منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    خصوصية النص وغربية المنهج

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    خصوصية النص وغربية المنهج Empty خصوصية النص وغربية المنهج

    مُساهمة   السبت ديسمبر 12, 2009 10:11 am

    الخطاب الروائي والنقد العربي

    دراسة في خصوصية النص و غربية المنهج
    بقلم: أـ الشريف حبيلة*

    لقد مهد الشكلانيون الروس لقيام ثورة حداثية اجتاحت مجال الدراسات الأدبية ،وعلى رأسها المناهج النقدية فغيرت وجه المفاهيم التي سادت خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وفتحت الباب أمام بناء رؤية جديدة لما كان سائدا من قبل،فظهرت دراسات حداثية معاصرة على رأسها الألسنية والسوسيولوجية و الأسلوبية البنيو ية و التفكيكية ،ومناهج القراءة والتلقي والنقد السوسيولوجي الجديد.
    غير أن الملاحظ هو أن هذه الناهج والتغيرات التي عرفتها أروبا لم تبق حبيسة الدراسات الغربية ،بل استطاع الناقد العربي أن يتمثل تضاريسها المنهجية والإجرائية انطلاقا من رؤية خاصة محاولا بناء تصور نقدي يلائم خصوصية النص الأدبي العربي وعلى رأسه الخطاب الروائي.


    ولئن استطاع الفكر الغربي تمثل هذه المناهج المستخدمة ،فمن الطبيعي أن يفعل ذلك ما دامت نتاج تجربته و خلاصة تراكم معرفي تواصل خلال حقب طويلة من الزمن،في المقابل نجد الناقد العربي في محاولة استعاب هذه المناهج و المفاهيم لا يزال يتصارع و إياها من أجل صياغة عربية لها ،لهذا السبب نجد ناقدا مثل محمد سيرتي يبدأ دراسته التي أرادها أن تكون معالجة لإشكالية تناول النص الروائي العربي في ضوء المنهج البنيوي من طرف الناقد العربي،يبدأها بأسئلة يفتح بها الحوار النقدي ،و نتساءل معه حتى نتمكن من فهم الرؤية العربية لهذا المنهج :

    ـ ما مدى تمثل النقاد العرب موضوع البحث البنيوي وأدواته العلمية ؟
    ـ ما هي المقولات النقدية التي يمارسها هؤلاء النقاد في ضوئها عملية النقد الأدبي ؟
    ـ هل اقتصروا على توظيف النهج أم استنجدوا بمناهج أخرى ؟
    ـ ما مدى تطبيق النقاد العرب للمنهج البنيوي على النص الروائي ؟1

    على أساس هذه الأسئلة سنحاول معرفة بعض الرؤى النقدية العربية التي حاولت ممارسة النهج البنيوي في دراستها للرواية العربية اعتمادا على نخبة من النقاد أمثال: يمنى العيد ،وسيزا أحمد قاسم ،وسعيد يقطين ،وعبد المالك مرتاض ،لأن هؤلاء برزوا في ميدان النقد العربي المعاصر ،بالإضافة إلى اعتراف النقاد الذين اشتغلوا بميدان نقد النقد ، ولا يعني هذا أن النقد العربي لا يملك في ساحته إلا هؤلاء ،بل فعلت ذلك على سبيل الحصر من أجل التسهيل والاختصار.

    ولنبدأ مع الناقدة يمنى العيد ،التي تناولت الخطاب الروائي بالمنهج البنيوي في عدة دراسات لها ففي كتابها "في معرفة النص "تنطلق من تحديد الخطوات التي يتخذها المنهج أثناء إجابتها عن السؤال :"كيف يقارب المنهج البنيوي موضوعه الذي قد يكون النص الأدبي ؟"2 تذهب إلى أن المنهج يبدأ بتحديد البنية المراد دراستها ،أي النظر إلى النص كبنية مستقلة،يشترط عزلها عما هو خارج منها ثم تحلل عناصرها الداخلية.

    و لما كان موضوع الدرس هو النص الروائي ترى أن المنهج قد يتناول عناصر النص كلها ،وقد يكتفي بالتركيز على البعض منها فقط ،ففي دراستها لرواية "رحلة غاندي الصغير " تقتصر بالتحليل على وظيفة الشخصية كصورة لنمط السرد الروائي ،ومن الوهلة الأولى تضع تصورها عن الدراسة تقول :"إن النظر إلى الخطاب الروائي باعتباره نظاما بنائيا مغلقا يعني تقديم معرفة به في حدود الوظائفية التي تشكل نظامه السردي ،أي يعني بالتركيب البنائي انطلاقا من اعتبار النص كونا من الإشارات تعادل فيه مكونات العالم الروائي دورها الوظائفي ،وتحدد بالتالي هوية الشخصية بوظيفتها في العلاقات البنائية "3 وهي في ذلك تنهج منهج بروب في مفهومه للوظيفة.

    وفي كتابها التعليمي "تقنيات السرد الروائي" تتناول الخطاب الروائي كبنية كلية بجميع عناصرها البنائية معتمدة المقولات السردية التي وضعها " تودوروف" فتقسم الرواية إلى قصة وخطاب ،ثم تحلل مكونات كل منها 4، وفي الحالين تسير وفق الوجهة التي رسمتها لنفسها ،وبناء على ذلك تشيد بالمنهج البنيوي رغم طابعه العام والسريع،إذ تراه قد اتخذ مكانه ضمن الدراسات الأدبية بكشفه مميزات الشكل الأدبي و البنيات الداخلية محددا طبيعتها العلمية خاصة،ومجال البحوث الأنثروبولوجية والأساطير في مقدمتها النقد الأدبي.5

    ورغم إشادتها بالمنهج فإنها تعود لتفضح النقص الكامن فيه محاولة إقامة رؤية خاصة تستند إليها أثناء الممارسة النقدية، مع مراعاة خصوصية الخطاب الروائي ،فنجدها تتساءل ما إذا كان المنهج البنيوي يضيء بنية النص فهل بإمكان النقد الأدبي عامة والنقد العربي خاصة أن يكتفي بتفكيك النص والوقوف عند دلالات بنياته؟6

    هكذا يمكنها إقامة رؤيتها ثم ممارسة عملياتها الإجرائية ،لأن المنهج الأدبي الممثل في كشف دلالات النص لا يمكن الوصول إليها إلا برؤية الخارج في الداخل .وتدعم تصورها بكون اللغة ذات طبيعة اجتماعية كما وصفها "دوسوسير" ،ومن ثم تطلب من الناقد أن ينظر إلى هذا الخرج في الوقت الذي ينظر فيه إلى الداخل7 ففي اعتبارها أن تحليل النص ومعرفة بنيته بكشف دلالاته ،والمنطق الذي يربط علاقاتها غير كاف ،لأن هذه الدلالات لابد من رؤيتها داخل البنية الثقافية والاجتماعية.

    وترى ذلك ضروريا إذا تعلق الأمر بالنقد العربي الذي لا يمكنه اتخاذ الند البنيوي المقتصر على البنية المعزولة مسارا له قد يفيد منه . لكنه ينقى في حاجة إلى بلورة باستطاعتها إقامة العلاقة بين داخل النص وخارجه 8. تدو رؤيتها واضحة في المقدمة التي خصت بها دراستها رواية "رحلة غاندي الصغير " أثناء حديثها عن الشخصية التي تحددها ،ليس فقط بكونها مجرد نسيج من الكلمات بلا أحشاء بل لو اعتمد الناقد التأويل لاكتشف أن لها طابع حياة هو حياة الرواية ككل.

    وتصبح المسألة أكثر أهمية إذا تعلق الأمر بالرواية العربية ،إذ يصبح الخطاب بإرجاعه إلى مرجعيته الاجتماعية ضروري ،لأنه هو الذي يمنح النص خصوصيته التي لو أهملت يتحول النص بغيابها إلى مجرد بنية هيكلية خاوية ،وتصير الرواية العربية مجرد قالب مستعار يملؤه الكاتب بحكاية ما ،9هذا التصور الذي تنطلق منه الناقدة يعيدنا إلى إثارة إشكالية الشكل الرائي وهي علاقة الرواية العربية بالرواية الغربية ،غير أن يمنى العيد تربط القضية بالنقد الذي عليه أن يكشف خصوصيات النص ،كما تتصورها هي باعتبار الخطاب الروائي العربي بدأ يتميز بنوع من النضج البنائي يسير به نحو التحرر من تقليد الخطاب الروائي الغربي الذي تراه استمر طويلا يكبل الرواية العربية .

    إذن فالناقدة يمنى العيد تستفيد من المنهج البنيوي وتقسم دراستها إلى مرحلتين . في الأولى تطبق المنهج البنيوي ،تبدأ بتحديد البنية العامة للنص، ثم تفكك عناصرها مع رصد العلاقات التي تربط فيما بينها .في المرحلة الثانية تعمد إلى ربط البنية الدالة بالبنيات التي تمثل مرجعياتها المعرفية والاجتماعية مستعينة بالمنهج البنيوي والتكويني ،كما عرف عند "غولدمان" و توضح منهجها في قولها :"ليس النص داخلا معزولا عن خارج هو مرجعه ،الخارج هو حضور في النص ينهض به عالما مستقلا كما يساعد على إقناعنا أدبيا ،متميزا ببنية لها هو نسق هذه البنية هيأتها ونظامها. وعليه فإن النظر في العلاقات الداخلية في النص ليست إلا مرحلة أولى تليها ثانية ،يتم فيها الربط بين هذه العلاقات الداخلية هو أيضا وفي الوقت نفسه النظر في هذه العلاقات في النص "10.

    هناك ناقدة أخرى اهتمت بالمنهج البنيوي كوسيلة لتحليل النص الروائي إنها الناقدة"سيزا أحمد قاسم ،تصرح في كتابها "بناء الرواية "منذ البداية بأنها تتبنى هذا المنهج في دراستها المقارنة" لثلاثية نجيب محفوظ " فتقول :"وفي ضوء التزامنا بالدراسة النقدية التطبيقية ،كان لابد لنا أن نستند إلى المنهج البنائي حيث أن السمات التي نريد أن نرصدها بين الأعمال موضوع الدراسة هي سمات تتعلق بالشكل والبناء وهذا المنهج سماه"رينيه ويلك"في كتابه نظرية الأدب المنهج الداخلي".11

    وتحدد المنهج الداخلي بالمنهج الذي يتعامل مع النص الأدبي مباشرة كبنية واحدة معزولة عن مؤلفها وبيئتها التي كتبت باعتبارها كيانا له عناصره الخاصة ،لابد للنقد التعامل معه على هذا الأساس.12وإذا اختارت المنهج البنيوي فلأنها لا تولي اهتماما لما سمته الناقدة يمنى العيد بالخارج وألحت على ضرورة دراسته،الخارج الذي يجعل من النص كائنا حيا متطورا بتعبير" سيزا قاسم" فرغم اعترافها بأهميته تبعده عن دراستها.

    بناء على هذا الهدف الذي تسعى لتحقيقه ،وهو مقارنة رواية نجيب محفوظ بالرواية الفرنسية الواقعية من أجل كشف أوجه الشبه والاختلاف الخاصة بالتقنيات والأساليب و باقي أشكال السرد هذا الهدف تنشده باعتمادها على المقولات النقدية البنيوية كما جاءت عند" جرار جينيت "،واللغوية عند الروسي" بوريس أزبنسكي" إلى جانب الشكلانيين الروس.13

    وتختلف عن الناقدة" يمنى العيد " التي لم تكتف بتحليل العناصر البنائية للنص ورصد علاقاتها وراحت تربطها بالبنية الاجتماعية والثقافية ،محاولة كشفها داخل النص .بينما على العكس نجد "سيزا قاسم قد اختارت المنهج البنيوي توخيا منها الموضوعية وتجنبا الوقوع في الأحكام الجاهزة والانحراف بالتحليل إلى إطلاق الأحكام القيمية ،والتركيز على الوصف المقارن للرواية ،ليس من أجل قولبة نص نجيب محفوظ وجعله قالبا جاهزا استعاره الكاتب ثم أفرغ فيه حكاته، إنما الهدف كشف مدى تمثله الرواية الغربية وممارسة تقنياتها ،الأمر الذي يوضح علاقة الرواية العربية بالرواية الغربية عموما باعتبار نجيب محفوظ ممثلا للنص الروائي العربي خاصة الواقعي منه لهذه الأسباب تشرح رؤيتها المنهجية بقولها :"وقد استلزم ذلك البحث أدوات نقدية تساعدنا على تحليل العمل الروائي إلى عناصره الأولية وطبيعة العلاقات التي تقوم بين هذه العناصر،وبذلك يجمع بحثنا بين التحليل البنائي و النقد المقارن "14.

    ونفهم من كلامها أنها ستتعامل مع ثلاثية نجيب محفوظ كوحدة مستقلة تحلل من الداخل دون الالتفات إلى ما هو إبعيدا عن الأحكام القيمية .

    و إذا كانت يمنى العيد تكشف عن المقولات البنائية التي ستنطلق منها في دراستها التي ذكرنا فإن الناقدة "سيز ا قاسم" تكتفي بالإشارة فقط إلى أنها ستعتمد "جيرار جينيت " و "أزبنسكي" ،دون توضيح كيفية ذلك أو تحديد المفاهيم التي تختارها كمنطلقات نقدية لعملها ،وقد لاحظ ذلك" حميد لحميداني " فراح يلومها متسائلا :"وقد كان على الناقدة أن تحدد بدقة ما هي الأطروحات البنائية التي تود تطبيقها ولا ينبغي الاكتفاء بالإشارة إليها ،بل تقديم الصورة الخاصة التي تمثلها بها ،ومما يجعل هذا الجانب ملحا هو أنها تقدم منهجا جديدا في العالم العربي خصوصا بالنسبة للقراء الذين ليس لهم القدرة دائما على الاتصال المباشر بالنقد الغربي بسبب عوائق اختلاف اللغة .15

    لكن الشيء الملاحظ هو كون الناقدة تعترف أنها لن تلجأ إلى مناهج أخرى لتستفيد منها ،بل اكتفت بالمنهج البنيوي على أساس أتخادها الوصف وسيلة تحليلها ،ثم رؤيتها المبنية على معاملة النص كبنية تدرس من الداخل ،غير أننا نلاحظ أن هناك تفاوت بين هذا الطموح وممارستها النقدية ،إذ نجدها أثناء تفسيرها للثلاثية بنصوص غربية تسترسل في التأويل الفلسفي والاجتماعي وحتى الأيديولوجي ،فتبتعد عما خططت له متأثرة بوجهة نظرها الفكرية.

    ويعتبر الناقد" حميد لحميداني" إهمالها دراسة البنية الدلالية العنصر المهم الذي قامت عليه الأعمال الحكائية عند أعلام البنيوية تفاوتا بين الأهداف النظرية والعمل التطبيقي ،والسبب يراه في عدم استفادتها من أعمال" بروب" و "برمون " و "غريماس" التي حاولت دراسة النصوص كبنية كلية دون إهمال الجزئيات.16

    ومهما يكن فإن الناقدة بكتابها بناء الرواية تدفع القارئ إلى التعرف على الأخر،وتسير بالنقد العربي نحو التطلع على الناهج النقدية الحداثية التي عرفتها أروبا وخاصة النقد البنيوي ،وتقف بتطبيقها للمنهج المقارن مستعينة بالنهج البنيوي عند حدود الشكل الرائي العربي في تأثره بالشكل الروائي الغربي.

    ومن النقاد الذين استفادوا من المنهج البنيوي في تحليل الخطاب الروائي الناقد" سعيد يقطين" الذي لم يكتفي بمجرد تطبيق المنهج،بل حاول وضع رؤية خاصة به ،أثارت العديد من الأسئلة بل استطاع أن يضيف بعض المصطلحات الجديدة ربما أراد توسيع استعمالها بين النقاد العرب ،وفعل ذلك في العديد من كتاباته خاصة تلك التي تناولت النصوص السردية وبالدرجة الأولى الخطاب الروائي.

    ففي كتاب" القراءة والتجربة "يتناول الخطاب الروائي الحديث بالتحليل مستخدما المنهج البنيوي بهدف كشف مكوناته البنيوية ،يقول في مقدمة الكتاب :"تروم هذه الدراسة أن تكون جديدة على مستويين :البحث في مكونات الخطاب الروائي البنيوية. .."17و المفاهيم الخاصة بالسرديات البنيوية وهي المستوى الثاني في الدراسة.18

    كان هاجسه الكبير وهو يقتبس الأدوات والمفاهيم النقدية ،تجنب الوقوع في مجرد إسقاط المنهج على المتن العربي ،بل كان يسعى إلى بلورة رؤية لها خصوصية التجربة العربية ،تقوم على أساس الحوار والانفتاح على الإنجازات الغربية.19

    وهكذا راح يلخص طريقته منطلقا من تحديد مكونات الخطاب والحور الذي يحكمها ثم يبني عليه تحليله وقراءته للعناصر الأخرى ،في الأخير يركب القراءات التي خصت مختلف الخطابات الروائية المغربية من خلال أهم إشكالات التجربة النقدية.

    لقد قلنا أنه حينما كان يؤسس لرؤيته ،لم يكتفي برسم منهجه التحليلي ،وحدد العناصر التي يتناول بالدرس ،وهي الإنزياح السردي و الميثاق السردي ثم أضاف مفهوما جديدا هو الخلفية النصية ،الذي أثار أسئلة منهجية كثيرة ،فهذا "حميد لحميداني" يتساءل :"وهل من السهل توليد مصطلحات جديدة في خضم التعقيد المصطلحي الوارد علينا من الغرب في كل لحظة ،والذي يتطلب أولا جهدا جبارا لاستعابه وتمثله"20

    لكنه يقف عند السؤال ولا يبين كيف ولد" سعيد يقطين" مصطلح الخلفية النصية ،وما هي المصطلحات الغربية التي اعتمدها ،لأن مجرد التساؤل لا يكفي لحل الإشكالية ،ومع ذلك فإن الناقد" سعيد يقطين" يثير القضية ،ويستفز النقد العربي من أجل خلق حوار نقدي عربي ،يسعى إلى وضع نظريات ومفاهيم تتمكن من قراءة الخطاب الروائي العربي في ضوء التغيرات الحديثة على جميع المستويات .

    في كتابه "تحليل الخطاب الروائي "يتبع المنهج البنيوي ،حيث يعلن عن وسيلة دراسته في تمهيد الكتاب :"نسلك في تحليلنا هذا مسلكا واحدا ،ننطلق فيه من السرديات البنيوية كما تتجسد من خلال الاتجاه البويطيقي21 وأثناء طرح التصور الذي يتبناه حول الخطاب الروائي يشير اعتماد تقسيم" تودوروف " و "جينيت" الثنائي للحكي ،القصة والخطاب واكتفائه بتحليل المستوى النحوي. أي اهتمامه بالخطاب فقط كمظهر نحوي ،ثم أضاف مفهوم النص ليدرس فيه المستوى الدلالي ،فيتعامل معه ليس بمعنى الخطاب كما هو الحال عند" جينيت" و" تودوروف".22

    و هكذا لا يدرس إلا الزمن والصيغة والرؤية، والصوت في إطار العلاقة بين الراوي والمروي له ،ولما كان يجيب عن أسئلة وضعها حول البنيات الثقافية والاجتماعية ،فإنه يتجاوز المظهر النحوي إلى المظهر الذي سماه تودوروف بالمستوى الدلالي في كتابه "الشعرية "مجيبا عن السؤال كيف يدل النص على شيء ؟وعلى ما يدل ؟.وللانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني يستعين بسوسيولوجية النص عند "زيما "وهنا يعترف بأنه كان :"مقيدا بالسرديات البنيوية "23.

    ويبين القاعدة النظرية التي ستكون خلفية العملية الإجرائية :"بهذا العمل وجدتني أوسع تحليل نفس المكونات والخصائص مع الحفاظ على الانسجام النظري ،لذلك وجدت العمل الذي أنهجه يتقاطع مع سرديات الخطاب ،كما نجدها عند السرديين "جينيت و تودوروف"ومع سوسيولوجيا النص الأدبي عند "زيما"،دون أن أتبنى أطروحاته أو أطبقها من الخارج .إنني أستفيد مما يقده دون أن أقحم ذلك على التصور الذي أنطلق منه".24

    و مهما يكن فإن المتتبع لدراسات الناقد "سعيد يقطين" ،سيلاحظ حتما أن الناقد ل لا يكتفي بمجرد نقل المنهج البنيوي أو مناهج أخرى ثم إسقاطها على النص الروائي العربي ،إنما يستفيد منها مجتهدا في إيجاد مفاهيم جديدة تؤسس لقيام نقد عربي جديد باستطاعته مواكبة تطور الخطاب الروائي العربي الذي بدأ يبحث عن بناء يستوعب خصوصية التجربة العربية.

    هناك ناقد آخر لا يمكن إهماله هو الناقد الجزائري "عبد المالك مرتاض " الذي شغل الساحة النقدية العربية عامة والجزائرية خاصة بدراساته الجريئة ،وهو في استفزازاته التي يحدثها بمقولاته النقدية ومفاهيمه الجديدة المبنية على الرؤى النقدية الحداثية،يشبه الناقد" سعيد يقطين" .وذلك من أجل إثارة الجدل النقدي العربي ،و إخراجه إلى ساحة المحاورة ووضعه في الإطار الذي يمكنه من مواكبة النقد العالمي ،أو محاولة النهوض به على الأقل.

    إن "عبد المالك مرتاض" ككل النقاد العرب الذين شغلتهم الدراسات الحديثة ،مكنته ثقافته من الاطلاع على المناهج النقدية الغربية والاستفادة منها.حاول في العديد من دراساته استلهامها وتطبيقها في تحليل نصوص أدبية تراوحت بين الشعر والسرد ،والذي يهمنا هو الدراسة التي أجراها على رواية "نجيب محفوظ " "زقاق المدق" عنونها ب"معالجة تفكيكية سميائية مركبة "معلنا عن النهج الذي يستنير به ،ولكن أثناء شرحه لرؤيته النقدية في مقدمة الكتاب يشير إلى أن تحليله يجري في التيار البنيوي السميائي تجنبا الانزلاق إلى التيار الاجتماعي النفسي ،ضاربا عرض الحائط المناهج التقليدية التي يراها قد أفلست ولم تعد صالحة في هذه المرحلة بعد أن أدت ما عليها .25

    ورغم أن الراية التي يتناولها بالدراسة تندرج تحت راية الواقعية ،التي تتطلب منهجا بنيويا توليديا،إلا أنه يراه غير دقيق ،يتراوح بين البنيوية والاجتماعية ولا يلبث على اتجاه بعينه ،لذلك يعدل عن البنيوية التوليدية ،ويؤثر بنيوية طعمها كما يقول بتيارات حداثية أخرى ،في مقدمتها السميولوجيا التي وظفها في تحليل الشخصيات وبعض الأدوات اللسانية،بينما كان المنظور البنيوي وسيلة للكشف عن البنى العميقة ،والفنية المتحكمة في الخطاب السردي.26

    ونجده في موضع آخر من نفس الكتاب يشير إلى اعتماد المنهج الإحصائي مسترسلا في الدفاع عنه تجاه بعض الإشكالات التي تحيطه،معتبرا إياه أساسيا في معرفة :"بشيء من الدقة مدى تواتر هذه الشخصيات مما يجعلنا بناء على نتائج الإحصاء في حل من تحديد الشخصية المحورية أو الشخصيات المحورية جملة واحدة."27

    والملاحظ أن "عبد الماك مرتاض "يطيل في شرح موقفه ووجهة نظره من المنهج الإحصائي ،بينما يكتفي بالإشارة العابرة فقط حين يتحدث عن النهج الذي تبناه في تحليل الرواية ،وهو المنهج البنيوي السميائي ،وينسى المنهج الذي عنون به الكتاب "التفكيكية السميائية "فلا يشير إلى التفكيكية قط على الأقل في مقدمته التي وضح فيها وجهة نظره.

    وهكذا لا يلتزم "عبد المالك مرتاض" بالمنهج البنيوي والسميائي ،بل يركب بين عدة مناهج وهو بهذا العمل يكاد يكون الأول من بين النقاد العرب الذين يميلون دوما إلى التركيب ،إذ تحتوي كل دراساته تحليلات بمختلف المناهج كدراسته هذه اعتقادا منه إن أحادية المنهج عاجزة عن بلوغ الغاية المطلوبة من النقد.

    إن هذه الجهود النقدية المعروضة ولو باختصار تشكل محاولات دفعت بالنقد الروائي العربي إلى ممارسة النقد البنيوي ، اعتبارا أن البنيوية تتبنى لواء العلمية والموضوعية ،لذلك وجدنا أصحابها الأوروبيين يرون فيها السبيل الأمثل لعلمنة النقد في دراسة الرواية ،هذه العملية لم ترق للناقد العربي ولم يقتنع بأن الخطاب الروائي مجرد بنية شكلية لا روح فيها.

    حتى الناقدة "سيزا قاسم" التي كانت تتخذ الحذر كي لا تنزلق إلى البحث عن مرجعيات ثلاثية "نجيب محفوظ، وجدت نفسها تفسر النصوص وفق مرجعياتها مدفوعة دفعا "نظرا لطبيعة النص الروائي العربي وخصوصية التجربة والواقع الاجتماعي،سبب تمسك النقاد العرب رغم اعتمادهم المنهج البنيوي بمفهوم البنية التي تحيل إلى البنية الاجتماعية و الثقافية ،فقد حللا الخطاب الروائي معتدين على التأويل الذي يتأسس على التركيب استنادا إلى مناهج أخرى كالمنتهج النفسي والاجتماعي والفلسفي.

    ويعتبر الناقد "محمد سويرتي" هذا التركيب خلطا بين المناهج ،وعدم فهم للمنهج البنيوي إذ يقول هكذا نسي هؤلاء النقاد أو يتناسون أنهم إزاء إنجازات تتوسل المناهج البنيوية باعتبار مناهج علمية وضعية ،تنطلق من البنية الأساسية اللاواعية التي تحكم البنيات الداخلية للخرافة والنص الروائي، وقد تبدو هذه البنية البسيطة في شكل بسيط أو معقد"28

    غير أن "حميد لحميداني" يعطي المسألة بعدا آخر عكس ما فعل "محمد سويرتي " في رأيه أن الأمر يطرح إشكالية في الرؤية النقدية خاصة بالنقد العربي وعلاقته بالنقد الغربي ،إنه يعتبر كل عملية نقدية جادة في العالم العربي ،لا بد أن تأخذ في اعتبارها الأول خصوصية الإبداع الروائي العربي ،هذه الخصوصية هي التي دفعت الناقد إلى التركيب بين المفاهيم والوسائل النقدية المختلفة انطلاقا من تصوره للعالم ورؤيته الخاصة للإبداع الأدبي ووظيفته ،فالرؤية للعالم تختلف من الناقد العربي إلى الناقد الغربي.29

    إن" حميد لحميداني" ينبهنا إلى إشكالية واقع فيها الناقد العربي ،فهو ليس كما لاحظ" محمد سويرتي" يخلط بين المناهج ،وينسى أنه يتعامل مع منهج كلي كالبنيوية، بل طبيعة النص الروائي العربية وخصوصية التجربة التي أنتجيه والتصور للكون والحياة والإنسان الذي يبني عليه الناقد والروائي على السواء مفاهيم العملية النقدية والإبداعية ،تدفع دوما إلى البحث عن وسائل أقدر ،تكون نابعة من ذات التصور ،وقد وجد الناقد العربي الحل في الاستعانة بمناهج مختلفة في دراسة النص الروائي غالبا ما يجمع بينها أو بعضها ، وقد فعل ذلك الناقد الجزائري "عبد المالك مرتاض" في أكثر من دراسة ففي كتابه الخطاب السردي يجمع بين البنيوية والسميائية والإحصاء ،ويبدأ هذه الدراسة بمقدمة مطولة يطرح فيها إشكالية المنهج النقدي في أسئلة حاول الإجابة عنها ،يجمعها سؤال واحد هز،بأي منهج نتناول النص الأدبي؟ وبعد نقاش يجريه مع مختلف المناهج الحديثة وأصحابها يقول:"ذلك بأنه أصبح من المفروض ،بل من المفروغ منه أن تحلل نص سردي معقد ،غني عميق متشعب العناصر متعدد الشخصيات ...أي عالم بدون حدود و أفق بلا نهاية،لا يمكن أن يستوفيه حقه منهج يقوم على أحادية الخطة ,والرؤية والأدوات والإجراءات ،كأن يكون أسلوبيا فقط أو بنيويا فقط أو حتى بنيويا أسلوبيا أو اجتماعيا فقط أو حتى اجتماعيا بنيويا أو نفسيا فقط أو حتى اجتماعيا أو نفسيا بنيويا فقط".30

    ويرجع السبب في كل ذلك إلى طبيعة النص الروائي المرنة التي تجمع بين عاطفة صاحبها وثقافته وفلسفته وأيديولوجيته وبين طريقة الفنية في التواصل والتبليغ ،من أجل هذا التعقيد يرى أنه لا يتأت لأي محلل التصدي للنص الروائي وبلوغ أهدافه إذا تعصب على نهج تحليلي قائم في شكل منهج أحادي الرؤية.31

    وذلك السبب يلح على الناقدة يمنى العيد بتحليل الخارج الكامن في الداخل ،فالرواية العربية كما تراها تحاول :"ان تتميز لا بالحكاية باعتبار طابعها المحلي(الحدث ،المكان ،هوية الشخصية الاجتماعية) بل بخلق نمط يتشكل به المحكي في خطاب روائي قادر على البوح فنيا ،أي روائيا عبد لولاته، من هنا تبدو أهمية الكشف عن التميز بتحليل ينفذ إلى عمق العلائق الدلالية ليستنبط مدلولاته و يؤول خصائص الدوال في ما تولد وما تحيل عليه ،ولا يكتف برصد وظائفها القائمة على المستوى الظاهر للخطاب"32،هكذا تندفع الناقدة إلى تطعيم المنهج البنيوي بالبعد السوسيولوجي مع تأكيدها على دلالة البنية الثقافية داخل النص.

    وحتى الناقد "سعيد يقطين" تلح عليه أسئلته الثقافية والاجتماعية الخاصة بالواقع العربي بتجاوز المستوى النحوي للنص إلى المستوى الدلالي ،للإجابة على أسئلته المطروحة ،و يتبين لنا أن النقاد لا يخلطون بين المناهج ،بل يقومون بعملية التركيب عن وعي مسبق بما يفعلون للأسباب المذكورة.

    وقد يكون السبب الحقيقي في الجمع بين عدة مناهج هو وعي الناقد العربي بأن الكتابة الروائية العربية ليست هي الكتابة الروائية الغربية ،لذلك فهو يختار من الأدوات والمفاهيم النقدية ما يمكنه من تحليل التجربة الإبداعية لواقع يعرفه ،وهو دوما لا يملك خيارا في الاستفادة من المناهج الغربية ،لأن النقد الروائي العربي عمره الحديث عمره قصير إذا قيس بعمر نظيره الغربي كونه مرتبط به على الدوام،ويعتبر" حميد لحميداني" التركيب النقدي قدر الناقد العربي على الأقل في الوقت الراهن من خلاله يستطيع إبراز عبقريته و مساهمته في النقد المعاصر.33

    و الراجح أن الدارسين لا يختلفون في كون النقد العربي الحديث قد بدأ متأثرا بالنقد الغربي بعد اطلاع النقاد العرب على مختلف التيارات النقدية الغربية وإقبالهم عليها يأخذون منها ثم يمارسنها ،متناولين النصوص الإبداعية العربية ،محاولين إنشاء مناهج عربية موازية،هي نتاج المناهج الغربية مع بعض التغيير لتناسب صيغة الإبداع المحلي ،لأن الأدب طاهرة لها طبيعتها الخاصة التي تمكنها من اتخاذ مكان خاص بها لا يمكن تجاهله بسبب التشابك الذي تشارك فيه عدة عناصر ذاتية وموضوعية يصنعها المبدع والقارئ انطلاقا من الوعي السائد و المحيط الاجتماعي والبعد التاريخي ،وليس ذلك بالأمر الثابت ،بل هو أكثر العناصر حركة لا يلوي على حال ،نجده من فترة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر ،ومن جماعة إلى جماعة،وهذا ما دفع كما سبق الذكر بالناقد "عبد المالك مرتاض" إلى اعتبار المنهج الواحد عاجز عن تناول النص انطلاقا من رؤية أحادية ،لذلك اندفع النقاد العرب وهم يتناولون الخطاب الروائي بالدرس إلى تجاوز المنهج البنيوي والاستعانة بمناهج أخرى تتناسب و طبيعة الرواية العربية.

    وهنا علينا أن نتساءل :هل يمكن أن نتخلص كفكر نقدي من المعطيات الغربية النقدية و الإبداعية المختلفة ،وهي التي تشكل مرجعية معظم النقاد العرب؟


    ------------------
    *قسم اللغة العربية و آدابها المركز الجامعي العربي التبسي
    تبسة - الجزائر
    *.
    الهوامش
    1ـ محمد سويرتي: النقد البنيوي والنص الروائي، إفريقيا الشرق الدار البيضاء ص:8
    2ـيمني العيد:في معرفة النص دار الأفاق الجديدة بيروت ط1،1983 ص:35
    3ـيمنى العيد:دلالات النمط السردي في الخطاب الروائي تحليل لرواية رحلة غاندي الصغير الملتقى الدولي الأول حول السميائية في النص الأدبي 1995 معهد اللغة العربية وآدابها جامعة عنابة ،الجزائر
    4ـيمنى العيد:تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي دار الفرابي بيروت ط1،1990 ص:27
    5ـيمنى العيد:في معرفة النص :ص37
    6ـالمرجع نفسه ص:38
    7 الرجع:نفسه ص:38
    8ـ المرجع نفسه ص:40
    9ـيمنى العيد دلالات النمط السردي في الخطاب الروائي تحليل رواية رحلة غاندي الصغير
    10ـيمنى العيد:في معرفة النص ص:12
    11ـسيزا أحمد قاسم:بناء الرواية دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984 ص:11
    12ـ المرجع نفسه ص:12
    13ـ المرجع نفسه ص:14
    14ـالمرجع نفسه ص:21
    15ـحميد لحميداني:بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي المركز الثقافي العربي ط2 ،1993ص:123
    16ـ المرجع نفسه ص:123
    17ـسعيد يقطين :القراءة والتجربة دار الثقافة ط1،185 ص:9
    18ـ المرجع نفسه ص9
    19ـ المرجع نفسه ص 9
    20ـحميد لحميداني:بنية النص السردي ص119
    21ـسعيد يقطين:تحليل الخطاب الروائي المركز الثقافي العربي ط1،1989ص7
    22ـ المرجع نفسه ص50ـ51
    23ـ المرجع نفسه ص52
    24ـ المرجع نفسه ص54
    25ـعبد المالك مرتاض:تحليل الخطاب السردي معالجة تفكيكية سميائية مركبة ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،1995ص17
    26ـ المرجع نفسه ص18
    27ـالمرجع نفسه ص28
    28ـمحمد سويرتي: انقد البنيوي والنص الروائي ص129
    29ـحميد لجميداني:النقد الروائي والأيديولوجيا المركز الثقافي العربي بيروت ط 1،1990ص
    30ـعبد المالك مرتاض:تحليل الخطاب السردي ص90
    31ـنفس المرجع ص10
    32ـيمنى العيد:دلالات النمط السردي في الخطاب الروائي تحليل رواية غاندي الصغير
    33ـحميد لحميداني:النقد الروائي والأيديولوجيا ص67
    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت مايو 11, 2024 5:57 am