دراسات أدبية - الأدب الصوفي / الكاتبة: د. ناهضة ستار
بنية السرد في القصص الصوفي1
سيرة الكاتبة
لقراءة الكتاب
بطاقة تعريف الكاتبة: د. ناهضة ستار
-الكاتبة: د. ناهضة ستار من مواليد 1967 العراق شاعرة وناقدة
-في مجال الشعر لها مجموعة "رؤيا الكلام" 11-2001
-الدراسات النقدية، أبحاث في أسلوبية السرد وشعرية النثر الصوفي، والأدب النسوي ونقده، وجماليات الخطاب النقدي.
-عضوة اتحاد الأدباء والكتاب العرب والعراقيين.
-رئيسة المنتدى الثقافي للمرأة في محافظة القادسية.
-حالياً أستاذة النقد والأسلوبية في كلية الآداب جامعة القادسية.
الكتاب
مكونات البنية السردية في للقصة الصوفية
مفهوم التصوف وأثره في نشأة القصة
بنية السرد في القصص
بنية الاستهلال في القصص الصوفي
ثنائية الراوي والمروي له
بنية المروي الصوفي
بنية السرد في القصص الصوفي1
المكونات والوظائف والتقنيات
بقلم الكاتبة: د. ناهضة ستار
بسم الله الرحمن الرحيم
(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون، إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.)
صدق لله العظيم - سورة السجدة
الإهداء: إليهما.. إذْ تورقُ الرؤْيا بوجهيهما اختياري الصائب: بِضْعَتي تُقَى وأبيها
ناهِضة ستّار
المقدمة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ المُرسلين محمّدٍ الأمين، وعلى آله وصحبهِ والمؤمنين بهِ إلى يومِ الدّينِ. أما بعد..
فلقدْ توفّر المنهجُ البنيوي على جملةِ خصائص ومزايا، جعلت منه أهلاً لاستخدامه في مستويات إجرائية متعددة ومتباينة من حيث الجنس الأدبي والنوع والزمن والموضوعات. بحكم ما تتوفر عليه مستوياته التحليلية من أبعاد لها إمكانية الإحاطة والتعمّق في جوهر العملية الأدبية مبتدئةً بالهيكل المبني عليه النص. انطلاقاً من فلسفة صدرت عنها الدراسات البنيوية، هذه الفلسفة ترى أن تكوين صورة كلية عن نصٍ أدبي ما، وتحديد أفقه الدلالي أو الرمزي أو الإشاري، لا تؤتي أُكُلها إلا إذا ابتدأت من الكيفية التي انبنى بها الشكل الأدبي والمكونات البنائية الأساس التي قامت للنص –بفضل منها- هيئة مخصوصة.
بناءً على ذلك فإن الدرْسَ البنيوي يعد فحصاً للأوليات تمهيداً للوصول إلى الكليات.. يبدأ بالمحسوس المجسَّد ليصل إلى المعنوي المجرّد، من خلالِ النظر في المتشابهات والمختلفات التي تحكمها (سياقات) مختلفة كانت الباعث على إنتاجها فضلاً عن عواملَ أخرى مؤثرة. لأجل هذا، وبسبب من هذه الرؤية الوصفية في التحليل، أمكن دراسة متون أدبية مختلفة في أجناسها وأنواعها وأزمانها وموضوعاتها، وجنسيات منتجيها أيضاً. على وفق معطيات هذا المنهج الذي يصف قبل أن يقرر، ويعتمد على الأساس اللساني للنص وكيفيات تَشكُّل اللغة في النصِ وعلاقتها بالدلالة المراد بثّها للمتلقي.
مسوّغات الدراسةِ وأهميّتها:
جملةُ دواعٍ ومسوّغات وقفت إزاء الباحثة لاختبار هذه المهمة البحثية الصعبة، كان في طليعتِها: الرغبة في بعْثِ جزءٍ من التراث العربي الأصيل برؤيةٍ حديثة؛ تكشف عن قيمة هذا التراث الخالد الذي سبقت عبقريته عصره، والتي لم تجد من ينهض بمهمة نفض الغبار عن جوهرها الأثير، والامتداد إلى حيث أفقها الباذخ.
فكانت القصة الصوفية هي التراث الذي يستأهل النقد والتحليل والدراسة، فلقد انبثت هذه القصص والحكايات في المظان الأدبية وغير الأدبية، ككتب التاريخ والاجتماع والفلسفة والطبقات والرسائل.. الأمر الذي يجعل الباحثة أمام صعوبات الجمع والتصنيف وتقدير الصالح منها للفحص النقدي، آخذاً بعين الاهتمام تنوع التجربة، بل التجارب الصوفية وطابعها النسبي بين المتصوفة فضلاً عن تطور دلالة مفاهيمها تعاقبياً. وهنا تتحدد (الصعوبة) مع (القيمة) التي يتوفر عليها المنجز الحكائي الصوفي؛ فقيمته في صعوبته واستلزامه لرؤية مميزة دقيقة شمولية وواعية للسياقات التي أنتجت هذا المنجز. ولعل قلة الدراسات المتعلقة بالنثر الصوفي، كانت محفزاً آخر على تسنم مهمة هذا الدرس، وسلوك سبيلها الشاقة والماتعة معاً. فيما لو أُضيئت بطروحات النقد الحديث والمعاصر في الكشف عن بنية هذا الأدب الحكائي وطرائق تشكيل لغته الأدبية وعناصره ومكوناته الدالة، الأمر الذي سكتت عنه الدراسات التاريخية/ الأدبية أو الأدبية التي عنيت بالمعاني والرموز أكثر من طرائق تشكيل هذه المعاني أو إزجاء تلك الرموز.
منهجُ الدراسةِ وهيكليّتها:
اعتمدت الدراسة منهجية الدرس البنيوي الشكلاني مسباراً يكشف عن القيمة البنائية والهيكلية للقصة الصوفية، من خلال فحص مكونات البنية السردية للقصة ومثالها الوظائفي، وأنماط الشخصيات فيها، وبنية الزمن، وصيغ السرد، ووظائف السارد. وبحسب مقتضيات المنهج –الذي حاولت الالتزام بمقولاته التي تفصح عن مستويات النص الصوفي في أجلى صورة وأكثرها وفاءً للنصِ الأصل ومؤلفه- كانت هيكليّة الدراسة قائمةً على مقومات هذا المنهج، فجاء البحث في تمهيد وثلاثة فصول وقُدّم لها بمدخلٍ نظري يوضح مقولات المنهج وأساسياته.
وقف التمهيد على مفهوم التصوف من خلال رؤيةٍ تاريخية، جاءت الحاجة إليه تحقيقاً لغايتين:
الأولى: الوقوف على التطورات التي أصابت مفهوم التصوف منذ قرون الإسلام الأولى، مروراً بالقرنين الثالث والرابع العصرين الذهبيين للتصوف حتى القرن السابع الهجري. ولم يكن التاريخ القديم بعيداً عن رؤية المسألة في التمهيد؛ فعرّجَ البحثُ على التاريخ للفكرة الصوفية في حضارات أمم الأرض بدءاً بالحضارة الرافدينية في العراق القديم، ثم حضارات الهند واليونان والصين والفرس بحسب السبق الزمني لولادة هذه الحضارات.
الثانية: استعراض تاريخيّة التصوف وأدبياته تسهل عملية تصنيف هذا الأدب. الأمر الذي مهد السبيل أمام الباحثة لتصنيف الحكايات الصوفية إلى ثلاثة أنماط: ذاتي، وموضوعي، واسترجاعي.
وقبل أن يأخذ البحث مستواه الإجرائي على القصة الصوفية، أجد أن منطقية البحث العلمي تستدعي صنع مهاد نظري، لتتحدد به مقولات المنهج المتبع، فتم تحديد مصطلح بنية السرد، وعلم السرد، واتجاهاته الرئيسية، والرؤية التي تتبناها هذه الأطروحة، بالفصل الأول الخاص باستجلاء مكونات البنية السردية في القصة الصوفية، وضمن ثلاثة مباحث:
أولها: في بنية الاستهلال وأثره في صيرورة الفكرة التي تبدأ بمقدمة الاستهلال ثم بعد ذلك تنفك شفرة الاستهلال في سياق القصة، أو خاتمتها، ثانيها: ثنائية الراوي والمروي له، وأثرهما في خلق العملية السردية، وتوجيه دلالاتها لخدمة هدف التوصيل.
ونظر الثالث في: بنية المروي الصوفي.
وفي جميع هذه المباحث حرصتِ الباحثة على تقديم صورةٍ إجمالية بعد تفصيل المكونات، تعتمد العلائق الرابطة بين المكونات اتساقاً مع سياق استدعى حضور هذه العلائق وتمظهراتها على سطح النص.
وكان مدار الفصل الثاني تشخيصاً للمثال الوظائفي القصة الصوفية باعتماد منهج (بروب) في مصنفه (موروفولوجيا الخرافة) وأردف بمبحث عن الشخصية الحكائية صدوراً عن قناعة بالرابطة القائمة بين الوظيفة –بوصفها فعلاً حكائياً- وبين الشخصية بوصفها (فاعلاً) في عملية السرد، كما واستعان البحث بمنهج (بارت) و(كريماس) ولا سيما في تمييزه بين البنيات الكبرى للشخصيات والبنيات الصغرى. وكان وكد الباحثة في هذا الفصل متوجهاً إلى إسناد أشكال الوظائف السردية إلى دلالاتها ثم ربط دلالات هذه الوظائف لتحصيل قيمة دلالية كلية لم يصرح بها النص.
وانجلى الفصل الثالث عن فحصٍ منهجي وإجرائي في آليات السرد القصصي؛ وجمهرت تحت لوائه مباحث ثلاثة، كشف الأول عن النظام الزمني في القصة، وأهمية عنصر (الترتيب) في سرد الوقائع، مبرزاً الفرق بين زمن الحكاية وزمن السرد عن طريق تقديم قراءتين للنص الأولى وقائعية والثانية نصية، أما ثاني المباحث فكان مكرساً لتبتّع ظاهرة تقنية الإيقاع الحكائي وفاعلية (الحركات الأربع) في تشكيل فنية السرد بين زمن الحكاية وزمن السرد.
وانضوى تحت هذا الفصل حديث عن صيغة السرد في مبحث ثالث من خلال اعتماد مقولات المسافة السردية، والمنظور، وتعددية الصيغ وأثرها في إغناء السرد القصصي حتى يجمع (فنية الإمتاع) إلى (فائدة الإيصال).
كما وختم البحث بخاتمة إجمالية تم فيها بيان أهم ما وقفت عليه الدراسة في نتائج ومحصلات خرجت بها الدراسة الحالية ثم الأفق الذي تفتحه هذه الدراسة لدراسة قابلة وعلى وفق مناهج أخرى.
وأُردفت الخاتمة بسردٍ تفصيلي لمراجع البحث ومصادره ودورياته العربية منها والأجنبية التي أثْرتِ البحث متناً وتحليلاً نقدياً. وبغية التعريف بمضمون الأطروحة ومنهجها بلغة حية أخرى جرى في نهاية الأطروحة تسطيرُ موجزٍ عن الأطروحة باللغة الإنكليزية.
فرضيّة الدراسة ومشكلاتُها:
لا بد لكل جهدٍ علمي من فرضية يصدر عنها محاولاً –في دراسته-إيجاد حلول مناسبة لها، أو عرضها عرضاً علمياً يجعل موضوعاتها في دائرة الضوء، ومحور الاهتمام والعناية. تنطلق فرضية هذه الدراسة من الفكرة الآتية: الحكاية الصوفية نوع أدبي معهود ضمن أجناس الكتابة الصوفية وأنواعها، في عصورها المتعاقبة. أُقيمت عليها الدراسات، ومباحث أولت العناية أساساً إلى بنيتها الموضوعية والرمزية كحال أكثر الدراسات التي تناولت الشعر الصوفي. واختزالاً لذلك كانت الجهود البحثية والتأليفية تجيب عن سؤال.
-ماذا قالت القصة الصوفية؟ مع إشارات موجزة عن أركان عملية السرد من شخوص وحوار ومكان الحدث.
أما هذه الدراسة فتتبنى محاولة الإجابة على سؤال:
-كيف قالت القصة الصوفية مضامينها؟
وعلى هذا الأساس صار عنوان الأطروحة بنية السرد في (القصة الصوفية)، وليس (الحكاية الصوفية)، فالحكاية الصوفية قصة قد تكاملت أركانها السردية وذلك يتم اكتشافه والوصول إليه بعد فحص هيكلية بنائها السردي ومكوناته وصيغه ووظائفه. كما إن الباحثة تستشعر في اصطلاح (الحكاية –الصوفية) ضرباً من الانتقاص من هذا المنجز الأدبي المهم، ويبدو لي أن المسألة لها تعلق بالنظرة المتواضعة –ولا أقول الدونية- من العربي إزاء منجزات تراثه القومي قديمه وحديثه، حين وضع نفسه –أو وضعه الآخر- في موازنة غير متكافئة مع الغرب ومنجزاته، ففي الوقت الذي يدرس الباحث الغربي نماذج حكائية بسيطة من أساطير الجدّات والخرافات وحكايا الأسمار، ويجعل منها نموذجاً لدراسات مُعمّقة ومنهجية.. نجد العربي يُكْبر على تراثه أن يعده نمطاً قصصياً وهو نمط عالٍ في فكره ولغته وصياغاته فضلاً عن تعبيره عن قضايا غاية في الأهمية والتأثير والفاعلية، كالدين والأفكار والأخلاق والقيم الأصيلة.
ولم تخل هذه المهمة الكبيرة من مشكلات عانت الباحثة منها ولمّا تزل.. تجسدت بعض هذه المشكلات في النقاط التالية:
1-الكثرة الكاثرة من هذه القصص، مما يجعل الباحث أمام صعوبة الجمع والتصنيف.
2-انبثاث هذه القصص في مظان مختلفة في تخصصاتها بين أدب وتاريخ واجتماع وفلسفة وأديان وطبقات.. إلخ.
3-عناء الحصول على المراجع الحديثة الخاصة بالمنهج ومستحدثاته ومستجداته على الساحة الثقافية والأكاديمية في الخارج. وهذا واحد من أعباء الحصار الثقافي الجائر الذي يعانيه المثقف والباحث في القطر على وجه العموم.
4-اختلاف وجهات النظر في ترجمة المصطلح الأجنبي، وهذه مشكلة المباحث النقدية جميعاً.
وكان للأستاذ المشرف –أدامه الله- حضور مؤكّد في الركونِ إلى المصطلح الأقرب إلى مراد المؤلف، كون الأستاذ المشرف علماً من أعلام النقد الحديث والتأليف والترجمة.
وتم –بعون الله تعالى- تذليل بعض هذه المشكلات بمعونةٍ علمية وأخلاقية عالية من أستاذي وشيخي الدكتور عناد غزوان المشرف على الدراسة أدام الله علمه وجهده وخلقه العالي النبيل، ولفيف من الإخوان الأساتذة الفضلاء وزملاء الدرس ورفاق الثقافة الأمر الذي ذلل الكثير من المتاعب ليتسنى لهذا البحث أن يرى النور.
الدراسات السابقة:
من أسس البحث العلمي الرصين وأخلاقياته، إن كل جهد علمي حديث، يجب أن يبدأ من حيث انتهى من سبقه ويؤسس لمن يأتي بعده. وعليه فإن النظر بعين التقدير والاحترام والوفاء لجهود السابقين بالفضل، لهو من أوليات أخلاق الباحث العلمي لأن هذه الدراسات وبخاصة الأكاديمية منها، قد حظيت بقراءة واعية ونقاش علمي دقيق وفاحص من لدن أساتذة فضلاء ومشايخ التخصص. بناءاً على ذلك أذكر من هذه الدراسات أطروحة مهمة ورصينة تناولت النثر الصوفي وأنماطه وموضوعاته للأستاذ الدكتور فائز طه عمر عن جامعة بغداد كلية الآداب، كانت الحكاية الصوفية من ضمن مباحث الرسالة وكانت هذه الدراسة ذات عون كبير وأهمية علمية جليلة في بيان خطوط العمل الذي ارتكزت عليه رسالتي وبخاصة مادة التمهيد. وثمة دراسة ماجستير تناولت الحكاية الصوفية عند ابن عربي، وتبنت أطروحة دكتوراه في آداب الجامعة المستنصرية دراسة البناء الفني للحكاية الصوفية التي استخدمت فيها أكثر من منهج للبحث والتحليل فكانت ذات طابع شمولي بقيت فيه الحكاية الصوفية حكاية، وتعد هذه الدراسة من الجهود العلمية الحسنة والموفقة، وأخيراً كنت أتمنى على (عبد الله إبراهيم) في سرديته العربية أن يكون ثمة فسحة للقصة الصوفية بوصفها نوعاً أدبياً فسحة تضاف إلى متون دراسته من خرافة وسيرة ومقامة، ولا سيّما أنه قدّم جهداً علمياً طيباً في الفحص والجمع والمعالجة والتحليل النقدي.
مصادر الدراسة ومراجعها:
وقفت الدراسة على ضربين من المصادر البحثية والتأليفية:
الأول: ما يخص متن الرسالة وهي القصص الصوفية.
والثاني: يخص منهج الرسالة البنيوي الشكلاني ومستجداته، في ما يخص المتن استقت الباحثة قصص الرسالة ومادة البحث من مصادر متعددة كان من أهمها: الرسالة القشيرية وطبقات الأولياء لابن الملقن، ورسائل إخوان الصفاء في أربعة مجلدات، ومنامات الوهراني، ومقدمة ابن خلدون والمثنوي لجلال الدين الرومي، ومنطق الطير لفريد الدين العطار وغيرها وبمشورة من أستاذي المشرف –أدامه الله- تم الاقتصار على جملة من النماذج القصصية ولا بأس في الإشارة إلى مشابهاتها في المظان الأخرى. الأمر الذي يفتح السبيل أمام باحثين جدد لاستقصاء نماذج أخرى لم يسع هذه الدراسة استقصاؤها. أما مراجع المنهج فتم الاعتماد على أصولها، في طبعاتها المترجمة كـ (خطاب الحكاية) لجيرار جينيت ط 1997 و(عودة إلى خطاب الحكاية) ط2000 و(موروفولوجيا الخرافة) ط1986، ومؤلفات سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي وانفتاح النص الروائي والكلام والخبر، ومراجع أخرى كثيرة سعت الباحثة إلى إدراك مكنوناتها والتعمق في مرجعياتها وانتقاء ما تستلزمه الدراسة الحالية.
وبعْدُ..
فإن هذه الدراسة المتواضعة، لا بد وأن يشوبها النقص شأنها شأن أي صنيع بشري، على الرغم من كبير الجهد، وصادق العناية، وشديد المعاناة في أن تخرج هذه الدراسة صورة عن شغف الباحثة بهذا الشأن العلمي، والتخصص الجليل لكي تكون على ما تربت عليه النفس من مشايخ الأدب والنقد أطال الله عمرهم ونفع بهم طلبة العلم؛ علماً وخلقاً وسلوكاً.
وأخيراً..
سؤال للباري –عز وجل- أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وخدمة لأمتي الخالدة الأصيلة ولتراثها العظيم، ويجعلنا من جملة من يسمعون القول فيتبعون أحسنه، وعياً وإيماناً واختياراً وصدقاً..
والحمد الحمد كله لله رب العالمين.
الباحثة
من التراث النقدي العربي:
((... واعلم أنك لا تشفى الغلة، ولا تنتهي إلى ثلج اليقين حتى تتجاوز حد العلم بالشيء مجملاً إلى العلم به مفصلاً، وحتى لا يقنعك إلا النظر في زواياه، والتغلغل في مكامنه، وحتى تكون كمن تتبع الماء حتى عرف منبعه، وانتهى في البحث عن جوهر العود الذي يضع فيه إلى أن يعرف منبته ومجرى عروق الشجر الذي هو منه)).
الإمام عبد القاهر الجرجاني من دلائل الإعجاز
بنية السرد في القصص الصوفي1
سيرة الكاتبة
لقراءة الكتاب
بطاقة تعريف الكاتبة: د. ناهضة ستار
-الكاتبة: د. ناهضة ستار من مواليد 1967 العراق شاعرة وناقدة
-في مجال الشعر لها مجموعة "رؤيا الكلام" 11-2001
-الدراسات النقدية، أبحاث في أسلوبية السرد وشعرية النثر الصوفي، والأدب النسوي ونقده، وجماليات الخطاب النقدي.
-عضوة اتحاد الأدباء والكتاب العرب والعراقيين.
-رئيسة المنتدى الثقافي للمرأة في محافظة القادسية.
-حالياً أستاذة النقد والأسلوبية في كلية الآداب جامعة القادسية.
الكتاب
مكونات البنية السردية في للقصة الصوفية
مفهوم التصوف وأثره في نشأة القصة
بنية السرد في القصص
بنية الاستهلال في القصص الصوفي
ثنائية الراوي والمروي له
بنية المروي الصوفي
بنية السرد في القصص الصوفي1
المكونات والوظائف والتقنيات
بقلم الكاتبة: د. ناهضة ستار
بسم الله الرحمن الرحيم
(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون، إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.)
صدق لله العظيم - سورة السجدة
الإهداء: إليهما.. إذْ تورقُ الرؤْيا بوجهيهما اختياري الصائب: بِضْعَتي تُقَى وأبيها
ناهِضة ستّار
المقدمة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ المُرسلين محمّدٍ الأمين، وعلى آله وصحبهِ والمؤمنين بهِ إلى يومِ الدّينِ. أما بعد..
فلقدْ توفّر المنهجُ البنيوي على جملةِ خصائص ومزايا، جعلت منه أهلاً لاستخدامه في مستويات إجرائية متعددة ومتباينة من حيث الجنس الأدبي والنوع والزمن والموضوعات. بحكم ما تتوفر عليه مستوياته التحليلية من أبعاد لها إمكانية الإحاطة والتعمّق في جوهر العملية الأدبية مبتدئةً بالهيكل المبني عليه النص. انطلاقاً من فلسفة صدرت عنها الدراسات البنيوية، هذه الفلسفة ترى أن تكوين صورة كلية عن نصٍ أدبي ما، وتحديد أفقه الدلالي أو الرمزي أو الإشاري، لا تؤتي أُكُلها إلا إذا ابتدأت من الكيفية التي انبنى بها الشكل الأدبي والمكونات البنائية الأساس التي قامت للنص –بفضل منها- هيئة مخصوصة.
بناءً على ذلك فإن الدرْسَ البنيوي يعد فحصاً للأوليات تمهيداً للوصول إلى الكليات.. يبدأ بالمحسوس المجسَّد ليصل إلى المعنوي المجرّد، من خلالِ النظر في المتشابهات والمختلفات التي تحكمها (سياقات) مختلفة كانت الباعث على إنتاجها فضلاً عن عواملَ أخرى مؤثرة. لأجل هذا، وبسبب من هذه الرؤية الوصفية في التحليل، أمكن دراسة متون أدبية مختلفة في أجناسها وأنواعها وأزمانها وموضوعاتها، وجنسيات منتجيها أيضاً. على وفق معطيات هذا المنهج الذي يصف قبل أن يقرر، ويعتمد على الأساس اللساني للنص وكيفيات تَشكُّل اللغة في النصِ وعلاقتها بالدلالة المراد بثّها للمتلقي.
مسوّغات الدراسةِ وأهميّتها:
جملةُ دواعٍ ومسوّغات وقفت إزاء الباحثة لاختبار هذه المهمة البحثية الصعبة، كان في طليعتِها: الرغبة في بعْثِ جزءٍ من التراث العربي الأصيل برؤيةٍ حديثة؛ تكشف عن قيمة هذا التراث الخالد الذي سبقت عبقريته عصره، والتي لم تجد من ينهض بمهمة نفض الغبار عن جوهرها الأثير، والامتداد إلى حيث أفقها الباذخ.
فكانت القصة الصوفية هي التراث الذي يستأهل النقد والتحليل والدراسة، فلقد انبثت هذه القصص والحكايات في المظان الأدبية وغير الأدبية، ككتب التاريخ والاجتماع والفلسفة والطبقات والرسائل.. الأمر الذي يجعل الباحثة أمام صعوبات الجمع والتصنيف وتقدير الصالح منها للفحص النقدي، آخذاً بعين الاهتمام تنوع التجربة، بل التجارب الصوفية وطابعها النسبي بين المتصوفة فضلاً عن تطور دلالة مفاهيمها تعاقبياً. وهنا تتحدد (الصعوبة) مع (القيمة) التي يتوفر عليها المنجز الحكائي الصوفي؛ فقيمته في صعوبته واستلزامه لرؤية مميزة دقيقة شمولية وواعية للسياقات التي أنتجت هذا المنجز. ولعل قلة الدراسات المتعلقة بالنثر الصوفي، كانت محفزاً آخر على تسنم مهمة هذا الدرس، وسلوك سبيلها الشاقة والماتعة معاً. فيما لو أُضيئت بطروحات النقد الحديث والمعاصر في الكشف عن بنية هذا الأدب الحكائي وطرائق تشكيل لغته الأدبية وعناصره ومكوناته الدالة، الأمر الذي سكتت عنه الدراسات التاريخية/ الأدبية أو الأدبية التي عنيت بالمعاني والرموز أكثر من طرائق تشكيل هذه المعاني أو إزجاء تلك الرموز.
منهجُ الدراسةِ وهيكليّتها:
اعتمدت الدراسة منهجية الدرس البنيوي الشكلاني مسباراً يكشف عن القيمة البنائية والهيكلية للقصة الصوفية، من خلال فحص مكونات البنية السردية للقصة ومثالها الوظائفي، وأنماط الشخصيات فيها، وبنية الزمن، وصيغ السرد، ووظائف السارد. وبحسب مقتضيات المنهج –الذي حاولت الالتزام بمقولاته التي تفصح عن مستويات النص الصوفي في أجلى صورة وأكثرها وفاءً للنصِ الأصل ومؤلفه- كانت هيكليّة الدراسة قائمةً على مقومات هذا المنهج، فجاء البحث في تمهيد وثلاثة فصول وقُدّم لها بمدخلٍ نظري يوضح مقولات المنهج وأساسياته.
وقف التمهيد على مفهوم التصوف من خلال رؤيةٍ تاريخية، جاءت الحاجة إليه تحقيقاً لغايتين:
الأولى: الوقوف على التطورات التي أصابت مفهوم التصوف منذ قرون الإسلام الأولى، مروراً بالقرنين الثالث والرابع العصرين الذهبيين للتصوف حتى القرن السابع الهجري. ولم يكن التاريخ القديم بعيداً عن رؤية المسألة في التمهيد؛ فعرّجَ البحثُ على التاريخ للفكرة الصوفية في حضارات أمم الأرض بدءاً بالحضارة الرافدينية في العراق القديم، ثم حضارات الهند واليونان والصين والفرس بحسب السبق الزمني لولادة هذه الحضارات.
الثانية: استعراض تاريخيّة التصوف وأدبياته تسهل عملية تصنيف هذا الأدب. الأمر الذي مهد السبيل أمام الباحثة لتصنيف الحكايات الصوفية إلى ثلاثة أنماط: ذاتي، وموضوعي، واسترجاعي.
وقبل أن يأخذ البحث مستواه الإجرائي على القصة الصوفية، أجد أن منطقية البحث العلمي تستدعي صنع مهاد نظري، لتتحدد به مقولات المنهج المتبع، فتم تحديد مصطلح بنية السرد، وعلم السرد، واتجاهاته الرئيسية، والرؤية التي تتبناها هذه الأطروحة، بالفصل الأول الخاص باستجلاء مكونات البنية السردية في القصة الصوفية، وضمن ثلاثة مباحث:
أولها: في بنية الاستهلال وأثره في صيرورة الفكرة التي تبدأ بمقدمة الاستهلال ثم بعد ذلك تنفك شفرة الاستهلال في سياق القصة، أو خاتمتها، ثانيها: ثنائية الراوي والمروي له، وأثرهما في خلق العملية السردية، وتوجيه دلالاتها لخدمة هدف التوصيل.
ونظر الثالث في: بنية المروي الصوفي.
وفي جميع هذه المباحث حرصتِ الباحثة على تقديم صورةٍ إجمالية بعد تفصيل المكونات، تعتمد العلائق الرابطة بين المكونات اتساقاً مع سياق استدعى حضور هذه العلائق وتمظهراتها على سطح النص.
وكان مدار الفصل الثاني تشخيصاً للمثال الوظائفي القصة الصوفية باعتماد منهج (بروب) في مصنفه (موروفولوجيا الخرافة) وأردف بمبحث عن الشخصية الحكائية صدوراً عن قناعة بالرابطة القائمة بين الوظيفة –بوصفها فعلاً حكائياً- وبين الشخصية بوصفها (فاعلاً) في عملية السرد، كما واستعان البحث بمنهج (بارت) و(كريماس) ولا سيما في تمييزه بين البنيات الكبرى للشخصيات والبنيات الصغرى. وكان وكد الباحثة في هذا الفصل متوجهاً إلى إسناد أشكال الوظائف السردية إلى دلالاتها ثم ربط دلالات هذه الوظائف لتحصيل قيمة دلالية كلية لم يصرح بها النص.
وانجلى الفصل الثالث عن فحصٍ منهجي وإجرائي في آليات السرد القصصي؛ وجمهرت تحت لوائه مباحث ثلاثة، كشف الأول عن النظام الزمني في القصة، وأهمية عنصر (الترتيب) في سرد الوقائع، مبرزاً الفرق بين زمن الحكاية وزمن السرد عن طريق تقديم قراءتين للنص الأولى وقائعية والثانية نصية، أما ثاني المباحث فكان مكرساً لتبتّع ظاهرة تقنية الإيقاع الحكائي وفاعلية (الحركات الأربع) في تشكيل فنية السرد بين زمن الحكاية وزمن السرد.
وانضوى تحت هذا الفصل حديث عن صيغة السرد في مبحث ثالث من خلال اعتماد مقولات المسافة السردية، والمنظور، وتعددية الصيغ وأثرها في إغناء السرد القصصي حتى يجمع (فنية الإمتاع) إلى (فائدة الإيصال).
كما وختم البحث بخاتمة إجمالية تم فيها بيان أهم ما وقفت عليه الدراسة في نتائج ومحصلات خرجت بها الدراسة الحالية ثم الأفق الذي تفتحه هذه الدراسة لدراسة قابلة وعلى وفق مناهج أخرى.
وأُردفت الخاتمة بسردٍ تفصيلي لمراجع البحث ومصادره ودورياته العربية منها والأجنبية التي أثْرتِ البحث متناً وتحليلاً نقدياً. وبغية التعريف بمضمون الأطروحة ومنهجها بلغة حية أخرى جرى في نهاية الأطروحة تسطيرُ موجزٍ عن الأطروحة باللغة الإنكليزية.
فرضيّة الدراسة ومشكلاتُها:
لا بد لكل جهدٍ علمي من فرضية يصدر عنها محاولاً –في دراسته-إيجاد حلول مناسبة لها، أو عرضها عرضاً علمياً يجعل موضوعاتها في دائرة الضوء، ومحور الاهتمام والعناية. تنطلق فرضية هذه الدراسة من الفكرة الآتية: الحكاية الصوفية نوع أدبي معهود ضمن أجناس الكتابة الصوفية وأنواعها، في عصورها المتعاقبة. أُقيمت عليها الدراسات، ومباحث أولت العناية أساساً إلى بنيتها الموضوعية والرمزية كحال أكثر الدراسات التي تناولت الشعر الصوفي. واختزالاً لذلك كانت الجهود البحثية والتأليفية تجيب عن سؤال.
-ماذا قالت القصة الصوفية؟ مع إشارات موجزة عن أركان عملية السرد من شخوص وحوار ومكان الحدث.
أما هذه الدراسة فتتبنى محاولة الإجابة على سؤال:
-كيف قالت القصة الصوفية مضامينها؟
وعلى هذا الأساس صار عنوان الأطروحة بنية السرد في (القصة الصوفية)، وليس (الحكاية الصوفية)، فالحكاية الصوفية قصة قد تكاملت أركانها السردية وذلك يتم اكتشافه والوصول إليه بعد فحص هيكلية بنائها السردي ومكوناته وصيغه ووظائفه. كما إن الباحثة تستشعر في اصطلاح (الحكاية –الصوفية) ضرباً من الانتقاص من هذا المنجز الأدبي المهم، ويبدو لي أن المسألة لها تعلق بالنظرة المتواضعة –ولا أقول الدونية- من العربي إزاء منجزات تراثه القومي قديمه وحديثه، حين وضع نفسه –أو وضعه الآخر- في موازنة غير متكافئة مع الغرب ومنجزاته، ففي الوقت الذي يدرس الباحث الغربي نماذج حكائية بسيطة من أساطير الجدّات والخرافات وحكايا الأسمار، ويجعل منها نموذجاً لدراسات مُعمّقة ومنهجية.. نجد العربي يُكْبر على تراثه أن يعده نمطاً قصصياً وهو نمط عالٍ في فكره ولغته وصياغاته فضلاً عن تعبيره عن قضايا غاية في الأهمية والتأثير والفاعلية، كالدين والأفكار والأخلاق والقيم الأصيلة.
ولم تخل هذه المهمة الكبيرة من مشكلات عانت الباحثة منها ولمّا تزل.. تجسدت بعض هذه المشكلات في النقاط التالية:
1-الكثرة الكاثرة من هذه القصص، مما يجعل الباحث أمام صعوبة الجمع والتصنيف.
2-انبثاث هذه القصص في مظان مختلفة في تخصصاتها بين أدب وتاريخ واجتماع وفلسفة وأديان وطبقات.. إلخ.
3-عناء الحصول على المراجع الحديثة الخاصة بالمنهج ومستحدثاته ومستجداته على الساحة الثقافية والأكاديمية في الخارج. وهذا واحد من أعباء الحصار الثقافي الجائر الذي يعانيه المثقف والباحث في القطر على وجه العموم.
4-اختلاف وجهات النظر في ترجمة المصطلح الأجنبي، وهذه مشكلة المباحث النقدية جميعاً.
وكان للأستاذ المشرف –أدامه الله- حضور مؤكّد في الركونِ إلى المصطلح الأقرب إلى مراد المؤلف، كون الأستاذ المشرف علماً من أعلام النقد الحديث والتأليف والترجمة.
وتم –بعون الله تعالى- تذليل بعض هذه المشكلات بمعونةٍ علمية وأخلاقية عالية من أستاذي وشيخي الدكتور عناد غزوان المشرف على الدراسة أدام الله علمه وجهده وخلقه العالي النبيل، ولفيف من الإخوان الأساتذة الفضلاء وزملاء الدرس ورفاق الثقافة الأمر الذي ذلل الكثير من المتاعب ليتسنى لهذا البحث أن يرى النور.
الدراسات السابقة:
من أسس البحث العلمي الرصين وأخلاقياته، إن كل جهد علمي حديث، يجب أن يبدأ من حيث انتهى من سبقه ويؤسس لمن يأتي بعده. وعليه فإن النظر بعين التقدير والاحترام والوفاء لجهود السابقين بالفضل، لهو من أوليات أخلاق الباحث العلمي لأن هذه الدراسات وبخاصة الأكاديمية منها، قد حظيت بقراءة واعية ونقاش علمي دقيق وفاحص من لدن أساتذة فضلاء ومشايخ التخصص. بناءاً على ذلك أذكر من هذه الدراسات أطروحة مهمة ورصينة تناولت النثر الصوفي وأنماطه وموضوعاته للأستاذ الدكتور فائز طه عمر عن جامعة بغداد كلية الآداب، كانت الحكاية الصوفية من ضمن مباحث الرسالة وكانت هذه الدراسة ذات عون كبير وأهمية علمية جليلة في بيان خطوط العمل الذي ارتكزت عليه رسالتي وبخاصة مادة التمهيد. وثمة دراسة ماجستير تناولت الحكاية الصوفية عند ابن عربي، وتبنت أطروحة دكتوراه في آداب الجامعة المستنصرية دراسة البناء الفني للحكاية الصوفية التي استخدمت فيها أكثر من منهج للبحث والتحليل فكانت ذات طابع شمولي بقيت فيه الحكاية الصوفية حكاية، وتعد هذه الدراسة من الجهود العلمية الحسنة والموفقة، وأخيراً كنت أتمنى على (عبد الله إبراهيم) في سرديته العربية أن يكون ثمة فسحة للقصة الصوفية بوصفها نوعاً أدبياً فسحة تضاف إلى متون دراسته من خرافة وسيرة ومقامة، ولا سيّما أنه قدّم جهداً علمياً طيباً في الفحص والجمع والمعالجة والتحليل النقدي.
مصادر الدراسة ومراجعها:
وقفت الدراسة على ضربين من المصادر البحثية والتأليفية:
الأول: ما يخص متن الرسالة وهي القصص الصوفية.
والثاني: يخص منهج الرسالة البنيوي الشكلاني ومستجداته، في ما يخص المتن استقت الباحثة قصص الرسالة ومادة البحث من مصادر متعددة كان من أهمها: الرسالة القشيرية وطبقات الأولياء لابن الملقن، ورسائل إخوان الصفاء في أربعة مجلدات، ومنامات الوهراني، ومقدمة ابن خلدون والمثنوي لجلال الدين الرومي، ومنطق الطير لفريد الدين العطار وغيرها وبمشورة من أستاذي المشرف –أدامه الله- تم الاقتصار على جملة من النماذج القصصية ولا بأس في الإشارة إلى مشابهاتها في المظان الأخرى. الأمر الذي يفتح السبيل أمام باحثين جدد لاستقصاء نماذج أخرى لم يسع هذه الدراسة استقصاؤها. أما مراجع المنهج فتم الاعتماد على أصولها، في طبعاتها المترجمة كـ (خطاب الحكاية) لجيرار جينيت ط 1997 و(عودة إلى خطاب الحكاية) ط2000 و(موروفولوجيا الخرافة) ط1986، ومؤلفات سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي وانفتاح النص الروائي والكلام والخبر، ومراجع أخرى كثيرة سعت الباحثة إلى إدراك مكنوناتها والتعمق في مرجعياتها وانتقاء ما تستلزمه الدراسة الحالية.
وبعْدُ..
فإن هذه الدراسة المتواضعة، لا بد وأن يشوبها النقص شأنها شأن أي صنيع بشري، على الرغم من كبير الجهد، وصادق العناية، وشديد المعاناة في أن تخرج هذه الدراسة صورة عن شغف الباحثة بهذا الشأن العلمي، والتخصص الجليل لكي تكون على ما تربت عليه النفس من مشايخ الأدب والنقد أطال الله عمرهم ونفع بهم طلبة العلم؛ علماً وخلقاً وسلوكاً.
وأخيراً..
سؤال للباري –عز وجل- أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وخدمة لأمتي الخالدة الأصيلة ولتراثها العظيم، ويجعلنا من جملة من يسمعون القول فيتبعون أحسنه، وعياً وإيماناً واختياراً وصدقاً..
والحمد الحمد كله لله رب العالمين.
الباحثة
من التراث النقدي العربي:
((... واعلم أنك لا تشفى الغلة، ولا تنتهي إلى ثلج اليقين حتى تتجاوز حد العلم بالشيء مجملاً إلى العلم به مفصلاً، وحتى لا يقنعك إلا النظر في زواياه، والتغلغل في مكامنه، وحتى تكون كمن تتبع الماء حتى عرف منبعه، وانتهى في البحث عن جوهر العود الذي يضع فيه إلى أن يعرف منبته ومجرى عروق الشجر الذي هو منه)).
الإمام عبد القاهر الجرجاني من دلائل الإعجاز