منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للإيقاع......................2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للإيقاع......................2 Empty تابع للإيقاع......................2

    مُساهمة   الإثنين نوفمبر 29, 2010 8:37 am


    كل هذه الأمثلة التي لا تكاد تند عنهاجملة في المقاطع الثلاثة المدروسة تبرز كثافة تواتر الظواهر الصوتية علىكافة مستوياتها: جناسا وتكرارا، وتقسيما يقطع النص عموديا، وتوازيا يقطعهنسقيا أفقيا. فالأزواج الأربعة الأولى تتقارب صوتيا لا دلاليا (جناس).والأزواج الاثني عشر (الثلاثيات الثلاث يكرر بعضها البعض تكرارا والطوالعالخمسة: طالعا فقرتين. وثلاثة طوالع أسطر يعيد بعضها البعض كليا أو جزئيا.(تقسيم تقطيعي) وأخيرا، تلك الأمثلة التي تشتمل على بضع وثلاثين تركيباتتكرر تراكيب وصيغا، وتتوازى أفقيا. (التوازي أو الترصيع)
    وبإحصاء الكلمات الداخلة في تماثل صوتيعموما نجد أن 283 كلمة من أصل 355 كلمة هي عدد كلمات المقاطع المدروسةداخلة في تشابه أو تماثل صوتي، وهو ما يعطي للنص درجة من الإيقاع الصوتيعالية تصل إلي نسبة 79.71% رغم ما توحي به القراءة الأولى للنص من خفوتالبعد الصوتي عروضا وموسيقى حشو.
    النص 3- سيمياء لأدونيس: يتكون هذا النصالمقتطع - كما تقدم- من أول المقطع الأخير من (مفرد بصيغة الجمع ) من 427كلمة تقريبا منها ما يزيد على المائة من الأفعال بحيث تناهز نسبة الجملةالفعلية من غيرها 84% تقريبا. وتنتج عن كثرة الأفعال هذه ظاهرة صوتيةتتمثل في تكرار صيغ محدودة تكرارا كثيرا. وذلك ما يبين سيطرة التكرار علىغيره من الظواهر الصوتية. وفعلا فإن ظاهرتي الجناس والترديد نادرتان بينماالتكرار كثير: تكرار صيغ أفعال ماضية. صيغ أفعال مضارعة تكثر الأولى فيالجملة الرئيسية، بينما تكثر الثانية في الجمل الفرعية، وهناك صيغ أفعالالأمر وأدوات النداء التي تحل محل أفعالها، وأسماء الاستفهام التي تحل فيالجملة الاسمية محل الصفات المسندة أو الأفعال. نضرب على ذلك بعض الأمثلة:
    1ــ
    هكذا بدأت من أظافر القدمين
    يوم حككت بها جلدة الأرض
    بين هواء دمشق وشجرة قصابين
    أزين النبات
    فكت الأرض أزرارها
    هطل ماء لا
    أخذت غصن زيتون
    ورسمت علي التراب دورة أحشائي
    وقفت السماء جانبا، وابتدأ هدير كأنه بدء التكوين
    ازدوج كل شيء، واشتعلت أعماقي هجرة وتقاسمتني
    الأقاصي. [66]
    2
    الضوء يعبر، وتعبر حشراته:
    الأدغال تعبر
    وتعبر خواصر التلال [67]
    3
    من أين لأحشائي هذه الوسوسة؟
    من أين لقدمي هذا السمع؟
    تدحرج، أيها الشبح،
    أينا الشراع أينا الريح؟
    استمسك
    استصرخ المد المد المد
    استسلم
    كن الغرق، وخذني... [68]
    4
    سيري أيتها الحقول بخطوات من القش
    اخلع قميصك أيها الجبل [69]
    5
    أخطو كمن يصل جمرة بجمرة
    هاوية بهاوية [70]
    6
    وأنا
    مكسوا بالزمن ورماده
    يرميني الشجر من نوافذه
    يتلقفني فضاء تسيجه أفخاذ غير مرئية (...)
    حيث ترفعني صارية اللذة وتختلط الصخور بالأشرعة
    حيث الجسد سرداب والشهوة قلعة محاصرة ... [71]
    7
    أيها الحب المقبل الجسد المقبل [72]
    8
    في الجسد وحل
    لوحله طيبة الورد
    في الجسد ذل
    لذله نكهة التأله [73]
    9
    كل حجر حارس يسهر معي
    كل شجرة مظلة تتشبه بالجسد...
    لم يعد الفضاء إلا رقعة تتبلل بالقتل (...) [74]
    لم يعد الهواء إلا نبض قلب يتجه نحو الرماد ... [75]
    ففي المثال الأول نجد الماضي يتكرر 12مرة في فقرة واحدة، وفي الثاني يتكرر المضارع أربع مرات في أربع جمل قصيرةوبلفظه، وفي المثالين الثالث والرابع يتكرر فعل الأمر ثماني مرات ست فيالثالث واثنتان في الرابع، ويتكرر الاستفهام أربع مرات والإشارة مرتينوالنداء مرتين وفي الخامس يتكرر اسمان. وفي السادس يتكرر الحال مفردا مرةوجملة فعلها مضارع مرتين، ويتكرر الظرف مرتين. وفي السابع يتكرر النعتمرتين، وفي الثامن والتاسع تتكرر ثلاث جمل بتغيرات طفيفة.
    وفي النص أربع فقرات لها طالع واحد تتغيرمنه الكلمة الأخيرة من فقرة لأخرى والفقرات مرقمة (أ.ب.ج-.د) ولها عنوانمشترك "فواصل " والطالع المكرر هو:
    أ- تخرج فراشة، تدخل فراشة والمسرح بهيئة الجسد [76]
    ب- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الشجر [77]
    ج- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الفضاء [78]
    د- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الطبيعة [79]
    ففي هذا الطالع تكراران: تقطيع تقسيمي،يقسم النص إلى أربعة مقاطع، كل منها استئناف، وفيه توزيع أفقي كما في(تخرج ... تدخل...) وورد على هذا النحو سطران آخران في غير طالع، لكنالكلمات حينئذ تغيرت ألفاظها وبقيت صيغها، مع بعض من تبادل الأدوار حيث أنالتركيب الإضافي ورد في الأول منهما قبل الاستدراك ولكنه ورد في الثانيبعده:
    كتبنا على جذوع الشجر لكن الشجر لم يقرأ كتابتنا
    رقدنا على العشب لكن زغب العشب لم يأنس إلينا [80]
    ومنه يتبين مدى تشبع النص بالموسيقىالداخلية، موسيقى الحشو، رغم نثريته واتكائه على البث (المونولوج) الدراميعلى حساب البعد الغنائي.
    النص 4: موسم النيل لبنيس:ظاهرة التكرارهي البارزة في هذا النص فلا نكاد نجد غيرها من الظواهر الأخرى، ومنمظاهرها في المقطع الأول تكرار (من) الاستفهامية:
    ياأيتها النخلة من علمني (...) [81]
    ... من ذاك بوجهي...[82] من يحمل خلجان الأعضاء(...)[83]
    من يسويني التهابا... [84]
    ومع (من) الاستفهامية تكررت ياء المتكلم(الضمير) ثلاث عشرة مرة في المقطع الأول وفي الثاني إحدى عشرة مرة. وتكررفعل الأمر في المقطع الثاني مرات عديدة نورد منها خمسا أربع منها تكررالكلمة ذاتها:
    اقتربوا مني بوادي النيل والنيل دروع (...) [85]
    اقتربوا ... [86]
    فاقتربوا مني بوادي النيل شمس طافت... [87]
    شدوا رأسي بالسوسن واقتربوا... [88]
    ويمتاز المقطع الثالث بتكرار فعل بذاته ثلاث عشرة مرة، وهو ما اعتبرناه من قبل نمطا من القافية الداخلية:
    أقول لمن يشتهي سدة في الفراغ.
    تخون الصباح السخي، تخون الكواكب بين الكروم تخون دماء
    الأحبة وهي تسافر في رحم الأغنيات تخون الرياح التي
    اعتمرت بالفؤوس تخون الهوى المستريح على رقعه الضوء أنت
    تخون
    وكم خنت فينا صفاء من العندليب تخون المياه تخون
    رمالا تحلقن حولي تخون المنازل خفت حنينا إليهم
    تخون انتشاء تدلى على كتفي بارتعاش رحيم تخون الشوارع
    واسعة بالغبار وبالومض سيدة
    وتخون [89]
    فالفعل (تخون) شكل النص: ستة أفعال منهمضارعة ثم يأتي ماض واحد ثم تأتي ستة مضارعة بعده، وهو في الجميع مسندللمخاطب في شكل تاء الضمير أو تاء المضارع.
    ويمتاز المقطع الرابع بأنه فقرتانكلتاهما من ستة أسطر يتكرر فيهما الأول والأخير دون تغير وتختلف الأواسطمعجميا، ولكن بينها نمط من التقارب تركيبيا:
    الأولى: الثانية:
    ماذا يكتب في جبهته الغراء ماذا يكتب في جبهته الغراء
    لطخات طيور مطفأة أشلاء صلاة
    تدوين رثاء علق فوق سطوح بيضاء صورة مريم في زنزانتها
    شعل تنكسر بين يديه مرايا قداس الذبح
    أقداح فارغة تفتت سارية
    وفناء وفناء [90]
    وليس في المقطعين الخامس والسادس تكراريذكر، أما السابع فيمتاز بتلاحق الجمل الفعلية البادئة بفعل مضارع مسندلنون المتكلمين، ثم "لياء" الغائب ( النون والياء للمضارعة لا للضمير):
    هاهم إلى أقصى شفاعتهم ولا ينسون نخرج
    من مذاودهم نبارك حفلنا الشمسي نستهدي بماء النيل نجمع رجلنا.
    زادا تؤلفنا الطريق عمامة برقا يفك مناعة الأسوار نترك صوتنا يختار.
    وردته فنعلم أن هذا الماء يرفع حجبه سرا.
    ويندلق [91]
    وفيما عدا هذه الظواهر فليس ثمة تقطيع تقسيمي، ولا تواز تركيبي، ولا تقفية خاصة.
    النص 5- (ورقة البهاء) لبنيس:يقومالإيقاع الصوتي لهذا النص على سلسلة من التوازيات هي عمدته في المجالالصوتي، وهي ليست مفرطة في الكثافة منها:
    تكرار الحال مفردا وجملة بصيغته لا بلفظه، كما في:
    عن الذاهبين معي لجنوب الغواية/ مندفعين بحبر (...)
    منصتين لماء سبو [92]
    هو هذا المساء له أمم/ تتآلف في جرس
    تتحدر من يقظة الورقات
    (...) تتوجس ساعتها ... [93]
    كأس أخرى/ شعشعناها
    نقطناها
    استيقظ يا صاحبي
    استيقظ سترى.
    كلمني من قصب...
    خبئني في صدفات الحلم.
    اعمرني بالنار أنا الموؤودة دثرني
    انظروا إلي..
    خذوا منها
    ضعوها على مدينة فاس
    انظروا إليها.... [94]
    كل هذه الجمل تحمل تجانسا يعطي إيقاعا صوتيا بينا. وإضافة إليها فثمة جملة من التكرارات مثل:
    كن للنجمة/ كن للوردة / كن للطعنه[95]
    اتبعني لسطوع سعار.../ اتبعني لبلايا.../ اتبعني لنعزي... [96]
    ومثلها أنماط من التكرار تشير إلى محذوف مكرر كتكرار لام الجر التي تعد الفعل بالاكتفاء به في المرة الأولى فقط:
    هل هيأ للحكمة (...) للخشية (...) للشطحة (...) [97]
    أو بدال سياقي ما، كما في:
    أهلها يتلاشون.
    بنيانها
    وأسوارها
    وماؤها [98]
    فحذف حرف العطف الأول من "بنيانها" نبه إلى المسند المحذوف في الجمل الثلاث: "يتلاشون"...
    ومثل هذا التكرار ورد ضمن مقطعين يكررأحدهما الآخر، مع تغير لكافة الكلمات ما عدا المبتدأ الأول، وحرف الجر فيالجار والمجرور الذي يمثل الخبر المكرر أو ينبه إليه. وذلك في:
    (حجر لشاهدة/ لمئذنة/ لقوس غير منتصر/ لأسوار المدينة/ للجسور... [99]
    وهاتان الفقرتان تعكسان أيضا تكرارالتوازي المتأتي من التتابع الخطي للفواصل المتساوية كما يعكس تكرارالثانية للأولى بعد مقطع يفصل بينهما، نمطا من التقطيع التقسيمي باعتبارأن كلا من الفقرتين طالع لمقطع. ويرد التقطيع التقسيمي أثناء المقطعالرابع من النص حيث يتألف النص من ثلاث ثلاثيات، أول كل منها طالع متكررعلي النحو التالي:
    فاس عن فاس نأت
    1-مجذوب يستقصي أخبار الجوع
    وينبت فيها نخل صرخته
    فاس عن فاس نأت
    2- فقر يتجول بين منازه منهدمة
    ويدون تشريعات إقامته
    فاس عن فاس نأت
    3- دمن تتراسل في عيد ممنوع
    ويحصنها وسواس مياه منسحبه [100]
    فالنص يحمل بعض مظاهر إيقاع الحشو الصوتيبصورة متقطعة، ولكن من القراءة الأولى والبسيطة، قد لا يتبينه القارئ لأولوهلة، شأنه في ذلك شأن الأوزان فيه. فالإيقاع السمعي فيه عموما: الموسيقىالخارجية الموسيقى الداخلية، ليس من البروز بالقدر الذي يوجد في النصالغنائي المعتاد.
    النص 6- قطوف: محمد بنيس:
    يقسم الظواهر الصوتية في هذا النص خمسة أصناف هي:
    تكرار الحرف المعزول عن الإطار الدلالي:
    كاللام في: سلالة: "قطوف سلالة " [101]
    وفي ظلاله: "بين ظلاله
    وظلاله الأخرى " [102]
    وكالدال في ضد.حدود، دم . تعود:
    "يصد حدوده
    بدم
    تعود أن يسافر" [103]
    وكالراء في سريرة: "ومن شعل السريرة » [104]
    وكالهمز في أصداء: "الأصداء"[105]
    وكالواو والشين في وشوشات: "مراقي وشوشات فارغات " [106]
    الجناس كما في: الواشمات. الشاحبات. الزائرات، الحشرجات السيدات. وشوشات. فارغات.:
    تأتي الواشمات الشاحبات
    تأتي الزائرات بريحهن
    الحشرجات
    السيدات [107]
    مراقي وشوشات فارغات [108]
    التكرار كما في أوقدت:
    أوقدت
    ما أوقدت
    ما أوقدت [109]
    ما أوقدت... [110]
    وكما في ظلاله:
    بين ظلاله
    وظلاله الأخرى...[111]
    وكما في صمت:
    وتكون من صمت... [112]
    كان الصمت مكتملا... [113]
    صمت يكاد يشع... [114]
    وكما في كان:
    وتكون من صمت (س1) [115]
    كان الصمت مكتملا
    وكانت ناري [116]
    التقسيم التقطيعي: كما في جزء المقطع الوارد في آخر المقطع الأول والمكرر خرجة للنص.
    تأتي الواشمات الشاحبات
    تأتي الزائرات بريحهن الحشرجات
    السيدات [117].
    ثم تكررت:
    والواشمات الشاحبات
    تأتي الزائرات بريحهن
    الحشرجات
    السيدات [118]
    التوازي: وقد ورد في الرباعية السابقة:
    تأتي الواشمات الشاحبات
    تأتي الزائرات بريحهن
    الحشرجات
    السيدات
    وفي: مراقي وشوشات فارغات [119]
    وكما ورد في الحال والجار والمجرور بعده في الأسطر:
    ... خيمة للحلم
    عاصفة لكل متاهة بين الدواخل.
    موجة لشواطئ النسيان
    خطا لانفلات تصدع... [120]
    كل هذه أبرزت البعد الإيقاعي السمعيللنص، وخاصة منه هذا الجانب غير المنضبط بشكل يقبل التقنين. ولكنه رغم عدمانتظام تواتره يثري هذا البعد دون أن يكون الطابع الأبرز في النص،وبالتالي دون أن يثقله بلفظية فارغة.
    هذه النصوص الستة تتفق من حيث بروز ظاهرةالتكرار في المقام الأول، يليها في الأهمية التوازي التركيبي، ثم التقطيعالتقسيمي، وتمتاز عن غيرها بسمات نذكر أربعا من أبرزها هي:
    - سيطرة ضمير المتكلم (بي. ثم أنا ثم ت). وهو ما يحيل دلاليا إلى الظاهرة الثانية:
    - هيمنة أسلوب البث الداخلي (المونولج).وهو ما يخلق درجة من التوتر عالية يتولد عنها التكرار، وتتولد عنها كذلكالظاهرة الثالثة هنا:
    -تواتر الأسلوب الطلبي: خاصة منه الاستفهام الذي يحيل إلي السؤال محور التجربة الحداثية.
    - تقهقر دور القافية الصوتي إذ تتعقدالشحنة العاطفية وتنتشر على امتداد النص فلا تجد لها في أحيان كثيرة حداتتوقف عنده، وحتى إذا كان التكرار معبرا عن هذا التوتر فإن بإمكانه أنيتحكم في بداية الجملة أكثر مما يتحكم في نهايتها.
    ويمتاز نصا بنيس: موسم النيل وورقةالبهاء، بتفاوت مستوى فقرات النص من حيث الإيقاع الصوتي، إذ تراه يبرزنسبيا في بعض الفقرات، ثم إذا به يتلاشى ويختفى في البعض الآخر.
    وبذلك فالنصوص الستة تتفاوت فيما بينهاتفاوتا ملحوظا. فرغم هيمنة أسلوب البث الداخلي عليها كلها- مما يرجح كفةالعنصر الدرامي على العنصر الغنائي- فإن نصي "اللؤلؤة" و"قطوف" برز فيهماالجانب الإيقاعي الصوتي، سواء أتعلق بتكرار الدال، أم بتوازي التراكيب أمبتكرار الطوالع التقسيمية. ويقترب منهما في ذلك نصا (هذا (هو اسمي)و(سيمياء). ويأتي نصا (موسم النيل) ومقطع (ورقة البهاء) دون ذلك. ورغم أنالأول من هذين نص مستقل ضمن مجموعة نصوص، فهو قصير نسبيا، وأن الثاني نصمقتطع من نص واحد طويل، مما يؤهل الأول لشيء من الغنائية أكثر من الثاني،فإنهما مع ذلك متقاربان من حيث مستوى بروز البعد الإيقاعي الصوتي فيهماسواء في ذلك ما يتعلق بالموسيقى الداخلية أم بالخارجية.
    وارتكاز التكرار علي البث الداخلي يتفقمع رأي ألح عليه كل من أدونيس ومحمد بنيس في مقارباتهما النظرية. وهوضرورة الوصول إلي الأسرار التي تصل بين الكلمة والنفس، بين الإنسانوالحياة [121]في التعامل مع إيقاع الكلمة وتناغمها الضروريين لأي شعر، كما يقول أدونيس.ذلك أن الربط بين الوحدات الصوتية، والوحدات النحوية، والوحدات الدلاليةتبعا لإيقاع النفس هو ما يؤسس إيقاعا مغايرا له صيحة المغامرة وحجةالتجربة والممارسة وألق الخروج"[122] كما يقول بنيس.
    فالشعر "تكرير دوال" كما يقول بنيس غيرأن " الإيقاع والتناغم" وإن كانا ضروريين لأي شعر فإنهما لا يكفيان وحدهماكما يقول أدونيس الذي يرى أن التعبير الشعري الجديد "تعبير بمعاني الكلماتوخصائصها الصوتية والموسيقية"[123]وهي خصائص طغت عليها في الماضي- حسب رأيه- العناية بالعروض، عند ما "لميكن لتكرار الصوت في فواصل منتظمة، وتساوي اللحظة الموسيقية في الأبيات أوتواقتها"[124]من وظيفة سوى تسهيل الغناء، أما اليوم فإن الشكل الشعري الجديد. حسب الرأينفسه- هو بمعني ما " عودة إلى الكلمة العربية، إلى سحرها الأصلي، وإيقاعهاوغناها الموسيقي والصوتي" الذي لا يمثل الوزن إلا جانبا منه[125]
    ويتضح من ذلك أن النصوص المحللة متأثرةلحدما بهذه الآراء النظرية، فهذه النصوص تستعمل العروض، ولكنها لا تعتمدعليه، وتستعمل التكرار ولكن في حدود، بل إن بعض مقاطع النصين (4و5) قدتتخلى عنه، ولكن الأهم أن ما استعمل منه كان استعماله لصيقا بحالة وجدانيةيعبر عنها إيحاء، وذلك هو الشرط.
    İİ ــ 2-3: موسيقى الحركة:
    النص الأول: اللؤلؤة: أدونيس، حركة النصهنا قائمة على صراع الماضي والحاضر مع المستقبل الآتي نهرا يغمر، وحريقايخلص الحقل من أعشاب الماضي الطفيلية التي تمنع البذور من الانبثاق. حريقيقضي على ركام الماضي: التاريخ، الحضارات، الجيل الحاضر الحامل لفيروسالماضي ولكن هذا الجيل ذاته يلد جيل الأطفال الآتي مع المستقبل الذي سيلدهمع هذا الجيل الجديد رماد الجيل الحاضر والتاريخ والحضارة، إنه جيل آت منالحلم- الشاعر، أو الشاعر- الحلم- النبوءة. أو الشاعر النهر الذي يغمرالحلم والنبوءة، أوالجوهر الإنساني الفردي الجمعي/ اللؤلؤة الكامنة فيالشاعر التي تعيش صراع الظهور والاختفاء: حلم. حمى نبوية«، احتواء للكون،مخاض به، شعاع يطوق ظلام الحاضر/ الماضي مبشرا بفجر نائم ليبث يقظة الحبلهبا، فجر كامن كمون الطاقة في المادة... طاقة يحولها الصراع إلى نارتحرق، صراع الفرد/ الجماعة. نار وقودها الدم/ النهر، نهر الحياة المتحول،شعلتها التي لا تهمد، شعلتها التي تحرق ركام الماضي المنهار: أجساد عصورتتجرجر«. إنه الحريق الذي أصبحت جلبته مسموعة وشرره مرئيا:
    لا، دعوني:
    إنني أسمع أصواتا تغني في رمادي
    إنني ألمحها تمشي كأطفال بلادي [126]
    فكلا المقطعين قائم على حركة: حركة الأول متجهة نحو الدواخل: هي بحث عن الطريق إلى الذات في سبيل الوصول إلى الغير، "شعبي".:
    كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي [127]
    فلكي تتم الحركة نحو الغير يجب أولا أنتتم نحو الذات: "نحو نفسي" وحركة الشاعر رائدها السؤال الذي يبحث عن حقيقةالذات غائصا في العمق لاكتشاف كلمة السر: "اللؤلؤة الخفية":النهر/ الحلم :
    أني حمى نبويه...
    أنني ضوء يلف الليل يعرى...
    سائحا في جسد الليل
    وأني جامح أحتضن الأرض كأنثى
    وأنام
    موقظا حبي فيها
    لهبا يفتح يستنزل فيها
    آية أني كتاب
    ودمي حبر
    وأعضائي كلام [128]
    ثم تنطلق الحركة الثانية عبر الذات إلى الغير" شعبي":
    كيف أمشي نحو نفسي، نحو شعبي[129].
    فهو كتاب يحمل رسالة التغيير ولكنه ليسالكتاب الجماد فحبره من دم يغلى نارا تشتعل وتشعل. وإن صدره ليحتضن الكونبكامله فيحترق ليحيله رمادا يصبح سمادا لبذور الحياة الجديدة القادمة،فالدم ماء وضياء، والموت عبور إلى الحياة:
    ... أسندوا صدري ...
    في صدري حريق
    ومزامير،
    جبال وكروم
    ومسافات
    وأجساد عصور تتجرجر
    ونجوم
    والتواريخ مرايا
    والحضارات مرايا
    تتكسر [130]
    وحركة النص تتجه من الحاضر نحو المستقبل،لذلك خلا من الماضي، فالأفعال كلها في صيغة المضارع، وداخلة في سؤال موجهنحو المستقبل: كيف أمشي(...) "كيف أصعد"؟ فحتى القفل الذي لا يدخل في بنيةأحد السؤالين فهو يجري في سياقهما لذلك يبدأ بنهي وأمر. والسؤال والأمروالنهي كلها طلبية تتجه نحو المستقبل فالأفعال التسعة عشر الموجودة فيالنص كلها مضارعة والصفات الأربع الموجودة معها زمانية تسير معها في السياق نفسه.
    يقوم النص 2: (هذا هو اسمي) لأدونيس -أوالمقطعان المدروسان منه- على جزأين: الجزء الأول منهما يتكون من مقطعواحد، والآخر من مقطعين. والجزء الأول مختوم بعبارة (لافتة) والثانيبعبارة (منشور سري). و(اللافتة) إظهار وإشهار، والمنشور السري) إخفاء وستروكتمان.
    ما هي هذه اللافتة وما هو مضمون المنشور؟، وما هو محور التقابل بينهما؟
    اللافتة إعلان عن محو الحكمة والعرفوالقانون وتأسيس الفعل والجنون والخروج، والتأسيس حفر في الأعماق وخوض فيرحم الحب والحياة/ المرأة /الأرض، مركز الخلق وفعل الحياة، ومنطلق التحولمن منزلة الجبر إلى منزلة القدرة على الفعل وطاقة الفعل: النار الدم، منمنزلة الهامش إلى منزلة المحور مدار الكون:
    ماحيا كل حكمة هذه ناري
    لم تبق آيه - دمي الآية
    هذا بدئي
    دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ... [131]
    إنه تأسيس لبدء جديد، بعث جديد، حياةجديدة، وتجاوز لحياة قديمة. هل هي بداية الطوفان كما في قصة نوح، أم بدايةخلق جديد كما في قصة البعث والنفخ في الصور، إيذانا بموت العالم النسبي،وميلاد العالم المطلق؟ فتتأسس المدينة الجديدة على أنقاض المدينة القديمة،إخصاب الأرض التي بارت بترسبات أملاح الزمن، إنه اللقاء:
    دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك
    نيل يجري طفونا ترسبنا تقاطعت في دمي قطعت
    صدرك أمواجي انهصرت لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل
    هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ: صرخة تعرج المدينة
    والناس مرايا تمشي، إذا عبر الملح التقينا هل أنت ؟ [132]
    و(هل) تأرجح بين الشك واليقين. ويأتي الجواب صوتا من بعيد مؤذنا بوجود حب وحياة لا سبيل إليهما إلا عبر الموت:
    - حبي جرح.
    جسدي وردة على الحب لا يقطف إلا موتا.
    لأن حياتها استسلمت واستقرت فدخلت دائرة الموت:
    دمي غصن أسلم أوراقه استقر.... [133]
    لكنه بيات شتوي يختزن الحياة. إنها نبع الحياة والجمال:
    هل الصخر جواب؟ هل موتك السيد النائم يغوي؟
    عندي لثدييك هالات ولوع لوجهك الطفل وجه مثله [134]الذي يؤسس مدينة المستقبل على أنهيثنائية الحضور/ الغياب المسيطرة: غيابفي الظاهر المرئي، حضور في العقلوالوجدان والتصور، لذلك فالفعل يبقى،يستمر: إزالة الأنقاض الحاجبة،واستخراج الطاقة الكامنة القابلة للتحول منالقوة إلى الفعل إلى اللهبالماحي إلى الدخول إلى رحم الخلق إلى حوض الفعلالذي يؤسس مدينة المستقبلعلى أنقاض مدينة الماضي، الفعل الذي يحمل مشروعاللمستقبل
    كلهذه الأمثلة التي لا تكاد تند عنهاجملة في المقاطع الثلاثة المدروسة تبرزكثافة تواتر الظواهر الصوتية علىكافة مستوياتها: جناسا وتكرارا، وتقسيمايقطع النص عموديا، وتوازيا يقطعهنسقيا أفقيا. فالأزواج الأربعة الأولىتتقارب صوتيا لا دلاليا (جناس).والأزواج الاثني عشر (الثلاثيات الثلاثيكرر بعضها البعض تكرارا والطوالعالخمسة: طالعا فقرتين. وثلاثة طوالع أسطريعيد بعضها البعض كليا أو جزئيا.(تقسيم تقطيعي) وأخيرا، تلك الأمثلة التيتشتمل على بضع وثلاثين تركيباتتكرر تراكيب وصيغا، وتتوازى أفقيا. (التوازيأو الترصيع)
    وبإحصاءالكلمات الداخلة في تماثل صوتيعموما نجد أن 283 كلمة من أصل 355 كلمة هيعدد كلمات المقاطع المدروسةداخلة في تشابه أو تماثل صوتي، وهو ما يعطيللنص درجة من الإيقاع الصوتيعالية تصل إلي نسبة 79.71% رغم ما توحي بهالقراءة الأولى للنص من خفوتالبعد الصوتي عروضا وموسيقى حشو.
    النص3- سيمياء لأدونيس: يتكون هذا النصالمقتطع - كما تقدم- من أول المقطعالأخير من (مفرد بصيغة الجمع ) من 427كلمة تقريبا منها ما يزيد على المائةمن الأفعال بحيث تناهز نسبة الجملةالفعلية من غيرها 84% تقريبا. وتنتج عنكثرة الأفعال هذه ظاهرة صوتيةتتمثل في تكرار صيغ محدودة تكرارا كثيرا.وذلك ما يبين سيطرة التكرار علىغيره من الظواهر الصوتية. وفعلا فإن ظاهرتيالجناس والترديد نادرتان بينماالتكرار كثير: تكرار صيغ أفعال ماضية. صيغأفعال مضارعة تكثر الأولى فيالجملة الرئيسية، بينما تكثر الثانية في الجملالفرعية، وهناك صيغ أفعالالأمر وأدوات النداء التي تحل محل أفعالها،وأسماء الاستفهام التي تحل فيالجملة الاسمية محل الصفات المسندة أوالأفعال. نضرب على ذلك بعض الأمثلة:
    1ــ
    هكذا بدأت من أظافر القدمين
    يوم حككت بها جلدة الأرض

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 1:28 am