منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الإنيادة......2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الإنيادة......2 Empty الإنيادة......2

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 08, 2010 11:28 am

    [center]إنياذة
    Share/Save/Bookmark

    لمجموعة الآلهة المصرية القديمة التسعة, انظر التاسوع المصري Ennead.

    الإنياذة Aeneid
    إنياس يفر من طروادة المحترقة, فدريكو باروتشي, 1598 گالريا بورگيسه, روما
    المؤلف ڤرجيل
    اللغة لاتينية
    الصنف الأدبي شعر ملحمي
    الناشر Various
    الإصدار مطلع القرن الأول

    الإنياذة Aeneid (تـُنطق بالإنجليزية: إنـِياد; وفي اللاتينية Aeneis, تـُنطـق [aɪˈne.ɪs] — وباليونانية: Aeneidos) هي ملحمة شعرية باللاتينية كتبها ڤرجيل في القرن الأول ق.م. (بين 29 و 19 ق.م.) وتروي القصة الأسطورية للبطل إنياس, الطروادي الذي سافر إلى إيطاليا, حيث أصبح أصل الرومان. وهي مكتوبة على وزن dactylic hexameter. أول ستة من كتب الإنياذة الاثنى عشر تحكي قصة ترحال إنياس من طروادة إلى إيطاليا, والنصف الثاني من القصيدة مخصص لحرب الطرواديين المظفرة على اللاتين, الذي تحت اسمهم سينضوي إنياس وأتباعه الطرواديين لاحقاً.

    لقد كانت الفكرة الأولى أن يتغنى فرجيل بمعارك أكتافيان(15)، ولكن ما يفترضه القدماء من انحدار قيصر ربيب أكتافيان من الزهرة (فينوس) وإنياس هو الذي جعل الشاعر-أو لعله جعل الإمبراطور-يفكر في إنشاء ملحمة في تأسيس رومة. ثم تفتح الموضوع أمام الشاعر، فشمل الأحداث التي وقعت بعد تأسيس رومة، والتنبؤ بإنشاء إمبراطورية أغسطس، وبالسلم التي كانت أثراً من أعمالهِ. وشمل مشروع الملحمة أيضاً وصف أخلاق الرومان في أثناء هذه الأعمال المجيدة، والسعي لبث حب الفضائل القديمة في قلوب الرومان، وتصوير بطلها في صورة الإنسان الذي يعظم الآلهة، ويهتدي بهديها، ويدعو إلى الإصلاحات والمبادئ الأخلاقية التي دعا إليها أغسطس فيما بعد.

    فلما رسم فرجيل خطوط الملحمة الرئيسية آوى إلى عدة أماكن نائية منعزلة في إيطاليا، وقضى العشر السنين التالية (29-19) في تأليف الإنياذة. وكان يكتب فيها على مهل مخلصاً في عملهِ إخلاصاً فلوبير Flaubert، فيملي بضعة أسطر في صدر النهار ثم يعيد كتابتها في الأصل. وكان أغسطس في هذه الأثناء ينتظر إتمام الملحمة بفارغ الصبر، وكثيراً ما كان يسأل عما تم منها، ويلحُّ على فرجيل بأن يبعث إليهِ كل ما يفرغ من كتابتهِ. وظل الشاعر يستمهله أطول وقت مستطاع، ولكنه أخيراً قرأ لهُ الكتب الثانية والرابعة والسادسة منها. ولما سمعت أكتافيا أرملة أنطزنيوس الفقرة التي تصف ابنها مرسلس الذي مات من عهد قريب، أغمي عليها(16).

    ولم تتم الملحمة ولم تراجع المراجعة الأخيرة، لأن فرجيل سافر إلى بلاد اليونان في عام 19ق.م والتقى بأغسطس في أثينة، وأصيب بضربة شمس في مجارا، فقفل راجعاً إلى بلدهِ بعد أن وصل برنديزيوم بزمن قليل، وطلب وهو على فراش الموت إلى أصدقائهِ أن يتلفوا مخطوط الملحمة قائلاً إنه كان يحتاج إلى ثلاث سنين على الأقل تقديراً لصقلها وإعدادها للنشر، ولكن أغسطس أمرهم ألا ينفذوا هذه الوصية.

    أما قصة الإنياذة فيعرفها كل تلميذ. وخلاصتها أنه بينما كانت مدينة طروادة تحترق يظهر شبح هكتور القتيل إلى "إنياذ الصالح" قائد أحلافه الدروانيين، ويأمره أن يستعيد من اليونان ما كان في طروادة من "أشياء مقدسة وآلهة منزلية". وأهمها كلها البلاديوم Palladium أو صورة بلاس أثيني Pallas Athene؛ وكانوا يعتقدون أن بقاء الطرواديين موقوف على الاحتفاظ بها. وفي ذلك يقول هكتور Hector بطلهم المعروف: "ابحثوا عن هذه الصورة" الرموز المقدسة "لأنكم بعد أن تطوفوا بالبحار ستقيمون لكم آخر الأمر مدينة عامرة"(17). ويفر إنياس مع أبيه الشيخ أنكيسيز Anchises وابنه اسكونيوس، فيركبون سفينة تقف بهم في اماكن مختلفة، ولكن أصوات الآلهة تناديهم على الدوام أن يواصلوا السير. وتدفعهم الريح إلى مكان قريب من قرطاجنة حيث يجدون أميرة فينيقية تُدعى ديدو Dido تشيد مدينة جديدة. (وبينما كان فرجيل يكتب هذا كان أغسطس ينفذ مشروع قيصر وهو إعادة بناء قرطاجنة). ويقع إنياس في حب الأميرة، وتهب عاصفة مواتية فتتيح لهما الفرصة لأن يلجأا معاً إلى كهف واحد، ويتم بينهما ما تعده ديدو زواجاً، ويقبل إنياس تفسيرها هذا إلى حين، ويشترك هو ورجاله وهم راضون في بناء المدينة، ولكن الآلهة القاسية، التي لا نراها قط في الأساطير القديمة تعني كثيراً بالزواج، وتنذره بالسفر وتقول له إن هذه ليست هي البلدة التي يجب عليهِ أن يتخذها عاصمة لهُ. ويصدع إنياس بما يؤمر، ويترك الملكة الحزينة وهو يودعها بهذه الألفاظ الشبيهة بالغناء:

    "لن أنكر قط أيتها الملكة أنك تستحقين مني ما تعجز الألفاظ عن التعبير عنه...إني لم أمسك قط مشعل الزوج ولم أقسم يمين الزواج...ولكن أبلو قد أمرني الآن بركوب البحر...فامتنعي إذن عن أن تهلكي نفسك وتهلكيني بهذه الشيكات. إني لا أسعى إلى إيطاليا بمحض إرادتي"(18).

    الرحلة إلى إيطاليا (الكتب 1-6)
    Boxing scene from the Aeneid (book 5), mosaic floor from a Gallo-Roman villa in Villelaure (France), ca. 175 AD, Getty Villa (71.AH.106)

    "لا أسعى إلى إيطاليا بمحض إرادتي"، هذا هو سر القصة ومحورها الذي تدور عليهِ، ونحن الذين نحكم على فرجيل وبطله بعد ثمانية قرون من كتابة الأدب العاطفي وقراءته، نعلق على الحب الروائي، وعلى العلاقات بين غير الأزواج، وأكثر مما كان يعلقه عليها اليونان الرومان. فقد كان الزواج عند الأقدمين رابطة بين الأسر أكثر مما كان رابطة بين الأجسام والأرواح، وكانت مطلب الدين أو الوطن أسمى من حقوق الأفراد ونزواتهم. ويعطف فرجيل على ديدو ويسمو إلى ذروة البلاغة في فقرة من أجمل فقرات ملحمته حين يتحدث عنها وهي تلقي نفسها فوق كومة من الحطب المعد لحرق الموتى وتحرق نفسها حية؛ ثم يسير في ركاب إنياس إلى إيطاليا.
    الحرب في إيطاليا (الكتب 7-12)

    وينزل القرطاجنيون إلى البر عند كومي ثم يسيرون إلى لاتيوم حيث يستقبلهم ملكها لاتنس ويرحب بهم. وكانت ابنته لافينيا Lavinia مخطوبة لترنس Turnus وهو شاب وسيم وزعيم الروتوليين المجاورين لهذه المدينة؛ ويوقع إنياس الجفوة بينها هي وأبيها وبين خطيبها؛ ويعلن ترتس الحرب عليهِ وعلى لاتيوم، وتنشب معارك حامية الوطيس. وتعتزم سيبيل الكومائية Cumaean Sibyl أن تقوي إنياس وتشجعه، فتأخذه إلى ترتاروس بطريق بحيرة إيرنس Aernus. وكما أن فرجيل قد كتب ملحمة عن تجوال إنياس على نمط أوذيسية هومروس وأخرى قصيرة عن حروبه شبيهة بالإلياذة، فإنه الآن يستوحي رحلة أوديسيوس في الجحيم، ويصبح هو نفسه مثلاً يحتذيهِ دانتي ويهتدي بهديهِ في ملهاته المقدسة.وفي هذا يقول فرجيل: "ما أسهل النزول إلى الجحيم Facilis Descensus Averni " ولكن بطله يجد الطريق إليها وعراً شديد العذاب، كما يجد العالم السفلي معقداً شديد الاختلاط. وفي هذا العالم يلتقي بديدو، فتشيج بوجهها عما عما يبثه من وجدهِ؛ ويشهد ضروب العذاب التي يعاقب بها من ارتكبوا الذنوب على وجه الأرض، والسجن الذي يُعذب فيهِ أنصاف الآلهة المتمردون كما يُعذب الشيطان. ثم تأخذه سيبيل إلى أيك السعداء حيث ينعم الصالحون في الأودية الخضراء بالنعيم السرمدي. وهنا يشرح له والده أنكيسيز، الذي توفي في الطريق، أسرار الجنة، والمطهر والجحيم، ويصور له في أوضح صورة وأشملها مجد رومة وأبطالها في مستقبل الأيام. وتكشف له الزهرة في رؤيا أخرى عن موقعة أكتيوم وانتصارات أغسطس، وبعد أن تنتعش روح إنياس بهذه المناظر يعود إلى عالم الأحياء، ويقتل ترنس، وينشر الموت من حوله ببطشهِ وشدة بأسه. ويتزوج بلفينيا الخيالية، ثم يموت والدها فيرث عرش لاتيوم، ولا يلبث أن يخر صريعاً في إحدى المعارك، وينتقل إلى جنان الفردوس، ويشيد ابنه أسكانيوس Ascanins ألبالنجا لتكون عاصمة جديدة للقبائل اللاتينية، ومنها يخرج من نسلهِ رميولرس وريموس ليشيدا مدينة رومة.
    السياق
    folio 22 from the Vergilius Vaticanus - flight from Troy

    ويبدو أن من سوء الأدب أن ينتقد الإنسان نفساً كريمة رفيعة كنفس فرجيل لما تغمر بهِ بلدها وإمبراطورها من ثناء وتعظيم، أو أن ينقب الإنسان عن عيوب في ملاحم لعله لم يرغب قط في كتابتها، ولم يعش ليتمها. ولا حاجة إلى القول بأنه كتبها على نمط الملاحم اليونانية، وتلك هي السنة جرى عليها الأدب الروماني كلهُ إذا استثنينا منه الهجاء والمقالة. غير أننا نستبيح لأنفسنا هذا القدر من النقد، وهو أن مناظر المعارك الحربية ليست إلا أصداء ضعيفة لما في مناوشات الإلياذة من قعقعة وضجيج، وأن أورورا Aurora لتظهر في الإنياذة بقدر ما تظهر بهِ الفجر ذات الأصابع الوردية في إلياذة هومر. ويستعير الشاعر من نئيفيوس، وإنيوس، ولكريشيوس حوادث وعبارات، وسطوراً كاملة في بعض الأحيان، كما أن أبولونيوس الرودسي Apllonius of Rhodes هو الذي يمده بالمثل الذي يحتذيهِ في حب ديدو المفجع، وهذا الأنموذج هو أرجونوتكا Argonautica. وكانت هذه الاستعارات الأدبية جائزة لا غبار عليها في عصر فرجيل، كما كانت جائزة في عصر شيكسبير، لك أنه كان ينظر إلى آداب البحر الأبيض المتوسط كلها على أنها تراث عقول البحر الأبيض المتوسط كلها، والمعين الذي تستمد منه هذه العقول. ولا جدال في أن ما تقوم عليهِ الملحمة من أساطير تتعب القارئ وتبعث في نفسهِ الملل، وذلك لأننا نضع لأنفسنا الآن أساطير أخرى جديدة؛ ولكن الذي لا شك فيهِ أيضاً أن هذه الإشارات والملحمات الإلهية التي تتخلل القصيدة كانت مألوفة محبوبة حتى لقراء الشعر الروماني المتشككين. ولسنا نجد في ملحمة فرجيل العليل ذات الشعر الهادئ السلس ما نجده في قصة هومر من حوادث دافئة، كما أننا لا نجد فيها الحقائق التي يسري فيها دم الحياة والتي تحرك جبابرة الإلياذة، أو أهل إثكا Ithaca السذج. يضاف إلى هذا أن قصة فرجيل كثيراً ما تمشي الهوينا، وأن أشخاصهُ كلهم تقريباً مرضى إلا الذين يهجرهم إنياس أو يقضي عليهم. وديدو الإنياذة امرأة حية لطيفة، خادعة، شديدة الانفعال، وترنس محارب ساذج شريف يغدر بهِ لاتنس، وتحكم عليهِ الآلهة السخيفة بموت هو غير جدير بهِ. وبعد أن يقرأ الإنسان عشر مقطوعات كلها نواح وندب، تشمئز نفسهُ من "تقي" إنياس الذي يتركه مسلوب الإرادة. ويُغتفر له عذره، ولا يولتيهِ النجاح إلا بتدخل القوى السماوية، وفوق هذا كله فإننا لا نستمتع بالخطب الطويلة التي يقتل بها الشاعر الصالحين من الرجال، والتس تكون بلاغتها سبباً آخر من أسباب مللنا، يضاف إلى هذا ما ندجده فيها من تمحيص هو محك الإنسانية النهائي لمعرفة الحقيقة.

    وإذا شئنا أن نفهم الإنياذة على حقيقتها ونقدرها التقدير الذي هي جديرة بهِ، كان علينا أن نتذكر في كل قسم من أقسامها أن فرجيل لم يكن يكتب رواية خيالية، بل كان يكتب لرومة كتاباً مقدساً؛ وليس ذلك لأنه يقدم لها شريعة دينية واضحة، فإن الآلهة الذين يسيرون الحوادث في تمثيليتهِ من وراء الستار لا يقلون خبثاً عن لآلهة هومر، وإن لم يكونوا قريبين من البشر الفكهين قرب هؤلاء؛ بل إنا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن كل ما في القصة من شر وشقاء ليس منشؤه من فيها من رجال ونساء بل منشؤه الآلهة أنفسهم. وأكبر الظن أن فرجيل لم يكن يرى في أولئك الأرباب إلا أنهم أدوات لشعرهِ، ورموز للظروف الظالمة المستبدة، والحادثات المفاجئة التي تخل بسير العالم المنتظم الرتيب؛ وهو على العموم يتذبذب بين جوف الأرباب وبين القدر اللا شخصي، فهذا يسيطر على الكائنات تارة وذلك يسيطر عليها تارة أخرى. وآلهة القرية والحقل أحب إليهِ من آلهة أولمبس، فهو لا يترك فرصة تُتاح له إلا مجد الأولى ووصف طقوسها ومراسمها، وتمنى لو استطاع الناس أن يعودوا إلى ما كانوا عليهِ من حب الآباء، والوطن والآلهة، وهو الحب الذي كانت تغذيهِ العقيدة الريفية البدائية: "أسفي على تقوى الأقدمين وإيمانهم!" غير أنه لا يؤمن بالفكرة القديمة عن الجحيم خيث يحشر الموتى جميعاً الصالح منهم والطالح، بل تخالجه أفكار أرفية فيثاغورية عن تجسيد الأرواح بعد الموت، وعن الحياة في الدار الآخرة، وهو يوضح إلى أقصى حد يستطيعه فكرة الثواب في الجنة والمطهر، والعقاب في الجحيم.

    لكن الدين الحقيقي في الإنياذة هو دين الوطنية، وإلهها الأعظم هو رومة فمصير رومة هو المحرك لحبكة القصة، وكل ما في القصة من محن وشدائد إنما يرجع إلى "الواجب المضني واجب بعث الشعب الروماني Tantae Molis Erat Romanam Condere Gentem". والشاعر فخور بالإمبراطورية فخراً يمنعه أن يحسد اليونان على تفوقهم في الثقافة ويقول في ذلك: فلتحول الشعوب الأخرى الرخام والبرونز إلى شخوص حية ولترسم مسارات النجوم. "أما أنت يا أبن رومة، فواجبك أن تحكم العالم، وستكون فنونك أن تعلم الناس طرائق السلم، وأن تشفق على الذليل، وتذل الفخور(20)". وفرجيل لا يأسف على موت الجمهورية، وهو يدرك أن حرب الطبقات هي التي قضت عليها ولم يقضِ عليها قيصر؛ وهو في كل جزء من اجزاء قصيدتهِ يبشر بأن حكم أغسطس سيعيدها سيرنها الأولى، ويرحب بهِ ويصفه بأنه حكم زحل قد عاد إلى الأرض، ويعده بأنه سيُجزي على عملهِ بأن يُحشر في زمرة الأرباب. وقصارى القول أن أحداً من الناس لم يوف بما ألقي على كاهلهِ من واجب أدبي بأكمل مما وفى بهِ فرجيل.

    يبقى بعد ذلك أن نسأل لم نحتفظ بحبنا الشديد لهذه الدعاوة للتقى وصالح الأخلاق، وحب الوطن، والنعرة الإمبراطورية؟ إن من أسباب هذا الحب ما نجده في كل صفحة من ورقة روح الشاعر وظرفه، وأنا نشعر بأن عطفهِ قد امتد من إيطاليا بلادهِ الجميلة إلى جميع بني الإنسان، بل إلى جميع الكائنات الحية؛فهو يدرك آلام الطبقات العليا والدنيا، ويعرف أهوال الحرب وما يصاحبها من فحش ورذيلة، ولا ينسى أن أنبل الناس أقصرهم آجلاً، وأن ما في الحياة من أحزان وآلام، وما في "الأشياء من دموع Lacrimae Rurum" تذهب ببهجة الأيام تارة وتزيدها تارة أخرى. وهو حين يكتب عن "العندليب الذي يبكي في ظلال شجرة الحور صغارها الحراث فانتزعها من عشها قبل أن يكسوها الريش، فيقضي الليل كلهُ ينتحب، ثم يجثم على فنن ويعيد أغنيته الحزينة، ويملأ الغابة بها وبعوبله"(21) نقول إنه حين يفصل هذا لا يقلد لكريشيوس فحسب. وإن الذي يجذبنا نحو فرجيل مراراً وتكراراً هو ما في حديثه من جمال لا ينقطع أبداً. ولم يكن عبثاً منه أن ينكب على سطر من سطورهِ "فيلعقه بلسانه ليسويه ويصقله، كما تلعق الدبة ديسمها"(22). ولن يستطيع أحد غير القارئ الذي حاول الكتابة أن يتصور ما عاناه الشاعر من التعب حتى أكسب قصته ما فيها من نعومة وسلاسة، وزينها بكثير من الفقرات ذات الأنغام القوية الرنانة التي تطالعنا في كل صفحتين من الكتاب، وتغري القلم باقتباسها واللسان بالنطق بها. ولعل القصيدة مفرطة في جمالها المتناسق المتمائل، لأن جمال اللفظ نفسه يمل إذا أفرطت فصاخته في الطول. وفي فرجيل سحر نسائي ولكنا لا نطالع فيهِ قط ما نجده في شعر لكريشيوس من رجولة وقوة التفكير، وكما لا نجد فيهِ تلك الأمواج الصاخبة التي نراها في ذلك "البحر المتلاطم العجاج" المسمى هومر. ونحن نبدأ نفهم ما يعزى إلى فرجيل من حزن واكتئاب، حين نتصوره يدعو إلى عقائد لم يكن في وسعهِ قط أن يستعيدها في نفسهِ، ويقضي عشر سنين في كتابة ملحمة تتطلب كل حادثة من حوادثها، ويتطلب كل سطر من سطورها، ما يحتاج إليهِ الفن المصطنع من جهود، ثم يموت والأفكار تساوره بأنهُ عجز عن تحقيق غرضه، وأن خياله لم ينره وميض من الإبداع والابتكار، وأنه لم يبعث في أشخاصه نسمة الحياة. ولكن أحداً لا يجادل في أن الشاعر قد انتصر نصراً مؤزراً على أداتهِ إن لم يكن قد نال هذا النصر نفسه على موضوعهِ. وقلما بلغت الصناعة ذلك الحد الأعلى من الإعجاز الذي بلغته في شعر فرجيل.

    وبعد عامين من وفاتهِ أخرج منفو وصيتهِ قصيدتهِ إلى العالم، وقام بعضهم يعيبها ويسفهها: فنشر أحد النقاد ثبتاً طويلاً بعيوبها، ونشر غيره ثبتاً آخر بما فيها منم سرقات، وأصدر ثالث ثمانية مجلدات محتوية على ما بين شعر فرجيل والشعر القديم من شبه(23). ولكن رومة سرعان ما نسيت هذه الشيوعية الأدبية، فوضع هوراس فرجيل هومر، ونشأت مدارس أدبية بدأت بها قرون تسعة عشر، ظل الناس فيها يحفظون الإنياذة عن ظهر قلب، وظل الناس جميعاً خاصتهم وعامتهم يهتفون باسمهِ، والصناع، والتجار، يقتبسون من شعرهِ، وشواهد القبور والجدران تنقش عليها عباراته؛ ومتنبئو الهياكل يجيبون السائلين بعبارات غاضبة يقتطعونها من أبيات ملحمته؛ وبدأت من ذلك الوقت تلك العادة التي لم تنقطع إلى عصر النهضة، عادة فتح ملحمة فرجيل فتحاً عشوائياً للبحث عن نصيحة أو نبوءة في أول فقرة تقع عليها عين الفاتح. وانتشر صيته حتى كان يعد في العصور الوسطى من السحرة والقديسين. وكيف لا وهو الذي تنبأ في التشيد الرابع بمجيء المنقذ، ووصف رومة فب الإنياذة بالمدينة المقدسة التي ستخرج منها قوة الدين وتنتشل العالم مما يتخبط فيهِ؟ ألم يصور الكتاب السادس الرهيب يوم الحشر وعذاب المذنبين، وتطهيرهم في نار المطهر، ونعيم الصالحين في الجنة؟ لقد كان فرجيل أيضاً كما كان أفلاطون ذا روح مسيحية طبيعية رغم آلهته الوثنية. وكان دانتي يعجب بعذوبة شعره، ولم يكن يسترشد بهِ في وصف الجحيم والمطهر فحسب، بل كان يسترشد بهِ أيضاً في تدفق فنه القصصي وجمال حدديثه؛ وكان ملتن يفكر وهو يكتب الفردوس المفقود وخطب الشياطين والآدميين الطنانة الرنانة؛ وكان فلتير-وهو الذي كنا نتوقع أن يكون أقسى مما كان في الحكم على فرجيل- يصف الإنياذة بأنها أجمل ما خلفه لنا الأقدمون من تراث أدبي(74).

    [b]

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 3:58 am