منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التشاكل والتباين

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التشاكل والتباين Empty التشاكل والتباين

    مُساهمة   الخميس نوفمبر 26, 2009 11:46 am

    التشاكل والتباين في لغة الشعر لدى السيّاب


    ـ 1 ـ
    تركض الوحدة الشعرية الأولى، من اللوحة الشعرية الأولى، من هذا النص الذي نطرحه للتحليل، كلّها في سياق الخبر؛ من حيث يجري جزء من الوحدة الشعرية الثانية في سياق الإنشاء. كما تجري الوحدة الثالثة كلها في سياق الخبر، بينما يجري جزء من الوحدة الشعرية الرابعة في سياق الخبر أيضاً وجزء آخر في سياق الإنشاء.
    كما نلاحظ أن الوحدة الشعرية الأولى الخبريّة اختتمت بمقوّم "النور"، والوحدة الشعرية الثالثة ـ الخبرية ـ اختتمت بمقوّم "الظُّلَم": ففي التشاكل القائم على النسيج الخبريّ في الكلام (بالقياس إلى الوحدتين: الأولى والثالثة) يوجد تباين ينصُّ على اختلاف معنيَيِ النور والظلام. ولكن الذي قَدْ يحدّ من غلواء هذا التباين هو ابتداء الوحدة الأولى بضمير متكلّم مفرد مستتر (أذكر = أنا) واختتامها بمثل ذلك أيضاً: (أبتسم = أنا).
    والأنا، هنا، لا يمثّل السلطة، كما قَدْ يذهب إلى بعض ذلك أصحاب الاتجاه النفسيّ في تأويل الأدب؛ ولكنه يمثل الوقوع تحت وطأة هذا السلطان؛ فالدلالة السيمائية للأنا تنطلق، في قراءتنا، من تحت إلى أعلى. فالتَّذكار لبعض أزمنة الشتاء في قرية الناصّ إنما كان مظهراً من مظاهر التأثير الزمني، واستيقاظ الذاكرة، وتحرّك شريطها بعد خمود دام ثلاثين خريفاً. فسلطان الزمن هو الذي أيقظ، إذاً، الذاكرة فاستعادت شريط عهد الصبا البعيد، وتمثّله حيّاً طريّاً في لحظة الحاضر.
    ونلاحظ أيضاً أنّ الوحدات الأربعَ التي تتألّف منها هذه اللوحة الشعرية من القصيدة المحلَّلة، ينتهين بمثل ما يبتدئن به: أذكر = أبتسم. فكأنّ ا = ب. وتبعاً لهذا الاستواء بين الابتداء والانتهاء، في هذه اللوحة الشعرية البديعة؛ فإن ما بينهما يكون، هو أيضاً، مستوياً مع نفسه؛ فيغتدي الكلام كلّه قائماً على التشاكل.
    ويمثُل التشاكل والتباين، تارة أخرى، في أنّ هناك أفعالاً موزّعة على سطح الوحدتين الشعريتين، الثالثة والرابعة، أشبعتهما ضمائر غيبية هنّ:
    *تسرّبت ـ ارتعشت ـ غنّى: مقابل: أعدّ ـ أبتسِمُ.
    لكن لم يتغلّب الزمن الماضي على الحاضر في هذا المقطع؟ إننا نحسب أنّ ذاكرة الناصّ، في هذه اللحظة، وهي تذكر ذكريات خلت، وأزمنة مضت؛ لم تكن تفكّر إلاَّ في هذا الماضي البعيد انطلاقاً من نقطة الحاضر إلى نحو الوراء بثلاثين عاماً (ثلاثون انقضت: اللوحة الشعرية الأخيرة من القصيدة).
    وأمّا تغلّب الغياب على الحضور فلاِنْغمار هذا الحاضر الشاحب في ذلك الماضي المتوهّج؛ في لحظة الذكرى بالذات.
    وهناك تشاكل آخر يُلْحَظ في هذه اللوحة الشعريّة، ويمثُل في ابتداء ثلاث وحدات شعرية بجمل فعليّة مقابل الوحدة الثانية التي هي، في الحقيقة، امتداد للأولى. بيد أنّ هذا التشاكل الذي وقع بفضل وجود وحدة شعرية واحدة تبتدئ بغير فعل؛ يستحيل إلى تباين.
    وإذا تركنا هذه التشاكلات المرفولوجية والتركيبية معاً، جانباً، وأُبْنا القهقرَى نحو هذه اللوحة الشعرية لنرصد فيها التشاكل المعنويّ؛ وذلك بالولوجِ في التفاصيل الجزئيّة للكلام: لاحظنا أنها تجسّد، هي وما بعدها من اللوحات الإحدى عشرة، قراءةً وحيدة تنهض على محور تراكم الانتشار المعنويّ.
    *وأذكر من شتاء القرية النضّاح فيه النور.
    *أذكر:
    نلفي في هذا المقوّم معنى انتشار الوعي عبر شريط الذاكرة الخلفية لاستعادة شيءٍ كان منسيّاً، أو شاحباً. فالذكرى فيها معنى الانتشار القائم في رجوع الزمن بسرعة مذهلة نحو الوراء والتوقف لدى نقطة معيّنة منه. وبهذا المنظور من القراءة يمكن أن نلفي في مقوّم "أذكر" تشاكلاً وتبايناً معاً؛ يتجلّيان في كون الانتشار (من الحاضر نحو الماضي) ينتهي، آخرَ الأمر، إلى نقطة محدّدة من الذاكرة لا تستطيع مجاوزتها إلى ما وراءها؛ ليجسّد هذا المظهر من الكلام معنى الانحصار.
    *شتاء القرية النضّاح:
    نلاحظ أن مقوم "النضاح"، هنا، يظاهرنا على هذه القراءة التي ننظر إليها من زاوية الانتشاريّة حيث إنّ هذا المقوم يفضي إلى دلالة تنهض على وجود شيء يسيل ويتسرب ويتناقض. ولا يقال إلاَّ نحو ذلك في مقوّم "شتاء" الذي هو ريح مدمدمة، ورعود مدوية، وثلوج هاطلة، وأمطار هاتنة، وسحائب متراكمة؛ وفي هذه المعاني ما فيها من دلالات الانتشار.
    *النور:
    ولذا المقوم، أيضاً، دلالة انتشارية حيث إنه، في مألوف العادة، ينتشر أثناء الظلام إلى أقصى الحدود الممكنة؛ بالإضافة إلى أنّ انتشاره يتجسّد، أيضاً، في أنك تراه في مسافة بعيدة ليلاً. بيد أن هذا الموقع يمنحه، في الوقت نفسه، دلالة، أخرى انحصاريّة؛ إذْ ينتشر على مدى قدرة امتداد البصر إلى نقطة معيّنة لا يعْدوها؛ أثناء الليل خصوصاً. ولما كانت دلالته المادية، والنفسية أيضاً، تتقبّل المثول على هذا المنظور المزدوج من القراءة؛ فإنه استطاع أن يشتمل على معنيَيِ الانتشارية والانحصارية جميعاً؛ فتكون الانتشاريّة ما يؤكّد تشاكل الكلام، والانحصاريّة ما يؤكّد تَبايُنَه. والحالان الاِثنان معاً تفضيان إلى حمولة دلالية تتسم بالكثافة والإمراع.
    *خلل السحاب:
    السحاب ينتشر؛ فهو منتشر. وهو عائم متحرك؛ قابل للذوبان؛ فهو أيضاً، من هذا المنظور منتشر. وهو عبارة عن مجموعة من جزيئات الماء المتناهية الصغر، سائلة كانت أم صلبة؛ تتماسك في الجوّ بفضل الحركات العمودية للهواء (1)؛ فالسحاب، من هذا الوجه، كتلة متحركة في الجو، منتشرة فيه. وهو يلازمها. أما "خلل"؛ فبحكم دلالته التسرّبية أو النفاذيّة التي تنهض على زئبقيّة الحركة، إرسالاً واستقبالاً؛ فإنه، هو أيضاً، يفضي إلى شيء كثير من الانتشار.
    والانتشار، هنا، يغطّي حيزاً شاسعاً من السماء؛ فهو مختلف عن الانتشار الماديّ الوارد في مقوّم "النّضّاح"، مثلاً. ولعلّ الذي أثرى من انتشاريته المادية، وأفسح في شُسوعها: هذا الثقب، بل هذه الثقوب والتَّفاريج التي يحدثها فيه مقوّم "خلل"؛ بحيث تراه يتسلّط عليه، هنا وهناك؛ فيُعْمل فيه فراغاتٍ تغتدي في حدّ ذاتها انتشاراتٍ فضائيةً أخرى.
    ويمكن أن نتصوّر السحاب مقوّماً يحتمل تبايناً بحكم ما فيه من انحصاريّة (إضافةً إلى كونه مقوِّماً انتشاريّاً) تتجسد في أنك إذا راعيت السحاب من زاوية معيّنة من الأرض، أو زاوية معينة من الفضاء، إذا ما علوت السحاب؛ فإنّ بصرك يرتدّ إليك خاسئاً حسيراً: حين ينتهي إلى نقطة من الحيز لا يعدوها.
    *كأنه النغم:
    إنّ هذا التعبير تركيبة منسجمة من الأصوات الموسيقيّة، أو من صوت واحد ولكنه نديّ طلِيّ، وعذْب رطب: يفعم السمع جمالاً، والقلب ارتياحاً، والنفس سكوناً وسلاماً. وفي أيّ صورة قلّبتَ الدلالة في مقوّم "النغم"؛ فإنه لا يخرج عن انتشار صوت في الهواء؛ فيتسرّب إلى النفوس عن طريق التقاط المسامع له؛ فالانتشاريّة الصوتيّة فيه صريحة بادية، ومتجسدة قائمة.
    ويمكن أن نتمثل في هذا المقوّم، في الوقت ذاته، من منظور آخر للقراءة، شيئاً من الانحصارية. ولعلها أن تتجسد في انتهاء النغم المنتشر إلى نقطة معيّنة من المسامع التي تتلقاه، أو القلوب التي تهواه؛ أو إلى نقطة معيّنة من الفضاء أيضاً إذا افترضنا أن النغم أتيح لـه أن ينتشر في بَراح من الأرض لا أنيس به، أو فقر من البيداء ليس به ديار. فالتباين إذاً من هذا المنظور وارد ماثل.
    *تسرب من ثقوب المعزف ـ ارتعشت لـه الظُّلَم.
    *تسرب من ثقوب العزف:
    نلاحظ في هذه التركيبة شحنة انتشاريّة متراكمة بحيث نلفي هذه الانتشارية تتبجّس من التسرّب، ومن الثقوب التي ينتشر منها الضوء، أو الصوت، أو الهواء، ثم من المعزف الذي هو آلة مصوِّتة ينتشر النغم منها في كلّ متّجَه، ويصبّ في كلّ مسمع. فالتشاكل، إذاً، يتجسّد في المقومات الثلاثة جميعاً.
    * ارتعشت لـه الظلم:
    سواء علينا أتمثّلنا الارتعاش في الصوت، أم في الرؤية الناشئة عن الاصطدام بالظلام؛ فإنّ الارتعاش يلازمه الاهتزاز، وإنّ في الاهتزاز ذبذبةً صوتيّة إن شئت، وذبذبةً بصرية ـ إن صحّ مثل هذا الإطلاق ـ إن شئت؛ ولعلها أن تكون هي المقصودة بالذات. وأخال أنّ هذه الحركة لا تخلو من انتشاريّة بصريّة يحكمها توقف وانحصار يحدث بفعل الذبذبة اللاحقة بها، واللازمة لها: فهي، إذاً، حال تتنازعها الانتشارية بفعل الحركة البصريّة، كما تتنازعها الانحصاريّة بفعل الخمْدة السكونية التي تقع وسطاً بين الحركة والحركة الأخرى؛ ففيها تبيان يتمثل في الحركة والسكون المتمثّلين في ارتعاشة الظلام.
    ثم، لا يمكن أن نتصوّر وجود ظلام دون أن نتصوّر معه وجود حيز ينتشر عبره من جهة، وينحصر فيه من جهة أخرى. وفي هذا الظلام بما فيه من قابليّة للانتشار ضمن حيز ما، ثم اضطراره إلى أن ينحصر وينكمش، أثناء ذلك، في هذا الحيز بحيث لا يعدوه كانتشار الظلام في غرفة نطفئ مصباحها ليلاً، ثم انحصاره بين جدرانها عبر هذا الانتشار المظلم نفسه؛ بحيث لا يمكن أن يعدوَها إلى الغرفة المجاورة لها؛ إن سلّطنا عليها انتشار الضوءْ: يُمثل التباين القائم على الانحصار والانتشار في الوقت ذاته.
    * وقد غنّى، صباحاً قبل، ... فيم أعدّ؟ طفلاً كنت أبتسم.
    * غنّى:
    الغناء كالنغم، وهو تركيبة لإيقاعة صوتية منسجمة مركّبة من أصوات نديّة رخيّة جميلة مختلفة: متشاكلة ومتباينة. كما أنه بحكم خاصيته الصوتية، ثم بحكم انتشارية هذا الصوت، تتمثّل فيه سيمائيات مركّبة تتألف من الحركة الصوتية النافذة، أي الشديدة الانتشار، ومن وجود أحياز ينتشر فيها هذا الصوت، ومن اتسام هذا الصوت بسيمائية خصوصية تجعله صوت: أ، لا صوت: ب؛ أو تجعله صوتاً يساوي أ، ولا يساوي ب.
    * صباحاً:
    الصباح فترة زمنيّة من النهار تتيح للضوء أن ينتشر عبر الفضاء الرحيب؛ وترغم الظلام على الانحصار في عدم يدرك ولا يرى. ووجود مقوّم "صباحاً" بإزاء مقوّم "غنّى": يعني تراكماً تشاكليّاً يتجسّد في أكثر من موقف:
    الأول: أن الغناء، في مألوف العادة، شيء جميل؛ لأنه نتاج صوت نديّ رخيّ، رطيب رخيم؛ فهو أرقى الأصوات المتبادلة، أو المسموعة، وأروعها بما تبعث في النفس من حنين وأريحيّة، وبما تفعم به القلب من شجىً وطرب.
    والآخر: أن الصباح يكون أجمل الأوقات، عادة، من النهار؛ وقد شهد بذلك واصفو الجمال ومتحسسوه ومتذوقوه، أكثر من سواهم، وهم الشعراء: منذ امرئ القيس إلى أبي القاسم الشابي.
    فكأن الصباح هو فتوّة النهار، وشبابه، وعنفوانه. ففي جمال الزمان، وجمال الصوت المنبعث من المكان، تشاكل متراكب يتجسد في أن الصباح وما في مدلوله من زمان، استكمل زمن الغناء؛ وفي أن زمن الغناء جميل؛ كما أن زمن الصباح جميل. ثم، في أن الغناء انتشار جميل للصوت، والصباح انتشار جميل للنور.
    ـ 2 ـ
    تتألف هذه اللوحة الشعرية من ثلاث وحدات للقراءة، بتقطيعنا نحن. ويجري الكلام فيها على سبيل السياق الخبريّ؛ ما عدا ما ورد في الوحدة الثالثة: ـ غيثك يا إله ـ حيث يركض في سياق الإنشاء القائم على الطلب والدعاء؛ مما يجعل الكلام في هذه اللوحة، هنا أيضاً، قائماً على التشاكل والتباين.
    وفي الوحدتين الأولى والثانية، من اللوحة الشعرية الثانية، تشاكل معنويّ بحكم طبيعة العلاقة؛ ويُمثل في: "أغصانه ـ ظلال" حيث إنّ للأغصان ظِلالاً وارفة على الرغم من أنها، هنا، تنضاف إلى الجوسق، أي القصر. وهناك تشاكل مرفولوجيٌّ يتمثل في وجود فعلين اثنين ماضيْين: "أثقلت ـ كنّا"؛ مقابل أفعال ثلاثة دالة على الحاضر:
    * يضحك ـ يغنّي ـ ينتظرون.
    فالتشاكل يقوم في دلالة هذه المقومات الفعلية على الحضور؛ بعد أن كان اثنان منها دلاّ على الماضي. ولكن التباين المعنوي يُمثل في الماضي والحاضر معاً.
    ثم نلحظ ضرباً آخر من التشاكل قد يتمثّل في: "أغصانه ـ القصب": لوجود علاقة التشجّر والاخضرار في المقومين الاثنين جميعاً.
    ونلمح تبايناً زمنيّاً في المقوّمين الاثنين: "لِلَيلي ـ نهاري"؛ حيث إنّ هذا التباين من وجهة نظر نفسيّة، مَنحَ الحدث المسرودَ، في هذا المقطع، زمناً متصل الزمنية، لا متقطّعاً ولا منبتّاً: حيث التأَمَ الليل والنهار فاتصلا ببعضهما اتصالاً أزلياً.
    ثم نلفي تبايناً آخرَ يتجسد في مستوى اصطناع الضمائر إذْ نجد بعضها يدلّ على الذات، أو على ما يمكن أن نطلق عليه "الاحتياز": لِلَيلي؛ نهاري؛ كنّا؛ إخوتي. وبعضها يدلّ على الغيريّة، أو على "الهُو": أثقلت؛ يضحك؛ يغني؛ ينتظرون؛ وفلاّحيه. وبعضها الآخر يدلّ على حضور الموضوع في النفس: غيثك؛ يا إله.
    ومثل هذا التداخل بين كلّ الضمائر، في هذه اللوحة، يعني شمولية تتجسّد في ذوبان كل في كل، وعوم البعيد في القريب، والحاضر في الغائب. وهو أمر يُفقد الأنا سلطته المعروفة في التأويل النفسي.
    ونحاول الآن العَوْجَ على أهمّ المقوّمات، في هذه اللوحة الشعرية، لوصفها وتحليلها سيمائيّاً: مقوّماً، مقوّماً، ما أمكن.

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 3:33 am