مصطلح (Anecdote) بحدّوثة، وهي كلمة شائعة في اللهجة المصرية، والقريبة من مصطلح حكاية. Le conte، أما مصطلح قصة فقد استخدمه للدّلالة على لفظ Récit، ومصطلح سرد narration مشيراً "ويجدر التنويه أن استخدامنا هذا المصطلح ـ الأخير ـ أيضاً إلى صيغة ألسنية "حدوثي" في العديد من المواضع". (29)
2 ـ خطاب/ نصّ
إنّ مصطلح خطاب من المصطلحات التي ولجت في الدّراسات النقدية الحديثة، وأصبحت أكثر تداولاً لدى النقاد المعاصرين العرب، نتيجة احتكاكهم بالتيارات النقدية العالمية، ورغبة منهم في تجاوز المفاهيم التقليدية، والسعي إلى آفاق المعرفية العلمية، ومحاولة تجاوز الإشكالية التي طرحها مفهوم (نص) من النصوص النقدية.
فيحيل مفهوم النص ـ كما ورد في المعاجم العربية ـ على معنى الظهور والارتفاع والانتصاب وهو في معجم (لسان العرب)، يحمل دلالة الرفع حيث ورد نص الحديث ينصه نصاً، رفعه وكلّ ما أظهر فقد نُصّ... ويقال نصّ الحديث إلى فلان أي رفعه... والمنصة ما تظهر عليه العروس لترى، وكلّ شيء نصص فقد أظهره، وهناك لفظ النصّ والنصيص أي السير الشديد والحث، وأصل النص أقصى الشيء وغايته (30). ويعني المصطلح في موضعٍ آخر لدى ابن منظور التحديد حتى يستخرج أقصى سير الناقة (31)، ومنه نصت الدابة السير إذا أظهرت أقصى ما عندها.
وكان الزمخشري ضمن سلسلة طويلة من الأصوليين، الذين كان لهم الفضل، في لفت الأنظار إلى دلالة المصطلح، فقد قرّر لغة، أنّ المصطلح يعني الارتفاع والانتصاب حيث أنّ الماشطة تنصّ العروس فـتـقـعدها على المنصة وهي تنصّ عليها أي ترفعها، ونص فلان سيداً كنص، ونصصت الرجل إذا أخفيته من المسألة ورفّعته إلى حدّ ما عنده من العلم حتى استخرجته، وبلغ الشيء نصّه أي منتهاه.(32)
وكان الشافعي يرى أن النصّ: خطاب يعلم ما أريد به من الحكم سواء كان مستقلاً بنفسه أو علم المراد به يغيره نافياً الاجتهاد في النصّ وقابلاً الاجتهاد من النصّ" (33).
وبذلك فإنّ النصّ لدى أغلب الأصوليين، يقترن بالتعيين ونفي الاحتمال، واستبعاد التأويل، وإلغاء أي دلالة حافة يتضمنها المفهوم، وظهوره في الثقافة العربية، ظلّ يواجه فعالية الوصف والاستقراء؛ والتحليل، فما يتصل بأدلّة الأحكام من قرآنٍ وحديث، لكونهما نصين مقدّمين، ثم امتدّ ليشمل الأدب كضرب من ضروب الإبداع.
أمّا مصطلح (خطاب)، وحيثما ورد في تضاعيف المعاجم العربية، فهو يحيل على الكلام (34)، وقد استمدّ دلالته المذكورة من السّياق الذي ورد فيه القرآن الكريم، قال تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطَابِ) (35) . وفي قولـه عزّ وجلّ: (فَقَالَ أكْفُلْنِيهَا وَعَزِّتِي فِي الخِطَابِ )(36). ويورد الزمخشري تفسيراً في فصل الخطاب بأنه الكلام المبين الدّال على المقصود بلا التباس" (37)، وهو موسوم بالبيان والتبيان، وتجنب الإبهام والغموض واللّبس، فخلق بين المصطلحين (كلام وخطاب) تلازماً يوجب الكثير من الاستقصاء والفحص الدّقيقين.
أمّا ابن جني، فقد عرّف الكلام، بأنّه لفظ مستقلّ بنفسه، مفيدٌ لمعناه، معتبراً أكمل داخل سياق الكلام هي الأخرى وحدات مستقلة على اختلال تراكيبها. وهو مذهب الشريف الجرجاني من الحديث عن المعنى المركّب. والآمدي الذي خصّ الكلام بمعنى الخطاب ثم التهانوي الذي دلل على الأصول الشفاهية للمصطلح، محاولاً إخراج لفظ الخطاب من كلّ ما يعتمد على الحركة والإيحاء والإشارة كوسائل للإفهام، كما أخرج أيضاً المهمل من الكلام، وكلّ كلام لا يقصد به الأصل في إفهام السّامع.
وعليه، فإنّ تحديد تعريف دقيق لدى الأصولية لمصطلح (الخطاب)، وفي الثقافة العربية، يقتضي بعض التريث، ذلك لأنه مصطلح شامل يتّسع لكثير من الدّلالات، فضلاً على اتساع المفهوم ليشمل كلام الله، ويشمل دلالات أخرى حافة. وهكذا اتضح أنّ هذه المادّة (نصص)، ذات معانٍ متعدّدة أهمها أربعة: هي الرفع والحركة، والإظهار وبلوغ الغاية.
وفي المعاجم العربية الحديثة يعدّ مصطلح (نصّ) أكثر المفاهيم تناولاً، فقد أورد صاحب معجم (الرائد) عشرة معانٍ لفعل (نصّ) هي نصّ على الشيء، حدّه، ونصّ القول أو الفعل: رفعه وأسنده إلى صاحبه، ونصّ الشيء: رفعه وأظهره، ونصّ العروس: أقعدها على المنصّة، ونصّ المتاع: جعل بعضه فوق بعض، ونصّه: استقصّ عن الشيء حتى استخرج ما عنده، ونصّ الناقة: استحثّها لتسرع، ونصّ عنقه: نصبه، رفعه ونصّ الشيء: حرّكه ونصّ الشيء: ظهر (38). وهناك تعريفات تختلف في دلالتها وتتفق حسب اجتهادات أصحابها وتوجّهاتهم من جهة، وحسب تطورات المصطلح من جهة أخرى، من ذلك النص يحوي دلالتين في "المعجم الأدبي" الأولى: كلام لا يحتمل معنىً واحداً مكتوب أو مطبوع (39)، والنصّ هو الأصل والجوهر، وهو مختلف عن الكلام، لأنه فرع وهامش مفهوم بالخطأ.
وفي الثقافة الغربية فإن الحفر من الأصول اللغوية الاصطلاحية لِ: الخطاب والنصّ، ليس مردّه إلى النظم المرجعية التي استمدّت منها المفاهيم وجودها، وحسب، وإنما اختلاف نقد المعرفة التي كانت محضناً مباشراً لكل مصطلح،وموجّهاً لدلالته في الثقافة المذكورة.
من هذا المنطلق، تحيلنا بعض المعاجم إلى مفهوم الخطاب الذي يحتوي أحياناً النص ويضعه في نطاق أوسع، فلا يعزله عن شروط تلفظه وتداولـه في مجالٍ حيوي نشيط (40). وهو في معجم اللسانيات (لجان ديبوا) Jean du bios، يعني الكلام (Parole) كمصطلح مرادف للملفوظ (énoncé) (41).
أما مصطلح نص في اللسانيات، فهو مقابل للدّلالة اللغوية Texte، يدلّ على النصوص والمتون العائدة لمؤلّف ما، كما يحيل على النسج، بينما دلالته الاصطلاحية تحيل على سلسلة من الكلمات تؤلّف تعبيراً حقيقياً في اللغة.
وقد أورد الباحثان قريماس وكورتيس ضمن ـ المعجم السيميائي المعقلن ـ مصطلحي الخطاب والنصّ مترادفين، ووفق معنى أحادي موحدٍ. للدّلالة على أحكام سيميائية غير لسانية، وذهبت النظرية السيميائية إلى عدّ الخطاب جهازاً ذو مستويات الواحد فوق الآخر، (42) وفي ضوء هذا التحديد السيميائي أمكن تلخيص جملة من الملاحظات أهمها.
1 ـ أن النص استخدم في اللسانيات للدّلالة على كلّ مكتوب أو ملفوظ مهما كان حجمه.
2 ـ إن النص وحدة لغوية وليست نحوية مثله مثل العبارة أو الجملة.
3 ـ دلالة الخطاب والنص واحدة.
أمّا في المعاجم اللغوية الفرنسية الموسوعية، فإنّ كلمة Discours ذات أصل لاتيني (Discursis) والنصّ (Texte)، تطلق على المتن، نصّ، جمع نصوص، متن، متون (43). وفي غير ذلك إن النص رد فعل اللغة نتيجة عمل أي (نسيج) (44)، يطلق النص (Texte) على الكتاب المقدّس أو كتاب القدّاس، وهو في اللاتينية (textus)، وتعني النسيج (Tissu) أو (trame)، كما تعني منذ العصر الإمبراطوري ترابط حكاية أو نصّ 45، فيتحوّل بذلك النصّ إلى منظومة عناصر من اللغة أو العلاقات، تشكّل (مدوّنة) أو نتاجاً شفهياً.
أما جورج مونان، في مساق حديثه عن دلالة النصّ التي تقترن بضرب من تركيب الألفاظ أو الكلمات، فقد أشار إلى دلالة المصطلح، التي تحيل على سلسلة متتابعة من العلامات اللفظية أو الإشارات الكتابية التي تنتظم في سياق يبرز تجانسها فذهب إلى اعتبار النص معادلاً للمتن كما هو معادلٌ للملفوظ "لا يعني إلاّ وثيقة مكتوبة وحدها بل كلّ المتون التي يستعملها اللغوي أو الألسني". (46)
وفي الثقافة الفلسفية وضمن أدبيات نقاد الغرب، فإنّ مصطلح خطاب برز في كتاب ديكارت "خطاب في المنهج"، للدّلالة على الخطاب الفلسفي في العصور الوسطى، وهي المرحلة التي سبقت عصر النهضة، وسرعان ما أصبح الخطاب في العصر الحديث يشكّل موضوعاً في الفكر الفلسفي الغربي والسيميائيات الحديثة.
من ذلك، عناية ميشال فوكو (M.Faucault) بهذا الجانب، معتبراً المصطلح أنموذجاً فلسفياً يلج مجال المعرفة العقلية التي تُعدّ الموجّه الأول للثقافة الغربية في مختلف مظاهرها الأساسية، ومقراً بأنّ الخطاب لابدّ أن يكون منظومة لغوية أو فكرية، وهو يتحدّد من القواعد التي تميّز مجموعة من المنظومات التي تنتظم داخل الممارسة النظامية، منظمة تسمح بتكوين مواضع البحث وتوزيعها، وتحدّد أنماط القول ولعبة الاحتمالات النظرية.
وأمام هذا الكمّ الهائـل من التحديدات، فإنّ تعريفـــات أخرى عكست وجهة النظر الخاصّة بالمعرفة وبالمرجعيات الفكرية التي انطق منها كلّ باحث، ولا أدلّ على ذلك التعريف القائل بأنّ "النصّ هو ما تنـقـرأ فيـه الكتابة، وتنكتب في القراءة" (47)
ويرى بول ريكور (Paul Ricœur) أنّ النصّ، خطابٌ تمّ تثبيته بواسطة الكتابة (48)، أي أنّ النصّ ما نكتبه وندونّه، وهي نظرة تلتقي مع وجهة نظر رولان بارت حين أقرّ مصطلح النسيج، (49) بمعنى أنّ النصّ يصنع نفسه باستمرار، وهو نسيج كما تنسج العنكبوت نسجها في شبكة متلاحمة منضدة.
وهكذا، فإذا كانت بعض الدّراسات النقدية، تحدّد مصطلح "خطاب" بأنه "مقولة من مقولات علم المنطق، تعني التعبير عن فكر مستدرج بواسطة قضايا مترابطة" (50) وكانت بعض المعاجم المختصة سيميائياً، تعدّه مرادفاً للنص (Texte) وهما لفظتان تدلان على أحكام غير لسانياتية" (51) فإن الــدّارس لرحلة المصطلح (خطاب) عبر مراحل تطوّره، يقف على محطات أساسية في مظهراته لدى الباحثين السيميائيين العرب، بدءاً من مرحلة التخلص من الترجمة الحرفية (النقل) إلى التعريب إلى الاشتقاق إلى الابتكار والإحياء. من ذلك، فقد خطا الباحث عبد السلام المسدي، خطوات هامّة، في تحديد علاقة حفريات المعرفة بخصوص مصطلح خطاب، فعالج مجموعة من المصطلحات المتقاربة والمتنائية في آنٍ واحد، فذكر مصطلح الملفوظ (énoncé) أو الجملة أو النص مهما كان نوعه وشكله كمرادفات لمصطلح خطاب" (52).
وأما مصطلح الملفوظ، في اعتقاده، فهو "جملة ما يتلفظ به الإنسان ويكون محدّداً ببداية ونهاية كأن يكون محصوراً بين سكوتين في الخطاب الشفوي أو بين علامات ابتداء وانتهاء وفي الخطاب المكتوب، والملفوظ، وبذلك يكون جملة أو فقرة أو نصّاً" (53). ثم أضاف، إذا كان الخطاب كياناً عضوياً يحدّده انسجام نوعي، وعلاقة تناسب قائمة بين أجزائه فإن اللغة مفهوم كلّي واللسان مفهوم نمطي والكلام مفهوم إنجازي (54)، والمدونة هي اللغة الموضوعة والخطاب اللساني المستنبط منها هو اللغة المحمولة، فتلك بنية قائمة، وهذه بنية مشتقة (55)، وهو بذلك أراد الاقتراب في جملة هذه المصطلحات ـ من المقولة التي تعدّ اللغة جنساً واللسان نوعاً والكلام شخصاً. وبين المصطلحين خطاب ونصّ، ذهب الباحث إلى الاعتقاد بأن النص يتعدّى مفهومه حدود الجملة أو الفقرة، له نظامه الخاصّ، فقد يتطابق مع مجموعة الجمل أو يتعدّى ذلك إلى كتاب بأكمله.
أما محمد مفتاح، فقد صاغ مصطلح خطاب وارتضاه عنواناً لإحدى دراساته (تحليل الخطاب الشعري ـ استراتيجية التناص)، وبين المصطلحين خطاب ونص، ذهب إلى اعتبار النصّ، هو الأعرق والأقدم، روجت له الدّراسات القديمة، وعرف تعريفات عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية ومنهاجية مختلفة بنيوية واجتماعية وأدبية ونفسانية ودلالية (56)، مضيفاً "أنّ النص مدونة كلامية، وحدث تواصلي تفاعلي مغلق وتوالدي" (57)، ووظف هذا المصطلح ضمن عنوان دراسته (دينامية النص).
وحين تلمس أكبر المؤلفات احتضاناً للمصطلحين (خطاب ونص) يشار إلى مؤلفه (التشابه والاختلاف)، حيث اعتبر فيه "أنّ هذين المفهومين إشكالٌ نال حظَّاً وافراً، أو قليلاً من المهتمين بنظرية الأدب ونظرية القراءة بمختلف تجلياتها، نظريات تحليل الخطاب، ونظريات التلقي" (58). وتجلى وجه آخر لهذين المصطلحين، من خلال قراءته في بعض المعاجم اللسانياتية السيميائية، التي أردفت بين مصطلحات مثل (النص والقول والخطاب والتلفظ) كمصطلحات متقاربة ومتغايرة (59). وبخصوص التفرقة بين المصطلحين، لخص محمد مفتاح الموقف فيما يأتي:
1 ـ أن النص "عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة، وأن الخطاب عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة" (60).
2 ـ وقوله "نحن نجعل الخطاب أعمّ من النصّ، فالتخاطب أعمّ من التناص". (61).
وبذلك يكون الباحث قد أثرى القاموس النـقدي المعاصر بجملة من المصطــــلحات الجديدة، موظفاً مصطلحات أخرى لم تحفل بها الدّراسات النقدية العربية والتي هي معظمها أنجلوساكسونية.
وفي الجهة الأخرى، ولما كان انتماء المصطلح إلى حقل معرفي منتجاً للمعرفة، خاضعاً لأطرها العامة الموجهة، خاض الباحث صلاح فضل في خصوصياته النقدية، نقلاً عن المنظرين اللسانياتيين والسيميائيين أوجد عدّة تحديدات أهمها: (62)
1 ـ نقلاً عن فردينارد دي سوسير، عدّ النصّ إنجازاً فعلياً للغة من طرف متكلّم واحد، وعلى هذا الأساس فإن المفهوم ـ في اعتقاده ـ ينطوي على أنّ الرسالة المكتوبة متركبة مثل العلامة أو الإشارة اللغة، يضم مجموعة من الدّوال بحدودها المادّية من حروف متسلسلة من كلمات وجمل وفقرات وفصول.
2 ـ ونقلاً عن رولان بارت، اعتبر النص نظاماً لا ينتمي إلى النظام اللغوي ولكنه على علاقة وشيجة معه، علاقة تماس وتشابه في الآن ذاته.
3 ـ وعن جاك دريدا (J.Dérida) اقترح محوراً جديداً للنصّ معتمداً على تاريخ الفلسفة بإلغاء التعارض بين المستمرّ والمنقطع، فالنصّ "نسيج لقيمات"
هكذا ومن خلال هذه القراءة لدى رولان بارت وسواه من السيميولوجيين استشف الباحث جملة من السمات هي:
1 ـ سمة تقاطع نص مع آخر.
2 ـ قوة التحول
3 ـ اختلافات الدّلالات، واللانهائية ثم التحول.
4 ـ التعدّد الدلالي.
5 ـ لبوس النص لمؤلّفه
6 ـ سمة الانفتاحية.
7 ـ لذة النصّ.
وفي مساق حديثه عن مصطلح نص (Texte)، وجد الباحث بين المصطلحين نفسه إزاء جملة من المقاربات التي قدّمتها البحوث البنيوية والسيميولوجية الحديثة، بينها "أن النص هو عملية إنتاجية، يتوفر على سمتين: (63)
الأولى: علاقته باللغة التي يتوقع فيها.
الثانية: تمثيله لعملية استبدال من نصوص أخرى.
ومن جراء هذه الملاحظات وأخرى مجتمعة، سوّى الباحث المصطلحين خطاب ونصّ، معتقداً أنه ثمة سمة أساسية أخرى للنص الأدبي شغلت الباحثين البنيويين والمهتمين بالأدب من التفكيكيين، وهي علاقة النص بالكتابة (écriture) وارتباطهما معاً بمصطلح خطاب (Discours) (64). بحيث يعدّ الخطاب من هذا المنظور حالة وسيطة تقوم ما بين اللغة والكلام، وهذه السمة ذات أهمية خاصّة في عمليات الفهم والتأويل، أي في عمليات إنتاج النصوص وإعادة إنتاجها مرّة أخرى.
وسعياً وراء التسوية بين المصطلحين، تذهب الباحثة فريال جبور غزول في حديثها عن سيميوطيقا الشعر لدى م. ريفاتير، إلى اعتبار المصطلحين سلسلة من وحدات إعلامية متعاقبة (65). وقد ظهر التمييز بين الخطاب والنص، وبين الخطاب والكلام وسواهما من المصطلحات لدى نقاد آخرين، هكذا، وترجمة لمقولات "إيميل بنفنيست" استفاد سعيد يقطين من بعض التحديدات المفاهيمية، معضداً استراتيجيته ببعض الأسس التي تنتمي إلى أحضان الدّراسات اللسانياتية والنقدية الغربية بمختلف اتجاهاتها، محاولاً التمييز بين نظامين هما "الحكي والخطاب" فالتلفظ القصصي يحتفظ به في اللغة المكتوبة بينما الخطاب كتابياً وشفوياً، ومن ثمة ميّز بين اللتفظ (Enoncé) والخطاب (Discours).
وفي نفس الاتجاه، ميّز الباحث أحمد يوسف بين مصطلحات هي: الخطاب والكلام وسواهما معتبراً (66)
2 ـ خطاب/ نصّ
إنّ مصطلح خطاب من المصطلحات التي ولجت في الدّراسات النقدية الحديثة، وأصبحت أكثر تداولاً لدى النقاد المعاصرين العرب، نتيجة احتكاكهم بالتيارات النقدية العالمية، ورغبة منهم في تجاوز المفاهيم التقليدية، والسعي إلى آفاق المعرفية العلمية، ومحاولة تجاوز الإشكالية التي طرحها مفهوم (نص) من النصوص النقدية.
فيحيل مفهوم النص ـ كما ورد في المعاجم العربية ـ على معنى الظهور والارتفاع والانتصاب وهو في معجم (لسان العرب)، يحمل دلالة الرفع حيث ورد نص الحديث ينصه نصاً، رفعه وكلّ ما أظهر فقد نُصّ... ويقال نصّ الحديث إلى فلان أي رفعه... والمنصة ما تظهر عليه العروس لترى، وكلّ شيء نصص فقد أظهره، وهناك لفظ النصّ والنصيص أي السير الشديد والحث، وأصل النص أقصى الشيء وغايته (30). ويعني المصطلح في موضعٍ آخر لدى ابن منظور التحديد حتى يستخرج أقصى سير الناقة (31)، ومنه نصت الدابة السير إذا أظهرت أقصى ما عندها.
وكان الزمخشري ضمن سلسلة طويلة من الأصوليين، الذين كان لهم الفضل، في لفت الأنظار إلى دلالة المصطلح، فقد قرّر لغة، أنّ المصطلح يعني الارتفاع والانتصاب حيث أنّ الماشطة تنصّ العروس فـتـقـعدها على المنصة وهي تنصّ عليها أي ترفعها، ونص فلان سيداً كنص، ونصصت الرجل إذا أخفيته من المسألة ورفّعته إلى حدّ ما عنده من العلم حتى استخرجته، وبلغ الشيء نصّه أي منتهاه.(32)
وكان الشافعي يرى أن النصّ: خطاب يعلم ما أريد به من الحكم سواء كان مستقلاً بنفسه أو علم المراد به يغيره نافياً الاجتهاد في النصّ وقابلاً الاجتهاد من النصّ" (33).
وبذلك فإنّ النصّ لدى أغلب الأصوليين، يقترن بالتعيين ونفي الاحتمال، واستبعاد التأويل، وإلغاء أي دلالة حافة يتضمنها المفهوم، وظهوره في الثقافة العربية، ظلّ يواجه فعالية الوصف والاستقراء؛ والتحليل، فما يتصل بأدلّة الأحكام من قرآنٍ وحديث، لكونهما نصين مقدّمين، ثم امتدّ ليشمل الأدب كضرب من ضروب الإبداع.
أمّا مصطلح (خطاب)، وحيثما ورد في تضاعيف المعاجم العربية، فهو يحيل على الكلام (34)، وقد استمدّ دلالته المذكورة من السّياق الذي ورد فيه القرآن الكريم، قال تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وفَصْلَ الخِطَابِ) (35) . وفي قولـه عزّ وجلّ: (فَقَالَ أكْفُلْنِيهَا وَعَزِّتِي فِي الخِطَابِ )(36). ويورد الزمخشري تفسيراً في فصل الخطاب بأنه الكلام المبين الدّال على المقصود بلا التباس" (37)، وهو موسوم بالبيان والتبيان، وتجنب الإبهام والغموض واللّبس، فخلق بين المصطلحين (كلام وخطاب) تلازماً يوجب الكثير من الاستقصاء والفحص الدّقيقين.
أمّا ابن جني، فقد عرّف الكلام، بأنّه لفظ مستقلّ بنفسه، مفيدٌ لمعناه، معتبراً أكمل داخل سياق الكلام هي الأخرى وحدات مستقلة على اختلال تراكيبها. وهو مذهب الشريف الجرجاني من الحديث عن المعنى المركّب. والآمدي الذي خصّ الكلام بمعنى الخطاب ثم التهانوي الذي دلل على الأصول الشفاهية للمصطلح، محاولاً إخراج لفظ الخطاب من كلّ ما يعتمد على الحركة والإيحاء والإشارة كوسائل للإفهام، كما أخرج أيضاً المهمل من الكلام، وكلّ كلام لا يقصد به الأصل في إفهام السّامع.
وعليه، فإنّ تحديد تعريف دقيق لدى الأصولية لمصطلح (الخطاب)، وفي الثقافة العربية، يقتضي بعض التريث، ذلك لأنه مصطلح شامل يتّسع لكثير من الدّلالات، فضلاً على اتساع المفهوم ليشمل كلام الله، ويشمل دلالات أخرى حافة. وهكذا اتضح أنّ هذه المادّة (نصص)، ذات معانٍ متعدّدة أهمها أربعة: هي الرفع والحركة، والإظهار وبلوغ الغاية.
وفي المعاجم العربية الحديثة يعدّ مصطلح (نصّ) أكثر المفاهيم تناولاً، فقد أورد صاحب معجم (الرائد) عشرة معانٍ لفعل (نصّ) هي نصّ على الشيء، حدّه، ونصّ القول أو الفعل: رفعه وأسنده إلى صاحبه، ونصّ الشيء: رفعه وأظهره، ونصّ العروس: أقعدها على المنصّة، ونصّ المتاع: جعل بعضه فوق بعض، ونصّه: استقصّ عن الشيء حتى استخرج ما عنده، ونصّ الناقة: استحثّها لتسرع، ونصّ عنقه: نصبه، رفعه ونصّ الشيء: حرّكه ونصّ الشيء: ظهر (38). وهناك تعريفات تختلف في دلالتها وتتفق حسب اجتهادات أصحابها وتوجّهاتهم من جهة، وحسب تطورات المصطلح من جهة أخرى، من ذلك النص يحوي دلالتين في "المعجم الأدبي" الأولى: كلام لا يحتمل معنىً واحداً مكتوب أو مطبوع (39)، والنصّ هو الأصل والجوهر، وهو مختلف عن الكلام، لأنه فرع وهامش مفهوم بالخطأ.
وفي الثقافة الغربية فإن الحفر من الأصول اللغوية الاصطلاحية لِ: الخطاب والنصّ، ليس مردّه إلى النظم المرجعية التي استمدّت منها المفاهيم وجودها، وحسب، وإنما اختلاف نقد المعرفة التي كانت محضناً مباشراً لكل مصطلح،وموجّهاً لدلالته في الثقافة المذكورة.
من هذا المنطلق، تحيلنا بعض المعاجم إلى مفهوم الخطاب الذي يحتوي أحياناً النص ويضعه في نطاق أوسع، فلا يعزله عن شروط تلفظه وتداولـه في مجالٍ حيوي نشيط (40). وهو في معجم اللسانيات (لجان ديبوا) Jean du bios، يعني الكلام (Parole) كمصطلح مرادف للملفوظ (énoncé) (41).
أما مصطلح نص في اللسانيات، فهو مقابل للدّلالة اللغوية Texte، يدلّ على النصوص والمتون العائدة لمؤلّف ما، كما يحيل على النسج، بينما دلالته الاصطلاحية تحيل على سلسلة من الكلمات تؤلّف تعبيراً حقيقياً في اللغة.
وقد أورد الباحثان قريماس وكورتيس ضمن ـ المعجم السيميائي المعقلن ـ مصطلحي الخطاب والنصّ مترادفين، ووفق معنى أحادي موحدٍ. للدّلالة على أحكام سيميائية غير لسانية، وذهبت النظرية السيميائية إلى عدّ الخطاب جهازاً ذو مستويات الواحد فوق الآخر، (42) وفي ضوء هذا التحديد السيميائي أمكن تلخيص جملة من الملاحظات أهمها.
1 ـ أن النص استخدم في اللسانيات للدّلالة على كلّ مكتوب أو ملفوظ مهما كان حجمه.
2 ـ إن النص وحدة لغوية وليست نحوية مثله مثل العبارة أو الجملة.
3 ـ دلالة الخطاب والنص واحدة.
أمّا في المعاجم اللغوية الفرنسية الموسوعية، فإنّ كلمة Discours ذات أصل لاتيني (Discursis) والنصّ (Texte)، تطلق على المتن، نصّ، جمع نصوص، متن، متون (43). وفي غير ذلك إن النص رد فعل اللغة نتيجة عمل أي (نسيج) (44)، يطلق النص (Texte) على الكتاب المقدّس أو كتاب القدّاس، وهو في اللاتينية (textus)، وتعني النسيج (Tissu) أو (trame)، كما تعني منذ العصر الإمبراطوري ترابط حكاية أو نصّ 45، فيتحوّل بذلك النصّ إلى منظومة عناصر من اللغة أو العلاقات، تشكّل (مدوّنة) أو نتاجاً شفهياً.
أما جورج مونان، في مساق حديثه عن دلالة النصّ التي تقترن بضرب من تركيب الألفاظ أو الكلمات، فقد أشار إلى دلالة المصطلح، التي تحيل على سلسلة متتابعة من العلامات اللفظية أو الإشارات الكتابية التي تنتظم في سياق يبرز تجانسها فذهب إلى اعتبار النص معادلاً للمتن كما هو معادلٌ للملفوظ "لا يعني إلاّ وثيقة مكتوبة وحدها بل كلّ المتون التي يستعملها اللغوي أو الألسني". (46)
وفي الثقافة الفلسفية وضمن أدبيات نقاد الغرب، فإنّ مصطلح خطاب برز في كتاب ديكارت "خطاب في المنهج"، للدّلالة على الخطاب الفلسفي في العصور الوسطى، وهي المرحلة التي سبقت عصر النهضة، وسرعان ما أصبح الخطاب في العصر الحديث يشكّل موضوعاً في الفكر الفلسفي الغربي والسيميائيات الحديثة.
من ذلك، عناية ميشال فوكو (M.Faucault) بهذا الجانب، معتبراً المصطلح أنموذجاً فلسفياً يلج مجال المعرفة العقلية التي تُعدّ الموجّه الأول للثقافة الغربية في مختلف مظاهرها الأساسية، ومقراً بأنّ الخطاب لابدّ أن يكون منظومة لغوية أو فكرية، وهو يتحدّد من القواعد التي تميّز مجموعة من المنظومات التي تنتظم داخل الممارسة النظامية، منظمة تسمح بتكوين مواضع البحث وتوزيعها، وتحدّد أنماط القول ولعبة الاحتمالات النظرية.
وأمام هذا الكمّ الهائـل من التحديدات، فإنّ تعريفـــات أخرى عكست وجهة النظر الخاصّة بالمعرفة وبالمرجعيات الفكرية التي انطق منها كلّ باحث، ولا أدلّ على ذلك التعريف القائل بأنّ "النصّ هو ما تنـقـرأ فيـه الكتابة، وتنكتب في القراءة" (47)
ويرى بول ريكور (Paul Ricœur) أنّ النصّ، خطابٌ تمّ تثبيته بواسطة الكتابة (48)، أي أنّ النصّ ما نكتبه وندونّه، وهي نظرة تلتقي مع وجهة نظر رولان بارت حين أقرّ مصطلح النسيج، (49) بمعنى أنّ النصّ يصنع نفسه باستمرار، وهو نسيج كما تنسج العنكبوت نسجها في شبكة متلاحمة منضدة.
وهكذا، فإذا كانت بعض الدّراسات النقدية، تحدّد مصطلح "خطاب" بأنه "مقولة من مقولات علم المنطق، تعني التعبير عن فكر مستدرج بواسطة قضايا مترابطة" (50) وكانت بعض المعاجم المختصة سيميائياً، تعدّه مرادفاً للنص (Texte) وهما لفظتان تدلان على أحكام غير لسانياتية" (51) فإن الــدّارس لرحلة المصطلح (خطاب) عبر مراحل تطوّره، يقف على محطات أساسية في مظهراته لدى الباحثين السيميائيين العرب، بدءاً من مرحلة التخلص من الترجمة الحرفية (النقل) إلى التعريب إلى الاشتقاق إلى الابتكار والإحياء. من ذلك، فقد خطا الباحث عبد السلام المسدي، خطوات هامّة، في تحديد علاقة حفريات المعرفة بخصوص مصطلح خطاب، فعالج مجموعة من المصطلحات المتقاربة والمتنائية في آنٍ واحد، فذكر مصطلح الملفوظ (énoncé) أو الجملة أو النص مهما كان نوعه وشكله كمرادفات لمصطلح خطاب" (52).
وأما مصطلح الملفوظ، في اعتقاده، فهو "جملة ما يتلفظ به الإنسان ويكون محدّداً ببداية ونهاية كأن يكون محصوراً بين سكوتين في الخطاب الشفوي أو بين علامات ابتداء وانتهاء وفي الخطاب المكتوب، والملفوظ، وبذلك يكون جملة أو فقرة أو نصّاً" (53). ثم أضاف، إذا كان الخطاب كياناً عضوياً يحدّده انسجام نوعي، وعلاقة تناسب قائمة بين أجزائه فإن اللغة مفهوم كلّي واللسان مفهوم نمطي والكلام مفهوم إنجازي (54)، والمدونة هي اللغة الموضوعة والخطاب اللساني المستنبط منها هو اللغة المحمولة، فتلك بنية قائمة، وهذه بنية مشتقة (55)، وهو بذلك أراد الاقتراب في جملة هذه المصطلحات ـ من المقولة التي تعدّ اللغة جنساً واللسان نوعاً والكلام شخصاً. وبين المصطلحين خطاب ونصّ، ذهب الباحث إلى الاعتقاد بأن النص يتعدّى مفهومه حدود الجملة أو الفقرة، له نظامه الخاصّ، فقد يتطابق مع مجموعة الجمل أو يتعدّى ذلك إلى كتاب بأكمله.
أما محمد مفتاح، فقد صاغ مصطلح خطاب وارتضاه عنواناً لإحدى دراساته (تحليل الخطاب الشعري ـ استراتيجية التناص)، وبين المصطلحين خطاب ونص، ذهب إلى اعتبار النصّ، هو الأعرق والأقدم، روجت له الدّراسات القديمة، وعرف تعريفات عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية ومنهاجية مختلفة بنيوية واجتماعية وأدبية ونفسانية ودلالية (56)، مضيفاً "أنّ النص مدونة كلامية، وحدث تواصلي تفاعلي مغلق وتوالدي" (57)، ووظف هذا المصطلح ضمن عنوان دراسته (دينامية النص).
وحين تلمس أكبر المؤلفات احتضاناً للمصطلحين (خطاب ونص) يشار إلى مؤلفه (التشابه والاختلاف)، حيث اعتبر فيه "أنّ هذين المفهومين إشكالٌ نال حظَّاً وافراً، أو قليلاً من المهتمين بنظرية الأدب ونظرية القراءة بمختلف تجلياتها، نظريات تحليل الخطاب، ونظريات التلقي" (58). وتجلى وجه آخر لهذين المصطلحين، من خلال قراءته في بعض المعاجم اللسانياتية السيميائية، التي أردفت بين مصطلحات مثل (النص والقول والخطاب والتلفظ) كمصطلحات متقاربة ومتغايرة (59). وبخصوص التفرقة بين المصطلحين، لخص محمد مفتاح الموقف فيما يأتي:
1 ـ أن النص "عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة، وأن الخطاب عبارة عن وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة" (60).
2 ـ وقوله "نحن نجعل الخطاب أعمّ من النصّ، فالتخاطب أعمّ من التناص". (61).
وبذلك يكون الباحث قد أثرى القاموس النـقدي المعاصر بجملة من المصطــــلحات الجديدة، موظفاً مصطلحات أخرى لم تحفل بها الدّراسات النقدية العربية والتي هي معظمها أنجلوساكسونية.
وفي الجهة الأخرى، ولما كان انتماء المصطلح إلى حقل معرفي منتجاً للمعرفة، خاضعاً لأطرها العامة الموجهة، خاض الباحث صلاح فضل في خصوصياته النقدية، نقلاً عن المنظرين اللسانياتيين والسيميائيين أوجد عدّة تحديدات أهمها: (62)
1 ـ نقلاً عن فردينارد دي سوسير، عدّ النصّ إنجازاً فعلياً للغة من طرف متكلّم واحد، وعلى هذا الأساس فإن المفهوم ـ في اعتقاده ـ ينطوي على أنّ الرسالة المكتوبة متركبة مثل العلامة أو الإشارة اللغة، يضم مجموعة من الدّوال بحدودها المادّية من حروف متسلسلة من كلمات وجمل وفقرات وفصول.
2 ـ ونقلاً عن رولان بارت، اعتبر النص نظاماً لا ينتمي إلى النظام اللغوي ولكنه على علاقة وشيجة معه، علاقة تماس وتشابه في الآن ذاته.
3 ـ وعن جاك دريدا (J.Dérida) اقترح محوراً جديداً للنصّ معتمداً على تاريخ الفلسفة بإلغاء التعارض بين المستمرّ والمنقطع، فالنصّ "نسيج لقيمات"
هكذا ومن خلال هذه القراءة لدى رولان بارت وسواه من السيميولوجيين استشف الباحث جملة من السمات هي:
1 ـ سمة تقاطع نص مع آخر.
2 ـ قوة التحول
3 ـ اختلافات الدّلالات، واللانهائية ثم التحول.
4 ـ التعدّد الدلالي.
5 ـ لبوس النص لمؤلّفه
6 ـ سمة الانفتاحية.
7 ـ لذة النصّ.
وفي مساق حديثه عن مصطلح نص (Texte)، وجد الباحث بين المصطلحين نفسه إزاء جملة من المقاربات التي قدّمتها البحوث البنيوية والسيميولوجية الحديثة، بينها "أن النص هو عملية إنتاجية، يتوفر على سمتين: (63)
الأولى: علاقته باللغة التي يتوقع فيها.
الثانية: تمثيله لعملية استبدال من نصوص أخرى.
ومن جراء هذه الملاحظات وأخرى مجتمعة، سوّى الباحث المصطلحين خطاب ونصّ، معتقداً أنه ثمة سمة أساسية أخرى للنص الأدبي شغلت الباحثين البنيويين والمهتمين بالأدب من التفكيكيين، وهي علاقة النص بالكتابة (écriture) وارتباطهما معاً بمصطلح خطاب (Discours) (64). بحيث يعدّ الخطاب من هذا المنظور حالة وسيطة تقوم ما بين اللغة والكلام، وهذه السمة ذات أهمية خاصّة في عمليات الفهم والتأويل، أي في عمليات إنتاج النصوص وإعادة إنتاجها مرّة أخرى.
وسعياً وراء التسوية بين المصطلحين، تذهب الباحثة فريال جبور غزول في حديثها عن سيميوطيقا الشعر لدى م. ريفاتير، إلى اعتبار المصطلحين سلسلة من وحدات إعلامية متعاقبة (65). وقد ظهر التمييز بين الخطاب والنص، وبين الخطاب والكلام وسواهما من المصطلحات لدى نقاد آخرين، هكذا، وترجمة لمقولات "إيميل بنفنيست" استفاد سعيد يقطين من بعض التحديدات المفاهيمية، معضداً استراتيجيته ببعض الأسس التي تنتمي إلى أحضان الدّراسات اللسانياتية والنقدية الغربية بمختلف اتجاهاتها، محاولاً التمييز بين نظامين هما "الحكي والخطاب" فالتلفظ القصصي يحتفظ به في اللغة المكتوبة بينما الخطاب كتابياً وشفوياً، ومن ثمة ميّز بين اللتفظ (Enoncé) والخطاب (Discours).
وفي نفس الاتجاه، ميّز الباحث أحمد يوسف بين مصطلحات هي: الخطاب والكلام وسواهما معتبراً (66)