منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    المكان بين واقعية التصوير وغرائبية التوظيف

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    المكان بين واقعية التصوير وغرائبية التوظيف Empty المكان بين واقعية التصوير وغرائبية التوظيف

    مُساهمة   الجمعة مارس 11, 2011 6:28 am

    [center]المكان بين واقعية التصوير وغرائبية التوظيف

    قراءة في"عفواً..لا زلت أحلم" لنورة الغامدي


    بقلم : د. حسين المناصرة
    جامعة الملك سعود



    1- أبعاد المكان





    إن الكتابة عن نورة الغامدي في مجموعتها القصصية " عفواً .. لا زلت احلم " تعني الدخول في عوالم متعددة من إشكاليات القصة القصيرة .. وهي عوالم تكمن أساسياتها في فعل المواجهة بين وعي المرأة سيدة " الحكاية الشعبية " وثيمات العالم المحيطة من إمكانيات لغوية وبيئية وزمنية وشخصانية ... ومثل هذه العوامل التي تمتلك شروط ثبوتها في بعض جوانبها، تصبح بكل تأكيد متغيرة في فضاءات المفارقة بين قاص وآخر .. وبين شرط تاريخي وآخر أيضاً...

    ولعل مواجهة مقاربة المكان في قصص المجموعة تعد من أبرز ملامح تموجات القصة القصيرة لدى الغامدي، حيث إنها تحتفل احتفالاً خاصاً بالمكان الذي يأتي محملاً بأبعاد تصويرية وملامح خرافية، تجعل من بصمات المكان علامات واضحة في القص، ومن ثمّ لا بد من تأمل كثير من العبارات المليئة بدلالات ترميزية، تجسد كثافة معينة لا بد أن يتصورها المتلقي في سياقات علاقة المرأة بمكان معين، قد لا يبدو مهماً من وجهة نظر الآخر ( الرجل أو الطفل على سبيل المثال ).

    ولو تأملنا العبارات الآتية في سياقاتها أو حتى بعيداً عن حقلها النصوصي، فإنها مقتطفات ستشكل وعياً مهماً يقرب طبيعة الأمكنة المتنوعة من فضاءات توظيف خاصة، يبقى فيها الجنوب فضاء عاماً تتشكل من خلاله الرؤية العامة للمكان:

    - تتحول ساحة المنزل الترابية إلى عجاج (ص6).

    - أكلّ هذه المساحات جافة؟ (ص10).

    - هل تود دفني في مكان أبعد من هذا (ص13).

    - قالوا : كيف تنبت نخلة فوق جبل بارد ( ص23).

    - نظراتها تستجدي الحائط المرتفع (...) كل الأبواب مغلقة (ص28).

    - لم يكن هناك غير صوتها في ذلك "الهو " الواسع (ص39).

    - كانت تحملك بيد وتبذر الأرض باليد الأخرى (...) تحرث ...

    تحصد ...لا تهاب أحدا (ص48).

    - للمرأة الجوز وإلا القوز ( ص58).

    - أخاف من الغرف الباردة (ص64).

    - إنه شبح (...) أعيدوا كل شبر أخذه إلى أصحابه (ص82).

    - الجموع تندفع مع اندفاعات المدينة التي تمددت كالإخطبوط (ص93).

    "درزن " العبارات السابقة مأخوذ من "درزن" القصص . ولعل تكثيف بعض أبعاد المكان في العبارات السابقة يشير بطريقة ما إلى أهم ما تراه هذه المقاربة حيوياً في فضاء المكان في المجموعة .. حيث تحضر عدة أمكنة على مستوى العبارة منها: ساحة المنزل، والمساحات الجافة، والمدفن، والجبل البارد، والحائط المرتفع، والهو، والأرض، والقوز، والغرفة الباردة، وشبر الأرض، والمدينة ...

    ولو حاولنا النظر إلى علاقة هذه الأمكنة بأشياء أخرى ملازمة، لوجدنا بعض التكوينات أو الأنساق المهمة التي تجعل الكتابة، مهما كان نوعها، إحالة إلى علائقية بين تكوينين أو طرفين وأكثر ، إذ يمكن الإشارة إلى بعضها من وجهة نظر القص على النحو الآتي :

    المساحة الجافة / الماء

    المدفن/ المرأة

    الهو / الاغتراب

    تشكيلات الأرض / حقيقة الحياة

    فهذه العلائق الإشكالية هي المركزية الحيوية التي تفرضها علاقة المكان بالإنسان على وجه الخصوص. وما يقدمه المكان لدى المجموعة هو بالتحديد تجليات المرأة في حضور تراجيديا حقيقة الحياة، التي تشكل الخوف والاغتراب النفسي دون إهمال السعي في مسلكية الخصب والأمان التي تعني تجليات الأرض بإنسانها على نحو من توصيف الحياة التي تحل بعد الخراب، كما هي الحال التي أصبحت عليها المدينة الجنوبية التي تطهرت من الظلم: " هادئة .. مزهرة .. خضراء .. يسكنها أناس لا تقفل أبوابهم . بل إنهم حيث يرون الضيف أو العابر يخرجون إليه حاملين المشاعل والزهور .. وهم يتنادون .. هيا يا رفاق ( ص83) " .

    ويبدو أن تحديد حضور المكان في ظل إشكاليتي الواقعية والغرائبية، يفضي بالكتابة إلى ممارسة وعي الاغتراب داخل المكان المألوف؛ ليصبح هذا المألوف من خلال الرفض والكسر العالم الذي تبحث عنه البطلة بالتحديد من خلال ثيمة التمرد بطريقة أو بأخرى كما سنلحظ من خلال ثيمة التمرد لكسر الاغتراب .


    2. التمرد لكسر الاغتراب



    في قصة " العصابة الحمراء " يمارس وعي الذاكرة من خلال الطفلة الغناء في صورة " نشيد يتردد بصوت متقطع ، أصداؤه تتجاوب عبر الوادي الذي يطل منزلنا عليه والرابض على ربوة شديدة الانحدار . . ومكاني فوق شجرة العرعر وسط ساحة المنزل الطيني الكبير لا يتغير( ص5)" ، فهذا الهدوء المتمثل في امتزاج الغناء بالمكان يتحول في لحظة الغبن إلى جنون، حيث تجن هذه الطفلة وهي ترى ابن عمها يتعلم في المدرسة وهي حبيسة هيكلية البيت وحبيسة الجهل الذي ترى الآخر يتجاوزه من خلال معرفة الكتابة، تقول عن ابن عمها :" يتعمد قهري وهو يحاول كتابة اسمي، انظري لقد كتبت اسمك .. تكويني الغيرة .. أتململ في مكاني.. أنا مصممة على أن أطلب من أبي أن يدخلني المدرسة (ص6-7)" .

    ومن خلال طقوسية المرأة/ الجدة ينجح تمرد البطلة الصغيرة في التغلب على هيمنة السلطة الأبوية الذكورية، وذلك عندما تضع الجدة عصابتها الحمراء في حجر ابنها لأجل أن يحقق طلبها، الذي هو السماح للبنت بدخول المدرسة التي أنشئت حديثاً في القرية .

    وفي السياق نفسه المفعم بالرمزية، نجد بطلة قصة " مس الماء " تتمرد على واقعها الذي تعيش فيه، وهو مكان كابوسي اغترابي جاف، يخلو تماماً من الماء الذي يجعل للحياة قيمة؛ لذلك يعلو صراخ البطلة وهي ترى الجفاف والصحراء تحيط بها،ثم تهرب بحثاً عن الماء، فتلحق السراب، وتحفر في أمكنة عديدة حيث ترى موتها في البقاء بعيدة عن الماء: " سأموت لو لم أشرب الماء ( ص11)" .

    ولكن هناك شبح مشابه إلى حد ما للرجل، يركض وراءها وهو يصرخ فيها؛ كي لا تشرب الماء؛ لأنه سيقتلها : " قلت لك ستموتين ابتعدي عن الماء( ص 12) " .

    ومن خلال الصراع الدرامي الرمزي بين الذات والآخر، حيث التناقض حول مسألة كون الماء سببا للحياة أو سبباً للموت، ينتصر وعي البطلة بحقيقة جوهر الماء الباعث للحياة، لذلك تصل إلى حفرة الماء، وتمارس طقوسية الحياة المتضادة مع الجفاف التي يريدها لها الآخر :" غمست يديها في الماء .. برودته تجري في جسدها.. حرارة الرمل تلاشت (..) تجلس على حافة الحفرة .. تدلس قدميها في الماء... تعبئ يدها .. تغافل الأعين التي تراقبها .. ترطب شفتيها المحترقتين .. وتستلقي من جديد وعيناها تضمان الفضاء ... وشفتاها تستعذبان مس الماء(ص12)". وكأن الماء هنا رمز للحياة والجمال والحب !!

    نجد في القصتين السابقتين صورتين متضادتين للمكان، ففي قصة العصابة الحمراء يبدو المكان مألوفاً تتحرك فيه آليات القرية بعاداتها التي تفرق بين المذكر والمؤنث في التعليم الثيمة المحورية التي تلتقطها القاصة؛ لتكشف من خلالها تمرد الطفلة من أجل التوازي مع المذكر في هذه المسألة الضرورية . لكن قصة " مس الماء" جاءت لتصور مكاناً ترميزياً غير مألوف. وما صورة الجفاف المستحكمة بالمكان المحيط بالمرأة سوى حالة من الاغتراب والسجن الذكوري، الذي سعت المرأة للتمرد عليه بحثاً عن الحياة والحرية والخصب، ومن ثمّ كشف أكذوبة الحياة البعيدة عن الماء/ الحب أساس الوجود ... وبذلك يصبح التمرد في القصتين تمرداً مشروعاً وحقيقياً؛ لأنه تمرد من أجل المعرفة، ومن أجل الحرية في التفاعل مع ديناميات الحياة المتجسدة في الماء الواقع والرمز معاً...

    وفي قصة ثالثة مهمة بعنوان " اليقين "، يجيء الكسر أو التمرد على المألوف من خلال الرمز أيضاً، تحقيقاً للوعي الاغترابي الذي هو أساس المعرفة والتجلي الأسطوري في الكتابة المعاصرة .. وذلك عندما نجد البطلة في علاقة اندماجية مع ما يعتقده الناس خرافة وخارجاً عن المألوف .. إذ تمارس البطلة فعل المفارقة بينها وبين الآخرين في التفاعل مع ثقافة مكانية غير مألوفة من وجهة نظر الآخر، الذي قد يتصور مثل هذا التفاعل حالة من حالات الجنون على غرار: " أعيدوها أعيدوها الكنود المجنونة " ( ص25)

    ولكن "الكنود" لا تعترف بأنها مجنونة، بل هي متمردة ترفض وعيهم المألوف وسياقهم العادي، وتقرر أن الغربة/ الغرابة هي الوعي الحقيقي، وأنها مصيرها الذي يجب أن تتمسك به: " لا لن أعود لن أكون مثلهم أولئك الذين يخشون بذرها .. كلهم يرونها غريبة مشئومة .. قالوا إنها روح سكنت في غير مكانها .. قالوا كيف تنبت نخلة فوق جبل بارد ؟ ( ص23)" .

    فالنخلة الغريبة المشؤومة المرفوضة والمخيفة من وجهة نظر الآخر، تصبح هدف الكنود ومصيرها الذي يتحقق من خلاله تمردها وإنجازها الذي يرفض الآخر عندما يكون أداة قمعية تجاه نخلة غريبة أو امرأة غريبة .. وهنا تتحقق مقولة " وكل غريب للغريب قريب" .. لذلك تحاول الكنود الصعود إلى النخلة وما أن تجدها عنيدة حتى تكتفي بتمرة واحدة تسقط في حجرها؛ لتتمظهر هذه التمرة وكأنها سر الحياة وسبب قوتها...

    تبحث البطلة عن أحق الناس بهذه التمرة فتستعرض الآخر في هذا السياق .. فتجد صورة الأب: " يحمل عصا سوداء هشتني كما تهش شاة عجفاء صوب مربطها .. يد قاسية تضربني تضرب وجه أمي .. وصوت أجش يصرخ ... مجنون من ترك عنق امرأة يرتفع ( ص 34)". وتجد صورة الأم تتلخص في تنفيذ قوانين الأب بغباء .. أما الحبيب فهو مؤذ لأنه صاحب " عقدة دونجوانية " .. وما أن تتعاطف مع المذكر فلا تجد غير معوق يطلب منها صورة صحيفة لكرسي متحرك، وما أن تتعاطف مع صديقتها صبا حيث المشابهة الاجتماعية والنفسية حتى تخرج من دائرة التعاطف هذه؛ لتجد نفسها الوحيدة المستحقة للتمرة.. فتبتلعها .. مما يثير الآخر ويحقق غضبه .. ولكنها على المستوى الذاتي قد تتحول إلى " مخلوقة أخرى ، لؤلؤه تضيء شواطئ الدنيا( ص25) " ، كما كانت تتوقع لأمها فيما لو أعطتها التمرة..

    القصص الثلاث السابقة مليئة بالدلالات الرمزية، التي تجعل صورة المرأة الإيجابية تتحقق من خلال تمردها على سياقات ما يحيكه لها وعي الذكورة، سواء أكان أباً أم زوجاً أم مجتمعاً .. من قيود تصور حياة المرأة منسوجة من خلال جهلها والتزام بيتها..

    وقد جاء وعي المرأة البطلة مشدوداً إلى أنساق تفعيل حياتها من خلال تعميق المساواة والحرية وتجاوز المألوف ..وبذلك لم تكن ظاهرة التمرد سلبية إطلاقاً، وإنما جاءت ذات وعي أخلاقي ومشروع، حيث التمرد لأجل العلم و المعرفة والاندماج بفاعلية بالحياة...

    وسنخرج من هذا الوعي المتمرد الحيوي إلى البحث عن المفارقة بين الرجل والمرأة، عندما تصور المرأة على أساس أنها علة التعمير في الوجود، في حين يصور الرجل في سياق التخريب من وجهة نظر القص .. مما يحقق الكسر لما شاع في الأدبيات الشعبية والرسمية عن كون المرأة ثيمة تخريب وتحالف مع الشيطان...




    3 - جدلية التخريب والتعمير



    يوجد عدة قصص في المجموعة تحيل الخراب في الحياة إلى الرجل، وتجعل المرأة مركزية التعمير ... يبدو أن تتبع هذه الثيمة المركزية والمحورية في القصص يحتاج إلى مساحة فضفاضة، لذلك سيتم الاقتصار على أهم العناصر .



    تكشف قصة "روح برقان تعيد ترتيب القرية" عن فضاء إنساني متخيل، أتقنت القاصة آلية التعبيرعنه لتجسيد الهوة العميقة بين الشر والخير .. وأن الشر من صنع الرجل .. والخير إلى حد ما من صنع المرأة ...

    كان برقان صورة من صور الشر القبيحة في حياته؛ حيث كان بارعاً في السطو وسرقة أراضي الآخرين من خلال تغيير الحدود التي بين أرضه وأراضيهم، وبالذات بين أرضه وأرض امرأة عجوز ..

    يحدث التغيير الحاد في شخصية برقان بعد موته؛ أي بعد أن يواجه عذاب القبر، لذلك تظهر صور صراخه، وأنينه، ورائحته المنتنة، وهيكليته الشبحية في القرية؛ مما يخرب القرية، ويشرد أكثر أهلها، ولا يصبح أمام الناس سوى البحث عن طريق للقاء برقان الميت ومعرفة ما الذي يريده من القرية...

    من خلال قدرة بارعة في تصوير اللقاء بين الأحياء والأموات، يحدث اللقاء بين برقان وأحد رجال القرية؛ فيعرف منه مطالبه التي تتلخص في: أن يعيدوا كل شبر أخذه من أرض الآخرين، حيث يتطابق كلامه هذا مع ما قالته زوجه بعد وفاته .. يقول الرجل الذي التقاه ليلاً :" قال نفس ما قالته زوجته كان يرجوني بإلحاح .. أعيدوا كل شبر أخذته إلى أصحابه ..أعيدوا الحدود إلى ما كانت عليه سابقاً .. أريحوني ( ص82)" .

    وما أن تعاد الحقوق إلى أصحابها، حتى تهدأ روح برقان، ويحل العمار والعدل محل الخراب والظلم في القرية، التي تتحول في نهاية القصة إلى مدينة صغيرة جميلة ..

    كذلك يعترف الأب لابنه في قصة " دماء لبقايا المواعيد " عن الفرق الجوهري بينه وزوجه/ الأم في تأسيس ملك الابن :" أبي قال لولا تلك المرأة التي هي أمك لما صار لي ملك .. كانت تحملك بيد وتبذر الأرض باليد الأخرى .. كان رجال القرية يتحرقون كمداً .. لقد أرادها كل الرجال .. أتعرف لماذا يا ولدي؛ لأنني أنام أكثر مما ينام الآخرون، وهي قائمة على ملكي تحرسه بعين ذئبة جريئة تتوسطهم .. تحرث .. تحصد .. لا تهاب أحداً .. من أجل أن أنام إنا ( ص48)".

    تحرص هذه القصة على تعميق فاعلية الارتباط بين المرأة والأرض في مقابل الغياب الفاعل للمذكر، سواء أكان أباً أم ابناً، لذلك تبقي الأرض حية من خلال إنتاجية المرأة التي تتحول بفعل غياب الآخر/ الرجل إلى حالة من حالات الانتظار الذي يتشكل في مواعيد دامية مقتولة يائسة وآملة في الوقت نفسه .. فالمرأة التي تعمر الحياة لا يمكن أن تستغني عن الرجل ...فمع الرعد ندرك كيف يصبح البحث عن الرجال ضرورياً للمرأتين الأم والزوجة ..وهنا يستمر الأمل للبحث عن الزمن الذي سيعود في الرجال رجالاً : " تضم العباءة المقصّبة بيد .. وترفع حجابها باليد الأخرى رباه .. أعد ولدي .. أعده من أجل أن يعود الرجال رجالاً .. الرجال رجالاً . ترقب اندفاع الصغير خلف العجوز .. ومع الرعد تردد كلمات العجوز : من أجل أن يعود الرجال رجالاً .. الرجال رجالاً ( ص54) " .

    ولا يكتفي الرجل بكونه آلية تخريب أو آلية غياب على مستوى التفاعل مع الأرض، وإنما هو السبب المباشر في تعميق مأساة المرأة إلى حد الجنون والموت، وذلك عندما يجعل حبها له النعش الذي تحمل به إلى القبر، ويجعل حبها لابنها أرضية للانتقام منها...

    تقدم قصة الحمامة امرأة اغتراب نفسي حقيقي لدى مجموعة من النساء، يراجعن إحدى العيادات النفسية. وهذا الاغتراب سببه المباشر تصرفات الرجال التي تعقّد النساء وتجعلهن بكاءات في بداية كل ليلة.. وتتجلى فاعلية هذه القصة من خلال توظيف الحكاية الشعبية التي تنبثق من وعي تبعية المرأة للرجل:"الرجل هو كل شيء للمرأة وأن المرأة بدونه كالقشة في مهب الريح. هناك مثل شعبي يتردد في قريتنا يقول:" للمرأة الزوج وإلا القوز( ص 58)" .

    يقوم أحمد بدوي بطل الحكاية الشعبية بخداع الحمامة التي تحب ابنها( ص 58) وذلك عندما يقدم لها عقداً ثميناً، ويسرق المشط الذي قرنت به روح الصغير، الذي وضعته الحمامة تحت جناح والمشط تحت الجناح الآخر .. يلقي احمد بدوي المشط في البحر، فيموت الصغير، ولا يبقى أمام الحمامة سوى البكاء على ما آلت إليه من المأساة، وهي لا تملك سوى أن تردد:

    " تو تو تو تو تو تو تو تو

    آه يا أحمد بدوي رد لي مشطي

    وخشرجمة ولدي تو تو تو

    وبعد ذهبك عني تو تو تو

    آه يا أحمد بدوي ردلي مشطي

    تو تو تو

    فإذا كان الصغير سبب الشقاء لأمه من خلال فاعلية اضطهاده من خلال الرجل، فإن هذا الصغير بعد أن يكبر يمارس الدور نفسه.. حيث نجد في قصة " وجلس قليلاً" كيف يتحول البطل "كامل" إلى الموت في حياته وموته.. إذ نجد صراعاً بين امرأتين صغيرة وكبيرة حول من الأم الحقيقية لكامل.. ثم نكتشف أنه ابن العجوز وزوج المرأة الصغيرة، وأنه مات من وجهة نظر الأم ولم يمت من وجهة نظر الزوجة التي تدعي أنه ابنها، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن حياً حتى يقال عنه إنه ميت، وحتى لو كان حياً فإنه يتلخص بهذه المقولة التي هي افتتاحية القصة :" يا لك من ضئيل وعربيد( ص 39)"، من وجهة نظر الزوجة على الأقل.

    فغياب كامل الدائم هو الذي يجعل المرأة في مواجه حادة مع المكان، الذي تتحقق فيه هيمنة " الهو " والصوت الاغترابي : " لم يكن هناك غير صوتها في ذلك الهو الواسع ورأسها الذي تحوم في أعلاه عينان كبيرتان تنتقل ما بين ساعة الحائط وبين ذلك الهيكل الماثل أمامه ( ص39 )".

    إن الغياب الدائم لكامل رمز الرجل يصبح الشقاء المطلق للمرأتين والنساء عموماً، كما يظهر من خلال المحاورة الدالة بين الزوجة والأم ومجموعة النساء :" تخيلي يا أم كامل كان لا يحدث رفاقه عني لا يذكرني حتى بينه وبين نفسه أليس هذا ابناً عاقاً .. ابناً سيئاً ؟ تنهدت المرأة العجوز بألم .. ليس فيهم يا ابنتي إلا التعب منذ الولادة حتى الموت (..) كان يتركني لقلق قاتل .. ليال طوال وأيام وأنا انتظره وانتن تعرفن أيها السيدات كم يحرق الانتظار . هزت النساء رؤوسهن وارتفعت التأوهات هتفت إحداهن الانتظار أشبه بموت بطيء(ص 43-44) " .

    فالمرأة كما هو يلحظ تتشاكل مع الأرض من خلال كونهما كائنين استغرابيين مرغوب فيهما، وفي الوقت نفسه يمارس الرجل ضد جسديهما وروحيهما التدمير والتخريب الذي يصل إلى حدود القتل، كما سنلحظ من خلال تفاعل المكان مع إشكالية الموت أو الدفن، وبخاصة أن القاصة تتنبه لحقيقة العلاقة بين القبر والمرأة في ظل الوعي الاجتماعي المنحاز الذي يحصرها في دائرتي الزواج والموت "المرأة للزوج وإلا للقوز" كما يرد في القصة...




    4.التراب والمرأة



    التراب هو المكان النهائي الذي يحقق تلاشي الإنسان، لكن المسألة المهمة تكمن في الطريقة التي تنتهي بها الحياة .. ويبدو أن وعي القصص بالموت جاء مهما من خلال قصة "روح برقان تعيد ترتيب القرية "، حيث ارتكز هذا الوعي على ما يوجد في الحياة الأخرى من ثواب وعقاب لما يقوم به الإنسان في الحياة الدنيا ..

    وفي قصة أخرى بعنوان "موت بنت الجيران " تجيء قضية الموت أكثر مأساوية، وذلك عندما يقابل الحب بالموت؛ فبنت الجيران أحبت رجلاً متزوجاً، ولديه ابنة كبيرة وزوجة وأم.. بل إنه هو الذي أوقعها في حبه في سياق التلاعب بعواطفها، وما أن تطالبه بالزواج حتى يجد نفسه في النهاية يقتلها ويدفنها؛ ليدفن السر معها:" طوق عنقها بأصابعه .. حاولت الإفلات .. لكن الضغط كان متوحشاً .. أخذ يضغط ويضغط .. اندفع الدم من فمها أطلقها فجأة .. على صرخة طفلة تنطلق من خرم ماسورة الماء . كانت تلك الصرخة هي كل تلك الضجة التي ثارت حول تلك الحادثة ."( ص 69)

    الوحيدة التي عرفت بقصة الحب هي ابنة الرجل؛ قالت لها بنت الجيران قبل موتها: "الشيء الوحيد الذي في جسدي هو حب مجنون لوالدك( ص70)". من هنا يرتبط الحب بالموت لدى الابنة التي تصبح في حالة خوف دائم :" طوقت عنقها بيديها .. عضت بأسنانها مخدتها.. تلوت كالمسمومة .. لا..لا..لا.. لا أريد أن أموت .. لا أريد أن أحب (ص66)" .

    وتنتهي القصة والابنة تحاول قتل أبيها على ما اقترفت يداه:" وقبل أن تجف مياه قبر بنت الجيران..كانت قد أنشبت أظافرها في شعر والدها، وهي تعوي ككلاب الليل الخرساء (ص 70)".

    كذلك تكشف قصة " ألف سين نون وثلاث راءات "عن علاقة حميمة بين التراب والمرأة في تفعيل الموت من وجهة نظر الرجل، الذي يسعى دائماً إلى التخلص من المرأة فعلياً أو مجازياً من خلال إخفائها، وهي لا تملك غير التساؤل العاري من المقاومة :"هل تود دفني في مكان أبعد من هذا ( ص13) " ؟!

    تقدم هذه القصة المرأة جسداً يفوح منه عفن الأرض.. ويندثر تحت التراب كحال بطلة القصة، التي تصور نفسها على نحو :" وضعت رأسي على حفنة التراب .. آه تراب تحت وتراب يأتي من الأعلى .. ومن هنا وهناك وكلما جاءت راء أخرى كلما غمر التراب هذا الجسد اللدن تراب وراء تراب وراء تراب وراء ... والقبر يكبر واللحم يتحلل ليبرز العظم اكثر ويبقى السؤال: لماذا لماذا بداخلي سبعون عبداً مكبلون (ص15-16) ".

    و في قصة " المخدة " عندما يعجز الرجل عن قتل المرأة الزوجة، نجده يمارس القتل على مخدتها التي يجعلها أشلاء لتخوفه من خيانة المرأة وشكوكه عن العلاقة الحميمة بينها وبين مخدتها، التي أصبحت ونيسها في غربتها الناشئة عن غيابه وزواجه من أخرى ( ينظر قصة مخدتي، ص38).

    من خلال ما سبق، نكتشف أن المرأة تتحول إلى ضحية من ضحايا الرجل، ولكنها قد لا تكون ضحية سهلة؛ حيث نجد الابنة تحاول قتل الأب القاتل، ونجد الرجل يقتل المخدة لأنه لا يجد سهولة في قتل المرأة، وكذلك تستعصي المرأة على الموت تحت تراكمات التراب المجازي الذي يعني العبودية والاستلاب؛ ليبقى لديها ما ينمو؛ ليعيش في حرية، وأن الموت لا يمكن أن يتحقق - كما تقول البطلة للرجل- إلا " بعد أن تقطع جلدي ولحمي رمياً بالرصاص ( ص21)".




    5- المدينة القاسية



    ترسم القاصة في قصتين صورة سلبية للمدينة الحديثة، عندما تصورها في صورة آلية تطحن الضعفاء والجائعين، أو في صورة استعراضية استهلاكية تبعث على الجنون الذي يضطهد بساطة الإنسانية المتمثلة في معيشة القرية ..

    فالمدينة المزدحمة بالسيارات تجيء في قصة "احتجاج" غير رحيمة، وهي تفقد قطة جائعة عقلها بعد أن تقتل هذه المدينة حمالاً عجوزاً .. إذ تقوم سيارة مسرعة بقتل الحمال، مما يجعل القطة الجائعة أمام هول ما رأت تسقط ابنها الصغير من فمها، وتبقر بطنه، وتأكل أحشاءه .

    وفي قصة "المسمار"، لا تستطيع المدينة الكبيرة توفير المعيشة لأم وابنها من خلال العمل.. لذلك لا يبقى أمامهما إلا البحث عن بقايا النفايات، حيث تنتهي القصة والطفل يهذي لامه قبيل نومه: " أمي هناك صندوق قمامة كبير لنراقبه(ص12)" .

    وفي الوقت الذي تكون فيه المدينة من وجهة نظر الخالة - ساكنة المدينة - منظمة " بالكمبيوتر "، لا تبدو من خلال تصرفات الراوية الساردة القادمة من الريف سوى المكان الاستعراضي الذي ترى فيه نفسها في صورة غريبة بعد أن تدخل معرض أحذية، فتتصور نفسها تتحدث مع امرأة أخرى، ولا تكون هذه المرأة الأخرى إلا صورتها في المرآة، قال لها البائع :" خير يا أمي أنت من زمان جالسه تتكلمي مع نفسك". ولم تكن هذه الأم سوى طالبة في المدرسة الثانوية...

    القاصة لا ترفض المدينة لكونها مدينة، وإنما لكونها مدينة آلية مادية قاسية، وغير أنيسة عندما تكون كبيرة الحجم، لكنها عندما تكون صغيرة مشابهة للقرية فإنها مدينة ريفية كما يظهر من خلال تصويرها للمدينة الجنوبية ..

    المدينة بالنسبة على القطة مكان للموت وأسوار مغلقة، لذلك ترى القطة الرصيف صاخباً إلى درجة الموت، ويتساءل الحمال العجوز عن علاقة قديمة حميمة له بالمدينة؛ فيقول :" أهكذا تنفي المدينة مؤنسيها القدماء(ص28) " .

    وكذلك تتأمل أم الطفل أحد الأسوار بسخرية واضحة: " تتأمل الشكل العجيب للسور تلمسته بحذر .. وكان صوتها في داخلها يسألها .. أيعقل أن يكون هذا من فعل البشر (ص 88)" ؟! في حين لا تملك ما تطعم به ابنها الجائع ...

    وتقارن الراوية الساردة بين محل الأحذية والمدرسة التي تدرس بها، فترى المفارقة شاسعة :" أدلف إلى أول متجر قابلته .. كان واسعاً .. بهياً .. إنه محل فخم لبيع الأحذية (..) كل حذاء يتخذ مجلسه بكبرياء .. اقتربت أكثر سآخذ هذه لا بل هذه سألبسها في المدرسة حقيقة هي أشبه ما تكون بقبو من حجارة وطين وشمس لاهبة وقوارض ( ص 97) " .

    إذا كانت هذه الصور مبالغاً فيها؛ فإن وظيفة القص أو الحكي تكمن في تعميق مثل هذه المبالغة، حتى تتحقق غرائبية المكان، من أجل كسر المألوف، ومن ثمّ من حق وعي القص أن يختار رؤاه التي يصور بها جوهره التنويري في طرح رؤية للعالم من خلال الوعي بالدرجة الأولى.

    6- الحركية المكانية اللغوية



    إن التوقف عند بدايات قصص المجموعة، يكشف عن سياق مكاني لغوي محكوم بالتوتر، والخوف، والهروب، والسجن، والصداع، والدماء، والبكاء، والدمار .. فالمرأة جسد له نشيد في مكان منزو يتردد بصوت متقطع .. وهي في مكان كابوسي جاف تركض لساعات طويلة تبحث عن الماء، وهي تفيق على حبال رجل ومساميره ومطارقه الدقيقة؛ حيث يربطها على مكانية خاصة هي ظهره. وهي تعيش وعي الإشاعات الرائجة على الأفواه في القرية الجبلية، وتعايش قلق الموت والخلل في تكوينها بصفتها إنساناً، وضالة الآخر وعربيديته، ودماء تسيل إثر مواعيد كاذبة، وبكاء قبل النوم، وخوفاً ودماراً، وأكاذيب وعبثية مسمار ...إن مثل هذه الصياغات المتشكلة في بدايات القصص لتؤكد أن مكانية اللغة في الافتتاحيات تجسد وعياً ونفسية في حالة تأزم من بداية القصص إلى نهايتها.

    وإذا انطلقنا من البدايات إلى التوقف عند النهايات القصصية لمعرفة ما آلت إليه هذه البدايات التي تنطلق من حقل مأزوم .. ومعنى التساؤل عن وعي نهايات القصص يجيء لمعرفة مدى تخلصها من وعي البدايات أو مدى محافظتها على هذا الوعي لبناء قصة تنتهي كما بدأت في انفتاحها على المأساة أو التحول إلى الأفضل إيجابياً ؛ إذ إن هناك سياقين في لغة النهاية:

    أحدهما سياق التحول الإيجابي، حيث نجد النشيد المتقطع يتحول إلى هتاف، والركض إلى استقرار وماء، والموت إلى حياة، والخوف إلى ثقة بالذات، والغياب إلى حضور يشعّ بضوء أخضر، ويتحول الدمار إلى زهور ..

    والآخر تعيد فيه نهايات القصص صياغة بداياتها بطريقة أكثر مأساوية أحياناً؛ حيث يتحول القلق والجوع إلى جنون يبقر بطن الابن ويأكل أحشاءه، وتصبح المخدة في النهاية أشلاء، وتبقى الحمامة امرأة تعاني من الرجل، وتبقى المرأة تعوي ككلاب الليل الخرساء، أو تراقب صندوق قمامة، أو تتكلم مع نفسها كما بدأت..

    وأمام حقلي النهاية، يمكن التوقع بحركيتين مكانيتين اتخذتا وعيين: أحدهما تأكيد التكرارية، والأخر الانزياح نحو محاولة تشكيل وعي أكثر تفاؤلية وألفة تجاه المكان والعلاقة بين الرجل والمرأة، مما يتواشج مع العنوان الذي يصر على " الحلم".

    ---------------------------------
    * نورة الغامدي:عفواً لا زلت أحلم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت،ط1،1995.


    المكان بين واقعية التصوير وغرائبية التوظيف

    قراءة في"عفواً..لا زلت أحلم" لنورة الغامدي







    1- أبعاد المكان





    إن الكتابة عن نورة الغامدي في مجموعتها القصصية " عفواً .. لا زلت احلم " تعني الدخول في عوالم متعددة من إشكاليات القصة القصيرة .. وهي عوالم تكمن أساسياتها في فعل المواجهة بين وعي المرأة سيدة " الحكاية الشعبية " وثيمات العالم المحيطة من إمكانيات لغوية وبيئية وزمنية وشخصانية ... ومثل هذه العوامل التي تمتلك شروط ثبوتها في بعض جوانبها، تصبح بكل تأكيد متغيرة في فضاءات المفارقة بين قاص وآخر .. وبين شرط تاريخي وآخر أيضاً...

    ولعل مواجهة مقاربة المكان في قصص المجموعة تعد من أبرز ملامح تموجات القصة القصيرة لدى الغامدي، حيث إنها تحتفل احتفالاً خاصاً بالمكان الذي يأتي محملاً بأبعاد تصويرية وملامح خرافية، تجعل من بصمات المكان علامات واضحة في القص، ومن ثمّ لا بد من تأمل كثير من العبارات المليئة بدلالات ترميزية، تجسد كثافة معينة لا بد أن يتصورها المتلقي في سياقات علاقة المرأة بمكان معين، قد لا يبدو مهماً من وجهة نظر الآخر ( الرجل أو الطفل على سبيل المثال ).

    ولو تأملنا العبارات الآتية في سياقاتها أو حتى بعيداً عن حقلها النصوصي، فإنها مقتطفات ستشكل وعياً مهماً يقرب طبيعة الأمكنة المتنوعة من فضاءات توظيف خاصة، يبقى فيها الجنوب فضاء عاماً تتشكل من خلاله الرؤية العامة للمكان:

    - تتحول ساحة المنزل الترابية إلى عجاج (ص6).

    - أكلّ هذه المساحات جافة؟ (ص10).

    - هل تود دفني في مكان أبعد من هذا (ص13).

    - قالوا : كيف تنبت نخلة فوق جبل بارد ( ص23).

    - نظراتها تستجدي الحائط المرتفع (...) كل الأبواب مغلقة (ص28).

    - لم يكن هناك غير صوتها في ذلك "الهو " الواسع (ص39).

    - كانت تحملك بيد وتبذر الأرض باليد الأخرى (...) تحرث ...

    تحصد ...لا تهاب أحدا (ص48).

    - للمرأة الجوز وإلا القوز ( ص58).

    - أخاف من الغرف الباردة (ص64).

    - إنه شبح (...) أعيدوا كل شبر أخذه إلى أصحابه (ص82).

    - الجموع تندفع مع اندفاعات المدينة التي تمددت كالإخطبوط (ص93).

    "درزن " العبارات السابقة مأخوذ من "درزن" القصص . ولعل تكثيف بعض أبعاد المكان في العبارات السابقة يشير بطريقة ما إلى أهم ما تراه هذه المقاربة حيوياً في فضاء المكان في المجموعة .. حيث تحضر عدة أمكنة على مستوى العبارة منها: ساحة المنزل، والمساحات الجافة، والمدفن، والجبل البارد، والحائط المرتفع، والهو، والأرض، والقوز، والغرفة الباردة، وشبر الأرض، والمدينة ...

    ولو حاولنا النظر إلى علاقة هذه الأمكنة بأشياء أخرى ملازمة، لوجدنا بعض التكوينات أو الأنساق المهمة التي تجعل الكتابة، مهما كان نوعها، إحالة إلى علائقية بين تكوينين أو طرفين وأكثر ، إذ يمكن الإشارة إلى بعضها من وجهة نظر القص على النحو الآتي :

    المساحة الجافة / الماء

    المدفن/ المرأة

    الهو / الاغتراب

    تشكيلات الأرض / حقيقة الحياة

    فهذه العلائق الإشكالية هي المركزية الحيوية التي تفرضها علاقة المكان بالإنسان على وجه الخصوص. وما يقدمه المكان لدى المجموعة هو بالتحديد تجليات المرأة في حضور تراجيديا حقيقة الحياة، التي تشكل الخوف والاغتراب النفسي دون إهمال السعي في مسلكية الخصب والأمان التي تعني تجليات الأرض بإنسانها على نحو من توصيف الحياة التي تحل بعد الخراب، كما هي الحال التي أصبحت عليها المدينة الجنوبية التي تطهرت من الظلم: " هادئة .. مزهرة .. خضراء .. يسكنها أناس لا تقفل أبوابهم . بل إنهم حيث يرون الضيف أو العابر يخرجون إليه حاملين المشاعل والزهور .. وهم يتنادون .. هيا يا رفاق ( ص83) " .

    ويبدو أن تحديد حضور المكان في ظل إشكاليتي الواقعية والغرائبية، يفضي بالكتابة إلى ممارسة وعي الاغتراب داخل المكان المألوف؛ ليصبح هذا المألوف من خلال الرفض والكسر العالم الذي تبحث عنه البطلة بالتحديد من خلال ثيمة التمرد بطريقة أو بأخرى كما سنلحظ من خلال ثيمة التمرد لكسر الاغتراب .



    2. التمرد لكسر الاغتراب



    في قصة " العصابة الحمراء " يمارس وعي الذاكرة من خلال الطفلة الغناء في صورة " نشيد يتردد بصوت متقطع ، أصداؤه تتجاوب عبر الوادي الذي يطل منزلنا عليه والرابض على ربوة شديدة الانحدار . . ومكاني فوق شجرة العرعر وسط ساحة المنزل الطيني الكبير لا يتغير( ص5)" ، فهذا الهدوء المتمثل في امتزاج الغناء بالمكان يتحول في لحظة الغبن إلى جنون، حيث تجن هذه الطفلة وهي ترى ابن عمها يتعلم في المدرسة وهي حبيسة هيكلية البيت وحبيسة الجهل الذي ترى الآخر يتجاوزه من خلال معرفة الكتابة، تقول عن ابن عمها :" يتعمد قهري وهو يحاول كتابة اسمي، انظري لقد كتبت اسمك .. تكويني الغيرة .. أتململ في مكاني.. أنا مصممة على أن أطلب من أبي أن يدخلني المدرسة (ص6-7)" .

    ومن خلال طقوسية المرأة/ الجدة ينجح تمرد البطلة الصغيرة في التغلب على هيمنة السلطة الأبوية الذكورية، وذلك عندما تضع الجدة عصابتها الحمراء في حجر ابنها لأجل أن يحقق طلبها، الذي هو السماح للبنت بدخول المدرسة التي أنشئت حديثاً في القرية .

    وفي السياق نفسه المفعم بالرمزية، نجد بطلة قصة " مس الماء " تتمرد على واقعها الذي تعيش فيه، وهو مكان كابوسي اغترابي جاف، يخلو تماماً من الماء الذي يجعل للحياة قيمة؛ لذلك يعلو صراخ البطلة وهي ترى الجفاف والصحراء تحيط بها،ثم تهرب بحثاً عن الماء، فتلحق السراب، وتحفر في أمكنة عديدة حيث ترى موتها في البقاء بعيدة عن الماء: " سأموت لو لم أشرب الماء ( ص11)" .

    ولكن هناك شبح مشابه إلى حد ما للرجل، يركض وراءها وهو يصرخ فيها؛ كي لا تشرب الماء؛ لأنه سيقتلها : " قلت لك ستموتين ابتعدي عن الماء( ص 12) " .

    ومن خلال الصراع الدرامي الرمزي بين الذات والآخر، حيث التناقض حول مسألة كون الماء سببا للحياة أو سبباً للموت، ينتصر وعي البطلة بحقيقة جوهر الماء الباعث للحياة، لذلك تصل إلى حفرة الماء، وتمارس طقوسية الحياة المتضادة مع الجفاف التي يريدها لها الآخر :" غمست يديها في الماء .. برودته تجري في جسدها.. حرارة الرمل تلاشت (..) تجلس على حافة الحفرة .. تدلس قدميها في الماء... تعبئ يدها .. تغافل الأعين التي تراقبها .. ترطب شفتيها المحترقتين .. وتستلقي من جديد وعيناها تضمان الفضاء ... وشفتاها تستعذبان مس الماء(ص12)". وكأن الماء هنا رمز للحياة والجمال والحب !!

    نجد في القصتين السابقتين صورتين متضادتين للمكان، ففي قصة العصابة الحمراء يبدو المكان مألوفاً تتحرك فيه آليات القرية بعاداتها التي تفرق بين المذكر والمؤنث في التعليم الثيمة المحورية التي تلتقطها القاصة؛ لتكشف من خلالها تمرد الطفلة من أجل التوازي مع المذكر في هذه المسألة الضرورية . لكن قصة " مس الماء" جاءت لتصور مكاناً ترميزياً غير مألوف. وما صورة الجفاف المستحكمة بالمكان المحيط بالمرأة سوى حالة من الاغتراب والسجن الذكوري، الذي سعت المرأة للتمرد عليه بحثاً عن الحياة والحرية والخصب، ومن ثمّ كشف أكذوبة الحياة البعيدة عن الماء/ الحب أساس الوجود ... وبذلك يصبح التمرد في القصتين تمرداً مشروعاً وحقيقياً؛ لأنه تمرد من أجل المعرفة، ومن أجل الحرية في التفاعل مع ديناميات الحياة المتجسدة في الماء الواقع والرمز معاً...

    وفي قصة ثالثة مهمة بعنوان " اليقين "، يجيء الكسر أو التمرد على المألوف من خلال الرمز أيضاً، تحقيقاً للوعي الاغترابي الذي هو أساس المعرفة والتجلي الأسطوري في الكتابة المعاصرة .. وذلك عندما نجد البطلة في علاقة اندماجية مع ما يعتقده الناس خرافة وخارجاً عن المألوف .. إذ تمارس البطلة فعل المفارقة بينها وبين الآخرين في التفاعل مع ثقافة مكانية غير مألوفة من وجهة نظر الآخر، الذي قد يتصور مثل هذا التفاعل حالة من حالات الجنون على غرار: " أعيدوها أعيدوها الكنود المجنونة " ( ص25)

    ولكن "الكنود" لا تعترف بأنها مجنونة، بل هي متمردة ترفض وعيهم المألوف وسياقهم العادي، وتقرر أن الغربة/ الغرابة هي الوعي الحقيقي، وأنها مصيرها الذي يجب أن تتمسك به: " لا لن أعود لن أكون مثلهم أولئك الذين يخشون بذرها .. كلهم يرونها غريبة مشئومة .. قالوا إنها روح سكنت في غير مكانها .. قالوا كيف تنبت نخلة فوق جبل بارد ؟ ( ص23)" .

    فالنخلة الغريبة المشؤومة المرفوضة والمخيفة من وجهة نظر الآخر، تصبح هدف الكنود ومصيرها الذي يتحقق من خلاله تمردها وإنجازها الذي يرفض الآخر عندما يكون أداة قمعية تجاه نخلة غريبة أو امرأة غريبة .. وهنا تتحقق مقولة " وكل غريب للغريب قريب" .. لذلك تحاول الكنود الصعود إلى النخلة وما أن تجدها عنيدة حتى تكتفي بتمرة واحدة تسقط في حجرها؛ لتتمظهر هذه التمرة وكأنها سر الحياة وسبب قوتها...

    تبحث البطلة عن أحق الناس بهذه التمرة فتستعرض الآخر في هذا السياق .. فتجد صورة الأب: " يحمل عصا سوداء هشتني كما تهش شاة عجفاء صوب مربطها .. يد قاسية تضربني تضرب وجه أمي .. وصوت أجش يصرخ ... مجنون من ترك عنق امرأة يرتفع ( ص 34)". وتجد صورة الأم تتلخص في تنفيذ قوانين الأب بغباء .. أما الحبيب فهو مؤذ لأنه صاحب " عقدة دونجوانية " .. وما أن تتعاطف مع المذكر فلا تجد غير معوق يطلب منها صورة صحيفة لكرسي متحرك، وما أن تتعاطف مع صديقتها صبا حيث المشابهة الاجتماعية والنفسية حتى تخرج من دائرة التعاطف هذه؛ لتجد نفسها الوحيدة المستحقة للتمرة.. فتبتلعها .. مما يثير الآخر ويحقق غضبه .. ولكنها على المستوى الذاتي قد تتحول إلى " مخلوقة أخرى ، لؤلؤه تضيء شواطئ الدنيا( ص25) " ، كما كانت تتوقع لأمها فيما لو أعطتها التمرة..

    القصص الثلاث السابقة مليئة بالدلالات الرمزية، التي تجعل صورة المرأة الإيجابية تتحقق من خلال تمردها على سياقات ما يحيكه لها وعي الذكورة، سواء أكان أباً أم زوجاً أم مجتمعاً .. من قيود تصور حياة المرأة منسوجة من خلال جهلها والتزام بيتها ..

    وقد جاء وعي المرأة البطلة مشدوداً إلى أنساق تفعيل حياتها من خلال تعميق المساواة والحرية وتجاوز المألوف ..وبذلك لم تكن ظاهرة التمرد سلبية إطلاقاً، وإنما جاءت ذات وعي أخلاقي ومشروع، حيث التمرد لأجل العلم و المعرفة والاندماج بفاعلية بالحياة...

    وسنخرج من هذا الوعي المتمرد الحيوي إلى البحث عن المفارقة بين الرجل والمرأة، عندما تصور المرأة على أساس أنها علة التعمير في الوجود، في حين يصور الرجل في سياق التخريب من وجهة نظر القص .. مما يحقق الكسر لما شاع في الأدبيات الشعبية والرسمية عن كون المرأة ثيمة تخريب وتحالف مع الشيطان...





    3 - جدلية التخريب والتعمير



    يوجد عدة قصص في المجموعة تحيل الخراب في الحياة إلى الرجل، وتجعل المرأة مركزية التعمير ... يبدو أن تتبع هذه الثيمة المركزية والمحورية في القصص يحتاج إلى مساحة فضفاضة، لذلك سيتم الاقتصار على أهم العناصر .



    تكشف قصة "روح برقان تعيد ترتيب القرية" عن فضاء إنساني متخيل، أتقنت القاصة آلية التعبيرعنه لتجسيد الهوة العميقة بين الشر والخير .. وأن الشر من صنع الرجل .. والخير إلى حد ما من صنع المرأة ...

    كان برقان صورة من صور الشر القبيحة في حياته؛ حيث كان بارعاً في السطو وسرقة أراضي الآخرين من خلال تغيير الحدود التي بين أرضه وأراضيهم، وبالذات بين أرضه وأرض امرأة عجوز ..

    يحدث التغيير الحاد في شخصية برقان بعد موته؛ أي بعد أن يواجه عذاب القبر، لذلك تظهر صور صراخه، وأنينه، ورائحته المنتنة، وهيكليته الشبحية في القرية؛ مما يخرب القرية، ويشرد أكثر أهلها، ولا يصبح أمام الناس سوى البحث عن طريق للقاء برقان الميت ومعرفة ما الذي يريده من القرية...

    من خلال قدرة بارعة في تصوير اللقاء بين الأحياء والأموات، يحدث اللقاء بين برقان وأحد رجال القرية؛ فيعرف منه مطالبه التي تتلخص في: أن يعيدوا كل شبر أخذه من أرض الآخرين، حيث يتطابق كلامه هذا مع ما قالته زوجه بعد وفاته .. يقول الرجل الذي التقاه ليلاً :" قال نفس ما قالته زوجته كان يرجوني بإلحاح .. أعيدوا كل شبر أخذته إلى أصحابه ..أعيدوا الحدود إلى ما كانت عليه سابقاً .. أريحوني ( ص82)" .

    وما أن تعاد الحقوق إلى أصحابها، حتى تهدأ روح برقان، ويحل العمار والعدل محل الخراب والظلم في القرية، التي تتحول في نهاية القصة إلى مدينة صغيرة جميلة ..

    كذلك يعترف الأب لابنه في قصة " دماء لبقايا المواعيد " عن الفرق الجوهري بينه وزوجه/ الأم في تأسيس ملك الابن :" أبي قال لولا تلك المرأة التي هي أمك لما صار لي ملك .. كانت تحملك بيد وتبذر الأرض باليد الأخرى .. كان رجال القرية يتحرقون كمداً .. لقد أرادها كل الرجال .. أتعرف لماذا يا ولدي؛ لأنني أنام أكثر مما ينام الآخرون، وهي قائمة على ملكي تحرسه بعين ذئبة جريئة تتوسطهم .. تحرث .. تحصد .. لا تهاب أحداً .. من أجل أن أنام إنا ( ص48)".

    تحرص هذه القصة على تعميق فاعلية الارتباط بين المرأة والأرض في مقابل الغياب الفاعل للمذكر، سواء أكان أباً أم ابناً، لذلك تبقي الأرض حية من خلال إنتاجية المرأة التي تتحول بفعل غياب الآخر/ الرجل إلى حالة من حالات الانتظار الذي يتشكل في مواعيد دامية مقتولة يائسة وآملة في الوقت نفسه .. فالمرأة التي تعمر الحياة لا يمكن أن تستغني عن الرجل ...فمع الرعد ندرك كيف يصبح البحث عن الرجال ضرورياً للمرأتين الأم والزوجة ..وهنا يستمر الأمل للبحث عن الزمن الذي سيعود في الرجال رجالاً : " تضم العباءة المقصّبة بيد .. وترفع حجابها باليد الأخرى رباه .. أعد ولدي .. أعده من أجل أن يعود الرجال رجالاً .. الرجال رجالاً . ترقب اندفاع الصغير خلف العجوز .. ومع الرعد تردد كلمات العجوز : من أجل أن يعود الرجال رجالاً .. الرجال رجالاً ( ص54) " .

    ولا يكتفي الرجل بكونه آلية تخريب أو آلية غياب على مستوى التفاعل مع الأرض، وإنما هو السبب المباشر في تعميق مأساة المرأة إلى حد الجنون والموت، وذلك عندما يجعل حبها له النعش الذي تحمل به إلى القبر، ويجعل حبها لابنها أرضية للانتقام منها...

    تقدم قصة الحمامة امرأة اغتراب نفسي حقيقي لدى مجموعة من النساء، يراجعن إحدى العيادات النفسية. وهذا الاغتراب سببه المباشر تصرفات الرجال التي تعقّد النساء وتجعلهن بكاءات في بداية كل ليلة.. وتتجلى فاعلية هذه القصة من خلال توظيف الحكاية الشعبية التي تنبثق من وعي تبعية المرأة للرجل:"الرجل هو كل شيء للمرأة وأن المرأة بدونه كالقشة في مهب الريح. هناك مثل شعبي يتردد في قريتنا يقول:" للمرأة الزوج وإلا القوز( ص 58)" .

    يقوم أحمد بدوي بطل الحكاية الشعبية بخداع الحمامة التي تحب ابنها( ص 58) وذلك عندما يقدم لها عقداً ثميناً، ويسرق المشط الذي قرنت به روح الصغير، الذي وضعته الحمامة تحت جناح والمشط تحت الجناح الآخر .. يلقي احمد بدوي المشط في البحر، فيموت الصغير، ولا يبقى أمام الحمامة سوى البكاء على ما آلت إليه من المأساة، وهي لا تملك سوى أن تردد:

    " تو تو تو تو تو تو تو تو

    آه يا أحمد بدوي رد لي مشطي

    وخشرجمة ولدي تو تو تو

    وبعد ذهبك عني تو تو تو

    آه يا أحمد بدوي ردلي مشطي

    تو تو تو

    فإذا كان الصغير سبب الشقاء لأمه من خلال فاعلية اضطهاده من خلال الرجل، فإن هذا الصغير بعد أن يكبر يمارس الدور نفسه.. حيث نجد في قصة " وجلس قليلاً" كيف يتحول البطل "كامل" إلى الموت في حياته وموته.. إذ نجد صراعاً بين امرأتين صغيرة وكبيرة حول من الأم الحقيقية لكامل.. ثم نكتشف أنه ابن العجوز وزوج المرأة الصغيرة، وأنه مات من وجهة نظر الأم ولم يمت من وجهة نظر الزوجة التي تدعي أنه ابنها، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن حياً حتى يقال عنه إنه ميت، وحتى لو كان حياً فإنه يتلخص بهذه المقولة التي هي افتتاحية القصة :" يا لك من ضئيل وعربيد( ص 39)"، من وجهة نظر الزوجة على الأقل.

    فغياب كامل الدائم هو الذي يجعل المرأة في مواجه حادة مع المكان، الذي تتحقق فيه هيمنة " الهو " والصوت الاغترابي : " لم يكن هناك غير صوتها في ذلك الهو الواسع ورأسها الذي تحوم في أعلاه عينان كبيرتان تنتقل ما بين ساعة الحائط وبين ذلك الهيكل الماثل أمامه ( ص39 )".

    إن الغياب الدائم لكامل رمز الرجل يصبح الشقاء المطلق للمرأتين والنساء عموماً، كما يظهر من خلال المحاورة الدالة بين الزوجة والأم ومجموعة النساء :" تخيلي يا أم كامل كان لا يحدث رفاقه عني لا يذكرني حتى بينه وبين نفسه أليس هذا ابناً عاقاً .. ابناً سيئاً ؟ تنهدت المرأة العجوز بألم .. ليس فيهم يا ابنتي إلا التعب منذ الولادة حتى الموت (..) كان يتركني لقلق قاتل .. ليال طوال وأيام وأنا انتظره وانتن تعرفن أيها السيدات كم يحرق الانتظار . هزت النساء رؤوسهن وارتفعت التأوهات هتفت إحداهن الانتظار أشبه بموت بطيء(ص 43-44) " .

    فالمرأة كما هو يلحظ تتشاكل مع الأرض من خلال كونهما كائنين استغرابيين

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 3:45 pm