمعية والبصرية لأجهزة الإعلام ، فإن تشابه الصور مع الحقيقة الجديرة بالملاحظة ليست مجرد مسألة اتفاق عرف ثقافى : إن الأعراف الرسمية تصادف بدرجة كبيرة صوراً ثابتة أو متحركة يجب أن تقدم مقداراً كبيراً من الإحساس حتى إلى مشاهد جديد ، كما انتُقدت أيضاً الطريقة التى بها عالج بعض السيميوطيقيين أى شىء تقريبا بوصفه رمزاً ، بينما تركوا تفاصيل مثل هذه الرموز غامضة (خصوصاً فى حالة الرموز الأيديولوجية) .
    يقدم السيميوطيقيون تحليلاتهم أحياناً كما لو كانت حسابات علمية موضوعية تماماً بدلاً من تقبلها بوصفها تفسيرات شخصية ، وعلى الرغم من ذلك فإن بضعة سيميوطيقيين يبدون أكثر شعوراً بحاجة كبيرة لتزويد دليل تجريبى للتفسيرات الخاصة ، وكثيراً من التحليلات السيميوطيقية انطباعية بشكل رحب وبلا تحفظ ، وغير منظم بشكل واضح ، وبعض السيميوطيقيين يبدون مختارين للأمثلة التى توضح النقاط التى يرغبون فى إقرارها ، بدلاً من تطبيق التحليل السيميوطيقى على عينة عشوائية عامة ، ومن ثم فإن الضرر الرئيسى للسيميوطيقا أنها معتمدة بشدة على مهارة المحلل الفردى .
    إن الممارس السميوطيقى الماهر يمكن أن يقوم بمعالجة هزيلة ولكنهم يصوغون تحليلاتهم الهزيلة هذه فى أسلوب معقد ومدعٍ فى أغلب الأحيان ، وفى بعض الحالات يتراءى التحليل السيميوطيقى لايتجاوز مجرد إبداء مظهر الإتقان خلال استعمال الرطانة التى لا يتجاوب معها أكثر الناس ، ومن هنا يأتى التحليل السميوطيقى عملياً مشتملاً على قراءات فردية دائماً ، فإذا رأينا تأويلات عدة محللين على نفس النص فإنه يتعذر وجود شاهد على أى مظهر من إجماع الآراء فيما بين السميوطيقيين المختلفين .
    يجعل بضعة سميوطيقيين استراتيجيتهم واضحة بما فيه الكفاية التحليلية للآخرين لتطبيقها على الأمثلة المستعملة أَو على غيرها ، تهتم البنيوية السميوطيقية بألا تجعل أى نصيب للقراءات البديلة ، فهى تفترض أحد أمرين : إما أن تفسيراتهم الخاصة تعكس إجماعاً عاماً ، أَو أن تفسيراتهم النصية منصبة على بنية العلامة ولا حاجة بها إلى ما يقر بشرعيتها ، ولو أن السميوطيقيين الموجهين اجتماعياً يصرون على أن استكشاف تفسيرات الناس العملية أساسى فى السميوطيقا .
    بعض التحليل السميوطيقى انتُقِد بأنه ليس أكثر من نظرة تجريدية نظرية وشكلية قاحلة منشغلة تماماً بالتصنيف ، فالسميوطيقية البنيوية يمكن أَن تؤدى إلى إلغاء الاستجابة الجمالية خلال التركيز على الإطار النظرى . فالتحليل السميوطيقى يُظهر فى أغلب الأحيان ميلاً إلى التقليل من قيمة المجال العاطفى ، على الرغم من أن دراسة التضمين يجب أن تتضمن الاستكشاف الحساس للفروق الدقيقة العاطفية المتغيرة والشخصية جداً .
    فى السميوطيقية البنيوية تكون البؤرة على اللغة langue بدلاً من الكلام parole ، وفق مصطلحات سوسير Saussure ، على الأنظمة الشكلية بدلاً من عمليات الاستعمال والإنتاج ، ولقد انصرفت الدراسات البنيوية إلى أن تكون تحليلات نصية خالصة ، وثم توازن ينشأ عندما يتحرك السميوطيقيون إلى ما بعد التحليل النصى ، فهم بذلك يلحقون أهميات أخرى إلى التحليل النصى .
    إن السميوطيقا تبدو مقترحة أن المعنى قابل للتفسير تماماً من ناحية تحديد التراكيب النصية ، مثل هذا الموقف خاضع لنفس النقد بوصفه حتمية لغوية ، وفى إعطاء الأولوية إلى القوة الحتمية للنظام يمكن أن تُرى على أنها أساس تقليدى محافظ ، ويقيناً أن السميوطيقية البنيوية structuralist semiotics لا تنصب على عمليات الإنتاج ، أو تفسير المتلقين ، أَو حتى نيات المؤلف ، إنها تتجاهل ممارسات معينة ، هياكل مؤسساتية ، كما تتجاهل السياق السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى ، حتى رولان بارت Barthes الذى يرى أن النصوص تصنف لتشجيع القراءة التى تفضل مصالح الطبقة المهيمنة ، يحصر انتباهه فى المنظومة النصية الداخلية ولا ينشغل بالسياق الاجتماعى للتفسير .
    وثَمَّ نقد موجه إلى الوظيفية فى البنيوية السميوطيقية يتحدد فى أن الممارسات المادية مثل " قراءة النصوص " يجب أن تتعلق بالعلاقات الاجتماعية التى تقيم سياسة الممارسة الثقافية ، فالوظيفية تعترف بتمكن الحلول الداخلية لمشاكل التصميم ، كما أن المقاربات البنيوية تنكر التصميم الاجتماعى ، بيد أن النص يجب أن يتعلق بشىء ما غير تركيبه الخاص ، وبعبارة أخرى ، يجب أن نفسر كيف يجىء ويصبح بناءً ، ومن ثم يجب أن نأخذ فى حسابنا ، ليس فقط : كيف تدل العلامة ؟ ( بنيوياً ) ، لكن أيضاً : لماذا تدل ؟ ( إجتماعياً ) ؛ فإن البنيات ليست أسباباً ، وإن العلاقات بين الدوال ومدلولاتها قد تكون وجودياً Ontologically اعتباطية لكنها ليست اعتباطية اجتماعياً ، إذ يجب أن نحذر من جعل فكرة العلامة ـ بوصفها اعتباطية ـ تدفعنا لتبنى أسطورة حياد الوسيط .
    كيْف نعْرف بأن باقة الورد تدل على عاطفة مالم نعرف أيضاً نية المرسل ورد فعل المستلم ، ونوع العلاقة التى يشتركون فيها ؟ إذا كانوا أحباء ويقبلون عُرف إهداء الزهور وتقبلها بوصفه مظهراً للحب الجنسى والرومانسى ، ثم قد نقبل نحن هذا التأويل .
    لكن إذا نحن فعلنا هذا ، فإننا لا نفعله أيضاً اعتماداً على قاعدة العلامة ، ولكن على العلاقات الاجتماعية آلتي بمقتضاها نحدد موضع العلامة ، إن الورد لربما أيضاً يرسل بوصفه نكتة ، أو إهانة , أو علامة امتنان ، وهكذا ، إنهم قد يشيرون إلى العاطفة من ناحية المرسل ، ولكن قد يكون النفور من ناحية المستلم ؛ هم قد يبينون علاقات عائلية بين الأجداد والأحفاد بدلاً من علاقات بين الأحباء ، وهكذا ، بل قد يعنون حتى المضايقة الجنسية . (62)

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 7:30 pm