منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    النحو والمعرفة اللغوية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    النحو والمعرفة اللغوية Empty النحو والمعرفة اللغوية

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 4:19 am

    1 ـ الـنـحـو و الـمـعـرفـة اللـغـويـة :
    إذا كان النحو في التعريف المعجمي / الأصلي عبارة عن نسق من القواعد اللغوية التي تهدف إلى تعليم لغة ما1، فإن الدراسات اللسانية المعاصرة قد حافظت على جوهر هذا الفهم القواعدي التقليدي ، لكن بإعطائه صورا أخرى تختلف باختلاف الاتجاهات اللسانية .
    ففي الطرح البنيوي المعاصر ، القائم على تصنيف المعطيات اللغوية ، يميز عادة في كل لغة بين مكونين أساسيين : المعجم والنحو . حيث يقدم المعجم اللائحة المفترضة للوحدات اللغوية محددا سماتها الدلالية والمعجمية ، في حين ترتكز وظيفة النحو على تحديد الأشكال التركيبية من خلال إسناد الوظائف كالجهات والحالات ... ووفق هذا الفهم فإن النحو هو مجموعة من قواعد التركيب والفونولوجيا التي تأتي تالية للوصف المعجمي / الدلالي2. وقد كان الإشكال المؤسس لعمل الدرس البنيوي هو تحديد موضوع اللسانيات وضبط المسألة اللغوية واستقلالها عن باقي العلوم الأخرى . لذا كان الهم النظري علميا تجريبيا ، أي بإخضاع اللغة للوضعية العلمية . وعلى مستوى التطبيق فقد انصب الاهتمام على الوصف والتقطيع البنيويين للغات الطبيعية ، حيث تم تصنيف المعطيات اللغوية إلى مكونات متعددة من فونيم ومونيم ومورفيم ... وغيرها ، ثم تحديد أصناف المستويات الدراسية التي تمكن من معالجة الظاهرة اللغوية من مختلف زوايا الرؤية التحليلية . فإضافة إلى المعجم يتضمن النحو مستويات أو نظم منهجية هي : نظام الأصوات ، ونظام الفونولوجيا ، ونظام التركيب ، ونظام الدلالة . وبهذا بدا الهدف الأسمى هو تمييز الظاهرة اللغوية عن باقي الظواهر الاجتماعية ، وتصنيف المعطيات اللغوية من مختلف زوايا الدرس . لذا لم تكن رؤية اللسانيات التصنيفية لتختلف في تصورها لمفهوم النحو عن الفهم التقليدي العربي ، وإن كان الاختلاف الأساسي يكمن في الهدف وتنوعه بين الغرض التعليمي عند النحاة و الغرض التصنيفي عند اللسانيين .
    لكن مع بروز اللسانيات النظرية بظهور النحو التوليدي ، غدت الغاية هي وضع قواعد كلية لوصف أكبر عدد ممكن من معطيات اللغات الطبيعية : الفعلية منها والممكنة التحقق . ومن ثم ، يحيل اصطلاح "النحو" في هذا المجال على نسق القواعد الافتراضية الموجودة في الدماغ والتي تساهم في تفسير الظواهر الملاحظة. "والنحو عبارة عن نسق من الأوليات والمسلمات والمبادئ العامة وهو مبنين بشكل دقيق يعتمد قواعد استدلالية تجعل منه بنية استنباطية "3 . بحيث يعد الهدف الأساسي للنظرية اللسانية ـ حسب شومسكي ـ هو الكشف عن النحو الكلي /الكوني الممثل للحالة الفطرية الأولى للكائن البشري . فاللغات ، وإن تنوعت إلى حد كبير ، تنتظم في نفس العمليات الشكلية التي تكون الجمل النحوية . لذا فوظيفة البحث اللساني الكشف عن الملكة الفطرية لدى الأفراد أو ما يصطلح عليه بالقدرة اللغوية ، التي تصبح فيما بعد خزانا من التجارب اللسانية القابلة للتحقق أو الإنجاز. ولقد عملت النماذج التوليدية على صياغة العديد من القواعد الشكلية ـ الصورية التي تعمل كآلة باطنية داخل الدماغ البشري . وبما أن اللغة من خلال تآليفها وتجميعاتها غير محدودة ولانهائية ، فإنها تعالج بقواعد نهائية ترسم حدودها . أي أن النحو هو مجموع القواعد المختزنة في القدرة لتوليد ما لا نهاية من الجمل . ومنذ بروز النحو التوليدي إلى الوجود مع كتاب " البنى التركيبية 1957" تعددت النماذج واتجهت نحو التقليص من عدد التحويلات ومن أدوارها بغية ضبطها ، علميا ومنهجيا ، في الربط بين البنيتين السطحية والعميقة. من خلال هذا التحديد بدا أن الاهتمام اللساني قد انتقل من العناية باللغة إلى العناية بالنحو ، أي من تركيز البحث على تجميع المعطيات وتصنيفها ووصفها إلى التركيز على الأنساق القاعدية في الدماغ البشري في مختلف حالاته الفطرية . "فمن المعلوم أن اللغة لامتناهية ، إذ يمكن اعتبارها مجموعة لا متناهية من المزاوجات بين الأصوات والمعاني ، وليس هناك حدود لمعرفتنا لهذه المزاوجات . إلا أن معرفتنا هذه يمكن تمثيلها عن طريق نسق متناه من القواعد يحدد خصائص هذا العدد اللامحدود من الجمل التي نبنيها "4. و إذا اختلفت التيارات التوليدية في عدد طبقة التحويلات و دور الدلالة في النماذج اللسانية المقترحة فإنها تتفق جميعها على أن النحو نسق من القواعد الصورية المختزنة داخل القدرة الإنسانية . لذا فهو لاينحصر في مستوى دراسي دون آخر ، بل يضم جميع المكونات الفرعية التي تغيرت هيكلتها بتغير الاقتراحات التوليـدية. لكن سنـقتصر على الهيكلة الواردة في النظرية المعيار65 . حيث يتشكل النحو من العناصر التالية5 :
    ـ أ ـ المعـجــــم
    الـمـكـون الأســـاســي
    ـ ب ـ المكون التركيبي
    الـمـكـون الـتـحـويـلـي
    ـ ج ـ الـمكون الـدلالي / الـمـنـطـقـي.
    ويندرج تحـت كل مكون العديد من القواعد التوليدية والتحويلية ، إضافة إلى الكثير من المبـادئ والقيود النظـرية كقواعد الإسقاط والقواعد الفونولوجية ...
    بهذا العرض الموجز يتبين المفهوم التشومسكاوي للنحو الذي بناه بشكل استفاد فيه على الخصوص من علوم يظرية كالرياضيات و علم النفس التجريبي و الفلسفة . لكن السؤال الذي ينبغي التوقف عنده في هذا المقام هو :
    ماهي الإشكالات التي شغلت المشروع التوليدي منذ بدئه و حاول الإجابة عليها ؟
    يمكن رد اللسانيات التوليدية إلى سؤالين مركزيين يرجعان معا إلى محور أساسي هو معرفة اللغة6:
    ـ السؤال الأول : كيف يمكن للكائنات البشرية أن تصل إلى معارف لغوية متعددة على الرغم من اتصالها المحدود بالعالم ؟
    ـ السؤال الثاني : ماذا يمكن لدراسة اللغة أن تفيد في فهم طبيعة المعرفة البشرية ؟
    فإذا كان الإطار المعرفي للمدرسة البنيوية محددا بالوضعية التجريبوية منهجا وفلسفة، فإن الإشكال المركزي الذي وجه عمل شومسكي كان معرفيا / عقلانيا بالأساس . فعندما انطلق المشروع التشومسكاوي كان غرضه إنتاج فلسفة في المعرفة الإنسانية تعطي للكائن البشري وجوده الحق كإنسان مفكر /عاقل ، وليس كآلة بلومفيلدية تتشكل من مثيرات واستجابات سلوكية . لذا نجد في كتابات رائد التوليدية تحاليل فلسفية لمصادر المعرفة اليونانية ، واستلهامه من العقلانية الديكارتية ، وقراءاته النقدية لتجريبية هيوم ونسبية كانط... بمعنى أن صاحبنا ، قبل أن يؤسس نظريته اللغوية ، عمل على الاستفادة من التراث الفلسفي والعلمي في صياغة نظرية في المعرفة الإنسانية التي تتأسس على المبدأ الكلاسيكي : اللغة مرآة للفكر ، والذي يطرح في المنهج التوليدي بشكل أكثر عمقا . حيث يكون للجهاز اللساني دور أساسي في الكشف عن المبادئ التجريدية المنظمة لعملية المعرفة." وبهذا يكون انشغال التوليدي باللغة انشغالا ذهنيا مفهوميا بالأساس و ليس انشغالا بالتمظهرات السلوكية أو المنتوج"7 أي أن الإشكال التوليدي قد تمحور حول معرفة اللغة ، أي : ماهي طبيعة اللغة ؟ وما هو مصدرها ؟ وكيف تستعمل ؟ .
    2 ـ مـظـاهــر الـتـنـاول اللـسـانـي للـبـحــث الـنـحـوي :
    كان من الآثار الواضحة لتطور الدرس اللساني المعاصر في الغرب واقتباس مناهجه من طرف ثلة من الدارسين العرب ، أن تمت العودة إلى التراث اللغوي القديم بكل معارفه وعلومه ، إما بحثا عن شرعية للوجود اللساني في الذاكرة العربية ، وإما بغية إخضاعه للفحص اللساني المعاصر حتى يتم تطويعه لخدمة أهداف الحداثة . لذا أصبح لزاما على كل من رام البحث في حقائق العربية واستعمالاتها اللجوء للذاكرة النحوية إما على سبيل انتقاء معطيات الدراسة أو انتقاد التجربة التراثية . وفي كلتا الحالتين يظل جوهر الدرس النحوي مغيبا . وليس قصدنا في هذا المجال رفض النماذج اللسانية المعاصرة فيما سماه الفاسي الفهري : دعوى التجريبوية الساذجة8. لكن قراءتنا للجهود اللسانية المعاصرة قراءة معرفية ومنهجية تبحث في أسس التداول المعاصر لقضايا النظر النحوي القديم .
    فمن الثابت أن القراءات المتناولة للنحو العربي ظلت سجينة التصورات الحديثة ، حيث كانت تحاول تطبيق المفاهيم المعاصرة على الدرس القديم مما أبعدها عن جوهره . لأن الأسئلة المعرفية والمنهجية التي شغلت النحاة تختلف عن الأسئلة اللسانية المعاصرة . لذا فكل مقاربة ينبغي لها أن تتناول النحو داخل نظام الفكر الذي ولد فيه ، لتكتشف الكيفية التي تشكلت بها المعرفة النحوية . والأمر نفسه ينطبق على المحاولات " الاجترارية " التي تكرر أقوال القدماء تحت دعوى اكتشاف منهجي مثل : أصول النحو العربي لخير الحلواني ، أو تجميع معطيات موجودة في ثنايا الكتب النحوية مثل أغلب البحوث المتعلقة بأعلام الدرس النحوي . وفي الحالتين معا تظل المحاولات المعاصرة بعيدة عن إضافة إجابات حديثة للدرس القديم ، وذلك يبرز من خلال المادة الدراسية ومنهج الدراسة وأسئلة المعرفة ومفهوم النحو .
    2. 1ـ معطيات الدراسة أو اللغة الموصوفة : أول الإشكالات التي طرحت أمام اللسانيات العربية الناشئة هو إشكال المادة المدروسة. فعن أية عربية نتحدث ؟ وهل هناك عربية واحدة أو عربيات عديدة ؟...
    لعل الإجابة عن هذه الأسئلة ـ ونحوها ـ لا تخرج عن شكلين دراسيين :
    أ ـ الحفاظ على المعطيات اللغوية التي جمعها وصنفها اللغويون القدامى ، وتركيز النقاش حول منهج تناولهم للغة الموصوفة .
    ب ـ الادعاء بوجود عربيتين : عربية قديمة كلاسيكية فصحى هي التي تداولها رواد عصر التدوين وبعده ، وعربية حديثة متداولة في نصوص شفوية أو مكتوبة معاصرة .
    فقد ظلت الأبحاث اللسانية منذ ظهورها في العالم العربي على شكل دراسات وصفية تركز على البحث على مقاربة النحاة للمعطيات اللغوية القديمة ، أي التركيز على منهج الدراسة لا المادة المدروسة . يقول أحدهم : "وينبغي التنبه إلى أن هناك فرقا بين البحث في اللغة واللغة نفسها ، فاللغة المدروسة لا يغيرها اختلاف النظر إليها بمنهج دون آخر"9 . ويبدو الهدف من هاته المحاولة هو إثبات شرعية المنهج اللساني الحديث بدل المنهج القديم ، الذي اعتبر بعيدا عن العلمية للأسباب التالية :
    أولا :عدم رسم حدود زمانية ومكانية للفصاحة العربية التي هي الشرط الأساسي في المتن المجموع . فالحد الزماني يمتد من القرن الرابع قبل الهجرة إلى القرن الرابع بعدها ، حيث تبدأ مرحلة الحداثة اللغوية الممنوع الإستشهاد بشعرها أو نثرها . لهذا رفض النحاة الاحتجاج بأشعار المولدين أمثال أبي نواس والبحتري وأبي تمام ، وإن كان بعض المتأخرين قد خرقوا هذه القاعدة10. وقد اعتبر هذا التحديد الزماني من طرف الوصفيين المعاصرين إنكارا لدورالعامل الزمني في التطور اللغوي ، وخرقا لمبدإ أساسي هو اعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية تخضع لما يخضع له المجتمع من تغير و تطور ، وكان من الواجب فتح باب الدراسة للغة في فتراتها المتـعاقبة . أما الحد المكاني فقد رسم بموجبه المجال الجغرافي للقبائل التي تؤخذ عنها والتي كانت في وسط شبه الجزيرة العربية لابتعادها عن الأمم الأجنبية فحافظت على نقاء اللغة و صفائها11. كما اعتمدوا الأخذ عن سكان البوادي دون سكان المدن الذين تأثر لسانهم وخرج عن أصل الفصاحة . وعند ابن جني فصل خاص تحت عنوان : "باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر"12 . وقد قرر العديد من الدارسين بأن هذا التحديد المكاني جعل العربية المدروسة ليست كل العربية ، وإنما جزءا منها ، كما أنهم لم يكونوا على حق في ربطهم الفصاحة بالبداوة ، لأن اللغة بنت الحاجة والاستعمال . وبهذا الاعتبار فالنحو العربي نحو ناقص لأنه يقدم مادة ناقصة 13.
    ثـانـيـا : قصر المادة المدروسة على مستوى لغوي واحد هو اللغة الأدبية ممثلة في النصوص القرآنية والشعرية والأمثال والخطب ، في الوقت الذي أهملت فيه لغة التداول اليومي التي يستعملها الناس في شؤونهم14. والحقيقة أن العلماء العرب لم يهملوا هذا الصنف اللغوي في دراستهم كما مثلته القراءات القرآنية والمخاطبات العامة مما دفع أحد الدارسين إلى عكس الآية وانتقاد التجربة النحوية بالخلط بين المستويين الأدبي واللهجي في التناول 15 .
    و بالرغم من هذه الشوائب التي تصور الوصفيون وجودها في المنهج النحوي القديم ، ومن نعتهم لغة النحاة باللاتطورية واللازمانية، فقد اكتفوا بالإشارة السطحية لمفاهيم التطور اللغوي ولم يستطيعوا طرح جوهر مشكل مادة الدراسة . يقول الفاسي الفهري :"حتى الوصفيون الذين انتقدوا النحاة القدامى أشد ما يكون الانتقاد و عابوا عليهم إفسادهم للنحو بإدخال أدوات ومفاهيم منطقية فيه ،وانتصارهم للقياس واصطناع أمثلة و تراكيب كثيرة لم تكن موجودة في اللغة ولم تسمع عن العرب و إنما أوردها لتزكية أصولهم حتى هؤلاء اكتفـوا بالاحتفاظ بما أتى به القدماء من معطيات و لم يحاولـواوصف لغة أخرى بالاعتماد على جرد مواد جديـدة انطلاقا من نصوص شفوية أو مكتوبة "16. أي أنهم بالرغم من نقدهم للمنهج النحوي ومعطياته الدراسية ، بقوا محافظين على معطيات القدامى ، حيث رسخ في اعتقادهم أن إشكال المعطيات قد حل في عصر التدوين .
    و جملة القول ، إن احتفاظ المعاصرين بمادة القدماء قد وضعهم أمام إشكال منهجي ، خاصة أنه لا يمكن الفصل بين منهج ومادة النحاة ، مما أدى بهم إلى تقديم بدائل وصفية تغري بالحداثة والجدة وبتوظيف المناهج اللسانية الحديثة . لكنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون مَحوَرَة لكلام القدماء إما عن طريق مزجه ببعض الآراء اللسانية المعاصرة ، وإما بهدم الحدود بين علوم اللسان العربي ، كما فعل تمام حسان عند مزجه علم المعاني بعلم النحو حتى يجد للمستوى الدلالي بمعناه العام مكانا في البحث النحوي 17. ومن أمثلة هذا التذبذب المنهجي تطالعنا المحاولات الإصلاحية للنحو العربي نحو :"النحو الجديد" لشوقي ضيف ،و "أصول النحو العربي " لمحمد عيد ، و"دراسات نقدية في النحو العربي " لعبد الرحمن أيوب .. وغيرها كثير. وكلها لا تعدو، بالرغم من مقدماتها النظرية المغرية ،أن تكون إعادة تنظيم الأبواب النحوية أو حذفا لبعض المفاهيم القديمة ، مما جعلها محاولات مبتورة . وللخروج من هذا الإشكال المنهجي أقر العديد من الدارسين بوجود اختلاف كبير بين اللغة العربية الموروثة عن متون عصر التدوين وعربية المحاضرات والندوات والإعلام في عصرنا الحالي . ويجرنا هذا التصور إلى التخلي عن وساطة الآلة النحوية والتعامل المباشر مع النصوص اللغوية . " فبناء نحو اللغة القديمة مثلا لا يحتاج ضرورة إلى المعطيات الموجودة في النحو القديم ، بل يمكن أن يستغنى عنها باستعمال النصوص القديمة"18. أما بناء نحو العربية الحديثة ولهجاتها المنتشرة فتعتمد على المعطيات المعاصرة شفهية كانت أم كتابية والتي تجمع كل مستويات النحو من معجم وتركيب ودلالة وصواتة . لكن يذهب بعض الباحثين إلى أن الإقرار بوجود عربيتين هو طرح شكلي ، بحيث أن الاختلاف الذي قد نصادفه بين المتن القديم والتداول الحديث لا يمس الجانب التوزيعي للألفاظ بقدر ما ينحصر في الجانب التحويلي . " ذلك لأن بعض التحويلات التي كانت معروفة في العربية القديمة قد عزف عنها الاستعمال وعوضت بتحويلات أخرى ، من ذلك مثلا ظاهرة الاشتغال في اللغة ، حيث أصبح الناس يكتفون بتقديم الفاعل تاركين المفعول به مكانه "19. لذا فالانشغال الأساسي ينبغي أن يكون هو تتبع مسار التحويلات ، وليس الانكباب على الأصول الرتبية الأولى التي لازالت تحافظ على نسقها. وفي الحالتين معا غدا القول بالفصل بين صنفين لغويين من العربية لازما في البحوث اللسانية المعاصرة ، وذلك لسببين رئيسيين :
    أولهما القياس على اللغات الأوربية التي تخضع لتغييرات دائمة في مفرداتها و أشكالها الصرفية والتركيبية ، ما دام المعجم يخضع لمنطق الاستعمال اليومي . في حين ظلت العربية جامدة منذ عصر التدوين في قوالب صرفية ونحوية ، مما دفع أحد المفكرين المعاصرين إلى وصفها بأنها لغة لا تاريخية وذات طبيعة حسية تنقل في ثناياها عالم الصحراء العربية والأعراب ، لذا "فالأعرابي هو صانع العالم العربي "20 .
    ثانيهما عدم خضوع العربية ،كما هي واردة في متون النحو العربي القديم ،للعديد من الظواهر اللسانية المعاصرة ، مثل :التنغيم والنبر، وبعض الحالات التركيبية كالاستفهام بأصنافه المختلفة 21 .
    2.2 ـ إشكاليـة المـنـهـج ومسـتـويات الـدراسـة : من أزمات البحث اللساني المعاصر أزمة المنهجية . فبأي منهج علمي يمكننا مقاربة اللغة العربية ؟ وكيف يمكننا قراءة جهود القدماء على المستويين التصنيفي والمنهجي ؟.
    لقد تبلورت إجابات الدارسين المعاصرين عن هذه الإشكالات في ثلاثة قراءات : تبسيطية ووصفية وتنظيرية.
    أـ الـمنـهـج الإنـتـقائـي التبسـيـطي : ما انفك التراث النحوي يحظى بالقراءة منذ بزوغ فجر العصر الحديث . حيث انكب عليه المستشرقون والدارسون العرب بحثا فيه عن مواطن القوة وعن إمكانية التبسيط . فقد كان الهم الذي حرك دعاة التجديد هو جعل قواعد النحو العربي في متناول المتعلم بعيدا عن نقاشات المدارس وتعليلات النحاة وأقيستهم . ويكفي أن نقوم بإطلالة على كتاب "في إصلاح النحو العربي"، حيث يورد فيها صاحبه جردا بجل المحاولات التبسيطية التي حاول أصحابها اقتراح بدائل نحوية ."ويترتب عن هذه النظرة أن التراث النحوي لا يفي بخصائص العربية ولا يحيط يأساليبها المتنوعة ولا يكشف عن مقدرتها في التعبير"22. فمن هذه المحاولات، ولعلها أبرزها محاولة إبراهيم مصطفى في "إحياء النحو" حيث حدد هدفه بقوله: "أطمع أن أغير منهج البحث النحوي للغة العربية و أن أرفع عن المتعلمين إصر هذا النحو و أبدلهم منه أصولا سهلة يسيرة تقربهم من العربية "23. ولذا، استحدث تصنيفات جديدة محاولا استبعاد مفاهيم العلة والعامل . وعلى هذا المنوال سارت محاولات العديد من دعاة التجديد والتبسيط باستبعاد المظاهر 'العقلية' والخلافية داخل الكتابة النحوية ، وخاصة جهود المجامع اللغوية في إنشاء كتب مدرسية قريبة من أفهام الطلاب . لكن حقيقة النحو كآلة معرفية ظلت هي الغائب داخل كل هذه الجهود ، فظلت محاولات 'المجددين' مبتورة عن سياقها وعن مجال تطبيقها. فالنحو ليس أداة لغوية فحسب ، بل هو رؤية خاصة للعالم تلتحم كل أجزائه للتعبير عن صيغة التأويل المثلى .
    ب ـ الـمـنـهـج الـوصـفـي: إضافة إلى الإنتقادات التي وجهها رواد المنهج الوصفي لقاعدة معطيات النحو القديم ، صوبوا كذلك نقدهم نحو المنهج النحوي 'التقليدي' نجملها فيما يلي :
    1-كان التقعيد النحوي تقعيدا منطقيا متأثرا بالمنطق الأرسطي منذ مراحله الأولى. وازداد هذا التأثير في القرون المتأخرة . ويبرز هذا الأمر في تصنيف المقولات وفي استعمال الوسائل الإجرائية كالقياس و التعليل والعامل. يقول أحد رواد الوصفية: " أما النحو العربي فإن أثر المنطق فيه يبدو من جانبين اثنين :أولهما جانب المقولات وتطبيقها في التفكير النحوي ، وثانيهما الأقيسة و التعليلات في المسائل النحوية الخاصة مع ما يساير ذلك من محاكاة التقسيمات اللغوية التي جاء بها أرسطو في دراساته "24. وهذا هو الذي جعل النحو يأخذ صبغة معيارية هدفها ضبط مواطن الصواب والخطأ في التعليم اللغوي ، فترضخ له كل الاستعمالات اللهجية.
    2 ـ اختلاف المستويات الدراسية في الدرس النحوي القديم . فاللغة كما يقدمها الدرس اللساني الحديث نسيج من الأنظمة ." فلها نظامها الأصواتي الموزع توزيعا لا يتعارض فيه صوت مع صوت ولها نظامها التشكيلي (الفونولوجي) الذي لا يتعارض فيه موقع مع موقع ، ولها نظامها الصرفي الذي لا تتعارض فيه صيغة مع صيغة ،ولها نظامها النحوي الذي لا يتعارض فيه باب مع باب ،ولها بعد ذلك نظام للمقاطع و نظام للنبر و نظام للتنغيم، فهي منظمة من النظم على حد تعبير بعضهم "25. واعتقادا بهذا الشكل الدراسي وتسلسل مستوياته في كل مقاربة لغوية حكم دعاة الوصفية العرب على جهود النحاة القدماء ومناهج كتاباتهم بالاضطراب ، حيث لم يتبعوا خطة منهجية تبدأ من أبسط العناصر التحليلية إلى أكثرها تركيبا26. إضافة إلى أن مفهوم القدماء للنحو كان مفهوما عاما يتناول كل المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية قبل أن يخصص ـ مع النحاة المتأخرين ـ في قضايا العمل والإعراب . وقد جعل تداخل هذه المستويات البحث النحوي غير خاص بمجال التركيب كما تعارف عليه أهل اللسانيات التصنيفية ، بل كان عاما وشاملا لكل قواعد اللسان العربي ، وهذا ما لا يقبله علم اللغة الحديث 27 .
    ج ـ الـمـنـهـج الـتـنـظـيـري : لقد قدم رواد المدرسة التحويلية في العالم العربي إجابات واضحة عن الإشكالين المركزيين : إشكال المنهج وإشكال القراءة . فبعد ردح من الزمن طغت فيه الدراسة الوصفية على المقاربات اللغوية حاملة معول الهدم على كل المظاهر العقلية داخل النحو العربي تحت شعار التبسيط ، أتت التوليدية في ثوبها العقلاني الفلسفي لتعيد للدرس اللساني العربي جوهره الفكري . وكانت بداية عمل الدارسين هو البحث عن مواطن التشابه بين اللغويات العربية القديمة و الدراسات التوليدية الحديثة . وهكذا " إذا تجاوزنا خصوصيات السياق التاريخي و الثقافي لكل منهما وجدنا البحث اللغوي الحديث يضارع البحث اللغوي عند العرب من جهة أنه يستوي لكل منهما تراث عريض تقلب خلاله في مراحل تأثر بالمعطيات الثقافية و ما تهيأ معها من أدوات حادثة " 28 . وقد ساعد التطور المتسارع للنماذج التوليدية بإعطاء اللسانيين اعتقادا راسخا بالتماثل بين المنهج الشومسكاوي والمنهج النحوي القديم ، فراحوا يبحثون في ثنايا هذا الأخير عن مظاهر تحويلية وتوليدية تسعف الموافقة بين المنهجين . وهكذا نجد الدكتور عبده الراجحي يحدثنا عن "الجوانب التحويلية في النحو العربي "، والتي حددها في جملة عناصر هي29:
    ـ قضية الأصلية و الفرعية التي تماثل البنية العميقة و السطحية في اللسانيات الحديثة .
    ـ قضية العمل التي نجدها حاضرة في التراثين معا.
    ـ قواعد الحذف و الزيادة وإعادة الترتيب .
    ويخصص حماسة عبد اللطيف بحثا منفردا لمعالجة "الأنماط التحويلية في النحو العربي" ، متتبعا سلك التحويلات المختلفة التي تعترضه العربية تركيبا وإفراديا30. في حين يتجه مازن الوعر وجهة تركيبية خالصة محاولا تحديد التراكيب الأساسية في العربية في جمع فريد بين معطيات النحو القديم و معطيات النماذج التوليدية31.
    وعلى هذا المنوال سارت محاولات الدارسين بتقديم المقترحات التحويلية وتطبيقها على التراث النحوي معتقدين تماثلا منهجيا في أسس التحليل. وقد ذهب البعض إلى البحث عن سر هذا التقارب في مطالعة شومسكي لقضايا العربية أثناء بحوثه في اللسانيات العامة وفي النحو العبري 32. لكن بالرغم من كل هذا تبقى قراءة التوليديين على أهميتها وجديتها قراءة انتقائية للتراث النحوي تبحث عن مظاهر التلاؤم والانسجام مع معطيات البحث المعاصر دون النفاذ إلى مساءلة الأساس المعرفي لقيام النحو العربي . بمعنى أن المعالجة التوليدية كانت ردا على تعسف وصفي على النموذج القديم، لكنه لم يزد على أن وجه البحث نحو الصورنة والتجريد .
    ونحن نتحدث عن التطبيق اللساني التوليدي في عالم العربية لا يمكن إغفال محاولة ، أو محاولات، الدكتور الفاسي الفهري التي تبقى مميزة ببحثها عن الشمول والإبداع ، عكس المحاولات الأخرى التي كانت إما جزئية تبحث في قضية محددة ، وإما تكرارية تجتر المفاهيم والآراء التوليدية . حيث وضع صاحبنا لمنهجه هدفا مركزيا هو وصف اللغة العربية الحالية وصفا كافيا يمكن من بناء نحو يمثل الملكة الباطنية للمتكلم/المستمع العربي 33. واستنارة بالنماذج التوليدية يفترض وصف العربية وصفا كافيا مجموعة من المسلمات المنهجية :
    ـ توجيه العمل الدراسي نحو اللغة العربية المتداولة ، في نفس الوقت الذي تدرس فيه المعطيات القديمة .
    ـ اعتبار العربية كباقي اللغات الطبيعية تشترك معها في الخصائص والمكونات ،لأن كل المخلوقات البشرية تشترك في بنية معرفية محددة هي القدرة التي يمكن تمثلها على شكل قواعد كلية." وكونها عربية لا يعني أنها تنفرد بخصائص لا توجد في أية لغة من اللغات ،بل لا نكاد نجد ظاهرة في اللغة العربية إلا ونجد لها مثيلا في لغة أو لغات أخرى "34.
    ـ التمييز بين اللغة الموصوفة و آلة الوصف ، مما يمكننا من الخروج من أسر المنهج النحوي القديم ."فبناء نحو اللغة القديمة مثلا لا يحتاج ضرورة إلى المعطيات الموجودة في النحو القديم ، بل يمكن أن يستغنى عنها باستعمال النصوص القديمة "35.
    و خلاصة القول ، إن النهج التوليدي عمل على تأصيل نظرية لسانية عربية تعالج قضايا العربية القديمة والحديثة ، وذلك باعتماد آلة واصفة صورية تقارب القدرة اللغوية العربية . لذا واجهت التراث النحوي بالنقد المنهجي وبانتقاء المعطيات الدراسية منه . إلا أن الظواهر التي عالجها اللسانيون العرب كانت 'استنساخا'لقضايا معالجة في اللغات الأوربية بوحي من معطياتها ، مما جعلها تركز على قضايا دون أخرى. وهذا ما ينفي عنها صفة الشمولية والكلية 36 .
    3 ـ مـفـهـوم الـنـحـو وأبـعـاده الـدراسـيـة :
    إذا كان اللغويون العرب المعاصرون قد فتنوا بدعوى الموضوعية في الدرس الحديث وراحوا ينعتون القدماء بالمعيارية والمنطقية والنقص المعطياتي واللاعلمية ، فإن المجال الحقيقي لبروز محاولاتهم التجديدية هو مفهوم النحو وتحديد مجاله الدراسي . وقد عزف العديد من الباحثين عن وضع تعريف جامع لعلم النحو اقتداء بأئمة النحو الأوائل أمثال : سيبويه و المبرد و الزجاج...حيث عمدوا مباشرة إلى عرض المباحث النحوية وفق رؤاهم التجديدية التي تخلص النحو من كل الشوائب المأخوذة عليه37. لكن المعمول به في أغلب الدراسات والمصنفات الحديثة هو توضيح المراد بالنحو بغية معرفة مجاله ووظيفته وتمييزا له عن باقي أصناف علوم اللسان العربي.
    ومن خلال مجمل الحدود المعاصرة للنحو نستطيع ـ في قراءة موجزة ـ أن نستشف حضور أربعة أبعاد يرام وجودها في الآلة الدراسية المسماة'نحو': البعد الوظيفي ، والبعد الدلالي ، والبعد الوصفي ، والبعد النظري/التوليدي . والحدود بين هذه الأبعاد ليست إلزامية ، فقد نجد ضمن نفس التعريف أكثر من بعد ، كما نجد نفس البعد شاملا لتعاريف عدة . لكن هذه الأبعاد تشكل في حد ذاتها آفاقا للبحث النحوي المقصود ، مستبعدين الآراء الاجترارية التي تعيد كلام القدماء .
    أ ـ الـبـعـد الـوظـيـفـي : اتخذ العديد من الدارسين من فكرة تعقيد النحو وغموض لغته مبدأ محوريا بنوا عليه أعمالهم ونماذجهم المقترحة من أجل تبسيط النحو العربي . ومادام الهدف التعليمي هو الحاضر بقوة في كل تصور وظيفة النـحو ، فإن صعوبته تنسب دوما إلى نظام قواعده . يقول أحدهم :" الواقع الذي لا أناقش فيه أن اللغة العربية يشق على الطالب تعلمها و طلبتنا مكدودون في المدارس يكدحون لفهم المئات من قواعـدها ويخرجون بعد ذلك منها وهم يكرهونها "38.
    وفقا لهذا التصور سارت مجموعة من الأبحاث لاستبعاد كل مظاهر الصعوبة والغموض التي تواجه متعلمي العربية. لذا يميز إبراهيم مصطفى في محاولته الإحيائية بين صنفين من القواعد داخل متون النحو العربي : صنف لا تجد في تعليمه عسرا ولا في التزامه عناء كأحكام العدد ، ونوع آخر كثر فيه خلاف النحاة ويعسر درسه كرفع الاسم أو نصبه 39. و للخروج من الجدالات النحوية ومن الغموض التعليمي يقدم لنا إبراهيم مصطفى نموذجا للنحو الوظيفي . حيث ينعت النحاة بوقوفهم عند الشكل الظاهري وإهمال صلة العلامات الإعرابية بالمعنى . لذا يرشدنا إلى الطريق الصحيح الذي هو أن " ندرس علامات الإعراب على أنها دوال على معان و أن نبحث في ثنايا الكلام عما تشير إليه كل علامة منها"40. وخلص إلى أن "الرفع علم الإسناد ودليل أن الكلمة يتحدث عنها . إن الجر علم الإضافة سواء أكانت بحرف أم بغير حرف . إن الفتحة ليست بعلم على إعراب ولكنها الحركة الخفيفة المستحبة التي يحب العرب أن يختموا بها كلماتهم مالم يلفتهم عنها لافت ، فهي بمنزلة السكون في لغتنا الدارجة . إن علامات الإعراب في الإسم لاتخرج عن هذا إلا في بناء أو نوع من الإتباع وقد بيناه "41. على هذا المنوال الوظيفي يؤسس صاحبنا لمشروع النحو العربي الجديد بعيدا عن ضيق الإعراب وتفسيرات النحاة العقلية . فيعرف النحو بأنه : " قانون تأليف الكلام وبيان لكل ما يجب أن تكون عليه الكلمة في الجملة و الجملة مع الجمل حتى تتسق العبارة و يمكن أن تؤدي معناها "42. ومن ثم ، تناول بالدرس والتحليل قضايا بناء الجملة مخلصا إياها من التأويلات النحوية والخلافات المذهبية ، ومركزا بالأساس على دلالاتها الوظيفية حتى يسهل تعلمها للمتكلم العربي . وإذا كانت محاولة إبراهيم مصطفى تتسم بنوع من الجرأة والشمولية في طرح مناهج النحاة للنقد و التمحيص ، فإن القرن الحالي قد شهد العديد من المحاولات الوظيفية التي تحاول تقريب النحو من أذهان المتعلمين جمع جلها عبد الوارث مبروك سعيد في "في إصلاح النحو العربي ". والجامع المشترك بين كل هذه المحاولات يتخلص ـ إلى جانب الهدف التعليمي ـ في اعتبار التراث النحوي لا يقدم وصفا صالحا للعربية من حيث تفسير نظامها و شرح خصائصها.
    ب ـ البعد الوصفي / البنيوي : ارتباطا مع البعد السابق يبرز البعد الوصفي ، المستمدة أسسه من اللسانيات البنيوية ، في ضرورة أن يلتزم النحو صفته الآلية الوصفية المقاربة للمظاهر الصوتية والتركيبية والدلالية داخل اللغة دون النفاذ إلى دهاليز التفسير والتعليل.. " اللغة إذا موضوع من موضوعات الوصف كالتشريح لا مجموعة من القواعد كالقانون...الباحث في تشريح اللغة ،والمقصود هنا تحليلها تحليلا دراسيا ، لا ينبغي أن يعبر عن موقفه من موضوعه بالنص على ما يجوز وما لا يجوز.وهم اللغوي لهذا السبب أن يصف الحقائق لا أن يفرض القواعد"43. واعتمادا على مبادىء الثورة التي احدثتها اللسانيات الوصفية في قراءتها للنحو التقليدي بنى اللسانيون العرب دراساتهم على التمييز الضروري بين اللغة العربية كمعطيات والنحو العربي كآلة واصفة ، حيث عابوا على هذه الأخيرة هيكلة منهجها على أسس عقلية بحتة. وسواء تأثر النحو العربي بمنطق أرسطو أم لا ، فإنه صاغ مختلف قضاياه على اعتبارات تفسيرية لا وصفية ، والتي تجمع عادة في أبواب ثلاثة : باب القياس ، باب التعليل ، باب العامل . وقد شكل ظهور كتاب "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي سندا تراثيا للباحثين عن تخليص النحو العربي من كل شوائب التعقيد . وكما يصرح بذلك محقق الكتاب : " والحق أن ابن مضاء يفتح أمامنا الأبواب لكي ندرك ما كنا ننشده من تيسير النحو وتدليل صعوباته ومشاكله"44. وقد حظي هذا الكتاب بأهمية ما فتئت تتعاظم عند كل الباحثين الوصفيين ، بل قد نجزم بأنها العامل الأساس الذي دفع العديد منهم إلى بناء نموذج نحوي عربي اللغة ، وصفي المنهج ، باستبعاد كل مظاهر العقل النحوي التي أبعدها ابن مضاء وخاصة قضايا: التعليل والقياس والعمل والتقديرات الموغلة ، والتمارين غير العملية. هذه الصرخة من عمق التراث كافية لأصحاب النحو الجديد ليعطوا مقترحاتهم الوصفية . حيث نجد الدكتور شوقي ضيف يقتبس من ابن مضاء جهوده ليبني نموذجا تجديديا للنحو بإعادة تنسيق أبواب النحو وبلورة أفكار صاحب"الرد على النحاة" من خلال استبعاد كل القضايا غير العملية والتي لا تنفع المتعلم العربي45.
    ويميز الدكتور المهيري بين صنفين / مستويين داخل الدرس النحوي العربي 46:
    - مستوى التأصيل الذي هو مستوى تفسيري نظري مبني على التأويل والاعتراض .
    - مستوى التقعيد الذي هو عبارة عن ضوابط استعمالية وذي صبغة عملية يمكن التدليل عليه بما يوفره الاستعمال والأمثلة البادية للعيان.
    لذا فالنحو ينبغي أن يركز على جانب التقعيد دون الانكباب على قضايا التأصيل التي تبدو عديمة الفائدة بالنسبة للمتكلم العربي.
    اعتمادا على التصور الوصفي حدد مجال النحو في المظاهر اللغوية المشكلة أساسا في جانب التركيب الظاهري . يقول محمود عبد السلام : "واللغويون المحدثون يذهبون إلى أن النحو هو الدراسة الأفقية للغة. بمعنى أن كلمات اللغة حين تتجاور لتشكل تراكيب تظهر في صورة أفقية على النحوي أن يكتشف أن العلاقات النحوية المختلفة التي تربط بين كلماتها"47.
    وفي نفس الإطار يقول مهدي مخزومي في محاولته التجديدية لقواعد النحو العربي : " التأليف موضوع الدرس النحوي ، لأن النحو لا يعنى بالصوت وما يتعلق به من ظواهر لغوية ولا بالكلمة المفردة وما يتعلق بها،وإنما يعنى بالكلمات المؤلفة مع غيرها في عبارة أو جملة"48. وهكذا بعد إبعاد كل المظاهر المنطقية والعقلية التي ملأت بطون الكتب النحوية ، تصبح دراسة النـحو هي: "دراسة مجموعة الطرق المتبعة في وصف الكلمات"49، من خلال وصف العلاقات التركيبية التي تربط بينها ، دون ولوج متاهات التفسير والتاويل .

    ج ـ البعد الدلالي /المعنوي : لقد كان من أهم المؤاخذات التي ألصقت بالدرس النحوي من طرف الباحثين صفة ' الشكلية '. والتي تعني ـ من ضمن ما تعنيه ـ الاهتمام بمظاهر لفظية بحتة دون الاهتمام بقضايا الدلالة. وبتعبير مصطفى إبراهيم : "إنهم ـ أي النحاة ـ رسموا للنحو طريقا لفظية ، فاهتموا ببيان الأحوال المختلفة للفظ من رفع أو نصب من فطن لما يتبع هذه الأوجه من أثر في المعنى"50. وعليه فالاعتقاد الراسخ هو توجه البحث النحوي في عمومه إلى مبنى الجملة دون معناها ، حيث كان التركيز على الجانب التحليلي دون الجانب المعنوي ، سواء في مستواه الوظيفي كالإثبات والنفي والشرط...أو في مستواه المقامي السياقي51. وبما أن كتابات النحاة خالية من كل هذه المعاني ، فقد لجأ الدارسون المعاصرون إلى الاستفادة من علمي الأصول والبلاغة في بناء آلة واصفة تستحضر اللفظ والمعنى معا. وهذا يعني توسيع مجال الدراسة النحوية لتدخل فيها المعاني السياقية والمقامية . لذا نجد شيخ اللسانيين المعاصرين تمام حسان يميز بين ثلاثة أنظمة تتكون منها اللغة : النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي." لأن دراسة العلاقة بين الصوت والصوت هي علم التشكيل الصوتي ، ودراسة العلاقة بين الصيغة والصيغة هي علم الصرف ، ودراسة العلاقة بين الباب والباب هي علم النحو "52. وبهذا ، فالنحو لم يعد مهتما بمظاهر الإعراب الشكلية ، بل أصبح يتعداه إلى ما هو أوسع ، أي ما سماه صاحبنا : التعليق . وهكذا فالنظام النحوي في العربية يقوم على الأسس التالية 53:
    1 - مجموعة من المعاني النحوية : عامة (معاني الجمل أو الأساليب) وخاصة ( معاني الأبواب كالفاعلية والمفعولية...)
    2 – مجموعة من العلاقات الرابطة بين معاني الأبواب مثل علاقة الإسناد أو النسبة أو التبعية ، وهي قرائن معنوية على معاني الأبواب.
    3 - مجموعة من القرائن الصوتية كالحركات و الحروف ،أو الصرفية مثل مباني التصريف و التقسيم أو مجموعة من القيم الخلافية.
    إذن،فتصور المؤلف للنظام النحوي يقوم على فكرة مركزية هي التعليق. " إن التعليق هو الفكرة المحورية في النحو العربي.و هو الإطار الضروري للتحليل النحوي "54. وقد انطلق في ذلك من محاولة الجرجاني في تفسير العلاقات السياقية مقتبسا منه مصطلحي : التعليق والمعاني النحوية 55. وقد أصبح النحو بهذا ذا بعد دلالي واسع غير منحصر في ترتيبات شكلية لفظية ، كما رسم النحاة القدامى ، بل أصبح يهتم بكل أصناف الترتيبات اللفظية والدلالية . وقد دفعت هذه المحاولة ، الرائدة بحق في الكتابات المعاصرة ، العديد من الباحثين إلى القياس عليها والبحث عن مواطن الدلالة في البحث النحوي أو ما يسميه بعضهم بروح التركيب المستمد من المعنى ونسبة ما بين العناصر الخارجية 56.
    د ـ البعد النظري/ التوليدي : إذا كان هدف المحاولات السابقة هو إصلاح النحو العربي مما شابه من أخطاء و نقائص ،فإن هدف رواد التوليدية العرب هو خلق نحو جديد واصف للعربية اعتمادا على مبدإ تطوري أساسي: " فمهما كانت قيمة الأنحاء التي وضعها القدماء أو المحدثون لهذه اللغة أو لغيرها ،فإن هناك حاجة إلى إعادة بناء أنحاء أخرى ،أي آلات أخرى، وتتنبأ بها علاوة على أنها لا تحمل بنفس الجهاز المفاهيمي أو النظري"57 . وفي ظل السؤال المحوري للمشروع التوليدي المتعلق بمعرفة اللغة ، يميز بين معرفة اللغة الخاصة و بين الحالة الذهنية المشتركة بين جميع الكائنات . إذ إن " معرفة لغة ما يرصدها نحو توليدي خاص أو نظرية لحالة الذهن / الدماغ في مرحلة معينة. و أما النحو الكلي فهو نظرية للحالة الأولى، أو هو جهاز اكتساب اللغة الذي يتفاعل مع تجربة محدودة للوصول إلى لغة معينة "58 . لذا فكل دراسة لسانية تتوخى أمرين اثنين:
    ـ رصد مظاهر الملكة اللغوية العامة .
    ـ رصد الفروق النسقية بين اللغات التي تمثل تجسيدا للملكة الخاصة المكتسبة .
    وهكذا انطلقت المحاولات العربية ،إستنادا إلى التطبيقات الأخرى على اللغات المختلفة ، تبحث في مظاهر القدرة العربية مطبقة القواعد الكلية التي ابتدعتها النماذج التحويلية . وكل باحث يتغنى بنموذجه و كفايته التحليلية . حيث تختلف الإطارات المنهجية من باحث إلى آخر. وهكذا نجد الفاسي الفهري يتبنى منهج القواعد الوظيفية والمعجمية الذي وضعته الباحثة الأمريكية برزنن ويحاول تطبيقه على العربية 59. ويحاول مرتضى باقر تطبيق نظرية عالم الدلاليات جاكندوف على التراكيب العربية60. في حين يأخذ مازن الوعر بالإطار المنهجي للنظرية الدلالية التوليدية التي أسسها اللساني الأمريكي كوك61. ولعل تعدد هذه النماذج المقترح تطبيقها على العربية هو الذي جعل الوصف اللساني غير مستقر على صيغة معينة. لأن العمل اللساني العربي قد حصر نفسه في دائرة تطبيق القواعد الكلية الممثلة للملكة اللغوية العامة على الملكة العربية الخاصة. وهذا على الأقل هو ما عبر عنه أحد شيوخهم : " نهدف من خلال هذا العمل إلى وصف اللغة العربية الحالية وصفا كافيا يمكن من بناء نظرية للغة العـربية أو نحو يمثل الـملكة الباطـنية لمتكلم هذه اللغة ومستعملها"62. لكن ما النحو الذي يراد هنا ؟.لن يكون المقصود بالنحو هنا إلا المفهوم الشومسكاوي الذي سبق أن أوضحناه باعتباره نسقا من القواعد التركيبية والصرفية والصوتية والدلالية . ومن ثمة ، فالحديث عن نحو للعربية هو حديث عن نسق عربي من القواعد المختزنة في قدرة المتكلم العربي ، والتي لا تختلف في شموليتها عن قدرات الأناس الآخرين . لذا عمل المشروع التوليدي المعرب ، من خلال النمذجة والصورية على مقاربة مستويات الدرس اللغوي من خلال مكونات النحو التمثيلية ، بحثا عن الأسس الكلية و السمات الخاصة داخل لغة الضاد.
    وخلاصة القول ، فقد ظلت النماذج اللسانية المقترحة لوصف اللغة العربية تعاني من غياب رؤية واضحة للتعامل مع التراث اللساني العربي . فباستثناء بعض المحاولات الجريئة الداعية لخلق نموذج لساني عربي الرافد مع الاستفادة من الأطروحات الغربية 63، فإن الغائب الأكبر داخل كل المحاولات هو معالجة اللسان العربي من خلال استكناه أصول النظر النحوي القديم. إذ نتحدث عادة عن الأسس المعرفية /الفكرية التي بنيت عليها اللسانيات المعاصرة بمدارسها المختلفة ، في حين نهمل البحث عن ركائز الدرس النحوي الإيبستمولوجية. وبما أن استيعاب النماذج في أصولها ومساءلة أبعادها الإيبستمولوجية هو وحده السبيل إلى إغناء معرفتنا بأنفسنا ومعرفتنا بالآخر . فما يأتينا ليس مجرد مفاهيم عارية من أي غطاء حضاري ، بل هي نماذج معرفية تخفي داخلها نمط الحياة والموت وإنتاج القيم . وبتغييب هذه المفاهيم الثاوية ستظل قراءتنا لعمل الخليل والجرجاني والرازي ... وغيرهم ، قراءة ظاهرية تقف عند النتائج دون أن تنفذ إلى الأسس الثاوية وراء القول التراثي . و لذا نجد أن تعامل الدارسين المعاصرين مع المخزون النحوي القديم كان عبر آليتين متلازمتين:
    ـ آلية الإنتقاء تختار بموجبها الشواهد النحوية من متون الأقدمين لتعضد النموذج اللساني المعاصر وطريقته في معالجة اللغة العربية . ومن خلال هذه الآلية يصبح النحو العربي'منجما شواهديا' أكثر من معالجة علمية للغة طبيعية. واستدلالا على هذا يكفي مطالعة إنتاجات الوصفيين العرب أمثال تمام حسان وإبراهيم مصطفى... وغيرهما في انتقاء الآراء المؤيدة لتصورهم من عمق التراث ، حيث أصبح الجرجاني وابن مضاء رموزا مضيئة في "ظلمة" العقلية النحوية.
    ـ آلية الإسقاط المفاهيمي حيث تحاول الدراسات المعاصرة إعادة إنتاج النحو القديم بمفاهيم وقوالب لسانية حديثة ، أي تبرير المعالجة الحديثة من خلال القديم . وهذا يبرز من خلال المحاولة التي قدمها عبده الراجحي في بحثه عن الأسس اللسانية داخل النحو العربي، حيث أحصى الجوانب الوصفية في الكتابات النحوية، ثم أعقبها بإبراز المظاهر التحويلية داخلها.
    وعلى هذا المنوال سارت العديد من الكتابات الحديثة نذكر منها : "الأنماط التحويلية في النحو العربي" لحماسة عبد اللطيف ،و"نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث" لنهاد الموسى، و"الفكر اللساني في الحضارة العربية " لعبد السلام المسدي...وتشترك هذه الأبحاث في كونها تعيد إنتاج قول قديم بنظر معاصر، مما يعيق التواصل مع التراث النحوي القديم. و لعل أبرز مظاهر التعامل الإنتقائي / الإسقاطي مع الخطاب التراثي هو مجال النحو وحدوده العلمية والمعرفية . حيث ركزت كل الأقلام على أربعة أبعاد غابت في نصوص البحث القديم : النظري والوصفي والدلالي و الوظيفي ، دون أن تسائل النصوص التراثية عن الأسس الفكرية المنتجة لها .أو بمعنى آخر ، فقد ظل رهان كل اللسانيين العرب هو إثبات مشروعية اللسانيات العربية ، وكانت قراءتهم للتراث لا تعدو خدمة هذا المشروع . لذا لم يكن ممكنا الوقوف عند أصول المعرفة النحوية آنئذ، لكن الوقت حان لاستكشاف هذه الأصول حتى نتبين مدى المسافة التي تفصل الآلة الواصفة عن معطيات الدراسة. إذ إن كل الخطابات اللسانية لم تستطع أن تبلغ عمق النظر النحوي وإنما ظلت محصورة في الحديث النحوي الذي ليس إلا نتيجة نهائية لأسس معرفية و منهجية قائمة . والسبيل للوصول إلى ذلك هو مراجعة الأسئلة التي شغلت بال علماء السلف و التي سنكتشف أنها تختلف جذريا عن أسئلة اللسانيات المعاصرة، كما يظهر لنا أن الحديث عن لسانيات عربية معاصرة وهم من الأوهام "البيكونية" .
    الـــهـــوامــش :
    1 ـ أنظر :مادة(نحو) في معجم مقاييس اللغة لابن فارس5/403. تحقيق : عبد السلام هارون . ط1/ 1991م . دار الجيل . بيروت .
    :Syntaxe Générale .p105 _2 .André Martinet و قد ذهب العديد من الباحثين العرب إلى جعل النحو مرادفا للمصطلح الغربي syntaxe. إنظر:مناهج البحث في اللغة لتمام حسان.ص:228( دار الثقافة . البيضاء 1979م) . وترجمة يوسف عزيز لكتاب شومسكي (البنى النحوية) حيث جعل النحو مقابلا للصرف في حين ترجم Grammaire. بـ: نظام القواعد. أنظر :البنى النحوية. ص:13. الطبعة الثانية 1987. النجاح الجديدة.البيضاء.
    3 ـ اللسانيات و اللغة العربية :عبد القادر الفاسي الفهري.1/43.الطبعة الثانية 1988.دار توبقال .
    4 ـ نفسه : 1/45.
    5 ـ أنظر:الألسنية التوليدية و التحويلية وقواعد اللغة العربية (النظرية الألسنية):ميشال زكريا.ص:161. الطبعة الثانية1986.المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.بيروت.
    6 ـ الخلفية الفلسفية في النظرية التوليدية : بنكيران محمد الطيب.ص:46.مجلة عالم الفكر.المجلد الخامسو العشرون.العدد الثالث.1997
    7 ـ البناء الموازي :عبد القادر الفاسي الفهري.ص:17.ط1/ 1990م . دار توبقال . الدار البيضاء .
    8 ـ اللسانيات و اللغة العربية : 1/57
    9 ـ أصول النحو العربي في نظر النحاة و رأي ابن مضاء و ضوء علم اللغة الحديث:محمد عيد.الطبعة الرابعة.1989.عالم الكتب بيروت.
    10 ـ أنظر : الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل.للزمخشري.1/220. ترتيب وتصحيح : محمد حسين أحمد . ط3 . دار الكتاب العربي . بيروت
    11 ـ يقول الفارابي :"كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من من الألفاظ، و أسهلها على اللسان عند النطق ، وأحسنها مسموعا و إبانة عما في النفس و الذين عنهم نقلت اللغة العربية و بهم اقتدي و عنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم :قيس و تميم و أسد،فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ معظمه و عليهم اتكل في الغريب و في الإعراب و التصريف ،ثم هذيل و بعض كنانة و بعض الطائيين،و

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس أكتوبر 31, 2024 6:15 pm